اخر الروايات

رواية وبقي منها حطام انثي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم منال سالم

رواية وبقي منها حطام انثي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم منال سالم 



الفصل التاسع والعشرون ( الجزء الأول ) :

غطى وجهه بكفيه ثم فركه بهما بقوة ، وأطلق زفيراً ثقيلاً من صدره ، وحاول جاهداً تخفيف الألم الذي اجتاحه بعد سرد كل تلك الذكريات الموجعة ..

هو يشعر بالإثم نحوها .. فهي أفنت سنوات حياتها الأخيرة له ومن أجله ، وكل ما رغبته هو رسم السعادة على وجهه.. وحتى وإن كانت تلك السعادة مؤقتة و ستفني عمرها ..

اختارت التضحية بحياتها من أجل التنعم بلحظة حب صادقة معه .. وهو استشعر عدم أهليته لكل ما فعلته لأجله.
_ هذا ما زاد من شعوره بأضعاف الألم والذنب حيالها ..
هي كانت ضيفة عابرة في حياته ، واسته في أصعب أوقاته .. وهو لم يقدم لها سوى الإحترام ..
سحب مالك شهيقاً مختنقاً لصدره ثم زفره على مهلٍ وهو يتابع حديثه الذي خرج متحشرجاً منه :
- هي مكانتش تستاهل مني كده أنا عارف ، لكن...آآ.

صمت لوهلة قبل أن يتابع بضيق قائلاً :
- لكن أنا مقصدتش أظلمها ، هي ظهرت في حياتي في وقت كانت الدنيا كلها مضلمة في وشي.
_ صمّت آذانها قهراً عما تبقى من حديثه ، هو يشعر بالذنب تجاه زوجته وظلمه لها لعدم مبادلتها الحب وليالي العشق الجميلة .. ذلك أكبر ما يؤرقه ويعذبه !
استنكرت ما يقوله .. وتأجج صدرها بآلامها التي لم تنتهي يوماً ..
نعم ففي نفس التوقيت كانت تعاني هنا من ويلات مضاعفة ، لا تضاهي في قسوتها ما عايشه هو ..
و بالنهاية ، حتى وإن عاش لوعة الفراق والشوق لها ، فهو لم يذق آلم الإهانة والذل اللذين ذاقتهما وتشبعت بمرارتهما ..

زاد حنقها منه ، وبغضت وجوده أكثر وأكثر عقب أن علمت ماهية الثلاث سنوات اللاتي مرت عليه خارج البلاد..
لقد وصل لمركز مرموق، وتزوج بامرأة وهبته حياتها وحبها وأهدته في النهاية طفلة ملائكية .. قطعة جمعت بين أرواحهم ..

أما هي.....
ماذا وصل بها الحال ؟
لقد خسرت نفسها وكرامتها وأصبحت مجرد وسيلة وليست غاية لتحقيق مطمع دنيء ..
وفقدت طفلها الذي لم يرَ نور الأرض ولم تكن تعلم بوجوده بأحشائها ..
وعاشت حياة بائسة معذبة تذوقت فيها مرارة الألم النفسي قبل الجسماني ، لقد تجرعت لأشهر كؤوس العذاب مع ذاك الذي انعدمت الرحمة في قلبه ..
فشعرت بالشفقة على حالها أضعاف ما كانت تشعر في السابق ..

وخزات قوية في صدرها أنهكت ما تبقى من روحها ..
هي مجرد حطـــام .. حُطـــــــام أنثى !

وعلى حين غرة وجدت كفه يطبق على كفها ليذهب عنها شرودها..
فانتبهت له ونظرت لموضع كفه بصدمة قاسية قبل أن تسحبه منه بعنف وهي تنطق بلهجة مستنكرة تحمل الإزدراء :
- انا سمعتك للآخر ، ولازم أمشى دلوقتي !

نظر لها مدهوشاً من ردة فعلها .. واستوقفها رغماً عنها حيث وقف قبالتها مانعاً إياها من المرور ثم هتف بنبرة شبه أسفة :
-إيثار ، انا مكنتش أعرف حاجة من اللي حصلت .. آآ..

نظرت له بنظرات خاوية من الحياة تحمل الإنكار لما يقول ، فتابع بنبرة حزينة :
-انا كنت مستنيكي تقفي جنبي ، ساعتها مكنش حد هيعرف يوقفني .. لكن انتي خذلتيني و..آآ..

تحولت نظراتها المستنكرة لنظرات حانقة قاسية، ثم قاطعته بحدة وعنف:
-لو في حد خذل التاني فهو انت يا مالك !

ارتفع حاجبيه للأعلى بصدمة واضحة ، بينما تابعت هي بمرارة قاسية تحمله كل اللوم وهي تشير بيدها :
-انت اللي حكمت عليا ، ومفكرتش للحظة تخلق ليا عذر .. انت اللي كنت عايز تصدق إني بعتك مش أنا !!!

اختنقت نبرتها وهي تتذكر كلماته الأخيرة الموجعة ، وشعرت بثقلٍ على صدرها، وگأن زفيرها لهيب يخرج من فوهة بركان ناري مشتعل يحرق من يقف أمامه ...

تركت عبراتها الساخنة تنهمر من عينيها وهي تتابع بتعلثم وحروف متقطعة :
-آآ.. انت عيشت واتجوزت و.. و.. وخلفت ، أنا بقى اتكسرت ..!

نشج صوتها وهي تكمل بآسى :
-مبقاش متبقي مني حاجة غير نفس خارج وداخل وياريته يقف ويريحني ، انت معاك بنت وانا خسرت ابني .. انت مراتك ماتت وهي بتضحي عشان تسيبلك حته منها ، و.. و أنا... ، وأنا كنت هنا بحارب عشان أبعد عنه وأطلق منه !!

نظر لها مصدوماً ، وشعر بمدى الآلم في كلماتها المختنقة ..

تحسست إيثار جسدها وكأنها تستشعر لمسات محسن المقززة من جديد تسير على ذراعيها ، انتفضت بذعر وأطبقت على جفنيها بقوة لتترقرق العبرات العالقة بأهدابها وهي تستعيد لمحات قاسية مرت عليها حولتها لفُتات أُنثى، ثم نطقت عن مأساتها دون أن تخجل فلم يعد هناك ما تخسره :
-إنت كنت عايش مع واحدة بتديلك الحب ، وأنا كنت عايشة مع واخد بـ... بـ... بيعذبني ، كل حاجة معاه كانت آآ غصب عني .. حتى الحاجات اللي بتيجي بالرضا ، عمره ما خدها مني برضايا !!

علت شهقاتها دون شعور منها، فشعر بانقباض قلبه بقوة .. وبآلام تعتصره بشدة ..

لقد أذنب بحقها هي الأخرى عندما تسرع بقرار رحيله وتركها وحدها ، هي محقة كل الحق في اتهامه ..
والمقارنة بينهما في الظروف غير متوازنة البتة بل غير عادلة على الإطلاق ، فمهما كان شقائه ولوعة شوقه لها ، فلن يضاهي لحظة واحدة مما عايشته هي ..
وبدون سابق إنذار وبتصرف خالص من قلبه دنا منها ليحيط ذراعيها بكفيه، ولكنها فتحت عينيها فجأة وارتعد كيانها كاملاً وهي تبتعد فجـــأة عنه ..
رفع كفيه عنها وهو ينظر لها بعدم تصديق لكل تلك المشاعر التي تكنها بداخلها ولا تبوح بها..
شعر بصدق المقولة القائلة " بأن بئر المرآة وقلبها واسع .. ليكفي ويتحمل الكثير "
وكانت هي أفضل مثالاً لذلك .
استجمعت حالها الذي تشتت ، ثم نزحت دموعها التي بللت وجنتيها وغزتها كلياً ، و تركته لترحل مبتعدة عنه ..

أسرع ليقف أمامها من جديد وعيناه تنطقان بعبارات صادقة .. وكأن حبها قد أحياه بشكل أكبر من ذي قبل ..
ربما تضاعف الآن بقلبه عشقها .. ولن يتنازل عنها تلك المرة بسهولة ..
تأمل عينيها المنفوختين وشعيرات الدماء التي برزت بسحابة عينيها البيضاء لتزيد من حمرتهما ، ثم مسح بظهر كفه على صدغها وهو يقول بلهجة عاشقة :
- مش هسيبك المرة دي !

أزاحت يده عن صدغها بجفاء واضح بالرغم من مشاعرها المتأججة والناطقة بداخلها حياله .. لكنها لم تتحمل تلك اللمسة التي أعطاها لغيرها ، ثم نطقت بقوة وكبرياء :
-انا اللي سيباك وماشية .. ودي اخر مرة هتشوفني او تكلمني فيها ! أنا اكتفيت منك !!!!!

هز رأسه مستنكراً بقوة غير مصدقاً العقاب القاسي الذي اختارته له ، ثم هتف سريعاً بتلهف :
-مستحيل ، لو غلطنا في حق بعض مرة مش هنكررها تاني !!!

صرخت فيه من جديد وهي تنطق بتحسر :
-متقولش غلطنا! أنا مغلطش في حقك .. انت اللي جيت عليا زيهم كلهم ، إنت جنيت عليا بقسوتك وظلمك ، إنت زيك زيهم !!!!!!

تجمعت الدموع في مقلتيه ، فهو عاجز عن الدفاع عن نفسه أمامها ، وكيف يدافع وهو كان أحد الجناة القساة ..
وكيف تصفح له وهو من أمسك بسياطه ليجلد روحها بلا شفقة أو إحسان ..
مد يده ليحتضن وجهها بكفيه رافضاً إبتعادها عنه ، وتوسلها بإستعطاف :
-أنا اسف .. مستحيل هتبعدي تاني، مش هسيبك يا .. يا آآ....

أخفض من نبرة صوته وهو يقول بنبرة والهة متيمة :
-يا ذات الغمازتين !

تحركت مشاعرها أكثر نحوه ، وعاندت تلك الأحاسيس بقوة كابحة إياها حتى لا تطفو وتظهر على قسماتها الفاضحة ، وهمست بضعف :
-مبقاش ينفع .. انا مينفعش أكون مع حد ، مش هقدر !

ضغطت على كفيه المطبقين على وجهها ، وأغمضت عينيها للحظة من الزمن ..
خفق قلبه بقوة ، فقد استشعر وداعها له ..
بل هي تنوى حقاً أن يكون هذا هو لقائهما الأخير .

_ أبعدت راحتيه بهدوء غريب عن وجهها ..
شعر بملمس أصابعها الناعمة على قبضتيه فجعلته يستكين مستسلماً لها وقد تعلقت عيناه بها ..
إنسلت هي من أمامه بهدوء ، وتجاوزته لتمضي راحلة في طريقها ..

التفت ليراقبها بعينيه وهي تخطو بخطوات بطيئة مبتعدة عنه ..
وكلما خطت كلما زادت المسافات بينهما .. تسمر في مكانه عاجزاً مشدوهاً لا يعرف ما سيفعله ..
شعور العجز تملكه وجعله غير قادر على مواجهة حتى نفسه .. ولكنه أفاق سريعاً من صدمته المؤقتة وكأن صعقة كهربية ضربت برأسه لتحركه.

تساءل مع نفسه بهلع يدمي القلوب هل هذه هي كلمة النهاية؟
هل أسدل الستار على حكايتهما لينتهي فيلماً سينمائياً بنهاية حزينة ومؤلمة ؟
أهكذا الأمر .. لم يعد هناك ما يدفعهما للبقاء واللقاء ..

- وكأن قلبه يحدثه ويدفعه للتحرك ، هيا يامالك! كيف لك أن تتركها وتخذلها من جديد ؟
هي إيثار ..
مالكة قلبك ..
حبيبتك ..
معشوقتك التي اخترتها عن غيرها
بل معذبة فؤادك
كيف لك أن ترتكب هذا الجرم مرة أخرى في حق حبكما وتتركها ترحل ؟
هيا تحرك .. هيا تقدم منها ، انها حبيبتك إيثار !!

هز رأسه بعنف ليفيق من تلك الغيبوبة المؤقتة ثم صرخ بصوت مرتفع وهو ينادي باسمها ..
أهتز كيانها بقوة وأجبرها صوته على الوقوف..
وبحذر شديد استدارت لتراه يركض نحوها ..
ازدردت ريقها المرير ، وتابعته بنظراتها المنكسرة ..
مشاعر متضاربة ومختلفة تتحرك وتتصارع بداخلها ..
أحست بالفرحة لتلهفه عليها ، ولكن تلك الفرحة كانت ممزوجة بلعنة كبريائها تجاهه ..
شعرت بالحنين لسماع اسمها من بين شفتيه .. ولكنها سئمت ضعفها المحال أمامه ...

لحظات أربكتها ، لكنها أعطت له الفرصة ليتقدم منها .. وبلمح البصر وسرعة البرق كان يقف أمامها وهو يلتقط أنفاسه اللاهثة ، ثم نطق بلهجة مستعطفة إياها :
- ريفان .. ازاي هتسببي ريفان بعد ما تعلقت بيكي ؟
خليكي عشان خاطرها ، هي مش سهل تاخد على حد تاني !

أطرقت رأسها بضيق عقب أن لمس وتراً حساساً بداخلها.. وهو تعلقها بطفلته الجميلة، ولكنها جاهدت تلك العاطفة وهي تقول :
-روان هتكون جمبها دايما .. و....

قاطعها بلهجة مصرة مشدداً على ضرورة تواجدها هي بالأخص :
-لأ ، انتي اللي هتربيها وتاخدي بالك منها .. هي محتاجالك ، ارجوكي متخذلنيش !!

شردت للحظة تفكر ملياً في مصير تلك اليتيمة ..
لن يكون جرحها النازف والحي منه سبباً في حرمان تلك الصغيرة التي لا تعي شيئاً من عاطفتها ومشاعرها الأمومية الجارفة حيالها ، أطرقت رأسها وهي تومئ إيمائة طفيفة ثم نطقت بهدوء :
- ريفان ملهاش ذنب في حاجة !

تنهدت بإنهاك وهي تتابع :
-عشان خاطرها وبس هستمر في شعلي معاها !

وكأنه بصيص أملٍ أُضئ له وسط هالة من الظلام كانت تحاوطه ، وبحركة خفيفة سريعة منه اختطف كفها الذي يمسك حقيبتها ثم قبّل باطنه قبلة عميقة جعلت القشعريرة تسري بأوصالها ..
سحبت يدها سريعاً وقد شعرت بسخونة وجنتيها التي انبعثت منهما على حين غرة ..
فهو ما زال مالكها الذي يستحوذ علي تفكيرها وعقلها وقلبها وشاغلها أينما وُجد ..
وقبل أن تنكشف له وتسقط في بئر عشقه الأعمى من جديد تحركت من أمامه بتوتر شديد وبدت خطواتها له غير مستقيمة .

طغت ااأبتسامة على ثغره وقد استشعر تأثيره عليها .. هي تعشقه من صميم فؤادها ، ولكنها تأبى الغفران ..
ستكون تلك الصغيرة هي خطته التي ستمكنه من الفوز بها من جديد ، لن يكل ولن يسأم.. وسيظل يحاول إستعادتها مهما كلفه الأمر ........

الفصل التاسع والعشرون ( الجزء الثاني ) :

توجهت السيدة ميسرة نحو باب منزلها بخطوات عاجلة بعد أن سمعت صوت قرعات ثابتة عليه ، ثم فتحته بهدوء لتجد السيدة ( تحية ) أمامها ..

كانت رؤيتها أكبر من قدرتها على الإستيعاب والادراك .. فقد مرت السنوات دون تواصل العائلتين معاً من جديد ..
أفاقت سريعاً من دهشتها ، و انتبهت لصوتها وهي تقول بنبرة مهذبة :
-سلامو عليكم يا ست ميسرة ! ممكن أدخل !

تنحنحت الأخيرة بحرج وهي تتراجع للوراء لكي تفسح لها المجال للمرور ، و نطقت بأدب :
- اهلا وسهلا ياست تحية ! اتفضلي !

ابتسمت تحية إبتسامة ودودة وهي تخطو عتبة المنزل ثم أجفلت بصرها على إستحياء منها ونطقت بنبرة عذبة
- اهلا بيكي ياست ميسرة

انتظرتها في مكانها حتى أوصدت الباب ثم التفتت لها وهي تشير بيدها للداخل وقالت :
- اتفضلي ياست تحية ، ده بيتك !

ردت عليها بود :
- يزيد فضلك

جلستا الاثنتين على الأريكة العريضة .. وحل صمت حذر بينهما للحظات ..
فكلتاهما تشعران بالريبة تجاه الأخرى ..
فـ " تحية " تشعر بالتوجس من رد فعل ميسرة بسبب ما جاءت لأجله .. بينما شعرت ميسرة بالترقب وهي تنتظر أن تحدثها عن ذلك الأمر الذي دعاها للمجيء إلى أعتابها بعد مرور كل تلك السنوات .. فهي لم تزورها مطلقاً طوال تلك المدة ، وأخر زيارة للأخرى كانت عندما أدت واجب العزاء في زوجها الراحل ..
في النهاية ، لابد للحديث أن يبدأ .. لذا قررت ميسرة كسر حاجز الصمت وهتفت عقب نحنحة خافتة منها :
- احم ! تشربي ايه ياأم عمرو؟

أجابتها تحية وهي ترسم البسمة على محياها :
-لا متتعبيش نفسك.. آآ انا كنت عايزاكي في موضوع كده وو.... متعشمة فيكي يعني !

زاد فضولها عقب عبارتها الأخيرة ، فرمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تردف متساءلة بتعجب جلي :
-خير ياام عمرو؟!

ترددت تحية في إخبارها بذلك الأمر الذي حضرت لأجله ، ولكن لا مفر لديها .. فقد لاحقها عمرو وطاردها بإلحاحه الشديد لتقوم هي بتلك الخطوة عنه ..
فهو لم يقوَ على فعلها بسبب ما حدث بين العائلتين منذ سنوات ، فانصاعت له أمام رغبته الملحة في طلب الزواج من روان .

تنهدت تحية ثم تابعت حديثها قائلة على جملة واحدة :
- انا جيالك في موضوع يخص عمرو ابني ، وآآ..و.. وروان بنت اخوكي !

حملقت بها ميسرة بعدم تصديق لذلك الأمر الصادم ، فالاثنين معروف عنهما بغضهما للأخــر منذ أول لحظة لقاء بينهما ..
اذن ما الأمر الذي سيربطهما معاً ، ويجعل السيدة تحية تأتي إليها لتتحدث فيما يخصهما ؟
انتابها القلق الممزوج بالصدمة ، وجاهدت لتحافظ على ثبات نبرة صوتها وهي تتساءل بإهتمام :
- موضوع ايه ده ؟ ياريت توضحي !!

أجابتها تحية وهي تستجمع شجاعتها لتبدو أمامها أقوى من ذلك :
-بصراحة كدة ومن غير لف ودوران .. انا عايزة أطلب أيد روان لعمرو ابني ، و آآ....

اندفعت ميسرة وهي تهب بها و قاطعتها بحدة :
-ايه !! روان وعمرو ! ؟

وكأنها استنكرت مجرد التفكير في هذا الإرتباط ، فتابعت بجدية أشد :
-ودي تيجي ازاي ياست تحية بعد كل اللي حصل زمان؟

شعرت تحية بالحرج من حديثها المقصود عن جراح الماضي وآلامه ..
فأطرقت رأسها بحزن وهي تجيبها بحذر :
-اللي حصل حصل ياست ميسرة .. وبعدين كل واحد شاف حياته خلاص !

شعرت ميسرة بالضيق عندما تذكرت كل ما أفتعله ذلك الـ " عمرو " حيال إبن أخيها مالك ، وما قام به متعمداً وبقسوة للتفريق بين قلبين محبين !
فكيف ستأتمنه علي ابنة اخيها الغالية ببساطة ؟
تجهمت ملامحها وعبست ثم نطقت بإستنكار :
-انا مقدرش أآمن لبنتي ليه.. ومحدش هيوافق بعد اللي حصل ، واكيد انتي فاهماني كويس !!!

تابعت تحية وهي تبرر رغبة ابنها وصلاح حاله للأفضل :
-عمرو بقى حاجة تانية ياست ميسرة .. خصوصا بعد اللي حصل لأخته من طليقها البعيد و......
_ صمتت فجأة وقد شعرت بحجم الخطأ الذي وقعت به الآن فعضت على شفتيها بحرج شديد .. وعاتبت نفسها على تسرعها ...
ولكن أثارت عبارتها حفيظة ميسرة ولم تمررها مرور الكرام، فرمشت بعينيها عدة مرات وقد استنبطت سريعاً السبب وراء تواجد '' إيثار '' أغلب الوقت لدى والديها .

قامت ميسرة بفرك كفيها سوياً بتوتر ثم استطردت قائلة بإستفهام :
-هي إيثار أطلقت!؟

أغمضت تحية عينيها في حسرة ، وردت عليها بنبرة منكسرة وقد شعرت بالحزن من أجل الحال للذي وصلت له أبنتها :
-أيوة .. بقالها أكتر من سنتين ونص مطلقة !!!

تلقت ميسرة تلك الإجابة كالصاعقة على رأسها ..
فغرت شفتيها مصدومة ، وإرتفع حاجبها للأعلى في عدم تصديق ، وهتفت بنزق :
- هااا! ؟ مكنتش أعرف

أكملت تحية وهي تهز رأسها للتأكيد :
-أيوه ، احنا مجبناش سيرة لحد !

فكرت تحية في سرد الأمر كاملاً عليها ، فربما عندما تعلم ما حل بعائلتها البائسة ، والتعاسة التي أصابت ابنتها بسبب إجبارها على زواج غير موفق ، وانعكاسه عليهم فيما بعد ، وما تبعه من تغيير جذري على ابنها وتبدل أحواله للأفضل ، فربما يكون دافعاً لها لـ توافق على تزويجه من ابنة أخيها ..
أكملت تحية بتنهيدة وهي تمسح بلسانها على شفاها الجافتين :
-انا هحكيلك اللي حصل كله !!!
...................................................................

_ قرر مالك الاختلاء بشقيقته الصغرى في حجرة المكتب لكي يروي لها تفاصيل خطته القادمة ..
هو اختارها لكي تعاونه في ذلك ، خاصة وأنها تتخذ إيثار صديقة لها وستحبذ لها الخير ..
دخل مالك حجرة المكتب بعد أن سبقته أخته ثم أغلق الباب خلفه ، ودنا منها ليجاورها في جلستها على الأريكة الجلدية ..

حك طرف ذقنه الحليقة حديثاً ثم نظر لأخته نظرات ذات مغزى وهو يهتف بخفوت بيّن :
-روان ، بكرة عيد ميلاد ريفان التاني

أومـــأت روان برأسها متفهمة ، ثم رسمت على ثغرها ببسمة واسعة ، و نطقت بمرح زائف محاولة إخفاء نبرة التعاطف والآسى :
- بجد!! الله ... كويس أنك عرفنني عشان أعملها حفلة محصلتش !

زفر مالك بإنزعاج ، ثم التوى ثغره لعدم فهمها مقصده وهدفه ، وتابع بجدية :
- انتي مش فاهماني!! انا هدفي من العيد ميلاد ده أن إيثار تكون موجودة جمبي لأطول وقت ممكن !

ابتسمت له روان بمكر ، وردت عليه وهي تغمز له بعينيها :
-ايوة بقي! قولتلي

تنهد بعمق وهو يقول :
-الحمدلله إنك فهمتي !

صمتت روان للحظة ثم استندت برأسها على مرفقها ، وأكملت بتفكير عقلاني :
-يبقى مش هينفع عمتو وعمو إبراهيم ييجوا!

رد عليها مالك وهو يومئ برأسه موافقاً :
-بالظبط ، عايز حاجة بيني وبينك ، وإيثار تكون موجودة وبس ! فهمتي !!!

نهضت روان عن جلستها والحماسة تملأ صدرها، ثم ضربت على كتفه بقوة خفيفة منها وهي تردد بثقة وفخر :
-متقلقش يامالوك ، سيبها على روان
ابتسم لها مالك ، وهمس بينه وبين نفسه بتوجس :
-ربنا يسترها !
.....................................................................
_ تألمت السيدة ميسرة كثيراً عندما علمت بما حل بتلك الفتاة البائس حظها ..
دمعت عيناها لأجلها ، فلم يأتِ بمخيلتها أن هذه المسكينة تحمل بداخلها مالا تتحمله أخرى أقوى منها ..
لقد قضت عليها الأيام وحطمت زهرتها الوردية.
مسحت بأناملها على طرفي عينيها لتنزح عبراتها العالقة بهما ، ثم نطقت بصعوبة بالغة من بين شفتيها :
- لا حول ولا قوة الا بالله ، ربنا يعوضها خير ويسعد قلبها

ردت عليها تحية وهي تتضرع من صميمها لله :
- أمين يارب العالمين

انتظرت لحظة وهي تطالع ملامح ميسرة العابثة بتأمل ، ثم أردفت بتساؤل :
-ها ياست ميسرة ، قولتي إيه ؟

ردت عليها ميسرة وقد شعرت بالحرج الشديد من تبيين رفضها بشكل مباشر :
-بصي ياست تحية .. روان دلوقتي بقت مسئولة من أخوها ، وهو هيكون ليه الكلمة الأولى والأخيرة في موضوع زي ده

تفهمت تحية ما قالته جارتها ، فهي محقة في هذا ، لذا ابتسمت له بتصنع وهي تقبض على شفتيها لتقول بعدها بإنزعاج قليل :
-طيب ياست ميسرة ، طالما كده انا هخلي عمرو يكلم أخوها
ردت عليها ميسرة وهي تهز رأسها بموافقة منها :
-اللي فيه الخير يقدمه ربنا يا ام عمرو

نهضت بعدها تحية من مكانها ببطء وهي تستند على ذراع الأريكة ، و استقامت في وقفتها وهي تردف بنبرة متعجلة :
-استأذن انا !
نهضت ميسرة هي الأخرى من على الأريكة ، وردت عليها مجاملة :
-ما لسه بدري ياست تحية !!

ردت عليها تحية وهي تربت على ذراعها بود : بدري من عمرك .. سلامو عليكو !
...................................

أوصدت ميسرة الباب وهي في قمة ذهولها ودهشتها مما حدث اليوم ..
وتساءلت مع نفسها بتخوف عن ردة فعل مالك عندما يعلم بأمر گهذا !
فكرت في كيفية التصرف بمفردها ..وحل تلك المسألة بعيداً عنه ، ولكنها وجدت صعوبة في التصرف بدونه ..
لذلك قررت اللجوء إليه .. فهو الأخ الأكبر لها وسيشكل رأيه حكماً فاصلاً في الأمر برمته .

أسرعت نحو الهاتف وشرعت بالضغط على أزراره ثم وضعته على أذنها وهي تهتف بتلهف :
-أيوة يامالك .. أسمعني يابني كويس

أصغى إليها مالك بكل حواسه ، واستمع لما قالته بتركيز جمّ ..
هو كان يتوقع فعلاً گهذا منه وقد أعد خطته من قبل للتعامل مع الموقف ..
هو أراد الإنتقام من أخيها على فعلته القديمة في حقه وحق حبيبته، ولكن سيفعل ذلك على طريقته الخاصة .. سيذيقه من نفس الكأس ويجعله يتجرع مرارة آلم البعد والفراق ..
فلن يكون ثمن الثلاث سنوات الماضية ثمناً هيناً .

قطب جبينه وأنعقد ما بين حاجبيه ، ثم نطق بقسوة من بين أسنانه :
-وماله ياعمتي ، خليه ييجي ويطلبها مني.. وساعتها الرد هيكون جاهز !!!!!
...................................................................

منذ صبيحة اليوم التالي .. بل منذ أن سرد عليها مالك رغبته في إعداد حفل ميلاد للصغيرة وقد بدأت في التجهيز والاعداد ليوم مميز لن ينسى أبداً من الذاكرة ..

قامت روان بنفخ الهواء داخل البلونات المطاطية الملونة ، ثم ساعدت راوية في تعليق الزينة .. وحرصت على الانتهاء من كل شئ قبل موعد حضور إيثار حتى لا تكلفها فعل شيء ..

وما ان انتهت روان من مهامها وخرجت لمحيط الحديقة .. حتى وجدت إيثار قد حضرت في تلك اللحظة وعبرت بوابة الفيلا.

كان مالك في هذه اللحظة جالساً بحجرة مكتبه ينهي بعض الأعمال الخاصة بشركته عن طريق حسابه على مواقع التواصل الإجتماعي .. وكان بين الحين والأخر ينظر للحديقة عن طريق النافذة التي تطل عليها منتظراً حضورها بفارغ الصبر و متلهفاً لرؤية طيفها الساحر ..

وقع بصره عليها أثناء ترحيب روان بها ، فذقذق قلبه فرحاً وتلونت عينيه بوميض السعادة عندما لمحها ..
لم يطق الانتظار داخل مكتبه أكثر من هذا ، فقام بتلهف شديد بإرتداء سترته سريعاً ووضع بها هاتفه المحمول ثم خرج من الحجرة على عجالة من أمره..

جاهد للحفاظ على توازنه أمامها ولكنه فشل في حضرتها ، سقط عنه قناع القوة ليظهر أمامها عاشقاً أكله الشغف .. فتابعها من بعد مراقباً لحوارها مع روان و...
هتفت إيثار وهي تتأمل المكان من حولها بإعجاب شديد من جمال تناسق الزينة وأنتشارها في المكان :
-الله ! هو في مناسبة النهاردة؟
أجابتها روان وهي تطالع المكان بحماسة شديدة :
-عيد ميلاد ريفان النهاردة

عبس وجه إيثار نوعاً ما ، واختفت بسمتها من على محياها ، ثم عاتبت رفيقتها بضيق :
-طب ليه مقولتيش من بدري؟ ، كنت جيبتلها هدية على الأقل!
ردت عليها روان وهي تجذبها للداخل من ساعدها :
-اي الكلام ده ياإيثار مفيش بينا فرق .. يلا تعالي نطلع نجيب ريفان عشان نحتفل معاها !

تعجبت إيثار مما تفعله الأخيرة ، واعترضت قائلة بإندهاش وقد ارتفع حاجبيها بذهول :
-دلوقتي؟ بس لسه بدري اوي!!
أجابتها روان وهي تهز رأسها نافية :
-بالعكس ، مفيش أجمل من الأعياد اللي بتتعمل الصبح

انصاعت إيثار لرغبتها وصعدا سوياً لإحضار '' ريفان '' من الأعلى..

انتظر مالك على أحر من الجمر صعودها للأعلى ليخطو بقدميه بعجالة صوب المطبخ وأشار لراوية للبدء بالتنفيذ..
وهتف بتلهف :
-يلا يا راوية ، شيلي معايا الحاجة دي بره !

ابتسمت له راوية قائلة وهي تتعجل في حركتها :
-حاضر يامالك بيه

قاما الاثنين بنقل قوالب الحلوى المتعددة الأشكال والأنواع، وأطباق الحلوى المختلفة للخارج ، وصُفت على الطاولة المتوسطة الحديقة بشكل أنيق ومنظم ...


في هذا الحين .. كانت إيثار قد انتهت من إعطاء جرعتها العاطفية للصغيرة ، فحملتها بين ذراعيها بحب وهي تحركها بمرح قائلة :
- روفي ، كملتي سنتين ياحبيبتي .. عقبال ما تكملي مليون سنة !
هتفت روان وهي تفرك كفيها بحماسة شديدة : طب مش يلا ننزل بقى !!

نظرت لها إيثار بغرابة ، وهمست بإندهاش قليل وهي تداعب وجنتي الصغيرة : لسه بدري ياروان

اعترضت روان وهي تتلوى بثغرها خوفاً من فساد المخطط الذي رسمته :
-آآ .... لأ ، ننزل دلوقتي أفضل!
ردت عليها إيثار مستسلمة وقد انعقد حاجبيها بتعجب شديد لإصرارها الغير مبرر :
-طيب ، اللي يريحك

هبطا سوياً بصحبة الصغيرة بعد إصرار روان على إلباس الصغيرة ريفان فستاناً وردياً رقيقاً يتماشى مع التاج الصغير المرصع بفصوص ماسية، والذي زينت به رأسها ..
وعندما خطت إيثار عتبة ( الفيلا ) تفاجئت بوجود مالك بالحديقة ، والذي ظنته بالبداية غير موجود في المكان .. فأبعدت بصرها بإستحياء ثم تابعت خطواتها ببطء..

وكلما اقتربت خطاها منه ، زاد توترها من حضوره المؤثر عليها..
ولكنها تماسكت كي لا تظهر له جانبها الضعيف الذى يحن له ، في حين رسم مالك بسمته العذبة على محياه وهو يقترب منها ليقبل الصغيرة..

دنا منها ليطبع قبلة على رأس ابنته ، بينما كانت عيناه معلقة على حبيبته ..
تقلصت المسافات بشدة حتى وصلت أنفاسه الحارة بالأشواق لطرف أنفها فدبت القشعريرة بأوصالها ..
ابتعدت برأسها قليلاً ، فتراجع هو الأخر برأسه بعد أن حقق مبتغاه وأثار توترها نحوه ..
مد يده ليلتقط صغيرته من بين يديها فتعمد مسك كفها مع ابنته ..
شعرت بالحرج الشديد من جرأته حيالها فتنحنحت بخجل ، و توردت وجنتيها بحياء ثم نطقت بجدية زائفة :
- احم ! آآ.. أ أيدي؟

أفلت كفها وهو يبتسم لها ابتسامة خطيرة ، و تحرك نحو الطاولة ليجلس على أحد مقاعدها واضعاً الصغيرة على حجره ..
ثم غمز بعينيه لشقيقته لكي تقوم بالتصرف.. وبالفعل تحركت الأخيرة على الفور لتقول بحماسة بائنة :
- يلا عشان نطفي الشمع ياإيثار

ثم جذبت إيثار من يدها ، ودفعتها نحو الطاولة ..

نظرت لها إيثار بإندهاش ، وهتفت متعجبة :
-دلوقتي !!!!

ردت عليها روان وهي تهز رأسها عدة مرات متتالية :
-ايوة يالا

كانت تشعر بشيء مريب في الأمر ، وكأن الأخوين يحيكان أمراً لا تعلمه ..
تجاهلت شعورها وتعمدت الانتظار حتى تكشف ما سيؤول إليه الأمر ..

جلست بتردد على المقعد وجاورتها روان ..

دققت النظر على الطاولة لترى قالب الحلوى المطبوع عليه صورة للصغيرة تجمعها بوالدتها .. حكت غرة جبهتها بتفكير وتذكرت أنها قد رأت مثل تلك الصورة في الأعلى داخل إطار خشبي رقيق .

تعلقت عيناها بالقالب ، وشردت تفكر فيها ..
أثار فضولها وبشدة وجود ريفان مع والدتها في صورة واحدة تجمعهما سوياً ..
تلك الصورة التي رأتها من قبل وحركت نزعتها الأمومية بالإضافة إلى شعور الغيرة ..

ما أثار ريبتها هو كيف ومتى تم أخذ تلك الصورة إن كانت الأم قد توفت قبل رؤية قرة عينيها ؟
هناك خطأ بالأمر ..
ربما مالك يكذب عليها وأراد الحصول على استعطافها ..
اغتاظت من كذبه .. وتحول وجهها للوجوم ..

_ لاحظ مالك تحديقها بقالب الحلوى ،
نعم حالة الشرود التي تمكنت منها كانت مرئية للعيان
وسريعاً استشف ما تفكر به .. لذا قرر أن يسرد عليها قصة الصورة قبل أن تظن به الظنون ..
التفت برأسه نحو شقيقته ، وحك مؤخرة رأسه وهو يقول بهدوء :
- عارفة ياروان !

انتبهت له أخته ، وكذلك إيثار ، فتابع قائلاً :
- الصورة دي انا عملتها بعد ما ريفان اتولدت بشهر .. كنت مصور مامتها وهي حامل فيها وشايلة عروسة بنفس الحجم !

ابتسم بمرارة وهو يضيف :
-كانت فرحانة أوي إنها حامل ، ومش مصدقة نفسها !

ثم انخفضت نبرة صوته وهو يكمل بحزن واضح :
-بس فرحتها مكملتش ، وماتت ، بس .. بس مرضتش أحس إن الفرحة دي انتهت بموتها ، فلما ريفان اتولدت ، صورتها معايا بنفس الطريقة وبنفس الزاوية ، وخليت المصور
يركب الصورتين على بعض ..

تنهد بعمق وهو يختم حديثه :
- كان يهمني يكون في ذكرى جميلة تجمع ريفان بمامتها الله يرحمها !

رغم حسن نيته مع ابنته ، ورغبته في تخليد ذكرى حب زوجته لطفلتهما التي لم يكتب لها أن تراها ، إلا أنه أشعرها بالغيرة من ذلك الاهتمام ..
هي لم تحظَ بمثله ..
هي كانت تعاني .. تجاهد للملمة شتات أمرها ..

اجتهدت وبشدة في الحفاظ على جمود تعابير وجهها ، وثبات نظراتها رغم النيران المستعرة بداخل روحها ..

أضافت روان وقد شعرت بالشفقة على تلك الراحلة :
-الله يرحمها يارب

عاود مالك التحديق بإيثار ، فرأها جامدة لكن عينيها تكشفاها ..
هي تغار .. هو متأكد مما رأه فيهما ...

نهضت روان عن جلستها مبررة أنها ستحضر مشروب المياه الغازية ، ثم تركتهما بمفردهما بعد أن حملت الصغيرة بين يديها وهي تقول بمرح :
-مالك هات روفي ، وحط إنت الشمع في التورتة

نهضت إيثار فجـــأة ، وهتفت بجدية وهي تجاهد للإبتعاد عن مكان وجوده بأقصى قواها :
- آ.. روان ، انا هجيبه خليكي

اعترضت روان وهي تصر على الذهاب بالصغيرة للداخل :
-لا خليكي ، انا جاية على طول

وقبل أن تهتف بها إيثار كانت قد انصرفت سريعاً

تنهدت بضيق ، وأشاحت بوجهها للجانب الأخر متجنبة حدقتيه اللاتين تعلقتا بها ..
كانت تشعر بظل عينيه وهو مسلط عليها مما أشعرها بالحرج الشديد ، ولكنها جاهدت حتى لا تظهر له ذلك ولكنها فشلت ..
فأمرها كان مكشوفاً وواضحاً له وضوح الشمس ، بينما لم يستطع هو منع إبتسامته التي غزت محياه.
هي كما أعتادها دائماً ، حتى وإن اعتراها بعض التغيير تنكشف أمامه ..
.. تأهبت لتنهض بعيداً عنه لتتجنب تأثيره ، ولكنها تفاجئت بكفه يحاصر كفها ، فاستدارت نحوه بصدمة ، وهمس بلهجة عاشقة :
- ماتسبينيش !

انفرجت شفتيها بذهول ، و جحظت عيناها :
-هــــا !

ابتسم لها مالك بعذوبة معهودة منه وهو يتوسلها :
-قصدي ماتمشيش !

سحبت إيثار كفها منه ، وهتفت بتوتر :
-هشوف روان عشان أتأخرت


نهضت عن مكانها سريعاً لكي تتجاوزه ولكنه قطع عنها الطريق بوقفته أمامها ..
ارتكبت أكثر منه وتوترت .. فتأمل الحُمرة التي احتلت موضع غمازتيها .. ثم مد أنامله ببطء ليلمس غمازتها ، فتراجعت فوراً خطوة للوراء ..

تحقق حلمها الذي رأته في غفوتها ، هي تمنت اقترابه منها .. ولكنها تخشى إستسلام مشاعرها الجريحة له ..
دنا منها أكثر فأبتعدت..
حاصرها فجـــأة من خصرها بذراعيه ، ونطق بتلهف واضح وعيناه تلمعان بوميض الحب :
- تتجوزيني!

انتفضت ، بل ارتجفت ، وارتعش كيانها بالكامل ..
أكان وهماً ما قاله ؟
أعرض عليها الزواج ؟
أصابت كل ذرة في جسدها قشعريرة غريبة عقب كلمته المباغتة تلك ..
بدت وكأنها تُلقى على مسامعها للمرة الأولى ..
تصارعت أنفاسها اللاهثة وتلاحقت من فرط التوتر والخوف ..
رغبت في مقاومته ، في الرفض ..
لكن قلبها يأبى الانصياع ، إنه مالكك .. إنه من تعشقين ، إنه حبك الأول والأخير ..
ارتفع صدرها وهي تطالع ملامحه كالمسحورة ..
لكنها سريعاً أجبرت نفسها على الإبتعاد من ذلك التأثير المهلك ، فإنسلت من أحضانه بعد أن دفعته بكفيها في صدره ، وأطرقت رأسها وهي تقول بعزة وكبرياء شديدين :
- لا .. مش هتجوزك ، أبداً!

لم يكن ليتركها تفلت منه ، فأطبق على ذراعيها بقبضتيه بخفة ولطف ثم جذبها بتملك لترتمي على صدره رغماً عنها ، و لتكون أقرب من أنفاسه ..
حاوطها مجدداً بذراعيه ، وأحكم قبضتيه عليها لتنصهر في أحضانه المشتاقة لها
هو أرادها أن تسمع نبضاته التي تنطق باسمها ، وبنبرة متملكة قال بثبات :
- هتتجوزيني .................................. . !!

......................................


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close