رواية قطة في عرين الاسد الفصل الثاني 2 بقلم مني سلامة
الحلقة ( 2 )
كان المخزن يعج برجال الشرطة الذين بدأوا فى التحقيق .. قال "عبد الرحمن" باكياً :
- كبدى عليك يا ولدى .. روحت منى يا ولدى
ثم التفت الى أحد رجال الشرطة قائلاً بألم :
- مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى له صالح يجتل ولدى .. "ياسين" كان خيرة الرجال .. عمره ما ضايج حد وعمره ما ظلم حد .. ليه يجتلوا ولدى ليه
اقترب منه "عثمان" وربت على كتفه قائلاً بصرامة :
- متجلجش يابوى .. هنجيب اللى عمل اكده فى اخوى ونخليه عبره للبلد كلياتها
قال الضابط بحزم :
- ده شغل الشرطة يا "عثمان" متدخلش نفسك فى المشاكل .. احنا هنعرف نوصل للجاتل وياخد عقابه
نظر "عثمان" الى الضابط ساخراً وقال بمرارة :
- أما نشوف يا حضرة الظابط .. أما نشوف .. بس اذا معرفتوش توصلوا للى جتل اخوى أنا هوصله وهجتله بيدي التنين دول
قال الضابط بحزم :
- "عثمان" مفيش داعى للكلام ده دلوجيت .. متحطش البنزين على النار وهى جايده
نظر "عثمان" بأسى لجثة أخيه الراقد على أرض المخزن واقترب منه قائلاً ثم جثا علي ركبتيه وقال بصرامة :
- متخفش يا ولد أبوى .. آنى لا هسكت ولا هيرتاحلى بال إلا لما أجيبلك حجك من اللى عمل فيك اكده .. حتى لو كان آخر يوم بعمرى .. نام فى جبرك واطمن .. أخوك راح ياخد بتارك من اللى جتلك .. ومش هيكفيني فيه حبل المشنجة .. لازمن أجتله بيدي .. اطمن يا ولد أبوى
فى بيت عائلة "السمري" تعالى صوت المذياع على محطة القرآن الكريم .. وعج البيت بالنساء اللاتى ارتدين السواد وأخذن فى النواح .. أخذت والده "ياسين" تلطم وجهها وتنوح قائله :
- جتلوك يا ولدى .. جتلوك وانت بعز شبابك .. ولدى راح منى يا ناس .. ولدى .. خدوك منى ليه يا ولدى
أخذت "صباح" أخته هى الأخرى تبكى وتنوح هى الآخرى قائله :
- اخوه .. جتلوك ياخوى
فجأة دخل "عبد الرحمن" وصاح بغضب بالغ فى النساء :
- يمين بالله أى حرمة هسمعها بتصوت ولا بتنوح لأكون جتلها بيدي دول .. مش عايز جنس حرمة تفتح خشمها وتصوت على ولدى اللى بيتعذب دلوجيت من نواحكوا ده
شعرت النساء بالخوف الشديد وكتمت والده "ياسين" فمها بيادها .. فقال "عبد الرحمن" بغضب واحتقار وهو يغادر :
- جبر أما يلمكم كلياتكم .. حريم ناجصه عجل بصحيح
*****************************
فى صباح اليوم التالى اجتمعت العائله على مائدة الطعام .. ترأس "مراد" رأس الطاولة .. ووالدته على المقعد المقابل .. وعلى يمينه أخته "نرمين" .. وعلى يساره أخته "سارة" .. قالت "سارة بمرح :
- بقولك ايه يا أبيه متفكك من الشغل النهاردة وتعالى خرجنا .. نخرج كلنا ونروح لأى مكان مع بعض
قال "مراد" وهو منهمك فى قراءة أخبار البورصة فى الجريده الصباحية :
- مشغول يا "سارة" مش هينفع
قالت "نرمين" بتأفف :
- كل يوم مشغول يا أبيه والمصيبة انك مش بتسمحلنا أصلاً نخرج من غيرك .. طيب نعمل ايه يعني زهقنا من الحبسة دى
نظر اليها "مراد" قائلاً :
- ان شاء الله نخرج فى الويك اند مع بعض
قالت "نرمين" بتحدى :
- كل مرة تقولنا كده وتيجي فى الويك اند تقول مشغول
قالت "ناهد" بنبرة محذرة :
- "نرمين" عيب تتكلمى مع أخوكى الكبير كده
التفتت "نرمين" الى أمها قائله :
- يا ماما مش قصدى بس زهقت من الأعده فى البيت ولسه شهر بحاله على الجامعه .. مش معقول هقضى الشهر ده محبوسه
قالت "سارة" مبتسمه :
- طيب أنا بأه أعمل ايه اللى خلصت كليتى خلاص يعني محبوسه محبوسه
نظر اليهما "مرد" وتنهد قائلاً :
- خلاص هحاول بجد أفضى نفسي وأخرجكوا .. بس مش عايز زن
قالت "ساره" مبتسمه :
- أنا عن نفسي مبحبش الزن .. قول لـ "نرمين" الكلام ده
التفتت اليه "نرمين" قائله برجاء :
- خلاص مش هزن بس حضرتك يا ابيه التزم بكلامك المره دى
قال "مراد" بصرامة :
- "نرمين" اتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كده
قالت "نرمين"بخفوت :
- أنا آسفه يا أبيه مش قصدى
نظر اليها وقال بجديه :
- يلا افطروا
شرعت الفتاتان فى تناول طعامهما فى صمت
************************
دخلت "مريم" مكتبها وألقت السلام على "مي" :
- السلام عليكم .. ازيك يا "مى"
- وعليكم السلام يا "مريم"
جلست "مريم" وشرعت فى فتح حاسوبها .. اقتربت منها "مي" قائله :
- خلصتى تصميمات شركة دييبس ولا لسه
- أيوة هفنشها بس وأرفعها على الميل وأبعتها لصاحب الشركة
- ممممممم كويس
التفتت "مى" لتعود الى مكتبها .. لكن "مريم" أوقفتها قائله :
- "مى" عايزة أطلب منك خدمه
التفتت "مى" قائله :
- خير أأمرى
صمتت "مريم" قليلاً ثم قالت :
- بصى .. عايزاكى تيجي معايا النهاردة مشوار مهم
قالت "مي" بإستغراب :
- مشوار ايه
بدا على "مريم" التردد .. ثم عزمت أمرها قائله :
- هنركب مركب ونتفسح فى النيل
ضحكت "مى" وقالت :
- انتى حلمتى بمركب ولا .. اشمعنى يعني ايه اللى طلعها فى دماغك
ظهت سحابة حزن فى عينيها البنيتين .. وتبللت عينيها قليلاً وقالت بتأثر :
- "ماجد" طلب منى كده
اختفت ابتسامه "مى" ونظرت الى "مريم" فى أسى .. فحاولت "مريم" التماسك وقالت :
- ها هتيجي معايا ؟
قالت "مي" بإستسلام :
- ماشى هاجى معاكى
قالت "مريم" وهى تعاود الإلتفات الى حاسوبها :
- تمام .. نروح بعد الشغل ان شاء الله
أومأت "مى" برأسها وعادت الى مكتبها وهى ترمق "مريم" بنظرات مشفقه
****************************
اجتمع رجال القبيلة لتقديم العزاء فى "ياسين" .. توجه "سباعى" الى "عبد الرحمن" وسلم عليه قائلاً:
- شد حيلك يا "عبد الرحمن" .. والبقاء لله
قال "عبد الرحمن" فى خفوت :
- البقاء لله وحده .. ربنا أعطى ودلوجيت بياخد عطيته
ربت "سباعى" على كتفه قائلاً :
- متجلجش ان شاء الله هنعرف مين اللى جتله .. والشرطة مش ساكته .. وان شاء الله جريب هتبرد نارك على ابنك لما يتمسك التيييييييت اللى عمل اكده
قال "عبد الرحمن" بأسى :
- على الله يا "سباعى" .. على الله .. هو اللى جادر يكشف الظالم اللى جتل ابنى وحرج جلبي عليه .. انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها
بعدما انصرف الرجال اجتمع كبراء عائلة "السمرى" معاً .. قال أحد الرجال فى غضب :
- مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى يجدر يجف أدام عيلة "السمري" ويعاديها
قال آخر :
- مفيش الا عيلة "الهواري" أكيد حدا منهم هو اللى عيملها
أكد آخر :
- اييوة مفيش الا عيلة "الهواري" .. جلبهم اتحرج اكمننا كسبنا المناجصة .. وهناكلهم فى السوج .. عشان اكده بعتوا حدا من حداهم يحرج المخزن ويجتل "ياسين" ولد عمى
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- مش هنتهم الناس من غير دليل .. طول عمر العيلتين واجفة جمب بعضيها .. وبينا مصالح اكتير .. مش هنظلم حدا منهم طالما مفيش دليل .. ان بعض الظن اثم .. ومش عايز كلام فى الموضوع ده كتير .. ولسانكم يرطرط فيه .. لان لو الكلام وصل لعيلة "الهوارى" أكيد النفوس هتشيل
ثم قال بحزم أكبر وهو يمعن التفكير :
- ربنا جادر يكشف المستور .. وينتجم من الظالم
************************
جلس "سباعى" مع ابنه "جمال" وبعض رجال العائله .. وقال فى أسى :
- ضاع الراجل فطيس .. لا حول ولا قوة الا بالله
قال أحد الرجال :
- هتجنن مين اللى يعمل حاجه بشعة زى اكده ويجتل "ياسين" المسكين .. كان راجل طيب والله
قال آخر :
- الله يرحمه .. فعلاً كان راجل طيب
قال "سباعى" :
- اللى عمل اكده حدا من الجبيلة
قال أحد الرجال بدهشة :
- ايه اللى خلاك تجول اكده يا حاج
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- لان لو كان حدا غريب كان زمان حدا شافه واتعرف عليه وسطينا .. لكنه واحد من الجبيلة وعرف يندس وسطينا لما الناس اتلمت والشرطة اجت
قال "جمال" بحده :
- يمكن استخبى منينا يابوى .. ومشى من البلد من غير ما حدا يشوفه
قال "سباعى" فى حيرة :
- الله أعلم يا ولدى .. بس أكيد الشرطة هتعرفه وتمسكه
ثم قال بغضب :
- لازمن يتجتل فى ميدان عام على عملته دى .. بجلنا سنين طويلة ما حدا احدانا فى الجبيلة مات بطلجة رصاص .. ودلوجيت هنرجع لمرار الجتل والتار عاد .. ربنا ينتجم منييه
ثم قال بقلق :
- ياخوفى يتهموها فينا ولاد "السمري"
قال "جمال" بحده :
- وليه جولت اكده يابوى .. واحنا ايه دخلنا فى جتل ابنهم
- يخوفى يا "جمال" الشيطان يوزهم بسبب موضوع المناجصة ويفتكروا اننا عملنا اكده عشان خسرنا .. خصوصى اللى عمل اكده كان جاصد يحرج المخزن .. لولا "ياسين" اللى راح وكشفه ولد التييييييييت ده
قال أحد الرجال يطمئنه :
- لا اطمن يا حاج .. الحاج "عبد الرحمن" عاجل ودماغه توزن بلد .. مستحيل يسيب الشيطان يلعب فى دماغ حدا من عيلته .. خصوصى ان مفيش دليل ضدينا
تنهد "عبد الرحمن" قائلاً :
- على الله يا ولدى .. على الله
**************************
هتفت "مريم" بحنق :
- ده بيستهبل ده ولا ايه بالظبط
نظرت اليها "مى" قائله :
- خير فى ايه
قالت "مريم" بعصبيه :
- صاحب شركة دييبس بعتله التصميمات على الميل .. رد عليا وطالب ليستت تعديلات هتاخد منى على الأقل اسبوع .. والمفروض أبدأ من دلوقتى فى حملة شركة المقاولات
قالت "مى" مبتسمة :
- قولتلك انه متعب
قالت "مريم" بضيق :
- أوف .. كان لازم أعد معاه من الأول ويقولى على اللى عايزه .. بدل ما يسيبنى أشتغل وبعدين ييجي يعدل كل التصميمات ويحط التاتش بتاعه .. ما كان من الأول
قالت "مى" مقترحه :
- خلاص روحيله الشركة بدل ما تتعبى فيهم تانى والآخر برده يعدل
قالت "مى" بحزم وهى تنهض :
- انا هعمل كده فعلاً .. هروح أقول لأستاذ "عماد" على اللى حصل .. وهطلب اذن عشان أروح أشوف أخرتها مع الراجل ده
طبعت "مريم" صور التصميمات على الطابعة ووضعتهم فى أحد الملفات وتوجهت الى مكتب "عماد" الذى نظر الى تصميماتها ثم قال :
- تصميمات ممتازة يا "مريم"
قالت بضيق :
- بس معجبتش صاحب الشركة وطالب تعديلات هتاخد منى وقت كبير
- كان لازم من الأول تعدوا مع بعض ويقولك على اللى عايزه بدقه عشان ميضيعش وقتك ومجهودك على الفاضى
- وعشان كده يا فندم بطلب من حضرتك اذن انى أمشى دلوقتى عشان أروحله الشركه
رفع "عماد" مساعة الهاتف قائلاً :
- لأ خليكي يا "مريم" أنا هتكلم معاه وأخليه يبعتلنا حد من عنده يقولنا على الطلبات بالظبط ويكون الكلام أدامى عشان ميرجعش ويطلب تعديلات تانى
ذهبت "مريم" الى مكتبها دقائق وكلمتها "صفاء" سكرتيرة "عماد" قائله :
- أستاذ "عماد" بيقولك مدير تسويق شركة دييبس هييجى بكرة يتفق معاكى على التصميمات يا "مريم"
- خلاص ماشى فى انتظاره
*********************
التف الرجال الأربعه حول طاولة الإجتماعات لمناقشة مشروعهم الجديد .. قال "طارق" :
- بصوا يا جماعة .. زى ما اتفقنا عايزين نهتم بنقطتين .. الأولى ان السعر يكون مناسب للطبقه المتوسطة .. وتانى نقطة نهتم برده بالجودة .. يعني مش عشان نقلل فى السعر نقوم ننزل بمستوى الجودة بدرجة كبيرة .. يعني عايزين توازن ونجمع بين الجودة والسعر وبكده هنتميز عن غيرنا فى السوق
وافقه "مراد" على كلامه قائلاً :
- بالظبط كده يا "طارق" .. هى دى المعادلة اللى لو حققناها هنهزم كل منافسينا فى السوق .. لان كل المصانع والشركات المنافسه اما بيهتموا بالجودة على حساب السعر أو بالسعر على حساب الجودة .. لكن احنا ان شاء الله هنقدر نحقق المعادلة الصعبة دى ونهتم بالسعر والجودة مع بعض
قال "حامد" بإستخفاف :
- طيب بدل تعب القلب ده ليه منحددش الطبقة الراقية كفئة نوجه انتاجنا ليهم
قال "مراد" شارحاً :
- لان أغلب المصانع الكبيرة والماركات العالمية وأغلب المستوردين بيهتموا بالطبقة دى .. يبقى ايه الجديد اللى احنا هنقدمه لو عملنا زيهم ؟ .. الفكرة هى اننا نعمل اسم وماركة بس تكون فى مستوى العامل والموظف والطبقة العاملة دى .. وفى نفس الوقت جودة معقولة وتصميم راقى
هز "سامر" رأسه قائلاً :
- كلامك صح يا "مراد" .. احنا عايزين يبقى لنا اسم فى السوق ونتجاوز كل النافسين فى فترة صغيرة وده مش هيتحقق الا لو تميزنا عنهم
قال "حامد" مبتسماً :
- ماشى يا شباب وأنا معاكوا ان شاء الله .. امتى بأه هتبدأ ساعة الصفر
قال "طارق" :
- لما ننتهى من أول خط انتاج ونتأكد اننا وصلنا للمواصفات المطلوبة للمنتج ساعتها هنبدأ الحملة الدعائية على طول
*************************
توجهت "مريم" مع "مى" الى المصعد لمغادرة الشركة فأوقفها "أشرف" قائلاً :
- آنسه "مريم" لو سمحتى
التفتت "مريم" اليه وهى تشعر بالضيق .. وقف أمامها قائلاً :
- سمعت ان شركة دييبس تاعبينك فى شغلهم
قالت "مريم" بهدوء :
- لأ مفيش مشاكل .. شوية تعديلات بسيطة
قال وهو ينظر اليها :
- يعني لو تحبي أساعدك فيها .. مفيش عندى مشكلة أنا فاضى حالياً
قالت "مريم" بجديه :
- شكراً يا أستاذ "أشرف .. زى ما قولت التعديلات بسيطة .. بعد اذنك
خرجت مع "مى" من العمارة وركبا المترو .. قالت لها "مي" الجالسه بجوارها :
- ليس دايماً بتقطمى معاه الراجل حابب يساعدك
قالت "مريم" بحده :
- وأنا مش محتاجة مساعدة .. دى مش أول مرة عميل يطلب تعديلات على الشغل
- "مريم" واضح ان الراجل مهتم بيكي
نظرت اليها "مريم" وقالت بعصبية :
- قصدك ايه بمهتم بيا
قالت "مى" بنبرة ذات معنى :
- مهتم بيكي يا "مريم" أشرحهالك ازاى يعنى .. وبعدين "أشرف" انسان محترم وكويس وابن حلال و ........
قاطعتها "مريم" بحده :
- "مى" لو سمحتى اسكتى .. مش حبه أبداً أتكلم فى الموضوع ده
نظرت اليها "مى" بأسى قائله :
- لحد امتى ؟ .. لحد امتى يا "مريم"
لم تجيبها "مريم" بل التفتت لتنظر من الشباك فى صمت
***************************
دخل "طارق" الى مكتب "مراد" المنهمك فى عمله قائلاً :
- ها يا "مراد" مش هتمشى ؟
قال "مراد" دون أن يرفع نظرة من الورق الذى أمامه :
- لأ .. لسه عندى شغل
- طيب خد بريك طيب
- الشغل كتير يا "طارق"
- طيب خلاص براحتك أنا ماشى
- ماشى سلام
- سلام أشوفك بكرة
خرج "طارق" وترك "مراد" المنهمك فى عمله .. بعد لحظات دخلت السكرتيرة وقالت :
- أستاذ "مراد" لو سمحت عايزه أمشى بدرى النهاردة
رفع نظرها اليه قائلاً بحده :
- ليه ؟
قالت بتردد :
- يعني عندى حاجه مهمة
- ايه هى الحاجه المهمة اللى أهم من شغلك
صمتت قليلاً ثم قالت :
- بصراحة عيد ميلادى النهاردة وخارجه مع صحابي عايزين يحتفلوا بيا .. وأنا اصلا خلصت كل الشغل اللى ورايا
صاح بها غاضباً :
- امشى يا آنسه على مكتبك بلاش دلع
بُهتت الفتاة وقالت بإضطراب :
- أنا مش قصدى يا أستاذ "مراد" .. أنا بس ....
قاطعها قائلاً بصرامة :
- هنفضل فى تضييع الوقت ده كتير .. اتفضلى على مكتبك .. لما ييجى معاد الإنصراف ابقى اخرجى اعملى اللى انتى عايزاه
أومأت الفتاة برأسها وخرجت .. جلست على مكتبها فى عصبية قائله بغضب :
- راجل قليل الذوق.
***********************
داعبت "مريم" الماء حول المركب بيدها وهى تبتسم فى حبور .. أخذت تجمع الماء بيدها ثم تتركه ليتسلل من بين أصابعها .. راقبتها "مي" فى صمت .. وفى عيناها نظرة أسى .. اختفت ابتسامة "مريم" لتحل محلها عبرة فلتت من عينينها فأسرعت بمسحها بأصابعها .. اقتربت منها "مى" وجلست بجوارها قائله :
- تحبي نمشى
قالت "مريم" متصنعة المرح :
- لأ خلينا شوية كمان .. انتى زهقتى منى ولا ايه
- لأ طبعا .. بس حساكى مضايقه
قالت "مريم" وهى تحاول الابتسام :
- لأ بالعكس أنا مبسوطة .. أنا بحب أوى ركوب المركب فى النيل .. بفرح أوى .. لأن بابا كان بياخدنى أنا وماما وأختى ويفسحنا فى المركب .. وكنت ببقى فرحانه أوى
اغرورقت عيناها بالدموع رغماً عنها وشعرت بغصة فى حلقها وقالت بصوت مرتجف :
- و "ماجد" عارف كده.
عادت "مريم" من عملها .. توجهت الى المطبخ وأخرجت من الثلاجة جبنة وخبز وشرعت فى عمل سندوتش وتناوله .. ثم توجهت الى غرفتها لتغير ملابسها .. فتحت الدولاب الذى كان مقسم من الداخل لنصفين قسم يحوى ملابسها وقسم آخر يحوى ملابس أصغر سناً توقفت أما الملابس الصغيرة جذبت احداها وظلت تتحسسها فى ألم وكأنها تشتاق الى صاحبتها .. تنهدت وانتهت من تغير ملابسها ثم جلست على فراشها صامته لا تفعل شيئاً سوى النظر الى فراغ الغرفة .. ظلت قرابة النصف ساعة جالسة دون حراك .. ثم نهضت وتوضأت وصلت وفتحت التلفاز لا لتشاهد ما به .. بل لتسمع صوتاً .. أى صوت .. يخترق هذا الصمت القاتل الذى تعيش فيه .. وأخيراً استسلمت للنعاس امام التلفاز وهى تحضن مخدتها وتسند رأسها اليها
فى الصباح توجهت الى عملها عن طريق المترو مثلما تفعل كل صباح .. قالت لها "مى" وهى تتمعن فيها :
- نمتى امبارح كويس ؟
قالت "مريم" وهى تبدأ فى تشغيل حاسوبها :
- أيوة الحمد لله
قالت "مى" بحده :
- يبأه رجعتى تانى متكليش كويس .. شوفى وشك فى المراية بأه عامل ازاى يا "مريم"
قالت "مريم" مدافعه عن نفسها :
- والله باكل يا "مى" .. هعيش من غير أكل يعني
- طيب بصى شوفى فى المرايه وشك أصفر ازاى
قالت "مريم" بحنق :
- خلقة ربنا أعمل ايه يعني
هتفت "مى" :
- لا مش خلقة ربنا يا "مريم" .. حرام عليكي اللى بتعمليه فى نفسك ده يا بنتى انتى لسه صغيره مكملتيش 30 سنة
قالت "مريم" بحنق :
- لأ كملتهم من شهرين
قالت "مي" بعناد :
- برده صغيره .. بس اللى يشوفك يقول دى واحدة عندها 60 سنة مش 30 سنة
قالت "مريم" بنفاذ صبر :
- "مى" شوفى شغلك وفكك منى .. انا عندى شغل كتير
قالت "مى" بغيظ :
- ماشى يا ست "مريم" أما نشوف أخرتها معاكى
ثم استطردت قائله :
- واعملى حسابك ان ماما عزماكى على الغدا عندنا بكرة
قالت "مريم" بحرج :
- اشكرى طنط كتير بس مش هقدر اجى
هتفت "مى" :
- ليه سياتك مش هتقدرى تيجي .. وراكى ايه .. انتى من البيت للشغل ومن الشغل للبيت
نظرت اليها "مريم" بلوم قائله :
- انتى اللى قولتيلها تعزمنى
هتفت "مي" بغيظ :
- يا ست انتى الست عايزة تشوفك وتعزمك على الغدا انتى مكلكعة الدنيا ليه
قالت "مريم" مبتسمه :
- خلاص ماشى هاجى ان شاء الله
ابتسمت "مى" :
- أيوة كده فكيها ربنا يفكها فى وشك ووشى يارب
- آمين
ماهى الا دقائق حتى دخلت "سهى" التى قالت :
- صباح الخير
قالت "مريم" :
- صباح النور
قالت "مى" بإستغراب :
- مش عادتك يعني تقولى صباح الخير وانتى داخله .. أخيراً خدتى بالك ان فى بشر معاكى فى نفس المكتب
قالت "سهى" مبتسمه :
- مفيش أصلى مبسوطة شوية
قالت "مريم" :
- ربنا يسعدك دايماً
تنهدت "سهى" قائله :
- يارب وينويلى اللى فى بالى
ردن هاتف "سهى" فإتسعت ابتسامتها وقفزت من المكتب قائله :
- استنا خليك معايا هطلع أكلمك من بره المكتب
وغادرت الغرفة لتتحدث بالخارج .. تابعتها "مى" بعينيها ثم قالت ل "مريم" :
- شايفه .. اهى رجعت للتليفونات تانى .. شكلها علقت مع حد جديد
قالت "مريم" دون أن ترفع نظرها عن حاسوبها :
- يمكن بتكلم حد من أهلها أو واحدة صحبتها
هتفت "مى" :
- والله .. وبتتكلم بره المكتب ليه .. وعماله تتسهوك وترقق فى صوتها .. ومسمعتيهاش وهى بتقوله استنا خليك معايا
نظرت اليها "مريم" بحزم قائله :
- ملناش دعوة يا "مى".. وعلى فكرة اللى انتى بتقوليه ده بدايه الطريق للقذف
ارتبكت "مى" وشعرت بالخوف من وقع الكلمة وقالت :
- أنا مش قصدى يا "مريم"
قالت "مريم" بحزم :
- قصدك ولا مش قصدك .. اللى انتى بتقوليه فيه شبهة قذف محصنات وانتى واحدة عارفه ربنا .. عارفه عقاب قذف المحصنات ايه
ثم قالت :
- ربنا بيقول فى سورة النور
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
قالت "مى" وقد شعرت بالندم :
- أستغفر الله العظيم .. الواحد مش ناقص ذنوب .. خلاص معدتش هجيب سيرتها تانى .. هى حره تعمل اللى هى عايزاه
قالت "مريم" بهدوء :
- أيوة كده .. بلاش نتكلم على أى بنت وحش عشان ربنا مش يبتلينا بواحده تتكلم عننا وحش .. لان كله سلف ودين
- ماشى يا "مريم" خلاص مش هتكلم عنها تانى
ابتسمت "مريم" قائله :
- اوعى تكونى زعلتى منى أنا بنصحك عشان بحبك
ابتسمت "مى" قائله :
- عارفه .. ولو معملتيش كده تبقى مش بتحبينى
عادت الفتاتان الى عملهما .. دخلت "سهى" بعد فترة .. لم تلتفت اليها الفتاتان .. وبدأت هى الأخرى فى أداء عملها
استيقظ "مراد" من نومه .. وارتدى ملابسه وثبت الساق الصناعية فى قدمه اليمنى ثم خرج من غرفته وتوجه الى غرفة عمته .. طرق الباب فأذنت له بالدخول
فتح الباب .. كانت جالسه فى الفراش ومتدثرة بغطائها .. وتمسك أحد الكتب فى يدها ونظارة كبيرة على عينيها .. امرأة فى العقد السادس من العمر .. ورغم كبر سنها الا أن ملامحها وبنيتها تتميز بالقوة والصلابة .. لها نظرات حادة قوية .. تشعر بأنها تسبر أغوارك .. اقترب منها قائلاً :
- صباح الخير يا عمتو
رسمت ابتسامه خفيفة على شفتيها وقالت :
- صباح الخير يا ولدى
ابتسم قائلاً :
- أخبار صحتك ايه النهاردة .. أمى قالتلى ان حضرتك تعبتى امبارح .. جيت عشان أشوفك بس كنتى نايمة محبتش أزعجك
قالت عمته "بهيرة" :
- ربنا يبارك فيك يا ولدى .. ويعينك وينورلك طريجك .. آني منيحه الحمدلله والشكر ليه
جلس بجوارها قائلاً :
- خدى بالك من صحتك يا عمتو ولو اتجتى أى حاجة عرفيني
ربتت على كتفه قائله :
- تسلم يا ولد أخوى .. انت مش مخليني محتاجه لحاجه واصل .. ربنا يديك على أد نيتك .. ويبارك فيك وفى اخواتك البنات
- مش هتنزلى تفطرى معانا
- لا سبجتك يا ولدى .. انزل انت افطر وشوف مصالحك .. الله يعينك ويوفجك
نزل "مراد" وترأس مائدة الطعام كالمعتاد
قالت "نرمين" بتحدى :
- ها يا أبيه هتخرجنا بكرة ولا لأ
نظر اليها "مراد" قائلاً بإتستلام :
- حاضر يا "نرمين" هخرجكوا ان شاء الله
تنفست الصعداء قائله :
- أخيرا هنخرج
نظر اليها "مراد" بإستغراب قائلاً :
- اللى يسمع كده يقول محبوسة فى البيت .. عندك جنبنة طويلة عريضة بره اتمشى فيها براحتك .. وعندك العربية والسواق اطلعى انتى و "سارة" واتمشوا بيها
قالت "نرمين" بدهشة :
- وهى دى اسمها فسحة يا أبيه .. أنا عايزة أروح مولات .. أعمل شوبينج .. نسافر مكان .. شرم .. اسكندرية .. مطروح .. أى مكان تغيير يعني
قال "مراد" وهى يتفحص جريدته :
- لما افضى ان شاء الله هنسافر سوا
قالت "نرمين" برجاء :
- طيب وليه منروحش انا و "سارة" لوحدنا شرم مثلا .. والسواق هيكون معانا .. يوصلنا ويجبنا فى نفس اليوم
نظر اليها "مراد" بحدة قائلاً :
- فى بنت محترمة تسافر لوحدها من غير أهلها
قالت مرتبكة :
- احنا مش هنبات .. يوم بس ونرجع
قال بغضب :
- وافرضى حد ضايقك انتى ولا أختك هتتصرفوا ازاى .. افرضى حصلكوا حاجه .. لازم يبقى فى راجل معاكوا .. مينفعش بنتين يسافروا لوحدهم .. انتوا ما بتقروش جرايد وتسمعوا عن الحوادث اللى بتحصل والبلطجية اللى ملوا البلد
قالت "سارة" لتلطف الجو :
- معاك حق يا أبيه .. هى بس "نرمين" من زهقها بتقول كده .. بس هى أكيد عارفه ان مينفعش نسافر من غيرك
قالت الأم وهى تنظر اليهم :
- هو مينفعش فى يوم نفطر بدون نقاش وكلام كتير .. يلا افطروا وسيبوا أخوكوا يفطر عشان هو مشغول مش فاضى زيكوا
نظرت "ناهد" الى مراد قائله :
- شوفت عمتك يا "مراد"
رفع نظره من الجريدة وقال :
- أيوة يا أمى عديت عليها قبل ما أنزل .. واطمنت عليها
- ماشى يا حبيبى
******************************
جلس "عبد الرحمن" على سريره ساهماً لا يشتهى حتى تناول الطعام .. اقتربت منه زوجته وجلست بجواره قائله بصوت باكى :
- جلبي حارجنى جوى على ولدى يا حاج
تنهد قائلاً :
- ربنا يرحمه ويغفرله ويرزجه الجنه .. يارب
قالت زوجته ودموعها تنهمر :
- كان أحن واحد فى اخواته ..فجدت الكبير بدرى بدرى .. ودلوجيت فجت "ياسين" .. يا كبدى عليكوا يا ولادى التنين
قال "عبد الرحمن" بحده :
- ادعيلهم ان ربنا يرحمهم بدل النواح ده يا وليه
قالت زوجته بحزم :
- آنى مش ههدى ولا يرتاحلى بال إلا لما أشوف اللى جتل ولدى وهما بيعدموه وبيشنجوه .. اللهى ربنا ينتجم منه
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- ان شاء الله هيمسكوه ويتعاقب على عيملته
ثم قال بحيره :
- بس أموت وأعرف هو مين .. آنى واثج انه حدا من الجبيلة .. بس مين العلم عند الله
تنهد وقال :
- ربنا جادر يكشف المستور .. انا وكلته وهو حسبي
****************************
دخلت "صفاء" سكرتيرة "عماد" الى مكتب "مريم" قائله :
- "مريم" .. أستاذ "عماد" عايزك فى مكتبه
نظرت اليها قائله :
- هو وصل ؟
- تقصدى صاحب شركة دييبس .. أيوة وصل
قالت "مريم" بإستغراب :
- مش قولتيلى امبارح ان اللى هييجى مدير التسويق
هزت "صفاء" كتفيها قائله :
- أستاذ "عماد" قالى كده امبارح .. بس الراجل اللى جه عرف نفسه على انه صاحب الشركة
قامت "مريم" وحملت الملف الذى يضم تصميماتها الخاصة بحملة الشركة وتوجهت الى مكتب "عماد"
قال لها "عماد" :
- تعالى يا "مريم" اتفضلى
ألقت "مريم" نظرة على الرجل الجالس فقدمها "عماد" للرجال قائلاً :
- الآنسه "مريم" الديزاينر المسؤلة عن حملة شركة حضرتك
ثم نظر الى "مريم" قائلاً :
- الأستاذ "طارق عبد العزيز" مدير شركة دييبس
قالت "مريم" بخفوت :
- أهلا وسهلاً
نظر اليها الرجل قائلاً :
- اهلا بيكي
أشار "عماد" لـ "مريم" قائلاً :
- اتفضلى اعدى يا "مريم"
جلست "مريم" فى المقعد المواجه لـ "طارق" .. الذى نظر اليها قائلاً :
- أولاً أنا آسف على التعديلات الكتير اللى طلبتها .. لان من البداية دى غلطتى انى موضحتش اللى عايزه الظبط .. وعشان كده جيت بنفسي بدل مدير التسويق لانى خفت ميقدرش يشرح اللى أنا عايزه بالظبط
قالت "مريم" بهدوء :
- مفيش مشكلة حضرتك
ثم أعطته الملف قائله :
- اتفضل حضرتك دى كل التصميمات الخاصة بالحملة عرفنى التعديلات تحديداً وأنا هنفذها فوراً
دخلت فى تلك اللحظة "صفاء" قائله :
- أستاذ "عماد" .. فى عميل عايز يقابل حضرتك ضرورى
نظر "عماد" الى "مريم" قائلاً :
- "مريم" خدى أستاذ "طارق" وناقشوا التعديلات فى مكتبك
أومأت "مريم" برأسها وقالت لـ "طارق" :
- اتفضل معايا حضرتك
سار "طارق" خلفها .. ودخلا مكتبها .. رفعت الفتاتان رأسيهما لتنظران الى الرجل القادم .. جلس فى مواجهتها وقدمت له شئ يشربه وبدأ فى توضيح التعديلات التى يريدها .. ثم قال :
- أنا آسف مرة تانية لو التعديلات كتير
قالت "مريم" بهدوء وهى تتفحص ما كتبت :
- مفيش مشكلة .. بس الموضوع هياخد وقت .. يعني ممكن اسبوع من دلوقتى .. لان عندى شغل تانى بخلصه
قال "طارق" مبتسماً :
- مفيش مشكلة هستنى كفاية انى تعبتك وعطلتك معايا
نظرت اليه وقالت بجديه :
- ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات قبل ما نبعتها المطبعة
تمعن فيها "طارق" قائلاً :
- واضح انك مضايقه منى أوى
قالت مندهشة :
- لأ أبداً
قال معتذراً :
- أنا بجد آسف انى تعبتك
قالت بجديه :
- مفيش مشكلة
قام ليغادر فوقع نظرة على "مى" فقال وكأنه يحاول أن يتذكر شيئاً :
- احنا اتقابلنا قبل كده ؟
قالت بإرتباك :
- أيوة أنا كنت نفذت لحضرتك حملة اعلانية من فترة طويلة
قال وكأنه تذكر :
- أيوة تمام افتكرتك
ضحك وهو ينظر الى الفتاتان قائلاً :
- ووقتها تعبتك معايا برده .. اظاهر انى طلعت عينكوا انتوا الاتنين
ابتسمت "مى" قائله :
- لا مفيش مشكلة .. احنا معرضين فى شغلنا للتعديلات اللى العميل بيطلبها بعد ما بيشوف التصميم
ابتسم قائلاً :
- شكرا لذوقكم .. مع السلامة
ردت "مى" :
- مع السلامة
بمجرد أن انصرف قالت "سهى " :
- يا ربي على الذوق والأدب والشياكة .. هو النوع ده تفصيل ولا جاهز .. ومنشأه ايه بالظبط .. ده يتاكل أكل .. يا بختك يا "مريم"
نظرت اليها "مى " وهى تنفخ بحدة ثم عادت لتكمل عملها دون أن تلتفت اليها .. وفعلت "مريم" مثلها بعدما رمتها بنظرة صارمة
خرجت "مريم" من الشركة بعد انتهاء عملها .. لفت نظرها "خالد" الذى أوقف سيارته أمام العمارة فأكملت طريقها .. لكنه انتبه اليها فأوقفها قائلاً :
- آنسة "مريم" لو سمحتى
التفت اليه بضسق وهى تنظر للمارة حولها .. اقترب منها قائلاً :
- ازيك أخبارك ايه .. وأخبار حملتنا ايه
قالت بضيق :
- تمام الحمد لله .. وزى ما قولت لحضرتك ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات فى المعاد اللى اتفقنا عليه .. بعد اذنك
همت بالمغادرة لكنه اعترض طريقها قائلاً :
- أنا كنت جاى عشان شوية اضافات محتاج أضيفها فى الأعداد وحجم يفط الأوت دور .. بس طالما انتى هنا خلاص
أشار الى سيارته قائلاً :
- تعالى نروح أى مكان نتكلم فيه سوا وأوصلك فى طريقى
نظرت اليه بحده قائله :
- آسفه مبركبش عربية حد .. بعد اذنك
همت بالمغادرة لكنه أمسك ذراعها يوقفها قائلاً:
- حيلك حيلك انتى بتتكملى معايا كده ليه
جذبت ذراعها من يده بعنف قائله بغضب :
- انت ازاى تسمح لنفسك تمسكنى كده .. ملكش عندى غير شغل وبس وأنا دلوقتي مش فى ساعات العمل بتاعتى
نظر اليها بسخرية من رأسها الى أخمص قدمها قائلاً :
- فى ايه .. اوعى تكونى شايفه نفسك حاجه .. أنا كل اللى قصدته انى اتكلم فى الشغل .. دماغك راحت فين هو انتى مبتشوفيش نفسك فى المرايه ولا ايه .. فكرانى هبص لواحده لوكل زيك
احمر وجهها من الغضب والتفتت تنصرف بدون أن ترد عليه .. كانت تشعر بالحنق والضيق لتلك الإهانة التى تعرضت لها .. ركبت فى المترو وهى تقاوم انهمار دموعها بصعوبة .. لكنها تركت لعبراتها العنان بعدما عادت الى بيتها .. وعزمت على اخبار "عماد" فى الصباح بقرارها بعدم رغبتها فى العمل على الحملة الدعائية لشركة "خالد"
*************************
يتبع
كان المخزن يعج برجال الشرطة الذين بدأوا فى التحقيق .. قال "عبد الرحمن" باكياً :
- كبدى عليك يا ولدى .. روحت منى يا ولدى
ثم التفت الى أحد رجال الشرطة قائلاً بألم :
- مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى له صالح يجتل ولدى .. "ياسين" كان خيرة الرجال .. عمره ما ضايج حد وعمره ما ظلم حد .. ليه يجتلوا ولدى ليه
اقترب منه "عثمان" وربت على كتفه قائلاً بصرامة :
- متجلجش يابوى .. هنجيب اللى عمل اكده فى اخوى ونخليه عبره للبلد كلياتها
قال الضابط بحزم :
- ده شغل الشرطة يا "عثمان" متدخلش نفسك فى المشاكل .. احنا هنعرف نوصل للجاتل وياخد عقابه
نظر "عثمان" الى الضابط ساخراً وقال بمرارة :
- أما نشوف يا حضرة الظابط .. أما نشوف .. بس اذا معرفتوش توصلوا للى جتل اخوى أنا هوصله وهجتله بيدي التنين دول
قال الضابط بحزم :
- "عثمان" مفيش داعى للكلام ده دلوجيت .. متحطش البنزين على النار وهى جايده
نظر "عثمان" بأسى لجثة أخيه الراقد على أرض المخزن واقترب منه قائلاً ثم جثا علي ركبتيه وقال بصرامة :
- متخفش يا ولد أبوى .. آنى لا هسكت ولا هيرتاحلى بال إلا لما أجيبلك حجك من اللى عمل فيك اكده .. حتى لو كان آخر يوم بعمرى .. نام فى جبرك واطمن .. أخوك راح ياخد بتارك من اللى جتلك .. ومش هيكفيني فيه حبل المشنجة .. لازمن أجتله بيدي .. اطمن يا ولد أبوى
فى بيت عائلة "السمري" تعالى صوت المذياع على محطة القرآن الكريم .. وعج البيت بالنساء اللاتى ارتدين السواد وأخذن فى النواح .. أخذت والده "ياسين" تلطم وجهها وتنوح قائله :
- جتلوك يا ولدى .. جتلوك وانت بعز شبابك .. ولدى راح منى يا ناس .. ولدى .. خدوك منى ليه يا ولدى
أخذت "صباح" أخته هى الأخرى تبكى وتنوح هى الآخرى قائله :
- اخوه .. جتلوك ياخوى
فجأة دخل "عبد الرحمن" وصاح بغضب بالغ فى النساء :
- يمين بالله أى حرمة هسمعها بتصوت ولا بتنوح لأكون جتلها بيدي دول .. مش عايز جنس حرمة تفتح خشمها وتصوت على ولدى اللى بيتعذب دلوجيت من نواحكوا ده
شعرت النساء بالخوف الشديد وكتمت والده "ياسين" فمها بيادها .. فقال "عبد الرحمن" بغضب واحتقار وهو يغادر :
- جبر أما يلمكم كلياتكم .. حريم ناجصه عجل بصحيح
*****************************
فى صباح اليوم التالى اجتمعت العائله على مائدة الطعام .. ترأس "مراد" رأس الطاولة .. ووالدته على المقعد المقابل .. وعلى يمينه أخته "نرمين" .. وعلى يساره أخته "سارة" .. قالت "سارة بمرح :
- بقولك ايه يا أبيه متفكك من الشغل النهاردة وتعالى خرجنا .. نخرج كلنا ونروح لأى مكان مع بعض
قال "مراد" وهو منهمك فى قراءة أخبار البورصة فى الجريده الصباحية :
- مشغول يا "سارة" مش هينفع
قالت "نرمين" بتأفف :
- كل يوم مشغول يا أبيه والمصيبة انك مش بتسمحلنا أصلاً نخرج من غيرك .. طيب نعمل ايه يعني زهقنا من الحبسة دى
نظر اليها "مراد" قائلاً :
- ان شاء الله نخرج فى الويك اند مع بعض
قالت "نرمين" بتحدى :
- كل مرة تقولنا كده وتيجي فى الويك اند تقول مشغول
قالت "ناهد" بنبرة محذرة :
- "نرمين" عيب تتكلمى مع أخوكى الكبير كده
التفتت "نرمين" الى أمها قائله :
- يا ماما مش قصدى بس زهقت من الأعده فى البيت ولسه شهر بحاله على الجامعه .. مش معقول هقضى الشهر ده محبوسه
قالت "سارة" مبتسمه :
- طيب أنا بأه أعمل ايه اللى خلصت كليتى خلاص يعني محبوسه محبوسه
نظر اليهما "مرد" وتنهد قائلاً :
- خلاص هحاول بجد أفضى نفسي وأخرجكوا .. بس مش عايز زن
قالت "ساره" مبتسمه :
- أنا عن نفسي مبحبش الزن .. قول لـ "نرمين" الكلام ده
التفتت اليه "نرمين" قائله برجاء :
- خلاص مش هزن بس حضرتك يا ابيه التزم بكلامك المره دى
قال "مراد" بصرامة :
- "نرمين" اتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كده
قالت "نرمين"بخفوت :
- أنا آسفه يا أبيه مش قصدى
نظر اليها وقال بجديه :
- يلا افطروا
شرعت الفتاتان فى تناول طعامهما فى صمت
************************
دخلت "مريم" مكتبها وألقت السلام على "مي" :
- السلام عليكم .. ازيك يا "مى"
- وعليكم السلام يا "مريم"
جلست "مريم" وشرعت فى فتح حاسوبها .. اقتربت منها "مي" قائله :
- خلصتى تصميمات شركة دييبس ولا لسه
- أيوة هفنشها بس وأرفعها على الميل وأبعتها لصاحب الشركة
- ممممممم كويس
التفتت "مى" لتعود الى مكتبها .. لكن "مريم" أوقفتها قائله :
- "مى" عايزة أطلب منك خدمه
التفتت "مى" قائله :
- خير أأمرى
صمتت "مريم" قليلاً ثم قالت :
- بصى .. عايزاكى تيجي معايا النهاردة مشوار مهم
قالت "مي" بإستغراب :
- مشوار ايه
بدا على "مريم" التردد .. ثم عزمت أمرها قائله :
- هنركب مركب ونتفسح فى النيل
ضحكت "مى" وقالت :
- انتى حلمتى بمركب ولا .. اشمعنى يعني ايه اللى طلعها فى دماغك
ظهت سحابة حزن فى عينيها البنيتين .. وتبللت عينيها قليلاً وقالت بتأثر :
- "ماجد" طلب منى كده
اختفت ابتسامه "مى" ونظرت الى "مريم" فى أسى .. فحاولت "مريم" التماسك وقالت :
- ها هتيجي معايا ؟
قالت "مي" بإستسلام :
- ماشى هاجى معاكى
قالت "مريم" وهى تعاود الإلتفات الى حاسوبها :
- تمام .. نروح بعد الشغل ان شاء الله
أومأت "مى" برأسها وعادت الى مكتبها وهى ترمق "مريم" بنظرات مشفقه
****************************
اجتمع رجال القبيلة لتقديم العزاء فى "ياسين" .. توجه "سباعى" الى "عبد الرحمن" وسلم عليه قائلاً:
- شد حيلك يا "عبد الرحمن" .. والبقاء لله
قال "عبد الرحمن" فى خفوت :
- البقاء لله وحده .. ربنا أعطى ودلوجيت بياخد عطيته
ربت "سباعى" على كتفه قائلاً :
- متجلجش ان شاء الله هنعرف مين اللى جتله .. والشرطة مش ساكته .. وان شاء الله جريب هتبرد نارك على ابنك لما يتمسك التيييييييت اللى عمل اكده
قال "عبد الرحمن" بأسى :
- على الله يا "سباعى" .. على الله .. هو اللى جادر يكشف الظالم اللى جتل ابنى وحرج جلبي عليه .. انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها
بعدما انصرف الرجال اجتمع كبراء عائلة "السمرى" معاً .. قال أحد الرجال فى غضب :
- مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى يجدر يجف أدام عيلة "السمري" ويعاديها
قال آخر :
- مفيش الا عيلة "الهواري" أكيد حدا منهم هو اللى عيملها
أكد آخر :
- اييوة مفيش الا عيلة "الهواري" .. جلبهم اتحرج اكمننا كسبنا المناجصة .. وهناكلهم فى السوج .. عشان اكده بعتوا حدا من حداهم يحرج المخزن ويجتل "ياسين" ولد عمى
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- مش هنتهم الناس من غير دليل .. طول عمر العيلتين واجفة جمب بعضيها .. وبينا مصالح اكتير .. مش هنظلم حدا منهم طالما مفيش دليل .. ان بعض الظن اثم .. ومش عايز كلام فى الموضوع ده كتير .. ولسانكم يرطرط فيه .. لان لو الكلام وصل لعيلة "الهوارى" أكيد النفوس هتشيل
ثم قال بحزم أكبر وهو يمعن التفكير :
- ربنا جادر يكشف المستور .. وينتجم من الظالم
************************
جلس "سباعى" مع ابنه "جمال" وبعض رجال العائله .. وقال فى أسى :
- ضاع الراجل فطيس .. لا حول ولا قوة الا بالله
قال أحد الرجال :
- هتجنن مين اللى يعمل حاجه بشعة زى اكده ويجتل "ياسين" المسكين .. كان راجل طيب والله
قال آخر :
- الله يرحمه .. فعلاً كان راجل طيب
قال "سباعى" :
- اللى عمل اكده حدا من الجبيلة
قال أحد الرجال بدهشة :
- ايه اللى خلاك تجول اكده يا حاج
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- لان لو كان حدا غريب كان زمان حدا شافه واتعرف عليه وسطينا .. لكنه واحد من الجبيلة وعرف يندس وسطينا لما الناس اتلمت والشرطة اجت
قال "جمال" بحده :
- يمكن استخبى منينا يابوى .. ومشى من البلد من غير ما حدا يشوفه
قال "سباعى" فى حيرة :
- الله أعلم يا ولدى .. بس أكيد الشرطة هتعرفه وتمسكه
ثم قال بغضب :
- لازمن يتجتل فى ميدان عام على عملته دى .. بجلنا سنين طويلة ما حدا احدانا فى الجبيلة مات بطلجة رصاص .. ودلوجيت هنرجع لمرار الجتل والتار عاد .. ربنا ينتجم منييه
ثم قال بقلق :
- ياخوفى يتهموها فينا ولاد "السمري"
قال "جمال" بحده :
- وليه جولت اكده يابوى .. واحنا ايه دخلنا فى جتل ابنهم
- يخوفى يا "جمال" الشيطان يوزهم بسبب موضوع المناجصة ويفتكروا اننا عملنا اكده عشان خسرنا .. خصوصى اللى عمل اكده كان جاصد يحرج المخزن .. لولا "ياسين" اللى راح وكشفه ولد التييييييييت ده
قال أحد الرجال يطمئنه :
- لا اطمن يا حاج .. الحاج "عبد الرحمن" عاجل ودماغه توزن بلد .. مستحيل يسيب الشيطان يلعب فى دماغ حدا من عيلته .. خصوصى ان مفيش دليل ضدينا
تنهد "عبد الرحمن" قائلاً :
- على الله يا ولدى .. على الله
**************************
هتفت "مريم" بحنق :
- ده بيستهبل ده ولا ايه بالظبط
نظرت اليها "مى" قائله :
- خير فى ايه
قالت "مريم" بعصبيه :
- صاحب شركة دييبس بعتله التصميمات على الميل .. رد عليا وطالب ليستت تعديلات هتاخد منى على الأقل اسبوع .. والمفروض أبدأ من دلوقتى فى حملة شركة المقاولات
قالت "مى" مبتسمة :
- قولتلك انه متعب
قالت "مريم" بضيق :
- أوف .. كان لازم أعد معاه من الأول ويقولى على اللى عايزه .. بدل ما يسيبنى أشتغل وبعدين ييجي يعدل كل التصميمات ويحط التاتش بتاعه .. ما كان من الأول
قالت "مى" مقترحه :
- خلاص روحيله الشركة بدل ما تتعبى فيهم تانى والآخر برده يعدل
قالت "مى" بحزم وهى تنهض :
- انا هعمل كده فعلاً .. هروح أقول لأستاذ "عماد" على اللى حصل .. وهطلب اذن عشان أروح أشوف أخرتها مع الراجل ده
طبعت "مريم" صور التصميمات على الطابعة ووضعتهم فى أحد الملفات وتوجهت الى مكتب "عماد" الذى نظر الى تصميماتها ثم قال :
- تصميمات ممتازة يا "مريم"
قالت بضيق :
- بس معجبتش صاحب الشركة وطالب تعديلات هتاخد منى وقت كبير
- كان لازم من الأول تعدوا مع بعض ويقولك على اللى عايزه بدقه عشان ميضيعش وقتك ومجهودك على الفاضى
- وعشان كده يا فندم بطلب من حضرتك اذن انى أمشى دلوقتى عشان أروحله الشركه
رفع "عماد" مساعة الهاتف قائلاً :
- لأ خليكي يا "مريم" أنا هتكلم معاه وأخليه يبعتلنا حد من عنده يقولنا على الطلبات بالظبط ويكون الكلام أدامى عشان ميرجعش ويطلب تعديلات تانى
ذهبت "مريم" الى مكتبها دقائق وكلمتها "صفاء" سكرتيرة "عماد" قائله :
- أستاذ "عماد" بيقولك مدير تسويق شركة دييبس هييجى بكرة يتفق معاكى على التصميمات يا "مريم"
- خلاص ماشى فى انتظاره
*********************
التف الرجال الأربعه حول طاولة الإجتماعات لمناقشة مشروعهم الجديد .. قال "طارق" :
- بصوا يا جماعة .. زى ما اتفقنا عايزين نهتم بنقطتين .. الأولى ان السعر يكون مناسب للطبقه المتوسطة .. وتانى نقطة نهتم برده بالجودة .. يعني مش عشان نقلل فى السعر نقوم ننزل بمستوى الجودة بدرجة كبيرة .. يعني عايزين توازن ونجمع بين الجودة والسعر وبكده هنتميز عن غيرنا فى السوق
وافقه "مراد" على كلامه قائلاً :
- بالظبط كده يا "طارق" .. هى دى المعادلة اللى لو حققناها هنهزم كل منافسينا فى السوق .. لان كل المصانع والشركات المنافسه اما بيهتموا بالجودة على حساب السعر أو بالسعر على حساب الجودة .. لكن احنا ان شاء الله هنقدر نحقق المعادلة الصعبة دى ونهتم بالسعر والجودة مع بعض
قال "حامد" بإستخفاف :
- طيب بدل تعب القلب ده ليه منحددش الطبقة الراقية كفئة نوجه انتاجنا ليهم
قال "مراد" شارحاً :
- لان أغلب المصانع الكبيرة والماركات العالمية وأغلب المستوردين بيهتموا بالطبقة دى .. يبقى ايه الجديد اللى احنا هنقدمه لو عملنا زيهم ؟ .. الفكرة هى اننا نعمل اسم وماركة بس تكون فى مستوى العامل والموظف والطبقة العاملة دى .. وفى نفس الوقت جودة معقولة وتصميم راقى
هز "سامر" رأسه قائلاً :
- كلامك صح يا "مراد" .. احنا عايزين يبقى لنا اسم فى السوق ونتجاوز كل النافسين فى فترة صغيرة وده مش هيتحقق الا لو تميزنا عنهم
قال "حامد" مبتسماً :
- ماشى يا شباب وأنا معاكوا ان شاء الله .. امتى بأه هتبدأ ساعة الصفر
قال "طارق" :
- لما ننتهى من أول خط انتاج ونتأكد اننا وصلنا للمواصفات المطلوبة للمنتج ساعتها هنبدأ الحملة الدعائية على طول
*************************
توجهت "مريم" مع "مى" الى المصعد لمغادرة الشركة فأوقفها "أشرف" قائلاً :
- آنسه "مريم" لو سمحتى
التفتت "مريم" اليه وهى تشعر بالضيق .. وقف أمامها قائلاً :
- سمعت ان شركة دييبس تاعبينك فى شغلهم
قالت "مريم" بهدوء :
- لأ مفيش مشاكل .. شوية تعديلات بسيطة
قال وهو ينظر اليها :
- يعني لو تحبي أساعدك فيها .. مفيش عندى مشكلة أنا فاضى حالياً
قالت "مريم" بجديه :
- شكراً يا أستاذ "أشرف .. زى ما قولت التعديلات بسيطة .. بعد اذنك
خرجت مع "مى" من العمارة وركبا المترو .. قالت لها "مي" الجالسه بجوارها :
- ليس دايماً بتقطمى معاه الراجل حابب يساعدك
قالت "مريم" بحده :
- وأنا مش محتاجة مساعدة .. دى مش أول مرة عميل يطلب تعديلات على الشغل
- "مريم" واضح ان الراجل مهتم بيكي
نظرت اليها "مريم" وقالت بعصبية :
- قصدك ايه بمهتم بيا
قالت "مى" بنبرة ذات معنى :
- مهتم بيكي يا "مريم" أشرحهالك ازاى يعنى .. وبعدين "أشرف" انسان محترم وكويس وابن حلال و ........
قاطعتها "مريم" بحده :
- "مى" لو سمحتى اسكتى .. مش حبه أبداً أتكلم فى الموضوع ده
نظرت اليها "مى" بأسى قائله :
- لحد امتى ؟ .. لحد امتى يا "مريم"
لم تجيبها "مريم" بل التفتت لتنظر من الشباك فى صمت
***************************
دخل "طارق" الى مكتب "مراد" المنهمك فى عمله قائلاً :
- ها يا "مراد" مش هتمشى ؟
قال "مراد" دون أن يرفع نظرة من الورق الذى أمامه :
- لأ .. لسه عندى شغل
- طيب خد بريك طيب
- الشغل كتير يا "طارق"
- طيب خلاص براحتك أنا ماشى
- ماشى سلام
- سلام أشوفك بكرة
خرج "طارق" وترك "مراد" المنهمك فى عمله .. بعد لحظات دخلت السكرتيرة وقالت :
- أستاذ "مراد" لو سمحت عايزه أمشى بدرى النهاردة
رفع نظرها اليه قائلاً بحده :
- ليه ؟
قالت بتردد :
- يعني عندى حاجه مهمة
- ايه هى الحاجه المهمة اللى أهم من شغلك
صمتت قليلاً ثم قالت :
- بصراحة عيد ميلادى النهاردة وخارجه مع صحابي عايزين يحتفلوا بيا .. وأنا اصلا خلصت كل الشغل اللى ورايا
صاح بها غاضباً :
- امشى يا آنسه على مكتبك بلاش دلع
بُهتت الفتاة وقالت بإضطراب :
- أنا مش قصدى يا أستاذ "مراد" .. أنا بس ....
قاطعها قائلاً بصرامة :
- هنفضل فى تضييع الوقت ده كتير .. اتفضلى على مكتبك .. لما ييجى معاد الإنصراف ابقى اخرجى اعملى اللى انتى عايزاه
أومأت الفتاة برأسها وخرجت .. جلست على مكتبها فى عصبية قائله بغضب :
- راجل قليل الذوق.
***********************
داعبت "مريم" الماء حول المركب بيدها وهى تبتسم فى حبور .. أخذت تجمع الماء بيدها ثم تتركه ليتسلل من بين أصابعها .. راقبتها "مي" فى صمت .. وفى عيناها نظرة أسى .. اختفت ابتسامة "مريم" لتحل محلها عبرة فلتت من عينينها فأسرعت بمسحها بأصابعها .. اقتربت منها "مى" وجلست بجوارها قائله :
- تحبي نمشى
قالت "مريم" متصنعة المرح :
- لأ خلينا شوية كمان .. انتى زهقتى منى ولا ايه
- لأ طبعا .. بس حساكى مضايقه
قالت "مريم" وهى تحاول الابتسام :
- لأ بالعكس أنا مبسوطة .. أنا بحب أوى ركوب المركب فى النيل .. بفرح أوى .. لأن بابا كان بياخدنى أنا وماما وأختى ويفسحنا فى المركب .. وكنت ببقى فرحانه أوى
اغرورقت عيناها بالدموع رغماً عنها وشعرت بغصة فى حلقها وقالت بصوت مرتجف :
- و "ماجد" عارف كده.
عادت "مريم" من عملها .. توجهت الى المطبخ وأخرجت من الثلاجة جبنة وخبز وشرعت فى عمل سندوتش وتناوله .. ثم توجهت الى غرفتها لتغير ملابسها .. فتحت الدولاب الذى كان مقسم من الداخل لنصفين قسم يحوى ملابسها وقسم آخر يحوى ملابس أصغر سناً توقفت أما الملابس الصغيرة جذبت احداها وظلت تتحسسها فى ألم وكأنها تشتاق الى صاحبتها .. تنهدت وانتهت من تغير ملابسها ثم جلست على فراشها صامته لا تفعل شيئاً سوى النظر الى فراغ الغرفة .. ظلت قرابة النصف ساعة جالسة دون حراك .. ثم نهضت وتوضأت وصلت وفتحت التلفاز لا لتشاهد ما به .. بل لتسمع صوتاً .. أى صوت .. يخترق هذا الصمت القاتل الذى تعيش فيه .. وأخيراً استسلمت للنعاس امام التلفاز وهى تحضن مخدتها وتسند رأسها اليها
فى الصباح توجهت الى عملها عن طريق المترو مثلما تفعل كل صباح .. قالت لها "مى" وهى تتمعن فيها :
- نمتى امبارح كويس ؟
قالت "مريم" وهى تبدأ فى تشغيل حاسوبها :
- أيوة الحمد لله
قالت "مى" بحده :
- يبأه رجعتى تانى متكليش كويس .. شوفى وشك فى المراية بأه عامل ازاى يا "مريم"
قالت "مريم" مدافعه عن نفسها :
- والله باكل يا "مى" .. هعيش من غير أكل يعني
- طيب بصى شوفى فى المرايه وشك أصفر ازاى
قالت "مريم" بحنق :
- خلقة ربنا أعمل ايه يعني
هتفت "مى" :
- لا مش خلقة ربنا يا "مريم" .. حرام عليكي اللى بتعمليه فى نفسك ده يا بنتى انتى لسه صغيره مكملتيش 30 سنة
قالت "مريم" بحنق :
- لأ كملتهم من شهرين
قالت "مي" بعناد :
- برده صغيره .. بس اللى يشوفك يقول دى واحدة عندها 60 سنة مش 30 سنة
قالت "مريم" بنفاذ صبر :
- "مى" شوفى شغلك وفكك منى .. انا عندى شغل كتير
قالت "مى" بغيظ :
- ماشى يا ست "مريم" أما نشوف أخرتها معاكى
ثم استطردت قائله :
- واعملى حسابك ان ماما عزماكى على الغدا عندنا بكرة
قالت "مريم" بحرج :
- اشكرى طنط كتير بس مش هقدر اجى
هتفت "مى" :
- ليه سياتك مش هتقدرى تيجي .. وراكى ايه .. انتى من البيت للشغل ومن الشغل للبيت
نظرت اليها "مريم" بلوم قائله :
- انتى اللى قولتيلها تعزمنى
هتفت "مي" بغيظ :
- يا ست انتى الست عايزة تشوفك وتعزمك على الغدا انتى مكلكعة الدنيا ليه
قالت "مريم" مبتسمه :
- خلاص ماشى هاجى ان شاء الله
ابتسمت "مى" :
- أيوة كده فكيها ربنا يفكها فى وشك ووشى يارب
- آمين
ماهى الا دقائق حتى دخلت "سهى" التى قالت :
- صباح الخير
قالت "مريم" :
- صباح النور
قالت "مى" بإستغراب :
- مش عادتك يعني تقولى صباح الخير وانتى داخله .. أخيراً خدتى بالك ان فى بشر معاكى فى نفس المكتب
قالت "سهى" مبتسمه :
- مفيش أصلى مبسوطة شوية
قالت "مريم" :
- ربنا يسعدك دايماً
تنهدت "سهى" قائله :
- يارب وينويلى اللى فى بالى
ردن هاتف "سهى" فإتسعت ابتسامتها وقفزت من المكتب قائله :
- استنا خليك معايا هطلع أكلمك من بره المكتب
وغادرت الغرفة لتتحدث بالخارج .. تابعتها "مى" بعينيها ثم قالت ل "مريم" :
- شايفه .. اهى رجعت للتليفونات تانى .. شكلها علقت مع حد جديد
قالت "مريم" دون أن ترفع نظرها عن حاسوبها :
- يمكن بتكلم حد من أهلها أو واحدة صحبتها
هتفت "مى" :
- والله .. وبتتكلم بره المكتب ليه .. وعماله تتسهوك وترقق فى صوتها .. ومسمعتيهاش وهى بتقوله استنا خليك معايا
نظرت اليها "مريم" بحزم قائله :
- ملناش دعوة يا "مى".. وعلى فكرة اللى انتى بتقوليه ده بدايه الطريق للقذف
ارتبكت "مى" وشعرت بالخوف من وقع الكلمة وقالت :
- أنا مش قصدى يا "مريم"
قالت "مريم" بحزم :
- قصدك ولا مش قصدك .. اللى انتى بتقوليه فيه شبهة قذف محصنات وانتى واحدة عارفه ربنا .. عارفه عقاب قذف المحصنات ايه
ثم قالت :
- ربنا بيقول فى سورة النور
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
قالت "مى" وقد شعرت بالندم :
- أستغفر الله العظيم .. الواحد مش ناقص ذنوب .. خلاص معدتش هجيب سيرتها تانى .. هى حره تعمل اللى هى عايزاه
قالت "مريم" بهدوء :
- أيوة كده .. بلاش نتكلم على أى بنت وحش عشان ربنا مش يبتلينا بواحده تتكلم عننا وحش .. لان كله سلف ودين
- ماشى يا "مريم" خلاص مش هتكلم عنها تانى
ابتسمت "مريم" قائله :
- اوعى تكونى زعلتى منى أنا بنصحك عشان بحبك
ابتسمت "مى" قائله :
- عارفه .. ولو معملتيش كده تبقى مش بتحبينى
عادت الفتاتان الى عملهما .. دخلت "سهى" بعد فترة .. لم تلتفت اليها الفتاتان .. وبدأت هى الأخرى فى أداء عملها
استيقظ "مراد" من نومه .. وارتدى ملابسه وثبت الساق الصناعية فى قدمه اليمنى ثم خرج من غرفته وتوجه الى غرفة عمته .. طرق الباب فأذنت له بالدخول
فتح الباب .. كانت جالسه فى الفراش ومتدثرة بغطائها .. وتمسك أحد الكتب فى يدها ونظارة كبيرة على عينيها .. امرأة فى العقد السادس من العمر .. ورغم كبر سنها الا أن ملامحها وبنيتها تتميز بالقوة والصلابة .. لها نظرات حادة قوية .. تشعر بأنها تسبر أغوارك .. اقترب منها قائلاً :
- صباح الخير يا عمتو
رسمت ابتسامه خفيفة على شفتيها وقالت :
- صباح الخير يا ولدى
ابتسم قائلاً :
- أخبار صحتك ايه النهاردة .. أمى قالتلى ان حضرتك تعبتى امبارح .. جيت عشان أشوفك بس كنتى نايمة محبتش أزعجك
قالت عمته "بهيرة" :
- ربنا يبارك فيك يا ولدى .. ويعينك وينورلك طريجك .. آني منيحه الحمدلله والشكر ليه
جلس بجوارها قائلاً :
- خدى بالك من صحتك يا عمتو ولو اتجتى أى حاجة عرفيني
ربتت على كتفه قائله :
- تسلم يا ولد أخوى .. انت مش مخليني محتاجه لحاجه واصل .. ربنا يديك على أد نيتك .. ويبارك فيك وفى اخواتك البنات
- مش هتنزلى تفطرى معانا
- لا سبجتك يا ولدى .. انزل انت افطر وشوف مصالحك .. الله يعينك ويوفجك
نزل "مراد" وترأس مائدة الطعام كالمعتاد
قالت "نرمين" بتحدى :
- ها يا أبيه هتخرجنا بكرة ولا لأ
نظر اليها "مراد" قائلاً بإتستلام :
- حاضر يا "نرمين" هخرجكوا ان شاء الله
تنفست الصعداء قائله :
- أخيرا هنخرج
نظر اليها "مراد" بإستغراب قائلاً :
- اللى يسمع كده يقول محبوسة فى البيت .. عندك جنبنة طويلة عريضة بره اتمشى فيها براحتك .. وعندك العربية والسواق اطلعى انتى و "سارة" واتمشوا بيها
قالت "نرمين" بدهشة :
- وهى دى اسمها فسحة يا أبيه .. أنا عايزة أروح مولات .. أعمل شوبينج .. نسافر مكان .. شرم .. اسكندرية .. مطروح .. أى مكان تغيير يعني
قال "مراد" وهى يتفحص جريدته :
- لما افضى ان شاء الله هنسافر سوا
قالت "نرمين" برجاء :
- طيب وليه منروحش انا و "سارة" لوحدنا شرم مثلا .. والسواق هيكون معانا .. يوصلنا ويجبنا فى نفس اليوم
نظر اليها "مراد" بحدة قائلاً :
- فى بنت محترمة تسافر لوحدها من غير أهلها
قالت مرتبكة :
- احنا مش هنبات .. يوم بس ونرجع
قال بغضب :
- وافرضى حد ضايقك انتى ولا أختك هتتصرفوا ازاى .. افرضى حصلكوا حاجه .. لازم يبقى فى راجل معاكوا .. مينفعش بنتين يسافروا لوحدهم .. انتوا ما بتقروش جرايد وتسمعوا عن الحوادث اللى بتحصل والبلطجية اللى ملوا البلد
قالت "سارة" لتلطف الجو :
- معاك حق يا أبيه .. هى بس "نرمين" من زهقها بتقول كده .. بس هى أكيد عارفه ان مينفعش نسافر من غيرك
قالت الأم وهى تنظر اليهم :
- هو مينفعش فى يوم نفطر بدون نقاش وكلام كتير .. يلا افطروا وسيبوا أخوكوا يفطر عشان هو مشغول مش فاضى زيكوا
نظرت "ناهد" الى مراد قائله :
- شوفت عمتك يا "مراد"
رفع نظره من الجريدة وقال :
- أيوة يا أمى عديت عليها قبل ما أنزل .. واطمنت عليها
- ماشى يا حبيبى
******************************
جلس "عبد الرحمن" على سريره ساهماً لا يشتهى حتى تناول الطعام .. اقتربت منه زوجته وجلست بجواره قائله بصوت باكى :
- جلبي حارجنى جوى على ولدى يا حاج
تنهد قائلاً :
- ربنا يرحمه ويغفرله ويرزجه الجنه .. يارب
قالت زوجته ودموعها تنهمر :
- كان أحن واحد فى اخواته ..فجدت الكبير بدرى بدرى .. ودلوجيت فجت "ياسين" .. يا كبدى عليكوا يا ولادى التنين
قال "عبد الرحمن" بحده :
- ادعيلهم ان ربنا يرحمهم بدل النواح ده يا وليه
قالت زوجته بحزم :
- آنى مش ههدى ولا يرتاحلى بال إلا لما أشوف اللى جتل ولدى وهما بيعدموه وبيشنجوه .. اللهى ربنا ينتجم منه
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- ان شاء الله هيمسكوه ويتعاقب على عيملته
ثم قال بحيره :
- بس أموت وأعرف هو مين .. آنى واثج انه حدا من الجبيلة .. بس مين العلم عند الله
تنهد وقال :
- ربنا جادر يكشف المستور .. انا وكلته وهو حسبي
****************************
دخلت "صفاء" سكرتيرة "عماد" الى مكتب "مريم" قائله :
- "مريم" .. أستاذ "عماد" عايزك فى مكتبه
نظرت اليها قائله :
- هو وصل ؟
- تقصدى صاحب شركة دييبس .. أيوة وصل
قالت "مريم" بإستغراب :
- مش قولتيلى امبارح ان اللى هييجى مدير التسويق
هزت "صفاء" كتفيها قائله :
- أستاذ "عماد" قالى كده امبارح .. بس الراجل اللى جه عرف نفسه على انه صاحب الشركة
قامت "مريم" وحملت الملف الذى يضم تصميماتها الخاصة بحملة الشركة وتوجهت الى مكتب "عماد"
قال لها "عماد" :
- تعالى يا "مريم" اتفضلى
ألقت "مريم" نظرة على الرجل الجالس فقدمها "عماد" للرجال قائلاً :
- الآنسه "مريم" الديزاينر المسؤلة عن حملة شركة حضرتك
ثم نظر الى "مريم" قائلاً :
- الأستاذ "طارق عبد العزيز" مدير شركة دييبس
قالت "مريم" بخفوت :
- أهلا وسهلاً
نظر اليها الرجل قائلاً :
- اهلا بيكي
أشار "عماد" لـ "مريم" قائلاً :
- اتفضلى اعدى يا "مريم"
جلست "مريم" فى المقعد المواجه لـ "طارق" .. الذى نظر اليها قائلاً :
- أولاً أنا آسف على التعديلات الكتير اللى طلبتها .. لان من البداية دى غلطتى انى موضحتش اللى عايزه الظبط .. وعشان كده جيت بنفسي بدل مدير التسويق لانى خفت ميقدرش يشرح اللى أنا عايزه بالظبط
قالت "مريم" بهدوء :
- مفيش مشكلة حضرتك
ثم أعطته الملف قائله :
- اتفضل حضرتك دى كل التصميمات الخاصة بالحملة عرفنى التعديلات تحديداً وأنا هنفذها فوراً
دخلت فى تلك اللحظة "صفاء" قائله :
- أستاذ "عماد" .. فى عميل عايز يقابل حضرتك ضرورى
نظر "عماد" الى "مريم" قائلاً :
- "مريم" خدى أستاذ "طارق" وناقشوا التعديلات فى مكتبك
أومأت "مريم" برأسها وقالت لـ "طارق" :
- اتفضل معايا حضرتك
سار "طارق" خلفها .. ودخلا مكتبها .. رفعت الفتاتان رأسيهما لتنظران الى الرجل القادم .. جلس فى مواجهتها وقدمت له شئ يشربه وبدأ فى توضيح التعديلات التى يريدها .. ثم قال :
- أنا آسف مرة تانية لو التعديلات كتير
قالت "مريم" بهدوء وهى تتفحص ما كتبت :
- مفيش مشكلة .. بس الموضوع هياخد وقت .. يعني ممكن اسبوع من دلوقتى .. لان عندى شغل تانى بخلصه
قال "طارق" مبتسماً :
- مفيش مشكلة هستنى كفاية انى تعبتك وعطلتك معايا
نظرت اليه وقالت بجديه :
- ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات قبل ما نبعتها المطبعة
تمعن فيها "طارق" قائلاً :
- واضح انك مضايقه منى أوى
قالت مندهشة :
- لأ أبداً
قال معتذراً :
- أنا بجد آسف انى تعبتك
قالت بجديه :
- مفيش مشكلة
قام ليغادر فوقع نظرة على "مى" فقال وكأنه يحاول أن يتذكر شيئاً :
- احنا اتقابلنا قبل كده ؟
قالت بإرتباك :
- أيوة أنا كنت نفذت لحضرتك حملة اعلانية من فترة طويلة
قال وكأنه تذكر :
- أيوة تمام افتكرتك
ضحك وهو ينظر الى الفتاتان قائلاً :
- ووقتها تعبتك معايا برده .. اظاهر انى طلعت عينكوا انتوا الاتنين
ابتسمت "مى" قائله :
- لا مفيش مشكلة .. احنا معرضين فى شغلنا للتعديلات اللى العميل بيطلبها بعد ما بيشوف التصميم
ابتسم قائلاً :
- شكرا لذوقكم .. مع السلامة
ردت "مى" :
- مع السلامة
بمجرد أن انصرف قالت "سهى " :
- يا ربي على الذوق والأدب والشياكة .. هو النوع ده تفصيل ولا جاهز .. ومنشأه ايه بالظبط .. ده يتاكل أكل .. يا بختك يا "مريم"
نظرت اليها "مى " وهى تنفخ بحدة ثم عادت لتكمل عملها دون أن تلتفت اليها .. وفعلت "مريم" مثلها بعدما رمتها بنظرة صارمة
خرجت "مريم" من الشركة بعد انتهاء عملها .. لفت نظرها "خالد" الذى أوقف سيارته أمام العمارة فأكملت طريقها .. لكنه انتبه اليها فأوقفها قائلاً :
- آنسة "مريم" لو سمحتى
التفت اليه بضسق وهى تنظر للمارة حولها .. اقترب منها قائلاً :
- ازيك أخبارك ايه .. وأخبار حملتنا ايه
قالت بضيق :
- تمام الحمد لله .. وزى ما قولت لحضرتك ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات فى المعاد اللى اتفقنا عليه .. بعد اذنك
همت بالمغادرة لكنه اعترض طريقها قائلاً :
- أنا كنت جاى عشان شوية اضافات محتاج أضيفها فى الأعداد وحجم يفط الأوت دور .. بس طالما انتى هنا خلاص
أشار الى سيارته قائلاً :
- تعالى نروح أى مكان نتكلم فيه سوا وأوصلك فى طريقى
نظرت اليه بحده قائله :
- آسفه مبركبش عربية حد .. بعد اذنك
همت بالمغادرة لكنه أمسك ذراعها يوقفها قائلاً:
- حيلك حيلك انتى بتتكملى معايا كده ليه
جذبت ذراعها من يده بعنف قائله بغضب :
- انت ازاى تسمح لنفسك تمسكنى كده .. ملكش عندى غير شغل وبس وأنا دلوقتي مش فى ساعات العمل بتاعتى
نظر اليها بسخرية من رأسها الى أخمص قدمها قائلاً :
- فى ايه .. اوعى تكونى شايفه نفسك حاجه .. أنا كل اللى قصدته انى اتكلم فى الشغل .. دماغك راحت فين هو انتى مبتشوفيش نفسك فى المرايه ولا ايه .. فكرانى هبص لواحده لوكل زيك
احمر وجهها من الغضب والتفتت تنصرف بدون أن ترد عليه .. كانت تشعر بالحنق والضيق لتلك الإهانة التى تعرضت لها .. ركبت فى المترو وهى تقاوم انهمار دموعها بصعوبة .. لكنها تركت لعبراتها العنان بعدما عادت الى بيتها .. وعزمت على اخبار "عماد" فى الصباح بقرارها بعدم رغبتها فى العمل على الحملة الدعائية لشركة "خالد"
*************************
يتبع