اخر الروايات

رواية قطة في عرين الاسد الفصل السابع والعشرون 27 والاخير بقلم مني سلامة

رواية قطة في عرين الاسد الفصل السابع والعشرون 27 والاخير بقلم مني سلامة 



الحلقه 27 و الاخيره

قال "مراد" بمرح :
- وبعدين مالك زعلانه كده شكلك زهقتى منى وعايزة حاجة تشغلك عنى
نظرت اليه بحب قائله :
- مستحيل أزهق منك أبداً .. بس مشتاقة أوى يكون ليا ابن منك .. ابننا احنا الاتنين يا "مراد"
ابتسم لها قائلاً :
- وأنا نفسي فى كده أكتر منك
قبلها قائلاً :
- بحبك أوى
نظرت اليه بسعادة قائله :
- بحبك أوى
قال "طارق" بأسى :
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. ازاى ده حصل
قال محامر "مراد" فى الهاتف :
- للأسف اتقتل امبارح بالليل ومات قبل ما يوصل المستشفى
ردد "طارق" :
- لا حول ولا قوة الا بالله
ثم قال :
- مين اللى قتله
قال المحامى :
- لسه البوليس بيحقق .. بس شكله كان مؤذى وأعداؤه كتير
تنهد "طارق" بأسى فقال المحامى :
- أنا حاولت أوصل لأستاذ "مراد" بس بيردش على الموبايل من امبارح فلو عرفت توصله ياريت تبلغه اللى حصل يا أستاذ "طارق" لان كده خلاص القضيتين اتحفظوا
قال "طارق" :
- حاضر هبلغه
أنهى "طارق" المكالمة فقالت له "مى" الجالسه بجواره على الاريكة :
- خير يا "طارق" .. مين اللى اتقتل ؟
قال "طارق" شارداً :
- "حامد" .. اللى "مراد" رافع عليه قضيتين
قالت "مى" :
- لا حول ولا قوة الا بالله .. آدى أخرة الظلم
قال "طارق" :
- خلاص كدة القضيتين اتحفظوا
قالت "مى" بحماس :
- اتحفظوا هنا .. لكن متحفظوش فوق .. مفيش فوق قضايا بتتحفظ .. كل حاجة ليها تمن
اقترب منها "طارق" وأحاطها بذراعه قائلاً :
- سيبك بأه من السيرة الغم دى .. احنا جايين نقضى يومين حلوين ولا نتكلم عن الناس
قالت مبتسمه :
- خلاص مركزة معاك أهو
قال "طارق" ضاحكاً :
- أيوة كده أحبك وانتى مركزة
سمح الطبيب لـ "مريم" بالخروج .. التف الجميع حولها وتقدمت "زهرة" بمقعدها المتحرك لتطمئن عليها قائله :
- حبيبتى كان نفسي أوى أشوفك
قالت "مريم" مبتسمه :
- حبيبتى يا ماما .. انتى على طول كنتى معايا على التليفون .. ربنا يباركلنا فى صحتك
رن هاتف "مراد" فتحدث فى الخارج .. دقائق وعاد قائلاً :
- "حامد" اتقتل
شهق الجميع فى دهشة .. تمتمت "مريم" :
- انا لله وانا اليه راجعون
قالت "سارة" :
- مين اللى قتله ؟
قال "مراد" وهو يمط شفتيه :
- محدش يعرف .. أكيد واحد كان له عنده مظلمه
قالت "ناهد" بأسى :
- كان مؤذى فعلاً .. ربنا يرحمه بأه برحمته
بعد شهر .. دخل "مراد" غرفته فى المساء واقترب من "مريم" التى جلست فى فراشها تقرأ .. وقال لها :
- بتعملى ايه
نظرت اليه قائله :
- بقرأ الخواطر بتاعتك
ابتسم قائلاً :
- مزهقتيش منها
قالت ضاحكة :
- لا طبعاً
خلع ساقه الصناعية و جلس بجوارها وتدثر بالغطاء وقال لها :
- على فكره يا "مريم" .. "عماد" مديرك فى الشركة كلمنى النهاردة وقال انه عايز يتقدم لـ "سارة"
صاحت بحماس :
- بجد
أوما برأسه فقالت بلهفه :
- قولتله ايه ؟
قال "مراد" :
- قولته يتفضل ييجي ويعدوا مع بعض و "سارة" هتقول رأيها .. طبعا أنا من الصبح وأنا بعمل تحريات عنه بس بصراحه النتائج مبشرة
قالت بحماس :
- متقلقش ده انسان ممتاز
نظر اليه بغضب والتفت اليها قائلاً :
- لا يا شيخه
قالت بتلعثم :
- أقصد أقول انه كويس
قال "مراد" بحده :
- لا متقوليش
ابتسمت واقتربت منه قائلاً :
- خلاص أنا آسفه متزعلش
نظر اليها شزراً .. فقالت بدلع :
- خلاص بأه يا "مراد" مكنش قصدى .. معدتش هتكلم عن أى راجل تانى
ثم قالت مبتسمه :
- إلا "مراد" حبيب قلبي وبس
لاحت ابتسامه على شفتيه ولانت نظراته .. فقالت بمرح :
- أيوة كده لما بتكشر بحس ان الدنيا اسودت فى وشى
قال محذراً وهو يبتسم :
- ماشى هعديهالك المرة دى
ابتسمت له فجذبها الى حضنه وأغلق ضوء المصباح
قال "عبد الرحمن" للضابط :
- احنا جينا نعرف منك يا حضرة الضابط اللى حوصل عشان نبجى على علم
قال "سباعى" :
- وعشان كمان نجفل بجه على الصفحة دى ونرميها وره ضهرنا
قال الضابط لهما :
- "حسن المنفلوطى" اتقبض عليه بأكتر من تهمه وأولهم تهمة قتل "ياسين عبد الرحمن السمري" .. أو بمعنى أصح المشاركة فى قتله بالتحريض
قال "عبد الرحمن" فى أسى :
- انا لله وانا اليه راجعون .. عمله ايه ولدى عشان يجتله
قال الضابط :
- "حسن" بعت واحد من رجالته عشان يحرق الشحنة اللى كانت طالعه تبع المناقصة اللى رسيت عليكوا يا حاج "عبد الرحمن" .. عشان يوقع العيلتين فى بعض وتفتكروا ان "جمال" أو أى حد من عيلة "الهوارى" هو اللى حرق الشحنه والعيلتين تقع فى بعض
قال "سباعى" بغيظ :
- منه لله
أكمل الضابط :
- ولما اضرب النار على "مراد خيري" و "مريم خيري" .. كان المقصود طبعا "مراد" لانه ابن "خيري الهواري" .. لان "حسن" عرف ان "خيري الهواري" مات وملوش الا ابن واحد عايش .. فحب ينتقم منه ويقتله لانه كان فاكر ان "خيري" من الاتنين هو اللى قتل ابنه
قال "سباعى" بحماس :
- الاتنين "خيري" محدش فيهم جتل .. اللى جتل مرته الله يحرق جبرها .. هى اللى جتلته وهو كان بيكتب اسمها مش اسم "خيري"
قال الضابط :
- المهم الراجل اللى مسكوه فى القاهرة ورحلوه هنا للصعيد قر واعترف كل حاجه لما حس انه هيلبس الليلة لوحده .. و شهد كمان ضد "حسن" انه هو اللى أمر بحرق المخزن .. وان الراجل اللى راح يحرق المخزن لما شاف "ياسين" .. "ياسين" عرفه كويس .. فقتله قبل ما يبلغ عنه
قال :عبد الرحمن" مقهوراً :
- منهم لله الظلمه .. ربنا ينتجم منيهم
قال الضابط :
- ده غير تجارة السلاح اللى كان بيتاجر فيها "حسن" .. الراجل اللى مسكناه واللى ضرب النار على "مراد خيري" .. اعترف بكل حاجه يعرفها عن "حسن" وبقه شاهد ملك فى القضية مقابل تخفيف حكمه
ثم قال :
- وعرفنا كمان انه كان بعت حد فى يوم كتب كتاب "جمال" عشان يقتله .. بس ملحقش ينفذ لان ساعتها اضرب النار على "جمال" فعلاً .. من "صباح"
قال "عبد الرحمن" فى حرج :
- دلوجيت بجت مرته وهو اتنازل عن حجه يا حضرة الظابط
قال الضابط مكملاً حديث :
- وكمان الراجل اعترف انه بعت رجاله يطعنوا "عثمان" ابنك .. برده لنفس السبب ..عشان العيلتين يقعوا فى بعض
صاح "سباعى" بغضب :
- ده ايه ده .. كتلة شر .. ربنا ينتجم منيه
قال الضابط :
- متقلقوش التهم الموجهه لـ "حسن المنفلوطى" ان مكنش هياخد فيها اعدام فعلى الأقل أوى هياخد مؤبد
صاح "عبد الرحمن " من قلبه :
- ان شاله يارب
قال "سباعى" وهو ينهض مع "عبد الرحمن" :
- متشكرين يا حضرة الظابط
ابتسم الضابط قائلاً :
- العفو يا حج "سباعى" .. مع السلامة يا حج "عبد الرحمن"
خرج "سباعى" و "عبد الرحمن" من قسم الشرطة ليتقابلا مع "جمال" و "عثمان" فى الخارج وقصا عليهما ما قاله الضابط .. صاح "جمال" بغضب :
- ولد التييييييييييييييت
قال "عثمان" بغضب :
- يعني يجتل أخوى ويبعت ناس يطعنونى ويضرب النار على "جمال" و على "مراد" كل ده عشان يوجع العيلتين فى بعض .. ولد التيييييييييييييت ده
قال "عبد الرحمن ":
- يمهل ولا يهمل يا ولدى .. ربنا أمهله وبعدين عاقبه عن كل اللى عيلمه مرة واحدة
قال "سباعى" بحكمة :
- أهم حاجة دلوجيت تكونوا اتعلمتوا الدرس .. وتعرفوا ان فى ناس عايشة على الأذى وبتتغذى على الشر .. وهمها انها توجع الناس فى بعضيها .. عشان اكده مش لازم ندى للشيطان فرصة واصل انه يدخل وسطينا أبداً أو انه يوجعنا فى الغلط
اقترب "عثمان" من "جمال" ومد له يده قائلاً :
- سامحنى يا ولد العم .. آنى محجوجلك
أمسك "جمال" بقبضة "عثمان" قائلاً :
- آنى كمان محجوجلك يا "عثمان" وياريتك تسامحنى عن كل اللى عيملته والأذيه اللى حوصلت منى
قال "عثمان" متنهداً :
- خلاص اللى فات مات .. وياريت العيلتين يبدأوا صفحة جديدة مع بعض
نظرا كل من "عبد الرحمن" و "سباعى" الى أيدي "جمال" و "عثمان" المتشابكة وابتسما فى سعادة
كانت "مريم" تنتظر مع "نرمين" فى غرفة "سارة" بقلق .. قالت "نرمين" بحنق :
- مالهم طولوا كده
قالت "مريم" :
- سبيهم ياخدوا راحتهم عشان يوصلوا لقرار صح
بعد دقائق من حديثهما دخلت "سارة" الغرفة فأغلقت "نرمين" الباب خلفها وقالت بلهفه :
- ها طمنينا
ابتسمت "سارة" بخجل وهل تضع يديها على وجنتيها قائله :
- كنت مكسوفة أوى
قالت "مريم" بلهفه :
- طمنينا ايه الأخبار .. ارتحتيله ؟
صمتت "سارة" وهى بتتسم بخجل .. قذفتها "نرمين" بالوسادة قائله :
- يا شيخه انطقى بأه
قالت "سارة" ضاحكه :
- أقولكوا ايه يعني
صاحت "نرمين" :
- يعني أشد فى شعرى يعني .. يا بنتى خلصى .. عجبك ولا معجبكيش
قالت "سارة" بقلق :
- المهم ان أنا اللى أعجبه
زغردت "مريم" قائله :
- يبقى عجبك
قالت "نرمين" بمرح :
- متقلقيش يختى لو مكنتيش عجبتيه مكنش طلبك من "مراد"
قالت "سارة" بقلق :
- تفتكرى
صاحت "نرمين" :
- حد يحوش البنت دى عنى .. أمال متقدملك ليه عشان معجب بـ "مراد" .. ما هو أكيد معجب بيكي انتى
قالت "سارة" مبتسمه :
- معاكى حق
قالت "مريم" بسعادة :
- ربنا يوفقك يا "سارة" أنا فرحانه أوى بجد
قالت لها "سارة" :
- "مريم" انتى تعرفى عنه ايه ؟
قالت "مريم" بحماس :
- متقلقيش يا بنتى والله انسان ممتاز ومحترم وملتزم وأخلاقه عالية
ثم أضافت ضاحكة :
- بس اوعى تقولى لاخوكى انى قولت الكلام ده أحسن هيعلقنى على باب زويله
طرقت "ناهد" الباب وانضمت الى البنات .. سألت "سارة" بلهفه :
- هو "عماد" مشى ؟
قالت "ناهد" :
- أيوة مشى
سألتها "سارة" بلهفه :
- ايه رأيك يا ماما
ابتسمت "ناهد" قائله :
- بصراحة انا شيفاه ارجل كويس جدا وكمان "مراد" سأل عنه كتير والناس بتشكر فيه وفى أهله أوى
ابتسمت "سارة" بسعادة وقد اطمئن قلبها
بعد مضى ثلاثة أشهر
عُقد حفل زفاف "سارة" و "نرمين" معاً .. بعدما ألح "أحمد" و "عماد" فى تعجيل زواجهما .. لم تعترض الفتاتان ولا "مراد" ووالدته .. كانت أخلاق "أحمد" معروفة للجميع وكذلك "عماد" الذى استطاع أن يكسب ثقة "مراد" فى فترة وجيزة لما لمسه فيه وفى والديه من حسن الخلق والإلتزام .. كانت سعادة "مراد" غامرة وهو جالس أمام المأذون يزوج أختيه الإثنين .. شعر بقلبه يقفز فرحاً عندما سمع جملة " قلبتُ زواجها " تتردد مرتين فى القاعة .. كانت "مريم" كالفراشة التى تتنقل بين الحضور فى قاعة النساء وهى تشعر بسعادة غامرة للفتاتين .. كانت سعيدة أكثر لتمكن "زهرة" من حضور الحفل بعدما استعادت قدرتها على المشى مرة أخرى وان كانت مازالت تعانى من آلام بسبب تقدم العمر .. كانت العبرات فى عيني "ناهد" وهى تنظر الى ابنتاها وكل منهما كالأميرة فى فستان زفافها الأبيض .. سلم "مراد" كل واحدة منهما الى زوجها ووصاه عليها كوصية النبي صلى الله عليه وسلم للرجال "استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا " ... وكما قال فى حجة الوداع : " استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت " .. وكما قال : " رفقا بالقوارير " ..

عاد "مراد" بـ "مريم" و "ناهد" و "زهرة" الى الفيلا التى خلت إلا منهم .. عبروا الردهه وهم يتحدثون عن تفاصيل ما حدث فى الفرح والبسمة على وجوههم .. قالت "زهرة" بحزن :
- البيت هيبجى فاضى جوى من غير البنات
قالت "ناهد" وسحابة حزن فى عينها :
- مش عارفه ازاى هتحمل فارقهم
قال "مراد" :
- ايه يا جماعة محسسنى انهم مهاجرين مهم هيعيشوا معانا هنا فى القاهرة .. أمال لو كانوا راحوا محافظة تاينة بأه
قالت "ناهد" بحده :
- مكنتش أوافق أبداً .. بناتي ميبعدوش عنى أبداً
صاحت "مريم" بحده مصطنعة :
- شكراً أوى أوى .. ولا كأنى موجودة .. عمالين تقولوا الفيلا هتفضى كأنى هوا عايش معاكم .. يلا تصبحوا على خير
همت بالإنصراف فجذبتها "ناهد" من ذراعها ضاحكة :
- احنا نقدر برده يا "مريم" ده انتى اللى منوره الفيلا
قالت بزعل مصطنع :
- لا أنا زعلانه بجد اتضح ان مليش لزمه فى البيت ده
جذبتها "زهرة" الى حضنها قائله :
- ده انتى جلبى يا "مريم" حد يجد يعيش من غير جلبه .. ها جوليلى
نقلت "مريم" نظرها بينهما وابتسمت قائله :
- ماشى خلاص اقتنعت انكوا متقدروش تعيشوا من غيري
صاح "مراد" من خلفهم :
- الله الله .. أنا نفسى أعرف بأه هو مين اللى ابنكم بالظبط أنا ولا "مريم"
التفت اليه الجميع وصاحت "ناهد" و "زهرة" فى نفس واحد :
- "مريم"
ثم انفجر الجميع ضاحكاً .. فمشى "مراد" فى طريقة الى الأعلى قائله :
- طيب اشبعوا ببعض بأه
تركتهم "مريم" وجرت خلفه قائله :
- "مراد" .. "مراد"
صاحت "ناهد" بغيظ :
- بعتينا يا "مريم" .. ماشى يا "مريم"
وضعت "ناهد" ذراعها بذراع "زهرة" قائله :
- سيبك منهم ملناش الا بعض
ابتسمت "زهرة" وربتت على كف "ناهد" قائله :
- ربنا يباركلك فيهم ويخليكى ليهم
ابتسمت "ناهد" قائله :
- ويباركلك فيهم ويخليكي ليهم
استيقظ "مراد" من نومه فلم يجد "مريم" بجواره .. وسمع صوت آهاتها فى الحمام .. انتفض من الفراش وارتدى ساقه الصناعيه بسرعة وهى ينادى عليها :
- "مريم"
خرجت "مريم" وهى تضع يدها على بطنها .. هب واقفاً وهو يقترب منها قائلاً :
- مالك يا حبيبتى
قالت وقد ظهر عليها آثار الإعياء :
- مش عارفه بطنى وجعانى من الصبح
أمسكها وأجلسها على الفراش ووضع وسادة خلف ظهرها ودثرها ثم قال بحنان :
- هنزل أعملك حاجة دافيه
قالت له :
- استنى يا "مراد" أنا شاكه فى حاجه كده
جلس بجوارها وقال بإهتمام :
- شاكه فى ايه ؟
نظرت اليه نظرة معبره .. فهتف بسعادة :
- بجد .. بجد يا "مريم"
قالت بسرعة :
- معرفش متعشمش نفسك إلا لما نعمل تحليل الأول .. عشان منزعلش لو النتيجة نتيجاتيف
هب واقفاً وقال :
- طيب يلا تعالى نروح سوا نعمل التحليل
ساعدها على النهوض ثم أوقفها قائلاً بقلق :
- لو تعبانه ممكن نأجلها
قالت "مريم" وقد بدا عليها أنها استعادت نشاطها :
- لا انا كويسه .. ملهوفة أوى أعمل التحليل مش هقدر أستنى
ثم استدركت :
- بس متقولش حاجة لماما "ناهد" و ماما "زهرة" إلا لما نتأكد الأول
خرجا معاً لعمل تحاليل الدم وأمضيا الساعات التى تفصلهما عن النتيجة فى التجوال والسير على النيل والتحدث معاً وإفضاء كل منهما الى الآخر بمكنونات قلبه .. عادا الى الفيلا ودخلا غرفتهما .. قال "مراد" :
- هتصل بيهم دلوقتى
قالت "مريم" وهى تبدل ملابسها :
- بس هما قالوا النتيجة الساعة 6 والساعة لسه 5 إلا
قال "مراد" بلهفه وهو يمسك الهاتف :
- مش قادر استنى
أوقفته "مريم" بيدها وقالت بقلق :
- ولو طلعت نيجاتيف
أمسك "مراد" ذراعها وضمها اليه بقوة قائلاً :
- هقول الحمد لله برده .. أنا أهم حاجة عندى انك كويسه .. واننا مع بعض يا "مريم"
ابتسمت "مريم" وقد شعرت بشئ من الطمأنينة داخل قلبها .. ثم ابتعت عنه وقالت بلهفه :
- يلا اتصل
اتصل "مراد" وأملاهم اسم "مريم" وانتظر لسماع نتيجة التحليل .. مرت الثوانى كساعات بل كسنوات حتى قال :
- حضرتك متأكد ؟ .... طيب متشكر
أنهى المكالمة وعيون "مريم" معلقة به فى لهفه وقالت
- ايه يا "مراد"
اتسعت ابتسامته وعيونه تنطق بالسعادة .. هتفت "مريم" بفرح وهى تضع يديها على فمها غير مصدقه :
- أنا حامل .. انا حامل يا "مراد"
عانقها "مراد" بقوة قائلاً بسعادة :
- أيوة حامل .. حامل يا أم .....
ثم ابتعد ونظر اليها بفرح قائلاً :
- الا قوليلى هو احنا هنسمى ايه
صاحت بفرح طفولى :
- مش مهم انشاله نسمى "اللمبي" المهم انى حامل مش مصدقه
خرجت من الغرفة مسرعة وهى تصرخ منادية :
- ماما "زهرة" .. ماما "ناهد"
أسرع "مراد" خلفها قائلاً وهى تنزل السلم :
- "مريم" متجريش كده بالراحه
دخلت "مريم" غرفة المعيشة حيث كانت المرأتان جالستان معاً أمام التلفاز .. نهضت "زهرة" بسرعة وقالت :
- فى ايه يا "مريم"
هبت "ناهد" واقفه هى الأخرى وهى تقول :
- مالك يا حبيبتى انتى و "مراد" كويسين ؟
قالت "مريم" بفرحة كبيرة :
- أنا حامل يا ماما
تعالت صيحات الفرحة التى أطلقتها المرأتان .. وعانقتاها بشدة .. دخل "مراد" قائلاً بمرح :
- يا "مريم" اعقلى أبوس ايدك احنا ما صدقنا
جذبها من ذراعيها وأجلسها بالقوة .. جلست "مريم" وهى تضع يدها على يد زوجها الممسك بكتفها وتتطلع اليهم بسعادة وترى نظرات الفرح فى أعينهم جميعاً .. اغرورقت عيناها بالعبرات وهى تستشعر نعم الله عليها .. وتردد بلسانها وقلبها وكل جوارحها :
- الحمد لله
انتهت "سهى" من صلاتها ووقفت أمام الشباك تنظر الى السماء وتضم يديها الى صدرها .. كان فى عينيها نظرات الرجاء والخوف .. بعد قليل وجدت أمها تدخل علهيا قائله :
- ايه ده يا "سهى" لسه مجهزتيش .. ادخلى استحمى يا بنتى .. عايزين نلحق ورانا حاجات كتير النهاردة
التفتت اليها "سهى" وتمتمت بخفوت :
- حاضر يا ماما
دخلت "سهى" وأخذت دشاً وهى تفكر .. تُرى أتقبل الله توبتها حقاُ .. أستستطيع فتح صفحة جديدة فى حياتها دون النظر الى الماضى .. أم أنها ستُفضح شر فضيحة لها ولعائلتها .. خلال الشهور الماضية تنامى حسن ظنها بالله .. لم تعد ترجو سواه ولا تأنس بالحديث مع غيره .. كانت تدعو الله بأن يتقبل توبتها ويغسلها من ذنوبها .. كانت مستبشره بقول الله تعالى بعد أن ذكر جرائم الشرك والقتل والزنا - : ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) .. وخلال الشهور الماضية التحقت بأحد المعاهد الدينية لتتفقه فى أمور دينها حتى لا تدع أحداً يخدعها مرة أخرى فى أى أمر من أمور حياتها .. عرفت الطريق الصحيح وانضمت للصحبة الصالحة التى أعانتها كثيراً وخففت عنها كثيراً دون أن تخبرهم بكنة ذنوبها .. استخارت كثيراً قبل أن توافق على العريس الذى تقدم لها .. لم تخبره أى شئ عن ماضيها .. لم تخبره أى شى عن ذنوبها .. لم تجاهر بمعصيتها أمام أى أحد .. عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "كل امتى يدخلون الجنة الا المجاهرين , قالوا : و ما المجاهرين يا رسول الله , قال : من يفعل ذنب فيستره الله فيصبح هو و يقول فعلت كذا و كذا " .. استعدت لهذا اليوم كأى عروس .. وقفت فى المساء أمام المرآة تتأمل ثوبها الأبيض ناصع البياض وقلبها يبكى قبل عينيها .. كانت تردد دعاءاً واحداً فقط " اللهم استرنى فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك" .. لم يفتر لسانها عن ترديده منذ أن أعلنت لله توبتها .. كانت تخشى على نفسها وعلى أهلها الفضيحة .. لكنها استخارت الله عز وجل فيسر أمر زواجها وفى فترة وجيزة .. سلمت أمرها لله وهى توقن أنه لن يضيعها .. حتى لو كانت نهاية هذا العرس هى الفضيحة فسترضى بها كعقوبة دنيوية تخفف من ذنوبها التى انغمست فيها بالماضى .. اذا أراد الله فضحها ليطهرها فليكن .. هى راضية بكل ما يرضيه .. تقدم زوجها وفتح باب بيت الزوجية .. دخلت "سهى" بقلب وجل .. كانت تشعر بقلق وخوف وتوتر بالغ .. كانت تردد دعاؤها الأثير "اللهم استرنى فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك" .. تقدم منها زوجها مبتسماً وقبل يديها قائلاً :
- منوره بيتك يا "سهى"
ابتسمت له مجاملة فقط .. لكن قلبها كاد أن يتوقف خوفاً وهلعاً .. ابتسم لها ابتسامة عذبة وقال بحنان :
- اتأكدى انى عمرى ما هظلمك أبداً .. وعمرى ما هخون الأمانه اللى ربنا ادهالى .. انى أمانه عندى يا "سهى ".. وربنا هيحاسبنى ان فرطت فى حقك بأى شكل من الأشكال .. عايز نبدأ حياتنا مع بعض بحب وود ورحمة .. وتكونى فعلاً خير زوجة ليا وأكون خير زوج ليكي .. أنا فرحان أوى ان ربنا كرمنى بيكي يا "سهى" .. وهعتبر ان حياتى معاكى هى بداية لحياتى فعلاً وانى معشتش قبل كده
كانت كلماته كالخناجر تمزق قلبها ألماً .. شعرت بأنها لا تستحق هذا الزوج الطيب المخلص الذى يتعامل معها كجوهرة غاليه .. تساقطت العبرات من عينيها فمسحها بأصابع يده برفق شديد وقال بتأثر :
- مش عايزك تعيطى أبداً .. ومتخفيش والله هعمل كل اللى أقدر عليه عشان أكون زوج صالح
عانقها زوجها يضمها لصدره وقلبه .. أغمضت عينيها وهى تنظر الى السماء .. وتردد دعائها الأثير .. وتذكرت كلام ربها "قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " .. فسقطت دمعة من عينها على ظهر زوجها لم يراها .. وكذلك هى .. لم ترى الدمعة التى سقطت من عينه على ظهر فستانها .. وشفتى زوجها التى ارتعشت وهمهم بصوت غير مسموع :
- يارب اقبل توبتى
بعد ثلاثة أشهر
- أحسن حاجه اننا أعدين فى التكييف وهما بره فى الحر وكمان نازليين شوى
قالت "نرمين" هذه العبارة ضاحكة وهى جالسه مع "سارة" و "مريم" و "مى" فى صالون الفيلا .. قالت "مريم" ضاحكة :
- آه يا شريرة
قالت "مى" بمرح :
- بصراحة أنا كمان فرحانه .. لان "طارق" غايظنى على طول شغل بشوفه بالصدفه أحسن خليه يتلسوع من الحر عشان يكن فى البيت
قالت "سارة" بحزن :
- انتوا شريرين أوى انتوا الاتنين .. "عماد" ذنبه ايه طيب كل واحدة فيكوا فرحانه فى جوزها .. انا بأه مش عايزه "عماد" يتلسوع
ضحكت "نرمين" قائله :
- أختى هبله وهتفضل طول عمرها هبله
قرصتها "سارة" فى ذراعها قائلاً :
- بنت انتى متقوليش هبله دى أنا أختك الكبيرة
التفتت "مى" الى "مريم" قائله بإبتسامه :
- أخبار النونو ايه
ضحكت "مريم" قائله :
- كويس الحمد لله
قالت "سارة" بفرحه :
- ولد ولا بنت
قالت "مريم" بحماس :
- لسه مش دلوقتى .. بس هعرف فى الخامس ان شاء الله
قات "سارة" :
- يارب تكون بنت .. نفسى فى بنوته صغيره
صاحت "نرمين" قائله :
- لا أنا نفسي بأه فى ولد .. عشان يطلع عفريت ويجنن "مراد" ويطلع عليه اللى كان بيعمله فينا
هتفت "مريم" :
- ايه يا "نرمين" مالك بقيتي شريرة كده ليه .. هو "أحمد" بيعذبك وبتيجى تطلعى عقدك علينا ولا ايه
هتفت "نرمين" قائله :
- "أحمد" ده روحى روحى روحى روحى روحى .. خمسة روحى
انفجر الجميع ضاحكاً وقالت "مى" :
- لا واضح
قالت "نرمين" بغيظ :
- بيعد ابن اللذينه يعمل فيا كل مقلب والتانى .. بس على مين ده أنا بطلعهم عليه
قالت "سارة" بدهشة :
- والله يا بنتى اللى يشوفك يقول انك واحدة فى كى جى .. اعقلى كده وخليكي راكزه
قالت "نرمين" :
- سيبنالك انتى الركزان .. أنا طقه وهفضل طقه
قالت "سارة" :
- ربنا معاك يا "أحمد" ويعينك عليها
قالت "نرمين" :
- آه ادعيله هو محتاج الدعاء ده بالذات

فى الخارج صاح "طارق" :
- أنا كان مالى أنا ومال الشوى .. فى حد يشوى فى عز الصيف كده
قال "أحمد" بغيظ :
- اللى يمشى ورا الستات .. انا واثق انها فكرة "نرمين" .. أما وريتك يا "نرمين"
قال "مرد" ضاحكاً :
- راعى يا "أحمد" انك بتستحلف لأختى فى وجودى
قال "أحمد" ضاحكاً :
- ما انت خمتنى يا "مراد" كان لازم وانت بتجوزهالى تديني الكتالوج بتاعها الأول اقراه عشان أبقى فاهم السيستم اللى هى ماشيه عليه مش أتصدم كده
اقترب "مراد" من "عماد" الجالس فى الظل وصاح قائلاً :
- يا أبو دماغ عاليه انت .. اللى مش هيشوى مش هياكل
قال "عماد" بثقه وهو يحتسى من كوب العصير الذى يمسكه :
- لا أنا مش قلقان .. "سارة" مش ممكن تسيبنى جعان .. لو انتوا معملتوش حسابي فى طبق .. "سارة" هتديني طبقها أنا واثق
ضحك "مراد" قائلاً :
- طول عمرها هبله
قال "عماد" محذراً :
- لا مسمحلكش مراتى مش هبلة .. مراتى دى مفيش أطيب ولا أحن منها
نظر اليه "مراد" بسعادة وقال مبتسماً :
- ربنا يخليكوا لبعض

خرجت "سارة" لتأخد الطبق الكبير الذى انتهى الرجال من شويه .. فابتسم لها "عماد" قائلاً :
- وحشتيني الشوية دول
ابتسمت قائله :
- وانت كمان وحشتنى
أعطاها الطبق قائلاً :
- يلا بالهنا والشفا
قالت بزعل :
- مش هعرف آكل لوحدى .. أول مرة من أول جوازنا مناكلش مع بعض
ابتسم لها "عماد" قائلاً :
- معلش بأه الظروف حكمت النهاردة .. بس كلى كويس ها .. انا عارفك بتفضلى طول النهار من غير أكل ومبتكليش الا لما بتشوفينى داخل البيت
ابتسمت "سارة" قائله :
-أعمل ايه يعنى مبيجيليش نفس آكل من غيرك
نظر اليها بحب قائلاً :
- معلش عشان خاطرى كلى كويس
قالت بصوت خافت :
- حاضر
قال "عماد" هامساً :
- بحبك يا "سارة" .. بحبك أوى
خفق قلبها بشدة .. وابتسمت له عيناها قبل شفتاها
دخلت "مريم" غرفتها لتفاجئ بـ "مراد" جالساً على فراشه وحوله خطابات "ماجد" .. كانت الخطابات موضوعه فى الحقيبة فى الدولاب .. لم تعرف أين تضعها أو ماذا تفعل بها فتركتها فى الدولاب كما هى .. اقتربت منه ونظرت الى الخطابات ثم اليه صمت قليلاً ثم نظر اليها قائلاً بهدوء :
- كنت حابب أعرف أى حاجه عنه .. كان عامل ازاى بيفكر ازاى .. كان عندى فضول أعرف .. وملقتش أدامى غير الجوابات دى تروى الفضول اللى جوايا
ثم زفر بضيق قائلاً :
- ويارتنى ما قريتهم
قالت "مريم" بهدوء :
- انت قريتهم كلهم
هز "مراد" رأسه نفياً وقال بعصبيه :
- قرأت 3 ومقدرتش أكمل
قالت "مريم" :
- ليه ؟
رفع رأسه لينظر اليها بغضب .. ففهمت أنه شعر بالغيرة عندما قرأ كلمات "ماجد" الموجهه اليها .. زفر بضيق مرة أخرى وهو يتمتم :
- أستغفر الله .. أستغفر الله
جلست "مريم" بجواره وهى تنظر الى الخطابات الملقاه بإهمال على الفراش وبينهم الدبلة الذهبية .. ثم التفتت الى "مراد" قائله :
- أنا بس مكنتش عارفه أعمل بيهم ايه فسيبتهم فى الدولاب زى ما هما
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- عارف
جمعت "مريم" الخطابات لتعيدها الى الحقيبة مرة أخرى وهى تقول :
- هحاول أشوفلهم صرفه
توقفت عند خطاب مكتوب عليه بخط كبير ( الأخيـــر )
حانت من "مراد" التفاته اليها ليرى الخطاب والكلمة المكتوبه عليه .. ثم رفع رأسه لينظر اليها .. توترت "مريم" وخافت أن تجرحه فوضعت الخطاب فى الحقيبة مع باقى الخطابات .. إلا أن يد "مراد" امتدت الى الحقيبة ليخرجه مرة أخرى ويقلبه بين يديه تحت ناظريها .. صاد الصمت للحظات ثم نظر اليها قائلاً :
- عايزه تقريه ؟
شعرت "مريم" بالتوتر وقالت بسرعة :
- لأ
تفرس فيها قائلاً :
- ولا حتى من باب الفضول ؟
صمتت لا تدرى ماذا تجيب .. لم ينتظر "مراد" ردها .. أمسك بالخطاب وفتحه وأخذ يقرأه .. شعرت "مريم" بألم فى بطنها من فرط توترها .. تُرى ماذا كتب "ماجد" لها فى خطابه الأخير .. كان الفضول يقتلها .. لكنها لم ترد أن تضايق "مراد" وتطلب منه قراءة الخطاب .. لكنها فوجئت بـ "مراد" يمد يده بالخطاب اليها بعدما انتهى من قراءته .. نظرت الى يده الممدوده اليها بالخطاب بدهشه .. لكن فضولها غلبها .. أمسكت الخطاب لتجد فيه :
- "مريم" .. هذا خطابى الأخيرة من مجموعة الخطابات التى أهديتك اياها قبل وفاتى .. ان كنت تقرأين هذا الخطاب والخطابات التى سبقته إذن فأنا لست معكِ وقد فارقت هذه الحياة .. "مريم" أعلم جيداً بقوة ما كان بيننا .. لكن الحياة تستمر ولا تتوقف عند أحد .. أنا الآن مستبشر وظاناً فى ربي أننى فى مكان أفضل بكثير .. وفى درجة أعلى بكثير .. وفى نعم أحلى بكثير .. أنتِ أيضاً سترحلين يوماً ما .. فلا تضيغي تلك اللحظات وتلك الأوقات فى الحزن واللإكتئاب .. فما ضاع لن يعود .. لا تضيعي أيام عمرك سُدى .. من حقك أن تحبي مرة أخرى .. أنتِ بشر ولستِ جماداً .. ولديكِ قلب مرهف بالمشاعر والأحاسيس .. ولديك ايمان قوى وعقل ناضج .. كونى بهم أسرة تكون خير عون لكِ فى الدنيا .. وتكونين راعية لهم .. تكوين أسرة مسلمة فيه من الأجر الكبير فلا تضيعيه بالنظر الى ماضى لن يعود يوماً .. ولا تقلقى يا "مريم" فى الجنة لا يوجد حزن ولا هم ولا دموع .. فى الجنه فرح وسعادة ونعيم .. سأهنأ أنا وتهأنئين أنتى .. حتى لو لم تصبحى زوجتى فى الجنة .. فلا يمكن أن يكون ذلك سبباً فى تعاسة أى منا .. لأن فى الجنة نعيم فقط .. ما أهديتك كل الخطابات السابقة الا لتكون عوناً لكِ فى وحدتكِ على تجاوز الأزمة .. وهذا خطابي الأخير يا "مريم" وأأمل أن أكون حققت به غرضى .. طلب الأخير .. أن تحرقى كل الخطابات بما فيهم هذا الخطاب .. وتمحين صورنا معاً .. وتتخلصى من الدبلة الذهبية اتى وضعتها فى اصبعك بنفس الطريقة التى تخلصتى بها من الزهرة .. وأخيراً وليس آخراً .. أستودعكِ الله الذى لا تضيع ودائعه .. "ماجد"
ترقرقت العبرات فى عينيها بعدما انتهت من قراءة الخطاب .. طوته ووضعته فى ظرفه .. قال "مراد" وقد بدا شارداً :
- كان انسان جميل أوى
قالت "مريم" بخفوت :
- ربنا يرحمه
نظرت الى "مراد" تحاول معرفة ما يدور فى عقله .. جذبها "مراد" معانقاً اياها وقبل رأسها قائلاً :
- ربنا يخليكي ليا
أحاطته بذراعيها وقالت مبتسمه :
- ويخليك ليا

وقفا معاً فى نفس المكان الذى ألقت فيه "مريم" الزهرة .. ألقت الدبلة فى الماء ونظرت اليها وهى تغوص فيه .. ثم نظرت الى دبلة "مراد" التى تزين يدها تلمستها بأصابعها مبتسمه .. فنظر اليها "مراد" وعيناه تشعان حباً وحناناً .. فسألها فجأة :
- عمرك ما هتندمى انك اتجوزتينى ؟
نظرت اليه بسرعة قائله :
- لا طبعاً .. عمرى
سألها بإهتمام :
- عمرك ما هتحسي بالنقص معايا ؟
صمتت قليلاً ثم قالت :
- ليه أحس بالنقص ؟
شرد "مراد" قائلاً :
- أكيد كنتى طول عمرك بتتمنى انك تتجوزى راجل عادى .. طبيعي .. وعمرك ما تخيلتى انك تتجوزى واحد معاق .. دلوقتى أكيد حسه ولو 1% بالنقص وبإن فى حاجة فى حلمك ناقصه
أمسكته "مريم" من يده قائله بحنان :
- انت اللى حاسس بالنقص مش أنا يا "مراد"
ظهرت سحابة حزن فى عينيه .. وظهر فيهما القلق والتوتر .. قالت "مريم" بحزم :
- "مراد" فى مكان لازم نروحه سوا
سألها بإهتمام :
- مكان ايه ؟
جذبته من يده وتوجها الى السيارة وقالت :
- سوق وأنا أقولك

جعلته "مريم" يتوقف أمام احدى البنايات فى أحد الأحياء الهادئة .. نظر حوله قائلاً :
- جبتينا هنا ليه ؟
نظرت "مريم" الى أحد الافتات الموضوعه على احدى البنايات تتبع "مراد" نظرها ونظر الى اللافتة التى تنظر اليها والمكتوب عليها "دار رعاية للأيتام المعاقين" ..التفت بحده ينظر الى "مريم" فقالت بحزم :
- يلا ننزل
نزلت "مريم" من السيارة .. ونزل "مراد" ووقف أمامها وقال بإستغراب :
- انتى عرفتى المكان ده منين ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- عملت ليهم شغل ديزاين قبل كده
قال "مراد" بإهتمام :
- وجايبانا هنا ليه ؟
نظرت اليه بحنان قائله :
- هتعرف دلوقتى
شبكت أصابعها فى أصابعه ودخلا معاً الى الجمعية .. توقفت أمام أحد العنابر .. نظرت الى "مراد" ترقب تعبيرات وجهه المندهشة ونظارت عينيه القلقه المتوترة .. فتحت باب العنبر وسبقته الى الداخل .. دخل "مراد" وأدار نظره فى الأسرة المرصوصة على الصفين .. كان على كل سرير طفل .. ولكن ليس كأى طفل .. هذا أحد الأطفال لديه كف واحد فقط والآخر مبتور .. وهذا طفل لديه ذراع مبتور .. وهذا طفل لديه جزء من قدمه مبتور .. وقف "مراد" ينقل بصره بين الأسره وعيناه تغشاهما العبرات وقد عقد ما بين حاجبيه بشده .. توقفت "مريم" أمام أحد الأسره وذهبت لتجلس بجوار الطفل الجالس فوقها أشارت الى "مراد" ليتقدم نحوها ففعل .. نظر "مراد" الى الطفل الذى تجلس بجواره خفق قلبه قهراً وألماً عندما نظر الى الطفل لجده بدون ذراعان .. كان الطفل يمسك كوب الماء بقدميه ويرفعه الى فمه .. قالت "مريم" للطفل وهى تحاول اخفاء تأثرها :
- ازيك يا حبيبى
قال الطفل بخجل :
الحمد لله
سألته "مريم" :
- اسمك ايه ؟
قال الطفل مبتسماً :
- اسمي "محمد"
صاحت "مريم" :
- الله اسمك جميل أوى يا "محمد"
ابتسم الطفل وأطرق رأسه بخجل .. مسحت على رأسه قائله :
- عندك كم سنة يا "محمد" ؟
رفع 4 أصابع من قدمه .. فقالت "مريم" :
- وكمان بتعرف تعد .. ده انت شطور أوى يا "محمد"
شعر الطفل بالسعادة وهو يسمع الى كلمات "مريم" المشجعه .. جلس "مراد" بجوار الطفل ونظر اليه قائلاً :
- تعرف ان أنا نفسي أسمى ابنك على اسمك
قال الطفل مبتسماً :
- انت عندك ابن ؟
قال له "مراد" مبتسماً :
- هيبقى عندى ان شاء الله
قال الطفل :
- هتسميه "محمد" زيى ؟
ابتسم له "مراد" قائلاً :
- أيوة هسميه "محمد" زيك
قال الطفل عابساً :
- بس مش هيرضى يلعب معايا عشان أنا معنديش ايدين
شعر "مراد" بالألم لكلماته .. فقال له :
- لا هيرضى يلعب معاك متخفش
ثم أشار الى قدمه قائلاً :
- مش انت بتقدر تعمل كل حاجه برجلك
قال الطفل بحماس :
- أيوة .. بعرف آكل وأشرب وألعب كمان
قال له "مراد" مبتسماً :
- خلاص يبأه مفيش مشكلة وهتعرفوا تلعبوا مع بعض
ابتسم الطفل وقال :
- خلاص يا عمو أنا هستناه لما يكبر عشان ألعب معاه
مسح "مراد" على رأسه وانحنى ليقبل رأسه .. مسحت "مريم" على وجنته قائله :
- احنا هنمشى دلوقتى يا "محمد" بس هنجيلك تانى .. ماشى
أومأ برأسه قائلاً :
- ماشى
لوح لهما بقدمه مودعاً .. و "مريم" تلوح له هى و "مراد" .. خرجا خارج العنبر وكادت أن تتوجه "مريم" الى باب الخروج فقال لها "مراد" :
- استنى
سأل أحد العاملين عن مكتب المدير .. توجه اليه و شكره على اهتمامه برعاية مثل هؤلاء الأطفال اللذين هم فى أمس الحاجة للرعاية بعدما فقدوا أبويهم وعانوا من مرارة اليتم قبل مرارة الإعاقة .. قدم اليه "مراد" شيكاً بمبلغ كبير تبرعاً منه لهؤلاء الأطفال .. شد المدير على يده يشكره على صنيعه .. خرج "مراد" مع "مريم" من الدار وفتحت باب السيارة لتركب لكنه أوقفها وأغلق الباب وقبل يدها ورأسها ونظر اليها يحتويها بعينيه .. ابتسمت "مريم" له دون أن تتحدث .. فتحدث هو قائلاً :
- الحمد لله
قالت "مريم" :
- من قلبك ؟
ابتسم قائلاً :
- من قلبي
قالت وهى تنظر اليه بحب :
- ماشى يا أبو "محمد"
سألها قائلاً :
- يعني موافقة ؟
قالت :
- طبعا موافقه أنا كمان بحب الاسم ده
غاص فى بحر عينيها قائلاً بتأثر :
مش عارف من غيرك كانت هتبقى حياتى عامله ازاى .. انتى غيرتيني يا "مريم" .. خلتيني "مراد" تانى .. بس اوعى تهمليني فى يوم من الأيام لانى دايماً هفضل محتاجلك جمبي .. ايدك فى ايدي
أمسك كفيها بين كفيه .. نظرت اليه بحنان قائله :
- انت كمان غيرتنى يا "مراد" وخلتنى "مريم" تانية .. ومش عايزاك تبعد عنى لحظة لانى مبحسش بالأمان غير لما بكون جمبك .. وايدي فى ايدك
ضغطت بيدها على يده برفق فتشبث بهما بقوة
احتواها بعينيه قائلاً :
- بحبك يا مريومتى
احتوته بعينيها وقالت مبتسمه :
- بحبك يا مرادى
ابتسم لها وتطلع اليها فى حنان .. بحثت "مريم" فى عينيه عن القلق والخوف والحزن والألم لكنها لم تجد لهم أثراً .. لم تجد إلا الحــب .. الحــب فقط.

... تمــت بحمــد الله 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close