رواية اغلال الروح الفصل الثلاثون 30 بقلم شيماء الجندي
الفصل الثلاثون " قرار ! "
زفرت بصوت مسموع أثناء قيادتها السيارة و عادت بعقلها الشارد إلى مقابلتها مع "عاصم" منذ ساعة حيث أقر لها أنه بحث حول ماضي زوجته الأولى "روزاليا" و تحديدًا حول فترة تعارفها به لأنه بالتأكيد هناك دوافع لفعلتها و إصرارها على الزواج منه و نسب طفلة صغيرة له وأتضح أن ظنونه صحيحة ودافعها كان بمثابة صفعة شديدة القسوة على روحه وليس لثقل الفعل لقد أدرك أنها خائنة منذ معرفته بالحقائق لكن من شقيقه ؟!!! من الواضح أنه لم يتخيل أن يعاصر هذا الألم ..
Flash Back ..
بلل شفتيه و نقل نظراته إليها بعد أن كان ينظر بامتنان إلى "نائل" _الذي ترك لهم الجلسة و ابتعد قليلًا حين وجد أن الأمر بالغ الخصوصية لـ"عاصم" _ أطلق أنفاسه و إزدرد رمقه بعد أن بدأت نبرة الألم تطفو فوق كلماته الصريحة:
- فرق معايا أوي و حسيت بوجعك لما أقرب حد ليا طلع بيخدعني ، أنا بعد ما عرفت حكايتك من ماما كنت بقول مش ممكن حد يعمل في أقرب الناس ليه كدا بس لما شوفت بعيني ماضيهم كنت هموت ياسديم إزاي استحملتي وكملتي و كنتِ بتشوفي والدتك كل يوم دا أنا شوفته امبارح في القسم كان هاين عليا اقتله و يحبسوني بعدها ولا يعدموني مش هتفرق أنا كدا كدا ميت بالبطئ !
تجمعت الدموع داخل عينيها على حالته فهي تكن المحبة الخالصة لأجل هذا الرجل و تتألم لأجل ما حدث له ليأتي أمر خيانة شقيقه و يكمل على ماتبقى من روحه ؟ تنهدت و همست له بلطف و ثقة :
- و معملتش كدا عشان آسر و يوسف صح ؟ أنا حاسة بيك و كنت زيك و برضه اللي كان مانعني عن انفجاري فيهم نيرة ! إحنا مش شبههم ولا بقسوتهم عشان نضر حد قريب مننا !
فرت دمعة من عينيه و حاول التغلب على رغبته بالبكاء حين ثارت مشاعره فجأة و عادت إلى لحظة معرفته بالحقيقة وكأنها وجدت ملاذها من كبته لها داخل روح تلك الفتاة غريبة الأطوار لذلك نكس رأسه و همس لها بصوت أجش متحشرج:
- أنا اكتشفت إني ضعيف أوي ياسديم تخيلي راجل في سني المفروض إن عنده أحفاد قاعد قدامك يعيط من أخوه ؟!!!! شايفااني إزاي بالله عليكِ ! قوليلي إني أضعف منك بمراحل و إني ببالغ و مش عارف اتحكم في نفسي زيك ، أنا مش قادر ابقا زيك !
هزت رأسها بالسلب عاقدة حاجبيها برفض لأفكاره ثم صححت له كلماته و أردف بدهشة محاولة تليين طريقة حديثها معه :
- لا طبعًا ، أنت مش محتاج تبقا زيي لأن أنا مش صح أصلًا و لعلمك أنا لو كنت لقيت وقتها اللي احكيله و يساعدني مكنتش هتردد لحظة و هطلب المساعدة منه عشان ينقذي من دوامتي ، شايفاك أب رائع مرضيش يتخلى عن نورهان رغم اللي عرفه و أب أروع لآسر و يوسف أحن على مشاعرهم من أبوهم نفسه اللى بيدمر في ابنه و بيرهق نفسيته بحربه معايا اللي ملهاش داعي ، أنت مش ضعيف أنت مصدوم و هتاخد وقتك وتهدا مش هتنسا عشان الوجع مش بيتنسي بس ممكن نغلفه بطبقة من سعادة حقيقية في حياتنا عشان نحمي روحنا من سكينته الحادة فاهمني؟ بلاش تستلم لطعناته ، محدش هيلحقك و لا هيحس بيك غير بعد فوات الأوان وبعد ماتبقى زاهد للمساعدة و قافل على أسرارك خوف منهم أحسن يزودوا ألمك ! أنا أوعدك موضوع أخوك دا هينتهي كله وفي أقرب وقت بس أنا مشكلتي الوحيدة في آسر كل للأسف هو ثقته مهزوزة بسبب الماضي بتاعي و طبعًا الضغط عليه و بقا مطلوب مني أبرر نفسي وتصرفاتي و خطواتي و مش عارفة اتحرك منه أنا عشان أعرف اقابلك النهاردة قولتله هوصل نيرة و أروح اشوف بنت عم نائل عشان نتعرف على بعض و أنا مش بعمل حاجة غلط عشان اخبيها بس في نفس الوقت مقدرش اصدمه بحقيقة باباه و حاسة إني بخدعه بالسر دا !
هز رأسه بالإيجاب و أمسك أحد المحارم الورقية يجفف دموعه قائلًا بجدية وصوت متحشرج :
- أنا بصراحة مستغرب جرائتكم في خطوة الجواز أنتوا الاتنين طباعكم و أفكاركم مختلفة تمامًا و آسر زي أي راجل في الدنيا هيتضايق ويفقد الثقة في مراته لما تتصرف من وراه واعتقد أنه مش عايز يبقا زيي !
أحزنها حين نبهها إلى نقطة هامة رغم أنها ذات وقع أليم على نفسه وعجزت عن إجابته بكلمات تفضح مخاوفها الداخلية من مستقبل قريب و مخيف يجعلها داخل دائرة رعبها الدائم من هجر جديد بعد تعلق و هذا تحديدًا الذي دفعها إلى رفض جميع العلاقات إلى أن قرعت طبول قلبها الخائن وهو يزف لها خبر جلوس ملك على عرش قلبها ، ورغم امتناعها عن التعليق لكنها لم تمتنع عن الثأر لشقيقتها و ابن عم زوجها لذلك ضيقت عينيها وسألته بعبث :
- سيبك من كل دا هنتفاهم بعدين تاني خلينا في المهم ، مش عايز تعرف مين اللي عمل كدا في ابن أخوك سليم ؟
عقد حاجبيه و أشار إلى نقطة وهمية متحدثًا عن أمس بدهشة واستنكار:
- قصدك حادثة المستشفى ؟! هي مكنتش خناقة عشان حد ضايق نيرة ؟
هزت رأسها بالسلب و أردفت بجفاء وبسمة ساخرة :
- لأ دا كريم كان صاحب قديم للعيلة كلها وطلب مني نيرة من كام يوم ، أنا أقدر أساعدك بكل التفاصيل اللي تحتاجها وأنت عليك تقنع سليم يبلغ عنه بدل الكلام الخايب اللي قاله وإنها كانت ضربة بالغلط !
أدرك "عاصم" ماتسعى إليه لذلك حاول مداعبتها ببسمة ماكرة و نبرة عابثة قائلًا بدهشة مصطنعة:
- امممم يعني عاوزة تساعديني أجيب حق ابن أخويا كدا هدية منك ليا ؟
هزت رأسها بالسلب و أجابته بعبث مماثل وصدق :
- مش هنكر إن يهمني مصلحة سليم بس أنا بساعدك دلوقت عشان أجيب حق الرعب اللي أختي شافته من واحد أنا ائتمنته عليها في يوم من الأيام ! أنا بكره الغدر و السبب التاني ميطلعش من نصابة وممكن يضحكك بس أنا شايفاها خاين للأمانة المهنية و استخدم مشرط بيعالج بيه الناس في طعن واحد عشان ينتقم منه !
ابتسم و حدق بها بصمت تام وسخر داخله حين عقد مقارنة بين مبادئ المحتالة ومبادئ شقيقة سليل العائلات العريقة !!!!!
تنهد و أخرج ورقة مطوية من سترته ثم مد يده بها تجاهها و أردف بنبرة ساخرة :
- دا جواب كانت سيباه روزاليا لرأفت وواضح أوي إنه متوجه ليه في فترة جوازي منها لو هيفيدك في تهديد رأفت استغليه !
ابتسمت بهدوء و هزت رأسها بالسلب ولكنها أخذته منه حتى لا تتجدد مشاعره السلبية تجاه ذكرياته الماضية وأردفت بلطف :
- هاخده بس مش هستخدمه دلوقت لما أشوف رد فعله على خروجنا من البيت أكيد مش هيسيب آسر معايا ولا هو ولا رائف !
عقد "عاصم" حاجبيه و ردد بدهشة :
- رائف؟!
اكتفت بإيماءة صغيرة وبدأ عقلها يرتب أولويات التعامل مع رجل مثل "رأفت" خاصة في حضرة "سامح" الذي لن يكف عن مطاردتها و لم تصارح زوجها بذلك إلى الآن !!!!
Back ..
تنهدت بضيق شديد من توالي وتسارع الأحداث من حولها دون حصولها على فاصل صغير لأجل نفسها فقط هذا كل ماتتمناه فلا رغبة لها برؤية المستقبل وإهدار لحظات خاصة مثل لحظات الصباح الباكر !!!!!
Flash Back ...
بدأت تلك الرائحة المميزة تتسلل إلى أنفها لتعقد حاجبيها و بدأ عقلها يستعيد توازنه و يفر من النوم إلى اليقظة محذرًا إياها أنها الآن على أرض الواقع و تلك الرائحة التي اخترقت أنفها بالفعل تتواجد حولها انتفضت فوق الفراش تحدق حولها بأعين متسعة مذهولة إلى أن وقعت عينيها على المنضدة الجانبية التي ارتصت فوقها الأطباق لتغادر الفراش مسرعة و تتحرك بخطوات سريعة تجاه مصدر الرائحة إلى أن وقفت تنظر إلى الطبق عاقدة حاجبيها لحظات قبل أن ترفعه إلى أنفها وتستنشق رائحته بمشاعر مختلطة و صدمة واضحة إنها ذاتها رائحة طعام والدها !!!!! لطالما عاونته بإعداد هذا الطبق الرئيسي والمفضل لديها !!!!!
وضعت الصحن محله و تلاشت عقدة حاجبيها حين وجدت يديه تتسلل بخفة ولطف حول خصرها يضمها إلى صدره و أسندت بدورها رأسها إلى كتفه واضعة يديها فوق يديه التي تشبثت بخصرها بقوة بعد أن تعمد تذكيرها أنها خالفت وعدها له أمس و خلدت إلى النوم تاركة إياه يتحدث بالهاتف دس أنفه و شفتيها بتجويف عنقها و بدأت شفتيه العابثة تصول و تجول برقة بالغة فوق بشرتها هامسًا بأذنها بعبث :
- لو كنت أعرف كنت جهزته من امبارح بليل !
ظهرت بسمة عابثة فوق شفتيها و استدارت تحدق بملامحه ببسمة ملتوية عابثة ثم رفعت أنامله تسير بلطف فوق ذقنه المشذب واقتربت بوجهها منه إلى أن أصبحت شفتيها أمام ثغره تهمس له تاركة قبلة صغيرة فوق ثغره بلطف و رقة :
- مكنتش أعرف إنك بتعرف تجهز فطار !
أفعالها الماكرة العابثة دفعت أنفاسه إلى التوتر و بلل شفتيه بينما تحركت عينيه فوق جسدها المشكوف أسفل القميص القصير الذي ألبسها إياه منذ ساعات واشتدت قبضته فوق جسدها بينما تسللت يده الأخرى تعبث بردائها وجذبها إليه مُلتهمًا شفتيها و لم يحاول فصل قبلته وهو يميل بجزعه حاملًا جسدها بين ذراعيه و عائدًا بها إلى الفراش و قد وضعها فوقه تزامنًا مع دس أنامله داخل خصلاته و زيادة شراهة إلتهامه لشفتيها و كأنها ألذ الوجبات له ، وضعت يديها فوق صدره العاري و حاولت التملص من براثنه هامسة له أثناء ضحكاتها و عبثها معه بإبعاد وجهها عن مرمي شفتيه:
- أنا جعاانة !!!
قبض على يديها معًا رافعًا إياهم فوق رأسها التي بدأت تحركها بهستيريا وبلحظة واحدة أصبح جسدها أسير جسده العريض عنوة و أردف برفض قاطع :
- أنسي مفيش حجج ، إلعبي غيرها !!!!
عجزت عن تحريك جسدها بعد هجومها الغير مُنصف و إلقاء ثقل جسده الرياضي فوقها لذلك عمدت إلى طرقها الملتوية وقد تمكنت من تحرير إحدى يديها منه لتدس أناملها بين خصلاته تجذب وجهه إليها و بدأت تحك أنفها بصدغه بخفة و همست له بجانب أذنه قبل أن تستقر بشفتيها فوق خاصته :
- حجج إيه ياآسر هو مش طبيعي الناس تصحا الصبح تفطر ؟
أغمض عينيه بقوة و جز على أسنانه هامسًا لها وقد هبطت شفتيه تستكشف معالم وجهها بلطف أذابها و أوقف عقلها العابث عن محاولاته الساذجة معه :
-دي الناس بقا مش إحنا ، إحنا بينا إتفاق و أنا بحب أراجع الإتفاقات بإتقان جامد أوي !
استسلمت لشفتيه و توقفت عن مقاومتها العابثة معه بل رفعت يدها عاقدة حاجبيها حين إزدادت وتيرة قبلاته و ألهبت مشاعرها أنفاسها التي بدأت تلفح عنقها بينما يديه العابثة عملت على تجريدها من تلك القطعة الحريرية الصغيرة و واصل همسه بأذنها مداعبًا وجنتها بإبهامه وكأنها يدك حصون مشاعرها من جميع الجهات بلمساته اللطيفة :
- عارفة مين لبسك دا بليل ؟
هزت رأسها بالسلب رغم يقينها بالفاعل لكنها أرادت مواصلة جولة العبث اللذيذة مع هذا الرجل و تركته يلقى القطعة أرضًا بيده دون زحزحة عينيه عنها بينما همس لها بنبرة مرتجفة صادقة و قد ألصق جبهته بجبهتها :
- وحشتني ليلتك الأولى في حضني !
ثم حرك أنفه مستنشقًا عبيرها العالق ببشرتها الناعمة يهمس لها بمحبة خالصة بكلمات شعرية أطْرَبَت قلبها و أدهشتها حقيقة معرفته الجيدة بالشعر وطريقته الرائعة بالإلقاء التي أشعرتها أن هذه الكلمات نُقشت فوق روحها المتيمة به وليس كلمات عابرة على مسامعها :
" إنَّ جسمي كمهجتي بك راضِ فاحتكم فيهما فحكمك ماضِ
قد ملكتَ القيادَ فاحكم بما شِئتَ علينا وأنت خصمٌ و قاضِ"
أحاطت عنقه بذراعيها العاريتين و بادرت بتقبيله عاجزة عن مواصلة الحديث العاطفي معه وكأنها تخبره أن فعلتها تعبير كافي عن مبادلتها إياه مشاعره اللطيفة لكنها لن تتمكن من مجاراة كلماته و غزله الصريح أو العفيف بها !!!!
Back ...
تنهدت ببسمة صغيرة بعد عودتها من جولة شرودها ثم أمسكت هاتفها تعبث به غافلة عن المراقب لها الجالس بجانبها في السيارة على المقعد المجاور إلى السائق منتظرًا إجابتها على سؤاله الذي مر عليه مايقرب العشر دقائق و الآن أصابه الذهول حين استمع إلى نبرتها الرقيقة و التي تكاد تقترب من نبرة شقيقتها تردف بعد أن وضعت سماعة الأذن :
- هتخلص شغلك أمتى ؟!
صمتت لحظات ثم ابتسمت و أجابت محدثها بلطف يُناقض طريقتها منذ أن قابلها :
- لا لسه بلف بالعربية لحد مانيرة تخلص و كنت متصلة أقولك إني هروح مع نائل يجيب هدوم من بيتهم !
ضحكت بصوت مرتفع و هزت رأسها بيأس ثم أجابته بعبث :
- لأ طبعًا مش ببلغك بستأذن و لو مش هتوافق هلف وأرجع على طول زي أي زوجة مطيعة حلو كدا ؟ أنفع !
راقب "نائل" التوتر الذي أصاب ملامحها و كأنها أخيرًا أدركت تواجده معها و قد حمحمت تردف بهدوء بعد أن عادت إلى نبرتها المتزنة :
- احم طيب شكلك مشغول و أنا مش عايزة أعطلك كنت بتطمن عليك بس !
ثم أغلقت المكالمة ببسمة صغيرة و أخيرًا أدركت تواجده حين رفعت عينيها عن الهاتف و وجدته يحدق بها ببسمة صغيرة بلهاء و كأنها كائن خرافي في هيئة بشرية فتلاشت بسمتها و سألته بحدة واضحة:
- إيه مالك مبحلق كدا ليه ؟!!
اتسعت عينيه من تحولها و صاح بصدمة و هو يردد كلمتها العفوية :
- مبحلق !!!!!!! يامفترية دا أنت من ثانية واحدة كنتِ في عالم تاني اشمعنا أنا بتكلميني كدا يعني ؟!!!!
اكتفت بنظرة جانبية و هي تراقب الطريق أمامها بدهشة ثم أجابته بسخرية :
- هو أنت جوزي عشان أكلمك كدا ؟ اكتم يلا وبلاش دوشة !!
ظل يحدق بها بذهول و كأن الصدمة عقدت لسانه للحظات قبل أن يهمس لحاله بخوف :
- يانهار أسود دي لو شافت أسيف البسكوتة ممكن تسقيها في كوباية لبن ؟ لأ لبن إيه دي مش بعيد تاخدها للجاموسة ذات نفسها و تتصرف معاها هناك !!!!!
عقدت حاجبيها و عادت إلى حدتها تسأله باستنكار و قد اقتربت من البوابة الإلكترونية الخاصة بمنزلهم :
- بتبرطم بتقول إيه ؟!!!
هز رأسه بالسلب و أردف بتوتر وهو يوزع نظراته بينها وبين الطريق :
- بقولك إيه ياسديم ياحبيبة قلبي مش أنا ابن خالتك حبيبك ؟
قلبت عينيها بملل و أوقفت السيارة تردف ببسمة ملتوية:
- على حسب !!!!
رغم أنها بثت القلق داخله إلا أنه آثر الصمت و قرر تأجيل مطلبه إلى لحظة الوصول إلى المنزل !!!!
على الطرف الآخر ...
أغلق المكالمة ببسمة صغيرة متجاهلًا نظرات "رائف" المحتقنة بالغضب و النفور الواضح مما يدور حوله عاجزًا عن ترك صديقه بين براثن تلك الفتاة التي أثبتت له ظنونه بتلك المكالمة الهاتفية الغير ملائمة أو منطقية لقد أصبح على يقين أن أفكاره الأولى تجاهها كانت صحيحة و أنها تمكنت من خداع رفيقه لذلك أردف بتحذير صريح:
- والله حلو إنها مهتمة بيك أوي كدا أتمنى تستمر ومتتغيرش !
ترك "آسر" هاتفه بتأفف و أردف بصرامة بالغة بعد أن أشهر سبابته بوجهه:
- هتحاول تقول أي كلمة في حق مراتي هنسى إنك صاحبي وهعاملك معاملة غريب غلط في شرفي !! إيييه سيرة مراتي هتبقا لبانة في بوقكم خلاص ؟
ثم واصل وهو ينظر إلى الجهاز اللوحي الخاص به : اشتغل وأنت ساكت يارائف أحسن ليا وليك !
زفر بغضب و استقام واقفًا يغادر المكان معلنًا عن رفضه القاطع لاختيار "آسر" الذي تجاهله وواصل عمله ببال مشغول و ذهن غير صافٍ بالمرة !!!!
وفي نفس التوقيت داخل السجن و تحديدًا عند المدعو "سامح" الذي أغلق الهاتف الصغير وتحرك يعيده إلى صاحبه هامسًا لحاله بعد أن جلس فوق فراشه المهترئ :
- معلش بقا ياسديم محدش بيتعام ببلاش و الماضي مش بيسيب حد في حاله ، كان غيرك أشطر !!!!!
عودة إلى القصر بعد أن عبرت "سديم" من البوابة الإلكترونية وأوقفت السيارة أمام باب القصر الداخلي
قطع "نائل" حديثه و اتسعت عينيه يصرخ فجأة و هو ينظر تجاه نافذتها :
- يانهار أسود !!!! عمتي سمر جت !!!!
كادت تنظر هي أيضًا لكنه أمسك ذقنها و بيده ثم يدها بيده الأخرى و أردف برجاء و خوف :
- ابوس ايدك متشمتيش فيا عمتى و فهد !!! ياريت لسانك دا يبقا جوا بقك احتاجتي حاجة شاوري بس وأنا هفهمك ! فهد مش هيضربك لو لسانك طول عليه بس هيعمل من وراكِ بانيه و يديه لابنه ع الغدا عادي !
أجابته بعبث و هي تهبط من السيارة :
- دا أنت جيت في ملعبي يانؤلتي يلا انزل واخلص الناس مستنية عيب !
هبطت من السيارة و هو خلفها بسرعة ثم هلل مقاطعًا إياهم و هو يتجه إليها و يقف بجانبها مقاطعًا فقرة تعارفهم :
- حبايب قلبييي رجعلتكم أهو أنا قولت اجي اخد شوية هدوم و امسي على عيلتي اللي وحشاني أوي!
وقف أمام "سديم" يحتضن عمته التي ربتت فوق ظهره بدورها و بادلته الحضن بمحبة خالصة بينما وقف هذا الراجل يراقبها بهدوء منتظرًا دوره من محاولة ابن عمه لتشتيت الانتباه الواضح و بالفعل احتضنه "نائل" و ربت "فهد" بقوة متعمدة فوق ظهره ثم أردف متسائلًا بهدوء بعد أن ابتعد عنه :
- دي بنت خالتك ؟
وقفت صامته تراقب رد فعله و رغم أن الأجواء من حولها محاطة بالفكاهة و خاصة من جهة ابن خالتها لكنها شعرت بالحرج له حين يسأل أحدهم عن أصولها أو تفاصيل تخصها بالفعل إنها لإهانة و خجل كبير له وكان عليها رفض طلبه بدخولها منزل عائلته اللطيفة كما يتضح لها !!!
أفاقت من شرودها على يد "سمر" الممتدة تجاهها و سؤالها بلطافة عن أحوالها و كأنها صديقة لها منذ أعوام !!! :
- إزيك ياروحي أنا سمر عمة نائل ؟ عاملة إيه!
رسمت بسمة صغيرة فوق شفتيها و صافحتها بهدوء تردد وهو توزع نظراتها العابثة بينها و بين "نائل" المتوتر :
- بخير يامدام !
علقت "سمر" بصدمة و اتسعت عيني "نائل" برعب واضح:
- يعني طلعت بتتكلم يانائل ياكداب !!!!
اتسعت عيني "سديم" بذهول مصطنع و سألته باستنكار وهي تُشير إلى حالها :
- أنت قولت عليا خارسة يلا ؟!!!!
- يلااا ؟!!!!
خرجت الكلمة من شفتي "فهد" الذي ضيق عينيه يحاول تهديد هوية تلك الفتاة الغريبة لترفع "سديم" حاجبها الأيسر و تردف بسخرية :
- آه يلا مالك فيه إيه ؟!!!
تحرك "نائل" مسرعًا تجاهها وكمم فاهها قائلًا بسماجة و هو يدفعها من كتفها و يتحرك معها إلى الداخل :
- طيب ياجماعة هجمع الحاجة و اشوفكم وأنا نازل !
أوقفهم "فهد" يسألها مباشرة وهو يقلب نظراته بينها و بين السيارة الفارهة التي هبطت منها لتوها :
- هو أنتِ متجوزة ؟
توقفت محلها عاقدة حاجبيها و استدارت تنظر إليه ثم إلى السيارة التي يمسحها بنظراته و كأنها أدركت ما يسعى إليه داخل عقله لذلك أردفت باقتضاب محاولة تجاوز هذا التحقيق :
- آه!
تحرك تجاههم و هو يردد بلباقة :
- آسف على اسئلتي بس حقي أقلق لما يطلع لابن عمي بنت خالة في يوم وليلة يعني مش حابب تاخدي الموضوع بشكل شخصي !
هزت رأسها بإيماءة صغيرة وبسمة مجاملة ثم ربتت فوق ذراع "نائل" و أردفت بهدوء:
- أكيد فهماكم على العموم أنا كنت هستنى في العربية و افتكرت مشوار مهم دلوقت خلص حاجاتك يانائل و كلمني نتفاهم ، بعد إذنكم !
شعر "فهد" أن طريقة استقبالهم لها فظة للغاية خاصة حين عقد "نائل" حاجبيه ووقف يحدق بهم بصمت مطبق لذلك تحرك "فهد" خلفها و أردف بلطف :
- لأ طبعًا مينفعش تدخلي البيت و تمشي كدا منغير مانشرب حاجة ، اتفضلي و اعتقد نائل مش هيعطلك مش كدا يانائل ؟
هز رأسه بالإيجاب ببسمة امتنان صغيرة له ثم أردف برجاء :
- آه ياسديم مش هتأخر دقايق بس بالله عليكِ وبعدين مانا واكل شارب نايم قايم عندكم خلاص هتيجي من دقايق هنا ؟
تنهدت بيأس و تحركت إلى الداخل رغم نظرات "سمر" المتحفظة والتي اشعرتها بضيق شديد خاصة حين تحركت مسرعة خلف "نائل" و تركتها مع هذا الرجل بمفردها داخل البهو الواسع مما دفعها إلى الحرج الداخلي لكنها حاولت تجاوز هذا الشعور و أردفت بهدوء موجهة حديثها إلى "فهد" :
- نائل كلمني عنكم كتير واضح إنه بيحبكم أوي!
وكأنه يرى أشباح "فهد" القديم تتراقص داخل عينيها الواثقة هناك وخلف أسوار تلك الثقة يتمكن من رؤية توتر من الأجواء العائلية و الجلسات وهذا ما عاونته زوجته بتجاوزه فمن اليسير عليه اكتشافه بها رغم إعجابه بطريقتها و محاولتها بالبقاء مع ابن خالتها رغم الرفض الداخلي الواضح منها ، تنهد و أردف بخشونة و هو يعتدل بجلسته :
- أتمنى متتضايقيش من عمتي هي بتعاملنا زي ولادها عشان كدا خايفة على نائل شوية !
ابتسمت له بمجاملة و ولكن توترت بسمتها حين سألها بلطف مشيرًا إلى أصابع يدها :
- مش حابب أكون فضولي بس أنتِ قولتي برا إنك متجوزة مش كدا ؟
نظرت إلى أصابعها الخالية من خاتم الزواج ثم إليه و أجابته بعبث واضح :
- لأ هو فضول بس أنا هجاوبك ، أصل أنا جوزي على باب الله!
رفع حاجبه الأيسر و ردد ببسمة ملتوية:
- آه واضح من عربيتك !
راقبته لحظات قبل أن تسأله مباشرة:
- هو نائل مقلكش أي معلومات عني ؟
هز رأسه بالسلب وأجابها بصدق : لأ وبصراحة أنا قلقان عليه ووعدته مش هتدخل في الموضوع دا !!
هزت رأسها بالإيجاب و أردفت و هي تستقيم واقفة وتتحرك تجاهه :
- تعرف تحفظ أسرار ؟
عقد حاجبيه حين وجدها تتابع غير آبهة بإجابته و تتحرك تجاه الباب الخاص بالقصر :
- العربية دي بتاعتي و أنا كنت نصابة وحاليًا متجوزة لمل نائل يخلص خليه يكلمني أنا هروح مشواري !
وغادرت البهو إلى الخارج بخطوات سريعة لكنها توقفت عاقدة حاجبيها حين وجدت أنها بجانب نافذة ما و صوت ابن خالتها الغاضب يصدر من خلفها قائلًا بدفاع:
- سديم مش وحشة من امتى بتحكمي على الناس كدا ؟!!!
و يليه صوت العمة الغاضبة تصرخ به باستنكار و سخرية :
- وأنا المفروض أصدق ؟ نصابة اتجوزت واحد بالمستوى اللي أنت لسه قايل عليه و داخلة معاك لحد هنا منغير كسوف و مش بس كدا دي بتتجاهلنا وكانت هتمشي منغير ماتعبرني حتى وتقولى بعد إذنك !! البنت دي مش متربية و اراهنك لو مكانتش بتنصب عليك أنت نفسك ووخداك لعبة زي جوزها !!!!! نائل حبيبي أنا عمري ماأتدخلت في اختياراتك بس أرجوك أبعد عن البنت دي عشان خاطري !!!
صاح "نائل" بتكذيب : على فكرة هي قالت بعد إذنكم بس واضح أن حضرتك مكنتيش فاضية كنتِ بتصدري أحكام عليها ، على العموم سديم زيها زي أسيف عندي ورغم إني عرفتها من أيام بس غلاوتهم واحدة و مقبلش من أي حد أي كلام عنها أنا غلطان إني دخلتها هنا وعرفتك حاجة عنها كنت فاكرك هتتعاطفي مع قصتها مش تحكمي عليها زيك زيهم ! أنا طالع أخد حاجتي بعد إذنك !!!
لا تعلم كيف تحركت بخطوات سريعة إلى سيارتها و غادرت المكان بلحظات معدودة بعد أن استمعت إلى رفض جديد و أحكام خارجية مؤلمة لها ناتجة عن مظهر خارجي فتلك السيدة التي مقتتها دون أسباب لم تتعامل معها سوى بضع لحظات إذًا كيف علمت أنها سيئة إلى تلك الدرجة ؟
تأكدت أن الخطوة المقبلة عليها بتلك الفترة هي الأصوب على الإطلاق و رفعت هاتفها تعبث به لحظات ثم فتحت محرك البحث الشهير و رفعت أناملها تمسح تلك الدمعات التي تحركت فوق وجنتيها من فرط قهرها الداخلي ثم ابتلعت غصتها و كتبت بأصابع مرتعشة " وسائل منع الحمل الفعالة " !!!!
أحيانًا تتحول نظراتك و أحكامك الخارجية إلى خناجر تطعن بها من حولك دون إدراك ، ونحن بشر تؤلمنا كلمة و يخذلنا فعل و يقتل أرواحنا سوء الظن !!!!
زفرت بصوت مسموع أثناء قيادتها السيارة و عادت بعقلها الشارد إلى مقابلتها مع "عاصم" منذ ساعة حيث أقر لها أنه بحث حول ماضي زوجته الأولى "روزاليا" و تحديدًا حول فترة تعارفها به لأنه بالتأكيد هناك دوافع لفعلتها و إصرارها على الزواج منه و نسب طفلة صغيرة له وأتضح أن ظنونه صحيحة ودافعها كان بمثابة صفعة شديدة القسوة على روحه وليس لثقل الفعل لقد أدرك أنها خائنة منذ معرفته بالحقائق لكن من شقيقه ؟!!! من الواضح أنه لم يتخيل أن يعاصر هذا الألم ..
Flash Back ..
بلل شفتيه و نقل نظراته إليها بعد أن كان ينظر بامتنان إلى "نائل" _الذي ترك لهم الجلسة و ابتعد قليلًا حين وجد أن الأمر بالغ الخصوصية لـ"عاصم" _ أطلق أنفاسه و إزدرد رمقه بعد أن بدأت نبرة الألم تطفو فوق كلماته الصريحة:
- فرق معايا أوي و حسيت بوجعك لما أقرب حد ليا طلع بيخدعني ، أنا بعد ما عرفت حكايتك من ماما كنت بقول مش ممكن حد يعمل في أقرب الناس ليه كدا بس لما شوفت بعيني ماضيهم كنت هموت ياسديم إزاي استحملتي وكملتي و كنتِ بتشوفي والدتك كل يوم دا أنا شوفته امبارح في القسم كان هاين عليا اقتله و يحبسوني بعدها ولا يعدموني مش هتفرق أنا كدا كدا ميت بالبطئ !
تجمعت الدموع داخل عينيها على حالته فهي تكن المحبة الخالصة لأجل هذا الرجل و تتألم لأجل ما حدث له ليأتي أمر خيانة شقيقه و يكمل على ماتبقى من روحه ؟ تنهدت و همست له بلطف و ثقة :
- و معملتش كدا عشان آسر و يوسف صح ؟ أنا حاسة بيك و كنت زيك و برضه اللي كان مانعني عن انفجاري فيهم نيرة ! إحنا مش شبههم ولا بقسوتهم عشان نضر حد قريب مننا !
فرت دمعة من عينيه و حاول التغلب على رغبته بالبكاء حين ثارت مشاعره فجأة و عادت إلى لحظة معرفته بالحقيقة وكأنها وجدت ملاذها من كبته لها داخل روح تلك الفتاة غريبة الأطوار لذلك نكس رأسه و همس لها بصوت أجش متحشرج:
- أنا اكتشفت إني ضعيف أوي ياسديم تخيلي راجل في سني المفروض إن عنده أحفاد قاعد قدامك يعيط من أخوه ؟!!!! شايفااني إزاي بالله عليكِ ! قوليلي إني أضعف منك بمراحل و إني ببالغ و مش عارف اتحكم في نفسي زيك ، أنا مش قادر ابقا زيك !
هزت رأسها بالسلب عاقدة حاجبيها برفض لأفكاره ثم صححت له كلماته و أردف بدهشة محاولة تليين طريقة حديثها معه :
- لا طبعًا ، أنت مش محتاج تبقا زيي لأن أنا مش صح أصلًا و لعلمك أنا لو كنت لقيت وقتها اللي احكيله و يساعدني مكنتش هتردد لحظة و هطلب المساعدة منه عشان ينقذي من دوامتي ، شايفاك أب رائع مرضيش يتخلى عن نورهان رغم اللي عرفه و أب أروع لآسر و يوسف أحن على مشاعرهم من أبوهم نفسه اللى بيدمر في ابنه و بيرهق نفسيته بحربه معايا اللي ملهاش داعي ، أنت مش ضعيف أنت مصدوم و هتاخد وقتك وتهدا مش هتنسا عشان الوجع مش بيتنسي بس ممكن نغلفه بطبقة من سعادة حقيقية في حياتنا عشان نحمي روحنا من سكينته الحادة فاهمني؟ بلاش تستلم لطعناته ، محدش هيلحقك و لا هيحس بيك غير بعد فوات الأوان وبعد ماتبقى زاهد للمساعدة و قافل على أسرارك خوف منهم أحسن يزودوا ألمك ! أنا أوعدك موضوع أخوك دا هينتهي كله وفي أقرب وقت بس أنا مشكلتي الوحيدة في آسر كل للأسف هو ثقته مهزوزة بسبب الماضي بتاعي و طبعًا الضغط عليه و بقا مطلوب مني أبرر نفسي وتصرفاتي و خطواتي و مش عارفة اتحرك منه أنا عشان أعرف اقابلك النهاردة قولتله هوصل نيرة و أروح اشوف بنت عم نائل عشان نتعرف على بعض و أنا مش بعمل حاجة غلط عشان اخبيها بس في نفس الوقت مقدرش اصدمه بحقيقة باباه و حاسة إني بخدعه بالسر دا !
هز رأسه بالإيجاب و أمسك أحد المحارم الورقية يجفف دموعه قائلًا بجدية وصوت متحشرج :
- أنا بصراحة مستغرب جرائتكم في خطوة الجواز أنتوا الاتنين طباعكم و أفكاركم مختلفة تمامًا و آسر زي أي راجل في الدنيا هيتضايق ويفقد الثقة في مراته لما تتصرف من وراه واعتقد أنه مش عايز يبقا زيي !
أحزنها حين نبهها إلى نقطة هامة رغم أنها ذات وقع أليم على نفسه وعجزت عن إجابته بكلمات تفضح مخاوفها الداخلية من مستقبل قريب و مخيف يجعلها داخل دائرة رعبها الدائم من هجر جديد بعد تعلق و هذا تحديدًا الذي دفعها إلى رفض جميع العلاقات إلى أن قرعت طبول قلبها الخائن وهو يزف لها خبر جلوس ملك على عرش قلبها ، ورغم امتناعها عن التعليق لكنها لم تمتنع عن الثأر لشقيقتها و ابن عم زوجها لذلك ضيقت عينيها وسألته بعبث :
- سيبك من كل دا هنتفاهم بعدين تاني خلينا في المهم ، مش عايز تعرف مين اللي عمل كدا في ابن أخوك سليم ؟
عقد حاجبيه و أشار إلى نقطة وهمية متحدثًا عن أمس بدهشة واستنكار:
- قصدك حادثة المستشفى ؟! هي مكنتش خناقة عشان حد ضايق نيرة ؟
هزت رأسها بالسلب و أردفت بجفاء وبسمة ساخرة :
- لأ دا كريم كان صاحب قديم للعيلة كلها وطلب مني نيرة من كام يوم ، أنا أقدر أساعدك بكل التفاصيل اللي تحتاجها وأنت عليك تقنع سليم يبلغ عنه بدل الكلام الخايب اللي قاله وإنها كانت ضربة بالغلط !
أدرك "عاصم" ماتسعى إليه لذلك حاول مداعبتها ببسمة ماكرة و نبرة عابثة قائلًا بدهشة مصطنعة:
- امممم يعني عاوزة تساعديني أجيب حق ابن أخويا كدا هدية منك ليا ؟
هزت رأسها بالسلب و أجابته بعبث مماثل وصدق :
- مش هنكر إن يهمني مصلحة سليم بس أنا بساعدك دلوقت عشان أجيب حق الرعب اللي أختي شافته من واحد أنا ائتمنته عليها في يوم من الأيام ! أنا بكره الغدر و السبب التاني ميطلعش من نصابة وممكن يضحكك بس أنا شايفاها خاين للأمانة المهنية و استخدم مشرط بيعالج بيه الناس في طعن واحد عشان ينتقم منه !
ابتسم و حدق بها بصمت تام وسخر داخله حين عقد مقارنة بين مبادئ المحتالة ومبادئ شقيقة سليل العائلات العريقة !!!!!
تنهد و أخرج ورقة مطوية من سترته ثم مد يده بها تجاهها و أردف بنبرة ساخرة :
- دا جواب كانت سيباه روزاليا لرأفت وواضح أوي إنه متوجه ليه في فترة جوازي منها لو هيفيدك في تهديد رأفت استغليه !
ابتسمت بهدوء و هزت رأسها بالسلب ولكنها أخذته منه حتى لا تتجدد مشاعره السلبية تجاه ذكرياته الماضية وأردفت بلطف :
- هاخده بس مش هستخدمه دلوقت لما أشوف رد فعله على خروجنا من البيت أكيد مش هيسيب آسر معايا ولا هو ولا رائف !
عقد "عاصم" حاجبيه و ردد بدهشة :
- رائف؟!
اكتفت بإيماءة صغيرة وبدأ عقلها يرتب أولويات التعامل مع رجل مثل "رأفت" خاصة في حضرة "سامح" الذي لن يكف عن مطاردتها و لم تصارح زوجها بذلك إلى الآن !!!!
Back ..
تنهدت بضيق شديد من توالي وتسارع الأحداث من حولها دون حصولها على فاصل صغير لأجل نفسها فقط هذا كل ماتتمناه فلا رغبة لها برؤية المستقبل وإهدار لحظات خاصة مثل لحظات الصباح الباكر !!!!!
Flash Back ...
بدأت تلك الرائحة المميزة تتسلل إلى أنفها لتعقد حاجبيها و بدأ عقلها يستعيد توازنه و يفر من النوم إلى اليقظة محذرًا إياها أنها الآن على أرض الواقع و تلك الرائحة التي اخترقت أنفها بالفعل تتواجد حولها انتفضت فوق الفراش تحدق حولها بأعين متسعة مذهولة إلى أن وقعت عينيها على المنضدة الجانبية التي ارتصت فوقها الأطباق لتغادر الفراش مسرعة و تتحرك بخطوات سريعة تجاه مصدر الرائحة إلى أن وقفت تنظر إلى الطبق عاقدة حاجبيها لحظات قبل أن ترفعه إلى أنفها وتستنشق رائحته بمشاعر مختلطة و صدمة واضحة إنها ذاتها رائحة طعام والدها !!!!! لطالما عاونته بإعداد هذا الطبق الرئيسي والمفضل لديها !!!!!
وضعت الصحن محله و تلاشت عقدة حاجبيها حين وجدت يديه تتسلل بخفة ولطف حول خصرها يضمها إلى صدره و أسندت بدورها رأسها إلى كتفه واضعة يديها فوق يديه التي تشبثت بخصرها بقوة بعد أن تعمد تذكيرها أنها خالفت وعدها له أمس و خلدت إلى النوم تاركة إياه يتحدث بالهاتف دس أنفه و شفتيها بتجويف عنقها و بدأت شفتيه العابثة تصول و تجول برقة بالغة فوق بشرتها هامسًا بأذنها بعبث :
- لو كنت أعرف كنت جهزته من امبارح بليل !
ظهرت بسمة عابثة فوق شفتيها و استدارت تحدق بملامحه ببسمة ملتوية عابثة ثم رفعت أنامله تسير بلطف فوق ذقنه المشذب واقتربت بوجهها منه إلى أن أصبحت شفتيها أمام ثغره تهمس له تاركة قبلة صغيرة فوق ثغره بلطف و رقة :
- مكنتش أعرف إنك بتعرف تجهز فطار !
أفعالها الماكرة العابثة دفعت أنفاسه إلى التوتر و بلل شفتيه بينما تحركت عينيه فوق جسدها المشكوف أسفل القميص القصير الذي ألبسها إياه منذ ساعات واشتدت قبضته فوق جسدها بينما تسللت يده الأخرى تعبث بردائها وجذبها إليه مُلتهمًا شفتيها و لم يحاول فصل قبلته وهو يميل بجزعه حاملًا جسدها بين ذراعيه و عائدًا بها إلى الفراش و قد وضعها فوقه تزامنًا مع دس أنامله داخل خصلاته و زيادة شراهة إلتهامه لشفتيها و كأنها ألذ الوجبات له ، وضعت يديها فوق صدره العاري و حاولت التملص من براثنه هامسة له أثناء ضحكاتها و عبثها معه بإبعاد وجهها عن مرمي شفتيه:
- أنا جعاانة !!!
قبض على يديها معًا رافعًا إياهم فوق رأسها التي بدأت تحركها بهستيريا وبلحظة واحدة أصبح جسدها أسير جسده العريض عنوة و أردف برفض قاطع :
- أنسي مفيش حجج ، إلعبي غيرها !!!!
عجزت عن تحريك جسدها بعد هجومها الغير مُنصف و إلقاء ثقل جسده الرياضي فوقها لذلك عمدت إلى طرقها الملتوية وقد تمكنت من تحرير إحدى يديها منه لتدس أناملها بين خصلاته تجذب وجهه إليها و بدأت تحك أنفها بصدغه بخفة و همست له بجانب أذنه قبل أن تستقر بشفتيها فوق خاصته :
- حجج إيه ياآسر هو مش طبيعي الناس تصحا الصبح تفطر ؟
أغمض عينيه بقوة و جز على أسنانه هامسًا لها وقد هبطت شفتيه تستكشف معالم وجهها بلطف أذابها و أوقف عقلها العابث عن محاولاته الساذجة معه :
-دي الناس بقا مش إحنا ، إحنا بينا إتفاق و أنا بحب أراجع الإتفاقات بإتقان جامد أوي !
استسلمت لشفتيه و توقفت عن مقاومتها العابثة معه بل رفعت يدها عاقدة حاجبيها حين إزدادت وتيرة قبلاته و ألهبت مشاعرها أنفاسها التي بدأت تلفح عنقها بينما يديه العابثة عملت على تجريدها من تلك القطعة الحريرية الصغيرة و واصل همسه بأذنها مداعبًا وجنتها بإبهامه وكأنها يدك حصون مشاعرها من جميع الجهات بلمساته اللطيفة :
- عارفة مين لبسك دا بليل ؟
هزت رأسها بالسلب رغم يقينها بالفاعل لكنها أرادت مواصلة جولة العبث اللذيذة مع هذا الرجل و تركته يلقى القطعة أرضًا بيده دون زحزحة عينيه عنها بينما همس لها بنبرة مرتجفة صادقة و قد ألصق جبهته بجبهتها :
- وحشتني ليلتك الأولى في حضني !
ثم حرك أنفه مستنشقًا عبيرها العالق ببشرتها الناعمة يهمس لها بمحبة خالصة بكلمات شعرية أطْرَبَت قلبها و أدهشتها حقيقة معرفته الجيدة بالشعر وطريقته الرائعة بالإلقاء التي أشعرتها أن هذه الكلمات نُقشت فوق روحها المتيمة به وليس كلمات عابرة على مسامعها :
" إنَّ جسمي كمهجتي بك راضِ فاحتكم فيهما فحكمك ماضِ
قد ملكتَ القيادَ فاحكم بما شِئتَ علينا وأنت خصمٌ و قاضِ"
أحاطت عنقه بذراعيها العاريتين و بادرت بتقبيله عاجزة عن مواصلة الحديث العاطفي معه وكأنها تخبره أن فعلتها تعبير كافي عن مبادلتها إياه مشاعره اللطيفة لكنها لن تتمكن من مجاراة كلماته و غزله الصريح أو العفيف بها !!!!
Back ...
تنهدت ببسمة صغيرة بعد عودتها من جولة شرودها ثم أمسكت هاتفها تعبث به غافلة عن المراقب لها الجالس بجانبها في السيارة على المقعد المجاور إلى السائق منتظرًا إجابتها على سؤاله الذي مر عليه مايقرب العشر دقائق و الآن أصابه الذهول حين استمع إلى نبرتها الرقيقة و التي تكاد تقترب من نبرة شقيقتها تردف بعد أن وضعت سماعة الأذن :
- هتخلص شغلك أمتى ؟!
صمتت لحظات ثم ابتسمت و أجابت محدثها بلطف يُناقض طريقتها منذ أن قابلها :
- لا لسه بلف بالعربية لحد مانيرة تخلص و كنت متصلة أقولك إني هروح مع نائل يجيب هدوم من بيتهم !
ضحكت بصوت مرتفع و هزت رأسها بيأس ثم أجابته بعبث :
- لأ طبعًا مش ببلغك بستأذن و لو مش هتوافق هلف وأرجع على طول زي أي زوجة مطيعة حلو كدا ؟ أنفع !
راقب "نائل" التوتر الذي أصاب ملامحها و كأنها أخيرًا أدركت تواجده معها و قد حمحمت تردف بهدوء بعد أن عادت إلى نبرتها المتزنة :
- احم طيب شكلك مشغول و أنا مش عايزة أعطلك كنت بتطمن عليك بس !
ثم أغلقت المكالمة ببسمة صغيرة و أخيرًا أدركت تواجده حين رفعت عينيها عن الهاتف و وجدته يحدق بها ببسمة صغيرة بلهاء و كأنها كائن خرافي في هيئة بشرية فتلاشت بسمتها و سألته بحدة واضحة:
- إيه مالك مبحلق كدا ليه ؟!!
اتسعت عينيه من تحولها و صاح بصدمة و هو يردد كلمتها العفوية :
- مبحلق !!!!!!! يامفترية دا أنت من ثانية واحدة كنتِ في عالم تاني اشمعنا أنا بتكلميني كدا يعني ؟!!!!
اكتفت بنظرة جانبية و هي تراقب الطريق أمامها بدهشة ثم أجابته بسخرية :
- هو أنت جوزي عشان أكلمك كدا ؟ اكتم يلا وبلاش دوشة !!
ظل يحدق بها بذهول و كأن الصدمة عقدت لسانه للحظات قبل أن يهمس لحاله بخوف :
- يانهار أسود دي لو شافت أسيف البسكوتة ممكن تسقيها في كوباية لبن ؟ لأ لبن إيه دي مش بعيد تاخدها للجاموسة ذات نفسها و تتصرف معاها هناك !!!!!
عقدت حاجبيها و عادت إلى حدتها تسأله باستنكار و قد اقتربت من البوابة الإلكترونية الخاصة بمنزلهم :
- بتبرطم بتقول إيه ؟!!!
هز رأسه بالسلب و أردف بتوتر وهو يوزع نظراته بينها وبين الطريق :
- بقولك إيه ياسديم ياحبيبة قلبي مش أنا ابن خالتك حبيبك ؟
قلبت عينيها بملل و أوقفت السيارة تردف ببسمة ملتوية:
- على حسب !!!!
رغم أنها بثت القلق داخله إلا أنه آثر الصمت و قرر تأجيل مطلبه إلى لحظة الوصول إلى المنزل !!!!
على الطرف الآخر ...
أغلق المكالمة ببسمة صغيرة متجاهلًا نظرات "رائف" المحتقنة بالغضب و النفور الواضح مما يدور حوله عاجزًا عن ترك صديقه بين براثن تلك الفتاة التي أثبتت له ظنونه بتلك المكالمة الهاتفية الغير ملائمة أو منطقية لقد أصبح على يقين أن أفكاره الأولى تجاهها كانت صحيحة و أنها تمكنت من خداع رفيقه لذلك أردف بتحذير صريح:
- والله حلو إنها مهتمة بيك أوي كدا أتمنى تستمر ومتتغيرش !
ترك "آسر" هاتفه بتأفف و أردف بصرامة بالغة بعد أن أشهر سبابته بوجهه:
- هتحاول تقول أي كلمة في حق مراتي هنسى إنك صاحبي وهعاملك معاملة غريب غلط في شرفي !! إيييه سيرة مراتي هتبقا لبانة في بوقكم خلاص ؟
ثم واصل وهو ينظر إلى الجهاز اللوحي الخاص به : اشتغل وأنت ساكت يارائف أحسن ليا وليك !
زفر بغضب و استقام واقفًا يغادر المكان معلنًا عن رفضه القاطع لاختيار "آسر" الذي تجاهله وواصل عمله ببال مشغول و ذهن غير صافٍ بالمرة !!!!
وفي نفس التوقيت داخل السجن و تحديدًا عند المدعو "سامح" الذي أغلق الهاتف الصغير وتحرك يعيده إلى صاحبه هامسًا لحاله بعد أن جلس فوق فراشه المهترئ :
- معلش بقا ياسديم محدش بيتعام ببلاش و الماضي مش بيسيب حد في حاله ، كان غيرك أشطر !!!!!
عودة إلى القصر بعد أن عبرت "سديم" من البوابة الإلكترونية وأوقفت السيارة أمام باب القصر الداخلي
قطع "نائل" حديثه و اتسعت عينيه يصرخ فجأة و هو ينظر تجاه نافذتها :
- يانهار أسود !!!! عمتي سمر جت !!!!
كادت تنظر هي أيضًا لكنه أمسك ذقنها و بيده ثم يدها بيده الأخرى و أردف برجاء و خوف :
- ابوس ايدك متشمتيش فيا عمتى و فهد !!! ياريت لسانك دا يبقا جوا بقك احتاجتي حاجة شاوري بس وأنا هفهمك ! فهد مش هيضربك لو لسانك طول عليه بس هيعمل من وراكِ بانيه و يديه لابنه ع الغدا عادي !
أجابته بعبث و هي تهبط من السيارة :
- دا أنت جيت في ملعبي يانؤلتي يلا انزل واخلص الناس مستنية عيب !
هبطت من السيارة و هو خلفها بسرعة ثم هلل مقاطعًا إياهم و هو يتجه إليها و يقف بجانبها مقاطعًا فقرة تعارفهم :
- حبايب قلبييي رجعلتكم أهو أنا قولت اجي اخد شوية هدوم و امسي على عيلتي اللي وحشاني أوي!
وقف أمام "سديم" يحتضن عمته التي ربتت فوق ظهره بدورها و بادلته الحضن بمحبة خالصة بينما وقف هذا الراجل يراقبها بهدوء منتظرًا دوره من محاولة ابن عمه لتشتيت الانتباه الواضح و بالفعل احتضنه "نائل" و ربت "فهد" بقوة متعمدة فوق ظهره ثم أردف متسائلًا بهدوء بعد أن ابتعد عنه :
- دي بنت خالتك ؟
وقفت صامته تراقب رد فعله و رغم أن الأجواء من حولها محاطة بالفكاهة و خاصة من جهة ابن خالتها لكنها شعرت بالحرج له حين يسأل أحدهم عن أصولها أو تفاصيل تخصها بالفعل إنها لإهانة و خجل كبير له وكان عليها رفض طلبه بدخولها منزل عائلته اللطيفة كما يتضح لها !!!
أفاقت من شرودها على يد "سمر" الممتدة تجاهها و سؤالها بلطافة عن أحوالها و كأنها صديقة لها منذ أعوام !!! :
- إزيك ياروحي أنا سمر عمة نائل ؟ عاملة إيه!
رسمت بسمة صغيرة فوق شفتيها و صافحتها بهدوء تردد وهو توزع نظراتها العابثة بينها و بين "نائل" المتوتر :
- بخير يامدام !
علقت "سمر" بصدمة و اتسعت عيني "نائل" برعب واضح:
- يعني طلعت بتتكلم يانائل ياكداب !!!!
اتسعت عيني "سديم" بذهول مصطنع و سألته باستنكار وهي تُشير إلى حالها :
- أنت قولت عليا خارسة يلا ؟!!!!
- يلااا ؟!!!!
خرجت الكلمة من شفتي "فهد" الذي ضيق عينيه يحاول تهديد هوية تلك الفتاة الغريبة لترفع "سديم" حاجبها الأيسر و تردف بسخرية :
- آه يلا مالك فيه إيه ؟!!!
تحرك "نائل" مسرعًا تجاهها وكمم فاهها قائلًا بسماجة و هو يدفعها من كتفها و يتحرك معها إلى الداخل :
- طيب ياجماعة هجمع الحاجة و اشوفكم وأنا نازل !
أوقفهم "فهد" يسألها مباشرة وهو يقلب نظراته بينها و بين السيارة الفارهة التي هبطت منها لتوها :
- هو أنتِ متجوزة ؟
توقفت محلها عاقدة حاجبيها و استدارت تنظر إليه ثم إلى السيارة التي يمسحها بنظراته و كأنها أدركت ما يسعى إليه داخل عقله لذلك أردفت باقتضاب محاولة تجاوز هذا التحقيق :
- آه!
تحرك تجاههم و هو يردد بلباقة :
- آسف على اسئلتي بس حقي أقلق لما يطلع لابن عمي بنت خالة في يوم وليلة يعني مش حابب تاخدي الموضوع بشكل شخصي !
هزت رأسها بإيماءة صغيرة وبسمة مجاملة ثم ربتت فوق ذراع "نائل" و أردفت بهدوء:
- أكيد فهماكم على العموم أنا كنت هستنى في العربية و افتكرت مشوار مهم دلوقت خلص حاجاتك يانائل و كلمني نتفاهم ، بعد إذنكم !
شعر "فهد" أن طريقة استقبالهم لها فظة للغاية خاصة حين عقد "نائل" حاجبيه ووقف يحدق بهم بصمت مطبق لذلك تحرك "فهد" خلفها و أردف بلطف :
- لأ طبعًا مينفعش تدخلي البيت و تمشي كدا منغير مانشرب حاجة ، اتفضلي و اعتقد نائل مش هيعطلك مش كدا يانائل ؟
هز رأسه بالإيجاب ببسمة امتنان صغيرة له ثم أردف برجاء :
- آه ياسديم مش هتأخر دقايق بس بالله عليكِ وبعدين مانا واكل شارب نايم قايم عندكم خلاص هتيجي من دقايق هنا ؟
تنهدت بيأس و تحركت إلى الداخل رغم نظرات "سمر" المتحفظة والتي اشعرتها بضيق شديد خاصة حين تحركت مسرعة خلف "نائل" و تركتها مع هذا الرجل بمفردها داخل البهو الواسع مما دفعها إلى الحرج الداخلي لكنها حاولت تجاوز هذا الشعور و أردفت بهدوء موجهة حديثها إلى "فهد" :
- نائل كلمني عنكم كتير واضح إنه بيحبكم أوي!
وكأنه يرى أشباح "فهد" القديم تتراقص داخل عينيها الواثقة هناك وخلف أسوار تلك الثقة يتمكن من رؤية توتر من الأجواء العائلية و الجلسات وهذا ما عاونته زوجته بتجاوزه فمن اليسير عليه اكتشافه بها رغم إعجابه بطريقتها و محاولتها بالبقاء مع ابن خالتها رغم الرفض الداخلي الواضح منها ، تنهد و أردف بخشونة و هو يعتدل بجلسته :
- أتمنى متتضايقيش من عمتي هي بتعاملنا زي ولادها عشان كدا خايفة على نائل شوية !
ابتسمت له بمجاملة و ولكن توترت بسمتها حين سألها بلطف مشيرًا إلى أصابع يدها :
- مش حابب أكون فضولي بس أنتِ قولتي برا إنك متجوزة مش كدا ؟
نظرت إلى أصابعها الخالية من خاتم الزواج ثم إليه و أجابته بعبث واضح :
- لأ هو فضول بس أنا هجاوبك ، أصل أنا جوزي على باب الله!
رفع حاجبه الأيسر و ردد ببسمة ملتوية:
- آه واضح من عربيتك !
راقبته لحظات قبل أن تسأله مباشرة:
- هو نائل مقلكش أي معلومات عني ؟
هز رأسه بالسلب وأجابها بصدق : لأ وبصراحة أنا قلقان عليه ووعدته مش هتدخل في الموضوع دا !!
هزت رأسها بالإيجاب و أردفت و هي تستقيم واقفة وتتحرك تجاهه :
- تعرف تحفظ أسرار ؟
عقد حاجبيه حين وجدها تتابع غير آبهة بإجابته و تتحرك تجاه الباب الخاص بالقصر :
- العربية دي بتاعتي و أنا كنت نصابة وحاليًا متجوزة لمل نائل يخلص خليه يكلمني أنا هروح مشواري !
وغادرت البهو إلى الخارج بخطوات سريعة لكنها توقفت عاقدة حاجبيها حين وجدت أنها بجانب نافذة ما و صوت ابن خالتها الغاضب يصدر من خلفها قائلًا بدفاع:
- سديم مش وحشة من امتى بتحكمي على الناس كدا ؟!!!
و يليه صوت العمة الغاضبة تصرخ به باستنكار و سخرية :
- وأنا المفروض أصدق ؟ نصابة اتجوزت واحد بالمستوى اللي أنت لسه قايل عليه و داخلة معاك لحد هنا منغير كسوف و مش بس كدا دي بتتجاهلنا وكانت هتمشي منغير ماتعبرني حتى وتقولى بعد إذنك !! البنت دي مش متربية و اراهنك لو مكانتش بتنصب عليك أنت نفسك ووخداك لعبة زي جوزها !!!!! نائل حبيبي أنا عمري ماأتدخلت في اختياراتك بس أرجوك أبعد عن البنت دي عشان خاطري !!!
صاح "نائل" بتكذيب : على فكرة هي قالت بعد إذنكم بس واضح أن حضرتك مكنتيش فاضية كنتِ بتصدري أحكام عليها ، على العموم سديم زيها زي أسيف عندي ورغم إني عرفتها من أيام بس غلاوتهم واحدة و مقبلش من أي حد أي كلام عنها أنا غلطان إني دخلتها هنا وعرفتك حاجة عنها كنت فاكرك هتتعاطفي مع قصتها مش تحكمي عليها زيك زيهم ! أنا طالع أخد حاجتي بعد إذنك !!!
لا تعلم كيف تحركت بخطوات سريعة إلى سيارتها و غادرت المكان بلحظات معدودة بعد أن استمعت إلى رفض جديد و أحكام خارجية مؤلمة لها ناتجة عن مظهر خارجي فتلك السيدة التي مقتتها دون أسباب لم تتعامل معها سوى بضع لحظات إذًا كيف علمت أنها سيئة إلى تلك الدرجة ؟
تأكدت أن الخطوة المقبلة عليها بتلك الفترة هي الأصوب على الإطلاق و رفعت هاتفها تعبث به لحظات ثم فتحت محرك البحث الشهير و رفعت أناملها تمسح تلك الدمعات التي تحركت فوق وجنتيها من فرط قهرها الداخلي ثم ابتلعت غصتها و كتبت بأصابع مرتعشة " وسائل منع الحمل الفعالة " !!!!
أحيانًا تتحول نظراتك و أحكامك الخارجية إلى خناجر تطعن بها من حولك دون إدراك ، ونحن بشر تؤلمنا كلمة و يخذلنا فعل و يقتل أرواحنا سوء الظن !!!!
الواحد والثلاثون من هنا