رواية وريث آل نصران الفصل السادس والعشرون 26 بقلم فاطمة عبدالمنعم
بسم الله الرحمن الرحيم
أفعالي يراها الجميع ولكن لا أحد سواي يعلم أن الفاعل أنا.
إن القلوب إذا تلاقت تلتحم، حينها فقط ستشترك معي لنعلم أنا وهي.
هما الآن أمام البوابة الخارجية، الهواء يداعب خصلاتها التي حررتها من رابطة شعرها العلوية الزرقاء، انتهى الحفل أخيرا، ولكن ما حدث به لم ينته بعد، كانت "شهد" تسير بجوار "طاهر" وألقت سؤالها بلا أي تعبير ظاهر على وجهها:
كنت عارف إن مراتك هنا؟
رفع حاجبيه متصنعا الدهشة وهو يسألها ضاحكا:
مراتي مين؟
صححت ما قالت لتحصل على إجابة:
طليقتك أقصد.
طال انتظار إجابتها فنبهته بانفعال:
رد يا كابتن.
أتى الرد ولكنه لم يكن إجابة لسؤالها أبدا حيث قال مشيرا إلى خصلاتها:
شعرك وهو ملموم شكله أحلى.
ابتسمت هازئة وقد بانت الحدة في نبرتها وهي تقول أثناء ركوبها السيارة:
بجد والله؟...المفروض بقى تقولي كده فاربط شعري وانسى السؤال اللي مستنية إجابته صح!
جلس أمام عجلة القيادة وهو يخبرها ببراءة:
أنا قولتلك اربطيه؟.. أنا بقول رأيي مش أكتر.
تأففت بضجر وسألته للمرة الأخيرة محاولة التماسك قدر الإمكان:
طاهر بجد ... كنت عارف إن "فريدة" جوا؟
طالعها وهو يهز رأسه بالإيجاب فلمع السؤال في عينيها ولكنها لم تقل سوى:
طب لو سمحت روحني.
قاد سيارته وقد صمت كلاهما طوال الطريق حتى تحدثت هي حينما وجدته يقف بسيارته أمام أحد المحال:
وقفت ليه؟
طالعها وهو يطلب برفق:
هشتري ل "يزيد" حاجة، ممكن تنزلي معايا؟
تبعته في النزول من السيارة حتى وجدت نفسها داخل مكان مخصص لبيع الحيوانات، أتى هنا ليشتري لصغيره سلحفاة، هذا ما أدركته من حديثه مع البائع، لاذت بالصمت وهي ترمق الأشياء من حولها حتى ثبتت فجأة وهي تسمعه يقول:
كنت عارف ان فريدة هناك، وعارف ان صحابي اللي طلبوا مني احضر، هما نفسهم اللي جابوها علشان تكون فرصة نتصالح.
سألته وهي تحاول التحكم في انفعالها كي لا تجذب الانتباه:
وخدتني معاك ليه... اما انت رايح تصالح، وتلطف.
مسح على لحيته وهو يخبرها بما جعلها تعطيه كامل انتباهها:
خدتك معايا علشان أقتل أي فرصة ليا مع فريدة، خدتك علشان بالرغم من ان معظم اللي في حياتي بيطلبوا مني ان ارجعلها وانها اتغيرت، بلاقي نفسي بعاند وبكابر، والنهاردة لما قررت اني حتى مش هرجع بيتنا بعد الرحلة، هروح الحفلة دي واديها فرصة تانية، وجايز ارجع انا وهي...لقيت نفسي اول ما عديت من على باب كليتك وقفت، خروجك مكانش صدفة، اول ما شوفتك عرفت ان انا بعمل حاجة غلط، بعمل حاجة انا مش عايزها، او جايز كنت عايزها بس هي دمرت كل حاجة بيننا.
سألته بحزن لمع في عينيها:
يعني انت كنت مرتب بقى، هتاخدني وتقولهم اني قريبتك، وتفضل معايا فمحدش فيهم يقولك حاجة عن موضوع "فريدة".
اعترض على ما تقول حيث نطق بصدق:
انا قولت انك قريبتي علشان ارفع الحرج، لكن أي كلام منهم عن موضوع فريدة مكانش هيبقى مقبول بالنسبالي وكنت هرفضه، انا اخدتك علشان انتِ " شهد" اللي من يوم ما عرفتها وانا بتصرف زي ما اكون رجعت عشر سنين ورا، مش علشان تبقي ند لحد في مكان.
أتى البائع وقد أحضر له طلبه الذي أخذه "طاهر" وخرجا معا فقالت بعتاب:
كان ممكن تقولي بدل ما احس زي اللي اتدلق على دماغها جردل ماية ساقعة وانا بشوفها هناك.
_أنا قولت كل الكلام اللي عندي، ومفيش أي حاجة تانية أقولها، لو لسه زعلانة فهو حقك، مع إني عارف إني مبيتزعلش مني.
قال اخر كلماته ضاحكا وهو يركب سيارته، فاعترضت:
لا زعلانة منك يا كابتن.
ضحك وهو يقول:
قولتلك حقك.
كانت تطلع على السلحفاة في الخلف فسألها:
حلوه السلحفاة؟
_مبروك ما جالك هتسميها ايه بقى؟
قالتها مازحة فضحك وقد تابع القيادة قائلا:
لا سميها انتِ.
جذبت رابط الشعر، تربط به خلاصتها من أعلى على شكل أنشوطة وهي تقول باسمة:
سميها "غرام".
استدار يطالعها قائلا بعد ابتسامته على:
رأيي طلع حلو دلوقتي، كان وحش من شوية يا
" غرام" .
كان يقصد خصلاتها التي ربطتها، فضحكت وهي تنظر من النافذة جوارها، هاربة من حديثه...دق قلبها هي معه دائما تشعر ولكنها متيقنة أنه شعور صادق... لم ينبع إلا من فؤادها.
★***★***★***★***★***★***★***★
ساد الهرج في منزل "منصور" حيث فقدت زوجة ابنه الوعي، وضعها "جابر" على الأريكة، وهرول إلى الغرفة، وأتت الخادمة بالماء الذي نثرته على وجهها،
عاد جابر مجددا وبيده زجاجة العطر حيث قربه منها فانكمشت تقاسيمها وهي تعود تدريجيا، بينما أردف "نصران" الذي هب تاركا مقعده:
أنتِ بخير يا بنتِ؟
عادت تماما لوعيها وهمست مجيبة:
بخير.
حثها "جابر" على القيام قائلا:
قومي معايا اطلعك اوضتك
ساعدها في القيام واتجها معا إلى الأعلى، نظرة جانبية منها إلى ذلك الذي تسبب فيما وصلت له ولكنه لم يبادلها النظر.
عاد "نصران" للجلوس جوار ابنه و"منصور" يقول:
مش عارف اقول ايه على اللي حصل ده والله يا حاج "نصران".
رفع عنه " نصران" الحرج بقوله:
محصلش حاجة... ألف سلامة عليها،
ياريت تقول كنت عايز ايه، علشان نقوم نشوف مصالحنا.
بادر "منصور" بسؤال غير متوقع وقد وجهه ل "عيسى":
وهو الحاج " مهدي" عارف انك خطبت بنت أخوه؟
استدار بعينيه ل "نصران" متابعا:
مش دي الأصول برضو ولا ايه؟
ضحك "نصران" بسخرية سائلا:
وهو أنت هتعلمني الأصول يا "منصور" ؟
رفع "منصور" كفيه ببراءة وهو يجيب بسؤال اخر:
أنا قولت كده؟
اسمع يا حاج "نصران" أنا "مهدي" جالي لحد هنا وحكالي اللي حصل... أنت حكمت على ابنه من كلام بنات "هادية" بس وده مش الحق، مش جايز بيتبلوا عليه؟... وبعدين "شاكر" شاب وانت عارف طيش الشباب.
لم يتحدث "نصران" هنا بل ألقى "عيسى" لفافة تبغه وهو يقول:
البريء اللي معملش حاجة مبيجريش يستخبى، وطيش الشباب اللي بتتكلم عنه ده قصاده راح واحد ضفره بشبابكم كلهم.
_شايف الغلط يا حاج "نصران" ؟
قالها "منصور" فرد عليه "عيسى":
الغلط مش عندي، الغلط عند الراجل المحترم كبير قريته اللي مدخل نفسه في حكاية هو مش طرف فيها، ولا يعرف ايه اللي حصل... وعايز يعمل صلح على حساب دم واحد اتغدر بيه عندكم.
نظر " منصور" لوالد "عيسى" منتظرا حديثه فسمعه يقول:
طلع نفسك منها يا "منصور"، كفاية اوي الخلافات اللي كانت بيننا ولسه بتتساوى.
كان يقصد هذا الصراع القديم، حيث عائلة " منصور" التي تظن أن لها الحق في دخول قرية "نصران" واستعادة أملاك جدهم الأكبر "فضل".
ابتسم " منصور" بحقد لكنه اجتهد ليداريه وهو يقول:
عموما فرح "علا" بنت "مهدي" على "محسن" بعد جمعتين، والبت عايزة بنات عمها يجو فرحها، ويفرحوا معاها...
"مهدي" طلب مني اعزمك يا حاج "نصران" عايز تيجي...
قاطعه "عيسى" سائلا:
وأخو العروسة بقى هيحضر الفرح؟... ولا هيلم النقطة من الحتة اللي مستخبي فيها؟
_يحضر علشان تقتلوه؟
قالها "منصور" باستنكار دفعه "نصران" بقوله:
لا... انا قولت ل "مهدي" هات ابنك وتعالى اقف قصادهم لكن هو عمل ايه؟...ساعات الخايف بيهرب بس علشان خايف من الظلم، لكن "شاكر" ده بيهرب علشان ظالم، وجبان.
ألقى "نصران" اخر كلماته واستقام واقفا، تبعه ابنه فاعترض "منصور":
لسه الغدا.
أردف " نصران" بهدوء:
الواجب وصل.
أخرج "عيسى" حافظة النقود من جيبه، ثم أخرج أوراق نقدية طالبا:
عايز قلم.
استغرب "منصور" وكذلك والده ولكنه طلب من الخادمة إحضار أحد الأقلام، أخذه "عيسى" منها ودون بخط بارز على كل الأوراق النقدية اسم شقيقه
"فريد نصران"، عدا ورقة واحدة التي كتب عليها اسمه " عيسى نصران".
انتهى من الكتابة ووضع النقود على الطاولة وفوقها القلم الذي كتب به وسط نظرات " منصور" المندهشة ثم أردف بضحكة صغيرة:
ودول واجبي للعروسة، النقطة.
تحدث "منصور" داخليا ببغض:
تعبان زي جدك، ويمكن سمك أكتر كمان،
جاي تطل يا بن "نصران" علشان تغلب الكل.
صمت حديثه الداخلي وهو يسمع "عيسى" يتابع:
اديهم ل "مهدي" يديهم للعروسة والعريس، وقوله الحاج "نصران" بيقولك ألف مبروك، وبيقولك بص على الأسامي اللي على الفلوس دي كويس... وافرح ببنتك وادعي لابنك.
ابتسم "نصران" برضا وربت على كتف ابنه يحثه:
يلا يا "عيسى".
انصرفا معا وقد ألقى " نصران" السلام على الجالس، بمجرد خروجهما سأل "نصران" ابنه:
شوفت ندى.
هز "عيسى" رأسه بالإيجاب قائلا:
كنت عارف انها متجوزة في اسكندرية، بس مكنتش اعرف ان جوزها يبقى "جابر" ده.
_اوعى يكون لسه في حاجة من ناحيتها يا "عيسى" دي دلوقتي ست متجوزة، حتى لو هي في من ناحيتها ليك حاجة ابعد وامنعها.
حذره "نصران" فقال "عيسى":
أنا معنديش حاجة ناحية حد يا بابا، " ندى" صفحتها اتقفلت من اليوم اللي سبتها فيه... مش محتاج تقولي ده، بالنسبة بقى للي حصلها واحنا هناك جايز عيانة عادي مش حاجة مرتبطة بيا.
ضحك "نصران" بسخرية ثم ضربه بخفة على كتفه ناطقا:
على أبوك برضو، دي وشها جاب سبع ألوان لما شافتنا.. علشان كده قولتلك الكلمتين دول وكويس انك عارفهم.
تبع حديثه بإشارة على الخاتم إصبع ابنه:
ده اتلبس امتى بقى؟
_بعد ماقرأنا الفاتحة.
أعطى "عيسى" الإجابة لوالده الذي قال:
قراية فاتحة مش خطوبة يعني زي ما قولت عند الناس.
ضحك "عيسى" وهو يخبره:
ماهو كلمة خطوبة دي منصور هيروح يقولها ل "مهدي" ومن بيت "مهدي" هتوصل ل "شاكر" وأنا يهمني انها توصل.
أتى والده ليتحدث محذرا ولكن قاطعه "عيسى" يقول ما يعلم أن والده سيقوله:
"ملك" بعيد عن اللي بيني وبين "شاكر"، ملك هتجوزها ومش هطلقها مهما حصل علشان بنات الناس مش لعبة، وأنا عندي اخوات بنات.... سأل والده ضاحكا:
نسيت حاجة كده يا حاج؟
ضحك " نصران" وهز رأسه بمعنى لا فائدة وهو يتابع طريقه نحو المنزل بعد دعوة لم ينل منها إلا ما أثار حنقه أكثر على هؤلاء.
★***★***★***★***★***★***★***★
لقد أتى مجددا إلى القاهرة وإلى مكانه المفضل،
وقف "حسن" أمام طاولة البلياردو وأمامه صديقه الذي سأله:
هو أنت مش ناوي تيجي تشوف الدنيا في الكلية؟
ولا قاعد فيها ولا ايه؟
رمقه "حسن" بضجر وهو يقول:
يعني أنا جاي القاهرة علشان اقابلكم، ونيجي هنا تقوم ترميلي الكلمتين اللي يعكننوا الواحد دول.
ضرب "حسن" الكره بعصاه وهتف بانتصار:
شوفت يا بني.
لم يكد يختم حديثه حتى حضرت "مروة" فطالع صديقه بانزعاج وهو يسأله:
أنت اللي قولتلها اني هنا؟
هز رأسه بنفي وهو يتحدث بصدق:
لا طبعا مش أنا... بس أنت عارف صحابها في كل مكان هنا وأكيد لما شافوك قالولها.
كانت قد وصلت لهما فسألها "حسن" بابتسامة حملت في طياتها غيظه:
عايزة ايه يا "مروة"؟
ضحكت ورفعت حاجبها تسأله:
ويا ترى مريم بتاعة المره دي بقى حلوه ولا أي كلام؟
لا يعرف أحد " مريم" سواه، ولكنها عرفت بالتأكيد من حسابه الذي وجده مخترق هذا الصباح لذا جذبها من ذراعها بعنف متجها ناحية زاوية لا يراها الكثير من الأعين وهو يقول:
يعني أنتِ اللي عملتي hack على حسابي.
احتدت نظراتها وكذلك حديثها وهي تقول بعنف:
ايوه أنا اللي عملت علشان أحذر المغفلة الجديدة قبل ما تبقى زيي.
سألها بانفعال:
أنتِ عملتي ايه؟
فتحت حساب وهمي، صنعته هي من أجل أن تتمم مهمتها، ثم دخلت إلى محادثة عليه بينها وبين "مريم" وقامت بتشغيل أحد التسجيلات الصوتية المرسلة قائلة:
اسمع كده.
بان له صوتها وهي تقول:
هاي يا "مريم"، عرفت من ال account بتاعك انك ثانوية عامة، ربنا يوفقك يا روحي يارب، بس عندي سؤال صغير... أنتِ تعرفي حد اسمه " حسن نصران" ؟
رسالة صوتية اخرى وصوت "مروة" تهتف:
Please يا روحي لو تعرفيه كلميني
لم تكن قد أتتها الإجابة من "مريم" حتى الآن فتحدث بغضب:
اعملي delete للزفت دول.
سألته بسخرية:
ليه هو أنت لسه معاها في مرحلة اخطف واجري، فمش عايزها تكون عنك نظرة سيئة؟
طالعته بألم وقد تجمعت الدموع في عينيها:
أنا صدقتك مع إن كل الناس حواليا قالولي انك كذاب... فاكر أول مرة اللي قولتلي فيها أنا بحبك يا "مروة" ولا نسيت؟... فاكر "مروة" اللي كنت بتقعد ترسمها بالساعات، الجري ورايا في كل مكان، والوعود اللي مفيش واحد منهم بس وفيت بيه.
_أنا ماشي يا "مروة" ماشي علشان قرفت من نفس الكلام اللي بسمعه كل مره... وبالنسبة لل voices اللي بعتيها اشبعي بيها.
قال حديثه بضجر فتشبثت بمرفقه من الخلف تطلب بدموع:
"حسن" علشان خاطري.
دفع يدها بعيدا وهو يرحل من المكان بأكمله ناطقا بانزعاج:
يا شيخة اوعي بقى... ده انتِ مملة.
رحل فهزت رأسها تهتف بحسرة متوعدة ودموعها في سباق:
ماشي يا "حسن".
الأقبح من التخلي، هو مدى قرب من أتى منه... أن يأتي إليك ممن هو أقرب إليك منك.
★***★***★***★***★***★***★***★
اندلع صوت المذياع المتواجد في الردهة، وقد أسدل الليل أستاره، اتخذت ملك مقعدها في الشرفة الخارجية ووضعت " شهد" وسادة على الأرضية الباردة جلست فوقها، فأتت والدتهم وتبعتها "مريم" بأطباق بها قطع من ما يسمى ب (الأرز المعمر) ثم وضعت والدتها الحامل الذي وضعت عليه أكواب الشاي ونطقت بتحذير:
اخر مره يا "شهد" اشوفك معاه في العربية تاني... هترجعي ارجعي بالمواصلات، الناس مش هتتكلم عليه هو علشان ابن كبيرهم بس هتتكلم عليكِ انتِ.
_يا ماما حفظت والله حفظت من ساعة ما رجعت والمحاضرات شغالة.
قالتها "شهد" بغيظ فجذبت هادية مقعد مجاور ل "ملك" في الشرفة وهي تخبرها محذرة:
المره دي محاضرات، المره الجاية هتبقى علقة.
ضحكت "مريم" ورمقت شقيقتها قائلة بتشفي:
احسن تستاهلي.
اعترضت "شهد" بضجر:
طب بعيد بقى عن المحاضرات يا ماما البت دي قاعدة معانا ليه، تاخد كتابها وتدخل تذاكر جوا.
تحدثت "ملك" باعتراض:
لو هي دخلت تذاكر، انتِ كمان هتقومي زيها، ولا هي وراها مذاكرة... وانتِ وراكي كحك العيد
انكمشت ملامح "شهد" بتصنع الصدمة وهي تقول لشقيقتها بعتاب:
اخس... اخس على الانسان وعمايله اخس.
قالت "مريم" بتلذذ بعد أن دست الملعقة الأولى في فمها:
Wow, so delicious.
رفعت والدتها حاجبها الأيسر باستنكار وهي تخبرها:
اتكلمي عدل يا حبيبتي بدل ما تدخلي تذاكري جوا لوحدك.
فعلتها "شهد" هذه المرة وهي تقول لها:
أحسن.
تابعت "شهد" تقول لوالدتها:
بس فعلا يا ماما، أحلى رز معمر في القارة.
ضحكت "هادية" فقالت "مريم" بضحكة واسعة:
بقولك ايه يا ماما، بمناسبة بقى القعدة الرومانسية دي ليل وبلكونة ورز معمر... ما تحكيلنا كده انتِ وبابا اتجوزتوا ازاي؟
التقطت "ملك" كفها تقول برجاء:
اه يا ماما بالله عليكِ احكي.
وضعت كل منهم يدها على وجنتها تنتظر سماع الحديث بحماس حتى قالت "هادية" بابتسامة:
هحكيلكم وأمري لله
تنهدت وهي تتذكر سنين مضت من عمرها ولكنها تركت أثر كبير فيها، قالت بهدوء:
كنت صغيرة قد "ملك" كده أو أصغر، مكنتش اعرف يعني ايه حب، وكانوا أبويا وأمي شداد أوي تربية ميري زي ما بيقولوا... بس هو كان حنين
تلألأت الدموع في عينيها وهي تقول:
كان أحن واحد في الدنيا... كان دايما يقولي أبيع الدنيا كلها يا "هادية" ومخسركيش.
وكأنها تسمع الصوت يتردد في أذنها الآن، تقف في أحد الأراضي الزراعية مع "نصران" الذي صرح بنبرة حانية:
أنا أبيع الدنيا كلها ومخسركيش لحظة واحدة.
_بجد يا "نصران"؟
أتت الإجابة على سؤالها نبرتها مطمئنة وهو يقول:
بجد يا " هادية".
عادت إلى الواقع وهي تتابع:
حبني من غير ما يكون عايز أي حاجة، وكان بيكتبلي جوابات كمان.
ارتفع حاجبي "شهد" بدهشة وسألتها:
بجد يا ماما، بابا كان بيكتبلك جوابات!
_ها؟
خرجت من "هادية" بشرود ولكنها سريعا ما تداركت الموقف قائلة:
أيوه أبوكِ الجيران هما اللي بيكتبوا يعني.
كل شيء يتجسد أمامها كأنه الآن، تستطيع الآن أن ترى هيئتهما وهما يلتقيا خلسة خلف منزلها يعطيها الخطاب فتقول:
كده 12 جواب منك يا "نصران".
فيرد عليها بابتسامة واسعة:
كده معايا أغلى قلمين في عمري كله، الأقلام اللي اتكتبت بيها الجوابات دي.
من جديد تعيدها إحدى بناتها للواقع حيث نطقت
" مريم" بضحك:
ده بابا كان جنتل أوي.
مسحت "هادية" الدموع التي نزلت من عينيها وهي تتابع بضحكة:
بعد كده جه اتقدم لأبويا، و أبويا وافق.
إنه والدها يقف الآن في بهو المنزل يخبرها بحسم:
حسن ابن عمك اتقدملك، وانا وافقت.
_طب، وأنا؟
قالتها بانهيار وهي تشعر وكأن أحدهم يسلب الحياة منها فرد والدها باستهجان:
أنتِ ايه؟... من امتى والبنات ليهم رأي في الحاجات دي؟
قالت مدافعة:
بس أنا يا بابا مش بحب "حسن".
ضحك والدها بسخرية وهو ينادي على والدتها هاتفا:
تعالي يا " دلال" شوفي "بنتك" اللي بتقولك أحب، اسمعي يا بت انتِ اخر الكلام، كتب كتابك على ابن عمك كمان شهر، عاجبك بالذوق كان بها، مش عاجبك يبقى تتأدبي ويعجبك سامعة؟
كانت تبكي بانهيار فضربتها والدتها في ذراعها ناطقة:
ما تردي يا بت على أبوكِ.
ذكريات كثيرة، هذا الحديث الذي لن تنساه ثم "نصران" المقهور وقد رفضت كل حلوله فوالدها يبغض عائلته، وهي قررت الخضوع، تستطيع الآن سماعه وهو يقول بحسرة:
أنا كنت مستعد أسيب كل حاجة علشانك حتى أهلي، لكن أنتِ مخاطرتيش بحاجة واحدة بس علشاني.
فاقت من هذا الشرود بأكمله وهي تخبرهم:
والجوازة مشيت، والعشرة بتجيب تعود وأنا وأبوكم اتعودنا على بعض أكتر وبعدين جبتكم بقى.
أخبرتها "ملك" وهي تربت على كفها مبتسمة بحنان:
ربنا يرحمه.
آمنن معا على دعائها، ووالدتهن تهمس:
ربنا يرحمك يا "حسن"، ويسكنك الجنة... ويحفظهم ليا.
قالت آخر كلماتها وهي تشمل فتياتها الثلاثة بنظرة كساها كل جميل وابتعد عنها كل ماهو جاف... سيطر عليها الدفء وما أجمله من دفء.
★***★***★***★***★***★***★***★
اشتقاق كبير حمله هذا الصغير لوالده وظهر في احتضانه الواسع لها بمجرد أن دلف إلى المنزل، مال عليه " طاهر" مقبلا وهو يخبره بحب:
وحشتني يا "يزيد".
رأى الصغير السلحفاة فقفز بفرح:
بجد أنت جبتها يا بابا بجد؟
مسح على خصلاته قائلا:
اه دي " غرام" صاحبتك.
نادى الصغير على "رفيدة" بحماس:
تعالي شوفي "غرام".
رأتها وشاركت الصغير فرحة مزيفة وهي تهمس لشقيقها:
ماما مستحيل توافق انها تبقى هنا.
_بس يزيد كان عايزها.
قالها " طاهر" بإحباط، خرجت والدته وهرولت ناحيته باشتياق بمجرد أن رأته ولكنها توقفت في المنتصف تسأل:
ايه ده؟
فرك "طاهر" عنقه متصنعا أنه لم يسمع بينما قالت "رفيدة" بضحكة واسعة:
كائن حي يسير ببطء شديد، ويأكل الخضروات.
ضحك "طاهر" حتى سعل من فرط الضحك، فأمرت والدته بصرامة:
البتاعة دي تطلع برا.
أتى صوت "يزيد" يخبرها بحزن:
تيتا "غرام" cute وأنا بحبها.
دخل "نصران" و "عيسى" من البوابة، فهرولت "رفيدة" ناحية والدتها مستغيثة:
الراجل الكبارة ده مش هيرضيه الظلم، يرضيك كائن حي مسالم يتطرد من بيتك؟
مسح "نصران" على خصلاتها مردفا بضحك:
لا طبعا يا دلوعة أبوكِ
قالت بحزن:
ماما عايزة تطرد "غرام".
كرر " عيسى" خلفها باستغراب:
"غرام" ايه "غرام" دي؟
تحدث "طاهر" إلى والده هذه المرة:
يا بابا "يزيد" بقاله فترة عايز واحدة، أنا عارف انها روح، و رفيدة هتعلمه يهتم بيها... مش عارف يا ماما بصراحة مشكلتك معاها ايه؟
قالت "سهام" بغضب:
انا مش بحب البتوع دول.
_خلاص يا "سهام" متختلطيش بيها، علشان متكسريش بخاطر العيل الصغير اللي فرحان بيها ده.
قال لها "نصران" ثم ربت على كفها ناطقا بلين:
علشان خاطري.
طالعته ثم حسمت أمرها وقالت في النهاية بحب:
تقعد علشان خاطرك.
قفزت "رفيدة" تحتضن والدها وتنهال عليه بالقبلات مرددة:
أيوه يا بابا يا جامد.
اقترب "طاهر" من "عيسى" يريد الاطمئنان فسأله هامسا:
عملت ايه مع خالة الواد.
أخبره "عيسى" ببساطة شديدة دعمتها ابتسامته:
قولتلها "طاهر" بيقولك متجيش هنا تاني.
طالعه "طاهر" بصدمة قائلا:
أنت قولتلها كده بجد!... بتهزر صح.
ضحك "عيسى" عاليا وهو يقول مهدئا:
اهدى مش كده، أنا قولتلها كلام يعرفها انك كاشف اللي هي بتعمله وانها عايزة تسحب الواد، لكن هي قعدت اليوم كله ومشيت بالليل، وبعدين محدش هنا يقدر يطرد حد غير أبوك.
قطعت "سهام" حديثهم وهي تدعوهم إلى الطعام ناطقة:
يلا الأكل جاهز.
تحرك "طاهر" وحثه قائلا:
يلا ونكمل بعد الأكل.
ربما مرور الساعات سريع، سريع بالنسبة لأحداثنا المتلاحقة، هذه الساعات المبكرة من الصباح هي أقصى ما تحب، أتت "ملك" إلى هنا، إلى أجمل مكان رأت عينها... منزل الصياد المجاور للبحر، البحر الذي يذكرها بفقيدها، جلست على مقعد خشبي تم وضعه، تتأمل المياه، علا وجهها ابتسامة واسعة، ثم سريعا ما التقطت أنفها رائحة تألفها، إنها رائحته... استدارت فوجدته خلفها لذا نطقت هذه المرة:
لا كده كتير، المره دي انا اللي بقولك انها مش صدفة، أكيد حد بيراقب التاني.
أدركت ما قالت فصححت وقال هو في نفس الثانية ليخرج صوتهما معا:
_بس أنا مبراقبكش
=أنا مبراقبكيش
شعرت بالحرج، وضحك هو مشيرا على منزل الصياد أثناء قوله:
يبقى هو اللي بيراقبنا بقى.
تحدثت مع نفسها، بأنه لا أحد يعلم سوى هذا الصياد أنها هنا، بالتأكيد هو من أخبره.
عادا للصمت مجددا، هي تتأمل مياه البحر، وهو يفعل مثل فعلتها... قطعت الصمت أخيرا بكلمات مترددة:
أنت كويس دلوقتي؟
كانت تقصد تلك الحادثة، حيث لم تره من حينها، ولكنه ضحك ساخرا وهو يسألها:
مالك بتقوليها كده ليه؟... ممكن متقوليهاش عادي الحرج مرفوع.
_أنت كنت صاحي وسامع اللي أنت قولته في العربية صح؟
داهمته بالسؤال وقد استدارت له تطالعه، فهز رأسه مؤكدا:
كنت صاحي اه.
اتصال من والده، ولكن منعه عن الإجابة وقوفها حيث سألته:
أنت قولت ملك؟
كانت تنتظر منه تأكيد يريحها ولكنه أخبرها نافيا:
لا مقولتش ملك... قولت ملاك.
السؤال هذه المرة وكأنه عتاب:
وقولتها ليه؟
_علشان أنتِ ملاك.
كانت هذه إجابته التي يبست جسدها، وهو يجيب على الهاتف وعيناه لا تفارقها فسمع والده يهدر بعنف:
تعالى يا "عيسى" دلوقتي حالا... بيت "سهام" التاني في حد فتحه... البيت بقى خراب.
كانت لديها استجوابات كثيرة، ولكنه تقاسيمه في هذه اللحظة تنذر بشخص اخر... لم تعرفه أبدا، و تعابيره حين قال كلماته منذ قليل تبشر بشخص لن تنساه أبدا.
يُتبع
أفعالي يراها الجميع ولكن لا أحد سواي يعلم أن الفاعل أنا.
إن القلوب إذا تلاقت تلتحم، حينها فقط ستشترك معي لنعلم أنا وهي.
هما الآن أمام البوابة الخارجية، الهواء يداعب خصلاتها التي حررتها من رابطة شعرها العلوية الزرقاء، انتهى الحفل أخيرا، ولكن ما حدث به لم ينته بعد، كانت "شهد" تسير بجوار "طاهر" وألقت سؤالها بلا أي تعبير ظاهر على وجهها:
كنت عارف إن مراتك هنا؟
رفع حاجبيه متصنعا الدهشة وهو يسألها ضاحكا:
مراتي مين؟
صححت ما قالت لتحصل على إجابة:
طليقتك أقصد.
طال انتظار إجابتها فنبهته بانفعال:
رد يا كابتن.
أتى الرد ولكنه لم يكن إجابة لسؤالها أبدا حيث قال مشيرا إلى خصلاتها:
شعرك وهو ملموم شكله أحلى.
ابتسمت هازئة وقد بانت الحدة في نبرتها وهي تقول أثناء ركوبها السيارة:
بجد والله؟...المفروض بقى تقولي كده فاربط شعري وانسى السؤال اللي مستنية إجابته صح!
جلس أمام عجلة القيادة وهو يخبرها ببراءة:
أنا قولتلك اربطيه؟.. أنا بقول رأيي مش أكتر.
تأففت بضجر وسألته للمرة الأخيرة محاولة التماسك قدر الإمكان:
طاهر بجد ... كنت عارف إن "فريدة" جوا؟
طالعها وهو يهز رأسه بالإيجاب فلمع السؤال في عينيها ولكنها لم تقل سوى:
طب لو سمحت روحني.
قاد سيارته وقد صمت كلاهما طوال الطريق حتى تحدثت هي حينما وجدته يقف بسيارته أمام أحد المحال:
وقفت ليه؟
طالعها وهو يطلب برفق:
هشتري ل "يزيد" حاجة، ممكن تنزلي معايا؟
تبعته في النزول من السيارة حتى وجدت نفسها داخل مكان مخصص لبيع الحيوانات، أتى هنا ليشتري لصغيره سلحفاة، هذا ما أدركته من حديثه مع البائع، لاذت بالصمت وهي ترمق الأشياء من حولها حتى ثبتت فجأة وهي تسمعه يقول:
كنت عارف ان فريدة هناك، وعارف ان صحابي اللي طلبوا مني احضر، هما نفسهم اللي جابوها علشان تكون فرصة نتصالح.
سألته وهي تحاول التحكم في انفعالها كي لا تجذب الانتباه:
وخدتني معاك ليه... اما انت رايح تصالح، وتلطف.
مسح على لحيته وهو يخبرها بما جعلها تعطيه كامل انتباهها:
خدتك معايا علشان أقتل أي فرصة ليا مع فريدة، خدتك علشان بالرغم من ان معظم اللي في حياتي بيطلبوا مني ان ارجعلها وانها اتغيرت، بلاقي نفسي بعاند وبكابر، والنهاردة لما قررت اني حتى مش هرجع بيتنا بعد الرحلة، هروح الحفلة دي واديها فرصة تانية، وجايز ارجع انا وهي...لقيت نفسي اول ما عديت من على باب كليتك وقفت، خروجك مكانش صدفة، اول ما شوفتك عرفت ان انا بعمل حاجة غلط، بعمل حاجة انا مش عايزها، او جايز كنت عايزها بس هي دمرت كل حاجة بيننا.
سألته بحزن لمع في عينيها:
يعني انت كنت مرتب بقى، هتاخدني وتقولهم اني قريبتك، وتفضل معايا فمحدش فيهم يقولك حاجة عن موضوع "فريدة".
اعترض على ما تقول حيث نطق بصدق:
انا قولت انك قريبتي علشان ارفع الحرج، لكن أي كلام منهم عن موضوع فريدة مكانش هيبقى مقبول بالنسبالي وكنت هرفضه، انا اخدتك علشان انتِ " شهد" اللي من يوم ما عرفتها وانا بتصرف زي ما اكون رجعت عشر سنين ورا، مش علشان تبقي ند لحد في مكان.
أتى البائع وقد أحضر له طلبه الذي أخذه "طاهر" وخرجا معا فقالت بعتاب:
كان ممكن تقولي بدل ما احس زي اللي اتدلق على دماغها جردل ماية ساقعة وانا بشوفها هناك.
_أنا قولت كل الكلام اللي عندي، ومفيش أي حاجة تانية أقولها، لو لسه زعلانة فهو حقك، مع إني عارف إني مبيتزعلش مني.
قال اخر كلماته ضاحكا وهو يركب سيارته، فاعترضت:
لا زعلانة منك يا كابتن.
ضحك وهو يقول:
قولتلك حقك.
كانت تطلع على السلحفاة في الخلف فسألها:
حلوه السلحفاة؟
_مبروك ما جالك هتسميها ايه بقى؟
قالتها مازحة فضحك وقد تابع القيادة قائلا:
لا سميها انتِ.
جذبت رابط الشعر، تربط به خلاصتها من أعلى على شكل أنشوطة وهي تقول باسمة:
سميها "غرام".
استدار يطالعها قائلا بعد ابتسامته على:
رأيي طلع حلو دلوقتي، كان وحش من شوية يا
" غرام" .
كان يقصد خصلاتها التي ربطتها، فضحكت وهي تنظر من النافذة جوارها، هاربة من حديثه...دق قلبها هي معه دائما تشعر ولكنها متيقنة أنه شعور صادق... لم ينبع إلا من فؤادها.
★***★***★***★***★***★***★***★
ساد الهرج في منزل "منصور" حيث فقدت زوجة ابنه الوعي، وضعها "جابر" على الأريكة، وهرول إلى الغرفة، وأتت الخادمة بالماء الذي نثرته على وجهها،
عاد جابر مجددا وبيده زجاجة العطر حيث قربه منها فانكمشت تقاسيمها وهي تعود تدريجيا، بينما أردف "نصران" الذي هب تاركا مقعده:
أنتِ بخير يا بنتِ؟
عادت تماما لوعيها وهمست مجيبة:
بخير.
حثها "جابر" على القيام قائلا:
قومي معايا اطلعك اوضتك
ساعدها في القيام واتجها معا إلى الأعلى، نظرة جانبية منها إلى ذلك الذي تسبب فيما وصلت له ولكنه لم يبادلها النظر.
عاد "نصران" للجلوس جوار ابنه و"منصور" يقول:
مش عارف اقول ايه على اللي حصل ده والله يا حاج "نصران".
رفع عنه " نصران" الحرج بقوله:
محصلش حاجة... ألف سلامة عليها،
ياريت تقول كنت عايز ايه، علشان نقوم نشوف مصالحنا.
بادر "منصور" بسؤال غير متوقع وقد وجهه ل "عيسى":
وهو الحاج " مهدي" عارف انك خطبت بنت أخوه؟
استدار بعينيه ل "نصران" متابعا:
مش دي الأصول برضو ولا ايه؟
ضحك "نصران" بسخرية سائلا:
وهو أنت هتعلمني الأصول يا "منصور" ؟
رفع "منصور" كفيه ببراءة وهو يجيب بسؤال اخر:
أنا قولت كده؟
اسمع يا حاج "نصران" أنا "مهدي" جالي لحد هنا وحكالي اللي حصل... أنت حكمت على ابنه من كلام بنات "هادية" بس وده مش الحق، مش جايز بيتبلوا عليه؟... وبعدين "شاكر" شاب وانت عارف طيش الشباب.
لم يتحدث "نصران" هنا بل ألقى "عيسى" لفافة تبغه وهو يقول:
البريء اللي معملش حاجة مبيجريش يستخبى، وطيش الشباب اللي بتتكلم عنه ده قصاده راح واحد ضفره بشبابكم كلهم.
_شايف الغلط يا حاج "نصران" ؟
قالها "منصور" فرد عليه "عيسى":
الغلط مش عندي، الغلط عند الراجل المحترم كبير قريته اللي مدخل نفسه في حكاية هو مش طرف فيها، ولا يعرف ايه اللي حصل... وعايز يعمل صلح على حساب دم واحد اتغدر بيه عندكم.
نظر " منصور" لوالد "عيسى" منتظرا حديثه فسمعه يقول:
طلع نفسك منها يا "منصور"، كفاية اوي الخلافات اللي كانت بيننا ولسه بتتساوى.
كان يقصد هذا الصراع القديم، حيث عائلة " منصور" التي تظن أن لها الحق في دخول قرية "نصران" واستعادة أملاك جدهم الأكبر "فضل".
ابتسم " منصور" بحقد لكنه اجتهد ليداريه وهو يقول:
عموما فرح "علا" بنت "مهدي" على "محسن" بعد جمعتين، والبت عايزة بنات عمها يجو فرحها، ويفرحوا معاها...
"مهدي" طلب مني اعزمك يا حاج "نصران" عايز تيجي...
قاطعه "عيسى" سائلا:
وأخو العروسة بقى هيحضر الفرح؟... ولا هيلم النقطة من الحتة اللي مستخبي فيها؟
_يحضر علشان تقتلوه؟
قالها "منصور" باستنكار دفعه "نصران" بقوله:
لا... انا قولت ل "مهدي" هات ابنك وتعالى اقف قصادهم لكن هو عمل ايه؟...ساعات الخايف بيهرب بس علشان خايف من الظلم، لكن "شاكر" ده بيهرب علشان ظالم، وجبان.
ألقى "نصران" اخر كلماته واستقام واقفا، تبعه ابنه فاعترض "منصور":
لسه الغدا.
أردف " نصران" بهدوء:
الواجب وصل.
أخرج "عيسى" حافظة النقود من جيبه، ثم أخرج أوراق نقدية طالبا:
عايز قلم.
استغرب "منصور" وكذلك والده ولكنه طلب من الخادمة إحضار أحد الأقلام، أخذه "عيسى" منها ودون بخط بارز على كل الأوراق النقدية اسم شقيقه
"فريد نصران"، عدا ورقة واحدة التي كتب عليها اسمه " عيسى نصران".
انتهى من الكتابة ووضع النقود على الطاولة وفوقها القلم الذي كتب به وسط نظرات " منصور" المندهشة ثم أردف بضحكة صغيرة:
ودول واجبي للعروسة، النقطة.
تحدث "منصور" داخليا ببغض:
تعبان زي جدك، ويمكن سمك أكتر كمان،
جاي تطل يا بن "نصران" علشان تغلب الكل.
صمت حديثه الداخلي وهو يسمع "عيسى" يتابع:
اديهم ل "مهدي" يديهم للعروسة والعريس، وقوله الحاج "نصران" بيقولك ألف مبروك، وبيقولك بص على الأسامي اللي على الفلوس دي كويس... وافرح ببنتك وادعي لابنك.
ابتسم "نصران" برضا وربت على كتف ابنه يحثه:
يلا يا "عيسى".
انصرفا معا وقد ألقى " نصران" السلام على الجالس، بمجرد خروجهما سأل "نصران" ابنه:
شوفت ندى.
هز "عيسى" رأسه بالإيجاب قائلا:
كنت عارف انها متجوزة في اسكندرية، بس مكنتش اعرف ان جوزها يبقى "جابر" ده.
_اوعى يكون لسه في حاجة من ناحيتها يا "عيسى" دي دلوقتي ست متجوزة، حتى لو هي في من ناحيتها ليك حاجة ابعد وامنعها.
حذره "نصران" فقال "عيسى":
أنا معنديش حاجة ناحية حد يا بابا، " ندى" صفحتها اتقفلت من اليوم اللي سبتها فيه... مش محتاج تقولي ده، بالنسبة بقى للي حصلها واحنا هناك جايز عيانة عادي مش حاجة مرتبطة بيا.
ضحك "نصران" بسخرية ثم ضربه بخفة على كتفه ناطقا:
على أبوك برضو، دي وشها جاب سبع ألوان لما شافتنا.. علشان كده قولتلك الكلمتين دول وكويس انك عارفهم.
تبع حديثه بإشارة على الخاتم إصبع ابنه:
ده اتلبس امتى بقى؟
_بعد ماقرأنا الفاتحة.
أعطى "عيسى" الإجابة لوالده الذي قال:
قراية فاتحة مش خطوبة يعني زي ما قولت عند الناس.
ضحك "عيسى" وهو يخبره:
ماهو كلمة خطوبة دي منصور هيروح يقولها ل "مهدي" ومن بيت "مهدي" هتوصل ل "شاكر" وأنا يهمني انها توصل.
أتى والده ليتحدث محذرا ولكن قاطعه "عيسى" يقول ما يعلم أن والده سيقوله:
"ملك" بعيد عن اللي بيني وبين "شاكر"، ملك هتجوزها ومش هطلقها مهما حصل علشان بنات الناس مش لعبة، وأنا عندي اخوات بنات.... سأل والده ضاحكا:
نسيت حاجة كده يا حاج؟
ضحك " نصران" وهز رأسه بمعنى لا فائدة وهو يتابع طريقه نحو المنزل بعد دعوة لم ينل منها إلا ما أثار حنقه أكثر على هؤلاء.
★***★***★***★***★***★***★***★
لقد أتى مجددا إلى القاهرة وإلى مكانه المفضل،
وقف "حسن" أمام طاولة البلياردو وأمامه صديقه الذي سأله:
هو أنت مش ناوي تيجي تشوف الدنيا في الكلية؟
ولا قاعد فيها ولا ايه؟
رمقه "حسن" بضجر وهو يقول:
يعني أنا جاي القاهرة علشان اقابلكم، ونيجي هنا تقوم ترميلي الكلمتين اللي يعكننوا الواحد دول.
ضرب "حسن" الكره بعصاه وهتف بانتصار:
شوفت يا بني.
لم يكد يختم حديثه حتى حضرت "مروة" فطالع صديقه بانزعاج وهو يسأله:
أنت اللي قولتلها اني هنا؟
هز رأسه بنفي وهو يتحدث بصدق:
لا طبعا مش أنا... بس أنت عارف صحابها في كل مكان هنا وأكيد لما شافوك قالولها.
كانت قد وصلت لهما فسألها "حسن" بابتسامة حملت في طياتها غيظه:
عايزة ايه يا "مروة"؟
ضحكت ورفعت حاجبها تسأله:
ويا ترى مريم بتاعة المره دي بقى حلوه ولا أي كلام؟
لا يعرف أحد " مريم" سواه، ولكنها عرفت بالتأكيد من حسابه الذي وجده مخترق هذا الصباح لذا جذبها من ذراعها بعنف متجها ناحية زاوية لا يراها الكثير من الأعين وهو يقول:
يعني أنتِ اللي عملتي hack على حسابي.
احتدت نظراتها وكذلك حديثها وهي تقول بعنف:
ايوه أنا اللي عملت علشان أحذر المغفلة الجديدة قبل ما تبقى زيي.
سألها بانفعال:
أنتِ عملتي ايه؟
فتحت حساب وهمي، صنعته هي من أجل أن تتمم مهمتها، ثم دخلت إلى محادثة عليه بينها وبين "مريم" وقامت بتشغيل أحد التسجيلات الصوتية المرسلة قائلة:
اسمع كده.
بان له صوتها وهي تقول:
هاي يا "مريم"، عرفت من ال account بتاعك انك ثانوية عامة، ربنا يوفقك يا روحي يارب، بس عندي سؤال صغير... أنتِ تعرفي حد اسمه " حسن نصران" ؟
رسالة صوتية اخرى وصوت "مروة" تهتف:
Please يا روحي لو تعرفيه كلميني
لم تكن قد أتتها الإجابة من "مريم" حتى الآن فتحدث بغضب:
اعملي delete للزفت دول.
سألته بسخرية:
ليه هو أنت لسه معاها في مرحلة اخطف واجري، فمش عايزها تكون عنك نظرة سيئة؟
طالعته بألم وقد تجمعت الدموع في عينيها:
أنا صدقتك مع إن كل الناس حواليا قالولي انك كذاب... فاكر أول مرة اللي قولتلي فيها أنا بحبك يا "مروة" ولا نسيت؟... فاكر "مروة" اللي كنت بتقعد ترسمها بالساعات، الجري ورايا في كل مكان، والوعود اللي مفيش واحد منهم بس وفيت بيه.
_أنا ماشي يا "مروة" ماشي علشان قرفت من نفس الكلام اللي بسمعه كل مره... وبالنسبة لل voices اللي بعتيها اشبعي بيها.
قال حديثه بضجر فتشبثت بمرفقه من الخلف تطلب بدموع:
"حسن" علشان خاطري.
دفع يدها بعيدا وهو يرحل من المكان بأكمله ناطقا بانزعاج:
يا شيخة اوعي بقى... ده انتِ مملة.
رحل فهزت رأسها تهتف بحسرة متوعدة ودموعها في سباق:
ماشي يا "حسن".
الأقبح من التخلي، هو مدى قرب من أتى منه... أن يأتي إليك ممن هو أقرب إليك منك.
★***★***★***★***★***★***★***★
اندلع صوت المذياع المتواجد في الردهة، وقد أسدل الليل أستاره، اتخذت ملك مقعدها في الشرفة الخارجية ووضعت " شهد" وسادة على الأرضية الباردة جلست فوقها، فأتت والدتهم وتبعتها "مريم" بأطباق بها قطع من ما يسمى ب (الأرز المعمر) ثم وضعت والدتها الحامل الذي وضعت عليه أكواب الشاي ونطقت بتحذير:
اخر مره يا "شهد" اشوفك معاه في العربية تاني... هترجعي ارجعي بالمواصلات، الناس مش هتتكلم عليه هو علشان ابن كبيرهم بس هتتكلم عليكِ انتِ.
_يا ماما حفظت والله حفظت من ساعة ما رجعت والمحاضرات شغالة.
قالتها "شهد" بغيظ فجذبت هادية مقعد مجاور ل "ملك" في الشرفة وهي تخبرها محذرة:
المره دي محاضرات، المره الجاية هتبقى علقة.
ضحكت "مريم" ورمقت شقيقتها قائلة بتشفي:
احسن تستاهلي.
اعترضت "شهد" بضجر:
طب بعيد بقى عن المحاضرات يا ماما البت دي قاعدة معانا ليه، تاخد كتابها وتدخل تذاكر جوا.
تحدثت "ملك" باعتراض:
لو هي دخلت تذاكر، انتِ كمان هتقومي زيها، ولا هي وراها مذاكرة... وانتِ وراكي كحك العيد
انكمشت ملامح "شهد" بتصنع الصدمة وهي تقول لشقيقتها بعتاب:
اخس... اخس على الانسان وعمايله اخس.
قالت "مريم" بتلذذ بعد أن دست الملعقة الأولى في فمها:
Wow, so delicious.
رفعت والدتها حاجبها الأيسر باستنكار وهي تخبرها:
اتكلمي عدل يا حبيبتي بدل ما تدخلي تذاكري جوا لوحدك.
فعلتها "شهد" هذه المرة وهي تقول لها:
أحسن.
تابعت "شهد" تقول لوالدتها:
بس فعلا يا ماما، أحلى رز معمر في القارة.
ضحكت "هادية" فقالت "مريم" بضحكة واسعة:
بقولك ايه يا ماما، بمناسبة بقى القعدة الرومانسية دي ليل وبلكونة ورز معمر... ما تحكيلنا كده انتِ وبابا اتجوزتوا ازاي؟
التقطت "ملك" كفها تقول برجاء:
اه يا ماما بالله عليكِ احكي.
وضعت كل منهم يدها على وجنتها تنتظر سماع الحديث بحماس حتى قالت "هادية" بابتسامة:
هحكيلكم وأمري لله
تنهدت وهي تتذكر سنين مضت من عمرها ولكنها تركت أثر كبير فيها، قالت بهدوء:
كنت صغيرة قد "ملك" كده أو أصغر، مكنتش اعرف يعني ايه حب، وكانوا أبويا وأمي شداد أوي تربية ميري زي ما بيقولوا... بس هو كان حنين
تلألأت الدموع في عينيها وهي تقول:
كان أحن واحد في الدنيا... كان دايما يقولي أبيع الدنيا كلها يا "هادية" ومخسركيش.
وكأنها تسمع الصوت يتردد في أذنها الآن، تقف في أحد الأراضي الزراعية مع "نصران" الذي صرح بنبرة حانية:
أنا أبيع الدنيا كلها ومخسركيش لحظة واحدة.
_بجد يا "نصران"؟
أتت الإجابة على سؤالها نبرتها مطمئنة وهو يقول:
بجد يا " هادية".
عادت إلى الواقع وهي تتابع:
حبني من غير ما يكون عايز أي حاجة، وكان بيكتبلي جوابات كمان.
ارتفع حاجبي "شهد" بدهشة وسألتها:
بجد يا ماما، بابا كان بيكتبلك جوابات!
_ها؟
خرجت من "هادية" بشرود ولكنها سريعا ما تداركت الموقف قائلة:
أيوه أبوكِ الجيران هما اللي بيكتبوا يعني.
كل شيء يتجسد أمامها كأنه الآن، تستطيع الآن أن ترى هيئتهما وهما يلتقيا خلسة خلف منزلها يعطيها الخطاب فتقول:
كده 12 جواب منك يا "نصران".
فيرد عليها بابتسامة واسعة:
كده معايا أغلى قلمين في عمري كله، الأقلام اللي اتكتبت بيها الجوابات دي.
من جديد تعيدها إحدى بناتها للواقع حيث نطقت
" مريم" بضحك:
ده بابا كان جنتل أوي.
مسحت "هادية" الدموع التي نزلت من عينيها وهي تتابع بضحكة:
بعد كده جه اتقدم لأبويا، و أبويا وافق.
إنه والدها يقف الآن في بهو المنزل يخبرها بحسم:
حسن ابن عمك اتقدملك، وانا وافقت.
_طب، وأنا؟
قالتها بانهيار وهي تشعر وكأن أحدهم يسلب الحياة منها فرد والدها باستهجان:
أنتِ ايه؟... من امتى والبنات ليهم رأي في الحاجات دي؟
قالت مدافعة:
بس أنا يا بابا مش بحب "حسن".
ضحك والدها بسخرية وهو ينادي على والدتها هاتفا:
تعالي يا " دلال" شوفي "بنتك" اللي بتقولك أحب، اسمعي يا بت انتِ اخر الكلام، كتب كتابك على ابن عمك كمان شهر، عاجبك بالذوق كان بها، مش عاجبك يبقى تتأدبي ويعجبك سامعة؟
كانت تبكي بانهيار فضربتها والدتها في ذراعها ناطقة:
ما تردي يا بت على أبوكِ.
ذكريات كثيرة، هذا الحديث الذي لن تنساه ثم "نصران" المقهور وقد رفضت كل حلوله فوالدها يبغض عائلته، وهي قررت الخضوع، تستطيع الآن سماعه وهو يقول بحسرة:
أنا كنت مستعد أسيب كل حاجة علشانك حتى أهلي، لكن أنتِ مخاطرتيش بحاجة واحدة بس علشاني.
فاقت من هذا الشرود بأكمله وهي تخبرهم:
والجوازة مشيت، والعشرة بتجيب تعود وأنا وأبوكم اتعودنا على بعض أكتر وبعدين جبتكم بقى.
أخبرتها "ملك" وهي تربت على كفها مبتسمة بحنان:
ربنا يرحمه.
آمنن معا على دعائها، ووالدتهن تهمس:
ربنا يرحمك يا "حسن"، ويسكنك الجنة... ويحفظهم ليا.
قالت آخر كلماتها وهي تشمل فتياتها الثلاثة بنظرة كساها كل جميل وابتعد عنها كل ماهو جاف... سيطر عليها الدفء وما أجمله من دفء.
★***★***★***★***★***★***★***★
اشتقاق كبير حمله هذا الصغير لوالده وظهر في احتضانه الواسع لها بمجرد أن دلف إلى المنزل، مال عليه " طاهر" مقبلا وهو يخبره بحب:
وحشتني يا "يزيد".
رأى الصغير السلحفاة فقفز بفرح:
بجد أنت جبتها يا بابا بجد؟
مسح على خصلاته قائلا:
اه دي " غرام" صاحبتك.
نادى الصغير على "رفيدة" بحماس:
تعالي شوفي "غرام".
رأتها وشاركت الصغير فرحة مزيفة وهي تهمس لشقيقها:
ماما مستحيل توافق انها تبقى هنا.
_بس يزيد كان عايزها.
قالها " طاهر" بإحباط، خرجت والدته وهرولت ناحيته باشتياق بمجرد أن رأته ولكنها توقفت في المنتصف تسأل:
ايه ده؟
فرك "طاهر" عنقه متصنعا أنه لم يسمع بينما قالت "رفيدة" بضحكة واسعة:
كائن حي يسير ببطء شديد، ويأكل الخضروات.
ضحك "طاهر" حتى سعل من فرط الضحك، فأمرت والدته بصرامة:
البتاعة دي تطلع برا.
أتى صوت "يزيد" يخبرها بحزن:
تيتا "غرام" cute وأنا بحبها.
دخل "نصران" و "عيسى" من البوابة، فهرولت "رفيدة" ناحية والدتها مستغيثة:
الراجل الكبارة ده مش هيرضيه الظلم، يرضيك كائن حي مسالم يتطرد من بيتك؟
مسح "نصران" على خصلاتها مردفا بضحك:
لا طبعا يا دلوعة أبوكِ
قالت بحزن:
ماما عايزة تطرد "غرام".
كرر " عيسى" خلفها باستغراب:
"غرام" ايه "غرام" دي؟
تحدث "طاهر" إلى والده هذه المرة:
يا بابا "يزيد" بقاله فترة عايز واحدة، أنا عارف انها روح، و رفيدة هتعلمه يهتم بيها... مش عارف يا ماما بصراحة مشكلتك معاها ايه؟
قالت "سهام" بغضب:
انا مش بحب البتوع دول.
_خلاص يا "سهام" متختلطيش بيها، علشان متكسريش بخاطر العيل الصغير اللي فرحان بيها ده.
قال لها "نصران" ثم ربت على كفها ناطقا بلين:
علشان خاطري.
طالعته ثم حسمت أمرها وقالت في النهاية بحب:
تقعد علشان خاطرك.
قفزت "رفيدة" تحتضن والدها وتنهال عليه بالقبلات مرددة:
أيوه يا بابا يا جامد.
اقترب "طاهر" من "عيسى" يريد الاطمئنان فسأله هامسا:
عملت ايه مع خالة الواد.
أخبره "عيسى" ببساطة شديدة دعمتها ابتسامته:
قولتلها "طاهر" بيقولك متجيش هنا تاني.
طالعه "طاهر" بصدمة قائلا:
أنت قولتلها كده بجد!... بتهزر صح.
ضحك "عيسى" عاليا وهو يقول مهدئا:
اهدى مش كده، أنا قولتلها كلام يعرفها انك كاشف اللي هي بتعمله وانها عايزة تسحب الواد، لكن هي قعدت اليوم كله ومشيت بالليل، وبعدين محدش هنا يقدر يطرد حد غير أبوك.
قطعت "سهام" حديثهم وهي تدعوهم إلى الطعام ناطقة:
يلا الأكل جاهز.
تحرك "طاهر" وحثه قائلا:
يلا ونكمل بعد الأكل.
ربما مرور الساعات سريع، سريع بالنسبة لأحداثنا المتلاحقة، هذه الساعات المبكرة من الصباح هي أقصى ما تحب، أتت "ملك" إلى هنا، إلى أجمل مكان رأت عينها... منزل الصياد المجاور للبحر، البحر الذي يذكرها بفقيدها، جلست على مقعد خشبي تم وضعه، تتأمل المياه، علا وجهها ابتسامة واسعة، ثم سريعا ما التقطت أنفها رائحة تألفها، إنها رائحته... استدارت فوجدته خلفها لذا نطقت هذه المرة:
لا كده كتير، المره دي انا اللي بقولك انها مش صدفة، أكيد حد بيراقب التاني.
أدركت ما قالت فصححت وقال هو في نفس الثانية ليخرج صوتهما معا:
_بس أنا مبراقبكش
=أنا مبراقبكيش
شعرت بالحرج، وضحك هو مشيرا على منزل الصياد أثناء قوله:
يبقى هو اللي بيراقبنا بقى.
تحدثت مع نفسها، بأنه لا أحد يعلم سوى هذا الصياد أنها هنا، بالتأكيد هو من أخبره.
عادا للصمت مجددا، هي تتأمل مياه البحر، وهو يفعل مثل فعلتها... قطعت الصمت أخيرا بكلمات مترددة:
أنت كويس دلوقتي؟
كانت تقصد تلك الحادثة، حيث لم تره من حينها، ولكنه ضحك ساخرا وهو يسألها:
مالك بتقوليها كده ليه؟... ممكن متقوليهاش عادي الحرج مرفوع.
_أنت كنت صاحي وسامع اللي أنت قولته في العربية صح؟
داهمته بالسؤال وقد استدارت له تطالعه، فهز رأسه مؤكدا:
كنت صاحي اه.
اتصال من والده، ولكن منعه عن الإجابة وقوفها حيث سألته:
أنت قولت ملك؟
كانت تنتظر منه تأكيد يريحها ولكنه أخبرها نافيا:
لا مقولتش ملك... قولت ملاك.
السؤال هذه المرة وكأنه عتاب:
وقولتها ليه؟
_علشان أنتِ ملاك.
كانت هذه إجابته التي يبست جسدها، وهو يجيب على الهاتف وعيناه لا تفارقها فسمع والده يهدر بعنف:
تعالى يا "عيسى" دلوقتي حالا... بيت "سهام" التاني في حد فتحه... البيت بقى خراب.
كانت لديها استجوابات كثيرة، ولكنه تقاسيمه في هذه اللحظة تنذر بشخص اخر... لم تعرفه أبدا، و تعابيره حين قال كلماته منذ قليل تبشر بشخص لن تنساه أبدا.
يُتبع