رواية حان الوصال الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم أمل نصر
وتظن انك قد ملكت زمام امرك، ولا شيء يستطيع أيقافك، حتى يأتي من يسرق النوم من عينيك ويُحرم عليك الراحة، فيتبدل حالك من النقيض للنقيض .
ومن أقوى منه، ذلك الذي يفرض سلطانه، ويجعلك ترضخ على غير اردتك لرغبته.
يُضغفك، نعم هو يُضعفك……. ذلك القلب المتمرد على كل حسابات العقل والمنطق، هو سيد الأمر مهما ادعيت غير ذلك او تجاهلت….. سوف يهزمك في الأخير.
#بنت_الجنوب
خطت تحمل على يدها مشروب الفواكه الطازجة، تتقدم نحوها داخل الحديقة التي أصبحت ملجأها منذ ان استفاقت من غفوتها وأصبح الوعي يعود اليها تدريجيا، ولكن مقابل ذلك كسى الحزن ملامحها بصورة واضحة وكأن جراحها فتحت من جديد،
الكلمات القليلة التي كانت تتكلم بها، زادت عن معدلها بقليل ولكن ليس في كل الأوقات ، فرص التحدث عندها نادرة ولكن حين تخرج منها تفاجأهم،
دائمًا تثير قلقهم بشرودها، ومع ذلك يصر الطبيب انها تسير على الطريق الصحيح.
تفوهت بهجة كي تنتبه اليها:
– اتفضلي العصير يا نجوان هانم
دنت اليها بكوب المشروب البارد والذي رمقته الاخيرة لعدد من اللحظات قبل ان تمد كفها وتتناوله منها.
تجرأت بهجة لتجلس على الكرسي المقابل لها، كي تتحدث معها:
– معلش هعزم نفسي واقعد معاكي، ممكن القمر تسمحلي ولا اقوم من سكات احسنلي.
ايضا رمقتها دون ابداء أي رد فعل، لتشيح بوجهها عنها بعد ذلك، وترتشف من الكوب.
ولكن بهجة لم تستسلم لتميل اليها قائلة:
– تعرفي بقى ان انا حاسة براحة دلوقتي بعد ما اتأكدت انك بتسمعيني، ولسة كمان منتظرة لما تاخدي وتدي معايا وتأمريني،…..
توقفت تطلق تنهيدة من العمق لتردف:
– حتى ابقى مطمنة عليكي لما اسيبك….
في الاخيرة توجهت اليها نجوان بنظرة لم تفهمها، لا تعرف ان كانت استنكار او عدم تصديق، أو غير ذلك، اصبحت تثير حيرتها بحق، لتسألها بفضول؛
– ايه يا نوجة؟ هتشتاقيلي لما اسيبك؟
هذه المرة تحولت ملامحها للعبوس قبل ان تدير وجهها للناحية الأخرى مرة اخرى، وتتكتف ذراعيها بضيق ملحوظ، حتى همت بهجة ان تشاكسها لولا قدومه المفاجيء، وصوته الذي دوى ينبئهم بمجيئه:
– مساء الخير
ردت بهجة بالتحية تتبادل معه نظرات يسودها التفاهم امام صمت نجوان ووجومها، حتى اقترب منها واضعًا قبلة اعلى رأسها، مخاطبًا لها بلطف:
-،عاملة ايه يا نجوان هانم النهاردة؟.
بنفس الوتيرة اصبحت تحدجه صامتة، يزيدها حدة تلوح في الافق، هو فقط من يفهم عليها، ليستطرد واضعًا عيناه نصب عينيها:
– اتكلمي يا ماما وطلعي اللي في قلبك، حتى لو عايزة تشتميني، انا مستني اللحظة دي من زمان اوي يا نجوان هانم، بس اسمع صوتك وانتي كمان تسمعيني.
نهضت بهجة تستأذن للذهاب ، وقد شعرت بالحرج، أو ربما تود اعطاءهم الخصوصية.
لم ينتبها الاثنان لانصرافها، فلم تحيد ابصارهما عن بعض، ليردف هو:
– مهما استمريتي في عنادك، أكيد هيجي اليوم اللي تحني ولا تضعفي فيه وتتكلمي، انا في أشد الاشتياق للمواجهة دي، على الاقل ساعتها تسمعيني وتقرري، بدل العذاب اللي عايش فيه بقالي سنين .
مال يقبلها على وجنتها قائلا:
– انا في انتظارك يا ماما.
ثم ذهب كما جاء ، وظلت هي تنظر في اثره بشرود كالعادة
❈-❈-❈
أمام مراَتها وقفت تتأمل هيئتها بملابس الخروج، لتلامس بكفها على البطن التي اصبحت تحمل بأحشائها ثمرة الحب وارتباطها برجل حياتها الأول والاخير، والذي مَن الله عليها به، بعد سنين العذاب والتوهة داخل علاقة سامة كادت تودي بحياتها، أو تعيش بمر الحقد على اقرب الناس اليها.
– امنية خلصتي لبس ولا لسة ؟ انا مستعجل وممكن اسيبك وامشي.
كان هذا صوت حبيبها الذى دوى صوته كمنبه لها كي تستفيق لتأخر الوقت، فتتناول حقيبتها سريعًا لتخرج اليه، فتجده كالعادة منشغلا بالحديث عبر الهاتف مع أحد الأشخاص، مشتتًا عن التركيز معها وما تمر به من تطورات لهذا الحمل العزيز عليها، كم ودت ان تبقي الامر سرًا ولا تخبره، حتى لا تقابل بهذه الفرحة العادية، والخالية من اللهفة التي توقعتها..
حتى الاَن لا تعلم السبب الحقيقي لاستقبال شيء هام كهذا منه ببرود تستغربه، رغم علمها انه يحمل حبًا عظيمًا بداخله لها، حتى لو كف عن التعبير عنه، او ربما منعه العقل المشتت عن ذلك.
– انا خلصت يا عصام .
قالتها ليلتف اليها، فترى في عينيه تلك الومضة السريعة في اظهار اعجابه، قبل ان تخبو ايصا سريعًا، ليسبقها مرددًا بروتينة:
– تمام، ياللا بقى عشان نلحق السبوع من أوله.
اوقفته فجأة تجذبه من ذراعه قبل ان يخرج:
– عصام انت مش فرحان لحملي ولا فكرة السبوع دي لأحفاد الست مجيدة محركوش جواك الحنين؟
تجمد فجأة قبل ان يستجيب ويلتف مركزًا ابصاره بها :
– وايه اللي يخليني مفرحش يا امنية؟ هل شوفتي عليا رد فعل يثبت عكس ذلك.
تقربت منه تقول بنبرة حانية، لتصل بها الى غرضها في المعرفة دون ان تثير انفعاله:
– انا مش بتكلم انك مش فرحان، انا بتكلم على رد الفعل، اصل انا كنت متخيلة فرحة وصريخ ، يمكن اكون هبلة في تخيلي، بس الفرحة مفيهاش عيبه ولا ليها كبير ولا صغير.
نصف ابتسامة ساخرة لاحت بزاوية فمه يعقب على كلماته:
– اه بقى دا على اساس انك كنتي مدياني فكرة من الاول، مش الست مجيدة اللي جات وفضحت الدنيا بفرحتها.
– مكنتش لسة اتأكدت يا عصام .
قالتها بحرج شجعه على مواصلة العتب:
– انا بتكلم عن الترجيح يا امنية، كل الاعراض اللي كنتي بتمري دي تخلي اي واحدة ست تفكر ، انا نفسي شكيت بس شيلت من دماغي لما لاقيتك واخدة الأمر انه تعب عادي
لقد قلب الامر بحنكته، وأتى بالحجة عليها، ولكنه لا يعلم بأنها هي ايضا ليست على ما يرام، فما يتسلل بداخلها من مخاوف وهواجس تمنعها من التفكير السليم في بعض الاوقات، بل وتذهب عنها الفرحة كلما تذكرته. اللعنة عليك يا ابراهيم، وبما تسببت به من اضرار في العلاقة بينها وبين زوجها،
القت بنفسها داخل حضنه تفاجئه، في تعبير عن اسفها، أسعده فعلها، وتقبلها يصدر رحب رغم نزفه:
– القميص الابيض يا ست، يقولوا عليا ايه لما يلاقوا الروج عليه.
ضحكت لتردد بدون ترفع رأسها التي استراحت علي صدره:
– قولهم دا اثبات لحب مراتي ليا.
❈-❈-❈
أنهت مناوبتها وكانت في طريقها للمغادرة ، بعدما أطمأنت على نجوان ، وخلودها للنوم مبكرا،
أبصرت بعيناها ضوء غرفة المكتب الخافت، فاتجهت لتطل عليه بداخلها، فتطرق بخفة وعلى تردد قبل ان يأتيها صوته المرحب وكأنه علم بها:
– ادخلي يا بهجة.
دفعت الباب تخاطبه برقتها:
– لو مش فاضي ممكن امشي.
اشار اليها بيديه، يفتح لها ذراعيه الأثنان، معبرا عن احتياجه الشديد لها، وكأنها أتت على نداء قلبه،، لتلبي سريعًا، وتهرول بخطوتها السريعة اليه، فيضمها من خصرها بلوعة قائلا:
– انا مشتاقلك اوي يا بهجة، ومخنوق جدا عشان مقدرتش اجي على ميعادنا ولا اشوفك النهاردة
– انا عارفة ان عذرك معاك.
تمتمت بها تلمس على شعر رأسه بحنو، لتدخل اناملها الرقيقة بين البصيلات فتدلك من بينها، فتفعل بالراس المتعب الافاعيل، حتى اصبح يغمض عيناه مستسلمًا لسحر اللحظات، ليردد باسترخاء:
– اه يا بهجة اه، التدليك دا حلو اوي، كأنه بينزع عني الاجهاد والتعب.
تبسمت قائلة:
– دي عادة ابويا الله يرحمه عودنا عليها، كنا نتسابق عشان نحط راسنا في حجره ويعملها معانا وهو بيتفرج ع التليفزيون، محدش كان بيصمد ولا بياخد وقت في النوم معاه.
تبسم معقبًا:
– والله كنت هسألك لأن انا فعلا حاسس اني هنام من ايدك دلوقتي، حاسس نفسي مرتاح عليها اوي ، ومش عايزك تبطلي ابدا .
– لا مدام فيها نوم، يبقى اشيل ايدي انا احسن.
قالتها لترفع يدها عنه بالفعل، فعبست ملامحه بالضيق يخاطبها:
– ليه يا بهجة رفعتي ايدك ؟
ردت بمرح وهي تبتعد عنه:
– ما انت ممكن تنام في ايدي بالفعل، وابقى انا عطلتلك عن الشغل اللي في ايدك، ويمكن تيجي تاني يوم تحاسبني.
زفر يدفع الملفات نحوه بضجر مرددًا:
– لا يا ستي مش هاحسبك ولا اكلمك، بس منكرش اني ورايا شغل بالفعل.
عاد يخاطبها وابصاره منصبه نحوها:
– النهاردة مضيت عقد مهم اوي يا بهجة، مع اهم عملا في المنطقة، بكرة منتجات مصنعنا، تغرق سوق الوطن العربي ، انا مبسوط اواي عشان كل يوم بقرب من حلمي.
شعرت بالسعادة من أجله حتى رددت بتمنى من قلبها:
– ربنا يبسطك كمان وكمان يا حبيبي وتحقق كل اللي نفسك فيه.
– على فكرة انا مش ناسيكي
قالها ليخرج من جيب بنطاله علبة مخملية صغيرة، وفتحها يخرج منها سلسالًا صغير، يتوسطه قلب ، فرفعه امامها لتسأله باستفسار أبله:
– – ايه ده يا رياض؟
نهض عن مقعده ضاحكًا يجيبها:
– يعني هيكون ايه بس يا روح قلبي، مش باين انها سلسلة؟ ارفعي الطرحة بقى خليني البسهالك.
وبفعل غريزي ارتدت بقدميها للخلف معترضة:
– لا بلاش
– بلاش ليه؟
بماذا تجيب سؤاله ؟ وقد حصر مكافئتها وامتنانه لها بشيء عيني رغم كل ما يحدث من تقارب بينهما، لدرجة تجعلها تنسى الاتفاق اللعين، ولكن ها هو ذا، يذكرها عمليًا به:
– بهجة انتي تنحتي ليه؟ انا عايز اللبسك السلسة بس على فكرة
همت تتحجج بشيء ما ولكن اندفاع الباب فجأة جعلها تنتفض مجفلة نحو مدخل الغرفة، فتصعق عينيها متفاجئة بما تراه، وكان هو الأسبق في رد فعله:
– ماما انتي لابسة كدة ليه؟
سألها بإشارة نحو ملابس الخروج التي كانت ترتديها بأناقة سيدة مجتمع لم تغب عن عالمها يومًا
ولكن امام صمتها وعدم اجابتها تسائلت بهجة أيضًا:
– نجوان هانم انا سيباكي نايمة من يدوب نص ساعة، امتى لحقتي تصحي وتلبسي؟
ردت بعملية ودون تطويل:
– هنروح للدكتور .
– دكتور مين يا ماما؟
تمتم مستفسرًا، لتأتي اجابتها المباغتة له:
– دكتور هشام
– هشام مين؟
غمغم بها لتأتي على الفور صورة هذا البغيض، ليردف بانفعال:
– وايه اللي فكرك بيه الزفت ده دلوقتي؟ انتي عارفة الساعة كام؟ استني للصبخ وانا اوديكي لأحسن دكتور.
تجاهلت وكأنها لم تسمعه لتتجه نحو بهجة وتأمرها:
– ياللا يا بهجة عشان تروحي معايا.
سمع منها ليصيح بها متخليًا عن بروده المعتاد:
– بهجة مين اللي تروح معاكي عند الزفت ده؟ هي اساسا كانت ماشية عشان متقدرش تتأخر عن اخواتها، لكن مادام انتي مصرة اوي كدة ، هاخدك انا اروح بيكي.
بتحدي واضح تجاهلت للمرة الثانية ترمقه بهدوء يزيد من غضبه:
– وانا رافضة اي حد تاني يروح معايا غيرها، ياللا يا بهجة.
خرجت منها الاخيرة بحزم امام غضب الاخر، والذي خشت الاخيرة من تحوله الغريب كل ما ذكر اسم الطبيب، لتبرر ملطفة بعفويتها بين الام وابنها:
– معلش ياااا رياض باشا، هي اساسا مكملتش لسة تسعة، انا هروح مع الهانم وابقى اتصل بيهم ابلغهم…..
– اسكتي انتي….
صرخ بها مقاطعها بحدة، وقد بدا انه على وشك الفتك بها ليزيد على خوفها كازا على اسنانه بنظرة ارعبتها:
– مسمغش صوتك خالص يا بهجة دلوقتي انا على اخري.
اومأت بإشارة نحو غلق فمها تهادنه، وتجنبًا لغضبه، فجاء الرد العملي من نجوان:.
– انا هسبقك ع العربية، حصليني يا بهجة.
قالتها وتحركت مغادرة على الفور ، مما اضطر بهجة للحاق بها، تبدي اسفها امام صدمته:
– هروح احصلها، انا مينفعش اسيبها لوحدها.
قالتها وهرولت ذاهبة من امامه ، ليزمجر من خلفها يدفع الكرسي الثقيل بقدمه، غير ابهًا بالألم، ثم تناول سترته ليلحق بهما مغمغما:
– ماشي يا نجوان هانم، اما اشوف اخرتها معاكي ايه؟
❈-❈-❈
في زاوية مظلمة بطرف الشارع، وقف ينفث الدخان الكثيف من فمه، من تلك السيجارة المحشوة، يخرج بهما ضجره وغيظه، يستنكر ما ال اليه حاله ، ان يُصبح موزعًا لهذه الأشياء التي كانت تأتيه واضعا قدما فوق الاخرى.
بل ولسخرية القدر ان يصبح هو تابعًا لهذا الاحمق الذي اصطبغ شعره باللون الاخضر ، ليُصبح مقاربا بهيئته تلك وملابسه الغريبة، لصوره الضفدع طبق الاصل.
يخطف النظرات نحوه ويراقبه بلؤم كل لحظة ، وكأنه سوف يفر ويذهب بهذه المصائب التي يحملها بجيبه، كي تلتقفه الشرطة في اول لجنة تقابله ، ولحظه البائس اصبح مطلوبا امام القانون، بفضل هذه الملعونة التي تتنعم بحياتها الان، وهو سرقت منه الراحة ولبس قضية، قبل حتى من ان ينال غرضه منها ويشفي غليله، لكن لا بأس، فهو ابدا لن يستسلم .
اما عن اييه، فلن ينسى ابدا له هذا الموقف المخزي، بأن يتخلى عنه، ويرفض صرف المال من اجل نجدته من هذه المصيبة ، يقسم ان يجعله يدفع ثمن هذا الخطأ، ولن يتوانى او يتهاون .
استفاق من شروده على هزيز الهاتف بجيب بنطاله، وقد. علم المتصل من نظرة واحدة نحو هذا الاحمق عزوز ، والذي توجه له بالأمر فور ان فتح المكالمة:
– ركز يا اسطى كدة واصحى، في زبون جايلك حالا دلوقتي
اغلق المكالمة ليبصق من فمه، متمتمًا بسبة وقحة، لاعنا هذا المدعو عزوز والزبون اللذي سوف يستلم منه ومعلمه صاحب المحمية التي جبر على العيش فيها، ولكن هذا الأمر لن يستمر طويلا
❈-❈-❈
فتحت أنيسة تستقبلهم داخل المنزل الذي كان ممتلاءًا بعدد الافراد المدعوين ، بصخب على قدر ما يثير الازعاج، على قدر ما يثير البهجة داخل القلوب،
– اتفضلوا يا حلوين، المرة الجاية يبقى الدور عليكي انتي يا قمر
تقبلت امنيه عناق المرأة تبادلها التهنئة والمباركات ، ثم تدلف خلف زوجها الذي لم يترك يدها، لتقع عينيهم اول الامر على مجيدة التي كانت توزع هدايا الاسبوع على الأطفال، تطاليهم بالغناء لأحفادها وهم لا يقصرون،
فتحت ذراعيها لامنية ، فور ان وصلت اليها هي وزوجها، لتحتضنها وتقابل زوجها بالمزاح:
– عقبالك يا سيادة الظابط لما تتلبخ زي صاحبك.
قالتها في إشارة نحو ابنها الذي كان يحمل طفلته وبهدهدها حتى تكف عن البكاء.
لينتبه عليها هو الاخر فيعلق ساخرًا:
– ايوة بقى يا ست مجيدة خليه يفرح في ابنك اللي اتهزت هيبته من حتة عيلة قد عقله الصباع .
اقترب منه عصام ليقبل الطفلة على وجنتها الصغيرة يغمغم بانبهار:
– حقها يا باشا، بسم الله ما شاء الله بدر منور في ليل تمامه، تعمل ما بدالها بقى .
قابله بابتسامة صفراء ينقل بنظرة سريعة نحو زوجته الجالسة مع صديقتها شهد وعدد من النساء، وقد استراحت بالقاء مسؤوليتها عليه، ليردد بغيظ :
– اه يا خويا حقها، ما هي مش هتجيبه من برا ، نفس الخلقة ونفس الزن، دي كأنها عملت استنساخ لنفسها، يا ساتر يارب، انا كنت قادر على واحدة عشان تجيني الصورة التانية منها
هذه المرة جاء الرد من مجيدة لتتناولها منه بخفة قائلة:
– وانت تطول يا واد، هات هات، دي هتبقى قلب ستها ونور العين من جوا، هي الباشا ريان ابن المهندس، يا اختي عليك وعلى جمالك انتي، خدي بوسي يا بت امنية حور القمر بتاعتنا، ولا تشيليها احسن.
– ما بلاش يا خالتي
قالتها امنيه ببعض الخوف لتحثها مجيدة بحزم:
– امسكي يا بت متخافيش على الاقل تدربي نفسك .
تلقفتها منها بإيدي مرتعشة وقلب يخفق برهبة لحمل هذه القطعة الصغيرة، ذات العيون الفيروزية كوالدتها ،
والتي رغم صغرها لا تكف عن تذمرها والرفص بأقدامها وذراعيها، لتجبرها على الضحك مرددة بانشداه امام زوجها المنبهر هو ايضا:
– بسم الله ما شاء الله، تبارك الرحمن على جمالها وحلاوتها، بس هي فعلا اثبتت انها بنت لينا .
تبسم عصام باتساع لفعل صديقه، الذي عبر يصطنع اليأس وقلة الحيلة:
– انا ربنا يكون في عوني.
بعد قليل
كان المنزل امتلاء لأخره، أصدقاء وصديقات، جيران احباب ، حتى كانت المفاجأة بقدوم رئيس لينا في العمل مع شريكه
– جاسر الريان معقول
كان هذا رد فعل شهد التي تعرف الرجل بمشروعاته الهائلة، وقد تقدمت صديقتها تستقبله وترحب به مع زوجها ووالدتها وقد قدم بصحبة طارق صديق العائلة
ورئيسها في العمل.
عقبت امنية تشاركها الحديث الهامس في زاوية تجمعها مع شقيقتيها الاثنتان.
– دا مش جاي لوحده كمان، دا معاه مراته زهرة محروس اللي كانت ساكنة في الشارع اللي ورانا ، والحلوة التانية اسمها كاميليا يا حلاوتهم
ضحكت شهد لتتدخل بينهم رؤى معلقة هي الأخرى :
– اني مبلمة بتبص عليهم يا عيني بانبهار، تلاقيها افتكرتهم تبع نجوم السيما اللي بياجو في التليفزيون.
ضحكتا الشقيقتان على مزحتها، حتى اتى حسن ليشاكسهم :
– بتتدودو مع بعض تقطعوا فروة مين؟ وانتوا واخدين جمب لوحدكم.
ردت شهد ببرائة:
– احنا يا حسن، تعرف عننا برضوا الكلام ده؟
– يا شيخة ، دا انتي ام الكلام ده.
تمتم بها في رد لها قبل ان يسحبها من يدها مردفا:
– تعالي بقى سلمي ع الناس بتسأل عليكي يا ام ريان.
قال الاخيرة بغمزة غمرت قلبها بالبهجة، لتبادله اللقب الجديد:
– ماشي يا ابو ريان، صحيح هو فين؟
شهق يوبخها بدراما:
– اخص ، بقى دا سؤال تسأله ام في يوم سبوع طفلها، ايه الاهمال ده؟
ضحكت حتى اصبحت تميل بسيرها، لتجاريه مزحته:
– ما انا اصبحت زوجة افسدها الدلال بقى، تعمل ايه؟
تأوه ضاغطًا على شفته:
– اااه يعني انا اللي جيبته نفسي، يبقى اتحمل.
اومأت بهز رأسها، ليضمها اليه من كتفيها مرددًا:
– على قلبي زي العسل يا قلب حسن ، ع العموم انا غيرتله وحطيته في سريره يريح شوية بعد هز الغربال وعمايل الست مجيدة، دا هيشوف على ايديها ايام عنب
تضرعت شهد تدعو من قلبها:
– ربنا يخليهالو يارب.
❈-❈-❈
بوجه مكفهر وملامح ممتقعة كان جالسًا خارج غرفة الفحص مع الطبيب الملعون بعدما اجبرته والدته للخروج وعدم التحدث عن حالتها في حضوره، وبإصرار عجيب فرضت رأيها بمرافقة بهجة، لينسحب هو على مضض امام شماتة هذا الاحمق به
ويظل محترقًا بأعصابه في الانتظار وقد تعدى الوقت النصف ساعة، حتى بدى بوضوح على تصرفاته الغريبة في اهتزاز قدميه، والجلوس والوقوف بصورة تثير الانزعاج، ثم يفرك بكف يده على ذقنه النابتة بشكل متكرر ، جعل التوجس يتسلل الى قلب الممرضة التي اصبحت تتابعه بقلق، ليزيد بلطمة قوية على ذراع المقعد الذي يجلس عليه فتتنقض المسكينة وهو يهدر بها:
– وبعدين بقى؟ هي الجلسة الزفت دي بتستمر لحد امتى؟ دي هتكمل الساعة دلوقتي، هما بيعملوا ايه جوا؟
دافعت الفتاة بخوف:
– يا فندم دي جلسة نفسية يعني ملهاش وقت محدد، ان كان اقل من نص ساعة ولا ساعة…
– ساعة….
صرخ بها مقاطعا ليقف بطوله امامها يردف بأعين تلونت بالاحمرار:
– انا على اخري ومعنديش وقت ، الزفت اللي جوا دا ميعرفش ينهي ويخلصنا في ام الليلة دي، هو ناوي يقعدنا لحد كام بالظبط عشان افهم، ولا هي العيادة دي مفيهاش وزباين غيرنا
– لا فيها يا فندم والله، بس احنا مواعيدنا الاصلية انتهت من زمان والدكتور هشام مرضاش يكسف مريضته رغم انه هلكان شغل من الصبح، من المستشفى للعيادة
– لا يا ختي كان كسفها، ع الاقل ساعتها كنت اشوف اغيره بدل القرف ده.
هتف بالكلمات ردا لها ، ليتركها بعد ذلك، ويعود للسير بعصبية امام باب غرفة الفحص، وكأنه ينتظر الفرصة للهجوم عليها
فتتعلق ابصار الفتاة به فاغرة فاهها بذهول ، لا تصدق الاسلوب الحاد الذي يتحدث به عن الطبيب ووصفه بالزفت ، متخليًا عن وقاره المعروف، واناقة التحدث باتزان ، انه يبدو على وشك الانفجار،
دفع باب الغرفة فجأة لتطل والدته عليه ترمقه بنظرات يشلمها الاستهجان وقد بدى واضحًا صورته الغريبة امامها، فيتجاهل هو عن عمد وينتقل بأبصاره نحو بهجة التي تحدثت بريبة تأثرا لهيئته:
– ااا الدكتور غير لها معظم الأدوية، وخفف لها يدوب على نوعين تلتزم بيهم .
هدر باندفاع رد لها:
– انا بقالي ساعة مستني، كل دا كان بيكشف عليها.
همت بهجة ان ترد ولكن الطبيب كان الاسبق والذي كان خارجًا بالصدفة، بابتسامة متسعة ينظر في الساعة :
– ياه دا احنا فعلا اتأخرنا والوقت خدنا، انا اسف طبعًا يا رياض باشا، الوقت مع مدام نجوان بيمر هوا
قال الاخيرة وابصاره منصبة على بهجة ليزيد من استفزاز الأخر، والذي ردد من خلفه بغيظ شديد :
– مدام نجوان برضو….
زفر انفاس خشنة خرج صوتها بوضوح، ليغمغم بتوعد:
– شكلي كدة هخزقلك عينك يا دكتور الغبرة،
– مش نمشي بقى
توجه بها نحو بهجة ووالدته التي كانت واقفة باتزان عجيب تتابعه، وكأنها تستمتع باحتراقه، ليعود اليها ضاغطًا على اسنانه:
– نجوان هانم، مش ناوية تتحرك بقى ولا انتي عجبك القعدة هنا .
ابتسامة خفيفة لاحت بزاوية ثغرها الصغير، لتهم بالتحرك وتسبقه فجاء صوت الطبيب من خلفها:
– نجوان هانم متنسيش تتابعي ع التليفون معايا تطمنيني على حالتك، ولا تخلي بهجة احسن تبلغني ع الوتس ، انتي عارفة رقمي طبعا يا سيادة المحامية المستقبلية..
الى هنا ولم يقوى على الصمت ليزمجر مندفعا نحوه، وقد كان على وشك الفتك به، لولا تصدر نجوان التي أتت من العدم تطالعه بتحدي حتى يفعل، ليستمر هذا الحديث القصير بالنظرات بينهم، قبل ان تقطعه هي بنفسها:.
– ياللا بهجة العم علي مستنينا .
قالتها وتحركت الاخيرة لتلحق بها ، فيمسح هو بكفه على صفحة وجهه، يناجي نفسه التحلي بالصبر ، ثم تحركت قدميه بخطوات سريعة، ليلحق بزوجته، التي كانت على وشك الخروج من المركز العلاجي للطبيب ، فيوقفها بجذبها من ذراعها:
– استني عندك هنا، انا عايزة اعرف دلوقتي، الزفت ده عرف بموضوع الجامعة وسايبانك ليها ازاي؟ انتي بتاخدي وتدي معاه يا بهجة.
اجفلت لطريقته الحادة في الحديث معها ، لتنفي على الفور:
– لا باخد ولا بدي والله، دا كان سؤال عابر منه عشان يعرفني ع الأدوية المستوردة اللي كانت بتاخدها نجوان هانم في البداية، وطريقة التعامل بها ، انا برد على قد السؤال وبس .
شعر بفظاظته في توجيه السؤال لها، ليتراجع ملطفًا:
– انا مش قصدي اجيب اللوم عليكي، انا بس بتخنق من بروده وطريقته الواضحة اوي في الكلام، البني ادم ده لازم اغيره.، هي قالتله ايه بالظبط ولا كانت بتتكلم عن ايه؟
مطت شفتيها تصدمه بردها
– مقدرش اتكلم ولا اقول حاجة، مدام نجوان تزعل مني، عن اذنك بقى.
قالتها وتحركت من امامه ذاهبة، فتتسمر اقدامه بعدم تصديق مرددًا:
– يعني الاسرار بقيت عليا انا بس! هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟
يتبع