اخر الروايات

رواية رحلة الآثام الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم منال سالم

رواية رحلة الآثام الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم منال سالم


لفصل الخامس والعشرون
(ألن ينزاح الهم أبدًا؟)
لم ينجح في مغالبة شعوره بالضيق، والذي ظل ملازمًا له منذ سفر رفيقه، وبقائه في منزله كالضيف الغريب، خاصة مع غموض موقفه تجاه استمرار هذه الزيجة، والتي تخطت في مدتها ستة أشهر. سرح "ممدوح" في أفكاره المزعوجة، خاطب نفسه في شيءٍ من التشاؤم: -المرادي طولت الغيبة أوي يا "مهاب"، سبتني لابس في مصيبة، وإنت عايش حياتك!
فرك طرف ذقنه، وواصل ذلك الصوت الكلام في طيات رأسه بما بدا أشبه بالوعيد:
-مسيرك هترجع، هتروح مني فين، ما هو لازم يكون لليلة دي نهاية!
في خضم شروده المعتاد، لم ينتبه "ممدوح" لقدوم زوجته لتجلس معه، بدت بهية الطلة وهي ترتدي أفضل ما لديها من ثياب مغرية، لتمنحه نفحة جديدة ومتجددة من السعادة المشوقة بالتحامهما الجسدي. لفت كتفيه بذراعها، ونظرت إليه بشغفٍ وهي تسأله:
-حبيبي، سرحان في إيه؟
أجاب نافيًا، وهو يلصق بثغره هذه الابتسامة المتصنعة:
-مافيش يا قلبي.
زوت ما بين حاجبيها متسائلة بإصرارٍ:
-هتخبي عليا برضوه؟ مش احنا اتفقنا نكون صُرحا مع بعض على طول؟
تعلل بحجة كاذبة، لينجو فقط من حصارها المزعج له:
-يعني الدنيا مقفلة شوية معايا، وأنا مش عارف أجيبلك بيت كويس نعيش فيه.
دون تفكيرٍ مسبق أخبرته بنزقٍ وقد سحبت ذراعها لتمسك بكفه وتحتضنه بين راحتيها:
-أنا حالي ومالي ليك.
نظر لها باهتمامٍ، فقد غفل عن أنها أصبحت ميسورة الحال بعد تبدل وضعها الوظيفي، واقترانها بسليل عائلة "الجندي" لسنوات، حتمًا جيبها لن يكون خاليًا من الأموال. سرعان ما حول تحمسه الفجائي لامتعاضٍ عابس وهو ينهرها، كأنما قد استاء من تلميحها:
-الكلام ده مش عايز أسمعه منك!
استندت برأسها على كتفه، وخللت أناملها بين أصابعه لتتشابك معًا، ثم رفعت يدها الأخرى الطليقة نحو عنقه لتداعبه برفقٍ، قبل أن تصر عليه بكلامها:
-يا حياتي أنا وإنت بقينا واحد، وكل اللي معايا ليك ولـ "أوس"!
الإتيان على ذكر ذلك الصغير المغيظ له جعل دمائه تتحفز، وينتابه شعور الغيرة والحقد تجاهه. كان "ممدوح" متأكدًا أن زوجته لن تبدي رفضها لأي مقترح يطرحه عليها، خاصة بعدما تمكن منها، وعرف كيف يستحوذ على وجدانها قبل عقلها، فأصبحت معه كالمغيبة، تُســاق كالبهائم إلى حيث يريد، لهذا انتهز الفرصة ليقترح عليها إرســال طفلها إلى مدرسة داخلية متخصصة فقط في تنشئة وتعليم أبناء الطبقة الراقية، حتى يتمكن تمامًا من الانفراد بها، ونهب ما تملك بمكرٍ وعلى راحته. اندهشت لما فاه به، وهتفت في اعتراضٍ بعدما استعادت يديها:
-مدرسة داخلي؟ "أوس" صغير أوي على كده، بيتهيألي مالوش لازمة!
صمم على اقتراحه بجديةٍ غريبة:
-صدقيني ده هيفيده، ويعلمه الانضباط.
صمَّت أذنيها عن كلامه، وهتفت تخبره بملامح متجهمة، قبل أن تنهض من جواره:
-إزاي أوافق بده، وأنا عملت كل حاجة صعب تتخيلها عشان أفضل جمبه؟!
كان جيدًا في قراءة تعبيرات الوجه، وعلم من قسماتها أن استمراره بالضغط عليها لن يؤتي بالنتائج المرجوة، لهذا ادعى تراجعه عن الأمر، وقال في دبلوماسيةٍ وقد نهض هو الآخر:
-ده مجرد رأي يا حبيبتي، وإن كنت بفكر بالشكل ده فعشان تحطي في اعتبارك مستقبلك، وماتفضليش كده متعطلة بسبب طفل صغير.
استدارت لتواجهه، وهتفت بتحفزٍ:
-اللي بتتكلم عنه ابني الوحيد.
وضعت كلتا يديه على منبتي ذراعيها، مسدهما في رفقٍ، وقال باسمَا:
-يا حبيبتي ده هيروح أحسن مدرسة، هتعلمه كل حاجة على أصولها، ما إنتي بنفسك شايفة مغلبنا إزاي مع المربيات.
كان محقًا في الجزئية الأخيرة من حديثه، فـ "أوس" لا يتوقف أبدًا عن التشاجر مع المربيات، ولا عن افتعال المشاكل معهن، حتى يعتذرن عن العمل. التقط "ممدوح" لحظة التردد التي سادت في تعابيرها، وقال في خبثٍ ليقنعها:
-وبعدين "مهاب" ماعندوش مانع بكده.
سألته في دهشة كبيرة:
-إنت كلمته؟
تصنع الابتسام، وأجابها في هدوء جاد:
-اقترحت الحكاية عليه وسط مواضيع تانية، وكان رأيه زيي، نعمل الأصلح لـ "أوس".
انعكس التردد على محياها، ومع ذلك لم تعطه الرد القاطع، وتكلمت بعد تنهيدة سريعة:
-طب سبني أفكر الأول، وأدرس الموضوع.
اتسعت ابتسامته الماكرة أكثر، وأبدى ترحيبه قائلًا، وهو لا يزال يجري بيديه صعودًا وهبوطًا على طول ذراعيها:
-خدي راحتك يا حياتي، اللي يهمني في النهاية إنه يكون زيك أحسن حد.
تساءلت "تهاني" بعدئذ وهي تهم بالسير لتعود إلى حيث كانا يجلسان في الأول:
-هو "مهاب" مقالكش راجع امتى؟
مط فمه قليلًا، ثم جاوبها بعدما استقر مجاورًا لها:
-ماظنش دلوقتي، الباشا أبوه تعبان، وهو موجود مكانه.
تنهدت في ارتياحٍ شديد قبل أن تعلق:
-ربنا يبعده عننا.
اكتفى بالابتسام، فاستطردت مسترسلة في حديثها إليه:
-تعرف، من يوم ما هو سافر واتجوزتك وأنا حاسة بنفسي بني آدمة حرة، ليها مشاعر وكيان.
مرر ذراعه من خلف ظهرها ليحاوطها، ضمها إلى صدره، وأخبرها بلطافةٍ، وهذه النظرة الغامضة تبرق في حدقتيه:
-ولسه كمان، لما أحلامك كلها تتحقق.
نظرت إليه في محبةٍ، فأحنى رأسه على شفتيها يقبلها منهما، ليضيف في صوتٍ أقرب للهمس ليستميل فكرها:
-إنتي بس اسمعي كلامي، وهتعرفي إن معايا حق.
.................................................
غادر منزله مرغمًا، وليس بإرادة منه، كان مجبرًا على إطاعة الأوامر ولو قسرًا، تذمراته، شكواه، حتى احتجاجاته لم تلقَ أي صدى، في الأخير تم استبعاده ليُرسل إلى هذه المدرسة الداخلية وحيدًا ومهمومًا. عيناه الغائرتان في وجهه كانتا توحيان بغضبٍ مكتوم، خاصة أن والدته لم تصحبه، ولم تودعه، بدا الأمر من وجهة نظره وكأنه تم لفظه من موضع سكنه لتستمتع هي بحميميتها الزائدة مع زوجها السمج. الدندنة المستفزة التي راح يرددها "ممدوح" في قدرٍ من الهمس وهو يقود السيارة كانت تحقن دمائه، وتجعله يبدو كأتونٍ متقد على وشك الانفجار في أي لحظة.
طوال الطريق استمر "ممدوح" في النظر إليه عبر المرآة الأمامية بين الحين والآخر في تلذذ مغيظ، قبل أن يردد على مسامعه، كأنما يظهر له الشماتة:
-شوفت، أنا بنفسي اللي جاي أوصلك.
تأمل هذا التعبير الحانق على وجه الصغير، وتمتع أكثر برؤيته يعاني، فزاد من استفزازه بقوله:
-مع إن أمك كان هيجرالها حاجة وتيجي، بس عرفت أقنعها تفضل بعيد، ما هي بقت زي الخاتم في صوباعي.
ثم أطلق ضحكة عالية ليضاعف من شعوره بالحقد، وأضاف بعدها عن عمدٍ ليشكك في مشاعرها الأمومية تجاهه:
-إنت مش عارف هي بتعشقني إزاي، ده يمكن أكتر منك.
عاود الضحك ليستثير أعصابه أكثر، وراح كمل نفس الدندنة السمجة دون أن يكترث بصمته المشحون، معتقدًا أنه بذلك يهشم روحه، ويكسر كبريائه الموروث.
..........................................
بعد وقت ليس بقليل، تباطأت سرعة السيارة حينما وصل "ممدوح" لمنطقة شبه معزولة عن الجميع، محاطة بأسوارٍ مرتفعة من الأسمنت، فتحجب من بداخلها عن رؤية ما يدور بالخارج. أشار بيده للحرس الأمني الواقف عند البوابة، فسمحوا له بالدخول بعد تفقد هويته، وإعطائه شارة الزائر.
-شوف يا نانوس عين أمك، إنت لو بقيت كويس وبتسمع الكلام ومش عامل قلق في المدرسة دي، جايز أسمحلك تزورنا مرة في الشهر، غير كده صدقني السجن هيبقى أهون من اللي هتشوفه معايا.
تحفز في وقفته، وتصلب، وسدد له نظرة نارية ليصيح بعدها بصوتٍ مرتفع محموم بالغضب:
-أنا بكرهك.
ارتسمت على شفتي "ممدوح" ابتسامة أكثر اتساعًا وشماتة، ليدنو منه برأسه قائلًا ببرود قاسٍ:
-وأنا مابحبكش.
استغل "أوس" اقترابه منه ليسدد له لكمة قوية برأسه نحو أنفه، فأصابه بغتةً بإصابة جسيمة، تأوه "ممدوح" من الألم الشديد، ووضع يده على أنفه النازف وهو يلعنه في حرقةٍ:
-يا ابن الـ ....
ابتسامة زهو علت ثغره، لم يبدُ خائفًا أو مرتجفًا منه، ولم يفر من مكانه حتى، ورغم كونه انتصارًا زهيدًا حسب معتقده إلا أن تأثيره كان واضحًا على "ممدوح" الذي أخذ يتوعده في شراسةٍ وهو لا يزال واضعًا يده على أنفه:
-وحياة أمك لأوريك يا ابن .. "مهاب"، إنت مش هتخرج من هنا إلا على جثتي!
..............................................
تَورُم أنفه كان واضحًا، وموجعًا، تنفس "ممدوح" الصعداء لأن الأمر لم يصل إلى الكسر، وإلا لبات التشوه به دائمًا ومُخجلًا له، خاصة وهو يعتمد على وسامة وجهه ولسانه المعسول لاصطياد ضحاياه. عاد إلى منزله الجديد الذي انتقل إليه مؤخرًا للإقامة فيه مع زوجته بعدما تم إسعافه، ليسرد عليها ما قام به ابنها من تصرف مشين غير مبررٍ. استهجنت بشدة فعلته، وراحت تقول في صدمة حرجة:
-إزاي يعمل كده؟
أكد بعبوسٍ يشوبه قدرًا من المزح السخيف:
-أهوو ده اللي حصل، الحمدلله إنه مكانش كسر، ولا فقعلي عيني.
استنكرت تصريحه، ونفت عنه هذه العدائية بترديدها:
-"أوس" استحالة يكون بالعنف ده!
أطلق زفرة بطيئة أتبعها استرساله بوجه شبه ممتعض:
-للأسف ابنك معايا مش زي ما إنتي مفكرة، سلوكه محتاج يتعدل كتير، وأنا شايف إن تشديد المدرسة في صالحه، هيفيد شخصيته.
ارتعشت أطراف "تهاني"، وبدا ذلك ملحوظًا وهي تتحسس جبينها، أولته ظهرها، وراحت تمشي ببطءٍ مبتعدة عنه وقد نكست رأسها في خزي، لتهتف في ندمٍ ممزوج بخيبة الأمل:
-أنا خايفة نكون استعجلنا في الخطوة دي، كان لازم يفضل معايا!
في خبثٍ ملازم له، اتجه "ممدوح" إليها، دار حولها واستوقفها، ثم مد يده نحو ذقنها ليرفع وجهها إليه، رأى الحزن جسيمًا في حدقتيها، فأسبل عينيه تجاهها، وخاطبها في لينٍ:
-حبيبتي، ابنك بيكبر كل يوم عن التاني، وهو متمرد، واخد صفات باباه، وإنتي بنفسك مجربة طباعه العنـــــيفة إزاي، مش هنستنى لحد ما ينحـــرف.
اغرورقت عيناها بالدموع، وأخبرته بألمٍ متزايد:
-ده طفل، مايفهمش حاجة!
سحبها إلى حضنه في رفقٍ، ولف ذراعيه حولها ليحتويها وهو يطلب منها:
-هدي أعصابك يا حبيبتي، كل حاجة هتتحل، احنا بس نرجع من التدريب اللي ورانا، وبعدين نشوف صِرفة.
سحبت نفسًا عميقًا لتخنق به نوبة البكاء التي توشك على البدء فيها، وأخبرته بترددٍ يشوب نبرتها:
-مش حابة أسافر وأنا قلقانة عليه، غيابه مأثر فيا.
خفَّض من ذراعه نحو خصرها ليتلمسه بلمسات الخبير القادر على إيقاظ الجسد الغافل من سباته، داعبها في محبة وهو يهمس في أذنها:
-وأنا موجود عشان أنسيكي أي زعل.
حاولت المناص منه بإظهار رفضها اللبق وهي تعتذر منه:
-"ممدوح" مش وقته، من فضلك.
أصر على إغراقها في موجات حبه المُضلة لئلا يترك لها مساحة من التفكير، فتفسد ما يحاول فعله، وقال وهو يدس أنفه المتورم في منحنى عنقها لتشعر بلهيب أنفاسه الحارقة على جلدها:
-هو في أحلى من كده!
كان كمن يملك مفتاح زمامها، بعد عدة ملاطفات مدروسة، استطاع أن يجعلها تضحك من جديد، تشتهي وِدّه، وتتحرق إلى حنانه، لتضطر أن ترجئ ما يقلقها لوقت لاحق، حتى تشبع افتقادها للحب الصادق والاهتمام الزائد.
..........................................
سارت الأمور على ما يرام، وتمت الاتفاقات الرسمية أخيرًا، لتصبح مسألة الشراكة قانونية ومعلنة، وللاحتفاء بذلك التحالف القوي أقيم احتفالًا رسميًا بأحد الفنادق الشهيرة، حضره نخبة من رجال الأعمال البارزين، وصفوة المجتمع الراقي، بالإضافة لحشد من الإعلاميين والصحفيين لتغطية أخبار هذا الحدث الهام. بهيبة تليق بطلته، ورزانة مرسومة على قسماته، وقف على يُمناها استعدادًا لالتقاط الصورة الفوتوغرافية المخصصة لإحدى الجرائد القومية، اختطف "مهاب" نظرة سريعة نحو هذه الفاتنة التي أسرت تفكيره لأسابيع، كانت صعبة المنال، كلما اقترب منها خطوة، ابتعدت عنه بعشرةٍ، حتى باتت هوسه للظفر بها، ومع هذا لم يتعجل في خطوات تودده إليها، كان يضع في حسبانه كل شاردة وواردة تخصها، فإن حانت اللحظة المناسبة، انقض عليها ونال مآربه منها.
ما إن انتهى المصور من أخذ اللقطات المناسبة حتى التفت إلى "ناريمان" ممددًا يده لمصافحتها وهو يقول:
-مبروك على شراكتنا الجديدة.
بالكاد لامست كفه، وردت في اقتضابٍ:
-ميرسي.
ثم سحبت يدها في التو، فأظهر عدم اكتراثه بجفائها، وواصل الكلام بألفة واحترام:
-أنا واثق إننا هنكتسح السوق، الحكاية مجرد وقت، ومحدش هيكون موجود ينافسنا
ردت بهزة خفيفة من رأسها:
-أها..
حاول إطالة مدة الحديث بينهما، فأضاف:
-يمكن أي حد يستغرب إني دكتور ومهتم بأمور البيزنس جدًا، بس في الحقيقة الاتنين واحد، حتى لو المجال مختلف.
بدت وكأنها لا تلقي بالًا لما يفوه به، حتى أنها باعدت نظراتها الفاترة عنه، وهمَّت بالانصراف لولا أن استطرد بشيء أزعجها وجعلها تتجمد في موضعها:
-إنتي شكلك متغير شوية.
حدجته بهذه النظرة القوية المستنكرة قبل أن تلومه:
-إيه يا دكتور؟ ده نظام جديد للمعاكسة؟
أوضح لها بجديةٍ:
-مش محتاج أعاكس يا هانم، بس من واقع خبرتي أقدر أعرف أعراض المرض من لون البشرة والجلد، وإنتي فيكي آ..
قاطعته في غطرسة صريحة مستخدمة يدها في الإشارة:
-شوف لو أنا تعبانة أكيد هروح لأحسن دكاترة في العالم، مش أي حد.
تضمنت عبارتها الأخيرة تقليلًا من قدره، مما ضايقه، وما زاد من هذا الشعور المزعج انسحابها المتعجرف:
-عن إذنك، ضيوفي منتظريني.
أشار لها بيده معقبًا بهدوءٍ حذر:
-اتفضلي.
بدا في نبذها له تحديًا مثيرًا ومشوقًا، لهذا رفض "مهاب" الاستسلام مبكرًا لمحاولات صدها الدائمة له، وأصر على إيقاعها في حبائله، حتى لو كلفه ذلك الشراكة القائمة بين العائلتين.
............................................
على هيئة استدعاء رسمي، أُرسل في طلب ولي أمره للحضور في التو والحال رغم أنه لم يمر سوى شهر واحد على مكوثه هنا. عجز مدير هذا الصرح التعليمي المعروف برقيه –بالتعاون مع فريق التدريس الاحترافي- على ضبط أو تقويم سلوك هذا الطالب المستجد، فالأخير كان يزداد عنفًا، وتمردًا، وعداءً لكل المحيطين به، مما يشكل تهديدًا قويًا على نظم وأسس المكان الراسخة. جلس "مهاب" أمام المدير وهو يناوله أوراق الملف الخاص بابنه إليه مبديًا أسفه:
-سيدي، نحن نعتذر عن إبقاء ابنك بمؤسستنا التعليمية.
لم ينبس بكلمة، وأصغى إليه وهو يبرر له اتخاذه لذلك القرار الصادم:
-لقد بذلنا قصارى جهدنا معه؛ لكنه لا يستجيب مُطلقًا.
اقترح كذلك عليه في ختام كلامه إليه:
-من الأفضل أن يذهب إلى مكان آخر غير مقيد بقوانين.
حفظًا لماء الوجه أوجز "مهاب" في رده:
-حسنًا.
ثم نهض واقفًا، فمد المدير يده لمصافحته مختتمًا حديثه:
-شكرًا لسعة صدرك.
اكتفى بهز رأسه، ومغادرة المكتب ليجد وحيده ينتظر في غرفة السكرتارية، على مقعد منفرد، يهز ساقه في عصبيةٍ، حين رأى "أوس" أبيه، انتفض قائمًا، فأشار له الأخير ليقترب منه، ثم سأله في وجهٍ صارم:
-عملت فيهم إيه يا "أوس"؟
لهنيهة تردد الصغير في إخباره مخافة من غضبه؛ لكنه في النهاية تجرأ وأفصح له:
-مش عاوز أفضل في المدرسة دي يا بابا.
سأله في نوعٍ من التوبيخ:
-وده يخليك تتصرف كده لحد ما تتطرد؟
بعد زفرة سريعة أباح له بالسبب الحقيقي للجوئه لهذا:
-السبب ماما وصاحبك.
حينئذ غامت تعابيره تمامًا، وكز على أسنانه مهسهسًا:
-قولتلي بقى.
ابتسامة غريبة ظهرت على وجه "مهاب" عندما خاطب ابنه بجديةٍ:
-طالما دي رغبتك، فهترجع البيت تاني، وكمان مدرستك القديمة.
اندهش الصغير من موقف أبيه الذي كان يظنه غير هذا كليًا. وضع "مهاب" ذراعه على كتفي ابنه، واستحثه على المشي معه وهو يواصل الكلام؛ لكن إلى نفسه:
-وأمك هتتحاسب مع اللي وزاها على كده، بس كله في وقته!
...............................................
الصفعة المباغتة والعنـــــيفة التي تلقتها على وجنتها فور أن واجهها "مهاب" جعلت شعورها بالارتعاب منه يبلغ ذروته في لحظاتٍ، وكأنها لن تسلم من بطشه أبدًا، ستظل دومًا قابعة تحت مظلة تهديده. فهمت دون الحاجة للإيضــاح أن الأمر متعلق بصغيرها، فقد وصل إليها ذلك الإنذار اللعين بفصل ابنها من المدرسة، وكذلك بُعث بمثيله إلى والده. حاولت التبرير له فتوسلته وهي تتراجع مبتعدة عنه:
-"مهاب"! من فضلك اسمعني!
هدر بها في صوت مجلجل وأجش، رافعًا سبابته أمام وجهها:
-ابني خط أحمر يا دكتورة يا محترمة.
تطلعت إليه في ارتعابٍ، فأكمل تهديده اللفظي لها:
-أوعي تفكري بإن جوازك من "ممدوح" هيحميكي مني؟
اخشوشنت نبرته، وتوحشت نظراته وهو لا يزال يصيح بها:
-إنتو الاتنين تحت رجلي!
رمقها بنظرة احتقارية مهينة قبل أن ينهي كلامه المذل لها:
-ده أنا اللي مظبط كل حاجة ليكم، يعني في لحظة أمحيكم من الوجود.
ارتعش صوتها وهي تستجدي غفرانه:
-صدقني أنا كنت بدور على مصلحة ابننا، مقصدش أبدًا آ...
قاطعها قبل أن تكمل تبريرها بأمره الحاسم:
-مش مسموحك بده أصلًا، أنا الوحيد اللي مسئول عنه...
ما لبث أن غلف صوته رنة التهديد القاسية حين أكمل:
-ولا تحبي أحرمك منه نهائي؟
عندئذ انخلع قلبها وغاص بين ضلوعها هلعًا، في التو أظهرت ندمها الكامل بهتافها:
-أنا أسفة، مش هتحصل تاني.
حدجها بنظرة أخرى أكثر إهانة ليأمرها بإصبعه كنوعٍ من الاستزادة في الإذلال:
-يبقى تبوسي رجلي.
فاجأته حينما وافقت:
-اللي إنت عاوزه أناهنفذه.
انحنت جاثية على ركبتيها، وزحفت إليه لتقبل طرف حذائه، فما كان منه إلا أن ركلها في فكها، لتتلوى بعدها صارخة من الألم الشديد، وقد راحت خيوط الدماء تنزف بغزارة من بين أسنانها. وقتئذ أخبرها بتشفٍ:
-دي قرصة ودن ليكي!
نظرت إليه نظرة العاجز، الذليل، والمغلوب على أمره. بكت في قهرٍ وهي تراه يمارس طقوس هيمنته دون أن تبدي ردة فعلٍ لذلك، فهي في نظره المخطئة منذ البداية وحتى النهاية.
..............................................
حينما اكتشف ما تعرضت له في غيابه وفي عقر داره، انطلق كالمجنون لمقابلته، لم تكن مشاعر الحب والشوق هي ما حركته للزود عن زوجته المكلومة، بل كان الأمر مختلفًا، يخص شأنه معه، لذا مدفوعًا بضيقه وغيرته منه، اقتحم "ممدوح" مكتب رفيقه بالمشفى ليعنفه على ما ارتكب في حقها، فقد بدا الأمر بالنسبة له أنه مسَّ كبريائه كرجل وأهانه بشدة، وبالتالي ليعوضه عما حدث قد يلجأ لتسوية الأمر ويملأ جيبه بالأوراق النقدية، فينسى ويتناسى ما أزعجه، ويعود ثلاثتهم إلى نقطة الصفر. انطلق لسانه يصيح به في حنقٍ:
-ينفع كده يا "مهاب"؟
نهض الأخير من مقعده ليقف بشموخٍ مبادلًا إياه التهديد بقوةٍ:
-إلا ابني يا "ممدوح"، سامعني، إلا ابني!
خسارته ومعاداته في هذا التوقيت الحرج لم يكن مستحبًا له، ومع ذلك ليحفظ كرامته قال في غيظٍ مكبوت:
-ماشي أنا معاك في اللي إنت شايفه مناسب لابنك، بس ماتنساش "تهاني" لسه مراتي وعلى ذمتي .. إنت كده بتقلل مني قصادها، وده مش حلو في حقي.
نظر له بتعالٍ قبل أن يأتيه رده صادمًا على كافة الأصعدة:
-مايهمنيش اللي بينكم...
برزت عينا "ممدوح" في ذهول، فأكمل رفيقه بما شتت تفكيره وأصابه بالتخبط:
-ولو عاوز تطلقها براحتك، معدتش تفرق معايا!
سأله بتشككٍ مرتاب:
-معقولة! من إمتى بتسيب حاجة حاطط عينك عليها؟
بنفس العجرفة وأسلوب العنجهية علق:
-كانت مرحلة وخلصت.
تضاعفت الشكوك بداخله حيال شأنه، وحاول محاصرته بإخباره:
-مش بعوايدك، إلا لو كنت لاقيت حاجة تانية أحسن.
سحب "مهاب" مقعده، واستقر جالسًا عليه وهو يخبره ببرودٍ استثار حفيظته، وأحرجه:
-برضوه مايخصكش.
نظر له مليًا، فأول ما طرأ على باله بعد تبدل معاملته تلك، أنه يخفي شيئًا عنه، ويبذل كل الجهد لضمان عدم معرفته بالأمر. ابتلع طعم التجاهل عن قصدٍ، ورد بعدما تبسم قليلًا:
-تمام، زي ما تحب...
ثم انسحب من مكتبه عاقدًا العزم على عدم ترك الأمر دون التحري فيه، فأكد لنفسه بتصميم:
-مسيري أعرف مخبي إيه من ورايا، ولحد ده ما يحصل هنهدي اللعب على الآخر.
..................................................
بقائها معه جعلها ترى صورة مختلفة عن الحياة الأسرية المستقرة، وإن كان يتخللها بعض الآلام والتحديات، كما أن اهتمام "ممدوح" بها نفسيًا وبدنيًا ساعدها على التعافي وتجاوز التجربة السيئة التي خاضتها؛ لكنها كانت مدركة أنه في نفس الآن يضمر الضيق لرفيقه الذي سبب الأذى لزوجته، رأت ذلك في نظراته الشاردة، واستشعرته في صمته الطويل. التمعت عيناها بالحب عندما انحنى على رأسها ليقبلها قبل أن يتفقد فكها وهو يسألها في جدية:
-عاملة إيه النهاردة؟
أجابت باسمة قليلًا، رغم الوجع الذي عصف بفكها:
-أحسن.
لاحظ امتقاع وجهها، فاستغل ذلك ليستطرد في وجومٍ، كأنما يشدد على ما أحسته في أعماقها بشأن نبذه للاعتداء عليها:
-لولا إنك موصياني كنت قلبت الدنيا على "مهاب"، كله إلا إنتي يا حبيبتي، أنا معنديش أغلى منك.
رفعت يدها نحو صدغه، تلمسته في نعومةٍ وهي تقول:
-أنا عارفة إنك مجبور على ده، بس غصب عني، أنا مش عاوزة أتحرم من ابني.
رمقها بنظرة عميقة نافذة، فواصلت الحديث في مرارةٍ:
-"مهاب" قاسي، ومش سهل.
وكأنها تستفز مشاعره الذكورية بمقارنته بآخر، دومًا متفوق عنه، يحصل على ما يريد أولًا بأول، وهو موجودٌ فقط ليجمع فضلته، وما يزيد عن حاجته. غامت نظرته وأصبحت سوداوية وهي تتكلم بغير احترازٍ:
-جايز يأذيك، وأنا مش عاوزة أخسرك.
بالكاد كظم غضبه، لا يريد إفساد مخططاته التي يضعها في صمتٍ، إلى حدٍ ما لانت نظراته القاسية وارتخت تعابيره حينما أخبرته:
-وفي نفس الوقت مش عاوزة أخسرك، إنت بقيت مهم عندي، ومكانتك زي "أوس".
نفس المقارنات السخيفة، الأمر لم يعد يُطاق بالنسبة له، ومع ذلك استمر على سكوته وهي لا تزال تخاطبه:
-حبيبي متزعلش مني عشان حطاك في الموقف المحرج ده، أنا عارفة إنه صعب عليك تفضل كده بسببي.
رد عليها بمكرٍ مستغلًا تصديقها لوهم حبه المتيم بها:
-أنا بس مش عايز حد يأذيكي وأقف كده ساكت أتفرج عليكي.
هزت كتفيها قائلة بنوعٍ من التخمين:
-مسيره يتلهى عننا بأي واحدة، أكيد مش هيفضل كده.
اتفق معها في ذلك، فهو على علم تام بطبيعة رفيقه المحبة لاصطيـــاد النساء المختلفات في الطباع والشخصيات، وما جعله يتخلى بغير مبالاة عن تحديه القديم هو وجود آخر جديد ما زال يجهل تفاصيله. ابتسم لها ليخفي آثار التفكير السائدة على ملامحه، وعلق:
-على رأيك.
قام بعدئذ بالمسح بترفقٍ على وجنة زوجته طالبًا منها:
-حاولي ترتاحي يا حبيبتي.
تعلقت بيده، ورجته في لهفةٍ:
-ماتسبنيش، خليك معايا.
دون أن يحول نظراته الزائفة المهتمة بها، جلس على طرف الفراش مؤكدًا لها:
-أنا هفضل جمبك.
.............................................
عام بأكمله مضى وانقضى منذ وفاة شقيقه في هذا الحادث المأساوي، ومع ذلك ظل مواظبًا على زيارة والدته في بلدتها بشكل منتظم، فكان يلقاها أسبوعيًا ليمكث معها بعض الوقت، أحيانًا قد يبيت هناك، وفي كثير من الأحيان يرحل في وقت متأخر ليستقل بعدئذ المواصلات العامة ليعود إلى زوجته التي أبقت على قطيعتها مع عائلته. تفهم "عوض" لأسباب قيامها بذلك، ولم يضغط عليها لتوصل ما انقطع حتى معه، ترك للزمن مهمة مداواة جراحها العميقة، وحافظ على روابط المودة والعِشرة القائمة بينهما، وإن هجرته في الفراش. هذا الأسبوع تقاعس عن القيام بزيارته المعتادة للبلدة، لكونه معلول الجسد، ولم يأتِ بباله أن تجازف أمه وتأتي لزيارته، ويا ليتها ما جاءت، فحضورها كان مصحوبًا بالعواصف والأهوال.
القرع العنيف على الباب جعل "فردوس" تترك ما في يديها بالمطبخ، وتهرول شبه راكضة تجاه باب البيت لتفتحه، اتسعت عيناها ذهولًا عندما رأت من تمقت واقفة قبالتها، والأخيرة تمنحها هذه النظرة الساخطة البغيضة والكارهة لها، لم تمهد بشيءٍ، واندفعت كالثور الهائج تدفعها بعنفٍ من كتفها وهي توبخها:
-فين ابني؟
استهجنت طريقتها العدائية في التعامل معها، ناهيك عن إلقاء التهم جزافًا عليها، نظرت لها "فردوس" شزرًا، ومع ذلك لم تتوقف حماتها عن الصراخ بها:
-عاوزة تحرميني منه ده كمان؟ مش كفاية جبتي أجل الأول!
شهقت مذهولة وهي تتساءل بعدم تصديقٍ:
-أنا؟
شملتها بنظرة مهينة من رأسها لأخمص قدميها، قبل أن تتوالى عليها إهاناتها كالصفعات:
-أيوه، اعمليهم عليا يا منحوسة، يا خَربْ البيوت، يا آ...
لم تتحمل بذاءة لسانها السليط، وأوقفتها بصياحها الهادر فيها:
-كفاية، ابنك اللي جنى على نفسه بعمايله، وربنا انتقم منه!
جملتها الأخيرة أشعلت الغضب بدواخلها، فانطلقت تلومها بحقدٍ آخذٍ في التصاعد:
-وليكي عين تقولي كده في وشي؟!!
ردت عليها بتحدٍ سافر:
-يعني جاية بيتي تتخانقي فيه وعاوزاني أسكتلك؟
وكأنها تزيد الطين بلة بمناطحتها، مصمصت حماتها شفتيها مغمغمة في استحقارٍ صريح:
-عشنا وشوفنا، القوالب نامت، والأنصاص قامت!
ثم اندفعت تجاهها لتمسك بها من كتفها، هزتها بعنفٍ وهي تسألها بصوتٍ لا زال صارخًا:
-فين ابني يا وش البومة؟ انطقي!
بكل ما أوتيت من قوة نفضت "فردوس" قبضتها عنها، وصاحت تنذرها بلهجةٍ شديدة:
-احترمي البيت اللي إنتي فيه!
أرسلت لها ضيفتها نظرة نارية كالسهام المارقة وهي تزيد من استحقارها المهين لها بكلامها الموجه لشخصها:
-بيت إيه يا أم بيت؟ ده إنتي كلك على بعضك ما يسواش فردة شبشب مقطعة الجربـــان ما يرضاش يلبسها في رجله.
آنئذ كان "عوض" مستلقيًا على فراشه، وحين سمع الشجار اللفظي بين والدته وزوجته، جاهد لينهض من رقدته، سار ببطءٍ حذر إلى أن بلغ الصالة، استمع إلى ما تتلفظ به أمه من عبارات مهينة، وكلمات نابية، فعاتبها في حزنٍ:
-عيب الكلام ده يامه؟ مايصحش كده!
التفتت والدته بناظريها إليه، ومشت تجاهه تسأله في لوعةٍ:
-"عوض"، عامل إيه يا ضنايا؟ كده ماتجيش تزورني؟ هي موحياك عليا ولا إيه؟
استنكر ظلمها البين، وقال نافيًا:
-لأ يامه حرام تظلميها، أنا أصلي تعبان وبعافية.
تحولت أنظارها عنه لتحدج "فردوس" بنظرة مُمــــيتة قبل أن تطلق لسانها اللاذع عليها:
-أه طبعًا، عاوزة تجيب أجلك زي ما خلصت على أخوك، ربنا ياخدها ويريحنا منها.
وقفت زوجته تشاهد ردة فعل زوجها جراء ما تتعرض له من إهانة وإذلال، كانت على وشك اتخاذ موقفًا معاديًا تجاه الاثنين معًا لولا أن نطق "عوض" بحزمٍ مُستعتب:
-كفاية يامه بقى، إنتي جاية تسألي عني ولا تخربي بيتي؟
تدلى فك والدته للأسفل، وراحت تلوم تحيزه لزوجته:
-أنا يا "عوض"؟
أكد لها بضيقٍ:
-أيوه، أومال تسمي اللي بتعمليه ده إيه؟
اشتعل وجهها كمدًا، وراحت توغر صدره بالمزيد من الإساءات ضد زوجته:
-يا ابني بوز الإخص اللي إنت متجوزها دي مافيش منها رجا، طلقها، وارجع لحضن أمك.
تحولت ملامحه للإظلام، وراح يحذرها بتشددٍ:
-ماسمحلكيش تهينيها، هي مراتي، واللي يجرحها يجرحني!
رفعت يدها أمام جبينها لتشير إليه بحركة اعتراضية قبل أن تسأله:
-من إمتى الكلام ده يا "عوض"؟
أجابها مباشرةً:
-من زمان يامه، بس إنتي اللي مصممة تهدمي حياتي.
سألته في نبرة لائمة:
-بقى بتقف في صفها ضدي؟
قال بما لا يدع مجالًا للشك في نواياه تجاه زوجته:
-أنا واقف مع الحق، ومن زمان على فكرة، بس إنتي مش عاوزة تشوفي ده.
كانت المرة الأولى التي تشهد فيها "فردوس" عليه وهو يدافع عن كرامتها وإنسانيتها، بل ويحاسب المسيء بلا ندمٍ، مما أشعرها بالرضا والحبور، بينما استفزت حماتها بردوده، ودفاعه المستميت عن هذه المرأة، فلكزته في كتفه وهي توبخه بحرقةٍ:
-ماشي يا ابن بطني، قلبي وربي غضبانين عليك.
قال بهدوءٍ رغم الألم الذي يحز في قلبه ناحيتها:
-كتر خيرك يامه، بس اعرفي إني طالما بتقي الله في عباده، مافيش ملامة عليا.
بصقت عليه، وقالت وهي تتحرك نحو باب المنزل:
-ابقى قابلني لو عتبتلك باب بيت تاني!!!
توقفت عندما أصبحت عند العتبة، ثم استدارت إليه لتكلمه بتعصبٍ، لتزيد من إحساسه بالذنب لمعاداتها:
-ولو مت ماشوفكش في دفنتي ولا واقف على قبري، وأنا هوصي الناس بكده!
مجددًا اتجهت نظراتها الحانقة نحو "فردوس" لتخاطبها في صوتٍ مليء بالإهانة:
-طول ما إنت متجوز الحرباية دي لا أعرفك ولا تعرفني!
تبعها "عوض" ليودعها باحترامٍ:
-شرفتي يامه، مجيتي دي على راسي.
أغلق الباب بعدما انصرفت، واستدار عائدًا إلى غرفته، حاولت "فردوس" اللحاق به ونادته:
-"عوض"!
لم يلتفت إليها، وطلب منها في رجــاءٍ:
-معلش، سبيني لواحدي دلوقتي.
للحظة ظنت أن ما قاله في حقها كان وهمًا، لمجرد استرضائها بعد الذي قدمته إليه منذ اللحظة الأولى التي عرض فيها الزواج عليها، غشى بصرها الدموع تأثرًا بما جرى، في طرفة عين كُسر داخلها، وتفتت قلبها، وراحت تشتكي لنفسها، غير آملة أن يشعر أحدهم مهما مضى الزمان بها بما يجيش في صدرها من هموم وأثقال:
-هو أنا مش مكتوبلي أتهنى في حياتي أبدًا ................................ ؟!!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close