رواية قطة في عرين الاسد الفصل الرابع 4 بقلم مني سلامة
الحلقة ( 4 )
جلس "حامد" فى بيته يشاهد احدى قنوات الرقص .. وصوت التلفاز يكاد يصم الآذان .. عندما رن جرس الباب .. توجه ليفتحه فوجد أمامه امرأة تكشف من جسدها أكثر مما تستر .. نظرت اليه بحده قائله :
- مفاجأة مش كدة
ظهرت عليه علامات الغضب وترك الباب مفتوح ودخل وعاد الى مكانه فوق الأريكة .. دخلت وأغلقت الباب ووقفت تنقل بصرها من التلفاز اليه وقالت :
- ممكن لو سمحت نتكلم شوية
قال بلامبالاه :
- مفيش حاجة نتكلم فيها
أمسك الريموت غاضبة وأغلقت التلفاز بعصبيه وقالت :
- لأ فى يا "حامد"
وقف وقال لها بغضب :
- انتى عايزه ايه يا "هايدى" بالظبط فى ليلتك اللى مش فايته دى
صاحب بغضب هى الأخرى :
- عايزه نتكلم فى المصيبة اللى أنا فيها دى
قال ببرود :
- اديكي قولتى المصيبة اللى انتى فيها .. انا دخلى ايه بأه
هتفت قائله :
- لا انت ليك وليك كمان .. مش انت السبب .. ولا أنا حملت لوحدى
صاح بسخرية :
- وأنا مضربتكيش على ايدك يا "هايدي" .. ومحدش قالك بتقى غبية ومتعمليش حسابك عشان حاجه زى كده متحصلش
قالت بتوتر بالغ :
- يعني ايه يا "حامد" اتصرف ازاى دلوقتى .. وايه اللى يمنع اننا نتجوز
صاح ضاحكاً :
- نـــ ايه ؟ .. سمعيني تانى كده .. نتجوز .. ليه شيفانى عيل برياله هتعرفى تضحكى عليه بكلمتين .. أنا مش بتاع جواز يا كتكوته .. وانتى عارفه كده من الأول
قالت وهى تبكى :
- بس أنا دلوقتى فى مصيبة
قال ببرود :
- اتصرفى عندك مليون طريقة تنزلى بيها اللى فى بطنك
ازداد بكائها قائله :
- بس أنا خايفه يا "حامد" .. خايفة يجرالى حاجه
زفر بضيق وصاح بحده :
- بقولك ايه بطلى قلة مزاج على المسا .. روحى شوفى هتتصرفى فى مصيبتك دى ازاى وحلى عن سمايا
نظرت اليه بإحتقار قائله :
- مكنتش أعرف انك حقير للدرجة دى
قال بسخرية :
- وآديكي عرفتى .. يلا بأه الباب يفوت جمل
جلس مكانه على الأريكة وأعاد تشغيل التلفاز مرة أخرى .. فتوجهت "هايدى" بإنكسار الى الباب وفتحته وخرجت
******************************
بعد عدة أيام "طارق" الى مكتب الدعاية .. ودلف الى مكتب "مريم" قائلاً :
- ازيك يا آنسه "مريم"
نظر اليه الثلاث فتيات .. أومأت "مريم" برأسها قائله :
- الحمد لله .. اتفضل يا فندم
جلس "طارق" فى مواجهتها ووجهت شاشة الحاسب تجاهه لتريه التصميمات قبل طبعها .. قال لها مبتسماً :
- شغلك ممتاز فعلاً .. والتعديلات زى ما طلبتها بالظبط .. شكلك فعلاً بروفيشنال
شكرته قائله :
- شكراً لذوق حضرتك
تمعن فى وجهها قائلاً :
- انتى مضايقة منى فى حاجه
نظرت اليه فى دهشة وقالت :
- لأ
قال بإستغراب :
- أمال ليه بتتكلمى معايا ناشف كده .. أنا اعتذرتلك المرة اللى فاتت عن تعبك معايا فى الحملة وأكيد هراعى ده لما آجى أدفع الدفعة التانية من الفلوس
قالت بجديه :
- أنا مش مضايقه من حضرتك فى حاجه .. وأنا مش قصدى أتكلم ناشف بس دى طريقتى وده اسلوبى
ثم عادت تنظر الى الحاسوب قائله :
- ان شاء الله التصميمات هتدخل المطبعه من بكرة .. وخلال 3 أيام بالظبط هتكون كل حاجة جاهزة وتقدر حضرتك تستلمهم فى أى وقت
وقف قائلاً :
- تمام أوى .. حابب أتكلم مع أستاذ "عماد" شوية .. متعرفيش هو فى مكتبه ولا لا
نظرت اليه قائله :
- لأ معرفش .. تقدر حضرتك تسأل السكرتيره
أومأ برأسه قائلاً :
- تمام .. ومتشكر مرة تانية
بعد ربع ساعة .. قامت "مريم" وحملت حقيبتها قائله :
- سلام بأه أنا ماشية
قالت "مى" دون أن ترفع عينيها عن حاسوبها :
- سلام يا "مريم"
سألتها "مريم" :
- مش هتروحى
قالت "مى" بحنق :
- شوية كده .. لسه عندى شغل
قالت وهى تتوجه الى الباب :
- طيب سلام أشوفك بكرة
خرجت "مريم" من باب العمارة لتجد "خالد" يقوم بركن سيارته .. شعرت بالضيق من تلك الصدفة التى جمعتها به ثانياً .. حاولت السير فى طريقها .. لكنه رآها وأقبل عليها يوقفها قائلاً بغضب :
- بأه حته بتاعه زيك ترفض تمسكلى الحملة بتاعتى .. ليه فاكره نفسك مين .. انتى متعرفيش أنا مين ولا ايه يا بت انتى
نظرت اليه بحده ائله :
- مسمحلكش تتكلم معايا بالإسلوب ده
قال بسخريه :
- نعم .. متسمحيليش .. هو أنا محتاج اذنك .. أنا حالا هطلع لمديرك وأخليه يشوف شغله معاكى .. عشان تعرفى ازاى تبقى محترمة وازاى تتكلمي مع الناس المحترمة
قالت بصرامة :
- أنا محترمة غصب عنك .. ومش محتاجة حد يعلمنى ازاى أبقى محترمة
استشاط غضباً وقال :
- انتى ازاى تتكملى معايا كده .. انتى اتجننتى فى عقلك
سمع "طارق" جزء من الحوار عندما خرج من بوابة العمارة وهم بالتوجه الى سيارته لكن صوت الصراخ جذب انتباهه واسمتع الى جزء من الحوار واقترب منهما قائلاً :
- فى حاجه يا آنسه "مريم"
نظر اليه "خالد" قائلاً :
- انت مين انت كمان .. متخليك فى حالك
همت "مريم" بالمغادرة لكن "خالد" وقف أمامها قائلاً :
- استنى أنا لسه مخلصتش كلامى
قالت بصرامة :
- وأنا معنديش استعداد أسمع منك حرف واحد .. عندك مشكلة اعرضها على أستاذ "عماد" ومتضطرنيش أتصرف معاك تصرف ميعجبكش
صاح غاضباً :
- انتى فعلا اتجننتى فى عقلك .. انتى فاكرة نفسك مين يا بنت انتى ما تفوقى لنفسك
وقف "طارق" فى وجهه قائلاً :
- لأ لحد كدة وكفاية .. ازاى تتكلم معاها كده
التفت اليه "خالد" قائلاً :
- وانت مالك انت .. مالك وملها
قال "طارق" بحزم :
- انا خطيبها عندك اعتراض .. يلا اتفضل امشى
شعرت "مريم" بالدهشة لادعائه بأنها خطيبته .. لكن كان هذا كفيل بأن يرحل "خالد" وهو يرمقها بنظرات غيظ .. همت "مريم" بالمغادرة لكن "طارق" أوقفها قائلاً :
- هو بيضايقك ليه
قالت بتوتر :
- عشان رفضت أمسك الحملة الإعلانيه بتاعة شركته
نظر اليها مستفهماً :
- ورفضتى ليه
قالت بإقتضاب :
- عشان انسان مش محترم
ثم قالت دون أن تنظر اليه :
- بعد اذنك
أوقفها قائلاً :
- طيب تعالى اتفضلى معايا وأنا أوصلك
وجهت اليه نظرات نارية لكنها حافظت على هدوء صوتها قائله :
- آسفة مبركبش مع حد .. بعد اذنك
انصرفت "مريم" فى طريقها وعينا "طارق" تتابعانها لفترة ثم ركب سيارته وانطلق فى طريقه
****************************
جلست "مريم" كالعادة على الأريكة أمام التلفاز دون أن ترى حقاً ما يتم عرضه أمامها .. كانت فى عالم آخر .. تلقى نظرة كل فترة على الساعة المعلقة على الحائط .. وكالعادة تأهبت عندما اقتربت الساعة من الثانية عشر بعد منتصف الليل .. وتوجهت الى حقيبة الرسائل وأخذت تبحث عن الخطاب الذى يحمل رقم 54 .. دقت الساعة لتعلن الوقت الثانية عشر فتحت الخطاب بلهفة وشغف .. وعيناها تلمعان وبسمة صغيره على شفتيها .. قرأت بعينيها وقلبها وروحها :
- حبيبتى "مريم" .. كيف أنتِ الآن .. أتهتمين بنفسك حبيبتى .. أم عدتِ الى اهمال نفسك وطعامك مرة خرى .. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً ولا تعصين لى أمراَ .. لذلك إن كنتى تحبينني بالفعل فستهتمين بنفسك أكثر .. كيف حالك مع الله .. أتواظبين على قراءة وردك أم تتكاسلين .. أعرف جيداً أن حبيتى لا تتكاسل عن فعل الخير .. لكنى أذكرك فحسب .. لا تقطعين خيراً تفعليه .. وارمى سهماً فى كل خير تجديه .. حبيبتى طلبى هذا الإسبوع هو زيارة صغيرة منكِ الى والدتى .. التى أشفق عليها وعلى حالها .. أعلم أنها زيارة لا تفيد .. لكنى أريدك أن تقومى بها .. من أجلى يا "مريم" .. حبيبك : ماجد
ضمت الجواب الى صدرها واستنشقته لعلها تجد رائحة "ماجد" وقد علقت به .. ثم أضافته الى باقى الخطابات فى درج الكمودينو .. أنهت قراءة وردها ووضعت المصحف بجوارها وأغلقت النور .. ظلت شاردة قليلاً .. وعزمت فى الصباح على تنفيذ ما طلبه منها "ماجد" .. زيارة والدتــه التــى تعيـــش فى أحــد دور المسنيـــن .
***************************
حاول "مراد" النوم لكنه شعر بالأرق ففتح الشرفة ووقف فيها .. همت والدته بغلق شباك غرفتها عندما رأته .. فتوجهت الى غرفته وطرقت الباب .. فتح لها "مراد" ودعاها للدخول .. قالت :
- شوفتك من شباك أوضتى عرفت انك صاحى
- مش جايلى نوم
جلست أمه على أريكة فى الغرفة وجلس بجوارها قائلاً :
- عمتو عامله ايه دلوقتى
نظرت اليه بتمعن قائله :
- كويسة .. بس مش هى اللى قلقانى
قال بقلق :
- "سارة" و "نرمين" كويسين
قالت بنبرة ذات معنى :
- أيوة كويسين بس انت اللى مش كويس يا "مراد"
قال "مراد" بهدوء :
- ليه مش كويس ليه ما أنا زى الفل أهو
نظرت اليه أمه بعتاب قائله :
- مش ناوى تفرحنى يا "مراد" و تتجوز وأشوف ولادك وأطمن عليك قبل ما أموت
قال "مراد" على الفور :
- ربنا يبارك فى صحتك وفى عمرك يا أمى
قالت بإصرار :
- رد على سؤالى .. ناوى تتجوز امتى .. ناوى تفرحنى بيك امتى
قال "مراد" بضيق :
- أمى لو سمحتى مش حابب أتكلم فى الموضوع ده
قالت أمه بحده :
- يعني ايه مش حابب .. انت هتفضل دافن نفسك بالحيا كده لحد امتى .. مفيش فى حياتك غير شغل وبس
قام "مراد" بعصبيه وقال :
- وأنا مش حابب يكون فى حياتى غير الشغل وبس
نهضت ووقفت فى مواجهته قائله :
- لأ .. أنا مش ممكن أسمحلك تضيع شبابك كده
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- أنا مبسوط كده
هتفت أمه :
- بس أنا مش مبسوطة يا "مراد" .. ولا انت مبسوط .. ده أنا حتى مبشوفكش بتبتسم .. انت مفيش حاجه بتعملها ولا بتفكر فيها غير شغلك .. حياتك فاضية يا "مراد"
قال "مراد" بحزم :
- لأ مش فاضية انتى و"سارة" و "نرمين" وعمتو ملينها عليا
قالت أمه بحده :
- "مراد" .. دور على عروسه .. ولو مش لاقى قولى وأنا أدورلك .. عايزه أشوفك متجوز يا "مراد" وعندك بيت واسرة
قال "مراد" بمرارة :
- ما أنا اتجوزت يا أمى .. اتجوزت
رقت ملامح أمه وقالت بحزن :
- مش كل البنات يا ابنى زى ......
قاطعها قائلاً بعنف :
- لأ كلهم زى بعض .. ميفرقوش حاجة عن بعض .. كلهم عينه واحده .. وأنا مش ممكن أذل نفسي لواحده فيهم .. ولا يبقى لأى ست تأثير عليا
قتربت أمه منه تحاول تهدئته فقال بحده :
- لو سمحتى يا أمى .. متفتحيش الموضوع ده تانى معايا .. أنا مش هتجوز أبداًً .. مهما قولتى ومهما عملتى .. وده قراري ومش ممكن أغيره أبداً
نظرت اليه أمه بأسى وأستسلام .. ثم غادرت الغرفـة فى صمـــت .. جلس "مراد" على فراشه وهو يغطى وجهه بكفيه ثم قام ودخل الشرفة مرة أخرى وجلس على أحد المقاعد شــارداً .. فى ظلمــة الليــل البهيـــم .
_______________________________________________________
استيقظت "مريم" فى الصباح التالى وقد عزمت على زيارة والدة "ماجد" كما طلب منها فى خطابه الذى قرأته بالأمس .. خرجت وركبت المترو كالعادة وتوجهت الى أحد دور المسنين .. دخلت غرفة والدة "ماجد" لتجدها مستلقية على فراشها تنظر الى سقف الغرفة فى صمت .. شعرت بالألم يغزو قلبها وهى تراها على هذه الحالة .. اقتربت منها .. لم تحرك المرأة ساكناً .. لم تنظر حتى اليها .. ظلت تنظر الى سقف الغرفة وكأنها لا تعى ما يدور حولها .. اقتربت منها "مريم" أكثر ومسحت بكفها على رأسها .. والعبرات تترقرق فى عينيها لحال المرأة النائمة على الفراش أمامها .. اقتربت منها احدى العاملات بالدار .. فالتفتت اليها "مريم" قائله :
- هى عاملة ايه دلوقتى
قالت العاملة فى اسف :
- زى ما انتى شايفه .. مبتتكلمش ولا بتستجيب لأى علاج
قالت "مريم" بحزن :
- مواظبين على العلاج بتاعها
- أيوة من يوم ماجت واحنا بنهتم بيها وبحالتها .. ودكتور الدار كمان مهتم بيها لانها صعبانه عليه .. بس اظاهر انها هتقضى باقى أيامها وهى كده .. لانه بيقول انها مبتستجبش للعلاج نهائى
ألقت عليها "مريم" نظرة متألمه ثم التفتت للمرأة قائله :
- طيب ورجلها
- برده يا بنتى لسه ما بتقدرش تمشى عليها .. لا بتتكلم ولا حتى بتتحرك من مكانها .. ربنا يكون فى عونها
جلست "مريم" قبالتها على الفراش وتحدث اليها قائله :
- ماما .. ازي صحتك .. انتى مش عارفانى .. أنا "مريم"
لم تجد أى استجابه من المرأة .. فانحنت عليها تقبل رأسها وملامح الألم مرسومة على وجهها ثم توجهت "مريم" الى غرفة مديرة الدار وقالت لها :
- مينفعش أخدها تعيش معايا
قالت مديرة الدار :
- لو خدتيها يبأه تخلى بالك انها محتاج معاملة خاصة .. واهتمام 24 ساعة لانها مبتقدرش تعمل أى حاجه لنفسها .. انتى متفرغة
قالت "مريم" بأسف :
- لأ بشتغل .. وللأسف مضطرة أشتغل
قالت مديرة الدار :
- يبقى مش هتعرفى تهتمى بيها يا بنتى .. مينفعش تتساب لوحدها .. لازم مرافق ليها 24 ساعة .. من رأيى خليها هنا أفضل .. لانك مش هتعرفى تهتمى بيها الإهتمام المطلوب
قالت "مريم" بألم :
- طيب وحالتها الصحية .. مش ممكن تتحسن
- والله ده علمه عند ربنا .. بس هى مفيش عندها أى استجابة للعلاج .. ولا بتتفاعل حتى مع غيرها من المقيمين هنا .. ولا بتحاول حتى تتفاعل معاهم .. على طول لوحدها .. هى سامعة وشايفة كل حاجة .. بس مفيش استجابة .. واضح ان صدمتها كانت شديدة أوى
شكرها "مريم" ونهضت بأسى .. خرجت من الدار وهى تحاول أن تغالب دموعها التى انهمرت من عينيها رغماً عنها
******************************
دخلت "سهى" مكتب سكرتيرة "خالد" وقالت لها :
- أنا عندى معاد دلوقتى مع البشمهندس "خالد"
بعد عدة دقائق أدخلتها السكرتيرة .. توجهت الى مكتب "خالد" مبتسمة وقالت :
-ازي حضرتك يا بشمهندس
قال ببرود :
- الحمد لله اتفضلى
جلست وأخرجت ملفاً من حقيبتها وقالت :
- أستاذ "عماد" قالى آجى لحضرتك وأشوف تفاصيل الشغل اللى حضرتك عايزه
قال بنبرة متعالية :
- أيوة لانى مش هاجى شركتكوا تانى.. يعد كدة حد منكوا هو اللى يجيلى هنا وأشرحله اللى أنا عايزه .. لان اظاهر انكوا مبتعرفوش تختاروا الناس اللى بتشتغل فى الشركة .. وأنا لولا سمعتكوا فى السوق وجودة شغلكوا أنا مكنتش اتعاملت معاكوا تانى
ابتسمت "سهى" قوالت :
- أنا مش عارفه حضرتك مضايق مننا ليه .. بس عامة أنا واثقه ان حضرتك مش هتضايق من شغلك معايا
ثم ضحكت قائله :
- هى "مريم" معلش قفل شوية فممكن يكون ده ضايقك
قال بهدوء :
- دى مش قفل .. دى قليلة الأدب
ابتسمت قائله :
- معلش يا بشمهندس حقك علينا .. وان شاء الله هعملك أحسن من الشغل اللى كانت هتعمله "مريم"
ابتسم قائلاً :
- اما نشوف
********************************
جلس الأربعة رجال معاً على طاولة الإجتماعات فبدأ "طارق" فى الحديث قائلاً :
- أنا شايف ان هى دى مواصفات المنتج اللى احنا عاوزينه
أخذ الجميع يتفحص ما أمامهم من قطع ملابس .. قال "سامر" :
- انا كمان رأيي كدة يا "طارق" وكمان دراسة الجدوى اللى عملناها بتقول ان الأرباح هتكون مضمونة ان شاء الله
قال "حامد" :
- يعني رغم انى لسه عند رأيي الأولانى اننا نريح دماغنا ونشتغل للطبقة الراقية .. بس دراسة الجدوى اللى اتعملت شجعتنى بصراحة .. وأنا شايف زيكوا ان المنتج ممتاز زى ما احنا عايزين
التفت "طارق" الى "مراد" قائلاً :
- وانت يا "مراد" ايه رأيك
قال "مراد" :
- ممتاز يا "طارق" .. بس معلش لازم نهتم بالفينيشينج أكتر من كدة
قال "حامد" بسخرية :
- أكتر من كدة ايه يابنى أنا شايف انه مناسب للطبقة المتوسطة دى .. يعني كويس أصلا اننا بنقدملهم منتج بالجودة دى والسعر ده
قال "مراد" بحزم :
- يا نشتغل صح يا منشتغلش .. وأنا بحب أهتم بالتفاصيل الدقيقة دى .. الفينيشينج كويس بس لازم يكون أفضل من كدة
قال "طارق" :
- خلاص مفيش مشكلة نهتم بالفينيشينج أكتر .. وأنا هبلغهم كدة فى المصنع .. بس مبدأياً أنا شايف انه كله تمام
قال "سامر" مستفهماً :
- مش المفروض نبتدى الدعاية .. يعني مش عايزين نتأخر لان الأيام اللى جاية موسم وعايزين نستغلها
أومأ "مراد" برأسها قائلاً :
- فعلاً معاك حق يا "سامر" .. أنا هتكلم مع مدير شركة الدعاية اللى بتعامل معاها ونبدأ فوراً ان شاء الله
قال "طارق" :
- لأ أنا أعرف شركة كويسة وتعاملهم ممتاز ومواعيدهم مظبوطة
التفت اليه "مراد" قائلاً :
- شركة ايه ؟
- اسمها رؤية
فكر "مراد" قليلاً ثم قال :
- مسمعتش عنهم قبل كدة
أخرج "طارق" من حقيبته أحد الملفات وأعطاها الى "مراد" قائلاً :
- دى تصميمات الدعاية اللى عملتها عندهم لشركتى
أخذ "مراد" الملف يتفحصه .. ثم قال مستفهماً :
- أخد منهم وقت أد ايه الشغل ده ؟
قال "طارق" مبتسماً :
- اسبوع
قال "مراد" بدهشة :
- اسبوع .. فترة صغيرة جدا على شغل عالى زى ده
- أيوة الديزاينر الى عملته واضح انها مجتهدة جداً
قال "سامر" مندهشاً :
- فعلاً الشغل ممتاز فى وقت قياسى
قال "مراد" بإعجاب وهو مازال يتفحص التصميمات التى أمامه :
- تنسيق التصميم ممتاز ومكان اللوجو والألوان نفسها والفونت .. بصراحة شغل عالى جداً
ثم التفت الى "طارقٌ" قائلاً :
- وجودة التصاميم بعد التنفيذ
قال "طارق" :
- لسه مستلمتش الشغل بعد يومين هستلمه ان شاء الله بس أنا اتعاملت معاهم قبل كدة من كذا سنة وخامات الورق كانت ممتازة
قال "مراد" بإهتمام :
- طيب تمام يبقى هاتلى رقمهم أو قولى عنوانهم وأنا هتواصل معاهم
صمت "طارق" قليلاً ثم قال :
- كدة كدة أنا بتعامل معاهم .. سبنى أنا اتفق معاهم على الحملة بتاعة شراكتنا .. وعامة احنا الاتنين ذوقنا فى الشغل واحد
قال"حامد" ساخراً :
- وأنا و "سامر" ملناش رأي فى القصة دى ولا ايه
التفت اليه "سامر" وهو ينظر الى التصميمات قائلاً :
- ديزاينر زى دي تسلمها نفسك وانت مطمن .. بجد شغلها راقى جداً
التفت الي "طارق" قائلاً :
- اسمها ايه يا "طارق"
نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مريم"
لوك "سامر" الاسم فى لسانه قائلاً :
- "مريم" .. بس ليه مش ماضيه على التصميمات بإسمها
هز "طارق" كتفيه قائلاً :
- معرفش بس أكيد عشان بتشتغل تبع شركة دعاية فالامضاء بتكون باسم الشركة مش بإسمها هى
قال "سامر" بحماس :
- على فكرة لو اشتغلت لوحدها هتعمل اسم جامد
قاطعهم "مراد" وهو يقف قائلاً :
- خلاص زى ما اتفقنا .. "طارق" اهتم بموضوع الفينيشينج والحملة .. سلام أنا راجع المكتب عشان عندى معاد دلوقتى
خرج "مراد" فهتف "حامد" قائلاً :
- الراجل ده مبيريحش نفسه أبداً .. ده ماكنة شغل
قال "سامر" وهو ينهض :
- وعشان كدة دماغه جامدة فى الشغل .. وتدخل معاه أى مشروع وانت مطمن .. يلا سلام يا شباب
قال له "حامد" مبتسماً :
- امتى افتتاح الجاليري بتاعك
ابتسم "سامر" قائلاً :
- يعني لسه شوية .. بظبط فيه .. بس قريب أكيد
قال "طارق" مبتسماً بحماس :
- ايه ده أخيراً نويت تعرض أعمالك على الناس
قال "سامر" :
- أيوة يا سيدى خلاص نفذت الفكرة اللى كنت بأجل فيها
قال "طارق" مشجعاً ايه :
- متقلقش يا "سامر" ان شاء الله هينجح نجاح كبير لانك فنان موهوب
قال "حامد" ساخراً :
- آه موهوب أوى هتقولى على مواهبه
التفت اليه "سامر" بحده :
- هو انت مبتعرفش تقول كلمة كويسة أبداً .. كل كلامك سخرية كده
نهض "حامد" وتوجه الى الباب قائلاً :
- سيبنالكوا انتوا الكلام الحلو .. يلا سلام أنا كمان مش فاضيلكوا
********************************
اقتربت "مى" من "مريم" الجالسه على مكتبها وقالت :
- ايه اللى حصل امبارح ؟
نظرت اليها "مريم" بدهشة وقالت :
- مش فاهمة .. ايه اللى حصل فى ايه
ألقت "مى" نظرة على "سهى" المندمجة فى عملها وقالت ل "مريم" بخفوت :
- نزلت امبارح بعدك على طول أجيب حاجة من السوبر ماركت اللى أدم العماره .. لقيتك واقفة مع الأستاذ "طارق" بتتكلموا وبعدين سبتيه ومشيتي
قالت "مريم" وهى تضرب بأصابعها فوق لوحة المفاتيح :
- مفيش اللى اسمه "خالد" ده وقفنى وكان بيغتت عليا .. فجه أستاذ "طارق" يشوف فى ايه
نظرت اليها "مى" وقالت بإهتمام :
- قالك ايه يعني
قالت "مريم" بنفاذ صبر وهى تنظر اليها :
- ما قاليش حاجه يا "مى" هيقولى ايه يعني سأل بس هو فى ايه .. واللى اسمه "خالد" ده عمال بيتغابي فى الكلام فأستاذ "طارق" حاشه عنى واضطر يقوله انى خطيبته عشان يسيبنى ويمشى
قالت "مى" بضيق :
- قال انك خطيبته ؟
قالت "مريم" بصوت خافت :
- أيوة اضطر يقول كده عشان "خالد" يحترم نفسه ويمشى
أومأت "مى" برأسها وعادت الى مكتبها ويبدو عليها علامات الضيق والحنق
**************************
يتبع
جلس "حامد" فى بيته يشاهد احدى قنوات الرقص .. وصوت التلفاز يكاد يصم الآذان .. عندما رن جرس الباب .. توجه ليفتحه فوجد أمامه امرأة تكشف من جسدها أكثر مما تستر .. نظرت اليه بحده قائله :
- مفاجأة مش كدة
ظهرت عليه علامات الغضب وترك الباب مفتوح ودخل وعاد الى مكانه فوق الأريكة .. دخلت وأغلقت الباب ووقفت تنقل بصرها من التلفاز اليه وقالت :
- ممكن لو سمحت نتكلم شوية
قال بلامبالاه :
- مفيش حاجة نتكلم فيها
أمسك الريموت غاضبة وأغلقت التلفاز بعصبيه وقالت :
- لأ فى يا "حامد"
وقف وقال لها بغضب :
- انتى عايزه ايه يا "هايدى" بالظبط فى ليلتك اللى مش فايته دى
صاحب بغضب هى الأخرى :
- عايزه نتكلم فى المصيبة اللى أنا فيها دى
قال ببرود :
- اديكي قولتى المصيبة اللى انتى فيها .. انا دخلى ايه بأه
هتفت قائله :
- لا انت ليك وليك كمان .. مش انت السبب .. ولا أنا حملت لوحدى
صاح بسخرية :
- وأنا مضربتكيش على ايدك يا "هايدي" .. ومحدش قالك بتقى غبية ومتعمليش حسابك عشان حاجه زى كده متحصلش
قالت بتوتر بالغ :
- يعني ايه يا "حامد" اتصرف ازاى دلوقتى .. وايه اللى يمنع اننا نتجوز
صاح ضاحكاً :
- نـــ ايه ؟ .. سمعيني تانى كده .. نتجوز .. ليه شيفانى عيل برياله هتعرفى تضحكى عليه بكلمتين .. أنا مش بتاع جواز يا كتكوته .. وانتى عارفه كده من الأول
قالت وهى تبكى :
- بس أنا دلوقتى فى مصيبة
قال ببرود :
- اتصرفى عندك مليون طريقة تنزلى بيها اللى فى بطنك
ازداد بكائها قائله :
- بس أنا خايفه يا "حامد" .. خايفة يجرالى حاجه
زفر بضيق وصاح بحده :
- بقولك ايه بطلى قلة مزاج على المسا .. روحى شوفى هتتصرفى فى مصيبتك دى ازاى وحلى عن سمايا
نظرت اليه بإحتقار قائله :
- مكنتش أعرف انك حقير للدرجة دى
قال بسخرية :
- وآديكي عرفتى .. يلا بأه الباب يفوت جمل
جلس مكانه على الأريكة وأعاد تشغيل التلفاز مرة أخرى .. فتوجهت "هايدى" بإنكسار الى الباب وفتحته وخرجت
******************************
بعد عدة أيام "طارق" الى مكتب الدعاية .. ودلف الى مكتب "مريم" قائلاً :
- ازيك يا آنسه "مريم"
نظر اليه الثلاث فتيات .. أومأت "مريم" برأسها قائله :
- الحمد لله .. اتفضل يا فندم
جلس "طارق" فى مواجهتها ووجهت شاشة الحاسب تجاهه لتريه التصميمات قبل طبعها .. قال لها مبتسماً :
- شغلك ممتاز فعلاً .. والتعديلات زى ما طلبتها بالظبط .. شكلك فعلاً بروفيشنال
شكرته قائله :
- شكراً لذوق حضرتك
تمعن فى وجهها قائلاً :
- انتى مضايقة منى فى حاجه
نظرت اليه فى دهشة وقالت :
- لأ
قال بإستغراب :
- أمال ليه بتتكلمى معايا ناشف كده .. أنا اعتذرتلك المرة اللى فاتت عن تعبك معايا فى الحملة وأكيد هراعى ده لما آجى أدفع الدفعة التانية من الفلوس
قالت بجديه :
- أنا مش مضايقه من حضرتك فى حاجه .. وأنا مش قصدى أتكلم ناشف بس دى طريقتى وده اسلوبى
ثم عادت تنظر الى الحاسوب قائله :
- ان شاء الله التصميمات هتدخل المطبعه من بكرة .. وخلال 3 أيام بالظبط هتكون كل حاجة جاهزة وتقدر حضرتك تستلمهم فى أى وقت
وقف قائلاً :
- تمام أوى .. حابب أتكلم مع أستاذ "عماد" شوية .. متعرفيش هو فى مكتبه ولا لا
نظرت اليه قائله :
- لأ معرفش .. تقدر حضرتك تسأل السكرتيره
أومأ برأسه قائلاً :
- تمام .. ومتشكر مرة تانية
بعد ربع ساعة .. قامت "مريم" وحملت حقيبتها قائله :
- سلام بأه أنا ماشية
قالت "مى" دون أن ترفع عينيها عن حاسوبها :
- سلام يا "مريم"
سألتها "مريم" :
- مش هتروحى
قالت "مى" بحنق :
- شوية كده .. لسه عندى شغل
قالت وهى تتوجه الى الباب :
- طيب سلام أشوفك بكرة
خرجت "مريم" من باب العمارة لتجد "خالد" يقوم بركن سيارته .. شعرت بالضيق من تلك الصدفة التى جمعتها به ثانياً .. حاولت السير فى طريقها .. لكنه رآها وأقبل عليها يوقفها قائلاً بغضب :
- بأه حته بتاعه زيك ترفض تمسكلى الحملة بتاعتى .. ليه فاكره نفسك مين .. انتى متعرفيش أنا مين ولا ايه يا بت انتى
نظرت اليه بحده ائله :
- مسمحلكش تتكلم معايا بالإسلوب ده
قال بسخريه :
- نعم .. متسمحيليش .. هو أنا محتاج اذنك .. أنا حالا هطلع لمديرك وأخليه يشوف شغله معاكى .. عشان تعرفى ازاى تبقى محترمة وازاى تتكلمي مع الناس المحترمة
قالت بصرامة :
- أنا محترمة غصب عنك .. ومش محتاجة حد يعلمنى ازاى أبقى محترمة
استشاط غضباً وقال :
- انتى ازاى تتكملى معايا كده .. انتى اتجننتى فى عقلك
سمع "طارق" جزء من الحوار عندما خرج من بوابة العمارة وهم بالتوجه الى سيارته لكن صوت الصراخ جذب انتباهه واسمتع الى جزء من الحوار واقترب منهما قائلاً :
- فى حاجه يا آنسه "مريم"
نظر اليه "خالد" قائلاً :
- انت مين انت كمان .. متخليك فى حالك
همت "مريم" بالمغادرة لكن "خالد" وقف أمامها قائلاً :
- استنى أنا لسه مخلصتش كلامى
قالت بصرامة :
- وأنا معنديش استعداد أسمع منك حرف واحد .. عندك مشكلة اعرضها على أستاذ "عماد" ومتضطرنيش أتصرف معاك تصرف ميعجبكش
صاح غاضباً :
- انتى فعلا اتجننتى فى عقلك .. انتى فاكرة نفسك مين يا بنت انتى ما تفوقى لنفسك
وقف "طارق" فى وجهه قائلاً :
- لأ لحد كدة وكفاية .. ازاى تتكلم معاها كده
التفت اليه "خالد" قائلاً :
- وانت مالك انت .. مالك وملها
قال "طارق" بحزم :
- انا خطيبها عندك اعتراض .. يلا اتفضل امشى
شعرت "مريم" بالدهشة لادعائه بأنها خطيبته .. لكن كان هذا كفيل بأن يرحل "خالد" وهو يرمقها بنظرات غيظ .. همت "مريم" بالمغادرة لكن "طارق" أوقفها قائلاً :
- هو بيضايقك ليه
قالت بتوتر :
- عشان رفضت أمسك الحملة الإعلانيه بتاعة شركته
نظر اليها مستفهماً :
- ورفضتى ليه
قالت بإقتضاب :
- عشان انسان مش محترم
ثم قالت دون أن تنظر اليه :
- بعد اذنك
أوقفها قائلاً :
- طيب تعالى اتفضلى معايا وأنا أوصلك
وجهت اليه نظرات نارية لكنها حافظت على هدوء صوتها قائله :
- آسفة مبركبش مع حد .. بعد اذنك
انصرفت "مريم" فى طريقها وعينا "طارق" تتابعانها لفترة ثم ركب سيارته وانطلق فى طريقه
****************************
جلست "مريم" كالعادة على الأريكة أمام التلفاز دون أن ترى حقاً ما يتم عرضه أمامها .. كانت فى عالم آخر .. تلقى نظرة كل فترة على الساعة المعلقة على الحائط .. وكالعادة تأهبت عندما اقتربت الساعة من الثانية عشر بعد منتصف الليل .. وتوجهت الى حقيبة الرسائل وأخذت تبحث عن الخطاب الذى يحمل رقم 54 .. دقت الساعة لتعلن الوقت الثانية عشر فتحت الخطاب بلهفة وشغف .. وعيناها تلمعان وبسمة صغيره على شفتيها .. قرأت بعينيها وقلبها وروحها :
- حبيبتى "مريم" .. كيف أنتِ الآن .. أتهتمين بنفسك حبيبتى .. أم عدتِ الى اهمال نفسك وطعامك مرة خرى .. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً ولا تعصين لى أمراَ .. لذلك إن كنتى تحبينني بالفعل فستهتمين بنفسك أكثر .. كيف حالك مع الله .. أتواظبين على قراءة وردك أم تتكاسلين .. أعرف جيداً أن حبيتى لا تتكاسل عن فعل الخير .. لكنى أذكرك فحسب .. لا تقطعين خيراً تفعليه .. وارمى سهماً فى كل خير تجديه .. حبيبتى طلبى هذا الإسبوع هو زيارة صغيرة منكِ الى والدتى .. التى أشفق عليها وعلى حالها .. أعلم أنها زيارة لا تفيد .. لكنى أريدك أن تقومى بها .. من أجلى يا "مريم" .. حبيبك : ماجد
ضمت الجواب الى صدرها واستنشقته لعلها تجد رائحة "ماجد" وقد علقت به .. ثم أضافته الى باقى الخطابات فى درج الكمودينو .. أنهت قراءة وردها ووضعت المصحف بجوارها وأغلقت النور .. ظلت شاردة قليلاً .. وعزمت فى الصباح على تنفيذ ما طلبه منها "ماجد" .. زيارة والدتــه التــى تعيـــش فى أحــد دور المسنيـــن .
***************************
حاول "مراد" النوم لكنه شعر بالأرق ففتح الشرفة ووقف فيها .. همت والدته بغلق شباك غرفتها عندما رأته .. فتوجهت الى غرفته وطرقت الباب .. فتح لها "مراد" ودعاها للدخول .. قالت :
- شوفتك من شباك أوضتى عرفت انك صاحى
- مش جايلى نوم
جلست أمه على أريكة فى الغرفة وجلس بجوارها قائلاً :
- عمتو عامله ايه دلوقتى
نظرت اليه بتمعن قائله :
- كويسة .. بس مش هى اللى قلقانى
قال بقلق :
- "سارة" و "نرمين" كويسين
قالت بنبرة ذات معنى :
- أيوة كويسين بس انت اللى مش كويس يا "مراد"
قال "مراد" بهدوء :
- ليه مش كويس ليه ما أنا زى الفل أهو
نظرت اليه أمه بعتاب قائله :
- مش ناوى تفرحنى يا "مراد" و تتجوز وأشوف ولادك وأطمن عليك قبل ما أموت
قال "مراد" على الفور :
- ربنا يبارك فى صحتك وفى عمرك يا أمى
قالت بإصرار :
- رد على سؤالى .. ناوى تتجوز امتى .. ناوى تفرحنى بيك امتى
قال "مراد" بضيق :
- أمى لو سمحتى مش حابب أتكلم فى الموضوع ده
قالت أمه بحده :
- يعني ايه مش حابب .. انت هتفضل دافن نفسك بالحيا كده لحد امتى .. مفيش فى حياتك غير شغل وبس
قام "مراد" بعصبيه وقال :
- وأنا مش حابب يكون فى حياتى غير الشغل وبس
نهضت ووقفت فى مواجهته قائله :
- لأ .. أنا مش ممكن أسمحلك تضيع شبابك كده
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- أنا مبسوط كده
هتفت أمه :
- بس أنا مش مبسوطة يا "مراد" .. ولا انت مبسوط .. ده أنا حتى مبشوفكش بتبتسم .. انت مفيش حاجه بتعملها ولا بتفكر فيها غير شغلك .. حياتك فاضية يا "مراد"
قال "مراد" بحزم :
- لأ مش فاضية انتى و"سارة" و "نرمين" وعمتو ملينها عليا
قالت أمه بحده :
- "مراد" .. دور على عروسه .. ولو مش لاقى قولى وأنا أدورلك .. عايزه أشوفك متجوز يا "مراد" وعندك بيت واسرة
قال "مراد" بمرارة :
- ما أنا اتجوزت يا أمى .. اتجوزت
رقت ملامح أمه وقالت بحزن :
- مش كل البنات يا ابنى زى ......
قاطعها قائلاً بعنف :
- لأ كلهم زى بعض .. ميفرقوش حاجة عن بعض .. كلهم عينه واحده .. وأنا مش ممكن أذل نفسي لواحده فيهم .. ولا يبقى لأى ست تأثير عليا
قتربت أمه منه تحاول تهدئته فقال بحده :
- لو سمحتى يا أمى .. متفتحيش الموضوع ده تانى معايا .. أنا مش هتجوز أبداًً .. مهما قولتى ومهما عملتى .. وده قراري ومش ممكن أغيره أبداً
نظرت اليه أمه بأسى وأستسلام .. ثم غادرت الغرفـة فى صمـــت .. جلس "مراد" على فراشه وهو يغطى وجهه بكفيه ثم قام ودخل الشرفة مرة أخرى وجلس على أحد المقاعد شــارداً .. فى ظلمــة الليــل البهيـــم .
_______________________________________________________
استيقظت "مريم" فى الصباح التالى وقد عزمت على زيارة والدة "ماجد" كما طلب منها فى خطابه الذى قرأته بالأمس .. خرجت وركبت المترو كالعادة وتوجهت الى أحد دور المسنين .. دخلت غرفة والدة "ماجد" لتجدها مستلقية على فراشها تنظر الى سقف الغرفة فى صمت .. شعرت بالألم يغزو قلبها وهى تراها على هذه الحالة .. اقتربت منها .. لم تحرك المرأة ساكناً .. لم تنظر حتى اليها .. ظلت تنظر الى سقف الغرفة وكأنها لا تعى ما يدور حولها .. اقتربت منها "مريم" أكثر ومسحت بكفها على رأسها .. والعبرات تترقرق فى عينيها لحال المرأة النائمة على الفراش أمامها .. اقتربت منها احدى العاملات بالدار .. فالتفتت اليها "مريم" قائله :
- هى عاملة ايه دلوقتى
قالت العاملة فى اسف :
- زى ما انتى شايفه .. مبتتكلمش ولا بتستجيب لأى علاج
قالت "مريم" بحزن :
- مواظبين على العلاج بتاعها
- أيوة من يوم ماجت واحنا بنهتم بيها وبحالتها .. ودكتور الدار كمان مهتم بيها لانها صعبانه عليه .. بس اظاهر انها هتقضى باقى أيامها وهى كده .. لانه بيقول انها مبتستجبش للعلاج نهائى
ألقت عليها "مريم" نظرة متألمه ثم التفتت للمرأة قائله :
- طيب ورجلها
- برده يا بنتى لسه ما بتقدرش تمشى عليها .. لا بتتكلم ولا حتى بتتحرك من مكانها .. ربنا يكون فى عونها
جلست "مريم" قبالتها على الفراش وتحدث اليها قائله :
- ماما .. ازي صحتك .. انتى مش عارفانى .. أنا "مريم"
لم تجد أى استجابه من المرأة .. فانحنت عليها تقبل رأسها وملامح الألم مرسومة على وجهها ثم توجهت "مريم" الى غرفة مديرة الدار وقالت لها :
- مينفعش أخدها تعيش معايا
قالت مديرة الدار :
- لو خدتيها يبأه تخلى بالك انها محتاج معاملة خاصة .. واهتمام 24 ساعة لانها مبتقدرش تعمل أى حاجه لنفسها .. انتى متفرغة
قالت "مريم" بأسف :
- لأ بشتغل .. وللأسف مضطرة أشتغل
قالت مديرة الدار :
- يبقى مش هتعرفى تهتمى بيها يا بنتى .. مينفعش تتساب لوحدها .. لازم مرافق ليها 24 ساعة .. من رأيى خليها هنا أفضل .. لانك مش هتعرفى تهتمى بيها الإهتمام المطلوب
قالت "مريم" بألم :
- طيب وحالتها الصحية .. مش ممكن تتحسن
- والله ده علمه عند ربنا .. بس هى مفيش عندها أى استجابة للعلاج .. ولا بتتفاعل حتى مع غيرها من المقيمين هنا .. ولا بتحاول حتى تتفاعل معاهم .. على طول لوحدها .. هى سامعة وشايفة كل حاجة .. بس مفيش استجابة .. واضح ان صدمتها كانت شديدة أوى
شكرها "مريم" ونهضت بأسى .. خرجت من الدار وهى تحاول أن تغالب دموعها التى انهمرت من عينيها رغماً عنها
******************************
دخلت "سهى" مكتب سكرتيرة "خالد" وقالت لها :
- أنا عندى معاد دلوقتى مع البشمهندس "خالد"
بعد عدة دقائق أدخلتها السكرتيرة .. توجهت الى مكتب "خالد" مبتسمة وقالت :
-ازي حضرتك يا بشمهندس
قال ببرود :
- الحمد لله اتفضلى
جلست وأخرجت ملفاً من حقيبتها وقالت :
- أستاذ "عماد" قالى آجى لحضرتك وأشوف تفاصيل الشغل اللى حضرتك عايزه
قال بنبرة متعالية :
- أيوة لانى مش هاجى شركتكوا تانى.. يعد كدة حد منكوا هو اللى يجيلى هنا وأشرحله اللى أنا عايزه .. لان اظاهر انكوا مبتعرفوش تختاروا الناس اللى بتشتغل فى الشركة .. وأنا لولا سمعتكوا فى السوق وجودة شغلكوا أنا مكنتش اتعاملت معاكوا تانى
ابتسمت "سهى" قوالت :
- أنا مش عارفه حضرتك مضايق مننا ليه .. بس عامة أنا واثقه ان حضرتك مش هتضايق من شغلك معايا
ثم ضحكت قائله :
- هى "مريم" معلش قفل شوية فممكن يكون ده ضايقك
قال بهدوء :
- دى مش قفل .. دى قليلة الأدب
ابتسمت قائله :
- معلش يا بشمهندس حقك علينا .. وان شاء الله هعملك أحسن من الشغل اللى كانت هتعمله "مريم"
ابتسم قائلاً :
- اما نشوف
********************************
جلس الأربعة رجال معاً على طاولة الإجتماعات فبدأ "طارق" فى الحديث قائلاً :
- أنا شايف ان هى دى مواصفات المنتج اللى احنا عاوزينه
أخذ الجميع يتفحص ما أمامهم من قطع ملابس .. قال "سامر" :
- انا كمان رأيي كدة يا "طارق" وكمان دراسة الجدوى اللى عملناها بتقول ان الأرباح هتكون مضمونة ان شاء الله
قال "حامد" :
- يعني رغم انى لسه عند رأيي الأولانى اننا نريح دماغنا ونشتغل للطبقة الراقية .. بس دراسة الجدوى اللى اتعملت شجعتنى بصراحة .. وأنا شايف زيكوا ان المنتج ممتاز زى ما احنا عايزين
التفت "طارق" الى "مراد" قائلاً :
- وانت يا "مراد" ايه رأيك
قال "مراد" :
- ممتاز يا "طارق" .. بس معلش لازم نهتم بالفينيشينج أكتر من كدة
قال "حامد" بسخرية :
- أكتر من كدة ايه يابنى أنا شايف انه مناسب للطبقة المتوسطة دى .. يعني كويس أصلا اننا بنقدملهم منتج بالجودة دى والسعر ده
قال "مراد" بحزم :
- يا نشتغل صح يا منشتغلش .. وأنا بحب أهتم بالتفاصيل الدقيقة دى .. الفينيشينج كويس بس لازم يكون أفضل من كدة
قال "طارق" :
- خلاص مفيش مشكلة نهتم بالفينيشينج أكتر .. وأنا هبلغهم كدة فى المصنع .. بس مبدأياً أنا شايف انه كله تمام
قال "سامر" مستفهماً :
- مش المفروض نبتدى الدعاية .. يعني مش عايزين نتأخر لان الأيام اللى جاية موسم وعايزين نستغلها
أومأ "مراد" برأسها قائلاً :
- فعلاً معاك حق يا "سامر" .. أنا هتكلم مع مدير شركة الدعاية اللى بتعامل معاها ونبدأ فوراً ان شاء الله
قال "طارق" :
- لأ أنا أعرف شركة كويسة وتعاملهم ممتاز ومواعيدهم مظبوطة
التفت اليه "مراد" قائلاً :
- شركة ايه ؟
- اسمها رؤية
فكر "مراد" قليلاً ثم قال :
- مسمعتش عنهم قبل كدة
أخرج "طارق" من حقيبته أحد الملفات وأعطاها الى "مراد" قائلاً :
- دى تصميمات الدعاية اللى عملتها عندهم لشركتى
أخذ "مراد" الملف يتفحصه .. ثم قال مستفهماً :
- أخد منهم وقت أد ايه الشغل ده ؟
قال "طارق" مبتسماً :
- اسبوع
قال "مراد" بدهشة :
- اسبوع .. فترة صغيرة جدا على شغل عالى زى ده
- أيوة الديزاينر الى عملته واضح انها مجتهدة جداً
قال "سامر" مندهشاً :
- فعلاً الشغل ممتاز فى وقت قياسى
قال "مراد" بإعجاب وهو مازال يتفحص التصميمات التى أمامه :
- تنسيق التصميم ممتاز ومكان اللوجو والألوان نفسها والفونت .. بصراحة شغل عالى جداً
ثم التفت الى "طارقٌ" قائلاً :
- وجودة التصاميم بعد التنفيذ
قال "طارق" :
- لسه مستلمتش الشغل بعد يومين هستلمه ان شاء الله بس أنا اتعاملت معاهم قبل كدة من كذا سنة وخامات الورق كانت ممتازة
قال "مراد" بإهتمام :
- طيب تمام يبقى هاتلى رقمهم أو قولى عنوانهم وأنا هتواصل معاهم
صمت "طارق" قليلاً ثم قال :
- كدة كدة أنا بتعامل معاهم .. سبنى أنا اتفق معاهم على الحملة بتاعة شراكتنا .. وعامة احنا الاتنين ذوقنا فى الشغل واحد
قال"حامد" ساخراً :
- وأنا و "سامر" ملناش رأي فى القصة دى ولا ايه
التفت اليه "سامر" وهو ينظر الى التصميمات قائلاً :
- ديزاينر زى دي تسلمها نفسك وانت مطمن .. بجد شغلها راقى جداً
التفت الي "طارق" قائلاً :
- اسمها ايه يا "طارق"
نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مريم"
لوك "سامر" الاسم فى لسانه قائلاً :
- "مريم" .. بس ليه مش ماضيه على التصميمات بإسمها
هز "طارق" كتفيه قائلاً :
- معرفش بس أكيد عشان بتشتغل تبع شركة دعاية فالامضاء بتكون باسم الشركة مش بإسمها هى
قال "سامر" بحماس :
- على فكرة لو اشتغلت لوحدها هتعمل اسم جامد
قاطعهم "مراد" وهو يقف قائلاً :
- خلاص زى ما اتفقنا .. "طارق" اهتم بموضوع الفينيشينج والحملة .. سلام أنا راجع المكتب عشان عندى معاد دلوقتى
خرج "مراد" فهتف "حامد" قائلاً :
- الراجل ده مبيريحش نفسه أبداً .. ده ماكنة شغل
قال "سامر" وهو ينهض :
- وعشان كدة دماغه جامدة فى الشغل .. وتدخل معاه أى مشروع وانت مطمن .. يلا سلام يا شباب
قال له "حامد" مبتسماً :
- امتى افتتاح الجاليري بتاعك
ابتسم "سامر" قائلاً :
- يعني لسه شوية .. بظبط فيه .. بس قريب أكيد
قال "طارق" مبتسماً بحماس :
- ايه ده أخيراً نويت تعرض أعمالك على الناس
قال "سامر" :
- أيوة يا سيدى خلاص نفذت الفكرة اللى كنت بأجل فيها
قال "طارق" مشجعاً ايه :
- متقلقش يا "سامر" ان شاء الله هينجح نجاح كبير لانك فنان موهوب
قال "حامد" ساخراً :
- آه موهوب أوى هتقولى على مواهبه
التفت اليه "سامر" بحده :
- هو انت مبتعرفش تقول كلمة كويسة أبداً .. كل كلامك سخرية كده
نهض "حامد" وتوجه الى الباب قائلاً :
- سيبنالكوا انتوا الكلام الحلو .. يلا سلام أنا كمان مش فاضيلكوا
********************************
اقتربت "مى" من "مريم" الجالسه على مكتبها وقالت :
- ايه اللى حصل امبارح ؟
نظرت اليها "مريم" بدهشة وقالت :
- مش فاهمة .. ايه اللى حصل فى ايه
ألقت "مى" نظرة على "سهى" المندمجة فى عملها وقالت ل "مريم" بخفوت :
- نزلت امبارح بعدك على طول أجيب حاجة من السوبر ماركت اللى أدم العماره .. لقيتك واقفة مع الأستاذ "طارق" بتتكلموا وبعدين سبتيه ومشيتي
قالت "مريم" وهى تضرب بأصابعها فوق لوحة المفاتيح :
- مفيش اللى اسمه "خالد" ده وقفنى وكان بيغتت عليا .. فجه أستاذ "طارق" يشوف فى ايه
نظرت اليها "مى" وقالت بإهتمام :
- قالك ايه يعني
قالت "مريم" بنفاذ صبر وهى تنظر اليها :
- ما قاليش حاجه يا "مى" هيقولى ايه يعني سأل بس هو فى ايه .. واللى اسمه "خالد" ده عمال بيتغابي فى الكلام فأستاذ "طارق" حاشه عنى واضطر يقوله انى خطيبته عشان يسيبنى ويمشى
قالت "مى" بضيق :
- قال انك خطيبته ؟
قالت "مريم" بصوت خافت :
- أيوة اضطر يقول كده عشان "خالد" يحترم نفسه ويمشى
أومأت "مى" برأسها وعادت الى مكتبها ويبدو عليها علامات الضيق والحنق
**************************
يتبع