اخر الروايات

رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الثالث 3 بقلم سوما العربي

رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الثالث 3 بقلم سوما العربي


3=رواية_ فراشة في جزيرة الذهب
الفصل الثالث
سوما العربي
بعد منتصف الليل في غرفة الملك راموس
ظل يتقلب على الفراش يميناً و يساراً كأنه يتقلب على جمر متقد .....و هب فجأة يقف على الأرض يشعر بجسده مشتعل ..... يشتعل بلا سببب.

أغلق جفناه بقوة.....تباً لها...صورتها وهي رافعه رأسها وعيناها القوية بعيناه تناظرة بشموخ لا تفارقه .

ضم أصابع يده في قبضة وحدة من شدة الغيظ و الغل كلما تذكرها.

وتحرك حتى وصل لنافذة غرفته يتطلع للفراغ المؤدي للسجن ثم هز رأسه بجنون رافضاً.

مد يده يسحب كأسه ورفعه على فمه يتجرعه دفعه واحده عله يطفئ نار جسده لكن لم يحدث.

عاد يهز رأسه بجنون وتحرك ناحية الفراش يرتمي عليه وهو مُصر على النوم وأن يقتلع تلك الجارية من عقله قلعاً .

مرت ساعة فأخرى وهو مازال على وضعه يفكر هل يقتلها مثلاً ليتخلص من تلك الحالة أم ماذا ؟

ترك الفراش وظل يجوب الغرفة ينظر عبر النافذة من جديد يلاحظ إنبلاج بسيظ للنهار في الأفق من بعد الفجر.

عاد يجوب الغرفة كالممسوس ذاهب وعودة حتى فرغ صبرت و صبتت عزيمته فخرج مندفعاً من غرفته لينتفض الحراس خلفه يحيطون به لكنه أمرهم بحزم:
-أبقوا هنا .
فلم يعد بيدهم شئ ونفذوا الأمر بينما سار هو بإتجاه السجن المؤقت .

لكنه صدم واتسعت عيناه حينما وجده خالي فهتف بحدة :
-يا حراس .

فأجتمع حراسه في الحال وأمرهم بتمشيط المنطقة كلها بحثاً عن الفتاة البيضاء ولم يقف بل تحرك معهم يبحث عنها حتى صدح صوت أحدهم:
-مولاااي ...وجدتها.

ثم صرخ عاليا :
-توقفي عندك....توقفي فوراً.

أتسعت خطوات الملك حتى وصل عند ذلك الحارس ليجدها أمامه توليه ظهرها تنتفض من الرعب و اللهاث من كثرة الركض .

أخذت تستدير ببطئ شديد ...إنها بأسوء كوابيسها على الإطلاق...بل حتى الكابوس أحياناً يكن أكثر منطقية عن ما يجري لها هنا .

إلتفت والرعب يهز خلاياها هزا لتجد نفسها بحضرة الملك ورفعت إصبع السبابة للسماء وأسبلت جفناها تردد بإستسلام:
-أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله.

أنتظرت إختراق الرصاص لجسدها وهي تنتفض مرعوبه لكن لم يحدث ففتحت عيناها تبصر الملك الأسود المخيف مازال واقفاً وحراسه من خلفه ينظر لها بنظره الحاد ثم هتف:
-توثف أقدامها وأيديها بالأصفاد وتحمل على الجزيرة حتى توضع بالسجن هنا....هيا تهيؤا ...سنرحل اليوم .

سكت واقترب منها عدة خطوات مثيرة للرعب والريبة حتى توقف أمامها وتحدث بفحيح:
- هناك سنرى كيف ستستطيعين الهرب مجدداً.

ثم صرخ في الحرس:
-خذوها ... وأريد تحقيق شامل ومفصل لأعرف كيف هربت ومن ساعدها.

إلتف ينظر لها بغضب ثم ردد من بين أنيابه:
-بظرف ساعات أصبح لك موالين في مخيمي ..من ساعدك ها وماذا دفعتي كي يفعل..أخبريني .. هل أغويتي أحد الحراس ؟

أتسعت عيناها بصدمة حينما استوعبت مقصده وتقدمت تزجره بغضب ...تصرخ بغل وهي مكبلة بالأغلال:
-كيف تجرؤ ..من تظن نفسك.
-أنا الملك راموس...سأعرفك بل ألقنك مع الأيام ومن داخل السجن من أنا ..أعدك أن يكون الدرس قاسياً لأقصى حد وقتها .

ثم صرخ في حراسه و قدزاد غضبه وهو يلاحظ تبجحها :
-خذوها من أمامي.. هيا تحركوا.

فتحرك الحراس يجرونها معهم وهو يتابعهم بضيق يهز رأسه بجنون ...تلك المجرمة... لقد كانت تنظر بعيناه ند بند دون أي خوف أو مهابة من فعلتها .

صر على أنيابه بغيظ يتوعدها ...لن يرحمها فقط ليعودا للجزيرة.

________________________

وقف زيدان وسط شقة خاوية تماماً ، ينظر للطوب الأحمر والأرض الغير ممهدة وهو يفكر هل سيبدأ من تحت الصفر مجدداً ؟

مقراً أنها يلزمها مبالغ كبيرة كي تصبح صالحة للإستهلاك الآدمي ...وتذكر حينها كم أنفق على شقته الأولى و كيف جلب تلك الأموال ، إنها نتاج جهد سنوات .

تنهد وهو يبتسم بحزن فلم ولمن يجهز شقته وهو للأن لم يجد من ......

عند هذه النقطة أغمض عيناه يقطع الفكرة، من شدة عزة النفس يرفض أن يعترف بالأمر الواقع حتى لو بينه وبين حاله، فخرج من الشقة كلها وأغلق الباب وبدأ يهبط درجات السلم حتى وصل للطابق ثاني محل شقته القديم ليقف بإستغرب وهو يرى الباب مفتوح على مصرعيه فتقدم للداخل يبصر حورية تقف موليه له ظهرها وحولها عمال يعملون باكتر من غرفة .

أقترب منها مستنكر الوضع برمته يردد:
-حورية؟

أرتبكت حورية وقد لاحظ زيدان تفزز جسدها ما أن حضر، تنهد بيأس لكن حاول التجاوز ثم سأل:
-بتعملي أيه هنا؟
جاوبت بتلجلج:
-جيت أعمل التغييرات إلي حباها وأختار لون الفرش.
-ماشي حقك، بس إزاي تقفي لوحدك وسط الصنايعية؟ فين محمود؟
-محمود! أنا نفسي مش عارفه وبكلمه بيكنسل عليا والرجالة كان معادهم النهاردة.

زفر بضيق غير راضي عن كل ما يحدث ثم قال:
-ماعلش تلاقيه بردو بيعمل حاجه في ترتيبات الفرح القاعة والذي منه..طيب خلصي بسرعة قولي إلي عايزاه للرجالة وانزلي وأنا هقف معاهم .

هزت رأسها بإذعان ثم قالت:
-ماشي ... أنا عايزة أشيل الحيطة دي عشان تدي وسع .
نظر حيث وصفت... زم شفتيه بعدم رضا ثم قال:
-كده هتفتحي الصالتين على بعض وهتبقى واسعه قوي.
-ده هيبقى حلو قوي خصوصاً لما نوسع البلكونة والشمس تبقى مالية الصالة مع السيراميك الأبيض بصراحه انا بحب كده قوي بيدي راحة نفسية.

هز رأسه بإذعان وهو يتخيل ماوصفت ثم ردد:
-فكرة والله.... عايزة تقولي لهم حاجه تاني ولا خلاص.
-ايوة عايزة أغير لون الجدار الكبير ده .
-تمام .... عايزاه أيه؟
-بفكر في الفيروزي .

نظر للحائط الكبير ثم لبقية الحوائط وقال:
-فاقع قوي ... يعني لو هتسأليني أنا كنت هعمل الأخضر وهيبقى حلو جدا مع باقي الحيطان لأنها بلون سن الفيل.

تطلعت في الحوائط تفكر فيما يقول فأردف مكملاً:
-وعلى فكرة هيبقى لايق أكتر من ألوان الركنة والأرضيات.

تطلع لها وهي مازالت صامته يبدو على ملامحها التردد فشرع بعدم أحقيته بما يفعل ..مستنكر جداً فعلته، تلك الشقة لم تعد له، صمتها نبهه إلى أنه ربما هو هكذا يفرض آراؤه عليها فعاد يقول:
-بس أنتي بردو أعملي إلي أنتي شيفاه... دي شقتك وإلي عايزاه هيتعمل بأذن الله.
-لأ أنا موافقة على الي قولته.

زاد حسابه لنفسه يبدو أنه ضغط عليها بأفكاره ولم تشئ إحراج شقيق زوجها تجنباً للمشاكل .....وبخ نفسه مراراً ....ماكان عليه أن يتدخل.

فأردف مشدداً على كلماته التي أتضح فيها ندمه:
-لأ لأ... أنسي إلي قولته...أعملي إلي أنتي عايزاه دي حاجة مافيهاش زعل وبعدين أنا بردو ذوقي قديم وكلاسيكي شوية وبميل للألوان الدافية ... وأنتي أكيد....

قاطعته مبتسمة:
-بالعكس ده أنا عجبني جدا..كمان أنت فكرتني بالوان الركنة ...أنا كنت نسياها خالص.

لمعت عيناه بفرحة ثم وقف يستمع لباقي طلباتها حتى غادرت وبقى هو مع العمال .

___________________________

وصل الجميع لجزيرة الذهب وسيقت رنا مكبلة للسجن ... كان السجن عندهم غير آدمي على الإطلاق عبارة عن زنازين حفرت بعمق تحت الأرض وحولوها لقلعة حصينة وسوروها بأسلاك شائكة موصله بالكهرباء..لذا أي محاولة للهرب من هذا السجن فهي بمثابة عملية إنتحارية.

ظلت فيه رنا لأيام...أيام من كثرتها بطلت عدها وأستسلمت للإمر الواقع.

بينما الملك راموس قد أنهى المرور على الديوان ومطالعة بعض المشكلات وحلها ...أتكئ على عرشه يفكر فيها .. منذ ذلك اليوم وصورتها لم تفارق خياله وهي عيناها بعيناه تجابهه ترفض الخضوع كالجواري .

أطبق جفناه بغضب من نفسه وتذكره الدائم لها، كيف نسى فعلتها وعدم أحترامها بحضرته علاوة على فعلتها الإبشع و هي الهرب .... الهرب بمملكتهم خيانة.

ضحك ساخراً...ماذا كان يتوقع من فتاة بيضاء يعني.

عاد يتناول قلمه ليكمل مهامة وقد قرر الإنشغال بها عوضاً عن التفكير في نكرة خائنة حقيرة لا تستحق وقت جلالته .

سابة نابية خرجت من بين شفتيه ..سب بها نفسه وهو يجد نفسه على أعتاب السجن.

أنتفض الحارس يحني رأسه بخضوع مردداً:
-مولااي.
-أين سجن تلك الفتاة
-أعذر جهلي مولاي...أي فتاة؟
-الفتاة البيضاء.
-نعم ...من هنا مولاي.

لم يحتاج الحارس الكثير من الوقت ليتعرف عليها ...فلا توجد ألف فتاة مسجونة وكذلك بيضاء.. كانت حالة فريدة .

فتقدم راموس حتى وقف أمام زنزانتها يراها من خلف القضبان تجلس بوهن بينما تنظر له بمقط شديد.

و صرخ فيها الحارس:
-قفي أنتباه وأخفضي رأسك ... أنتي بحضرة الملك.

لكنها لم تفعل وقالت :
-يموت الإنسان مرة واحدة ...أنا سأموت وهامتي عالية .

ثم نظرت لراموس وقالت بعداء وهجوم:
-هيا أقتلني لأخلص مما أنا فيه.
صر على أنيابه غيظاً فهي للأن وبعد كل ما حدث فيها لاتزال على تمردها لم تغيره، رأسها كالصخر وعيونها رصاص قاتل.
فقال الملك بفحيح:
-الموت راحة لن أنعم عليكي بها .
-ومن تظن نفسك لتفعل... أنا سأفعل.
-كيف؟
-سترى .

قالتها بترفع كباقي أسلوبها في الحديث معه ثم أشاحت بعينها بعيداً عنه كأنها تنهي النقاش ...كأنها هي التي تنهي اللقاء وكأن الأمر بيدها.

فجن جنون راموس...لولا الملامة لصرخ من شدة الغيظ والقهرة ... تلك المسجونة تحت رحمة قضبانه هي من تقرر إنهاء اللقاء أو أعطاءه مهلة.

الوضع كارثي حقاً ..لم ولن يقابل مثلها.. فخرج من السجن كله كالعاصفة وذهب لعرشة يجلس عليه و هو يضرب بيده على فخذه بجنون وغيظ بل وقهر...تلك الضئيلة ..قليلة الحيلة مقارنة به وبمُلكه تمكنت من قهره .

____________________________

تقدم زيدان من القهوة في منتصف الشارع حيث يحلس صديقة المقرب ..سحب كرسي لنفسه يجلس عليه ثم قال:
-سلام عليكم
نظر له صديقه شزراً ولم يجيب فقال زيدان:
-جرى إيه يا صالح ماترد السلام ده السلام لله يا صاحبي

وضع صالح مبسم إرجيلته وقال بحدة:
-أنا مابصاحبش عيال مستفزة؟
-عيال؟ ومستفزة؟ ماتاخد بالك من كلامك وتظبط بدل ما أظبطك أنا في إيه.
-أنت عايز إيه دلوقت؟ هااا؟ عايز إيه انا عايز أعرف ....ضيعت إلي وراك والي قدامك وقعدت؟ على الله تكون مبسوط.

تنهد زيدان ثم قال:
-ماهو أخويا بردو يا صالح...كنت أعمل ايه يعني.
-هو الأخ ياخد شقى أخوه... أنت عبيط يا زيدان ولا فاهم و واخد بالك بس عامل نفسك عبيط؟ محمود أخد منك كل حاجه.. أنت إلي بتشتغل وفاتح البيت...وهو يتصرمح وياخد إراد من الورشة قال إيه نصيبه زي ما أنت فهمته وطمعته...فلوس الشبكة أنت الي دفعتها..العفش عملتوا عندك حتى الشقة أخدها وأخد فوق البيعة أجمل بنت في المنطقة...معقول مش واخد بالك من كل ده ؟

وقف زيدان ثم قال بيأس:
-واخد بالي يا صالح ..بس عامل نفسي عبيط.

وقفت حورية في أحد المحلات التجارية تتحدث في الهاتف بعصبية مرددة:
-يعني الكلام ده يا محمود؟
-يعني كلها يومين وراجع ماتعمليش مشكله من مافيش.
-مشكلة من مافيش؟! أنا إلي واقفه مع الصنايعية ولا أما أكون أنا الراجل، وبعدين هما اليومين بتوعك دول مابيخلصوش يا محمود ولا بيتجددوا من العدم... أنت أديلك تلات أسابيع غايب وكل ما أكلمك تقول يومين..يومين إزاي ولا منين وأحنا أساساً فرحنا بعد يومين .

-يا ربي على الزن والنكد ....وهو أنا خسرت من شوية ...أطمني ياختي وشك فلة شمعه منورة حياتي وخسرت في المسابقة...كلهم مسافرين اليونان عشان يسجلوا المباشر وانا هرجع على مصر .

رفرفت بأهدابها مصدومه ثم رددت بحسرة:
-أنت بتقول أيه يا محمود... أنت بجد قولت لي أنا كده؟ أنا وشي وحش عليك يا محمود.

ضحكت ساخرة ثم رفعت صوتها مرددة:
-ده على أساس أنك محمد منير و خسرت؟ ماتصحى لنفسك ده أنت صوتك نشاذ...بس يمكن أنا إلي غلطانة .. أيوة ماهو أنا إلي كنت عمالة أشجع وأحفز فيك لحد ما فكرت نفسك محمد فوزي....اتاري أمي عندها حق في كل كلمة بتقولها.
-أنتي بتتريقي عليا يا حور ؟
-اه بتريق عليك ...بقا أنت بتقول عليا نحس و وشي وحش عليك .. أنا يا محمود بعد كل ده
-حقك عليا .. أنا متنكد من ساعة ماعرفت إني سقطت وفشلت... أحلامي كلها إنهارت يا حور...حقك عليا ماتزعليش مني..وياستي أنا خلاص أهو خلصت وراجع على طيارة بكره عشان كتب الكتاب والفرح.

-ماشي يامحمود لما أشوف أخرتها معاك.

ثم أنهت الأتصال وهي تزفر بضيق شديد لتنتبه على صوت صاحب المحل يردد:
-ها ياعروسة ... أعمل الستاير للسقف ولا من بعد السقف بشوية .. الأستاذ محمود كان عايزها من تحت السقف بحبه.

وقفت حورية مترددة تشعر بالضيق لعدم وجود محمود كي يساعدها ولو برأيه.

لتنتبه على صوت الترزي يقف بأحتراك وقال :
-المعلم زيدان... وأنا أقول المحل نور ..أتفضل اتفضل نتبارك بيك.
أبتسم له زيدان بخفةيرد تحيته:
-تسلم يا أسطى خلف .. كلك ذوق

ثم نظر لحورية بحدة وقال:
- إيه يابنتي الي موقفك هنا؟

توترت ملامحها فهو حقاً كل يومان يتلقاها وسط العمال والرجال ولم يسعفها الرد فقال بحسم:
-أتفضلي لو سمحتي على البيت وانا ليا كلام تاني مع محمود.
-ايوة بس أنا لسه ماخلصتش و...

قاطعها بحزم هادئ يشدد على حروف كلماته:
-روحي دلوقتي يا حورية وأسمعي الكلام ... وأنا ليا كلام تاني مع محمود على الي بيحصل ده.

تحركت حورية مغادرة.... مستاءة بشدة، يعتقد من يراها أن أستيائها بسبب زيدان وتحكماته لكن على العكس تماماً كانت تعلم أن معه حق، فهو باليوم يقابلها مرات ومرات وهي وسط العمال ومره عند محل تصنيع الستائر ومرة بمحلات الثرايا و الأنتيكات ومرة أخرى في معرض للسجاد.

بالأساس لقد ألتقطت أنفاسها وأنتهزت الفرصه حين تفوه زيدان متطوعاً أن يكمل هو هنا عوضاً عنها وفرت للبيت تريد أن تجلس فقط .. تجلس قليلاً وتتناول بعض اللقيمات .

__________________________

وقفت أنچا محلها تضرب بغل قبضة يدها بالكف الأخرى تفكر فيما ستفعل.

نظرت لها خادمتها ثم قالت:
-مابكِ سيدتي ..منذ مدة و أحوالك ليست على ما يرام؟
تحركت أنچا في غرفتها بغضب وهي تردد مفكرة:
-تلك الفتاة البيضاء تؤرق مضجعي.
-وما شأنك بها سيدتي...إنها مجرد جارية..وهل تُشغل السيدة أنچا شقيقة الملك بجارية.
-ليت الأمر كذلك ... أنتي لا تفقهين شيئاً ولا ترين ما أراه أنا .. تلك الفتاة خطر كبير ويجب أن أتخلص منها.
-نقتلها؟
-لا فليكن القتل آخر حل ....تلك الفتاة يجب أن تغادر الجزيرة نهائيا.

تمشت حتى وقفت عند النافذة تنظر للسماء وأردفت:
-فعلى غير العادة يبدو أن تلك الفتاة حظيت على إعجاب من الملك ..ربما يتفاقم مع الأيام و هذا ما لن أسمح به.

أستنكرت الخادمة حديث سيدتها وسألت بإستغراب:
-ولما سيدتي... ألم يكن من أمنياتك أن يجد الملك فتاه تعجبه و يتزوجها ليعيش بهناء.

إلتفت أنچا على الفور بحده ورددت بغيظ وغل:
-نعم ...وللأن أتمنى ذلك لكن ليتزوج فتاة من جزيرتنا ...فتاة سوداء مثلنا ...لا من فتاة بيضاء...على جثتي هل تفهمين.

صرخت بجملتها الأخيرة جعلت الخادمة تتفزز في جلستها ثم قالت:
-فهمت سيدتي فهمت... لكن كيف؟ و لما من الأساس وهي مسجونة.

تحركت أنچا في الغرفة مفكره إلى أن توقفت وقالت:
-تلك الفتاة يجب أن تخرج من السجن... وجودها بالسجن يقيد حركتي ..لن استطيع تهريبها من جديد طالما هي هناك...لقد مر الأمر حينما كنا بالغابة ولم يغلق الملك الباب إلا بعد إعتراف حارس الزنزانة أنه هو سبب التقصير ، لكن من المعروف أن الهروب من سجن الجزيرة مستحيل إلا بمساعدة شخصية مسؤلة وأنا لن أجاذف.

-إذا ما العمل سيدتي.
-يجب إن تخرج ... احتفالات العرش أقتربت ...سأتحدث مع الملك بشأن الإفراج عن بعض المساجين إحتفالاً بتلك المناسبة وبعدها سأجعلها ترحل من حيث آتت وقتها فقط سأتمكن من النوم.

أنهت أنچا حديثها ثم جلست على الأريكة ممدة تقطف حبات العنب وتأكلها بتفكير وتدبر

________________

جلس راموس على عرشة وحوله القاضي ورئيس الديوان و وزير الدولة يناقشهم في بعض المشروعات اللوجيستية الهامة، إلى أن أقترب منه أحد الحرس ومال على أذنه يخبره بشئ ما جعل الملك يهب من جلسته بسرعة.

فتح له باب السجن فنزل بخطوات سريعة حتى توقف أمام زنزانة رنا يراها وهي جالسة أرضاً هزيلة، وجهها شاحب وشفتيها بيضاء وكأنها من الأموات.

نظر للحراس وسأل:
-ماذا حدث لها؟
-مُضربة عن الطعام مولاي
-ماذا؟؟ منذ متى؟
-منذ ايام سيدي.

صرخ فيهم بحدة:
-كيف يحدث هذا؟ ولمَ لم يخبرني أحد ... أفتح هذا الباب...أفتح.

فُتح الباب ودلف سريعاً يقترب منها يناديها ولحظتهة فقط أكتشف أنه لا يعرف إسمها.

أخذ يقلبها بين يديه وهي تتحرك بلا أي مقاومة أو روح مع يده لحظتها فقط تذكر تهديدها له، أسبل جفناه بغباء لم يتخيل وقتها ماذا كانت تقصد بكلماتها...أعتقد أنه تهديد أجوف من فتاة متمردة تمثل التماسك، لتصعقه بما صنعت وأنها إن قالت ستفعل.

صرخ عالياً:
-كيف تتركوها هكذا؟ كيف؟

مال عليها كي يحملها وتقدم الحرس ليفعلوا عوضاً عن ملكهم فصرخ فيهم:
-أبتعدوا .

حملها بين يديه سريعاً وتحرك بيهة يخرج من السجن و هتف وسط القصر:
-أستدعوا الطبيب لغرفتي ..حالاً...هيااا.

________________________

زينت الأنوار منزل حورية التي جلست في غرفتها ومعها خبيرة المكياج تضع لها اللمسات الأخيرة مرددة:
-ماترفيش بجفنك ياعروسة عايوة أظبط الرموش.
-حاضر .

جاوبتها حورية بتوتر وهي تتصل بالهاتف بينما تقدمت منها صديقتها ريم (بطلة رواية جوري و ثلاث نجوم) وربطتت على كتفها مرددة:
-اهدي يا حورية مش كده.
-أهدى إزاي..كل حاجه زفت..كل حاجه غلط...هو في عريس يرجع من برا يوم فرحه على كتب الكتاب على طول ؟
-ماعلش يا حورية أهو إلي حصل وبعدين مش قالك في المطار خلاص؟
-أيوة....ربنا يستر .

-خلصي عشان العربية إلي هتوصلك القاعة تحت ... ربنا يتمم لك على خير يا حبيبتي.

نظرت لها حورية ثم غمزت عابثة:
-عقبالك .

فتراجعت ريم للخلف وزاغت عينها يميناً و يساراً تتهرب من أعين صديقتها خصوصاً وقد صدحت ضحكات حورية فتحركت ريم مغادرة:
-أنتي هتتسلي عليا وتطلعي كبتك فيا ... أنا سيبالك الأوضة كلها .
-خد هقولك...ماتبقيش قماصة.
-لأ ياستي .. أنا هسبقك على القاعة...عيلة زبالة أساساً وإلي يقولك على سره يبقى هو إلي فضح نفسه.

ثم غادرت ريم على الفور وتركت حورية تضحك .

في القاعة.

وصل كل الأهل و الأقارب وتزين زيدان بحلة سوداء فصلت جسده العريض و وقف بمهابة لجوار والده يهمس له بقلق:
-المأذون وصل يا حاج والناس في القاعة جهزوا ترابيزة كتب الكتاب...محمود قدامه أد أيه... شكلنا وحش.

-مش عارف يابني.. كلمه تاني كده.

بتلك اللحظة وصلت فوزية تردد بحسرة:
-العروسة وصلت في العربية على باب القاعة ...محمود فين كل ده مش قولتو عند الحلاق.

نظر راشد لابنه الذي زم شفتيه بقلة حيلة ماذا سيخبرها؟ ماذا لو علمت أنه مازال بالمطار أساساً.

فيما أكملت فوزية:
-المفروض العروسة تدخل القاعة بالزفة مع عريسها ... الناس هتاكل وشي.
نظر راشد لزيدان وهتف بأعصاب منفلتة:
-كلمة تاني أستعجله.

وقالت فوزية:
-أنا هطلع عند البت .

لم يجد زيدان شبكة إتصال فخرج هو و والده مع فوزية التي فتحت باب السيارة لحورية كي يدخل لها هواء أكثر

واتصل زيدان بمحمود وحين فتح الهاتف حدثه بضيق:
-أنت فين يابني.

صمت محمود قليلاً ثم قال:
-بقولك إيه يا زيدان.. أجل الفرح.

جن جنون زيدان وصرخ:
-أجل إيه يالا أنت عبيط .. المعازيم مالية القاعة والمأذون مستني.

صدمت فوزية و حورية مما يسمعون وصرخت فوزية:
-هو بيقول إيه ده....أديهولي.

فلم يجد زيدان بد إلا بفتح مكبر الصوت لأنه يريد أن يتفاهم معه هو الآخر فما يقوله كارثة .

فتحدثت حورية وهي ترتعش من الصدمة:
-محمود... أنا بالفستان يا محمود وعلى باب القاعة.. أنت أكيد عامل فيا مقلب عبيط من مقالبك صح؟
-لأ يا حورية... بصراحة كده أنا كنت خلاص راجع عشان سقط في الاختبار وبعد ما كنت وصلت اتصلوا بيا بلغوني إن في واحد من إلي أتصعدوا وكانوا هيسافروا اعتذر وأن ممكن أسافر مكانه ... يعني فرصة العمر وجت لي بمعجزة.

ثقل تنفس فوزية وكذلك حورية التي قالت:
-فرصة العمر ومعجزة؟ طب وأنا؟
-يووووه..فيها ايه يعني يا حورية...ماتقولوا للناس أي حاجة...الفرح ممكن يتأجل لكن الفرصة لأ.

حاولت حورية أن تتماسك وقالت:
-يا أنا يا الفرصة دي يا محمود.
-حورية... أنا على باب طيارة اليونان أصلاً وهقفل خلاص موبايلي عشان ممنوع زي ما أنتي عارفة أنا بس قولت المفروض أعرفكم الأول عشان تشوفوا هتعملوا إيه وتتصرفوا ازاي...سلام بقا عشان مافيش وقت.

ثم أغلق الهاتف في وجهها وهي متخشبة جاحظة العين والبقية ينظرون لها وكأن على رأسهم الطير.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close