رواية وبقي منها حطام انثي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم منال سالم
الفصل السادس والعشرون ( الجزء الأول ) :
صعد على الدرجات ونظراته تطلق شرراً مخيفاً .. إرتجفت منه ، واختفى لون وجهها الطبيعي ، وتبدلت تصرفاتها للخوف واﻹرتباك ..
ولولا حمله لصغيرته لكان اﻷمر قد تطور لعراك عنيف .. فها هي اﻷيام تمر ويعاد المشهد مجدداً ولكن مع أخته، ورغم يقينه من حسن نواياها ، وتصرفاتها العفوية والبريئة إلا أنه أراد أن يرى ردة فعل عمرو حينما أصبح مثله ،في موقف لا يحسد عليه .. ..
فآنذاك لم يقبل هو بوجود علاقة من أي نوع بينه وبين أخته إيثار ، وتعدى عليه بالضرب ، وبالشتائم واﻹهانات .. واليوم هو يكرر خطئه مع صغيرته روان ..
أشار مالك لأخته بنظرات نارية مهددة وهو يأمرها بصرامة :
-سيبي الشنط دي وخدي ريفان وإطلعي لفوق !
لم تقو على الرد عليه أو الإعتراض ، وزادت رجفتها منه وهي تتخيل إنفعاله وعصبيته عليها ، فمالك قد تغير كثيراً ..
ونفذت أمره دون جدال ...
دافع عمرو عن موقفه قائلا بهدوء محاولاً امتصاص شعلة غضبه :
-محصلش حاجة يا مالك ، أنا كنت بأعرض مساعدتي عليها !
حدجه مالك بنظرات محتقنة ورد عليه بنبرة غاضبة :
-إنت بتردهالي ؟
ارتفع حاجبي عمرو للأعلى ، ونظر له مشدوها وهو يقول :
-قصدك ايه ؟
أمسك به من تلابيبه ، وكز على أسنانه بقوة وهو يهزه بعنف ، ثم صاح بعصبية :
-انت مصدقتنيش لما قولتلك أنا معملتش حاجة مع إيثار وخدت حقك مني ، عاوزني إزاي اسكت وأنا شايفك بعيني بـ ... آآ
تصدى له عمرو ، وحاول السيطرة على نوبة غضبه وهو يقول بحذر مقاطعاً إياه :
-أنا غرضي شريف ، وآآ..
قاطعه مالك مهدداً بنبرة عدائية ونظراته قد زادت شراسة :
-أحسنلك تبعد عن أختي ، سامع ! أختي خط أحمر ، ومش هاقبل إن واحد زيك يقرب منها .. فاهم !
دار بخلد عمرو ذكرى نفس الموقف وتذكر كلماته المهددة والتي كانت مصحوبة بالضرب والسباب قبل سنوات عدة في المشفى ..
إنه التاريخ .. يعاد من جديد بعد أن تبدلت اﻷدوار ..
هو اﻵن تفهم شعور المظلوم .. شعور من لم يرتكب ذنباً أو جرماً شنيعاً ليحاسب عليه بلا رحمة ... وتجرع من نفس الكأس التي أذاقها له ..
دفعه مالك بقسوة للخلف ، ثم تركه وأكمل صعوده لمنزل عمته ميسرة بعد أن التقط الأكياس البلاستيكية ...
................................... ............
أوصدت روان باب غرفتها على نفسها ، وجلست بالصغيرة ريفان على طرف فراشها تحتضنها بخوف ..
تعلقت أنظارها بالباب ، وترقرقت العبرات في عينيها ..
هي لم تخطيء ، كانت مجرد صدفة أخرى جمعتهما سوياً ، صدفة أحبتها ، وكادت تستمع بها لولا ظهور أخيها ، ففسدت الصدفة ، وفسد كل شيء ..
انتفضت فزعة في مكانها على صوت الدقات على بابها ، وزاد تمسكها بالصغيرة وكأنها تحتمي بها ..
صاح بها مالك بصوت مرتفع وغليظ :
-افتحي يا روان !
احتضنت الصغيرة أكثر ، وترقرقت العبرات في مقلتيها ، وهمست بخوف :
-ﻷ .. انت آآ...
قاطعها قائلاً بصرامة حينما استشعر رجفة نبرتها وخوفها المبرر منه :
-افتحي مش هاعملك حاجة !!!!
أجهشت بالبكاء ، وانتحبت بأنين خافت ...
تساءلت ميسرة من الخارج بقلق بعد أن رأت عبوس ابن أخيها :
-في ايه يا مالك ؟
أجابها بهدوء حذر :
-مافيش حاجة يا عمتو ، أنا هاخد روان تعيش معايا
استمعت من داخل غرفتها بقراره الصادم فزادت في بكائها المتحسر ...
صعقت ميسرة مما قاله توا .. وتساءلت بذهول وهي جاحظة العينين :
-بتقول ايه ؟!!!!
رد عليها بجمود :
-مش هاينفع تستنى هنا !!
سألته بتوجس :
-ايه اللي حصل عشان تقرر كده فجأة ؟!!!
أجابها بهدوء دون أن تتبدل تعابير وجهه الصارمة :
-مش هاستنى يحصل حاجة يا عمتو .. انا قررت وخلاص !
ســألته بتوجس أكبر وقد تسارعت دقات قلبها :
-مالك ، فهمني !
لم جيب عمته ، بل صــاح بصوت قوي آمر :
-روان ! انا عارف إنك سمعاني ، قومي جهزي شنطتك بهدوء ، قعاد هنا تاني مش هايحصل !!!!
استطاع سماع صوت بكائها من الخارج ، لكنه لم يجبر قلبه على أن يرق لها .. فهذا هو اﻷفضل حالياً لها ...
وها قد وأد أحلامها قبل أن تبدأ ..
فحرمت جبراً من مشاعر رقيقة كانت تطفو بينها وبين شخص ظنت أنه حبيبها ..
........................................
صعد عمرو إلى منزله ووجهه عابس للغاية ..
ناول شقيقته حلواها ولم يعلق .. تعجبت هي من تصرفه المريب ، وولج إلى داخل غرفته دون أن يعطي أي تفسير لكونه يتصرف بغرابة ..
هو أراد اﻹنفراد بنفسه ليفكر فيما جرى ..
جلس على طرف فراشه ، وانحنى بجذعه للأمام ليستند بمرفقيه على ركبتيه ...
حاسب نفسه على تهوره فيما مضى ..
وشعر بتأنيب ضميره ..
هاهو يجرب بنفسه شعور المظلوم ...
وضع يديه على رأسه ليضغط عليها ، وتنهد بعمق بعد أن أخذ نفساً مطولاً ..
هز رأسه للجانبين مستنكراً ما حدث ..
تنهد مرة أخرى بإحباط ، ونهض عن مكانه ليتجه إلى خزانته
بحث عن سترته ليرتديها ويخرج ليفكر بتأني وبعيداً عن أي ضغوط محيطة من حوله ..
وما إن وقعت عيناه عليها حتى إلتقطها بكفه ، وقبل أن يرتديها علق بأنفه رائحة غريبة ولكنها مميزة ..
هي ليست رائحته المعتادة ، هي رائحتها .. نعم إنها هي . .
رجفة قوية اصابته جعلت قلبه يخفق وتتسارع دقاته ...
تذكر اﻵن أنه أعطاها لها لتغطي جسدها حينما تمزقت كنزتها .
ابتسم عفويا وهو يشتم سترته بعمق ..
رفض ارتدائها وفضل أن يحتفظ بها هكذا لتظل رائحتها باقية فيها ...
...............................................
ظل صامتاً وهو يقود سيارته عائداً إلى فيلته ..
لم يعاتبها أو يحاسبها على ما حدث بل أجبرها على القدوم معه للعيش هناك .. هي مازالت صغيرة ، لا تدري ما هو اﻷنسب لها .
وهي رضخت بإستسلام ﻷمره ، لم تستطع تحديه أو عصيانه .. فهو أخيها الوحيد وهي متيقنة من خوفه على مصلحتها ..
جلست إلى جواره ولم تنبس بكلمة ... كانت تخشى الحديث إليه .
أطرقت رأسها خجلا ، واكتفت بتسليط انظارها على حجرها ..
ظل ينظر إليها بين الفنية واﻷخرى بنظرات جامدة محاولاً سبر أغوار عقلها ، ومتابعة ردود فعلها .. لكنها كانت هادئة ساكنة ، مستسلمة لما فرضه عليها ..
تنهد بصوت مسموع ، وقطع الصمت السائد بينهما بصوته الرخيم :
-عاوزك تركزي في دراستك وبس !
أومأت برأسها دون أن تجيبه ..
فتابع قائلاً بجدية :
-كل اللي هتحتاجيه هاجيبهولك ، والعربية بالسواق هايكونوا معاكي لو خرجتي !
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي ترد بصوت هامس :
-طيب
أشاحت بوجهها للجانب لتحدق في الطريق ، وشردت في تلك الصدف العابرة في حياتها ..
هي إلتقت بعمرو في الحافلة ، ولم يعد ذلك الوقح الفظ الذي كانت تكرهه ، بل كان شخصاً ينبع بالرجولة والمروئة ..
رأت في عينيه خوفه الصادق عليها ، وحيائه منها ، واحترامه لها .. وأعجبها ذلك الإهتمام الضئيل ممن كانت تبغضه فأشعرها بأنها جوهرة غالية ....
لم تشعر بنفسها وهي تبتسم بحزن على ذكرى سريعة مضت .. ولن تتكرر .. فقد قضي الأمر .. وحكم على نبتة حبها بالموت ...
...................................
لم تتوقع أن تعاملها والدتها بتلك القسوة .. ألا يكفيها ما ذاقته لتزيد هي من آلمها ...ولكنها تستحق هذا ، فهي من جنت على نفسها ، وأثرت هذا العريس عن غيره وأصرت عليه بإلحاح شديد ..
نظرت لها إيمان بإزدراء ، وهتفت بها بجمود :
-أنا نازلة شوية ومش هتأخر
ردت عليها سارة بخفوت :
-اوكي يا ماما
تابع إيمان قائلة بجدية:
-أبوكي هيرجع كمان ساعة من عند المحامي ، هيحاول يشوف صرفة في موضوعك ده
ردت عليها بإيجاز :
-ماشي
حدجتها إيمان بنظرات طويلة حادة ، وأكملت بضيق :
-يا ريت تراجعي نفسك وتعرفي إن اللي عملتيه مكانش صح
انزعجت ســارة من حديث والدتها اللاذع ، وتوسلتها بنبرة مختنقة :
-خلاص يا ماما ، أنا مش ناقصة حد يبكت فيا
ردت عليها والدتها بتهكم وهي ترمقها بنظرات ساخطة :
-إياكش تكوني بتحسي ، ضيعتي نفسك بعنادك ، وأدينا بنحاول نشوف حل للبلوى اللي انتي فيها !!!
صاحت سارة محتجة وقد لمعت عيناها :
-وأنا ذنبي ايه ، هو أنا كنت أعرف انه نصاب وبخيل ؟!!!!
أشـــارت لها إيمان بإصبعها وهي توبخها بعنف :
-أنا من الأول حذرتك ، وانتي ركبتي دماغك ، وجبتي لأبوكي على أخر الزمن الفضايح !
استعطفتها ســـارة بنبرة متشنجة :
-كفاية يا ماما ، أنا معنتش مستحملة
لوت إيمان ثغرها ، وأضافت قائلة عن عمد :
-أهو ذنب ناس وبيخلصه ناس !!
نعم لقد صدقت والدتها في تلك المقولة ..
هي تعمدت قول هذا لتشعر ابنتها بفداحة ما فعلته في الماضي إيذاء ابنة عمها ، وكيف افترت عليها زوراً ، فأذاقها الله من المعاناة ما جعلها تندم على فعلتها ..
....................................
جلس عمرو على أحد المقاهي العامة ليفكر في خطوته القادمة ، ولما لا يصارح عائلته بهذه المســألة.. هو لم يعد صغيراً ، وظل لفترة يبحث عن عروس مناسبة .. وهو يراها الأنسب له ..
طوال سنوات كانت جارته ، ورغم المشاحنات بينهما إلا أنها أثبتت أنها فتاة محترمة على خلق ، وذات أصول طيبة .. وعشوائيتها الأولى كانت بسبب مرحلة المراهقة ، لكنها الآن نسخة من أخته إيثار ..
لم يحتك بها ، ولكنه كان متابعاً لأغلب الحكاوي عن الفتيات وسلوكهن المشين والمتجاوز بصورة فجة ، فعزف عن الإرتباط .. لكن حان الوقت ليستقر ويؤسس أسرته ..
لم يفكر مسبقاً بجدية في الزواج إلا بعد تعامله الجاد معها ..
حسم أمره بمفاتحة والدته وأخته عن رغبته في الإرتباط بها ..
ليس ما يقلقه هو رفضهما أو حتى اعتراضهما عليها ، لكن مالك هو شاغله الأكبر .. فالتاريخ بينهما حافل .. وليس بالهين على الإطلاق أن يتقبله ..
زفــــر بإستياء .. وارتشف أخر جرعة في كوب الشاي ، ولكنه تعشم في الله خيراً أن ييسر له كل عسير
صعد على الدرجات ونظراته تطلق شرراً مخيفاً .. إرتجفت منه ، واختفى لون وجهها الطبيعي ، وتبدلت تصرفاتها للخوف واﻹرتباك ..
ولولا حمله لصغيرته لكان اﻷمر قد تطور لعراك عنيف .. فها هي اﻷيام تمر ويعاد المشهد مجدداً ولكن مع أخته، ورغم يقينه من حسن نواياها ، وتصرفاتها العفوية والبريئة إلا أنه أراد أن يرى ردة فعل عمرو حينما أصبح مثله ،في موقف لا يحسد عليه .. ..
فآنذاك لم يقبل هو بوجود علاقة من أي نوع بينه وبين أخته إيثار ، وتعدى عليه بالضرب ، وبالشتائم واﻹهانات .. واليوم هو يكرر خطئه مع صغيرته روان ..
أشار مالك لأخته بنظرات نارية مهددة وهو يأمرها بصرامة :
-سيبي الشنط دي وخدي ريفان وإطلعي لفوق !
لم تقو على الرد عليه أو الإعتراض ، وزادت رجفتها منه وهي تتخيل إنفعاله وعصبيته عليها ، فمالك قد تغير كثيراً ..
ونفذت أمره دون جدال ...
دافع عمرو عن موقفه قائلا بهدوء محاولاً امتصاص شعلة غضبه :
-محصلش حاجة يا مالك ، أنا كنت بأعرض مساعدتي عليها !
حدجه مالك بنظرات محتقنة ورد عليه بنبرة غاضبة :
-إنت بتردهالي ؟
ارتفع حاجبي عمرو للأعلى ، ونظر له مشدوها وهو يقول :
-قصدك ايه ؟
أمسك به من تلابيبه ، وكز على أسنانه بقوة وهو يهزه بعنف ، ثم صاح بعصبية :
-انت مصدقتنيش لما قولتلك أنا معملتش حاجة مع إيثار وخدت حقك مني ، عاوزني إزاي اسكت وأنا شايفك بعيني بـ ... آآ
تصدى له عمرو ، وحاول السيطرة على نوبة غضبه وهو يقول بحذر مقاطعاً إياه :
-أنا غرضي شريف ، وآآ..
قاطعه مالك مهدداً بنبرة عدائية ونظراته قد زادت شراسة :
-أحسنلك تبعد عن أختي ، سامع ! أختي خط أحمر ، ومش هاقبل إن واحد زيك يقرب منها .. فاهم !
دار بخلد عمرو ذكرى نفس الموقف وتذكر كلماته المهددة والتي كانت مصحوبة بالضرب والسباب قبل سنوات عدة في المشفى ..
إنه التاريخ .. يعاد من جديد بعد أن تبدلت اﻷدوار ..
هو اﻵن تفهم شعور المظلوم .. شعور من لم يرتكب ذنباً أو جرماً شنيعاً ليحاسب عليه بلا رحمة ... وتجرع من نفس الكأس التي أذاقها له ..
دفعه مالك بقسوة للخلف ، ثم تركه وأكمل صعوده لمنزل عمته ميسرة بعد أن التقط الأكياس البلاستيكية ...
................................... ............
أوصدت روان باب غرفتها على نفسها ، وجلست بالصغيرة ريفان على طرف فراشها تحتضنها بخوف ..
تعلقت أنظارها بالباب ، وترقرقت العبرات في عينيها ..
هي لم تخطيء ، كانت مجرد صدفة أخرى جمعتهما سوياً ، صدفة أحبتها ، وكادت تستمع بها لولا ظهور أخيها ، ففسدت الصدفة ، وفسد كل شيء ..
انتفضت فزعة في مكانها على صوت الدقات على بابها ، وزاد تمسكها بالصغيرة وكأنها تحتمي بها ..
صاح بها مالك بصوت مرتفع وغليظ :
-افتحي يا روان !
احتضنت الصغيرة أكثر ، وترقرقت العبرات في مقلتيها ، وهمست بخوف :
-ﻷ .. انت آآ...
قاطعها قائلاً بصرامة حينما استشعر رجفة نبرتها وخوفها المبرر منه :
-افتحي مش هاعملك حاجة !!!!
أجهشت بالبكاء ، وانتحبت بأنين خافت ...
تساءلت ميسرة من الخارج بقلق بعد أن رأت عبوس ابن أخيها :
-في ايه يا مالك ؟
أجابها بهدوء حذر :
-مافيش حاجة يا عمتو ، أنا هاخد روان تعيش معايا
استمعت من داخل غرفتها بقراره الصادم فزادت في بكائها المتحسر ...
صعقت ميسرة مما قاله توا .. وتساءلت بذهول وهي جاحظة العينين :
-بتقول ايه ؟!!!!
رد عليها بجمود :
-مش هاينفع تستنى هنا !!
سألته بتوجس :
-ايه اللي حصل عشان تقرر كده فجأة ؟!!!
أجابها بهدوء دون أن تتبدل تعابير وجهه الصارمة :
-مش هاستنى يحصل حاجة يا عمتو .. انا قررت وخلاص !
ســألته بتوجس أكبر وقد تسارعت دقات قلبها :
-مالك ، فهمني !
لم جيب عمته ، بل صــاح بصوت قوي آمر :
-روان ! انا عارف إنك سمعاني ، قومي جهزي شنطتك بهدوء ، قعاد هنا تاني مش هايحصل !!!!
استطاع سماع صوت بكائها من الخارج ، لكنه لم يجبر قلبه على أن يرق لها .. فهذا هو اﻷفضل حالياً لها ...
وها قد وأد أحلامها قبل أن تبدأ ..
فحرمت جبراً من مشاعر رقيقة كانت تطفو بينها وبين شخص ظنت أنه حبيبها ..
........................................
صعد عمرو إلى منزله ووجهه عابس للغاية ..
ناول شقيقته حلواها ولم يعلق .. تعجبت هي من تصرفه المريب ، وولج إلى داخل غرفته دون أن يعطي أي تفسير لكونه يتصرف بغرابة ..
هو أراد اﻹنفراد بنفسه ليفكر فيما جرى ..
جلس على طرف فراشه ، وانحنى بجذعه للأمام ليستند بمرفقيه على ركبتيه ...
حاسب نفسه على تهوره فيما مضى ..
وشعر بتأنيب ضميره ..
هاهو يجرب بنفسه شعور المظلوم ...
وضع يديه على رأسه ليضغط عليها ، وتنهد بعمق بعد أن أخذ نفساً مطولاً ..
هز رأسه للجانبين مستنكراً ما حدث ..
تنهد مرة أخرى بإحباط ، ونهض عن مكانه ليتجه إلى خزانته
بحث عن سترته ليرتديها ويخرج ليفكر بتأني وبعيداً عن أي ضغوط محيطة من حوله ..
وما إن وقعت عيناه عليها حتى إلتقطها بكفه ، وقبل أن يرتديها علق بأنفه رائحة غريبة ولكنها مميزة ..
هي ليست رائحته المعتادة ، هي رائحتها .. نعم إنها هي . .
رجفة قوية اصابته جعلت قلبه يخفق وتتسارع دقاته ...
تذكر اﻵن أنه أعطاها لها لتغطي جسدها حينما تمزقت كنزتها .
ابتسم عفويا وهو يشتم سترته بعمق ..
رفض ارتدائها وفضل أن يحتفظ بها هكذا لتظل رائحتها باقية فيها ...
...............................................
ظل صامتاً وهو يقود سيارته عائداً إلى فيلته ..
لم يعاتبها أو يحاسبها على ما حدث بل أجبرها على القدوم معه للعيش هناك .. هي مازالت صغيرة ، لا تدري ما هو اﻷنسب لها .
وهي رضخت بإستسلام ﻷمره ، لم تستطع تحديه أو عصيانه .. فهو أخيها الوحيد وهي متيقنة من خوفه على مصلحتها ..
جلست إلى جواره ولم تنبس بكلمة ... كانت تخشى الحديث إليه .
أطرقت رأسها خجلا ، واكتفت بتسليط انظارها على حجرها ..
ظل ينظر إليها بين الفنية واﻷخرى بنظرات جامدة محاولاً سبر أغوار عقلها ، ومتابعة ردود فعلها .. لكنها كانت هادئة ساكنة ، مستسلمة لما فرضه عليها ..
تنهد بصوت مسموع ، وقطع الصمت السائد بينهما بصوته الرخيم :
-عاوزك تركزي في دراستك وبس !
أومأت برأسها دون أن تجيبه ..
فتابع قائلاً بجدية :
-كل اللي هتحتاجيه هاجيبهولك ، والعربية بالسواق هايكونوا معاكي لو خرجتي !
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي ترد بصوت هامس :
-طيب
أشاحت بوجهها للجانب لتحدق في الطريق ، وشردت في تلك الصدف العابرة في حياتها ..
هي إلتقت بعمرو في الحافلة ، ولم يعد ذلك الوقح الفظ الذي كانت تكرهه ، بل كان شخصاً ينبع بالرجولة والمروئة ..
رأت في عينيه خوفه الصادق عليها ، وحيائه منها ، واحترامه لها .. وأعجبها ذلك الإهتمام الضئيل ممن كانت تبغضه فأشعرها بأنها جوهرة غالية ....
لم تشعر بنفسها وهي تبتسم بحزن على ذكرى سريعة مضت .. ولن تتكرر .. فقد قضي الأمر .. وحكم على نبتة حبها بالموت ...
...................................
لم تتوقع أن تعاملها والدتها بتلك القسوة .. ألا يكفيها ما ذاقته لتزيد هي من آلمها ...ولكنها تستحق هذا ، فهي من جنت على نفسها ، وأثرت هذا العريس عن غيره وأصرت عليه بإلحاح شديد ..
نظرت لها إيمان بإزدراء ، وهتفت بها بجمود :
-أنا نازلة شوية ومش هتأخر
ردت عليها سارة بخفوت :
-اوكي يا ماما
تابع إيمان قائلة بجدية:
-أبوكي هيرجع كمان ساعة من عند المحامي ، هيحاول يشوف صرفة في موضوعك ده
ردت عليها بإيجاز :
-ماشي
حدجتها إيمان بنظرات طويلة حادة ، وأكملت بضيق :
-يا ريت تراجعي نفسك وتعرفي إن اللي عملتيه مكانش صح
انزعجت ســارة من حديث والدتها اللاذع ، وتوسلتها بنبرة مختنقة :
-خلاص يا ماما ، أنا مش ناقصة حد يبكت فيا
ردت عليها والدتها بتهكم وهي ترمقها بنظرات ساخطة :
-إياكش تكوني بتحسي ، ضيعتي نفسك بعنادك ، وأدينا بنحاول نشوف حل للبلوى اللي انتي فيها !!!
صاحت سارة محتجة وقد لمعت عيناها :
-وأنا ذنبي ايه ، هو أنا كنت أعرف انه نصاب وبخيل ؟!!!!
أشـــارت لها إيمان بإصبعها وهي توبخها بعنف :
-أنا من الأول حذرتك ، وانتي ركبتي دماغك ، وجبتي لأبوكي على أخر الزمن الفضايح !
استعطفتها ســـارة بنبرة متشنجة :
-كفاية يا ماما ، أنا معنتش مستحملة
لوت إيمان ثغرها ، وأضافت قائلة عن عمد :
-أهو ذنب ناس وبيخلصه ناس !!
نعم لقد صدقت والدتها في تلك المقولة ..
هي تعمدت قول هذا لتشعر ابنتها بفداحة ما فعلته في الماضي إيذاء ابنة عمها ، وكيف افترت عليها زوراً ، فأذاقها الله من المعاناة ما جعلها تندم على فعلتها ..
....................................
جلس عمرو على أحد المقاهي العامة ليفكر في خطوته القادمة ، ولما لا يصارح عائلته بهذه المســألة.. هو لم يعد صغيراً ، وظل لفترة يبحث عن عروس مناسبة .. وهو يراها الأنسب له ..
طوال سنوات كانت جارته ، ورغم المشاحنات بينهما إلا أنها أثبتت أنها فتاة محترمة على خلق ، وذات أصول طيبة .. وعشوائيتها الأولى كانت بسبب مرحلة المراهقة ، لكنها الآن نسخة من أخته إيثار ..
لم يحتك بها ، ولكنه كان متابعاً لأغلب الحكاوي عن الفتيات وسلوكهن المشين والمتجاوز بصورة فجة ، فعزف عن الإرتباط .. لكن حان الوقت ليستقر ويؤسس أسرته ..
لم يفكر مسبقاً بجدية في الزواج إلا بعد تعامله الجاد معها ..
حسم أمره بمفاتحة والدته وأخته عن رغبته في الإرتباط بها ..
ليس ما يقلقه هو رفضهما أو حتى اعتراضهما عليها ، لكن مالك هو شاغله الأكبر .. فالتاريخ بينهما حافل .. وليس بالهين على الإطلاق أن يتقبله ..
زفــــر بإستياء .. وارتشف أخر جرعة في كوب الشاي ، ولكنه تعشم في الله خيراً أن ييسر له كل عسير
الفصل السادس والعشرون ( الجزء الثاني ) :
استعدت إيثار للذهاب إلى عملها ، فقد ظنت أنه ليس من الجيد الاعتذار أو التكاسل عنه حتى لو أعطاها مالك اﻹذن بهذا .. ، هي تود إثبات أنها جديرة بتلك الوظيفة ، كذلك هي اشتاقت لرؤية الصغيرة ريفان ، والتي أصبحت جزءاً أساسياً من يومها ..
كما أنها لم تعد على التقصير في عملها ، ولن ترغب في أن تتراخى فيه ...
أحكمت ربط حجابها اﻷسود ، وعلقت حقيبتها على كتفها وخرجت من غرفتها ..
ألقت التحية على والدتها التي نظرت لها بإستغراب وسألتها مستفهمة :
-إنتي مش كنتي هتاخدي كام يوم أجازة ؟
ردت عليها بإبتسامة هادئة :
-ايوه .. بس أنا زهقت ، ومش حابة إنه يتقال عني مصدقت انهم أدوني أجازة وأنتخت !
هزت والدتها رأسها بإيماءة خفيفة وهي تقول :
-ربنا يعينك يا بنتي ! خلي بالك بس من نفسك
همست له بنعومة وهي تنحني لتقبل جبينها :
-حاضر
ثم تحركت بعدها إلى خارج المنزل ..
....................................
ظلت الصغيرة تركض حولها وهي تلهو بكرتها الملونة .. وما إن تشعر بالإرهـــاق حتى تحبو وتكمل لعبها ..
تابعتها روان بعينيها ولكن عقلها كان شاردا في تلك المصادفات ..
تنهدت بإستياء ، ولمعت عيناها بوضوح ..
أخذت تردد لنفسها أن ما فعله أخيها هو الصواب ، وأنه اﻷدرى بالصالح لها لكي تقتنع بقراره الأخير ...
لاح بعقلها ذكرى ضرب عمرو لذلك المتحرش في الحافلة ، وإعطائها سترته لتستر جسدها ، وابتسمت لنفسها بسخرية وهي تتذكر كيف كانت تمقته وتنعته بأسوأ اﻷلقاب ... وهمست لنفسها بحرج :
-حمبوزو !!
تعثرت الصغيرة ريفان ، وبدأت في البكاء ، فأفاقت روان على صوتها الباكي ، وهبت من مكانها راكضة نحوها ، ثم أسرعت بحملها بين ذراعيها وظلت تقبل وجنتيها بعطف ومسحت على ظهرها برفق ...
في نفس التوقيت وصلت إيثار إلى مدخل الفيلا ، واتجهت نحو الحديقة حينما سمعت صوت بكاء الصغيرة ..
تسمرت في مكانها مدهوشة حينما رأتها أمامها ، رمشت بعينيها غير مصدقة أنها هي ..
فغرت ثغرها لتنطق بصدمة :
-روان !!!
التفتت روان للخلف عقب سماعها لذلك الصوت الأنثوي المألوف الذي تعرفه جيداً ..
لم يقل إندهاشها عنها ، وهتفت مصدومة :
-إيثار !
أسرعت كلتاهما نحو بعضهما البعض لتحتضن إحداهما الأخرى بعاطفة صادقة ..
وحُصرت الصغيرة في المنتصف بين أحضانهما المشتاقة ..
هتفت روان بتلهف :
-إنتي وحشاني اوي يا ريري !
ردت عليها إيثار بإبتسامة ناعمة :
-وإنتي أكتر
تساءلت روان بفضول وهي ترمقها بنظراتها الناعمة :
-قوليلي بتعملي ايه هنا ؟
ردت عليها بهدوء وهي تنظر لها بثبات :
-انا بأشتغل هنا ، هو مالك بيه مقالكيش ؟!
ارتفع حاجبي روان في ذهول ، ورددت محاولة إستيعاب المغزى وراء تلك الكلمة الغامضة :
-مالك بيه !!!!
أوضحت إيثار لها ماذا تقصد قائلة بهدوء ورزانة :
-اها أنا بأشتغل عنده بقالي فترة ، أنا البيبي سيتر بتاعة ريفان
انفرجت شفتي روان للأسفل في صدمة واضحة ، وهتفت بعدم تصديق :
-لالالا مش معقول ، إنتي أكيد بتهزري !
تعجبت إيثار من إخفاء مالك لتلك المعلومة عن عائلته ، وتساءلت بإستغراب :
-هو مش معرفكم بده ؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبها بجدية :
-أبدا والله ! انتي لازم تفهميني على كل حاجة بالراحة !
ابتسمت لها إيثار برقة وهي تضيف :
-اوكي .. بس اﻷول هاقوم بدوري مع حبيبتي روفي
هتفت روان بتحمس :
-ماشي، وأنا هساعدك
ردت عليها إيثار بثقة وهي تتناول الصغيرة منها لتحملها بين ذراعيها :
-اكيييد .. ده انتي عمتها
لفت روان ذراعها حول كتفي رفيقتها ، وتنهدت بحرارة وهي تهمس لها بإشتياق :
-ريري ... ياه كنتي وحشاني اوي اوي !!
لم يختلف حال إيثار عنها كثيراً ، فهي الأخرى تبادلها نفس مشاعر الصداقة الطيبة .. وكانت بحاجة ماسة إلى رفقتها خاصة في بعض الأوقات الحرجة .. واليوم هي حظيت بها مجدداً ..
.................................
اتسعت حدقتي تحية في ذهول بعد أن أخبرها عمرو برغبته في الارتباط بروان شقيقة مالك ..
هزت رأسها مستنكرة ما قاله ، وهتفت معترضة :
-استحالة يحصل اللي بتطلبه !
سألها عمرو بعبوس وهو يشير بيده :
-ليه بس ؟
حدجته والدته بنظرات حادة ، وصاحت فيه بغلظة :
-في ايه يا عمرو ! انت نسيت اللي حصل زمان واللي انت عملته فيه وفي أختك ، تفتكر هو بالبساطة دي هيوافق إنه يديهالك ؟!
ضغط على شفتيه بأسف ، فوالدته قد أصابت فيما قالت ، هو عــارض وبشدة إرتباط أخته به فيما مضى ، وبالطبع لن يكون من اليسير أن يقبل به زوجاً لأخته ...
ومع ذلك أردف قائلاً بنبرة راجية :
-أنا عارف إنه مش هيوافق بالساهل ، بس الزمن اتغير ، وكل واحد شاف حاله خلاص
هزت تحية رأسها مستنكرة ما يريده ابنها ، وأصرت على موقفها ، وبررت له :
-يا عمرو إنت ممكن تكون نسيت ، لكن هو ﻷ !
ثم صمتت للحظة قبل أن تكمل بنبرة حزينة :
-وحتى أختك إنت مش شايف حالها بقى عامل ازاي ؟!
نظر عمرو لوالدته بجمود ، وسـألها بجدية :
-يعني ايه يا ماما ؟
ردت عليه بجدية شديدة دون أن تطرف عيناها :
-يعني تنسى يا بني الكلام ده وتشيله من دماغك نهائي !!!
زفر عمرو بضيق ، واعترض قائلاً بعناد :
-لا إله إلا الله .. بس أنا معجب بيها وعاوزها
تأكدت تحية أن ابنها لن يتراجع عما يريد ، وأنه سيصر عليه مهما كلفه الأمر ، فأرادت أن توضح له ما ارتكبه سابقاً ليعيد ترتيب حساباته ، فأكملت بحذر :
-يا عمرو إنت مش عايز تفهم ليه ، انت بهدلت أخوها وفركشت خطوبته من أختك وضربته وطردته ، وعملت عداوة معاه ومع عيلته ، وقطعناهم لسنين ، وعاوز بعد ده كله تيجي تقوله جوزني أختك ﻷني معجب بيها ؟!
رد عليها بضجر :
-اللي حصل حصل ، كله كان مقدر ومكتوب ..!!
تابعت والدته قائلة بهدوء وكأن مسألة إرتباطه بروان محكوم عليها بالفشل :
-عموما يا بني شاور على اي واحدة تانية غيرها وأنا مستعدة أروح أكلم أهلها وأخطبهالك
رد عليها بإصرار واضح في نبرته وتعابير وجهه وكذلك نظراته :
-وأنا مش عاوز غير روان وبس
ردت عليه تحية محذرة بجدية :
-يا بني متركبش دماغك !!
ثم أضافت بنبرة شبه حزينة :
-طب فكر في أختك إيثار لو عرفت رد فعلها هايكون ايه ؟
استغرب عمرو من جملة والدته الأخيرة ، ونظر لها بعدم فهم ، فأوضحت مقصدها قائلة بإستنكار :
-راعي شعورها يا بني .. إنت جيت عليها وحرمتها من حبها زمان ، وبهدلتها ، وسودت عيشتها ، وجاي دلوقتي تحلل لنفسك اللي حرمته عليها !
أطرق عمرو رأسه في أسف ، فهو بالفعل أســاء لأخته كثيراً وحرمها من حقها الطبيعي في إختيار شريك حياتها ، وأجبرها على الزواج من زميله الذي أذاقها ألواناً من العذاب .. هو جنى عليها ، ولن يكون هيناً أن تراه يرتبط بأخت حبيبها الأسبق ..
تنهد بإحباط ، ورد على والدته بضيق :
-خلاص يا أمي فضينا سيرة من الموضوع ده
سألته والدته بفضول :
-إنت هتصرف نظر عنه ؟
رد عليها بفتور وقد ظهر الجمود على تعابير وجهه :
-سبيها على الله !
حاول عمرو تهدئة اﻷجواء قليلاً حتى يفكر بصورة عقلانية في توابع قراره ..
فأخته طرف في هذا الموضوع حتى وإن كانت واقفة على الحياد ..
هو يتفهم اﻵن شعورها .. أن تحرم جبراً مما ترغب فيه
هو جنى عليها سابقاً ، وها هو اليوم يتجرع من نفس الكأس المر ..
...............................
سردت إيثار لرفيقتها روان ظروف وملابسات عملها مع أخيها كمربية لإبنته ، فتعجبت اﻷخيرة مما سمعته ، وهتفت بحماس :
-دي كانت أخر حاجة ممكن أتوقعها !
ردت عليها إيثار بهدوء رقيق :
-ده حقيقي فعلاً
مدت روان يدها لتمسك بكف رفيقتها ، وتنهدت بسعادة وهي تقول :
-بس أنا فرحانة اوي إني هاشوفك هنا وكل يوم !
استغربت إيثار من عبارتها الأخيرة ، وسألتها بجدية :
-إنتي هاتعيشي هنا ؟
تنهدت روان بإحباط .. وتحول وجهها للعبوس وهي تجيبها بإمتعاض :
-ايوه
لاحظت هي تبدل تعابير وجهها للوجوم والحزن ، فأثار هذا فضولها لمعرفة سببه ، وتساءلت بإهتمام :
-طب ليه ؟
أخذت روان نفساً عميقاً حبسته في صدرها للحظات قبل أن تخرجه دفعة واحدة ، ثم أجابتها بنبرة حذرة :
-بصي .. أنا مش عارفة إن كان للموضوع علاقة بأخوكي ولا ﻷ
ارتفع حاجب إيثار للأعلى بإندهاش ، وتساءلت بنزق :
-عمرو !! وإيه دخله بإنك تيجي تعيشي هنا ؟
ضغطت روان على شفتيها لتقول بحذر :
-هاحكيلك !!!
وبالفعل قصت عليها المواقف التي جمعتها بأخيها عمرو وكيف كان شهماً معها ، وما حدث في اللقاء اﻷخير على الدرج واشتباك مالك معه ..
صدمت إيثار مما سمعته ، ونظرت لها بتعجب وهي تقول بعدم تصديق :
-إنتي وعمرو ! دي أخر حاجة ممكن أتخيلها !
ابتسمت لها روان بسخرية وهي ترد عليها :
-وأنا والله .. أنا كنت بأكرهه جدا!
مطت إيثار شفتيها للأمام في تعجب ، ورددت بمكر :
-مممم .. كنتي ! طب ودلوقتي ؟
توردت وجنتي روان ، وأسبلت عيناها خجلاً وهي تجيبها بإستحياء :
-مش عارفة بقى !
شعرت إيثار بوجود مشاعر خفية ، ولكنها مميزة ، بين أخيها ورفيقتها .. فابتسمت لها بسعادة متمنية لها الخير ، وتشدقت قائلة :
-عموما يا حبيبتي عمرو انسان كويس ، مش عشانه أخويا ، بس حقيقي هو اتغير كتير ، ويمكن كان عاوز يعوضني عن اللي حصلي واللي عمله فيا !
انقبض قلب روان بقلق عقب الجملة الأخيرة ، وتساءلت بإهتمام وقد تحول وجهها للتشنج قليلاً :
-هو عمل ايه ؟
لم ترغب إيثار في إفساد ذلك الجو الودي بالحديث عن ذكرياتها التعيسة أو حتى تكوين صورة سلبية عن أخيها الذي رأته قد تغير بالفعل للأحسن وأدرك خطأه ، لذلك أجابتها بإبتسامة باهتة :
-يعني .. مافيش داعي نفتح في القديم ، بس أنا واثقة فيه
عضت روان على شفتها السفلى ، وردت عليها بإستياء :
-ماشي براحتك يا ريري !
أومـــأت إيثار برأسها في إمتنان لها ..
بينما أكملت روان بنبرة حرجة :
-أنا عارفة يا ريري إني كنتي مقصرة معاكي ومش بسأل زي زمان بس إنتي كنتي شايفة الوضع عامل ازاي !
ردت عليها إيثار بهدوء :
-ولا يهمك
أضافت روان مبررة :
-وبعدين انتي اعدتي فترة مش بتيجي حتى عند مامتك فمكونتش بأعرف أشوفك
تذكرت إيثار تلك الفترة التي قضتها في دار المغتربات أثناء صراعها في المحاكم للحصول على حكم تطليقها من محسن ، فهزت رأسها بإيماءة خفيفة ، وأجابتها بإختصار :
-ايوه
تابعت روان قائلة بإهتمام :
-يمكن بس الفترة اﻷخيرة كنت بألمحك وإنتي طالعة أو نازلة .. بس أكيد طبعا إنتي كنتي مشغولة مع جوزك وبيتك !
لم تعلق عليها إيثار... وأغمضت عيناها لتخفي لمحة اﻵلم الحزينة بهما ..
استغربت روان من صمتها المريب ، فسألتها مجددا محاولة معرفة أي شيء يخصها :
-قوليلي أخبارك ايه وأحوالك إزيها ؟
تنهدت بعمق وهي تجيبها بنبرة حزينة :
-الحمدلله !
أثار ردها المقتضب والغامض فضولها لتعرف عنها المزيد ، فهي قليلة الحديث عن حياتها ، لذا سألتها بإهتمام :
-إيثار أنا حاسة انك اتغيرتي ومابقتيش زي زمان
ابتسمت بتصنع وهي تجيبها :
-مافيش حد بيفضل على حاله
سألتها روان بفضول وهي محدقة بها :
-طب وأخبار الجواز معاكي ايه وعندك عيال ولا آآ....
قاطعتها إيثار بتعجل وبصوت قاتم :
-ﻷ !!
ثم ابتلعت ريقها المرير لتكمل بصعوبة وهي تحاول السيطرة على عبراتها :
-كان في .. آآ.. بس ..آآ... مكملش !
أشفقت روان عليها ، ومسحت على ذراعها وهي تردد بأسف :
-يا حبيبتي .. ربنا يعوض عليكي
ردت عليها إيثار بخفوت :
-الحمدلله
ترددت روان في سؤالها عن طبيعة حياتها الزوجية ، خاصة أنها لم تحكِ عنها أي شيء ، فسألتها بتوتر :
-طب وآآ.. وجوزك .. اقصد يعني آآ...
قاطعتها إيثار بجدية محاولة التهرب من الإجابة :
-خلينا نشوف روفي هتاكل ولا ايه
تفهمت روان إمتناع رفيقتها عن الإجابة ، وأوضحت لها :
-بتهربي من الكلام .. براحتك .. بس أكيد هندردش تاني !
ردت عليها إيثار بإرهاق قليل :
-ان شاء الله
......................................
أخفت سارة وجهها الباكي بين راحتي يدها ، وانتحبت بمرارة شديدة ..
أشفق والدها مدحت على حالها وتابع بجدية :
-احنا بنتواصل مع السفارة هناك وهنطلقك منه .. المحامي قالي إن الموضوع هياخد وقت وعقبال ما محكمة الأسرة تعين خبير و.. آآ
قاطعته إيمان قائلة بإمتعاض :
-اهوو ذنب الغلبانة وبيخلص مننا !
نظر مدحت إلى كلتيهما بحيرة ، وتساءل بنزق :
-قصدكم على مين ؟
رفعت ســـارة عينيها المتورمتين من البكاء لتنظر إليه بخزي ، وأجابت على والدها بصوت متقطع :
-آآ.. إيثار .. !!!
نظر لها مشدوهاً ، فرددت إيمان بضيق :
-بنت اخوك !
فغر فمه مشدوهاً ، وسألهما بجدية :
-إيثار !!مالها ؟!
التفتت إيمان نحو ابنتها ، وصاحت بها بقوة :
-قوليله
سردت سارة ﻷبيها افتراءتها الكاذبة عن إبنة عمها ، فصدم اﻷخير في ابنته .. واحتدت نظراته إليها .. وصاح بها بغلظة وهو يعنفها :
-بقى انتي يا سارة تعملي كده ، ﻷ وفي مين ! في بنت أخويا اللي زي أختك !
ردت عليه بنبرة منكسرة وهي تتحاشى النظر إليه
-أنا .. انا اسفة!
اشتعلت نظراته غضباً ، وأكمل هادراً بغيظ :
-اسفة بالبساطة دي ! ظلمتي البت واتبهدلت وشافت الويل من ابوها الله يرحمه ، وأخوها وانتي تقولي اسفة .. عملتي فيها كده ليه .. انطقي !
ردت عليه بصعوبة من بين بكائها النادم :
-كنت .. غيرانة منها
ضرب كفاً على كف مستنكراً ردها المستفز ، وصــاح بصوت منفعل :
-غيرانة ! لا حول ولا قوة إلا بالله ! مخوفتيش من انتقام ربنا .. من دعوة المظلوم !
أجهشت ببكاء أشد وهي تجيبه :
-مجاش في بالي .. كنت معمية
رد عليها بحنق وهو يشير بيده :
-وأديكي شوفتي بنفسك جرالك ايه ، يا ريت تصلحي االي عملتيه لعل ربنا يرفع عنك الغمة
حدقت فيه بعدم فهم ، وسألته بصوتها المتشنج :
-قصدك ايه يا بابا ؟
أجابها أبيها بثبات وهو يرمقها بنظراته القوية :
-المسكينة اللي ظلمتيها دي ليها حق عندك ، واتظلمت على حياة عين ابوها .. لازم تقوليلها على غلطك
ارتجفت ســارة مما طلبه منها ، وردت عليه معترضة
-مقدرش .. مقدرش !!!
صــاح بها مدحت بعصبية :
-مافيش حاجة اسمها مقدرش ، إنتي غلطتي ، ولازم تتحمل نتيجة غلطك ده ، يالا قدامي
استعطفته قائلة برجاء :
-يا بابا
هتف فيها بصرامة :
-مافيش بابا !
ثم استدار برأسه ناحية زوجته ، وتابع بصوت قوي :
-وانتي يا ايمان حطتي طرحتك وتعالي معها
نظرت له بإستغراب ، واعترضت قائلة :
-بس أنا ...آآ..
قاطعها بصرامة وهو يردد :
-مافيش بس ، إنتو الاتنين هتنزلوا تحت تعتذروا لبنت أخويا ، ومافيش رجوع في قراري ده ........................!!!
استعدت إيثار للذهاب إلى عملها ، فقد ظنت أنه ليس من الجيد الاعتذار أو التكاسل عنه حتى لو أعطاها مالك اﻹذن بهذا .. ، هي تود إثبات أنها جديرة بتلك الوظيفة ، كذلك هي اشتاقت لرؤية الصغيرة ريفان ، والتي أصبحت جزءاً أساسياً من يومها ..
كما أنها لم تعد على التقصير في عملها ، ولن ترغب في أن تتراخى فيه ...
أحكمت ربط حجابها اﻷسود ، وعلقت حقيبتها على كتفها وخرجت من غرفتها ..
ألقت التحية على والدتها التي نظرت لها بإستغراب وسألتها مستفهمة :
-إنتي مش كنتي هتاخدي كام يوم أجازة ؟
ردت عليها بإبتسامة هادئة :
-ايوه .. بس أنا زهقت ، ومش حابة إنه يتقال عني مصدقت انهم أدوني أجازة وأنتخت !
هزت والدتها رأسها بإيماءة خفيفة وهي تقول :
-ربنا يعينك يا بنتي ! خلي بالك بس من نفسك
همست له بنعومة وهي تنحني لتقبل جبينها :
-حاضر
ثم تحركت بعدها إلى خارج المنزل ..
....................................
ظلت الصغيرة تركض حولها وهي تلهو بكرتها الملونة .. وما إن تشعر بالإرهـــاق حتى تحبو وتكمل لعبها ..
تابعتها روان بعينيها ولكن عقلها كان شاردا في تلك المصادفات ..
تنهدت بإستياء ، ولمعت عيناها بوضوح ..
أخذت تردد لنفسها أن ما فعله أخيها هو الصواب ، وأنه اﻷدرى بالصالح لها لكي تقتنع بقراره الأخير ...
لاح بعقلها ذكرى ضرب عمرو لذلك المتحرش في الحافلة ، وإعطائها سترته لتستر جسدها ، وابتسمت لنفسها بسخرية وهي تتذكر كيف كانت تمقته وتنعته بأسوأ اﻷلقاب ... وهمست لنفسها بحرج :
-حمبوزو !!
تعثرت الصغيرة ريفان ، وبدأت في البكاء ، فأفاقت روان على صوتها الباكي ، وهبت من مكانها راكضة نحوها ، ثم أسرعت بحملها بين ذراعيها وظلت تقبل وجنتيها بعطف ومسحت على ظهرها برفق ...
في نفس التوقيت وصلت إيثار إلى مدخل الفيلا ، واتجهت نحو الحديقة حينما سمعت صوت بكاء الصغيرة ..
تسمرت في مكانها مدهوشة حينما رأتها أمامها ، رمشت بعينيها غير مصدقة أنها هي ..
فغرت ثغرها لتنطق بصدمة :
-روان !!!
التفتت روان للخلف عقب سماعها لذلك الصوت الأنثوي المألوف الذي تعرفه جيداً ..
لم يقل إندهاشها عنها ، وهتفت مصدومة :
-إيثار !
أسرعت كلتاهما نحو بعضهما البعض لتحتضن إحداهما الأخرى بعاطفة صادقة ..
وحُصرت الصغيرة في المنتصف بين أحضانهما المشتاقة ..
هتفت روان بتلهف :
-إنتي وحشاني اوي يا ريري !
ردت عليها إيثار بإبتسامة ناعمة :
-وإنتي أكتر
تساءلت روان بفضول وهي ترمقها بنظراتها الناعمة :
-قوليلي بتعملي ايه هنا ؟
ردت عليها بهدوء وهي تنظر لها بثبات :
-انا بأشتغل هنا ، هو مالك بيه مقالكيش ؟!
ارتفع حاجبي روان في ذهول ، ورددت محاولة إستيعاب المغزى وراء تلك الكلمة الغامضة :
-مالك بيه !!!!
أوضحت إيثار لها ماذا تقصد قائلة بهدوء ورزانة :
-اها أنا بأشتغل عنده بقالي فترة ، أنا البيبي سيتر بتاعة ريفان
انفرجت شفتي روان للأسفل في صدمة واضحة ، وهتفت بعدم تصديق :
-لالالا مش معقول ، إنتي أكيد بتهزري !
تعجبت إيثار من إخفاء مالك لتلك المعلومة عن عائلته ، وتساءلت بإستغراب :
-هو مش معرفكم بده ؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبها بجدية :
-أبدا والله ! انتي لازم تفهميني على كل حاجة بالراحة !
ابتسمت لها إيثار برقة وهي تضيف :
-اوكي .. بس اﻷول هاقوم بدوري مع حبيبتي روفي
هتفت روان بتحمس :
-ماشي، وأنا هساعدك
ردت عليها إيثار بثقة وهي تتناول الصغيرة منها لتحملها بين ذراعيها :
-اكيييد .. ده انتي عمتها
لفت روان ذراعها حول كتفي رفيقتها ، وتنهدت بحرارة وهي تهمس لها بإشتياق :
-ريري ... ياه كنتي وحشاني اوي اوي !!
لم يختلف حال إيثار عنها كثيراً ، فهي الأخرى تبادلها نفس مشاعر الصداقة الطيبة .. وكانت بحاجة ماسة إلى رفقتها خاصة في بعض الأوقات الحرجة .. واليوم هي حظيت بها مجدداً ..
.................................
اتسعت حدقتي تحية في ذهول بعد أن أخبرها عمرو برغبته في الارتباط بروان شقيقة مالك ..
هزت رأسها مستنكرة ما قاله ، وهتفت معترضة :
-استحالة يحصل اللي بتطلبه !
سألها عمرو بعبوس وهو يشير بيده :
-ليه بس ؟
حدجته والدته بنظرات حادة ، وصاحت فيه بغلظة :
-في ايه يا عمرو ! انت نسيت اللي حصل زمان واللي انت عملته فيه وفي أختك ، تفتكر هو بالبساطة دي هيوافق إنه يديهالك ؟!
ضغط على شفتيه بأسف ، فوالدته قد أصابت فيما قالت ، هو عــارض وبشدة إرتباط أخته به فيما مضى ، وبالطبع لن يكون من اليسير أن يقبل به زوجاً لأخته ...
ومع ذلك أردف قائلاً بنبرة راجية :
-أنا عارف إنه مش هيوافق بالساهل ، بس الزمن اتغير ، وكل واحد شاف حاله خلاص
هزت تحية رأسها مستنكرة ما يريده ابنها ، وأصرت على موقفها ، وبررت له :
-يا عمرو إنت ممكن تكون نسيت ، لكن هو ﻷ !
ثم صمتت للحظة قبل أن تكمل بنبرة حزينة :
-وحتى أختك إنت مش شايف حالها بقى عامل ازاي ؟!
نظر عمرو لوالدته بجمود ، وسـألها بجدية :
-يعني ايه يا ماما ؟
ردت عليه بجدية شديدة دون أن تطرف عيناها :
-يعني تنسى يا بني الكلام ده وتشيله من دماغك نهائي !!!
زفر عمرو بضيق ، واعترض قائلاً بعناد :
-لا إله إلا الله .. بس أنا معجب بيها وعاوزها
تأكدت تحية أن ابنها لن يتراجع عما يريد ، وأنه سيصر عليه مهما كلفه الأمر ، فأرادت أن توضح له ما ارتكبه سابقاً ليعيد ترتيب حساباته ، فأكملت بحذر :
-يا عمرو إنت مش عايز تفهم ليه ، انت بهدلت أخوها وفركشت خطوبته من أختك وضربته وطردته ، وعملت عداوة معاه ومع عيلته ، وقطعناهم لسنين ، وعاوز بعد ده كله تيجي تقوله جوزني أختك ﻷني معجب بيها ؟!
رد عليها بضجر :
-اللي حصل حصل ، كله كان مقدر ومكتوب ..!!
تابعت والدته قائلة بهدوء وكأن مسألة إرتباطه بروان محكوم عليها بالفشل :
-عموما يا بني شاور على اي واحدة تانية غيرها وأنا مستعدة أروح أكلم أهلها وأخطبهالك
رد عليها بإصرار واضح في نبرته وتعابير وجهه وكذلك نظراته :
-وأنا مش عاوز غير روان وبس
ردت عليه تحية محذرة بجدية :
-يا بني متركبش دماغك !!
ثم أضافت بنبرة شبه حزينة :
-طب فكر في أختك إيثار لو عرفت رد فعلها هايكون ايه ؟
استغرب عمرو من جملة والدته الأخيرة ، ونظر لها بعدم فهم ، فأوضحت مقصدها قائلة بإستنكار :
-راعي شعورها يا بني .. إنت جيت عليها وحرمتها من حبها زمان ، وبهدلتها ، وسودت عيشتها ، وجاي دلوقتي تحلل لنفسك اللي حرمته عليها !
أطرق عمرو رأسه في أسف ، فهو بالفعل أســاء لأخته كثيراً وحرمها من حقها الطبيعي في إختيار شريك حياتها ، وأجبرها على الزواج من زميله الذي أذاقها ألواناً من العذاب .. هو جنى عليها ، ولن يكون هيناً أن تراه يرتبط بأخت حبيبها الأسبق ..
تنهد بإحباط ، ورد على والدته بضيق :
-خلاص يا أمي فضينا سيرة من الموضوع ده
سألته والدته بفضول :
-إنت هتصرف نظر عنه ؟
رد عليها بفتور وقد ظهر الجمود على تعابير وجهه :
-سبيها على الله !
حاول عمرو تهدئة اﻷجواء قليلاً حتى يفكر بصورة عقلانية في توابع قراره ..
فأخته طرف في هذا الموضوع حتى وإن كانت واقفة على الحياد ..
هو يتفهم اﻵن شعورها .. أن تحرم جبراً مما ترغب فيه
هو جنى عليها سابقاً ، وها هو اليوم يتجرع من نفس الكأس المر ..
...............................
سردت إيثار لرفيقتها روان ظروف وملابسات عملها مع أخيها كمربية لإبنته ، فتعجبت اﻷخيرة مما سمعته ، وهتفت بحماس :
-دي كانت أخر حاجة ممكن أتوقعها !
ردت عليها إيثار بهدوء رقيق :
-ده حقيقي فعلاً
مدت روان يدها لتمسك بكف رفيقتها ، وتنهدت بسعادة وهي تقول :
-بس أنا فرحانة اوي إني هاشوفك هنا وكل يوم !
استغربت إيثار من عبارتها الأخيرة ، وسألتها بجدية :
-إنتي هاتعيشي هنا ؟
تنهدت روان بإحباط .. وتحول وجهها للعبوس وهي تجيبها بإمتعاض :
-ايوه
لاحظت هي تبدل تعابير وجهها للوجوم والحزن ، فأثار هذا فضولها لمعرفة سببه ، وتساءلت بإهتمام :
-طب ليه ؟
أخذت روان نفساً عميقاً حبسته في صدرها للحظات قبل أن تخرجه دفعة واحدة ، ثم أجابتها بنبرة حذرة :
-بصي .. أنا مش عارفة إن كان للموضوع علاقة بأخوكي ولا ﻷ
ارتفع حاجب إيثار للأعلى بإندهاش ، وتساءلت بنزق :
-عمرو !! وإيه دخله بإنك تيجي تعيشي هنا ؟
ضغطت روان على شفتيها لتقول بحذر :
-هاحكيلك !!!
وبالفعل قصت عليها المواقف التي جمعتها بأخيها عمرو وكيف كان شهماً معها ، وما حدث في اللقاء اﻷخير على الدرج واشتباك مالك معه ..
صدمت إيثار مما سمعته ، ونظرت لها بتعجب وهي تقول بعدم تصديق :
-إنتي وعمرو ! دي أخر حاجة ممكن أتخيلها !
ابتسمت لها روان بسخرية وهي ترد عليها :
-وأنا والله .. أنا كنت بأكرهه جدا!
مطت إيثار شفتيها للأمام في تعجب ، ورددت بمكر :
-مممم .. كنتي ! طب ودلوقتي ؟
توردت وجنتي روان ، وأسبلت عيناها خجلاً وهي تجيبها بإستحياء :
-مش عارفة بقى !
شعرت إيثار بوجود مشاعر خفية ، ولكنها مميزة ، بين أخيها ورفيقتها .. فابتسمت لها بسعادة متمنية لها الخير ، وتشدقت قائلة :
-عموما يا حبيبتي عمرو انسان كويس ، مش عشانه أخويا ، بس حقيقي هو اتغير كتير ، ويمكن كان عاوز يعوضني عن اللي حصلي واللي عمله فيا !
انقبض قلب روان بقلق عقب الجملة الأخيرة ، وتساءلت بإهتمام وقد تحول وجهها للتشنج قليلاً :
-هو عمل ايه ؟
لم ترغب إيثار في إفساد ذلك الجو الودي بالحديث عن ذكرياتها التعيسة أو حتى تكوين صورة سلبية عن أخيها الذي رأته قد تغير بالفعل للأحسن وأدرك خطأه ، لذلك أجابتها بإبتسامة باهتة :
-يعني .. مافيش داعي نفتح في القديم ، بس أنا واثقة فيه
عضت روان على شفتها السفلى ، وردت عليها بإستياء :
-ماشي براحتك يا ريري !
أومـــأت إيثار برأسها في إمتنان لها ..
بينما أكملت روان بنبرة حرجة :
-أنا عارفة يا ريري إني كنتي مقصرة معاكي ومش بسأل زي زمان بس إنتي كنتي شايفة الوضع عامل ازاي !
ردت عليها إيثار بهدوء :
-ولا يهمك
أضافت روان مبررة :
-وبعدين انتي اعدتي فترة مش بتيجي حتى عند مامتك فمكونتش بأعرف أشوفك
تذكرت إيثار تلك الفترة التي قضتها في دار المغتربات أثناء صراعها في المحاكم للحصول على حكم تطليقها من محسن ، فهزت رأسها بإيماءة خفيفة ، وأجابتها بإختصار :
-ايوه
تابعت روان قائلة بإهتمام :
-يمكن بس الفترة اﻷخيرة كنت بألمحك وإنتي طالعة أو نازلة .. بس أكيد طبعا إنتي كنتي مشغولة مع جوزك وبيتك !
لم تعلق عليها إيثار... وأغمضت عيناها لتخفي لمحة اﻵلم الحزينة بهما ..
استغربت روان من صمتها المريب ، فسألتها مجددا محاولة معرفة أي شيء يخصها :
-قوليلي أخبارك ايه وأحوالك إزيها ؟
تنهدت بعمق وهي تجيبها بنبرة حزينة :
-الحمدلله !
أثار ردها المقتضب والغامض فضولها لتعرف عنها المزيد ، فهي قليلة الحديث عن حياتها ، لذا سألتها بإهتمام :
-إيثار أنا حاسة انك اتغيرتي ومابقتيش زي زمان
ابتسمت بتصنع وهي تجيبها :
-مافيش حد بيفضل على حاله
سألتها روان بفضول وهي محدقة بها :
-طب وأخبار الجواز معاكي ايه وعندك عيال ولا آآ....
قاطعتها إيثار بتعجل وبصوت قاتم :
-ﻷ !!
ثم ابتلعت ريقها المرير لتكمل بصعوبة وهي تحاول السيطرة على عبراتها :
-كان في .. آآ.. بس ..آآ... مكملش !
أشفقت روان عليها ، ومسحت على ذراعها وهي تردد بأسف :
-يا حبيبتي .. ربنا يعوض عليكي
ردت عليها إيثار بخفوت :
-الحمدلله
ترددت روان في سؤالها عن طبيعة حياتها الزوجية ، خاصة أنها لم تحكِ عنها أي شيء ، فسألتها بتوتر :
-طب وآآ.. وجوزك .. اقصد يعني آآ...
قاطعتها إيثار بجدية محاولة التهرب من الإجابة :
-خلينا نشوف روفي هتاكل ولا ايه
تفهمت روان إمتناع رفيقتها عن الإجابة ، وأوضحت لها :
-بتهربي من الكلام .. براحتك .. بس أكيد هندردش تاني !
ردت عليها إيثار بإرهاق قليل :
-ان شاء الله
......................................
أخفت سارة وجهها الباكي بين راحتي يدها ، وانتحبت بمرارة شديدة ..
أشفق والدها مدحت على حالها وتابع بجدية :
-احنا بنتواصل مع السفارة هناك وهنطلقك منه .. المحامي قالي إن الموضوع هياخد وقت وعقبال ما محكمة الأسرة تعين خبير و.. آآ
قاطعته إيمان قائلة بإمتعاض :
-اهوو ذنب الغلبانة وبيخلص مننا !
نظر مدحت إلى كلتيهما بحيرة ، وتساءل بنزق :
-قصدكم على مين ؟
رفعت ســـارة عينيها المتورمتين من البكاء لتنظر إليه بخزي ، وأجابت على والدها بصوت متقطع :
-آآ.. إيثار .. !!!
نظر لها مشدوهاً ، فرددت إيمان بضيق :
-بنت اخوك !
فغر فمه مشدوهاً ، وسألهما بجدية :
-إيثار !!مالها ؟!
التفتت إيمان نحو ابنتها ، وصاحت بها بقوة :
-قوليله
سردت سارة ﻷبيها افتراءتها الكاذبة عن إبنة عمها ، فصدم اﻷخير في ابنته .. واحتدت نظراته إليها .. وصاح بها بغلظة وهو يعنفها :
-بقى انتي يا سارة تعملي كده ، ﻷ وفي مين ! في بنت أخويا اللي زي أختك !
ردت عليه بنبرة منكسرة وهي تتحاشى النظر إليه
-أنا .. انا اسفة!
اشتعلت نظراته غضباً ، وأكمل هادراً بغيظ :
-اسفة بالبساطة دي ! ظلمتي البت واتبهدلت وشافت الويل من ابوها الله يرحمه ، وأخوها وانتي تقولي اسفة .. عملتي فيها كده ليه .. انطقي !
ردت عليه بصعوبة من بين بكائها النادم :
-كنت .. غيرانة منها
ضرب كفاً على كف مستنكراً ردها المستفز ، وصــاح بصوت منفعل :
-غيرانة ! لا حول ولا قوة إلا بالله ! مخوفتيش من انتقام ربنا .. من دعوة المظلوم !
أجهشت ببكاء أشد وهي تجيبه :
-مجاش في بالي .. كنت معمية
رد عليها بحنق وهو يشير بيده :
-وأديكي شوفتي بنفسك جرالك ايه ، يا ريت تصلحي االي عملتيه لعل ربنا يرفع عنك الغمة
حدقت فيه بعدم فهم ، وسألته بصوتها المتشنج :
-قصدك ايه يا بابا ؟
أجابها أبيها بثبات وهو يرمقها بنظراته القوية :
-المسكينة اللي ظلمتيها دي ليها حق عندك ، واتظلمت على حياة عين ابوها .. لازم تقوليلها على غلطك
ارتجفت ســارة مما طلبه منها ، وردت عليه معترضة
-مقدرش .. مقدرش !!!
صــاح بها مدحت بعصبية :
-مافيش حاجة اسمها مقدرش ، إنتي غلطتي ، ولازم تتحمل نتيجة غلطك ده ، يالا قدامي
استعطفته قائلة برجاء :
-يا بابا
هتف فيها بصرامة :
-مافيش بابا !
ثم استدار برأسه ناحية زوجته ، وتابع بصوت قوي :
-وانتي يا ايمان حطتي طرحتك وتعالي معها
نظرت له بإستغراب ، واعترضت قائلة :
-بس أنا ...آآ..
قاطعها بصرامة وهو يردد :
-مافيش بس ، إنتو الاتنين هتنزلوا تحت تعتذروا لبنت أخويا ، ومافيش رجوع في قراري ده ........................!!!
الفصل السادس والعشرون ( الجزء الثالث ) :
انتهت راوية من إعداد طاولة الطعام ، وتوجهت إلى المطبخ لتكمل عملها ..
نظرت روان إلى أخيها بنظرات غريبة ، فتعجب من تحديقها به ، خاصة وأنها كانت تتحاشى التعامل معه ، وها هي الآن تنظر له بجرأة ، وكأن شيئاً لم يحدث ، فسألها بجمود :
-في ايه ؟ بتبصيلي كده ليه ؟!
ردت عليه بإبتسامة عابثة :
-انت مقولتش ليه إن إيثار بتشتغل عندك
أغمض عيناه للحظة ، وأجابها بهدوء :
-مجتش مناسبة
ردت عليه مستنكرة وهي تعاتبه بنظراتها :
-ماجتش مناسبة ! انت بتهزر يا مالك ، في حد يخبي موضوع زي ده ومش يقول عنه !
نظر لها بنظرات خاوية ، وهتف ببرود :
-هيفرق معاكي في حاجة ؟
ابتسمت له وهي تجيبه بمكر :
-لأ .. بس دي برضوه إيثار
حذرها مالك قائلاً بجدية وهو يتناول لقيمات من طعامه :
-روان ، خدي بالك الشغل حاجة ، والمسائل الشخصية حاجة تانية ، كمان هي عندها بيت وأسرة وأطفال وآآ...
قاطعته روان قائلة بمرح :
-لأ هي مش مخلفة ، أقصد هي قالتلي إنه محصلش نصيب ، راح منها
أثارت عبارتها الأخيرة إهتمامه ، فسألها بفضول :
-ايه ؟ وانتي عرفتي ده ازاي ؟
ردت عليه بهدوء :
-يعني .. دردشنا شوية !
سألها مهتماً وهو ينظر لها بجدية :
-وقالتلك ايه تاني ؟
ردت عليه وهي تهز كتفيها :
-مافيش ، هي مش بتتكلم كتير .. بس شكلها كده مش مبسوطة في حياتها !
تنهد مالك بعمق ، وحافظ على هدوء مشاعره المتأججة بداخله .. فأي شيء يتعلق بمعذبته يدفعه إلى الجنون ، ولكنه يجاهد للثبات أمام غيره ، لا يريد لأحاسيسه أن تفضحه وتكشف أمره ، ولهذ تعمد أن يقول بعدم اكتراث :
-مالناش دعوة ، هي حرة في اللي يخصها ، ومافيش داعي إنك تدخلي في حياتها
ردت عليه روان معترضة :
-هي صاحبتي !!!!!!
.......................................
خفق قلب إيثار بقوة ، وأدمعت عيناها حسرة حينما سمعت ما قالته ســـارة في حضور العائلتين ..
إنهارت جالسة على الأريكة ، وهزت رأسها مستنكرة وهي تردد بصوت أقرب للنحيب :
-ليه ؟ عملتي فيا كده ليه ؟
تعذر على سارة الرد عليها ، فهي مذنبة في حقها .. فأطرقت رأسها خجلاً منها ..
اقترب عمرو منها ، وصاح بها بصوت منفعل :
-منك لله يا سارة ، إنتي مش عارفة كلامك ده خلانا نعمل ايه فيها
خشى مدحت على ابنته من تهور ابن أخيه ، فوقف حائلاً بجسده بينهما ، وهتف متوسلاً :
-اهدى يا بني ، هو الغلط راكبها من ساسها لراسها !
بينما أضافت سارة بصوت نادم :
-أنا .. أنا أسفة ، وربنا خدلك حقك مني ، سامحيني ..!
نظرت لها إيثار بعتاب شديد .. فهي بنواياها الخبيثة شاركت في معاناتها ، وحرمتها من سعادتها البسيطة مع من اختاره قلبها ، وجنت عليها مع شخص مقيت بغيض يسعى فقط لإشباع رغباته الحيوانية ..
بكت في صمت ، ونهضت عن الأريكة لتختلي بنفسها في غرفتها ...
ضربت تحية فخذيها بكفيها ، وتمتمت مستنكرة :
-ليه يا ربي ، بقى انتي يا سارة تعملي كده ، وفي بنت عمك ! لحمك ودمك ، دي بنتي غلبانة وفي حالها ، لا عمرها بصتلك ولا اتمنيتلك غير كل خير !
ثم أدارت وجهها في إتجاه أمها ، وتابعت بلوم:
-وإنتي يا ايمان تشجعيها على ده ؟ حتى لو بتكرهيني تعملي في بنتي كده ؟!!!!
وضعت يدها على كتفها ، وربتت عليها وهي تقول بأسف :
-حقك عليا ، أنا محقوقالك إنتي وبنتك !
أكملت تحية بتحسر :
-لله الأمر من قبل ومن بعد ، والراجل الغلبان اللي مات وفاكر بنته آآ.....
قاطعتها إيمان قائلة بندم :
-متقوليش كده ، بنتك نضيفة وطاهرة وست البنات كلهم ، وربنا هيكرمها ويعوضها ، سامحينا يا تحية ، ربنا غفور رحيم وبيسامح !
..................................
استندت إيثار بظهرها على باب غرفتها بعد أن أوصدته عليها ، وإنهارت جالسة على الأرضية ...
أغمضت عيناها قهراً ، ودفنت وجهها في راحتي يدها ..
تكرر في مخيلتها الإعتداءات بالضرب والإهانة لإتهامات باطلة لم تتجرأ على فعلها بسبب أقاويل كاذبة ..
لم تكن تتصور أن تأتي الطعنة من الأقرب إليها .. من ابنة عمها ..
تركت لنفسها العنان لتبكي بحرقة حسرة على ما مضى ..
(( ليت الزمـــان يعود للوراء يوماً ، فأمحو ذكرياته قبل أن تبدأ ))
......................................
لم تعرف كم مر عليها من الوقت وهي جالسة على تلك الحالة ، ولكنها أفاقت من حالة الجمود المسيطرة عليها على صوت دقات خافتة ..
فكفكفت بقايا عبراتها ، ونهضت بتثاقل من مكانها ..
فتحت باب غرفتها لتجد أخيها عمرو أمامها ..
نظر لها بندم وبخزي ، وبلا أي مقدمات مد ذراعه ليسحبها من كتفها لترتمي في أحضانه ، ومسح على ظهرها برفق وهو يقول بصوت خافت :
-حقك عليا يا إيثار ، مكانش لازم أصدق اللي اتقال من الأول ، أنا غلطان أكتر منهم ، سامحيني يا أختي ، أنا أسف !
تأثرت هي بكلمات أخيها النادمة على ظلمه لها ، وبكت على صدره ، فشعرت بعبراتها الدافئة وكأنها جمرات تلهبه ، فزاد من ضمه لها ، واعتذر مجدداً بأسف أشد :
-أنا عمري ما هأذيكي تاني ، وربنا يقدرني وأعوضك عن اللي فات ، إنتي اختي ، وكل حاجة في دنيتي !
لم تجد ما تجبه ، فإكتفت بهز رأسها ، فقبلها من أعلى جبينها ..
ابتسم لها وهو يقول :
-مش عاوزة عسلية تاني ؟
ضحكت لعبارته من بين بكائها ، وردت عليه بصوت خافت :
-ايوه ، هاتلي
مسح عبراتها من على وجنتيها بكفيه ، وهمس بعذوبة :
-يا حبيبتي ، إنتي بس أؤمري وأنا أجيب اللي تشاوري عليه على طول
ابتسمت له قائلة بصوت خفيض :
-ربنا يخليك ليا
أمسك بطرف ذقنها بإصبعيها ، وتابع بصوت رخيم :
-ويباركلي فيكي يا قمر
ضغط عمرو على شفتيه بتوتر قبل أن يتساءل بإرتباك :
-إيثار ، ينفع أتكلم معاكي في حاجة كده
نظرت له إيثار وهي تردد :
-خير
رد عليها بتلعثم وهو يحاول البحث عن طريقة للتمهيد عن مسألة إرتباطه بروان :
-أنا .. هو .. بصي هو الموضوع ليه علاقة بحاجة كانت تخصك زمان
شعرت بالقلق من جملته ، وخشيت أن يكون للأمر صلة بزواجها السابق من محسن ، فهتفت بخوف :
-مش فاهمة كلامك ، وضحلي يا عمرو !
رد عليها بجدية وهو يبتلع ريقه :
-أنا هاقولك
ســــرد لها عمرو بهدوء وحذر شديدين عما يشعر به تجاه روان شقيقة مالك ، وأنه يود أن يرتبط بها ، ولكنه يخشى إن أقدم على هذا أن يثير في نفسها الحنق لأنه حرمها مما كانت ترغب فيه ..
ازدردت إيثار ريقها المرير ، وتعمدت الحفاظ على جمود ملامحها أمامه .. فلا داعي لأن يشعر بحزنها مما جرى .. هي ترى الأمل والفرحة في عينيه .. هو يستحق فرصة جديدة ليعيش حياته .. وهي واثقة من وجود مشاعر نحوه من روان ..
كذلك هو أبدى ندمه ، وهي متأكدة أنه سيفعل المستحيل لإسعادها ..
طال صمتها ، وطال انتظاره ، وترقب بخوف ردة فعلها ..
نعم لقد خاف أن يسألها عن رأيها ، فيسمع منها ما لا يسره ، ولكنه تفاجيء بها تبتسم له وهي تقول :
-ربنا يسعدك يا عمرو ، إنت مش هتلاقي أحسن من روان تتجوزها
تسارعت أنفاسه ، وخفق قلبه بقوة وهو يسألها بفرحة ظهرت على تعابيره :
-بجد .. انتي بتقولي ده من قلبك؟
ردت عليها بإبتسامتها الناعمة قائلة بهدوء :
-أكيد طبعاً
احتضنها مجدداً وهتف بحماس :
-حبيبتي يا إيثار ، ربنا يفرحك ويسعدك دايما
تابعت تحية من على بعد ما يدور بين الأخ وأخته ، وأدمعت حدقتيها فرحاً لهما ..
كانت تخاف من إنفعال ابنتها حينما يعرض اخيها عليها مسألة إرتباطه ، لكنها صدمت من دعمها وتشجيعها له ..
كم هي نقية القلب ، وطاهرة الروح ..
هي حقاً جوهرة ثمينة تستحق الأفضل ..
.............................................
توطدت صداقة روان مع إيثار وعادت مثل الأيام الخوالي تشاركان كل شيء خلال فترة عملها .. واستشفت الأخيرة من رفيقتها بحرص ما تكنه لأخيها عمرو من مشاعر رقيقة كي تتأكد من صدق إحساسها نحوه حتى يتقدم لخطبتها بثقة حينما يحين الوقت لهذا ..
.....................................
أغلقت تحية هاتفها وهي تتنهد بإرتياح بعد ذلك الخبر السار الذي تلقته من إحدى قريباتها التي جاءت لتعزيتها في وفاة زوجها ..
فالسيدة قد رأت إيثار في العزاء ، وأعجبت بها رغم حالة الحزن التي كانت عليها ، لكنها لفتت أنظارها ، وقررت أن تتقصى عنها ، فسألت عنها من أقارب أخرين ، وعلمت بظروفها الخاصة ، وتوسمت خيراً أن تكون هي العروس الأنسب لابن أخيها المطلق .. فكلاهما تتناسب ظروفهما معاً ، والاثنين ربما يكونا أكثر حرصاً على انجاح تلك الزيجة ..
رقص قلبها طرباً بعد تلقيها لتلك البشارة السعيدة ، وتعشمت في الله أن يعوض ابنتها خيراً ...
عادت إيثار من عملها وهي تتنهد قائلة بتعب :
-طابخة ايه يا ماما لأحسن عصافير بطني بتصوصو ؟
ردت عليها والدتها بسعادة وهي تجذبها من ذراعها لتجلس إلى جوارها :
-سيبك من الأكل دلوقتي ، أنا عندي ليكي حاجة هتفرحك !
تساءلت إيثار بفضول :
-ايه هي ؟
أجابتها أمها بتلهف :
-جايلك عريس يا حبيبتي
صعقت إيثار مما قالته والدتها ، وهتفت مصدومة :
-ايه !!
تابعت والدتها قائلة بحماس :
-ربنا جبر بخاطرك يا ضنايا وعوضك خير ، وآآ...
قاطعتها إيثار بحدة وقد تشنجت قسمات وجهها :
-وأنا مش عاوزة أتجوز تاني !
عاتبتها والدتها قائلة بحزن :
-هو في واحدة تقول كده !
ردت عليها بصوت غاضب يحمل المرارة :
-أنا يا ماما ، جواز تاني مش هايحصل ، كفاية أوي اللي شوفته في جوازتي الأولى !
حزنت والدتها لقرارها الصادم ، واكتسى وجهها بتعابير واجمة ، وأخفضت نبرتها وهي تقول :
-بس يا بنتي مش هاتفضلي كده
تعصبت إيثار وهي تضيف بإصرار :
-أنا مبسوطة وأنا لوحدي !
ثم اختنقت نبرتها وهي تتابع بمرارة :
-عاوزاني أتجوز واحد يبهدلني ويضربني ويموت ابني قبل ما يشوف النور
ردت عليها والدتها بحزن :
-صوابعك مش زي بعضها
توسلتها إيثار بجمود :
-عشان خاطري يا ماما قفلي على السيرة دي
هتفت تحية بنبرة راجية :
-يا ايثار اسمعيني للأخر وآآآ...
قاطعتها قائلة بعبوس :
-عن اذنك يا ماما أنا داخلة أرتاح !
اعتصر قلبها حزناً على حال ابنتها البائس ، وعاتبت نفسها لتسرعها في فتح ذلك الموضوع معها دون التمهيد مسبقاً ..
تساءلت هي بتلهف وهي ترى ابنتها تتجه لغرفتها :
-طب والأكل
أجابتها بإقتضاب شديد :
-ماليش نفس !!!!!
ثم اتجهت نحو غرفتها ، وصفقت الباب خلفها بعنف وهي تتمتم بكلمات غاضبة ..
هي لا تريد تكرار تلك التجربة الفاشلة من جديد
لا تود خوض معارك ستخسر فيها ما تبقى من روحها ..
ألا يكفيها ما ذاقته على يد محسن لتعاني على يد شخص غريب عنها ..
حاولت أن تلتقط أنفاسها لتسيطر على غضبها قبل أن يتفاقم ..
هي اتخذت قرارها ، ولن تتراجع عنه ..
لاح طيف مالك أمامها ، فتنهدت بيأس وهي تقول لنفسها :
-حتى ده مش هايحصل !
......................................
في اليوم التالي ،
كانت إيثار بمفردها في الفيلا مع الصغيرة ريفان ترعاها كالعادة وتلهو معها ..
هي تعلقت بها كثيراً ،وأصبح وقتها المفضل هو ذاك الذي تقضيه معها ..
أرادت أن تستغل فرصة غياب روان لمفاتحة مالك في مسألة ارتباط أخيها بها ..
هي تعلم أنه سيعارض هذا الموضوع وبشدة ، ففضلت أن تتحدث معه على انفراد حتى تتجنب توتر الأجواء معه ومع روان إن أصر على رفضه ..
وبالفعل حدث ما تمنت ، وعـــاد مالك مبكراً من عمله لينهي بعض الملفات العالقة قبل أن ينطلق مجدداً للقاء عمل بالخــارج ..
ألقى التحية عليها وهو يتحرك بعجالة للداخل دون أن يقبل ابنته ، فلا وقت ليضيعه ، وهو أمامه الكثير لينجزه في وقت قليل ..
نظرت هي له بإستغراب ، وردت عليه برقة :
-وعليكم السلام
حملت الصغيرة ، وسارت خلفه بخطوات سريعة محاولة اللحاق به ، ولكنه كان الأسرع في التحرك لذلك اضطرت أن تنادي عليه بنبرة مرتفعة نسبياً :
-مالك .. آآ..
تداركت خطئها سريعاً وهتفت بنزق :
-مالك بيه
انتبه لترديدها اسمه دون أي ألقاب في البداية ، والتفت برأسه نحوها ليرمقها بنظرات مطولة ..
اقتربت منه بخطوات حذرة ، وحافظت على ثباتها الانفعالي رغم شعورها بسخونتة وجنتيها ، وهمست قائلة بتوتر :
-ممكن أتكلم معاك في حاجة
رد عليها بجمود وهو يزفر في تعب :
-مش وقته ، أنا عندي شغل كتير وآ..
قاطعته قائلة بإصرار :
-أنا مش هاعطلك ، هما بس 5 دقايق مش أكتر
تنهد بعمق وهو يرد بإقتضاب :
-خير
ابتسمت له بخجل وهي تقول :
-ينفع نتكلم في المكتب جوا
حدق في ساعته ، ثم أجابها بضيق :
-ماشي ، اتفضلي
تحرك نحو مكتبه ، وسارت هي خلفه بثبات ..
لم تنكر حالة التوتر التي تعتريها وهي في حضرته .. لكنها لن تظهر هذا أمامه ، هي اعتادت على تخبئة مشاعرها، وستحافظ على ذلك ..
جلس على مقعده ، ونظر لها بتفرس وهو يتساءل بجدية :
-خير ؟ كنتي عاوزاني في ايه
أجلست الصغيرة على حجرها ، وداعبت أصابعها برقة وهي تقول بتوتر :
-أنا .. انا كنت عاوزة أفاتحك في موضوع روان وآآ.. وعمرو
تصلبت تقاسيم وجهه عقب جملتها الأخيرة ، وحل الوجوم عليه ، وأظلمت عيناه بشدة ، وقست نظراته ..
تابعت هي قائلة بحذر رغم تذبذب نبرتها :
-هما .. هما الاتنين يعني في زي آآ... مشاعر بينهم ، وآآ... ويمكن يكون في آآ..
هب واقفاً من مكانه ، وصـــاح بها بغلظة اخافتها وهو يضرب بعنف بقبضته على سطح مكتبه :
-الكلام ده مرفوض ، أنا مش هاسمح لأختي ترتبط بواحد زي أخوكي
شعرت بالإهانة والإساءة إلى شخص أخيها من كلماته القاسية ، ومع ذلك ابتلعتها منه ، ودافعت عنه قائلة :
-أخويا معملش حاجة غلط ، هو عاوز يتقدملها ويخطبها
صرخ فيها بإنفعال وهو يشيح بيده :
-مش هايحصل ، أنا ممكن أوافق على أي حد في الدنيا إلا أخوكي ، هو أنا نسيت اللي عمله فيا ومعايا !
نظرت له بخوف ، ونهضت هي الأخرى من على الأريكة وأحاطت الصغيرة بذراعيها لتحميها من تهوره ، وأكملت بتوجس :
-بس إنت كده بتظلم أختك ، بتاخدها بذنب غيرها !
احتدت نظراته ، وصاح وهو يكز على أسنانه بشراسة :
-انتي بالذات ماتتكلميش عن الظلم ، نسيتي اللي عملتيه فيا
ابتلعت ريقها بتخوف ، فهي تعرف جيداً ما قام به أخيها مسبقاً ..
قست نبرة مالك وهو يتابع بصراخ :
-مش معنى إني بأعاملك كويس أبقى نسيت كدبك وخداعك ليا !!
شعرت بإهانته المتعمدة لشخصها وتحقيره من شأنها ، فردت مدافعة عن نفسها :
-أنا مكدبتش عليك !
لوح بكف يده أمام وجهها مهدداً :
-لأ كدبتي ، والدليل إنك اتجوزتي غيري عشان أغنى مني !
ارتجفت من ثورته الغاضبة ، واحتمت بالصغيرة وهي ترد بنبرة شبه مرتعدة :
-محصلش ، أنا كنت مجبرة
نظر لها بإزدراء ، ثم هتف بتهكم :
-أيوه ، زي ما انتي مجبرة تشتغلي عندي
أغاظتها اتهاماته الباطلة ، فصاحت مدافعة :
-انت اللي طلبت إني أكون معاك مش أنا
نفخ بصوت مسموع ، ورمقها بنظرات قوية ، وهو يقول بصرامة :
-أنا مش عاوز مناهدة كتير في الموضوع ده !
أيقنت إيثار أنه يكن لها ولأخيها الكثير من الكراهية ، ولكن ما ذنب أخته أن تعاني مثلها من الحرمان من الحب ..
لذلك استجمعت شجاعتها أمامه ، وأصرت على رأيها قائلة :
-لأ لازم تسمع للأخر
رد عليها بسخط :
-انتي مش هاتكوني أدرى مني بمصلحة أختي
أضافت قائلة بنبرة حادة :
-أنا صاحبتها وعارفة مشاعرها ، ومش عاوزاها تتحرم من الحاجة اللي بتتمناها !
أغاظته كلماتها ، فحذرها بصوت قاتم :
-إيثــــار ، إنتي أخر حد يتكلم عن المشاعر !!
ردت عليه بعصبية :
-إنت متعرفش حاجة عني عشان تحاكمني كأني مجرمة ولا مذنبة
نظر لها بإحتقار ، ورد عليها بنبرة ساخطة :
-مش محتاج أعرف ، أنا شوفتك بعيني !!
أشعلت نظراته المهينة لها ثورة بركان غضبها الكامنة بداخلها ، هي تحملت الكثير وابتلعت إهانات جمة ، لكنها لن تظل صامتة أمام أي إتهامات باطلة .. لذا لم تشعر بنفسها وهي تصرخ فيه بجنون :
-انت شوفت وصدقت اللي عاوز تعرفه وبس ، لكن ماعشتش لحظة واحدة من اللي أنا عشتها !
رد عليها بجمود :
-ومش عاوز أعرف !
حاولت السيطرة على انفعالاتها ، فهي في النهاية تريد مصلحة أخيها ورفيقتها .. فحاولت أن تلعب على وتر المشاعر الصادقة .. تلك المشاعر الغير قابلة للتزييف ، فأردفت قائلة بنبرة استعطاف :
-ماشي ده حقك ، بس لو انت كان عندك مشاعر حب حقيقية أكيد هاتحس بأختك وهاتعرف إن هي زي ما قلبك دق قلبها كمان دق وعرف الحب !
لم يتحمل كلماتها .. هي تثير بداخله شيء ما .. تدفعه للغضب وللجنون ، هي أوشكت على كشف تعلقه بها ، وهو لن يتحمل ضغطها .. هي ليست له ، هي ملك لغيره ..
قست تعابير وجهه ، ونظر لها بشراسة ، ثم صـــاح بصوت هادر :
-اطلعي برا !!
جفل جسدها من صوته ، ونظرت له مشدوهة ، فأسرع هو بجذب صغيرته من بين ذراعيها ، وتابع بصرامة :
-أنا هانهي التعاقد معاكي
ضغطت على شفتيها بقوة ، وردت بنبرة شبه منكسرة :
-اللي يريحك يا مالك بيه ، أنا في النهاية شغالة عندك
أكمل هو قائلاً بغلظة متعمداً إوجاعها :
-بالظبط ، إنتي بتشتغلي عندي ، وأنا استغنيت عن خدماتك ، فاتفضلي يالا من غير مطرود ، وفلوسك هاتجيلك على المكتب اللي مشغلك ، مش عاوز أشوف وشك هنا تاني ولا في أي مكان
أدمعت عيناها من كلماته القاسية .. ها هي النهاية كتبت .. وها قد أصدر حكمه عليها دون أن يسمع منها ..
رأى عبراتها تترقرق في مقلتيها ، فخشي أن يرق قلبه نحوها .. فأكمل بشراسة :
-روحي بقى عيطي ، واترمي في حضن جوزك وخليه يسترجل و يصرف عليكي بدل ما باعتك عندي وآآ...
لم تستطع تحمل المزيد ، هو يتعمد الضغط على جروحها الغائرة ، فصرخت فيه بجنون مقاطعة إياه وهي تصم أذنيها بكفيها :
-اسكت ماتجبش السيرة دي !
نظر لها بإستغراب ، وتابع بتهكم :
-خايفة على مشاعره ، ماهو لو كان آآ...
قاطعته بصراخ حـــاد وهي تبكي :
-بــــــــــس !!!
رأى تبدل حالتها المستكينة الهادئة إلى حالة هياج عصبي .. تلك الحالة التي حذره منها الطبيب .. فانقبض قلبه بتخوف ..
اكتسى وجهها بحمرة هائلة ، واحتقنت عيناها الباكيتين ، وأكملت بنشيج :
-أنا بأكرهه زي ما بأكرهك دلوقتي !
تفاجيء من عبارتها ، وتابعها في صمت ، فأضافت بصوت متشنج :
-عارف ليه ؟ لأنه ظلمني زيك ، أيوه ظلمني ، أنا حبيتك بجد ،وكنت مستعدية أموت عشانك ، وعملت ده لحد ما هددوني بيك ، فوافقت غصب عني عشان احميك ، وهو عرف إزاي يضحك على أخويا ويجبرني على جوازي منه ، بس .. بس للأسف كان كداب ، ومتجوز قبلي ومقالش !!
صدم مما قالته ، وعجز عن الرد عليها ..
أجهشت بالبكاء المرير وهي تستعيد أسوأ لحظاتها ..
أغمضت عيناها قهراً ، وأطرقت رأسها وهي تكمل بصعوبة :
-كان بيموتني في اليوم مليون مرة وأنا سكت ورضيت بنصيبي ، واستحملت ضربه وإهانته واتحرمت من أهلي وبرضوه سكت واستحملت، لحد ما آآ...
توقفت للحظة لتلتقط أنفاسها اللاهثة ، وأكملت بنشيج يدمي القلب :
-لحد ما أجهضني وأنا معرفش إني حامل ، ضربني وموت ابني لأني كلمت بس أهلي .. عارف لما حتة منك تموت وإنت مش دريان ، تخيل شعورك عامل ازاي ، أهو أنا كنت كده ، واتطلقت منه ، فماتقولش عندي مشاعر ليه ، أنا ماحبتش حد قبلك ولا حبيت حد بعدك ، بس إنت ماتستهلش الحب ده ، إنت زيك زي غيرك ، بتيجي على الضعيف ، وبتظلم أوي !
لمعت عيناه بوميض غريب ..
وتسارعت دقات قلبه مع فرط الآلم الظاهر في نبرتها ...
(( أهكذا كانت حياتك حبيبتي ؟ كنتِ تقاسين وأنا أظنك في الغرام تهيمين ! ))
حاول أن يرد عليها ، فخرج صوته متردداً مصدوماً :
-أنا ..آآ...
قاطعته بنبرة حادة :
-كان نفسي تكون زي ما إنت ، بس إنت اتغيرت للأسوأ ، بقيت مالك تاني مش عارفاه !
نظر لها عاجزاً عن الرد .. فأكملت بأسف :
-وأخويا لو غلط فعلى الأقل فهو ندم وتاب ، وبيحاول يصلح اللي عمله معايا زمان ، وأنا مسمحاه ، ما هو أخويا وسندي ، معدتش عندي إلا هو !
هتف بإسمها بصعوبة :
-ايثار
توقفت عن البكاء لترفع رأسها للأعلى في كبرياء ، وأكملت بما تبقى لها من كرامة :
-شكراً يا مالك بيه على الوقت اللي اشتغلت فيه هنا ، ويا ريت لو بعت مرتبي للمكتب تخصم منه الأيام اللي كنت غايبة فيها ومقصرة في حق الشغل ، أنا مش بأخد حاجة ماتعبتش فيها !
تحركت من أمامه قبل أن يفتح فمه ليناديها ..
ركضت وهي تكتم شهقاتها المتحسرة ..
رحلت لتبتعد عن الماضي بكل ما فيه ..
صدمته فيما حدث لها كان أكبر من قدرته على الإستيعاب ..
تسمر في مكانه مذهولاً .. هي حقاً مازالت تحبه .. وكانت تعاني وبشدة ..
هي حبيبته ، معذبته ، قاتلته ..
وهو بتهوره وغضبه الأعمى غفل عن صدق مشاعرها نحوه ، وطعنها بقسوة في قلبها ، وأضاعها ..
لا .. لن يحدث ، لن يتركها تضيع منه .. لن يستسلم .. هي كانت له ، وستكون ...................................... !!!!
انتهت راوية من إعداد طاولة الطعام ، وتوجهت إلى المطبخ لتكمل عملها ..
نظرت روان إلى أخيها بنظرات غريبة ، فتعجب من تحديقها به ، خاصة وأنها كانت تتحاشى التعامل معه ، وها هي الآن تنظر له بجرأة ، وكأن شيئاً لم يحدث ، فسألها بجمود :
-في ايه ؟ بتبصيلي كده ليه ؟!
ردت عليه بإبتسامة عابثة :
-انت مقولتش ليه إن إيثار بتشتغل عندك
أغمض عيناه للحظة ، وأجابها بهدوء :
-مجتش مناسبة
ردت عليه مستنكرة وهي تعاتبه بنظراتها :
-ماجتش مناسبة ! انت بتهزر يا مالك ، في حد يخبي موضوع زي ده ومش يقول عنه !
نظر لها بنظرات خاوية ، وهتف ببرود :
-هيفرق معاكي في حاجة ؟
ابتسمت له وهي تجيبه بمكر :
-لأ .. بس دي برضوه إيثار
حذرها مالك قائلاً بجدية وهو يتناول لقيمات من طعامه :
-روان ، خدي بالك الشغل حاجة ، والمسائل الشخصية حاجة تانية ، كمان هي عندها بيت وأسرة وأطفال وآآ...
قاطعته روان قائلة بمرح :
-لأ هي مش مخلفة ، أقصد هي قالتلي إنه محصلش نصيب ، راح منها
أثارت عبارتها الأخيرة إهتمامه ، فسألها بفضول :
-ايه ؟ وانتي عرفتي ده ازاي ؟
ردت عليه بهدوء :
-يعني .. دردشنا شوية !
سألها مهتماً وهو ينظر لها بجدية :
-وقالتلك ايه تاني ؟
ردت عليه وهي تهز كتفيها :
-مافيش ، هي مش بتتكلم كتير .. بس شكلها كده مش مبسوطة في حياتها !
تنهد مالك بعمق ، وحافظ على هدوء مشاعره المتأججة بداخله .. فأي شيء يتعلق بمعذبته يدفعه إلى الجنون ، ولكنه يجاهد للثبات أمام غيره ، لا يريد لأحاسيسه أن تفضحه وتكشف أمره ، ولهذ تعمد أن يقول بعدم اكتراث :
-مالناش دعوة ، هي حرة في اللي يخصها ، ومافيش داعي إنك تدخلي في حياتها
ردت عليه روان معترضة :
-هي صاحبتي !!!!!!
.......................................
خفق قلب إيثار بقوة ، وأدمعت عيناها حسرة حينما سمعت ما قالته ســـارة في حضور العائلتين ..
إنهارت جالسة على الأريكة ، وهزت رأسها مستنكرة وهي تردد بصوت أقرب للنحيب :
-ليه ؟ عملتي فيا كده ليه ؟
تعذر على سارة الرد عليها ، فهي مذنبة في حقها .. فأطرقت رأسها خجلاً منها ..
اقترب عمرو منها ، وصاح بها بصوت منفعل :
-منك لله يا سارة ، إنتي مش عارفة كلامك ده خلانا نعمل ايه فيها
خشى مدحت على ابنته من تهور ابن أخيه ، فوقف حائلاً بجسده بينهما ، وهتف متوسلاً :
-اهدى يا بني ، هو الغلط راكبها من ساسها لراسها !
بينما أضافت سارة بصوت نادم :
-أنا .. أنا أسفة ، وربنا خدلك حقك مني ، سامحيني ..!
نظرت لها إيثار بعتاب شديد .. فهي بنواياها الخبيثة شاركت في معاناتها ، وحرمتها من سعادتها البسيطة مع من اختاره قلبها ، وجنت عليها مع شخص مقيت بغيض يسعى فقط لإشباع رغباته الحيوانية ..
بكت في صمت ، ونهضت عن الأريكة لتختلي بنفسها في غرفتها ...
ضربت تحية فخذيها بكفيها ، وتمتمت مستنكرة :
-ليه يا ربي ، بقى انتي يا سارة تعملي كده ، وفي بنت عمك ! لحمك ودمك ، دي بنتي غلبانة وفي حالها ، لا عمرها بصتلك ولا اتمنيتلك غير كل خير !
ثم أدارت وجهها في إتجاه أمها ، وتابعت بلوم:
-وإنتي يا ايمان تشجعيها على ده ؟ حتى لو بتكرهيني تعملي في بنتي كده ؟!!!!
وضعت يدها على كتفها ، وربتت عليها وهي تقول بأسف :
-حقك عليا ، أنا محقوقالك إنتي وبنتك !
أكملت تحية بتحسر :
-لله الأمر من قبل ومن بعد ، والراجل الغلبان اللي مات وفاكر بنته آآ.....
قاطعتها إيمان قائلة بندم :
-متقوليش كده ، بنتك نضيفة وطاهرة وست البنات كلهم ، وربنا هيكرمها ويعوضها ، سامحينا يا تحية ، ربنا غفور رحيم وبيسامح !
..................................
استندت إيثار بظهرها على باب غرفتها بعد أن أوصدته عليها ، وإنهارت جالسة على الأرضية ...
أغمضت عيناها قهراً ، ودفنت وجهها في راحتي يدها ..
تكرر في مخيلتها الإعتداءات بالضرب والإهانة لإتهامات باطلة لم تتجرأ على فعلها بسبب أقاويل كاذبة ..
لم تكن تتصور أن تأتي الطعنة من الأقرب إليها .. من ابنة عمها ..
تركت لنفسها العنان لتبكي بحرقة حسرة على ما مضى ..
(( ليت الزمـــان يعود للوراء يوماً ، فأمحو ذكرياته قبل أن تبدأ ))
......................................
لم تعرف كم مر عليها من الوقت وهي جالسة على تلك الحالة ، ولكنها أفاقت من حالة الجمود المسيطرة عليها على صوت دقات خافتة ..
فكفكفت بقايا عبراتها ، ونهضت بتثاقل من مكانها ..
فتحت باب غرفتها لتجد أخيها عمرو أمامها ..
نظر لها بندم وبخزي ، وبلا أي مقدمات مد ذراعه ليسحبها من كتفها لترتمي في أحضانه ، ومسح على ظهرها برفق وهو يقول بصوت خافت :
-حقك عليا يا إيثار ، مكانش لازم أصدق اللي اتقال من الأول ، أنا غلطان أكتر منهم ، سامحيني يا أختي ، أنا أسف !
تأثرت هي بكلمات أخيها النادمة على ظلمه لها ، وبكت على صدره ، فشعرت بعبراتها الدافئة وكأنها جمرات تلهبه ، فزاد من ضمه لها ، واعتذر مجدداً بأسف أشد :
-أنا عمري ما هأذيكي تاني ، وربنا يقدرني وأعوضك عن اللي فات ، إنتي اختي ، وكل حاجة في دنيتي !
لم تجد ما تجبه ، فإكتفت بهز رأسها ، فقبلها من أعلى جبينها ..
ابتسم لها وهو يقول :
-مش عاوزة عسلية تاني ؟
ضحكت لعبارته من بين بكائها ، وردت عليه بصوت خافت :
-ايوه ، هاتلي
مسح عبراتها من على وجنتيها بكفيه ، وهمس بعذوبة :
-يا حبيبتي ، إنتي بس أؤمري وأنا أجيب اللي تشاوري عليه على طول
ابتسمت له قائلة بصوت خفيض :
-ربنا يخليك ليا
أمسك بطرف ذقنها بإصبعيها ، وتابع بصوت رخيم :
-ويباركلي فيكي يا قمر
ضغط عمرو على شفتيه بتوتر قبل أن يتساءل بإرتباك :
-إيثار ، ينفع أتكلم معاكي في حاجة كده
نظرت له إيثار وهي تردد :
-خير
رد عليها بتلعثم وهو يحاول البحث عن طريقة للتمهيد عن مسألة إرتباطه بروان :
-أنا .. هو .. بصي هو الموضوع ليه علاقة بحاجة كانت تخصك زمان
شعرت بالقلق من جملته ، وخشيت أن يكون للأمر صلة بزواجها السابق من محسن ، فهتفت بخوف :
-مش فاهمة كلامك ، وضحلي يا عمرو !
رد عليها بجدية وهو يبتلع ريقه :
-أنا هاقولك
ســــرد لها عمرو بهدوء وحذر شديدين عما يشعر به تجاه روان شقيقة مالك ، وأنه يود أن يرتبط بها ، ولكنه يخشى إن أقدم على هذا أن يثير في نفسها الحنق لأنه حرمها مما كانت ترغب فيه ..
ازدردت إيثار ريقها المرير ، وتعمدت الحفاظ على جمود ملامحها أمامه .. فلا داعي لأن يشعر بحزنها مما جرى .. هي ترى الأمل والفرحة في عينيه .. هو يستحق فرصة جديدة ليعيش حياته .. وهي واثقة من وجود مشاعر نحوه من روان ..
كذلك هو أبدى ندمه ، وهي متأكدة أنه سيفعل المستحيل لإسعادها ..
طال صمتها ، وطال انتظاره ، وترقب بخوف ردة فعلها ..
نعم لقد خاف أن يسألها عن رأيها ، فيسمع منها ما لا يسره ، ولكنه تفاجيء بها تبتسم له وهي تقول :
-ربنا يسعدك يا عمرو ، إنت مش هتلاقي أحسن من روان تتجوزها
تسارعت أنفاسه ، وخفق قلبه بقوة وهو يسألها بفرحة ظهرت على تعابيره :
-بجد .. انتي بتقولي ده من قلبك؟
ردت عليها بإبتسامتها الناعمة قائلة بهدوء :
-أكيد طبعاً
احتضنها مجدداً وهتف بحماس :
-حبيبتي يا إيثار ، ربنا يفرحك ويسعدك دايما
تابعت تحية من على بعد ما يدور بين الأخ وأخته ، وأدمعت حدقتيها فرحاً لهما ..
كانت تخاف من إنفعال ابنتها حينما يعرض اخيها عليها مسألة إرتباطه ، لكنها صدمت من دعمها وتشجيعها له ..
كم هي نقية القلب ، وطاهرة الروح ..
هي حقاً جوهرة ثمينة تستحق الأفضل ..
.............................................
توطدت صداقة روان مع إيثار وعادت مثل الأيام الخوالي تشاركان كل شيء خلال فترة عملها .. واستشفت الأخيرة من رفيقتها بحرص ما تكنه لأخيها عمرو من مشاعر رقيقة كي تتأكد من صدق إحساسها نحوه حتى يتقدم لخطبتها بثقة حينما يحين الوقت لهذا ..
.....................................
أغلقت تحية هاتفها وهي تتنهد بإرتياح بعد ذلك الخبر السار الذي تلقته من إحدى قريباتها التي جاءت لتعزيتها في وفاة زوجها ..
فالسيدة قد رأت إيثار في العزاء ، وأعجبت بها رغم حالة الحزن التي كانت عليها ، لكنها لفتت أنظارها ، وقررت أن تتقصى عنها ، فسألت عنها من أقارب أخرين ، وعلمت بظروفها الخاصة ، وتوسمت خيراً أن تكون هي العروس الأنسب لابن أخيها المطلق .. فكلاهما تتناسب ظروفهما معاً ، والاثنين ربما يكونا أكثر حرصاً على انجاح تلك الزيجة ..
رقص قلبها طرباً بعد تلقيها لتلك البشارة السعيدة ، وتعشمت في الله أن يعوض ابنتها خيراً ...
عادت إيثار من عملها وهي تتنهد قائلة بتعب :
-طابخة ايه يا ماما لأحسن عصافير بطني بتصوصو ؟
ردت عليها والدتها بسعادة وهي تجذبها من ذراعها لتجلس إلى جوارها :
-سيبك من الأكل دلوقتي ، أنا عندي ليكي حاجة هتفرحك !
تساءلت إيثار بفضول :
-ايه هي ؟
أجابتها أمها بتلهف :
-جايلك عريس يا حبيبتي
صعقت إيثار مما قالته والدتها ، وهتفت مصدومة :
-ايه !!
تابعت والدتها قائلة بحماس :
-ربنا جبر بخاطرك يا ضنايا وعوضك خير ، وآآ...
قاطعتها إيثار بحدة وقد تشنجت قسمات وجهها :
-وأنا مش عاوزة أتجوز تاني !
عاتبتها والدتها قائلة بحزن :
-هو في واحدة تقول كده !
ردت عليها بصوت غاضب يحمل المرارة :
-أنا يا ماما ، جواز تاني مش هايحصل ، كفاية أوي اللي شوفته في جوازتي الأولى !
حزنت والدتها لقرارها الصادم ، واكتسى وجهها بتعابير واجمة ، وأخفضت نبرتها وهي تقول :
-بس يا بنتي مش هاتفضلي كده
تعصبت إيثار وهي تضيف بإصرار :
-أنا مبسوطة وأنا لوحدي !
ثم اختنقت نبرتها وهي تتابع بمرارة :
-عاوزاني أتجوز واحد يبهدلني ويضربني ويموت ابني قبل ما يشوف النور
ردت عليها والدتها بحزن :
-صوابعك مش زي بعضها
توسلتها إيثار بجمود :
-عشان خاطري يا ماما قفلي على السيرة دي
هتفت تحية بنبرة راجية :
-يا ايثار اسمعيني للأخر وآآآ...
قاطعتها قائلة بعبوس :
-عن اذنك يا ماما أنا داخلة أرتاح !
اعتصر قلبها حزناً على حال ابنتها البائس ، وعاتبت نفسها لتسرعها في فتح ذلك الموضوع معها دون التمهيد مسبقاً ..
تساءلت هي بتلهف وهي ترى ابنتها تتجه لغرفتها :
-طب والأكل
أجابتها بإقتضاب شديد :
-ماليش نفس !!!!!
ثم اتجهت نحو غرفتها ، وصفقت الباب خلفها بعنف وهي تتمتم بكلمات غاضبة ..
هي لا تريد تكرار تلك التجربة الفاشلة من جديد
لا تود خوض معارك ستخسر فيها ما تبقى من روحها ..
ألا يكفيها ما ذاقته على يد محسن لتعاني على يد شخص غريب عنها ..
حاولت أن تلتقط أنفاسها لتسيطر على غضبها قبل أن يتفاقم ..
هي اتخذت قرارها ، ولن تتراجع عنه ..
لاح طيف مالك أمامها ، فتنهدت بيأس وهي تقول لنفسها :
-حتى ده مش هايحصل !
......................................
في اليوم التالي ،
كانت إيثار بمفردها في الفيلا مع الصغيرة ريفان ترعاها كالعادة وتلهو معها ..
هي تعلقت بها كثيراً ،وأصبح وقتها المفضل هو ذاك الذي تقضيه معها ..
أرادت أن تستغل فرصة غياب روان لمفاتحة مالك في مسألة ارتباط أخيها بها ..
هي تعلم أنه سيعارض هذا الموضوع وبشدة ، ففضلت أن تتحدث معه على انفراد حتى تتجنب توتر الأجواء معه ومع روان إن أصر على رفضه ..
وبالفعل حدث ما تمنت ، وعـــاد مالك مبكراً من عمله لينهي بعض الملفات العالقة قبل أن ينطلق مجدداً للقاء عمل بالخــارج ..
ألقى التحية عليها وهو يتحرك بعجالة للداخل دون أن يقبل ابنته ، فلا وقت ليضيعه ، وهو أمامه الكثير لينجزه في وقت قليل ..
نظرت هي له بإستغراب ، وردت عليه برقة :
-وعليكم السلام
حملت الصغيرة ، وسارت خلفه بخطوات سريعة محاولة اللحاق به ، ولكنه كان الأسرع في التحرك لذلك اضطرت أن تنادي عليه بنبرة مرتفعة نسبياً :
-مالك .. آآ..
تداركت خطئها سريعاً وهتفت بنزق :
-مالك بيه
انتبه لترديدها اسمه دون أي ألقاب في البداية ، والتفت برأسه نحوها ليرمقها بنظرات مطولة ..
اقتربت منه بخطوات حذرة ، وحافظت على ثباتها الانفعالي رغم شعورها بسخونتة وجنتيها ، وهمست قائلة بتوتر :
-ممكن أتكلم معاك في حاجة
رد عليها بجمود وهو يزفر في تعب :
-مش وقته ، أنا عندي شغل كتير وآ..
قاطعته قائلة بإصرار :
-أنا مش هاعطلك ، هما بس 5 دقايق مش أكتر
تنهد بعمق وهو يرد بإقتضاب :
-خير
ابتسمت له بخجل وهي تقول :
-ينفع نتكلم في المكتب جوا
حدق في ساعته ، ثم أجابها بضيق :
-ماشي ، اتفضلي
تحرك نحو مكتبه ، وسارت هي خلفه بثبات ..
لم تنكر حالة التوتر التي تعتريها وهي في حضرته .. لكنها لن تظهر هذا أمامه ، هي اعتادت على تخبئة مشاعرها، وستحافظ على ذلك ..
جلس على مقعده ، ونظر لها بتفرس وهو يتساءل بجدية :
-خير ؟ كنتي عاوزاني في ايه
أجلست الصغيرة على حجرها ، وداعبت أصابعها برقة وهي تقول بتوتر :
-أنا .. انا كنت عاوزة أفاتحك في موضوع روان وآآ.. وعمرو
تصلبت تقاسيم وجهه عقب جملتها الأخيرة ، وحل الوجوم عليه ، وأظلمت عيناه بشدة ، وقست نظراته ..
تابعت هي قائلة بحذر رغم تذبذب نبرتها :
-هما .. هما الاتنين يعني في زي آآ... مشاعر بينهم ، وآآ... ويمكن يكون في آآ..
هب واقفاً من مكانه ، وصـــاح بها بغلظة اخافتها وهو يضرب بعنف بقبضته على سطح مكتبه :
-الكلام ده مرفوض ، أنا مش هاسمح لأختي ترتبط بواحد زي أخوكي
شعرت بالإهانة والإساءة إلى شخص أخيها من كلماته القاسية ، ومع ذلك ابتلعتها منه ، ودافعت عنه قائلة :
-أخويا معملش حاجة غلط ، هو عاوز يتقدملها ويخطبها
صرخ فيها بإنفعال وهو يشيح بيده :
-مش هايحصل ، أنا ممكن أوافق على أي حد في الدنيا إلا أخوكي ، هو أنا نسيت اللي عمله فيا ومعايا !
نظرت له بخوف ، ونهضت هي الأخرى من على الأريكة وأحاطت الصغيرة بذراعيها لتحميها من تهوره ، وأكملت بتوجس :
-بس إنت كده بتظلم أختك ، بتاخدها بذنب غيرها !
احتدت نظراته ، وصاح وهو يكز على أسنانه بشراسة :
-انتي بالذات ماتتكلميش عن الظلم ، نسيتي اللي عملتيه فيا
ابتلعت ريقها بتخوف ، فهي تعرف جيداً ما قام به أخيها مسبقاً ..
قست نبرة مالك وهو يتابع بصراخ :
-مش معنى إني بأعاملك كويس أبقى نسيت كدبك وخداعك ليا !!
شعرت بإهانته المتعمدة لشخصها وتحقيره من شأنها ، فردت مدافعة عن نفسها :
-أنا مكدبتش عليك !
لوح بكف يده أمام وجهها مهدداً :
-لأ كدبتي ، والدليل إنك اتجوزتي غيري عشان أغنى مني !
ارتجفت من ثورته الغاضبة ، واحتمت بالصغيرة وهي ترد بنبرة شبه مرتعدة :
-محصلش ، أنا كنت مجبرة
نظر لها بإزدراء ، ثم هتف بتهكم :
-أيوه ، زي ما انتي مجبرة تشتغلي عندي
أغاظتها اتهاماته الباطلة ، فصاحت مدافعة :
-انت اللي طلبت إني أكون معاك مش أنا
نفخ بصوت مسموع ، ورمقها بنظرات قوية ، وهو يقول بصرامة :
-أنا مش عاوز مناهدة كتير في الموضوع ده !
أيقنت إيثار أنه يكن لها ولأخيها الكثير من الكراهية ، ولكن ما ذنب أخته أن تعاني مثلها من الحرمان من الحب ..
لذلك استجمعت شجاعتها أمامه ، وأصرت على رأيها قائلة :
-لأ لازم تسمع للأخر
رد عليها بسخط :
-انتي مش هاتكوني أدرى مني بمصلحة أختي
أضافت قائلة بنبرة حادة :
-أنا صاحبتها وعارفة مشاعرها ، ومش عاوزاها تتحرم من الحاجة اللي بتتمناها !
أغاظته كلماتها ، فحذرها بصوت قاتم :
-إيثــــار ، إنتي أخر حد يتكلم عن المشاعر !!
ردت عليه بعصبية :
-إنت متعرفش حاجة عني عشان تحاكمني كأني مجرمة ولا مذنبة
نظر لها بإحتقار ، ورد عليها بنبرة ساخطة :
-مش محتاج أعرف ، أنا شوفتك بعيني !!
أشعلت نظراته المهينة لها ثورة بركان غضبها الكامنة بداخلها ، هي تحملت الكثير وابتلعت إهانات جمة ، لكنها لن تظل صامتة أمام أي إتهامات باطلة .. لذا لم تشعر بنفسها وهي تصرخ فيه بجنون :
-انت شوفت وصدقت اللي عاوز تعرفه وبس ، لكن ماعشتش لحظة واحدة من اللي أنا عشتها !
رد عليها بجمود :
-ومش عاوز أعرف !
حاولت السيطرة على انفعالاتها ، فهي في النهاية تريد مصلحة أخيها ورفيقتها .. فحاولت أن تلعب على وتر المشاعر الصادقة .. تلك المشاعر الغير قابلة للتزييف ، فأردفت قائلة بنبرة استعطاف :
-ماشي ده حقك ، بس لو انت كان عندك مشاعر حب حقيقية أكيد هاتحس بأختك وهاتعرف إن هي زي ما قلبك دق قلبها كمان دق وعرف الحب !
لم يتحمل كلماتها .. هي تثير بداخله شيء ما .. تدفعه للغضب وللجنون ، هي أوشكت على كشف تعلقه بها ، وهو لن يتحمل ضغطها .. هي ليست له ، هي ملك لغيره ..
قست تعابير وجهه ، ونظر لها بشراسة ، ثم صـــاح بصوت هادر :
-اطلعي برا !!
جفل جسدها من صوته ، ونظرت له مشدوهة ، فأسرع هو بجذب صغيرته من بين ذراعيها ، وتابع بصرامة :
-أنا هانهي التعاقد معاكي
ضغطت على شفتيها بقوة ، وردت بنبرة شبه منكسرة :
-اللي يريحك يا مالك بيه ، أنا في النهاية شغالة عندك
أكمل هو قائلاً بغلظة متعمداً إوجاعها :
-بالظبط ، إنتي بتشتغلي عندي ، وأنا استغنيت عن خدماتك ، فاتفضلي يالا من غير مطرود ، وفلوسك هاتجيلك على المكتب اللي مشغلك ، مش عاوز أشوف وشك هنا تاني ولا في أي مكان
أدمعت عيناها من كلماته القاسية .. ها هي النهاية كتبت .. وها قد أصدر حكمه عليها دون أن يسمع منها ..
رأى عبراتها تترقرق في مقلتيها ، فخشي أن يرق قلبه نحوها .. فأكمل بشراسة :
-روحي بقى عيطي ، واترمي في حضن جوزك وخليه يسترجل و يصرف عليكي بدل ما باعتك عندي وآآ...
لم تستطع تحمل المزيد ، هو يتعمد الضغط على جروحها الغائرة ، فصرخت فيه بجنون مقاطعة إياه وهي تصم أذنيها بكفيها :
-اسكت ماتجبش السيرة دي !
نظر لها بإستغراب ، وتابع بتهكم :
-خايفة على مشاعره ، ماهو لو كان آآ...
قاطعته بصراخ حـــاد وهي تبكي :
-بــــــــــس !!!
رأى تبدل حالتها المستكينة الهادئة إلى حالة هياج عصبي .. تلك الحالة التي حذره منها الطبيب .. فانقبض قلبه بتخوف ..
اكتسى وجهها بحمرة هائلة ، واحتقنت عيناها الباكيتين ، وأكملت بنشيج :
-أنا بأكرهه زي ما بأكرهك دلوقتي !
تفاجيء من عبارتها ، وتابعها في صمت ، فأضافت بصوت متشنج :
-عارف ليه ؟ لأنه ظلمني زيك ، أيوه ظلمني ، أنا حبيتك بجد ،وكنت مستعدية أموت عشانك ، وعملت ده لحد ما هددوني بيك ، فوافقت غصب عني عشان احميك ، وهو عرف إزاي يضحك على أخويا ويجبرني على جوازي منه ، بس .. بس للأسف كان كداب ، ومتجوز قبلي ومقالش !!
صدم مما قالته ، وعجز عن الرد عليها ..
أجهشت بالبكاء المرير وهي تستعيد أسوأ لحظاتها ..
أغمضت عيناها قهراً ، وأطرقت رأسها وهي تكمل بصعوبة :
-كان بيموتني في اليوم مليون مرة وأنا سكت ورضيت بنصيبي ، واستحملت ضربه وإهانته واتحرمت من أهلي وبرضوه سكت واستحملت، لحد ما آآ...
توقفت للحظة لتلتقط أنفاسها اللاهثة ، وأكملت بنشيج يدمي القلب :
-لحد ما أجهضني وأنا معرفش إني حامل ، ضربني وموت ابني لأني كلمت بس أهلي .. عارف لما حتة منك تموت وإنت مش دريان ، تخيل شعورك عامل ازاي ، أهو أنا كنت كده ، واتطلقت منه ، فماتقولش عندي مشاعر ليه ، أنا ماحبتش حد قبلك ولا حبيت حد بعدك ، بس إنت ماتستهلش الحب ده ، إنت زيك زي غيرك ، بتيجي على الضعيف ، وبتظلم أوي !
لمعت عيناه بوميض غريب ..
وتسارعت دقات قلبه مع فرط الآلم الظاهر في نبرتها ...
(( أهكذا كانت حياتك حبيبتي ؟ كنتِ تقاسين وأنا أظنك في الغرام تهيمين ! ))
حاول أن يرد عليها ، فخرج صوته متردداً مصدوماً :
-أنا ..آآ...
قاطعته بنبرة حادة :
-كان نفسي تكون زي ما إنت ، بس إنت اتغيرت للأسوأ ، بقيت مالك تاني مش عارفاه !
نظر لها عاجزاً عن الرد .. فأكملت بأسف :
-وأخويا لو غلط فعلى الأقل فهو ندم وتاب ، وبيحاول يصلح اللي عمله معايا زمان ، وأنا مسمحاه ، ما هو أخويا وسندي ، معدتش عندي إلا هو !
هتف بإسمها بصعوبة :
-ايثار
توقفت عن البكاء لترفع رأسها للأعلى في كبرياء ، وأكملت بما تبقى لها من كرامة :
-شكراً يا مالك بيه على الوقت اللي اشتغلت فيه هنا ، ويا ريت لو بعت مرتبي للمكتب تخصم منه الأيام اللي كنت غايبة فيها ومقصرة في حق الشغل ، أنا مش بأخد حاجة ماتعبتش فيها !
تحركت من أمامه قبل أن يفتح فمه ليناديها ..
ركضت وهي تكتم شهقاتها المتحسرة ..
رحلت لتبتعد عن الماضي بكل ما فيه ..
صدمته فيما حدث لها كان أكبر من قدرته على الإستيعاب ..
تسمر في مكانه مذهولاً .. هي حقاً مازالت تحبه .. وكانت تعاني وبشدة ..
هي حبيبته ، معذبته ، قاتلته ..
وهو بتهوره وغضبه الأعمى غفل عن صدق مشاعرها نحوه ، وطعنها بقسوة في قلبها ، وأضاعها ..
لا .. لن يحدث ، لن يتركها تضيع منه .. لن يستسلم .. هي كانت له ، وستكون ...................................... !!!!