رواية وكانها عذراء لم يلمسها احد من قبل الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم اسما السيد
الفصل الحادي والعشرين
من رواية/
وكأنها عذراء
أسما السيد
**************
قلب من كثره دقاته لا يهدأ
دلف بقلب مشتعل، لا يهدأ أبدا الي الغرفه حيث اعتقد أنها تتمرد عليه، يغمض عيناه، ويمسح علي وجهه، يحاول استعادة توازنه، كي لا يؤذيها بسهم لسانه الذي يحارب ليتمرد عليه ويسمعها ما يؤلمها ويجرحها بلا وعي منه، لكن لا..
كل ما يشعر به هو الغيظ ، والغضب من نفسه قبلها ، يؤنب نفسه ويجلدها
يسأل نفسه سؤالا وحيدا بجنون
كيف لـ ذلك اللعين الي يمكث بصدره، الذي حافظ عليه لأعوام من الوقوع باثم الحب ، حتي اعتقد انه شاب ونسي أمر الحب، وترحم علي قلبه
الان هذا اللعين يفاجئه بتلك الدقات التي لا تهدأ ابدا، ولمن!
لطفله..!
طفله لو قام بحسبتها بالسنوات فهي الان طفله، ولو تزوج صغيرا كما تخبره أمه لانجب مثلها، تماثلها بالعمر ، اللعنة على تلك الظروف، وتلك الصدفة الغير مرغوب بها التي صادفته بها، وأصبحت جزء لا غني عنه بحياته
بل أصبحت بين ليله وضحاها اكبر واهم جزء بحياته
كان شاردا بعالم اخر، ولم ينتبه لتلك التي ما أن رأته يدخل عليها كالاعصار، انكمشت علي نفسها بفراشها، وعادت سريعاً بذعر لآخر الفراش، تتمسك بذيل فستانها كأنه الملاذ الأخير
اتسعت عيناه، ما أن رأى وجهها، وهيئتها، وذلك الخوف الغير مبرر منها، شهقاتها التي تكتمها بصعوبة حتي لا تخرج ويسمعها،
همس بصدمه وقد تبخر كل غضبه منها، وحل محله شيء آخر لم يصل بعد لماهيته إلا أنه يؤلم قلبه، اقترب منها كالمغيب، لم يهتم إلا بها مردفا برعب عليها
_ ليليا ايه حصلك؟
نظرت له بخوف حقيقي، وكلمات تلك المرأة مازالت تتردد باذنها، تشعرها بمدى دونيتها، التلك الدرجه هي لا تساوي شيء، أي قدر هذا ما اتي بها هنا، واي اعتقاد كانت تعتقد به أنها ستجد هنا ملاذها الأمن إذا خافت وارتعبت، اليوم تمنت بقلبها لو أنها طاوعت ذلك المجنون وسارت معه بمصيرهم المجهول، ولم تأتي لهنا، ليتها ظلت بلا هويه، بلا اهل، ولم تاتي هنا، لاناس لا يرونها الا انتقاماً لعينا، الي متي ستظل تدفع أخطاء والديها
دموعها انسكبت بغزاره، أشعلت قلبه، وهو مازال يعيد ويزيد علي مسامعها أن تطمئنه عليها، تخبره كيف وصلت لحالتها هذه، لكنها كانت بعالم اخر، توقف عقلها عند تلك اللحظه التي لن تمحي من ذاكرتها أبد الدهر، لحظة فقدان براءتها، ازداد وضعها سوءا وعيناها تحجرت على تلك التي دلفت مهروله علي صوت صياح يزيد، بأحدهم يجلب طبيب المزرعه، يحاول احتوائها بينما هي تزداد ارتجافا، العرق يتصبب من وجهها، ومازالت تنظر لتلك التي تنظر لها بحده، نظرة عيناها الحاقدة المتشفيه بها، تشبه نظره أخري لن تنساها مدي حياتها، تهيأت لها والدة يزيد بذلك الشخص الذي ادعي انه زوجها واقتص منها لسبب لا تعلمه، الذكري تدفقت لعقلها بلا رحمه، ذكري ظنت انها نستها، لكن الان عادت لها أضعاف مضاعفه
وقد ايقنت أن ذكري ذبح.ها لن تنساها ابد الدهر
كلما اقترب منها يزيد يحاول احتوائها، يمسك بكفيها المرتجفين الباردتين كالثلج، تبعده بذعر ، تهز راسها كمن جنت، تاهت بتلك اللحظة التي تم ذب.حها بها بلا رحمه، نظرت بجانبها رأت ام السعد تبكي بحرقه عليها، ولكنها سرعان ما تهيأت لها الاخيره، بتلك الدايه التي ذبح.تها وهي تمثل الشفقه، رأتها تمسك بالاموال تعد بها بسعاده، وحين تستدير ترمقها بحزن وشفقه
يا الهي من اي عجينه خائنه منافقه خلقت تلك المراه
كلما حاولت ام السعد احتوائها بذراعيها، صرخت بها بجنون:
_ لا، لا بالله عليك سيبيني يا خالتي فاطمه، انا معملتش حاجه، انا خايفه
اتسعت أعين يزيد بجنون، بقلبه الملتاع عليها علم أنها ليست بوعيها، مؤكد تذكرت تلك الليله، تلك الأحداث التي قرأ عنها بملف قضية ذلك الخنزير الذي يقسم أنه لو ظل حيا للان لقت.له هو بلا رحمة، واطعمه بيديه لذئاب الجبل
_ ليليا فوقي..ليليا
هكذا همس بأذنها بحزن، بعدما استطاع تكبيلها بذراعيه لتصبح باكملها بين ذراعيه، انتابتها حاله من الهياج، حولت نظرت شقيقته من الشماته للخوف، والشفقه عليها
صرخت بجنون:
_ ابعدوا عني، مش انا اللي قت..
لم يدعها تكمل، كمم فمها بيد حنون لم يستطع أن يقسو عليها، وحده هو من وصله صراخها، استمع له بقلب يتالم عليها
_ انا اللي قتـ..لته، لالا مش انا..
رفع رأسه لينظر لهم بحده الجمت والدته التي كادت تهتف بشماته، وصرخ بهم بكل قوه:
_ برا، اطلعوا برا، برا
همت والدته بالحديث مجددا، إلا أن صوت صراخه افزعهم ، دفعهم ليهرولوا جميعاً من أمامه
_ برا قولت برا
اقتربت ام السعد منه، تتوسله أن تبقي معها، لكنه اخرسها:
_ قولت برا، واطلبي من ضرغام يتصل بطبيب المزرعه يالا
رحلت ام السعد، وأغلقت الباب ، وابعد هو كف يده عنها، احتواهاا كطفله ساعده بذلك جسدها الضعيف، وتفهم هذيانها، وقلبه يتمزق عليها
هدرت بجنون، وهي تنظر له:
_ انا قتـ.لته، انا اللي قتـ.لته، انا
دموع عيناه أغرقت وجهه، مد يده يأسر راسها بين عنقه، وهي مازالت تتلوي بين ذراعيه، تتوسله أن يتركها، ولكنها فجأة رأته وكأنه هو…ذلك الرجل حامد..البدري
_ انت..انت..انت لسه حي مموتش، ابعد عني، ابعد عني، انا
وكأن أحدهم شطر قلبه نصفين، استطاعت تحرير يديها ورفعتها تمزق وجهه
بكي بحرقة، وهو يغمرها بين ذراعيه بقوة، مردفا بغصة بحلقه: _ انا يزيد يا ليليا، يزيد، مش حامد البدري..
*******
الحاجة هي من تدفع المرء لفعل ما لا يتوقعه يوم، الشعور بالنقص دوما ما يجعلنا في حاله ملحه لإشباع هذا النقص
وشوق فارس لروضه هو ما دفعه ليهرول اليها، طيلة أسبوع كامل يحاول بشتي الطرق ابعاد الشوق الجامح من قلبه عليها
الحياه بدون العائله نار وبؤس، كان بحاجه ماسه ليدفن ظلام قلبه بنورها البريء، يريد إطفاء نار الثـ.أر المشتعله بقلبه ببراءتها، يريد حقا نسيان ما مضي، يريدها ليقبع بين ذراعيها كالطفل، يريدها أن تعيده لسيرته الأولى، بلا هموم، بلا أحزان، وبلا فسق..
قدمه أخذته لها، هي ناره وجنته من اليوم، الجحيم والنعيم، الشوق هو من يدفعه كالمجنون ليراها
لم يعد له أحد بهذه الحياه غيرها، سيتمسك بها لاخر لحظه بحياته
ما أن وصل لغرفتها، دفع بابها بلهفه، فاصطدم بعينها التي اشتاقها ، فتح ذراعيه لها مردفا بشوق واحتياج:
_ ملاكي
وكأنها شعرت بتلك الحاجه ، واسرعت لتلبي احتياجها واحتياجه
مردفه بسعاده اقتلعتها من فراشها، مهروله لذراعيه التي احتوتها علي الفور:
_ فارس
_ يا عيون قلبه
*******
دفعت راجيه باب الغرفه علي اخيها الذي يتعامل وكأن شيئا لم يكن
_ انت يابوز الأخص انت، كيف قاعد بارد اكده، ولا اكنك عامل شيء
انتفض اخيها من مقعده، بعدما القي بلفافة التبغ المحشوه بذعر، واقترب منها مكمما فمها ؛
_ قبر يلم العفش اقفلي خاشمك يا بومه انتي عاوزه حد يسمعنا عاد
دفعت يده بغضب، وهتفت بحقد:
_ مين ده اللي هيسمعك يا اخوي ما خلاص البيت هيصفصف عليك اها، ابنك وولد اخوك ومقصوفه الرقبه خلاص امعاودين من اهنه، ومرتك وابوك اديك ارتحت منهم، كيف ما انت عاوز
_ باااه، بااه اقفلي خاشمك اللي هيوديني في داهيه ده، ايه بدك يا خيتي، ولا اقول يا…
نظرت له بحقد، وغضب :
_ ابو فارس
صوتها دب بقلبه الرعب، وهو يكمم فاهه بيده
_ خلاص قفلت خاشمي اها، اقفلي خاشمك انتي عاد، وفوتيني لحالي
_ لاااه مهفوتكش ياولد ابوي، وواحده بواحده عاد
_ بتقصدي ايه؟
_ اقصد اني زي ما انقذتك من حبل المشنقه، تنقذني اني كمان منيها
نظر لها بعدم فهم، وهتف بقلق:
_ قتلت حدا يابومه
جزت على أسنانها، واقتربت منه، وامسكت بتلابيه، واردفت بغضب:
_ اسمعني منيح ياولد ابوي، اسلوب اللف والدوران بتاعك ده، مهيكولش معاي، انت خابر اني لحمي مر
ابتلع اخيها ريقه، وهتف سريعاً بخوف:
_ اهدي ياامينه ، اهدي وفهميني ايش بدك
كادت تخنقه بحق، بعدما ناداها باسمها الحقيقي، اللعنه عليه وعلي اليوم الذي كشفها به، لطالما كان هذا الحقير وحده من يستطيع بسهوله التفرقه بينهم
_ اني قولتلك ايه عاد ، تنسي امينه دي خالص
هز رأسه بخوف حقيقي، وسرعان ما هتف:
_ حقك علي يا اخيتي اؤمريني اني من ايدك دي لايدك دي
دفعته بغضب، وتوعد دب الرعب باواصلة، وجلست امامه، واردفت بخبث:
_ راجيه ظهرت وبدت تكشر عن نيابها
ارتجف جسد اخيها، بينما هي مازالت علي حالها
_ راجيه، وينها، فين شوفتيها دا اني قلبت عليها البر كلاته
نظرة الغضب التي رمقته بها، جعلته يصمت وقد علم أنه وقع بالفخ، تلك اللعينه وتوامها يقسم أنهما الشيطان بذاته ، واللعنه علي يوم انجبتهم والدته
_ كنت عم تدور عليها ياك، هادور عليها ليه يا ولد ابوي
جف حلقه، وهو يحاول اخراج الكلمات من فمه، لكنها اسرعت بكل جبروت:
_ عموما اكده او اكده، فات الأوان، وراجيه اللي هي امينه لازمن ولابد نطلع لها شهادة وفاة
_ ها، كيف ده
انتفضت مردفه بأمر :
_ تموت
**********
الحزن العميق الذي يشعر به يكبله، فراقها ليس هيناً، قدماه هلكت من الدوران هنا وهنا، قلبه مازال معلق بالأمل
قلبه يخبره انها مازالت حيه، لم يشعر بتلك الاقدام التي دلفت للمكتب، ووقف صاحبها ينظر له بحزن عليه، وشفقه لما آلت إليه حياة وحيده الغالي..
_ لأمتي يا مجد، مصالحنا متعطله، انا احترمت كتير حزنك، احترمت جنونك، وياما حذرتك أن في شغلنا الحب مرفوض، اللي بيدخل شغلنا يا مجد مش لازم يكون ليه نقطة ضعف
صمت مجد يستمع لـ أبيه الروحي، حقا ذلك الرجل رغم شغله المشبوه أبيه، يشعر بفضله عليه، لولاه ولولا تربيته له لما وصل إلي ما وصل اليه الان، لا احد بالعالم يعلم حقيقة ابوتهم ولا اساميهم الحقيقيه الا هما حتي سويلم صديق الجامعه لا يعلم عنه إلا القليل ..القليل جدا
هو ظاهريا من أكبر رجال الأعمال واشرفهم ، وباطنيا من اكبر تجار السـ.لاح بالبلاد، الرجل المقنع الغامض كما يلقبونه ويا حسرتاه
_ مجد انت سامعني
هكذا سأله ابيه
_ هي اللي كلمتك مش كده
صمت محمود الحسيني رجل بعمر الستين لكن ظاهريا يبدو بعمر الاربعون، حرمه الله من الانجاب، كان صديق لخاله حامد
خططت والدته جيدا، بعدما فرت ، كانت علي علم بذلك الخلاف الذي نشب بين اخيها وبينه بسبب خيانة اخيها لمحمود مع زوجته
لم يكن يعلم أحد بذلك الخلاف باستثناء هي وأبيها الذي ما أن علم طرده وتبرا منه، خصوصا بعدما قتل محمود الحسيني زوجته وانتقم منها
بعد ما حدث من خالته تلك الليله لم تجد والدته الا هو لتدق بابه، والدته رغم كل شيء، وافعالها المشينه كانت حريصه أن يعيش حياه كريمه
يتذكر حينها بعدما دفعته لباب فيلا محمود، واخبرته بأن يقص عليه بعضا من الحقيقة
وكما توقعت محمود بلا تفكير رحب به، ليس لغبائه لكن لانه كان يعلم أن هذا جزء من الحقيقه، وانه بداية انتقامه
رغم الرعب الذي كان يشعر به، إلا أن ذلك الرجل يقسم أنه كان احن عليه من والديه
وكما توقع…أتت والدته بعد شهرين تخبره الحقيقه
نظرة الاشمئزاز الذي كان يرمقها بها ومازالت لم تغيب عنه، وهو يخبرها بكل صدق
_ انتوا عيله خونه، الدم اللي بيجري فيكم دا ايه كله خيانه ونجا..سه، ازاي انتوا من نس.ل البدري، اسمعي يا ست انت كل اللي قولتيه دا، ولا يهمني، وابنك اللي بتقولي عليه دا ..انا معرفوش
دا ابني انا مجد محمود الحسيني..واقسملك بالله لو حد قرب منه لاكله بسناني
_ يعني ايه؟
جلس ووضع قدما فوق الاخري،
ويده امتدت لتحتوي مجد الذي يقف أمامها يرتجف من الخوف
_ زي ما سمعتي بالظبط، كل اللي قولتيه ده ولا يهمني، انتي كنتي مفكره اني لقمه سايغه وانك هتقدري بدخول مجد لحياتي هيكون نقطه ضعف واقف معاكي انتقم من عيلتك الخونه، لكن لا..
من دلوقتي لحد ما مجد يكبر ويقدر ياخد قرار ويقرر تكوني في حياته أو لا..مش عاوز المحك في طريقي، والحاجه الوحيده اللي اقدر اقدمهالك هي شويه فلوس، وبيت ياويكي، بعيد من انها قرب النجع، ومقابل مجد الي وهبتهولي برضاكي، اعتبري أنك اشتريتي سكوتي، وهسيبك تنتقمي بمعرفتك، سواء من اختك او اخوكي ولا حتي ابوكي..انتي برا حياتنا انا ومجد واقسملك انك مش من مصلحتك تعاديني
فاق مجد علي صوت محمود الحنون مازالت نبرته الحانيه كفيله ببثه الامان، تذكر تحذيره له، بعدما اشتد عوده وقرر وصال والدته
_ انا مش همنعك تودها يا مجد، دا كان اتفاقي معاك ومعاها، فاكر زيك بالظبط، بس صدقني طريق امك والعيله دي مش هيجيب الا الخراب، والدتك جواها سواد، وانت وأخواتك البنات مظاليم، كل الاحفاد مظاليم يا مجد
_ تعرف ساعات بستغربك أوي يا بابا.
_ ليه يا مجد؟
_ ازاي حد بجمال قلبك ده يكون..
صمت فهتف محمود بتهكم!
_ فكرك محاولتش ارجع ، انا كنت شاب في عمرك يا مجد وقت اكتشفت شغل ابويا، الصدمه خدتني واتمردت، بس كان التمن أن خسرت اخويا، وقتها ابويا قالي بالنص، التجاره دي زي اللعنه، عهد يا بني، واللي يخونه فيها موته
_ عشان كده..
_ عشان كده هفضل طول عمري مخبيك ورا الصوره، انت دراعي اليمين، وابن روحي تعرف يا مجد انا اول ماخدتك وعرفت الحكايه بأمانه اتمنيت انتقم منك، بس فجاه بصيت في عنيك شوفت فيك نفسي، قلبي دقلك، حبيتك كانك قطعه من روحي، اول ما ناديتني بابا..ردتلي روحي وداويت نقصي يا مجد..اوعي تفكر انك معروف صنعتهولي امك عنجهيه ولا راجيه ايا يكن ، انتِ وكل ما املك فداك يا مجد..
عاد من شروده ودموعه خانته ، وهتف بمرارة:
_ ياريتني ما رجعتلها ولا حنيت ليها، دي لعنه ، انت كنت علي حق يا بابا
انهار مجد، والقي بنفسه بين ذراعي محمود الذي احتواه بحنو
_ ابكي يا مجد، ابكي لآخر مره، وأحمد ربنا يابني دا من رحمة ربنا ليك، فوق يا مجد الحكومه فتحت عنيها علينا، وانت لو وقعت ظهري هينكسر، فوق عندنا عمليه كبيره ولازم نستعدلها
_ عندك حق يا بابا..بس قولي كلمتك ليه
زفر محمود أنفاسه بغضب:
_ عاوزه رقبة امينه عشان ترجع مكانها
_ ايه ..؟
*******
ودعت بيلا ابيها بالدموع، قلبها ممزق، مازالت تشعر بالضياع، وأنها كانت تعيش بعالم من الخداع، ما صدمها حقا أن إبراهيم وفارس يعلمون بزواجه، وبانجابه أيضا
لولا ذلك الخجل والجدار الذي مازال بينهم لانقضت علي ابراهيم ممزقه وجهه الذي يرتسم عليه نظرة لعوب تعلم معناها جيدا
لعنته تحت انفاسها، بينما هو اقترب منها سريعاً، لم تشعر به إلا وهو يحاوط خصرها، ويمد يده يسحب نقابها علي وجهها ما أن لمح عمه أبو فارس يدلف البيت الكبير، وخلفه أحدي الغفر
_ مش يالا يا بيلا بقي اتاخرنا علي فارس..
انتفضت من حركته المفاجأة، وبلعت ريقها، وهزت رأسها بصمت
_ هو فين فارس يا ابراهيم ؟
هكذا هتف ابو فارس، الذي أكمل مردفا بغضب:
_ هيعاود اياك من غير ما يسلم علي أبوه ولا ايه…
_ ابدا يا عمي، بس عنده حاجه مهمه بالمركز بخصوص الشغل لازم يعملها الاول..
عن اذنكوا…
*******
_علي فين العزم يا ولد العم؟
كان سؤالا متأخرا منها اليه، هكذا فكر عمران، الذي اطمئن أخيرا علي ابنته، قلبه ارتاح، وهو يسلمها لرجل حقيقي يعلم أنه يفديها بروحه
الان وجب عليه أن يعيش الحياه كما يجب أن تكون، والا سيحاسب
الحياه مع تلك المراه عذاب، نار تحملها من أجل فلذة كبده
عدل من جلبابه، وتحسس صدريته التي تحوي متعلقاته الشخصيه، مد يده يجلب مفاتيح سيارته
اقتربت منه، ومدت يدها بغضب تمسك ذراعه، لكنه فاجئها بدفعه القوي لها
فسقطت أرضا، ومال برأسه ناظرا بعيونها بقوه:
_ ملكيش صالح بيا، كم مره خبرتك يا حيه انت..
_ انت بتقول ايه ياعمران قد كلامك ده يعني…
_ وان مكنتش قده ياا ….يا.. امينه
اتسعت عيناها، وتيبس جسدها، وودت لو تنشق الارض وتبتلعها توقعت أن يصرخ، يكشفها، أو يضربها
لكنه فاجئها كالعاده بخروجه الهاديء..
ما أن خرج من البيت ، ابتسم بتهكم علي حاله، قبل أن يرفع هاتفه الذي يرن بالحاج يجيب عليه:
_ ايوه يا صاحبي ، كيفه الشغل، طيب عال..جهزلي الفيلا، خلص ارتحت وهباشره بذات نفسي
*******
_عمران.. ؟
_ ياروح قلبه
_ شكلك مبسوط اوي
_ دا عشان شوفتك
_ اف، منك انت علطول كده تاكل بعقلي
_ قدامك نص ساعه، لو مجهزتيش نفسك يام عاصم هغير رأيي، وافوتك أهنه واسافر القاهره وحدي.
اتسعت عيناها بالفرحه، فرحة حقيقيه غمرتها، أخيرا ستري ابنتها، وشقيقتها
_ بجد يا عمران، بجد والنبي
فرحتها مزقت قلبه، أشفق عليها من القادم، والندم اكل قلبه، اللعنة علي العشق والانانيه الذي دفعته ليحرمها من ابنتها فلذة كبدها
_ عمران
_ نعم يا قلبه
_ انت مش بتضحك عليا صح، انا لو سافرت مش هرجع هنا تاني انت عارف كده؟
ضمها بقوه، كادت تكسر عظامها، وهمس بصدق:
_ مش هنرجع تاني يا حوريه قلبي
ابتعدت تنظر لعيناه ، تري الصدق بهما، تلك العينان التي كرهتها بالبدء، كرهت تصلتها وانانيتها، الي أن اغدقتها بالحنو، والعشق، فتبدل كرهها لهيام ضحت من اجله بالغالي والنفيس
_ عمران..اوعي تكون بتكدب عليا
_ طيب بزمتك أكده عمران عمره كدب عليكي يا قاسيه انتي، ده حتي لما اجبرتك علي العيشه اهنه وخطفتك من الدنيا بحالها قولتلك بصدق اني عشقتك، ومهتفرقنيش أبدا
صوته به نبره تلاعب، تعلم ما يقصده، أنه يقصد كرهها له الذي أقسم لها أنه سيحوله لعشق، وفعل ببساطه
سقطت بعشقه كالمراهقه، حتي بات الم قلبها من فراق الاحبه يندمل ما أن يغمرها بذراعيه
_ انت ظالم يا عمران
_ ظلمي بعشقك عدل ياحوريه، قمة العدل ، ولا ايه رايك انتِ
*******
كيف لشخص تألم كل ذلك الالم أن يجد الراحه يوم، هي اختارت طريقها وانتهي
اختارت الفراق، ولن تعود، لقد خسرت كل شيء
حتي خالتها الحبيبه خسرتها، لقد رأتها قبل أن يدفعها هؤلاء الشبان مرتكبي الواقعة ، خارج القطار ، لينجوا بأنفسهم، وياليتهم تركوها لتنفجر العربة بها وينتهي أمرها مثل خالتها
آخر شيء قد رأته كان ذلك الانفجار، الذي انفجؤ بالقطار باكمله، وصوت هؤلاء الشباب الثلاث يخترق اذنيها:
أحدهم:
_ البنت دي شافتنا يابكري
_ يبقي لازم تموت..
سحبوها خلفهم كالشاه، إلا أن شعرت بسخونه الرمال من اسفلها، وبعدها لم تعد تشعر بشيء، اخر شيء سمعته:
_ دي ماتت يابكري
_ سبوها اهنه أكده تاكلها الديابه
انتفضت من شرودها علي تلك اليد الحانيه:
_ اللي واخد عقلك يازينة البنته
_ خاله سليمه
_ باه، كنتي هاتستني حد غيري يا اك
ارتبكت روح تلك السيدة علي رغم طيبتها، وعمرها الذي أوشك علي انهاء الستون عاما، الا أنها قمة بالذكاء
خجلت روح من نظراتها، وابتلعت ريقها، وهي تعدل من خصلات شعرها الثائره
طبطبت ساليمه علي كتفها بحنو، وهتفت بصدق استشعرته روح:
_ اوعي تكوني مفكره ان الراوي، وساليمه قاضي ولا جلاد، احنا يابتي مش رب العباد…
المزرعه ديه، كل اللي فيها ليهم قصه، وحكاية ..حكاية طويله مليانه شوق ومرار، وانتي عنيكي مليانه حزن، وخوف، وقلق مايلقش بالمكان..اتاكدي يازينة البنته أن وقت ما تقرري تحكي هتلاقي حضني يساعيكي والف يد هتحميكي..
دموع روح انسابت علي وجهها، كلمات ساليمه كانت بمثابة طوق أمان
فتحت ساليمه ذراعيها لها، فاندفعت تحتمي داخلهم
تشكر الظروف، وهؤلاء الشباب الذين سحبوها خلفهم حتي يراها ذلك العدنان، ويأتي بها هنا لمزرعه العشاق..
_ كفايا بكا بقي ياست البنات
_ روح …اسمي روح
*******
يتبع..