رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الثاني والثلاثون 32 والاخير بقلم منال سالم
الفصل الثاني والثلاثون ( الأخير ) – الجزء الأول :
تحول خوفها الشديد عليه إلى غضب مبرر بعد أن كشف أمامها خدعته المميتة التي جعلتها تعترف بحبها اللا محدود له ظناً منها أنها تفقده للأبد ..
نظر لها مالك بأعينه التي تعشق أدق تفاصيلها ، وتلذذ برؤية تحولها من الخوف للعبوس للتلهف .. تلك المشاعر التي دائماً تشكل جزءاً هاماً من شخصيتها الرقيقة ..
عبست إيثار بوجهها بضيق جلي .. واستنكرت ما قام به لينال منها إعترافها الغالي ..
فهو لا يحق له التلاعب بمشاعرها بتلك الصورة المفزعة .. ألم يحسب ما يمكن أن يصيبها إن اعتقدت أنه قد تعرض جدياً لذلك الحادث المؤسف؟!!
تملصت من أحضانه وهي تضربه بقوة في صدره بقبضتيها ، وهتفت بحنق :
-انت ازاي تعمل فيا كده ؟!!!
ابتسم لها بود وهو يجيبها بحنو :
-أنا أسف يا حبيبتي ، بس فعلا كان ممكن يجرالي حاجة ساعتها كنتي آآ....
قاطعته قائلة بتجهم :
-متكلمش كده ، أنا مش بأحب الطريقة دي !
زادت ابتسامته إغراءاً وهو يجيبها بصوت خفيض :
-حاضر .. انتي بس أؤمريني ، وأنا هانفذ على طول يا مولاتي !
لكزته مرة أخرى في صدره موبخة إياها ، فابتسم لها وهو يضحك بمرح ..
ولجت روان إلى داخل غرفته بالمشفى ، وهتفت متساءلة بنعومة :
-ها يا مالوك ؟ أنفع أكون ممثلة ؟!
ارتبكت إيثار حينما رأت روان بالغرفة ، فشعر مالك بحرجها ، وأرخى قبضتيه عنها ، وتراجعت هي سريعاً للخلف لتعتدل في وقفتها ..
تحركت روان صوبهما وهي مسبلة عينيها للأسفل بخجل واضح ..
نظرت إيثار لها ، ووضعت يدها على منتصف خصرها ، وعاتبتها بحدة :
-وانتي كمان كنتي شريكة معاه وعارفة باللي ناوي يعمله ؟!!!
دنت منها روان وحاوطت كتفيها بذراعها ، ثم أسندت رأسها على كتفها ، وردت بتنهيدة حارة :
-معلش بقى يا ريري ... الحب بهدلة ، وانتي عرفاني ضعيفة قصاد الحب
ردت عليها إيثار بإمتعاض ظاهر في نبرتها :
-ماشي يا روان ، ليكي يوم ، وأكيد طبعاً السواق وراوية كانوا معاكوا في الفيلم ده
رد عليها مالك بتساؤل متباهياً بنفسه :
-أنفع أكون مخرج سينمائي ، صح ؟
هتفت فيه إيثار بغيظ :
-انت مخرج بايخ ودمك تقيل !
ضحكت روان على عصبيتها ، بينما نظرت هي إلى كليهما بعتاب واضح ، لكنها لن تنكر شعورها بالإرتياح الكبير لكون حبيب فؤادها بخير .. .
.....................................
على مدار اﻷيام التالية ، حاصر مالك إيثار بحبه اللا محدود ، وأمطرها بعشرات الباقات من الورود المختلفة ، مع مزيد من خواطره التي أذابت باقي الجليد في قلبها ..
كانت تستعد كل يوم وهي ذاهبة إلى عملها إلى مفاجئة غير متوقعة منه ..
وهو لم يخيب ظنها .. فشغل عن عمد كل تفكيرها .. وأصبح مسيطراً عليها بدرجة كبيرة ، ومستحوذاً على أغلب وقتها .. فيومها يبدأ معه في شركته ، وينتهي في الفيلا مع ابنته الصغيرة ..
كما نجحت هي ببراعة في التوفيق بين عمليها ، واستطاعت أن تُثَبت أقدامها في الشركة ...
حقاً كانت مصدر فخر له بين زملائها في العمل ...
هو أحسن الاختيار ، ولن يفرط فيها مهما عاندت أو كابرت ..
.............................
ورغم وعدها لأخيها بألا ترتكب أي حماقات بدون علمه ، إلا أن قلبها أجبرها على عدم اﻹنصياع لعهدها معه .. واختلقت اﻷعذار لتلقاه مصادفة عبر الشرفة في منزل عمتها ..
ها هي تكرر أفعال أخيها السابقة مع إيثار ، لم تكن تتصور أنها ستفعل مثله ،ولكن الحب جنون و يمكن أن يجبرك على فعل الحماقات ..
كانت يوماً بعد يوم تزور عمتها بحجة مرضها وأنها بحاجة إلى الرعاية ، ثم تتوجه إلى غرفة أخيها لتلج إلى الشرفة ،
وتلتقي به ..
رفعت عيناها للأعلى لتنظر إلى عينيه المتيمة بها .. فتبتسم بسعادة وتطمئن عليه وتشد من أزره وتشجعه على الصمود أمام عِناد أخيها ...
وهو يستمد من دعمها الطاقة الإيجابية التي تعينه على المقاومة وتدفعه إلى عدم اليأس والسعي لفعل المزيد من اجلها هي ...
همس لها بتنهيدة والهة :
-وحشتيني
ردت عليه روان بنعومة هامسة :
-وانت كمان !
تابع قائلاً بصوت خفيض متمنياً :
-ربنا يهدي أخوكي ويرضى عني
-ردت عليه بتضرع :
-يا رب .. معلش يا حبيبي هو بس دماغه ناشفة شويتين لكن آآ....
قاطعها قائلا بتحمس :
-انتي بتقولي ايه ؟!!
إنتابها القلق من تبدل حاله وتحول نظراته للجدية الشديدة حتى بات يخترقها بعينيه المحدقتين بها بثبات عجيب ، فازدردت ريقها ، وهمست بتوجس :
-أنا بأقولك إن مالك آآ....
قاطعها مجدداً وهو يهز رأسه نافياً :
-ﻷ مش دي ، اللي بعدها !
توردت وجنتيها بحمرة هائلة .. وارتبكت أكثر من تلميحه الغير معلن .. وعضت على شفتها السفلى بخجل بائن للعيان ...
تنهد متأثرهاً من حيائها ، و أردف قائلا بصوت آجش :
-نفسي أسمعك بتقوليهالي تاني !
أسبلت عينيها ، وهمست بتلعثم :
-أنا داخلة قبل ما حد يشوفنا
رد عليها بتلهف وهو يستعطفها :
-لأ ماتمشيش ، استني بس
رفعت رأسها للأعلى لتنظر إليه مرة أخيرة قبل أن تهمس له بصوت رقيق التقطته أذنيه ببراعة :
-سلام يا ... يا حبيبي !
وما إن قالتها حتى ركضت بخطوات متعجلة لتختفي من أمام أنظاره العاشقة لها ...
تشكل على ثغر عمرو إبتسامة فرحة وهو يرى بنفسه انعكاس الحب عليها ..
تنهد بعمق أكثر ، وأغلق النافذة وهو يتعهد لنفسه ألا يستسلم ليأسه .. بل سيقاتل من أجلها حتى يظفر بها ...
....................................
شجعت إيثار أخيها على محاربة أي عوائق تحول دون ارتباطه الرسمي بمن أحبها ..
ولم يتردد عمرو في تكرار المحاولة ومقابلة مالك مجدداً حتى لو تعامل معه بفظاظة وجفاء ، فروان تستحق المقاتلة من أجلها ..
لقد كانت أخته نعم السند له ، ودعمته كثيراً في أصعب أوقاته ..
تمنى لو كان مثلها يملك قلباً حنوناً متسامحاً منذ البداية ، وقادراً على الصفح والغفران .
ود لو عاد به الزمن للوراء ليعدل عن قراره المتعنت بحرمانها من حبيبها ويجني عليها بزوج لا يعرف إلا غرائزه الحيوانية فقط ..
هو ندم وتاب .. وأخلص في سعيه الجاد نحو علاقة جادة شرعية ..
.........................................
شعرت إيثار بالفخر من تصرفات عمرو الأخيرة ، وطموحه التي لا تنتهي .. فقد تبدل للأفضل .. وصمد أمام تحديات مالك المتشددة .. حتى حانت لحظة المواجهة من جديد ..
..
وتلك المرة عرض بوضوح خطته المستقبلية للزواج بروان وما استطاع تنفيذه من خطوات جادة ..
رتبت هي لذلك اللقاء المرتقب في مكان عام كي تضمن عدم حدوث مشادات كلامية أو تطاولات يدوية إن أنفلت الأعصاب ، واحتدت المناقشات ..
جلس عمرو في المطعم الفاخر متأنقاً ، ومترقباً بحذر وصول مالك إليه ..
وبالفعل في ميعاده المحدد كان يلج إلى المطعم وعيناه الحادتين تبحثان عنه ..
رأه من على بعد فنهض عن مقعده وتأهب لمصافحته ..
وتلك المرة مد مالك له يده ليصافحه في بادرة ودية مطمئنة ..
جلس الاثنان قبالة بعضهما البعض ، وانتظرا حتى وضع النادل المشروبات الساخنة وانصرف ، فاستطرد عمرو حديثه متساءلاً بهدوء :
-اخبارك ايه ؟
رد عليه مالك بإيجاز دون أن تتبدل ملامحه الجامدة :
-تمام
تنحنح عمرو بخشونة قبل أن يتابع حديثه بجدية :
-قبل ما تقول أي حاجة ، أنا عاوز اعتذرلك عن أي أذية اتسببت فيها ليك زمان !
انتبه له مالك ، وحدق فيه بثبات .. بينما تابع عمرو بنبرة زرينة :
-أنا محقوقلك يا مالك ، وآآ..
أطرق رأسه خجلاً ، وصمت للحظة ، ثم تابع بنبرة شبه نادمة :
- وكنت عاوز أقولك إني زمان لما فكرت في مصلحة أختي كان من وجهة نظري أنا ، ومفكرتش في اللي هي عاوزاه ونفسها فيه !
انتصب مالك بكتفيه ، وبدى على تعابير وجهه الإهتمام ..
أخـــذ عمرو نفساً عميقاً ليسيطر على حاله قبل أن يختنق صوته أكثر ، وتابع بتوتر :
-أنا .. أنا قبل ما أجني عليها جنيت عليك إنت وظلمتك .. !
أغمض عينيه أسفاً ، وتابع بخزي وهو يتذكر أفعاله النكراء مع شقيقته :
-ويمكن ظلمي ليها كان أصعب منك بمراحل ، هي فضلت متمسكة بيك لأخر وقت ، وأنا أجبرتها على واحد مكانتش عاوزاه ، وهددتها إني هأذيك ، وهي .. وهي خافت عليك وضحت بنفسها عشان بس تحميك مني !
تبدلت قسمات مالك للوجوم .. هكذا كانت حبيبته .. مخلصة لعهد الحب ، ووفية لميثاق عشقهما .. وهو من ظن بها كل الظنون ..
هي قاست وتحملت وضحت وهو اعتقد أنها خائنة ..
أخرجه عمرو من شروده قائلاً بندم :
-أنا لو الزمن يرجع بيا لورا كنت هاعوض إيثار عن كل لحظة اتغابيت عليها فيها وحرمتها من حبها !
استشعر مالك صدق نواياه وتوبته الحقيقية عن أخطاء الماضي .
هو أصبح متأكداً أنه قادر على إسعاد أخته بحق و لا يلعب بها ...
نعم لقد غيره العشق للأفضل .. ورأى أمامه عمرو جديد ذو شخصية مختلفة ، متفاهمة ، محبة ، تعترف بأخطائها ، وتحاسب نفسها على أفعال الماضي ..
ظل مصغياً إليه دون أي مقاطعة حتى سأله الأخير بترقب :
-مالك ! إنت موافق أخطب أختك ؟
رد عليه مالك بتساؤل غامض :
-وايه اللي جد عشان أوافق المرادي ؟
أخــذ شهيقاً عميقاً ، وزفره على مهل ، ثم أجابه بجدية دون أن تطرف عيناه :
-لأني بأحب روان بجد ..!
مال بجسده للأمام وتابع بنبرة أكثر صدقاً :
-وصدقني أنا هاسعدها وهاعمل أي حاجة عشان تكون ليا !
ظهر شبح إبتسامة خفيفة على ثغر مالك ، ورد عليه بنبرة هادئة :
-سيبني أفكر في اللي قولت عليه ، وبعد كده هارد عليك
استشعر عمرو وجود بارقة أمل في رد مالك ، وتلون ثغره بإبتسامة فرحة لم يستطع إخفائها ...
.................................
احتضن عمرو شقيقته بقوة ، وقبلها من أعلى رأسها وهو يهتف بحماس :
-ربنا يخليكي ليا يا إيثار ، والله أنا ما مصدق نفسي
نظرت إيثار لأخيها بود ، وردت عليه بسعادة :
-إن شاء الله هيوافق يا حبيبي ، إدعي إنت ربنا بس
اضافت تحية قائلة بنبرة فرحة :
-مبروك يا حبيبي ، إنت تستاهل كل خير ، ومش هتلاقي أحسن من روان عشان تتجوزها
نظر عمرو إلى والدته ، ورد عليه بتنيهدة متعبة :
-أخطبها بس الأول ، وبعد كده ربنا يسهل
ابتسمت له إيثار بثقة ، ورفعت حاجبيها للأعلى وهي تقول له بجدية :
-متقلقش
رد عليها برجـــــاء :
-يا رب يا كريم
................................
-ها يا عمتو رأيك ايه ؟
تساءل مالك بإهتمام جاد وهو محدق في عمته ميسرة بعد أن أبلغها بما دار في مقابلته الأخيرة مع عمرو ..
شردت قليلاً وأجابته بتوجس :
-مش عارفة يا مالك ، أنا خايفة نكون آآ...
قاطعها زوجها ابراهيم بجدية :
-جرى ايه يا ميسرة ، عمرو جارنا والشاب عنده أخلاق ومروءة ، صحيح كان في بينا خلافات زمان ، بس هو كان بيغير على أخته وبيخاف عليها
بررت له خوفها قائلة بتوتر :
-أنا خايفة يبهدل روان معاه ، النوعية دي دماغها مش بتتغير !
ضغط مالك على شفتيه قليلاً ، وقال بعدها بنبرة رزينة :
-والله يا عمتي أنا شايف تعامله مع إيثار اتغير تماماً ، بالعكس هي بتحكيلي عن كل حاجة هو بيعملها عشان يكون احسن من الأول ويعوضها عن زمان !
حدقت فيه ميسرة بنظرات مرتابة ، ثم مطت فمها للأمام لتسأله بفضول :
-مممم.. وانت بتحكي مع إيثار على طول ؟
أطرق رأسه للأسفل للحظة ، ثم هتف بصوت خشن :
-عمتي ماتغيريش الموضوع !
مدت ميسرة يدها لتمسح بها على صدغ ابن أخيها ، وتنهدت بحنو وهي تقول :
-أنا نفسي أفرح بيك أوي !
أمسك بكفها براحة يده ، وربت عليه بخفة ، ثم رد عليها بثقة :
-إن شاء الله هايحصل .. بس خلينا الوقتي في موضوع روان
تساءلت ميسرة بجدية وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-وأختك رأيها ايه ؟ مش يمكن تكون رافضة وآآآ..
قاطعتها روان قائلة بحماس مفرط :
-لأ يا عمتو ، أنا موافقة طبعاً عليه
نظرت لها مستنكرة تهورها في الرد ، وهتفت معترضة :
-شايف البت !
رد عليها زوجها إبراهيم بإبتسامة هادئة :
-سبيها يا ميسرة
عاتبته قائلة بصلابة زائفة :
-والله إنت اللي مدلعها يا ابراهيم !
رد عليها زوجها بإبتسامته العذبة :
-هو احنا حيلتنا غيرها هي ومالك ؟!
أومـــأت برأسها بخفة موافقة إياه وهي تقول بنبرة حانية :
-عندك حق ، دول حياتنا كلها !
نهض مالك ليقف إلى جوار أخته ، ثم سحبها من ذراعها إليه ، واحتضنها قائلاً بمزاح :
-انتي يا بنتي مش بتتكسفي كده ؟
لفت ذراعيها حول خصر أخيها ، وردت عليه بدلال وهي تبتسم :
-الله يا مالك ، مش أنا بأعمل اللي انت عاوزه كله
ربت على ظهرها قائلاً :
-ماشي يا ليمضة ، ربنا يسعدك !
تراجعت للخلف لتنظر إليه بعينين لامعتين وهي تسأله بأنفاس مضطربة :
-يعني انت موافق ؟
ابتسم لها قائلاً بإيجاز :
-أكيد !
قفزت في مكانها من فرط السعادة ، وهتفت قائلة :
-حبيبي يا مالك !
أضــــاف هو قائلاً بجدية وهو ينظر في اتجاه عمته وزوجها :
-أنا هاتصل بعمرو وأبلغه بردي ، وبعدها نشوف هنعمل ايه
ردت عليه ميسرة بهدوء :
-تمام يا بني !
حدق مالك أمامه بنظرات متفائلة ، وتقوس محياه بإبتسامة واثقة .. فالقادم سيكون أفضل بأمر الله .. وسيحمل معه أهم المفاجأت ..............................
تحول خوفها الشديد عليه إلى غضب مبرر بعد أن كشف أمامها خدعته المميتة التي جعلتها تعترف بحبها اللا محدود له ظناً منها أنها تفقده للأبد ..
نظر لها مالك بأعينه التي تعشق أدق تفاصيلها ، وتلذذ برؤية تحولها من الخوف للعبوس للتلهف .. تلك المشاعر التي دائماً تشكل جزءاً هاماً من شخصيتها الرقيقة ..
عبست إيثار بوجهها بضيق جلي .. واستنكرت ما قام به لينال منها إعترافها الغالي ..
فهو لا يحق له التلاعب بمشاعرها بتلك الصورة المفزعة .. ألم يحسب ما يمكن أن يصيبها إن اعتقدت أنه قد تعرض جدياً لذلك الحادث المؤسف؟!!
تملصت من أحضانه وهي تضربه بقوة في صدره بقبضتيها ، وهتفت بحنق :
-انت ازاي تعمل فيا كده ؟!!!
ابتسم لها بود وهو يجيبها بحنو :
-أنا أسف يا حبيبتي ، بس فعلا كان ممكن يجرالي حاجة ساعتها كنتي آآ....
قاطعته قائلة بتجهم :
-متكلمش كده ، أنا مش بأحب الطريقة دي !
زادت ابتسامته إغراءاً وهو يجيبها بصوت خفيض :
-حاضر .. انتي بس أؤمريني ، وأنا هانفذ على طول يا مولاتي !
لكزته مرة أخرى في صدره موبخة إياها ، فابتسم لها وهو يضحك بمرح ..
ولجت روان إلى داخل غرفته بالمشفى ، وهتفت متساءلة بنعومة :
-ها يا مالوك ؟ أنفع أكون ممثلة ؟!
ارتبكت إيثار حينما رأت روان بالغرفة ، فشعر مالك بحرجها ، وأرخى قبضتيه عنها ، وتراجعت هي سريعاً للخلف لتعتدل في وقفتها ..
تحركت روان صوبهما وهي مسبلة عينيها للأسفل بخجل واضح ..
نظرت إيثار لها ، ووضعت يدها على منتصف خصرها ، وعاتبتها بحدة :
-وانتي كمان كنتي شريكة معاه وعارفة باللي ناوي يعمله ؟!!!
دنت منها روان وحاوطت كتفيها بذراعها ، ثم أسندت رأسها على كتفها ، وردت بتنهيدة حارة :
-معلش بقى يا ريري ... الحب بهدلة ، وانتي عرفاني ضعيفة قصاد الحب
ردت عليها إيثار بإمتعاض ظاهر في نبرتها :
-ماشي يا روان ، ليكي يوم ، وأكيد طبعاً السواق وراوية كانوا معاكوا في الفيلم ده
رد عليها مالك بتساؤل متباهياً بنفسه :
-أنفع أكون مخرج سينمائي ، صح ؟
هتفت فيه إيثار بغيظ :
-انت مخرج بايخ ودمك تقيل !
ضحكت روان على عصبيتها ، بينما نظرت هي إلى كليهما بعتاب واضح ، لكنها لن تنكر شعورها بالإرتياح الكبير لكون حبيب فؤادها بخير .. .
.....................................
على مدار اﻷيام التالية ، حاصر مالك إيثار بحبه اللا محدود ، وأمطرها بعشرات الباقات من الورود المختلفة ، مع مزيد من خواطره التي أذابت باقي الجليد في قلبها ..
كانت تستعد كل يوم وهي ذاهبة إلى عملها إلى مفاجئة غير متوقعة منه ..
وهو لم يخيب ظنها .. فشغل عن عمد كل تفكيرها .. وأصبح مسيطراً عليها بدرجة كبيرة ، ومستحوذاً على أغلب وقتها .. فيومها يبدأ معه في شركته ، وينتهي في الفيلا مع ابنته الصغيرة ..
كما نجحت هي ببراعة في التوفيق بين عمليها ، واستطاعت أن تُثَبت أقدامها في الشركة ...
حقاً كانت مصدر فخر له بين زملائها في العمل ...
هو أحسن الاختيار ، ولن يفرط فيها مهما عاندت أو كابرت ..
.............................
ورغم وعدها لأخيها بألا ترتكب أي حماقات بدون علمه ، إلا أن قلبها أجبرها على عدم اﻹنصياع لعهدها معه .. واختلقت اﻷعذار لتلقاه مصادفة عبر الشرفة في منزل عمتها ..
ها هي تكرر أفعال أخيها السابقة مع إيثار ، لم تكن تتصور أنها ستفعل مثله ،ولكن الحب جنون و يمكن أن يجبرك على فعل الحماقات ..
كانت يوماً بعد يوم تزور عمتها بحجة مرضها وأنها بحاجة إلى الرعاية ، ثم تتوجه إلى غرفة أخيها لتلج إلى الشرفة ،
وتلتقي به ..
رفعت عيناها للأعلى لتنظر إلى عينيه المتيمة بها .. فتبتسم بسعادة وتطمئن عليه وتشد من أزره وتشجعه على الصمود أمام عِناد أخيها ...
وهو يستمد من دعمها الطاقة الإيجابية التي تعينه على المقاومة وتدفعه إلى عدم اليأس والسعي لفعل المزيد من اجلها هي ...
همس لها بتنهيدة والهة :
-وحشتيني
ردت عليه روان بنعومة هامسة :
-وانت كمان !
تابع قائلاً بصوت خفيض متمنياً :
-ربنا يهدي أخوكي ويرضى عني
-ردت عليه بتضرع :
-يا رب .. معلش يا حبيبي هو بس دماغه ناشفة شويتين لكن آآ....
قاطعها قائلا بتحمس :
-انتي بتقولي ايه ؟!!
إنتابها القلق من تبدل حاله وتحول نظراته للجدية الشديدة حتى بات يخترقها بعينيه المحدقتين بها بثبات عجيب ، فازدردت ريقها ، وهمست بتوجس :
-أنا بأقولك إن مالك آآ....
قاطعها مجدداً وهو يهز رأسه نافياً :
-ﻷ مش دي ، اللي بعدها !
توردت وجنتيها بحمرة هائلة .. وارتبكت أكثر من تلميحه الغير معلن .. وعضت على شفتها السفلى بخجل بائن للعيان ...
تنهد متأثرهاً من حيائها ، و أردف قائلا بصوت آجش :
-نفسي أسمعك بتقوليهالي تاني !
أسبلت عينيها ، وهمست بتلعثم :
-أنا داخلة قبل ما حد يشوفنا
رد عليها بتلهف وهو يستعطفها :
-لأ ماتمشيش ، استني بس
رفعت رأسها للأعلى لتنظر إليه مرة أخيرة قبل أن تهمس له بصوت رقيق التقطته أذنيه ببراعة :
-سلام يا ... يا حبيبي !
وما إن قالتها حتى ركضت بخطوات متعجلة لتختفي من أمام أنظاره العاشقة لها ...
تشكل على ثغر عمرو إبتسامة فرحة وهو يرى بنفسه انعكاس الحب عليها ..
تنهد بعمق أكثر ، وأغلق النافذة وهو يتعهد لنفسه ألا يستسلم ليأسه .. بل سيقاتل من أجلها حتى يظفر بها ...
....................................
شجعت إيثار أخيها على محاربة أي عوائق تحول دون ارتباطه الرسمي بمن أحبها ..
ولم يتردد عمرو في تكرار المحاولة ومقابلة مالك مجدداً حتى لو تعامل معه بفظاظة وجفاء ، فروان تستحق المقاتلة من أجلها ..
لقد كانت أخته نعم السند له ، ودعمته كثيراً في أصعب أوقاته ..
تمنى لو كان مثلها يملك قلباً حنوناً متسامحاً منذ البداية ، وقادراً على الصفح والغفران .
ود لو عاد به الزمن للوراء ليعدل عن قراره المتعنت بحرمانها من حبيبها ويجني عليها بزوج لا يعرف إلا غرائزه الحيوانية فقط ..
هو ندم وتاب .. وأخلص في سعيه الجاد نحو علاقة جادة شرعية ..
.........................................
شعرت إيثار بالفخر من تصرفات عمرو الأخيرة ، وطموحه التي لا تنتهي .. فقد تبدل للأفضل .. وصمد أمام تحديات مالك المتشددة .. حتى حانت لحظة المواجهة من جديد ..
..
وتلك المرة عرض بوضوح خطته المستقبلية للزواج بروان وما استطاع تنفيذه من خطوات جادة ..
رتبت هي لذلك اللقاء المرتقب في مكان عام كي تضمن عدم حدوث مشادات كلامية أو تطاولات يدوية إن أنفلت الأعصاب ، واحتدت المناقشات ..
جلس عمرو في المطعم الفاخر متأنقاً ، ومترقباً بحذر وصول مالك إليه ..
وبالفعل في ميعاده المحدد كان يلج إلى المطعم وعيناه الحادتين تبحثان عنه ..
رأه من على بعد فنهض عن مقعده وتأهب لمصافحته ..
وتلك المرة مد مالك له يده ليصافحه في بادرة ودية مطمئنة ..
جلس الاثنان قبالة بعضهما البعض ، وانتظرا حتى وضع النادل المشروبات الساخنة وانصرف ، فاستطرد عمرو حديثه متساءلاً بهدوء :
-اخبارك ايه ؟
رد عليه مالك بإيجاز دون أن تتبدل ملامحه الجامدة :
-تمام
تنحنح عمرو بخشونة قبل أن يتابع حديثه بجدية :
-قبل ما تقول أي حاجة ، أنا عاوز اعتذرلك عن أي أذية اتسببت فيها ليك زمان !
انتبه له مالك ، وحدق فيه بثبات .. بينما تابع عمرو بنبرة زرينة :
-أنا محقوقلك يا مالك ، وآآ..
أطرق رأسه خجلاً ، وصمت للحظة ، ثم تابع بنبرة شبه نادمة :
- وكنت عاوز أقولك إني زمان لما فكرت في مصلحة أختي كان من وجهة نظري أنا ، ومفكرتش في اللي هي عاوزاه ونفسها فيه !
انتصب مالك بكتفيه ، وبدى على تعابير وجهه الإهتمام ..
أخـــذ عمرو نفساً عميقاً ليسيطر على حاله قبل أن يختنق صوته أكثر ، وتابع بتوتر :
-أنا .. أنا قبل ما أجني عليها جنيت عليك إنت وظلمتك .. !
أغمض عينيه أسفاً ، وتابع بخزي وهو يتذكر أفعاله النكراء مع شقيقته :
-ويمكن ظلمي ليها كان أصعب منك بمراحل ، هي فضلت متمسكة بيك لأخر وقت ، وأنا أجبرتها على واحد مكانتش عاوزاه ، وهددتها إني هأذيك ، وهي .. وهي خافت عليك وضحت بنفسها عشان بس تحميك مني !
تبدلت قسمات مالك للوجوم .. هكذا كانت حبيبته .. مخلصة لعهد الحب ، ووفية لميثاق عشقهما .. وهو من ظن بها كل الظنون ..
هي قاست وتحملت وضحت وهو اعتقد أنها خائنة ..
أخرجه عمرو من شروده قائلاً بندم :
-أنا لو الزمن يرجع بيا لورا كنت هاعوض إيثار عن كل لحظة اتغابيت عليها فيها وحرمتها من حبها !
استشعر مالك صدق نواياه وتوبته الحقيقية عن أخطاء الماضي .
هو أصبح متأكداً أنه قادر على إسعاد أخته بحق و لا يلعب بها ...
نعم لقد غيره العشق للأفضل .. ورأى أمامه عمرو جديد ذو شخصية مختلفة ، متفاهمة ، محبة ، تعترف بأخطائها ، وتحاسب نفسها على أفعال الماضي ..
ظل مصغياً إليه دون أي مقاطعة حتى سأله الأخير بترقب :
-مالك ! إنت موافق أخطب أختك ؟
رد عليه مالك بتساؤل غامض :
-وايه اللي جد عشان أوافق المرادي ؟
أخــذ شهيقاً عميقاً ، وزفره على مهل ، ثم أجابه بجدية دون أن تطرف عيناه :
-لأني بأحب روان بجد ..!
مال بجسده للأمام وتابع بنبرة أكثر صدقاً :
-وصدقني أنا هاسعدها وهاعمل أي حاجة عشان تكون ليا !
ظهر شبح إبتسامة خفيفة على ثغر مالك ، ورد عليه بنبرة هادئة :
-سيبني أفكر في اللي قولت عليه ، وبعد كده هارد عليك
استشعر عمرو وجود بارقة أمل في رد مالك ، وتلون ثغره بإبتسامة فرحة لم يستطع إخفائها ...
.................................
احتضن عمرو شقيقته بقوة ، وقبلها من أعلى رأسها وهو يهتف بحماس :
-ربنا يخليكي ليا يا إيثار ، والله أنا ما مصدق نفسي
نظرت إيثار لأخيها بود ، وردت عليه بسعادة :
-إن شاء الله هيوافق يا حبيبي ، إدعي إنت ربنا بس
اضافت تحية قائلة بنبرة فرحة :
-مبروك يا حبيبي ، إنت تستاهل كل خير ، ومش هتلاقي أحسن من روان عشان تتجوزها
نظر عمرو إلى والدته ، ورد عليه بتنيهدة متعبة :
-أخطبها بس الأول ، وبعد كده ربنا يسهل
ابتسمت له إيثار بثقة ، ورفعت حاجبيها للأعلى وهي تقول له بجدية :
-متقلقش
رد عليها برجـــــاء :
-يا رب يا كريم
................................
-ها يا عمتو رأيك ايه ؟
تساءل مالك بإهتمام جاد وهو محدق في عمته ميسرة بعد أن أبلغها بما دار في مقابلته الأخيرة مع عمرو ..
شردت قليلاً وأجابته بتوجس :
-مش عارفة يا مالك ، أنا خايفة نكون آآ...
قاطعها زوجها ابراهيم بجدية :
-جرى ايه يا ميسرة ، عمرو جارنا والشاب عنده أخلاق ومروءة ، صحيح كان في بينا خلافات زمان ، بس هو كان بيغير على أخته وبيخاف عليها
بررت له خوفها قائلة بتوتر :
-أنا خايفة يبهدل روان معاه ، النوعية دي دماغها مش بتتغير !
ضغط مالك على شفتيه قليلاً ، وقال بعدها بنبرة رزينة :
-والله يا عمتي أنا شايف تعامله مع إيثار اتغير تماماً ، بالعكس هي بتحكيلي عن كل حاجة هو بيعملها عشان يكون احسن من الأول ويعوضها عن زمان !
حدقت فيه ميسرة بنظرات مرتابة ، ثم مطت فمها للأمام لتسأله بفضول :
-مممم.. وانت بتحكي مع إيثار على طول ؟
أطرق رأسه للأسفل للحظة ، ثم هتف بصوت خشن :
-عمتي ماتغيريش الموضوع !
مدت ميسرة يدها لتمسح بها على صدغ ابن أخيها ، وتنهدت بحنو وهي تقول :
-أنا نفسي أفرح بيك أوي !
أمسك بكفها براحة يده ، وربت عليه بخفة ، ثم رد عليها بثقة :
-إن شاء الله هايحصل .. بس خلينا الوقتي في موضوع روان
تساءلت ميسرة بجدية وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-وأختك رأيها ايه ؟ مش يمكن تكون رافضة وآآآ..
قاطعتها روان قائلة بحماس مفرط :
-لأ يا عمتو ، أنا موافقة طبعاً عليه
نظرت لها مستنكرة تهورها في الرد ، وهتفت معترضة :
-شايف البت !
رد عليها زوجها إبراهيم بإبتسامة هادئة :
-سبيها يا ميسرة
عاتبته قائلة بصلابة زائفة :
-والله إنت اللي مدلعها يا ابراهيم !
رد عليها زوجها بإبتسامته العذبة :
-هو احنا حيلتنا غيرها هي ومالك ؟!
أومـــأت برأسها بخفة موافقة إياه وهي تقول بنبرة حانية :
-عندك حق ، دول حياتنا كلها !
نهض مالك ليقف إلى جوار أخته ، ثم سحبها من ذراعها إليه ، واحتضنها قائلاً بمزاح :
-انتي يا بنتي مش بتتكسفي كده ؟
لفت ذراعيها حول خصر أخيها ، وردت عليه بدلال وهي تبتسم :
-الله يا مالك ، مش أنا بأعمل اللي انت عاوزه كله
ربت على ظهرها قائلاً :
-ماشي يا ليمضة ، ربنا يسعدك !
تراجعت للخلف لتنظر إليه بعينين لامعتين وهي تسأله بأنفاس مضطربة :
-يعني انت موافق ؟
ابتسم لها قائلاً بإيجاز :
-أكيد !
قفزت في مكانها من فرط السعادة ، وهتفت قائلة :
-حبيبي يا مالك !
أضــــاف هو قائلاً بجدية وهو ينظر في اتجاه عمته وزوجها :
-أنا هاتصل بعمرو وأبلغه بردي ، وبعدها نشوف هنعمل ايه
ردت عليه ميسرة بهدوء :
-تمام يا بني !
حدق مالك أمامه بنظرات متفائلة ، وتقوس محياه بإبتسامة واثقة .. فالقادم سيكون أفضل بأمر الله .. وسيحمل معه أهم المفاجأت ..............................
الفصل الثاني والثلاثون – الأخير ( الجزء الثاني ) :
تعالت الزغاريد في منزل المرحوم الحاج رحيم عبد التواب بعد إعلان موافقة مالك على خطوبة أخته الصغرى لعمرو ..
أدمعت عيني السيدة تحية بفرحة جلية وهي تهلل بسعادة :
-لوووولووولي .. أخيراً ربنا نصفك يا ضنايا
قبل عمرو كفي والدته ، وهتف بنبرة متحمسة :
-والله ما مصدق لحد الوقتي ، أنا خايف اكون بأحلم
ابتسمت إيثار لسعادة أخيها ، ثم اقتربت منه ، ووضعت يدها على خصرها ، وأضافت بعبوس زائف :
-وأنا ماليش شكر ولا أي حاجة ، خلاص خلصت حاجتي من عند جارتي ؟!
لف عمرو يده حول كتفي أخته ، وضمها إلى صدره ثم قبلها من جبينها ، وهتف بإبتسامة عريضة :
-إزاي بس ، هو أنا أقدر
مسحت هي على ظهره ورفعت عيناها لتنظر إليه بود وهي تردد :
-ربنا يفرحك دايماً
رد عليها عمرو بجدية :
-يا رب أمين ، أنا عاوز بقى أجهز لكل حاجة عشان نعمل الخطوبة في أقرب وقت
هزت إيثار رأسها موافقة وهي تقول :
-تمام ، وأنا هاظبط مع روان المناسب ليها وأبلغك
أومــأ برأسه إيجاباً وهو يردد :
-متفقين
................................
لم تختلف سعادة روان عن عمرو كثيراً .. فقد حظيت هي بحب شغوف بالرغم من العقبات التي واجهته في البداية ، وحمدت الله أنها لم تعانِ مثل إيثار .. وهـــا قد حان الوقت لرد الجميل إليها ..
ظلت ترقص بسعادة وتدور في غرفتها وهي تمني نفسها بسعادة حقيقية مع من اختاره قلبها ..
ألقت بنفسها على الفراش ، وحدقت في سقفية الغرفة ، وتنهدت بحرارة وهي تقول لنفسها :
-أخيراً .. ده أنا كنت هيأس خلاص .. هانت !
أغمضت عيناها لترسم في مخيلتها الشكل المفترض لحفل خطبتها المنتظر ..
........................................
على مدار الأيـــــام التالية إنشغلت إيثار برعاية الصغيرة ريفان وبمساعدة روان في التجهيز لحفل خطبتها.. واعتذرت عن العمل – مؤقتاً – في الشركة لتتفرغ لمهامها الجديدة ..
لم تتركها للحظة ، وظلت ملازمة لها في كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة لتتأكد من إتمامها على أكمل وجــــه ...
انتقت روان فستاناً ذهبياً ذو ذيل طويل مميز ومرصع بالمفصوص اللامعة ..
أكتافه كانت مغطاه بقماش الشيفون ، وفضلت أن ترتدي الحجاب وألا تخلعه كغيرها ممن يتخلين عنه في ليالي فرحتهن المميزة ..
أما إيثار فانتقت لنفسها فستاناً رقيقاً مصنوعاً من الحرير الناعم ، ومن اللون الوردي ..
كان يتميز بأكمامه التي تنساب بوسع معقول لتغطي ذراعيها بالكامل .. وبخصره الذي يبرز تناسق جسدها الممشوق ..
ولم تتردد في تفصيل نفس الموديل للصغيرة ريفان .. لتبدو الاثنتان كتوأم متشابه مع إختلاف العمر والحجم ...
كانت أسعد الأوقــــات لهما حينما قامتا بتجربة قياس الفستانين ، فظهرت كلتاهما كعارضتين خرجتا من مجلة أزياء شهيرة ..
أما الصغيرة ريفان فبدت كملاك رقيق بفستانها الرائع .. وتشبه إيثار بدرجة كبيرة في هيئتها ..
واتفقت الاثنتان على عدم إخبار مالك بما سيفعلاه مع الصغيرة .. لتكون هذه مفاجئتهما له ..
.................................
لم يتجادل عمرو مع مالك كثيراً بشـــأن قاعة الحفل الذي ستعقد في الخطوبة ، ووافق على مضض على رغبته فقد أصر الأخير على اختيار قاعة فاخرة لإقامة الحفل متحججاً بالكم الهائل المدعو من رجال الأعمال لحضور الحفل ...
كذلك تدخلت إيثار في تلك المســألة لإقناع أخيها بعدم الرفض ، وأن المسألة لا تحتاج للمشاجرة وافتعال الخناقات ..
شكرت روان إيثار كثيراً على دعمها لها في كل شيء وخاصة في مســـألة الإرتباط الرسمي بأخيها .. فقد كانت نعم الأخت التي لم تلدها أمها ..
وتمنت لو استطاعت أن ترد لها الجميل أضعافاً مضاعفة .. ولكنها على عهدها بأخيها .. ستحقق لها هذا ..
................................
صدح صوت المزامير عالياً عند مدخل القاعة ، واصطفت الفرقة الشعبية على الجانبين لتستقبل العروسين بالأغاني الشهيرة ..
تحركت روان وهي تتأبط ذراع عمرو بخطوات بطيئة بسبب فستانها الثقيل ، ولكن كان قلبها يطير على جناحي السعادة ..
نظرت إليه بحب ، وبادلها هو نظرات عاشقة .. وربت على كفها المتعلق في ذراعه بحنو كبير ....
تحرك خلفهما والدته تحية وهي تلقي بحبات الملح فوق رأسيهما اعتقاداً منها أنها تحميهما من الحسد ..
وكذلك لحقت بهما إيثار بخطوات شبه متعثرة ، والتي كانت تنحني من آن لأخر لتفرد ذيل الفستان الخاص بروان لتبدو في مظهر لائق ..
شعرت بيد توضع على ظهرها فانتفضت فزعة ، ونظرت إلى من فعل هذا بتجهم شديد ، فرأت مالك يبتسم لها بإمتعاض ، ثم همس لها محذراً :
-متوطيش تاني ، ماشي ! مش لازم الناس تشوفك كده
توردت وجنتيها خجلاً ، وأطرقت رأسها في حياء واضح ..
ابتسم لها مالك بحب ، ورفع صغيرته ريفان للأعلى ليقذفها في الهواء ، ثم تلاقها بيديه ، وحملها على ذراعه وقبلها من وجنتها بقوة ..
لقد فاجئته إيثار بفكرتها الجميلة في إرتداء فستان شبيهاً لها ، وأججت في صدره مشاعر تشتعل بشدة لمجرد التفكير فيها ..
كان يعد الدقائق لتمر فينفذ الجزء الأخير من خطته النهائية في استعادة معذبة فؤاده ، وأسيرة روحه ...
........................
وقف على باب القاعة كلاً من إبراهيم وميسرة ليستقبلا المدعوين بترحاب واضح ..
لمعت عيني ميسرة بوميض عجيب حينما وقع بصرها على ابنة أخيها ..
ها هي اليوم تراها عروساً سعيدة مع من إختاره قلبها..
لف ابراهيم ذراعه حول كتفيها ، وقربها إلى صدره وهو يقول بصوت هامس :
-اوعي تعيطي يا ميسرة ، النهاردة ليلة فرح !
ردت عليه بنبرة شبه باكية وهي تكبح عبراتها من الإنهمار :
-كان نفسي رشاد يكون عايش عشان يشوف بنته وآآ...
قاطعها ابراهيم قائلاً بهدوء :
-دي بنتنا احنا ، والنهاردة فرحتنا بيها فماتبوظيهاش بعياطك !
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تقول :
-حاضر !
....................................
جلست سارة إلى جوار والديها وهي تتحسر على حالها البائس ...
هي لم تكن تحمل يوماً نوايا طيبة لأقاربها .. وسعت في تخريب حياة ابنة عمها ، فنالت جزائها .. واليوم هي هنا تشهد على زيجة جديدة بُنيت على أساس طيب ..
تنهدت بإستياء ، واستندت بوجهها على مرفقها ..
نظرت لها إيمان بإشفاق ، وتمتمت بضجر :
-افردي وشك ، بلاش البوز ده !
ردت عليها ســـارة بإحباط :
-يعني لو ضحكت هاتتعدل
هتف فيهما مدحت بنفاذ صبر :
-اسكتوا انتو الاتنين ، ومش عاوز كلام في أي حاجة
ردت عليه إيمان على مضض:
-طيب
............................................
توالت فقرات الحفل تباعاً حتى انتهى العروسين من تقطيع قالب الحلوى ذي الأدوار المتعددة .. فهتف منسق الحفل قائلاً في الميكروفون :
-ودلوقتي نطلب من أصحاب العروسة يتجمعوا عشان البوكيه ..
وبالفعل تسابقت صديقات ورفيقات روان في الوقوف خلفها استعداداً لتلقي باقة الورد المميزة التي تعلن ضمنياً عمن سيأتي عليها الدور في الإرتباط ..
وقفت إيثار بجوار كوشة العروسين تنظر إلى المشهد بنظرات متأملة .. لكن لم يطرأ ببالها أن تشير روان بيدها لمنسق الحفل لتطلب منه الميكروفون ..
نظرت لها بتعجب ، وإرتفع حاجبها للأعلى في ريبة ، وتساءلت مع نفسها بفضول :
-هي ناوية على ايه المجنونة دي ؟
أمسكت روان بالميكروفون ، والتفتت برأسها ناحية رفيقتها الوحيدة ، وصاحت بنبرة جادة :
-سامحوني يا بنات ، أنا مش هاقدر أدي بوكيه الورد ده لحد فيكم !
حدقت الفتيات لبعضهن البعض بنظرات غريبة ومتعجبة ، بينما تابعت روان بنبرة ممتنة :
-البوكيه ده هايروح لأختي وصاحبتي وحبيبتي إيثار
شهقت إيثار مصدومة حينما سمعت اسمها يتردد في المكان ..
ووضعت يدها على فمها في ذهول عجيب ..
قام منسق القاعة بتسليط الأضواء عليها فقط بعد أن أخفض الإضاءات الأخرى لتصبح هي وحدها محور الإهتمام ..
اقتربت منها روان بخطوات حذرة ، ونظرت إليها بود وهي تكمل بنبرة تحمل العرفان والجميل :
-حقيقي أنا مكونتش أتخيل إن ربنا هيكرمني بواحدة زيك ، ونفسي أوي نكون مش بس أصحاب !
هنا تدخل مالك في الحوار ، وطلب من شقيقته بهدوء :
-ممكن أكمل أنا !
ناولته روان الميكروفون ، ليلتفت هو بجسده ناحية حبيبته ، وتأملها بنظرات عاشقة ، وأردف قائلاً بنبرة آســـرة :
-إيثار .. !
ارتعش جسدها على إثر صوته ، وضمت كفيها معاً لتفركهما بتوتر ، وتعلقت أنظارها بعينيه العاشقتين ..
أكمل مالك قائلاً بنبرة متيمة :
-إنتي حبي الوحيد ، إنتي النعمة اللي ربنا ادهاني عشان تكون معايا في الدنيا دي !
تلاحقت أنفاسها من فرط التوتر ، ونهج صدرها علواً وهبوطاً ..
أحقاً سيفعلها ؟ أحقاً سيتقدم لخطبتها هكذا أمام الجميع ؟
ازدردت ريقها بإرتباك كبير ..
وقف هو على بعد خطوات معدودة منها ،وحدق فيها بثبات ، ثم همس لها بتنهيدة حارة :
-إيثار أنا محبتش حد إلا انتي !
وضع يده على قلبه ليشير إليه ، وأسبل عيناه وهو يتابع بصدق :
-قلبي ده عمره ما دق إلا ليكي وبس .. !
زادت نبرته رخامة وهو يضيف بصوت خافت :
-الظروف أجبرتنا على البعاد ، وفرقتنا ، خليت كل واحد فينا يشوف أوحش ما في الدنيا !
تسارعت دقات قلبها وهي تراه يقف قبالتها ..
مد يده ليمسك بكفها ، ثم أطبق عليه ، وتابع بنبرة رومانسية :
-بس النهاردة أنا مش هاقدر اسيبك تبعدني عني ، نفسي تكون معايا على طول للأبد ، تكوني أم عيالي وكل حاجة في حياتي .. بأحبك يا عمري اللي جاي كله !
جثى مالك على ركبته أمامها ، فخفق قلبها أكثر ، واستطاع أن يرى توترها الرهيب ، فابتسم لها ابتسامة مغرية ، وتساءل بصوت جاد وثابت وهو ينظر مباشرة في عينيها :
-إيثار رحيم عبد التواب ، تقبلي تتجوزيني وتكوني مراتي وشريكة حياتي قدام الناس دي كلها ؟
استطاعت أذنيها أن تلتقط شهقات الفتيات المصدومات من ذلك المشهد الرومانسي المثير ..
بدأ فمها في الإلتواء ليتشكل عليه بسمة رقيقة وهي تجيبه بصوت هامس ومرتبك :
-أنا ..آآ...
قاطعها قائلاً بإصرار محب عاشق :
-تتجوزيني يا إيثار ؟ أنا مش هاسيبك تبعدي عني تاني !
لم تجبه ، بل أومـــأت برأسها بإيماءة خفيفة فنهض على إثرها من مكانه ، وجذبها من كفها إلى حضنه ليحتضنها بشغف كبير ..
تعالت التصفيقات والصافرات وتهليلات الحاضرين في القاعة .. وامتزجت مع أغاني الأفراح المهنئة ..
لم تصدق تحية ما حدث ، وانطلقت منها دفعة لا متناهية من الزغاريد السعيدة لفرحة ابنتها التي ستكتمل اليوم مع حبيبها الوحيد ...
.........................................
بعد مرور عدة أيـــــــام ، وفي تلك الحديقة الأنيقة المخصصة لحفلات العرس النهارية كانت إيثار توقع بسعادة على ميثاق الزواج ليعلن بعدها المأذون اكتمال المراسم الرسمية لتلك الزيجة الميمونة ..
أمطرتها روان بقطع الزهور الصغيرة فوق رأسها وهي تقفز بفرح في مكانها ..
مال عليها عمرو قائلاً بعبوس :
-اهدي شوية ، مش كده يا روني
ردت عليه بمرح وهي ترمش بعينيها:
-فرحانة أوي يا عمرو ، مش مصدقة ، أخيراً ربنا جمعهم مع بعض
قال عمرو مبتسماً وهو يغمز لها :
-الحمدلله ، عقبالنا احنا كمان !
ردت عليه محتجة وهي تشير بيدها :
-لسه بدري ، أما أخلص دراسة وآآآ....
قاطعها قائلاً بجدية :
-وأنا مش هاصبر كل ده ، أخلص بس اللي ناقص في الشقة ، وبعد كده هاعجل بجوازنا يا حبيبتي !
ابتسمت روان له بخجل ولم تقل المزيد .. فقد كانت هي الأخـــرى تحترق شوقاً لتكون إلى جواره تحت سقف منزلهما ...
نهض مالك عن مقعده ، واتجه إلى زوجته إيثار ، وأمسك بكفها ليقبله ، ثم جذبها منه لتنهض وهو يقول بجدية :
-تعالي يا حبيبتي معايا
نظرت له إيثار بإندهاش ، واعترضت على ما يفعله :
-استنى يا مالك ، احنا رايحين فين بس وسايبين الفرح ؟
رد عليها بعدم اهتمام بما يظنه المتواجدين من حولهما :
-هاتعرفي الوقتي
سحبها ورائه بعيداً عن الحاضرين ، فضحكوا على ما يفعله مالك بعروسة ، وصفقوا لهما ... فخجلت هي من تصرفه الطائش ، وهتفت بحرج :
-يا مالك ، مش ينفع اللي بتعمله ده
رد عليها بعدم إكتراث :
-محدش ليه حاجة عندي ، إنتي مراتي وأنا حر
تحركت مجبرة خلفه حتى وصل بها إلى سيارته ، ففتح لها الباب الأمامي ، وطلب منها الجلوس ، فامتثلت لطلبه على مضض ، فالفضول يقتلها لمعرفة إلى أين يصطحبها زوجها المجنون ...
استقل السيارة وقـــادها إلى بقعته المميزة على كورنيش البحر ..
تلك البقعة التي شهدت مولد حبهما ، وفراقهما ، ولحظات تعاستهما ، ومعاناتهما ، وانتهت الآن بزواجهما وفرحتهما الأبدية ..
اتسعت حدقتيها في إعجاب كبير حينما رأت كيف زين ذلك المكان وجمله ليليق بها ..
افترشت الرمــــال بالزهور الوردية والحمراء على الجانبين ،
ووضع في المنتصف بســـاط ابيض لتسير هي عليه كالأميرات ..
إنها تعيش حلماً رائعاً لا تود الإستيقاظ منه أبداً ..
صف السيارة على الجانب ، وترجل منها ، ثم دار حولها ليفتح الباب لملكة قلبه ..
مــد ذراعه ليمسك بكفها ليعاونها على الترجل منها .. فابتسمت له بنعومة .. وتحركت معه ..
تأبطت هي في ذراعه ، ونظر لها بنظرات والهة عاشقة لكل ما فيها ، وســـار سوياً للأمام بخطوات هادئة ..
التفت بجسده ليصبح في مواجهتها ، ثم احتضن وجهها براحتيه ، وتلمس بأصابعه موضع غمازتيها ، وطالع عيناها بشغف كبير ...
شعرت هي بأنفاسه الحارة على وجهها فزادت من سخونة وجنتيها .. أخيراً هي له .. وأصبحت زوجته ..
سترتاح في النهاية من كل ما عانته ، وسيسكن قلبها مع من عشقته ..
ابتسم لها مالك بعذوبة ، ورمقها بنظرات هائمة تنطق بالكثير ..
طال صمتهما ، وطالت نظراتهما .. فاليوم لا حاجة بهما إلى الحديث .. يكفيهما أن تنطق الأعين والقلوب ..
أرخى مالك يديه عن وجنتيها ليضعهما على خصرها ، ثم قربها إليه أكثر ، فرفعت هي ذراعيها للأعلى ، ولفتهما حول عنقه ، وتعلقت به ..
امتزجت روحيهما معاً .. واشتعلت شرارة الحب من اقترابهما المغري ..
احنى مالك رأسه على وجهها ليختصر المسافات بينهما لتصبح معدومة ، وهمس لها بصوت أسرها بخاطرة أخــرى أخيرة حفظها وعدل عليها لأجلها :
(( أجملَ ما رأيتُ بِحبِّنا
هذا الجنونُ ، وكثرةُ الأخطارْ
حينًا يُغرِّدُ في وَداعةِ طِفلةٍ
حيناً نراهُ كمارِدٍ جبَّارْ
لا يَستريحُ ولا يُريحُ فدائماً
شمسٌ تلوحُ وخَلفَها أمطارْ
أُحِبُكِ ، وَسَأُحِبُكِ دَوْمَاً ،
حَبِيبَتِي وَ مُعَذِبَتِي إِيِثَارْ .. ))
...............................................
تمت بحمد الله
تعالت الزغاريد في منزل المرحوم الحاج رحيم عبد التواب بعد إعلان موافقة مالك على خطوبة أخته الصغرى لعمرو ..
أدمعت عيني السيدة تحية بفرحة جلية وهي تهلل بسعادة :
-لوووولووولي .. أخيراً ربنا نصفك يا ضنايا
قبل عمرو كفي والدته ، وهتف بنبرة متحمسة :
-والله ما مصدق لحد الوقتي ، أنا خايف اكون بأحلم
ابتسمت إيثار لسعادة أخيها ، ثم اقتربت منه ، ووضعت يدها على خصرها ، وأضافت بعبوس زائف :
-وأنا ماليش شكر ولا أي حاجة ، خلاص خلصت حاجتي من عند جارتي ؟!
لف عمرو يده حول كتفي أخته ، وضمها إلى صدره ثم قبلها من جبينها ، وهتف بإبتسامة عريضة :
-إزاي بس ، هو أنا أقدر
مسحت هي على ظهره ورفعت عيناها لتنظر إليه بود وهي تردد :
-ربنا يفرحك دايماً
رد عليها عمرو بجدية :
-يا رب أمين ، أنا عاوز بقى أجهز لكل حاجة عشان نعمل الخطوبة في أقرب وقت
هزت إيثار رأسها موافقة وهي تقول :
-تمام ، وأنا هاظبط مع روان المناسب ليها وأبلغك
أومــأ برأسه إيجاباً وهو يردد :
-متفقين
................................
لم تختلف سعادة روان عن عمرو كثيراً .. فقد حظيت هي بحب شغوف بالرغم من العقبات التي واجهته في البداية ، وحمدت الله أنها لم تعانِ مثل إيثار .. وهـــا قد حان الوقت لرد الجميل إليها ..
ظلت ترقص بسعادة وتدور في غرفتها وهي تمني نفسها بسعادة حقيقية مع من اختاره قلبها ..
ألقت بنفسها على الفراش ، وحدقت في سقفية الغرفة ، وتنهدت بحرارة وهي تقول لنفسها :
-أخيراً .. ده أنا كنت هيأس خلاص .. هانت !
أغمضت عيناها لترسم في مخيلتها الشكل المفترض لحفل خطبتها المنتظر ..
........................................
على مدار الأيـــــام التالية إنشغلت إيثار برعاية الصغيرة ريفان وبمساعدة روان في التجهيز لحفل خطبتها.. واعتذرت عن العمل – مؤقتاً – في الشركة لتتفرغ لمهامها الجديدة ..
لم تتركها للحظة ، وظلت ملازمة لها في كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة لتتأكد من إتمامها على أكمل وجــــه ...
انتقت روان فستاناً ذهبياً ذو ذيل طويل مميز ومرصع بالمفصوص اللامعة ..
أكتافه كانت مغطاه بقماش الشيفون ، وفضلت أن ترتدي الحجاب وألا تخلعه كغيرها ممن يتخلين عنه في ليالي فرحتهن المميزة ..
أما إيثار فانتقت لنفسها فستاناً رقيقاً مصنوعاً من الحرير الناعم ، ومن اللون الوردي ..
كان يتميز بأكمامه التي تنساب بوسع معقول لتغطي ذراعيها بالكامل .. وبخصره الذي يبرز تناسق جسدها الممشوق ..
ولم تتردد في تفصيل نفس الموديل للصغيرة ريفان .. لتبدو الاثنتان كتوأم متشابه مع إختلاف العمر والحجم ...
كانت أسعد الأوقــــات لهما حينما قامتا بتجربة قياس الفستانين ، فظهرت كلتاهما كعارضتين خرجتا من مجلة أزياء شهيرة ..
أما الصغيرة ريفان فبدت كملاك رقيق بفستانها الرائع .. وتشبه إيثار بدرجة كبيرة في هيئتها ..
واتفقت الاثنتان على عدم إخبار مالك بما سيفعلاه مع الصغيرة .. لتكون هذه مفاجئتهما له ..
.................................
لم يتجادل عمرو مع مالك كثيراً بشـــأن قاعة الحفل الذي ستعقد في الخطوبة ، ووافق على مضض على رغبته فقد أصر الأخير على اختيار قاعة فاخرة لإقامة الحفل متحججاً بالكم الهائل المدعو من رجال الأعمال لحضور الحفل ...
كذلك تدخلت إيثار في تلك المســألة لإقناع أخيها بعدم الرفض ، وأن المسألة لا تحتاج للمشاجرة وافتعال الخناقات ..
شكرت روان إيثار كثيراً على دعمها لها في كل شيء وخاصة في مســـألة الإرتباط الرسمي بأخيها .. فقد كانت نعم الأخت التي لم تلدها أمها ..
وتمنت لو استطاعت أن ترد لها الجميل أضعافاً مضاعفة .. ولكنها على عهدها بأخيها .. ستحقق لها هذا ..
................................
صدح صوت المزامير عالياً عند مدخل القاعة ، واصطفت الفرقة الشعبية على الجانبين لتستقبل العروسين بالأغاني الشهيرة ..
تحركت روان وهي تتأبط ذراع عمرو بخطوات بطيئة بسبب فستانها الثقيل ، ولكن كان قلبها يطير على جناحي السعادة ..
نظرت إليه بحب ، وبادلها هو نظرات عاشقة .. وربت على كفها المتعلق في ذراعه بحنو كبير ....
تحرك خلفهما والدته تحية وهي تلقي بحبات الملح فوق رأسيهما اعتقاداً منها أنها تحميهما من الحسد ..
وكذلك لحقت بهما إيثار بخطوات شبه متعثرة ، والتي كانت تنحني من آن لأخر لتفرد ذيل الفستان الخاص بروان لتبدو في مظهر لائق ..
شعرت بيد توضع على ظهرها فانتفضت فزعة ، ونظرت إلى من فعل هذا بتجهم شديد ، فرأت مالك يبتسم لها بإمتعاض ، ثم همس لها محذراً :
-متوطيش تاني ، ماشي ! مش لازم الناس تشوفك كده
توردت وجنتيها خجلاً ، وأطرقت رأسها في حياء واضح ..
ابتسم لها مالك بحب ، ورفع صغيرته ريفان للأعلى ليقذفها في الهواء ، ثم تلاقها بيديه ، وحملها على ذراعه وقبلها من وجنتها بقوة ..
لقد فاجئته إيثار بفكرتها الجميلة في إرتداء فستان شبيهاً لها ، وأججت في صدره مشاعر تشتعل بشدة لمجرد التفكير فيها ..
كان يعد الدقائق لتمر فينفذ الجزء الأخير من خطته النهائية في استعادة معذبة فؤاده ، وأسيرة روحه ...
........................
وقف على باب القاعة كلاً من إبراهيم وميسرة ليستقبلا المدعوين بترحاب واضح ..
لمعت عيني ميسرة بوميض عجيب حينما وقع بصرها على ابنة أخيها ..
ها هي اليوم تراها عروساً سعيدة مع من إختاره قلبها..
لف ابراهيم ذراعه حول كتفيها ، وقربها إلى صدره وهو يقول بصوت هامس :
-اوعي تعيطي يا ميسرة ، النهاردة ليلة فرح !
ردت عليه بنبرة شبه باكية وهي تكبح عبراتها من الإنهمار :
-كان نفسي رشاد يكون عايش عشان يشوف بنته وآآ...
قاطعها ابراهيم قائلاً بهدوء :
-دي بنتنا احنا ، والنهاردة فرحتنا بيها فماتبوظيهاش بعياطك !
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تقول :
-حاضر !
....................................
جلست سارة إلى جوار والديها وهي تتحسر على حالها البائس ...
هي لم تكن تحمل يوماً نوايا طيبة لأقاربها .. وسعت في تخريب حياة ابنة عمها ، فنالت جزائها .. واليوم هي هنا تشهد على زيجة جديدة بُنيت على أساس طيب ..
تنهدت بإستياء ، واستندت بوجهها على مرفقها ..
نظرت لها إيمان بإشفاق ، وتمتمت بضجر :
-افردي وشك ، بلاش البوز ده !
ردت عليها ســـارة بإحباط :
-يعني لو ضحكت هاتتعدل
هتف فيهما مدحت بنفاذ صبر :
-اسكتوا انتو الاتنين ، ومش عاوز كلام في أي حاجة
ردت عليه إيمان على مضض:
-طيب
............................................
توالت فقرات الحفل تباعاً حتى انتهى العروسين من تقطيع قالب الحلوى ذي الأدوار المتعددة .. فهتف منسق الحفل قائلاً في الميكروفون :
-ودلوقتي نطلب من أصحاب العروسة يتجمعوا عشان البوكيه ..
وبالفعل تسابقت صديقات ورفيقات روان في الوقوف خلفها استعداداً لتلقي باقة الورد المميزة التي تعلن ضمنياً عمن سيأتي عليها الدور في الإرتباط ..
وقفت إيثار بجوار كوشة العروسين تنظر إلى المشهد بنظرات متأملة .. لكن لم يطرأ ببالها أن تشير روان بيدها لمنسق الحفل لتطلب منه الميكروفون ..
نظرت لها بتعجب ، وإرتفع حاجبها للأعلى في ريبة ، وتساءلت مع نفسها بفضول :
-هي ناوية على ايه المجنونة دي ؟
أمسكت روان بالميكروفون ، والتفتت برأسها ناحية رفيقتها الوحيدة ، وصاحت بنبرة جادة :
-سامحوني يا بنات ، أنا مش هاقدر أدي بوكيه الورد ده لحد فيكم !
حدقت الفتيات لبعضهن البعض بنظرات غريبة ومتعجبة ، بينما تابعت روان بنبرة ممتنة :
-البوكيه ده هايروح لأختي وصاحبتي وحبيبتي إيثار
شهقت إيثار مصدومة حينما سمعت اسمها يتردد في المكان ..
ووضعت يدها على فمها في ذهول عجيب ..
قام منسق القاعة بتسليط الأضواء عليها فقط بعد أن أخفض الإضاءات الأخرى لتصبح هي وحدها محور الإهتمام ..
اقتربت منها روان بخطوات حذرة ، ونظرت إليها بود وهي تكمل بنبرة تحمل العرفان والجميل :
-حقيقي أنا مكونتش أتخيل إن ربنا هيكرمني بواحدة زيك ، ونفسي أوي نكون مش بس أصحاب !
هنا تدخل مالك في الحوار ، وطلب من شقيقته بهدوء :
-ممكن أكمل أنا !
ناولته روان الميكروفون ، ليلتفت هو بجسده ناحية حبيبته ، وتأملها بنظرات عاشقة ، وأردف قائلاً بنبرة آســـرة :
-إيثار .. !
ارتعش جسدها على إثر صوته ، وضمت كفيها معاً لتفركهما بتوتر ، وتعلقت أنظارها بعينيه العاشقتين ..
أكمل مالك قائلاً بنبرة متيمة :
-إنتي حبي الوحيد ، إنتي النعمة اللي ربنا ادهاني عشان تكون معايا في الدنيا دي !
تلاحقت أنفاسها من فرط التوتر ، ونهج صدرها علواً وهبوطاً ..
أحقاً سيفعلها ؟ أحقاً سيتقدم لخطبتها هكذا أمام الجميع ؟
ازدردت ريقها بإرتباك كبير ..
وقف هو على بعد خطوات معدودة منها ،وحدق فيها بثبات ، ثم همس لها بتنهيدة حارة :
-إيثار أنا محبتش حد إلا انتي !
وضع يده على قلبه ليشير إليه ، وأسبل عيناه وهو يتابع بصدق :
-قلبي ده عمره ما دق إلا ليكي وبس .. !
زادت نبرته رخامة وهو يضيف بصوت خافت :
-الظروف أجبرتنا على البعاد ، وفرقتنا ، خليت كل واحد فينا يشوف أوحش ما في الدنيا !
تسارعت دقات قلبها وهي تراه يقف قبالتها ..
مد يده ليمسك بكفها ، ثم أطبق عليه ، وتابع بنبرة رومانسية :
-بس النهاردة أنا مش هاقدر اسيبك تبعدني عني ، نفسي تكون معايا على طول للأبد ، تكوني أم عيالي وكل حاجة في حياتي .. بأحبك يا عمري اللي جاي كله !
جثى مالك على ركبته أمامها ، فخفق قلبها أكثر ، واستطاع أن يرى توترها الرهيب ، فابتسم لها ابتسامة مغرية ، وتساءل بصوت جاد وثابت وهو ينظر مباشرة في عينيها :
-إيثار رحيم عبد التواب ، تقبلي تتجوزيني وتكوني مراتي وشريكة حياتي قدام الناس دي كلها ؟
استطاعت أذنيها أن تلتقط شهقات الفتيات المصدومات من ذلك المشهد الرومانسي المثير ..
بدأ فمها في الإلتواء ليتشكل عليه بسمة رقيقة وهي تجيبه بصوت هامس ومرتبك :
-أنا ..آآ...
قاطعها قائلاً بإصرار محب عاشق :
-تتجوزيني يا إيثار ؟ أنا مش هاسيبك تبعدي عني تاني !
لم تجبه ، بل أومـــأت برأسها بإيماءة خفيفة فنهض على إثرها من مكانه ، وجذبها من كفها إلى حضنه ليحتضنها بشغف كبير ..
تعالت التصفيقات والصافرات وتهليلات الحاضرين في القاعة .. وامتزجت مع أغاني الأفراح المهنئة ..
لم تصدق تحية ما حدث ، وانطلقت منها دفعة لا متناهية من الزغاريد السعيدة لفرحة ابنتها التي ستكتمل اليوم مع حبيبها الوحيد ...
.........................................
بعد مرور عدة أيـــــــام ، وفي تلك الحديقة الأنيقة المخصصة لحفلات العرس النهارية كانت إيثار توقع بسعادة على ميثاق الزواج ليعلن بعدها المأذون اكتمال المراسم الرسمية لتلك الزيجة الميمونة ..
أمطرتها روان بقطع الزهور الصغيرة فوق رأسها وهي تقفز بفرح في مكانها ..
مال عليها عمرو قائلاً بعبوس :
-اهدي شوية ، مش كده يا روني
ردت عليه بمرح وهي ترمش بعينيها:
-فرحانة أوي يا عمرو ، مش مصدقة ، أخيراً ربنا جمعهم مع بعض
قال عمرو مبتسماً وهو يغمز لها :
-الحمدلله ، عقبالنا احنا كمان !
ردت عليه محتجة وهي تشير بيدها :
-لسه بدري ، أما أخلص دراسة وآآآ....
قاطعها قائلاً بجدية :
-وأنا مش هاصبر كل ده ، أخلص بس اللي ناقص في الشقة ، وبعد كده هاعجل بجوازنا يا حبيبتي !
ابتسمت روان له بخجل ولم تقل المزيد .. فقد كانت هي الأخـــرى تحترق شوقاً لتكون إلى جواره تحت سقف منزلهما ...
نهض مالك عن مقعده ، واتجه إلى زوجته إيثار ، وأمسك بكفها ليقبله ، ثم جذبها منه لتنهض وهو يقول بجدية :
-تعالي يا حبيبتي معايا
نظرت له إيثار بإندهاش ، واعترضت على ما يفعله :
-استنى يا مالك ، احنا رايحين فين بس وسايبين الفرح ؟
رد عليها بعدم اهتمام بما يظنه المتواجدين من حولهما :
-هاتعرفي الوقتي
سحبها ورائه بعيداً عن الحاضرين ، فضحكوا على ما يفعله مالك بعروسة ، وصفقوا لهما ... فخجلت هي من تصرفه الطائش ، وهتفت بحرج :
-يا مالك ، مش ينفع اللي بتعمله ده
رد عليها بعدم إكتراث :
-محدش ليه حاجة عندي ، إنتي مراتي وأنا حر
تحركت مجبرة خلفه حتى وصل بها إلى سيارته ، ففتح لها الباب الأمامي ، وطلب منها الجلوس ، فامتثلت لطلبه على مضض ، فالفضول يقتلها لمعرفة إلى أين يصطحبها زوجها المجنون ...
استقل السيارة وقـــادها إلى بقعته المميزة على كورنيش البحر ..
تلك البقعة التي شهدت مولد حبهما ، وفراقهما ، ولحظات تعاستهما ، ومعاناتهما ، وانتهت الآن بزواجهما وفرحتهما الأبدية ..
اتسعت حدقتيها في إعجاب كبير حينما رأت كيف زين ذلك المكان وجمله ليليق بها ..
افترشت الرمــــال بالزهور الوردية والحمراء على الجانبين ،
ووضع في المنتصف بســـاط ابيض لتسير هي عليه كالأميرات ..
إنها تعيش حلماً رائعاً لا تود الإستيقاظ منه أبداً ..
صف السيارة على الجانب ، وترجل منها ، ثم دار حولها ليفتح الباب لملكة قلبه ..
مــد ذراعه ليمسك بكفها ليعاونها على الترجل منها .. فابتسمت له بنعومة .. وتحركت معه ..
تأبطت هي في ذراعه ، ونظر لها بنظرات والهة عاشقة لكل ما فيها ، وســـار سوياً للأمام بخطوات هادئة ..
التفت بجسده ليصبح في مواجهتها ، ثم احتضن وجهها براحتيه ، وتلمس بأصابعه موضع غمازتيها ، وطالع عيناها بشغف كبير ...
شعرت هي بأنفاسه الحارة على وجهها فزادت من سخونة وجنتيها .. أخيراً هي له .. وأصبحت زوجته ..
سترتاح في النهاية من كل ما عانته ، وسيسكن قلبها مع من عشقته ..
ابتسم لها مالك بعذوبة ، ورمقها بنظرات هائمة تنطق بالكثير ..
طال صمتهما ، وطالت نظراتهما .. فاليوم لا حاجة بهما إلى الحديث .. يكفيهما أن تنطق الأعين والقلوب ..
أرخى مالك يديه عن وجنتيها ليضعهما على خصرها ، ثم قربها إليه أكثر ، فرفعت هي ذراعيها للأعلى ، ولفتهما حول عنقه ، وتعلقت به ..
امتزجت روحيهما معاً .. واشتعلت شرارة الحب من اقترابهما المغري ..
احنى مالك رأسه على وجهها ليختصر المسافات بينهما لتصبح معدومة ، وهمس لها بصوت أسرها بخاطرة أخــرى أخيرة حفظها وعدل عليها لأجلها :
(( أجملَ ما رأيتُ بِحبِّنا
هذا الجنونُ ، وكثرةُ الأخطارْ
حينًا يُغرِّدُ في وَداعةِ طِفلةٍ
حيناً نراهُ كمارِدٍ جبَّارْ
لا يَستريحُ ولا يُريحُ فدائماً
شمسٌ تلوحُ وخَلفَها أمطارْ
أُحِبُكِ ، وَسَأُحِبُكِ دَوْمَاً ،
حَبِيبَتِي وَ مُعَذِبَتِي إِيِثَارْ .. ))
...............................................
تمت بحمد الله