اخر الروايات

رواية ذئاب لا تعرف الحب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم منال سالم


ذئاب لا تعرف الحب

الفصل الخامس والعشرون :

في الساحل الشمالي ،،،،،

رفضت ليان أن تذهب بصحبة رفيقتها جايدا إلى الملهى الجديد ، وفضلت أن تكمل يومها وهي تتجول على الشاطيء .. كانت هي معظم الوقت شاردة وحزينة .. هي تعلم أن والدتها ترتكب خطيئة شنيعة في حق نفسها أولا قبل عائلتها ..
تنهدت في آسى ، وأطرقت رأسها في ضيق ، و...
-ليه عملتي كده ؟ ليه كسرتي نظرتي ليكي ، أنا مش عارفة ازاي هتعامل معاكي عادي وكأن مافيش حاجة حصلت ، أوووف

أكملت ليان تسكعها الذي كان بلا وجهة محددة إلى أن تسمرت فجأة في مكانها بعد أن اتسعت حدقتي عينيها من الصدمة ...
-مش... مش معقول ...!!!

رمشت ليان بعينيها عدة مرات لتتأكد أنها لا تتوهم ما تراه ، خفق قلبها بشدة من فرط السعادة التي باغتتها ..
-ده فارس .. انا مش مصدقة نفسي .. أوووه

ثم سارت بخطوات راكضة للأمام في اتجاه فارس الذي كان يتناول أحد المشروبات الباردة على ( بار ) ما ..
لم تنتبه هي إلى المرأة الجالسة بجواره والمستندة بذراعها على كتفه ، فرؤيته نصب عينيها كانت كافية بالنسبة لها ..
لوحت ليان بيدها في الهواء وهي تصيح عاليا بـ....
-فارس ... فارس

انتبه كلا من فارس ولوزة إلى ذلك الصوت اﻷنثوي المألوف الذي يأتي من الخلف ، فسحبت لوزة ذراعها سريعا ، واستدارت في إتجاه عامل البار ، وأشارت له بعينيها وتحدثت بنبرة شبه مرتعشة وهي تبتلع ريقها بـ.....
-آآ.. كوكتيل تاني بليز ....!

تعمد فارس أن يعبس بوجهه وهو ينظر إلى ليان ، ثم زفر في انزعاج زائف ، والتفت بوجهه للجانب ، ولوى فمه في إزدراء ..
وقفت ليان قبالته وظلت تلهث أمامه وهي تحاول أن تتحدث بـ...
-فارس .. miss you ... انت انت مش بترد عليا ليه ؟؟

لم ينظر هو في اتجاهها وإكتفى بمط شفتيه في تأفف مصطنع ، و..
-عاوزة ايه تاني ؟ مش احنا خلاص finish .. فينيتوو يعني !!!

وضعت هي يدها على ذراعه البارز ، وقبضت عليه بأصابعها كأنها تستنجده ، ونظرت إليه بتوسل ، و...
-ﻻ يا فارس .. انا لسه عاوزاك .. !

رمقها هو بنظرات باردة ، ثم أزاح يدها بعيدا عن ذراعه ، و..
-وأنا مش عاوز..

ثم أخرج حفنة نقود من جيبه وألقاها على البار ، وسار مبتعدا عن الجميع ..
تبعته ليان بنظرات مصدومة ، وحاولت أن تلحق به

راقبتهما لوزة بنظرات شيطانية ، وارتسم على وجهها علامات الرضا ، ورفعت حاجبها اﻷيسر في إعجاب ، و..
-براوة يا وله .. عرفت توقعها صح ..!

ثم رفعت كأس المشروب إلى فمها ، وإرتشفت منه القليل قبل أن تحدق في الفراغ أمامها بنظرات محتقنة ، و..
-قريب أوي هايتكسر ضهرك وهايضيع شرفك يا ... يا ابن الجندي ...!!!

...................

ركضت ليان خلف فارس ، وحاولت إيقافه أكثر من مرة ، وأمسكت به من ذراعه ، وتحدثت بأنفاس متلاحقة بـ.....
-استنى بس ! أنا تعبت من الجري

دفع بيدها للخلف ووجهه جامد من التعبيرات ، ثم أكمل سيره دون أي اكتراث بها .. في حين انحنت هي لﻷمام وإستندت بكفي يدها على ركبتيها ، وبدأت تنتحب ، ثم على صوتها تدريجيا ليتحول إلى شهقات وبكاء حاد ...

توقف فارس عن الحركة ، وإستدار برأسه نصف إستدارة للخلف ليراها ، فوجدها تبكي بحرقة ، فزم فمه في امتعاض ، ورفع يده ليمررها في رأسه ، ثم زفر في ضيق مصطنع قبل أن ينطق بـ...
-اوووف .. خلاص يا ليان ، بلاش تعيطي ! انتي عارفة إني مش بأستحمل أشوفك كده ..!!

لم تستمع هي إليه ، واستمرت في البكاء .. فلوى هو فمه ، وسار في اتجاهها ، ثم أسند يده على ظهرها وربت عليه في حنية و..
-كفاية يا ليووو

مد هو ذراعه الأخر وحاول أن يعدلها في وقفتها ، فإستجابت هي له ، و إستندت برأسها على صدره بعد أن أغمضت عينيها المغرورقتين بالدموع ، ولم تكف عن البكاء ..
مسد هو بيده على شعرها ، وضمها من خصرها بذراعه اﻷخر إليه في حنو زائف ..
-ليووو.. دموعك دي بتقطعني من جوا ، كفاية بقى

فتحت هي عينيها المنتفختين قليلا ، ونظرت إليه بنظرات حزينة ، ثم بصوت خافت ومختنق تحدثت بـ.....
-أنا محتاجاك جمبي يا فارس ، ماتسبنيش !

أرخى فارس ذراعه عن خصرها ، وأحاط بوجهها الحزين بكفي يده ، ومسح بأصابعه عبراتها من على وجنتيها ، ونظر في عينيها بنظرات مطولة دافئة ، و...
-في ايه يا حبيبتي ؟ مالك .. طمنيني عليكي ؟
-أنا تعبانة من غيرك ، كل حاجة في حياتي بقت كدبة

وضع هو إصبعه على شفتيها ليمنعها عن الحديث ، واقترب برأسه منها ، وبنبرة رخيمة خافتة تشدق بـ.....
-شششششش... اهدي ، ماتكلميش خالص

ارتفع صدرها وهبط من كثرة البكاء ، فضمها إلى صدره مجددا ، وإحتضنها بشدة ، و....
-ليوووو.. بليز !

هدأت هي قليلا في أحضانه ، فابتسم في لؤم و...
-أنا بأحبك يا ليووو .. ومش عاوز أبعد عنك لحظة
-ولا أنا

أبعد هو رأسها عن صدره ، ونظر لها بعينيه الناعستين ولم يرمش للحظة و...
-ليان .. تتجوزيني ؟! .. بس عرفي !

فغرت هي شفتيها من الصدمة ، وتوقفت عن النحيب والبكاء ونظرت إليه بعدم تصديق .. فعاود تكرار جملته اﻷخيرة على مسامعها ولكن بنبرة أكثر جدية ..
-ليان أنا عاوز أفضل جمبك على طول ، وظروفي حاليا ماتسمحش إني أتجوزك رسمي .. بس أنا مش قادر أشوفك كده ومعملش حاجة ، أنا عاوز أكون سندك .. صدرك الحنين اللي ترتاحي عليه ..

ثم صمت لثوان معدودة قبل أن يتابع بـ.....
-حبيبتي ، إنتي مش عارفة حبك عامل فيا ايه ، بعدك عني مخليني مش على بعضي .. انتي عارفة جوازنا ده هيقرب أوي ما بينا لحد ما الظروف تظبط ونعلنه رسمي .. ها قولتي ايه ؟ موافقة تتجوزيني ؟!

لم تعرف هي بماذا تجيبه ، فقد باغتها بسؤاله هذا .. فظلت صامتة ، عاجزة عن الرد ، ووجهها جامد ، خالي من التعبيرات ..
هزها هو من كتفيها بهدوء حينما لاحظ صمتها المخيف ، و...
-ايه ؟ مش موافقة ؟!

مط فمه في يأس ، وأرخى قبضتي يده تماما عنها ، وأجفل عينيه في إنكسار ، و....
-خلاص يا ليان ، أنا مش محتاج أعرف ردك .. هو بابن على وشك ، وأنا أسف إني آآآ.....

وضعت هي كف يدها على فمه ، ونظرت له بنظرات فارغة ، ثم قالت بنزق....
-أنا موافقة نتجوز عرفي .....!!!

.........................................

داخل الصالون الشعبي ،،،،

احتقن وجه بطة بالدماء المشتعلة من الغيظ ، وظلت تهز ساقيها بعصبية مفرطة ، و...
-ولية استغفر الله العظيم ، تفور الدم

عبثت نسرين بخصلات شعر بطة لتعيد ترتيبه من جديد بعدما أفسدته إحسان .. في حين ولجت أم بطة لداخل الصالون وعلى وجهها ابتسامة مشرقة ولكن سرعان ما تلاشت ليحل محلها علامات اﻹنزعاج الممزوجة بالصدمة ..

تسمرت لوهلة في مكانها ، ولم تطرف بعينيها ، ثم إذ بها تلطم فجأة على صدرها في فزع وهي محدقة في ابنتها ، وتشدقت بـ...
-يخربيتك يا بعيدة ! ايه المنظر المفضوح ده يا مفضوحة ...!!

نفخت بطة في ضيق ، ونظرت إلى والدتها بنظرات غير عابئة ، و...
-في ايه يامه !!
-دك موو ..

ثم رفعت إصبعها لتشير إلى مفاتن ابنتها البارزة من اﻷعلى وهي مقطبة الجبين ، و..
-إنتي حماتك شافتك بالبتاع ده كده ؟!

زمت بطة شفتيها في برود ، و...
-آه

وضعت أم بطة إصبعيها على طرف ذقنها ، ولوت شفتيها في سخرية ، و..
-ليها حق الولية تقلب وشها ومتردش عليا السلام ولا حتى تبوسني بنفس ، ما هو بنتي جيبالي الكافية وفضحاني ..!

لوحت بطة بيدها في الهواء وهي تشيح بوجهها بعيدا عن والدتها ، و....
-بناقص من أم دي جوازة !!
-بقولك ايه يا بت ، أمور الهبل والاستعباط دي مش هتطلع دلوقتي ، مش اللي بنيته في سنين تجي انتي و تهديه في لحظة ...!!

لوت بطة شفتيها أكثر في استهجان ، و....
-يعني جوازة الأمل ، يامه دول عالم زبالة ، لولا الحظ بس كان زمانتهم آآ....

قاطعتها والدتها بحزم وهي تشير بإصبعها محذرة بـ....
-بلا حظ بلا نيلة ، قفلي على الكلام ده خالص ، مش ناقصة إنك تتوكسي جمبي
-يامه انا مش عاوزاه
-غصب عنك هاتتجوزيه ، انتي عاوزة تجرسيني قدام أهل الحارة كلهم

ثم سمعت كلتاهما أصوات أبواق سيارات تأتي من خارج الصالون ، فإنقبض قلب أم بطة ، وظهرت تعابير الرعب على وجهها واضحة ، و...
-يادي النصيبة ، عريسك جه برا ، ربنا يستر وماتقلبش بغم

ابتسمت بطة إبتسامة سخرية من زاوية فمها ، و...
-ولا تقلب .. مش فارقة !!

جذبتها والدتها من على المقعد الحديدي لتنهض رغما عنها ، ثم حاولت أن تخفي كتفي ابنتها بالطرحة المعلقة في التاج المثبت على رأسها ، ومطت شفتيها في توتر ،..
-عدي الليلة دي على خير يا رب ....!!

ثم استدارت برأسها في اتجاه نسرين ، وأشارت لها بعينيها و..
-هاتي ياختي الشال اللي عندك ده أما أشبكه باﻹبرة
-ايه اللي بتعمليه ده يامه ؟!
-اسكتي يا بت خليني اصلح اللي هببتيه
-شكل الفستان هايبوظ
-يبوظ ولا يولع مش احسن ما تفضحينا يا مفضوحة

هزت بطة جسدها في اعتراض ، وزفرت عاليا بــ...
-اووف

نهرتها والدتها بشدة ، وحدجتها لنظرات حادة و...
-اثبتي يا بت .. داهية تاخدك
- يا ريت ربنا ياخدني عشان ترتاحوا كلكم مني

لم تنظر لها والدتها ، بل ظلت منحنية الرأس مسلطة بصرها على مافي يدها حتى تكمل حياكة الشال بالفستان ، و...
- وماله ! بس ياخدك وإنتي في بيته ، وإنتي على ذمته ، مش وإنتي متعلقة لسه في رقبتي ، كفاية كوم اللحم اللي ورايا غيرك ...!!
-حسبي الله ونعم الوكيل

تأكدت أم بطة من إتمام عملها ، فتنهدت في إرتياح ، ثم لكزت ابنتها في ذراعها لتتحرك إلى اﻷمام وظلت تغمغم في خفوت بكلمات غير مفهومة .....

.....................................

في الخارج ،،،،

اصطفت سيارة كحلية اللون - من ماركة هوندا - مزدانة بالبلالين والشرائط الورقية بجوار الرصيف الملاصق للصالون الشعبي ، وترجل منها عبد الحق وهو متأنق على غير عادته ، بالطبع فهو عريس اليوم .. وإلتف حوله بعض من أصدقائه الذين أصروا على مصاحبته خلال يومه هذا ...

كان عبد الحق ممسكا بباقة ورد بيضاء صناعية كي يقدمها للعروس - كتقليد متبع في تلك المناسبة - وباليد اﻷخرى أخذ يعدل من وضعية ال( بابيون ) اﻷسود الذي يرتديه ..
لف أحد اﻷشخاص يده حول عنقه ، وتحدث معه بحماس زائد وهو يغمز له بـ.....
-منور يا عريس

أزاح عبد الحق يد صديقه من حول عنقه ، و...
-خف إيدك شوية يا جدع

وثب هذا الشخص في مكانه بطريقة منفعلة ، ثم لوح بيده و...
-وربنا لنخلي فرحك الحارة واللي حواليها يحلفوا بيه
-طيب.. وروني بقى
-هاتشوف يا برنجي

مالت هنية على أذن إحسان وأسندت يدها على كتفها ، ثم أشارت بعينيها و...
-أهوو الدلعدي ابنك جه ، الحقي بقى قوليله على اللي بسلامتها عملته ، اكسبي وقت قبل ما تخرج من جوا
-طيب

وبالفعل سارت إحسان في اتجاه السيارة ، وحاولت أن تجد السبيل إلى ابنها المحاصر وسط أصدقائه ، فلم تستطع ، لذا صاحت عاليا بــ.....
-عبده .. واد يا عبده .. إنت يا وله ...!!!!

انتبه عبد الحق إلى صوت والدته ، فإشرأب برأسه عاليا كي يراها ، و...
-أيوه يا حاجة
-تعالى هنا ، عاوزاك في كلمتين
-بعدين يامه

عبست هي بوجهها ، وتحدثت بصرامة و....
-يا واد بسرعة بدل ما آآ....
-طيب .. طيب !

دفع عبد الحق أصدقائه برفق وهو يضحك و...
-وسعوا شوية يا رجالة أما أشوف الحاجة عاوزة ايه

أفسح له البعض المجال ليمر ، و...
-ماشي يا عريس
-سكة يا جدعان للعريس
-منورة يا حاجة

وقف عبد الحق قبالة والدته ، وأخذ يعدل بيده سترة الحلة السوداء التي يرتديها ، ولم ينظر في اتجاه والدته ، و...
-عاوزة ايه يا أم عبده ؟

لكزته والدته في كتفه وهي تنظر له غيظ و...
-بصلي يا واد وأنا بأكلمك

تحسس هو موضع اﻵلم ، وفركه بأصابعه ، ونظر في اتجاهها و..
-في ايه يامه ، بتضربيني ليه بس ؟ ده أنا عريس النهاردة
-اسمعني كويس يا واد يا عبده ﻷحسن مافيش وقت
-ها .. قولي !
-المزغودة على قلبها ست الحسن والدلال

نظر هو لها بإهتمام ، و...
-بطة ...! مالها ؟
-عاوزاك تشد معاها الوقتي

مط عبد الحق ثغره في عدم اقتناع ، ثم نظر لوالدته بحيرة و....
-ليه كده بس ، ده حتى فال وحش والله !!
-يا واد افهم ، ادبحلها القطة من أول يوم عشان تكون تحت طوعك وتسمع كلامك بدل ما تركبك يا منيل وتتوكس أكتر ما أنت

حك هو طرف ذقنه في عدم فهم ، فمالت هي برأسها عليه وهمست له بكلمات غير واضحة .. في حين أصغى هو إليها بإهتمام وظلت تعابير وجهه غير مفهومة ، ثم ...
-ماشي يا حاجة

..........................

فتحت نسرين باب الصالون الخاص بها ، وأطلت منه أم بطة أولا وهي ترفع كف يدها بالقرب من فمها لتطلق الزغاريد ..
-تعالى يا عريس خد عروستك ، لووولوووولي .. ربنا يجعلها جوازة السعد والهنا عليكم

كان عبد الحق على وشك اﻹبتسام ولكنه رأى نظرات والدته الصارمة له ، فبدل ملامح وجهه للضيق الزائف ، ثم سار في اتجاه البوابة ..
فتحت أم بطة ذراعيها في الهواء ، ثم جذبت العريس إليها وإحتضنته ، و..
-مبروك يا عريس بنتي ، لولوووولي

ابتسم لها عبد الحق ابتسامة مجاملة بعد أن تحرر من ذراعيها ، ولكن لم تتبدل ملامح وجهه كثيرا ، ثم تحدث بــ....
-الله يبارك فيكي يا حماتي

ثم أفسحت له المجال لكي يمر إلى الداخل حيث تنتظره عروسه ..

تنحنح بصوت خشن ومتحشرج وهو يلج إلى الداخل ولم ينتبه للهمهمات النسائية حوله ، فقد كان شاغله اﻷكبر هو رؤية عروسه بطة .. وبالفعل رأها أمامه ولكنها كانت تحيد ببصرها بعيدا عنه ..

تمعن عبد الحق في ملامح تلك العروس التي بدت بمساحيق التجميل أكبر من عمرها الحقيقي وأكثر جمالا ، وكاد أن ينطق بإعجابه الشديد بها ورغبته في إلتهامها ، ولكنه تذكر كلام والدته بألا يدع الفرصة لها ، وعليه أن يفرض هيمنته الذكورية وأمور أخرى حاول أن يلهي عقله قليلاً عنها حتى يتمكن من التركيز ...

تعجبت بطة من حالة الصمت السائدة منه ، وظنت أنه ربما يريد التراجع عن اﻹرتباط بها ، فتهللت أساريرها قليلا ، ولكن أصيبت بالإحباط حينما أردف بـ....
-يالا .. يا .. يا عروسة .. ده لسه ليلتلك طويلة

لم تفهم بطة ما الذي يعنيه بكلامه هذا ، ولكن نظراته اللئيمة توحي بأنه يضمر لها شيئاً سيئاً ..
تأبطت هي في ذراعه وانطلقا خارج الصالون والزغاريد والتهليلات من المتواجدين تحاوطهما .....
.............................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

وقفت تقى في شرفة منزلها لتتابع من اﻷعلى مراسم حفل الزفاف بعد أن غطت شعرها بخمار طويل .. كم كانت تود أن تشارك الجيران فرحتهم ، ولكنها باتت محرومة من اﻹبتسام حتى لا تثير حنق والدتها ..
مر ببالها ذكرى عابرة مما حدث بينها وبين ذلك البغيض ذو القلب المتحجر ، فزفرت في إستياء ، و...
-ربنا ينتقم منه ويحرقه .. معندوش رحمة ولا شفقة بحد ..!!!

ثم لمحت طيف والدتها وهي تأتي من بعيد ، فاضطربت ملامحها ، و...
-احسن حاجة اعملها إني أخش جوا بدل ما تسمعني كلمتين في جنابي

وبالفعل استدارت للخلف ، وخرجت من الشرفة وأغلقت النافذة خلفها ..
رأتها والدتها من اﻷسفل فإكفهر وجهها وإنعقد ما بين حاجبيها ، وضيقت عينيها في توعد ، و...
-ماشي يا تقى .. ماشي !!

...................................

في مسجد الحارة القريب ،،،

كان الشيخ أحمد قد انتهى لتوه من درسه اليومي حينما حضر إليه أحد اﻷشخاص ذوي اﻷجسام الهزيلة والبشرة السمراء المجهدة ، واقترب منه وركع بجواره ، ثم نظر له بنظرات جادة و...
-سلامو عليكم يا شيخنا

التفت إليه الشيخ أحمد وابتسم له ابتسامة هادئة وهو يدير مسبحته بأطراف أصابعه و..
-وعليكم السلام ورحمة الله يا رشيد
-عرفت اللي حصل يا شيخنا

ظل الشيخ أحمد يحرك مسبحته في هدوء ، ونظر له بحيرة و...
-خير يا بني

التقط رشيد أنفاسه ، ونظر إلى الشيخ بنظرات ضيقة من عينيه المرهقتين ، و...
-الواد سيد اللي شغال في فرن العيش النار هبت في وشه وولع ..!

إنتفض الشيخ أحمد ذعرا في مكانه ، وتحولت نبرة صوته الهادئة للحزن الممزوج بالأسف ، و...
-لا إله إلا الله .. يا ساتر يا رب .. !!
-اه والله يا شيخنا ، ولولا ستر ربنا كان زمانته راح فيها

رفع الشيخ أحمد بصره للسماء وكذلك كفيه ، وبنبرة متضرعة أردف بـ....
-اللهم أجرنا من عذابك يا الله .. ألطف بعبيدك يا كريم

ضيق الشيخ أحمد عينيه في تساؤل ، و..
-طب هو عامل ايه الوقتي ؟

لوى رشيد زاوية فمه في إستنكار ، و...
-والله حالته تصعب على الكافر .. !!
-لا حول ولا قوة إلا بالله ! وهو فين دلوقتي ؟
-موجود في المستوصف

ربت الشيخ أحمد على فخذ رشيد حاثا إياه على النهوض ، و...
-بينا نروحله يا رشيد يا بني ، ده عيادة المريض واجب
-ماشي يا شيخنا ، بس آآ...
-في ايه؟
-احنا .. آآ.. قصدي يعني أنا واللي معايا كنا بنلمله قرشين كده عشان آآ.. يعني .. آآ

هز الشيخ أحمد رأسه عدة مرات ليشير إلى فهمه للمقصد من كلامه ، و...
-مفهوم . مفهوم .. متحملش هم يا رشيد .. أنا هاخد مبلغ من صندوق الخير بتاع الجامع لسيد .. أهي حاجة تساعده على العلاج وإن شاء الله أهل الخير يتعاطفوا مع حالته ويساعدوه يقف على رجله من أول وجديد !

ارتسمت علامات اﻹرتياح على وجهه ، وانفرج فمه في سعادة وأشار بكفي يده وهو يتحدث بحماس بــ.....
-ربنا يباركلك يا شيخنا ، والله ما في زيك في الحارة دي ..!
-احنا كلنا في خدمة بعض يا بني

ثم نهض من مكانه ، وتبعه رشيد إلى خارج المسجد ..................................!!!!



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close