رواية قطة في عرين الاسد الفصل التاسع عشر19 بقلم مني سلامة
الحلقة ( 19 )
- هيكون فين بس دوروا كويس .. وأول ما تلاقوه كلميني
كانت "مريم" تنظر الى ما حولها وهى تشعر بالرعب كان المكان موحشاً .. وحتى الأنوار المضاءة على اليسار لا تشير الى أى مكان تعرفه .. تعالى صوت البحر الهادر ليزيد من خوفها .. اتصلت بـ "مى" قائله بلهفه :
- "مى" ازيك
هتفت "مى" بفرح :
- "مريم" ازيك أخبارك ايه
قالت "مريم" بلهفه :
- "مى" معاكى رقم استاذ "طارق"
قالت "مى" بدهشة :
- عايزاه ليه
قالت "مريم" وهى تتلفت حولها خوفاً :
- بصى أنا و "مراد" وعيلته سافرنا العين السخنه .. وأنا تهت ومش معايا غير رقم مامته ومبتردش عليا .. عايزاكى تتصلى بأستاذ "طارق" تجبيلى منه رقم "مراد"
قالت "مى" :
- طيب يا حبيبتى ثوانى وهكلمك
اتصلت "مى" بـ "طارق" وشرحت له الوضع وقالت :
- فلو سمحت اديني رقم أستاذ "مراد" عشان أبعته فى رسالة لـ "مريم"
قال "طارق" :
- لا مفيش داعى .. انا هكلمها
شعرت "مى" الضيق وقالت :
- ماشى .. مع السلامة
أنهت "مى" المكالمة وهى تشغر بغيرة شديدة .. اتصل "طارق" بـ "مريم" وطمأنها قائلاً :
- متخفيش يا مدام "مريم" اوصفيلي بس المكان اللى انتى فيه وأنا أقولك ترجعى ازاى .. انا اللى حاجز لـ "مراد" فى المكان ده وعارفهكويس
قالت "مريم" وهى تلتفت حولها :
- مش عارفه أنا جمب البحر بس معرفش أنا فين بالظبط
قال "طارق" :
- طيب مفيش أى حد أدامك تسأليه
التفتت حولها وقالت بخوف :
- لا مفيش خالص
قال "طارق" مطمئناً اياها :
- طيب متقلقيش أنا هكلم "مراد" وأديله رقمك .. بس متخفيش ان شاء الله "مراد" هيلاقيكي
اتصل "طارق" بـ "مراد" وأملاه الرقم فقال "مراد" بدهشة :
- انت عرفت منين ؟
قال "طارق" :
- مش وقته يا "مراد" .. كلمها شوف هى فين باين عليها انها مرعوبة أوى
اتصل بها "مراد" فأجابت بصوت قلق :
- أيوة
قال "مراد" بلهفه :
- "مريم" انتى كويسة
قالت بصوت مضطرب :
- أيوة كويسة
قالت "مراد" :
- انتى فين اوصفيلي المكان اللى انتى فيه
كان "مراد" يسير أثناء التحدث اليها وعيناه تبحث عنها .. نظرت حولها وأجابت :
- أنا ورايا البحر .. بس مش عارفه أنا فين بالظبط
قال بلهفه :
- طيب لما خرجتى من حمام السباحة مشيتي ازاى ؟
قالت بصوت مضطرب :
- معرفش مكنتش مركزة
هتفت قائلاً بعصبية :
- ازاى يعني مكنتيش مركزة
أجابت بصوت كمن يوشك على البكاء :
- كنت سرحانه ومخدتش بالى
حاول "مراد" التحكم فى أعصابه وقال بصوت أهدأ :
- أنا آسف .. بس أنا عايز أعرف مكانك .. حاولى توصفيلي المكان حواليكى
لكن "مراد" هتف فجأة :
- خلاص يا "مريم" شوفتك
هتفت غير مصدقة :
- بجد .. الحمد لله
أغلقت الخط وبحثت حولها لتجد "مراد" قادماً اتجاهها .. شعرت بالفرحه بمجرد أن رأته وابتسمت وقالت بأعين دامعه :
- كويس انك لاقيتنى .. كنت خايفة أوى
نظر اليها بلهفه بأعين متفحصه وقال :
- انتى كويسة
أومأت برأسها وهى تمسح العبرات الى تساقطت من عينيها رغماً عنها .. نظر اليها بحنان قائلاً :
- طيب يلا نرجع الفندق ..
رن هاتفه فقال :
- أيوة يا ماما .. خلاص لقيتها .. أيوة احنا فى الطريق .. ماما الموبايل هيفصل شحن حالاً
وبالفعل لحظات وانقطع شحن الهاتف .. قال "مراد" بجدية :
- بعد كدة لما تمشى وتحسى انك توهتى اقفى فى المكان اللى انتى فيه ومتمشيش أكتر عشان متتوهيش أكتر
أومأت برأسها مد يده وأمسك بهاتفها تحت نظراتها .. تلامست أيديهما فشعرت بالإضطراب وأبعدت يدها سريعاً .. دون رقمه وسجله بإسمه على هاتفها وقال :
- لما نرجع اديني رقمك .. مينفعش نبقى مش عارفين أرقام بعض
أعطاها هاتفها فأخذته .. كانت "مريم" تسير معه وهى تحاول أن تهدئ من خفقات قلبها التى كانت تتسارع من شدة الخوف .. التفت اليها "مراد" قائلاً :
- أحسن دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
- أيوة الحمد لله
سارا عدة دقائق قبل أن يظهر لها المكان الذى تعرفه .. كان مقبلاً اتجاههما مجموعة من الفتيات الاتى يضحكن ويتمازحن وهن مرتدات ملابس غير محتشمة .. رغماً عنها التفتت "مريم" تجاه "مراد" لتتبع نظراته .. كان ينظر بجواره فجذبت انتباهه الضحكات فنظر أمامه لحظة قبل أن يخفض بصره أرضاً .. تسلل اليها شعور بالسعادة .. لحظات قبل أن تشعر بالضيق من نفسها وأخذت تحدث نفسها .. ما شأنك أنتِ يا "مريم" نظر أم لم ينظر ما شأنك به لماذا تهتمين ما يخصه ليس من شأنك .. عقدت ما بين حاجبيها فى ضيق أفاقت من شرودها على صوت الهاتف فى يدها .. رأت رقم "طارق" الذى اتصل منه منذ قليل .. نظر "مراد" الى هاتفها فالتفتت اليه ومدت له يدها بالهاتف قائله :
- ده الأستاذ "طارق" .. ممكن يكون كلمك ولقى موبايلك مقفول
أخذ "مراد" الهاتف من يدها ورد :
- أيوة يا "طارق" .. فصل شحن .. أيوة لقيتها خلاص .. لا كله تمام .. متشكر يا "طارق" .. سلام
أنهى "مراد" المكالمة وهى ينظر الى "مريم" بإمعان قائلاً :
- انتى اتصلتى بيه لما تهتى
قالت "مريم" بسرعة :
- لا اتصلت بـ "مى" صحبتى وهى زميلتى فى الشركة .. قولتلها تتصل بيه
صمت "مراد" ثم عاد يتفرس فيها قائلاً :
- رقمك معاه من زمان
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- لأ أنا مدتهوش رقمى اصلاً .. ومبديهوش لأى عميل .. ممكن يكون خده من "مى"
أومأ "مراد" برأسه .. تلاقت أنظارهما فى صمت .. كل منهما ينظر الى عين الآخر بحذر وقلق وخوف .. كانت نظرات كل منهما تصرخ فى الآخر قائله .. ابتعد عنى لن اسمح لك بإختراق أسوار قلبي .. لكن نفس السؤال أخذ يتردد فى أعماق كل منهما .. تُرى هل سأستطيع حقاً الصمود ؟
__________________________________________
- أنا كنت شاكك فيها من الأول
قال "مراد" هذه العبارة بعصبية .. فقال "طارق" :
- وايه مصلحتها فى كدة
قال "مراد" بغضب :
- الهانم أكيد كانت بتاخد منه فلوس .. ماهى مش هتعمل كده لله فى لله
قال "طارق" بحده :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيها .. انسانه معندهاش ضمير
قال "مراد" بحنق :
- لولا التسجيل اللى حطيته فى المكتب مكنتش اكتشفت ان سكرتيرتى عميلة عند "حامد" وبتنقله كل تحركاتى
قال "طارق" بحنق :
- بس يا "مراد" مكنش المفروض تكتفى بطردها .. كان المفروض توديها فى ستين داهية بالتسجيل اللى معاك
قال "مراد" :
- هى بنت برده .. صحيح تتساهل قطم رقابتها عشان خاينة للأمانة بس بردة بنت مينفعش أبلغ عنها وأدخلها اقسام
قال "طارق" وهو ينهض :
- طيب هروح أشوف مكتب توظيف محترم يبعتلنا سكرتيرة محترمة
زفر "مراد" بضيق .. فأكثر ما يكرهه فى حياته .. الخيانة .. بكل أشكالها وأنواعها
*******************************************
دخل "جمال" منزله وعلامات الضيق على وجهه فإستقبلته "صباح" قائله :
- كنت فين يا "جمال"
قال "جمال" بضيق :
- كنت بشم هوا يا "صباح"
قالت بعتاب :
- فى عريس يسيب مرته فى البيت ويخرج ولسه مفاتيش اسبوع على جوازهم
هتف "جمال" بغضب :
- كانت جوازه ما يعلم بيها الا ربنا
هتفت "صباح" بحنق :
- ليه بجه ان شاء الله .. مش انت اللى كنت بتجولى انك نفسك فى اليوم اللى تتجوزنى فيه يا "جمال" نسيت كلامك الحلو اللى كنت بتسمعهولى
قال "جمال" بتهكم :
- كنت مغفل يا "صباح" .. ياريتنى كنت انشكيت فى لسانى جبل ما أجول كلمة واحدة منه يا "صباح"
قال ذلك ثم زفر بضيق ودخل حجرة النوم يشاهد التلفاز تحت نظرات "صباح" الغاضبة
**************************************
أمسكت "سهى" هاتفها الذى لم يفارق يديها الا نادراً طيلة اليومين الماضيين .. لكن كالعادة رفض "سامر" الإجابة على أى من اتصالاتها .. كآخر حيلة لديها اتصلت بمكتبه فأخبرتها السكرتيرة أنه منشغل ولديه اجتماع .. فقالت "سهى" بصوت كمن أوشك على البكاء :
- طيب لو سمحتى لما يخلص اجتماع قوليله "سهى" اتصلت بيك وعايزاك ضرورى
- حاضر يا فندم
أنهت السكرتيرة المكالمة وتوجهت الى مكتب "سامر" قائله :
- الآنسه "سهى" اتصلت يا فندم وقولتلها زى ما حضرتك قولتلى
قال "سامر" بلامبالاة :
- طيب لو اتصلت تانى قوليلها سافر يومين ولو سألتك فين قوليلها متعرفيش
- حاضر يا فندم
***************************************
عاد "مراد" الى البيت فى المساء ليجده ساكناً .. توجه الى غرفة المعيشة ليجدها فارغة .. صعد الى غرفته وطرق الباب ليجد "مريم" جالسه على الأريكة تتطلع الى حاسوبها الموضوع على قدميها :
- السلام عليكم
نظرت اليه قائله :
- وعليكم السلام
أغلق الباب وهو يتطلع اليها قائلاً :
- أمال فين ماما واخواتى ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- راحوا لخالتك .. هما كلموك أدامى انت نسيت
قال "مراد" وقد بدا عليه التذكر :
- أيوة أيوة .. معلش نسيت
عادت "مريم" الى عملها مرة أخرى أمام الحاسوب .. دخل "مراد" الحمام وأخذ دشاً واستبدل ملابسه ثم نظر اليها قائلاً :
- اتغديتي
قالت :
- أيوة
أخرج هاتفه يتفحصه .. فنظرت اليه "مريم" قائله :
- لو مكنتش اتغديت أقول لدادة "أمينة" تحضرلك الغدا
نظر اليها مبتسماً :
- مبحبش آكل لوحدى .. لو هتاكل معايا ماشى
قالت بحرج :
- انا اتغديت
قال وهو يغادر الغرفة :
- أنا نازل المكتب
توجه "مراد" الى مكتبه .. بعد ما يقرب من ساعة ذهبت اليه "مريم" وطرقت الباب أذن لها بالدخول .. وقفت أمامه قائلاً :
- خلصت تصميم اللوجو ياريت تشوفه عشان لو محتاج تعديل أعدله قبل ما أحطه على البروشورز وباقى التصميمات
أشار "مراد" الى المنضدة أمام الأريكة فوضعت عليها حاسوبها وجلس "مراد" ينظر الى التصميم .. تابعت تعبيرات وجهه بإهتمام وقالت :
- لو محتاج أى تعديل مفيش مشكلة قولى وأنا أعدله
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- لا ممتاز .. بجد ممتاز
ابتسمت "مريم" وقد أسعدها اطراءه ..رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً :
- شكلى هستغلك وأعمل تجديد لكل تصميمات الشركة والمصنع
قالت بحماس :
- ما فيش مشكلة ... أصلاً أنا بحب شغلى جداً وبعتبره هواية مش حاجة مفروضة عليا
سألتها "مراد" :
- اتعملتى فين ؟
قالت "مريم" وقد اختفت ابتسامتها :
- جوزى الله يرحمه هو اللى علمنى
اختفت ابتسامة "مراد" هو الآخر وأشاح بوجهه عنها .. لاحظت "مريم" التغير الذى طرأ عليه واستغربت من ذلك .. حملت الحاسوب قائله بتوتر :
- هبتدى فى البروشورز من النهاردة ان شاء الله وما أخلصها هوريهالك
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- ارتباطكوا استمر أد ايه ؟
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت :
- سنتين
نظر "مراد" اليها متفرساً فيها وقال :
- وليه متجوزتوش .. ليه استنيتوا ده كله ؟
قالت "مريم" بشئ من الضيق :
- حصلت ظروف خلتنا نضطر نأجل جوازنا
هربت من نظراته المتفحصه قائله :
- بعد اذنك
غادرت "مريم" غرفة المكتب لتترك "مراد" غارقاً فى التفكير .. تُرى الى أى مدى أحبته ؟ .. أأحبته الى درجة أن تخلص له حتى بعد موته ؟ .. تُرى لماذا أحبته ؟ .. كيف جعلها تحبه لدرجة ألا تستطيع رؤية رجلاً غيره ؟ .. لم ينسى ما أخبره اياه "طارق" من رفضها الزواج بسبب حبها لخطيبها الراحل .. تُرى هل من الممكن أن يدق قلبها للحب مرة أخرى ؟ .. هل من الممكن أن تقبل العيش مع رجل ...... !! .. عند هذه النقطة أرغم عقله على التوقف عن الإسترسال و قام الى مكتبه وجلس يطالع أوراقه وملفاته ليصرف عقله عن التفكير فيها وفيما يخصها .
صعدت "مريم" الى غرفة "مراد" وجلست على الأريكة وهى غارقة فى التفكير هى الأخرى .. تُرى لماذا حدث الطلاق بينه وبين زوجته ؟ .. تُرى كيف كان شكلها ؟ .. أأحبها ؟ .. لماذا اذن انفصلا ؟ .. هل مازال يتذكرها ؟ .. أيتمنى العودة اليها ؟ .. كم دام زواجهما ؟ .. ومنذ متى انفصلا ؟ .. ظلت الأسئلة تتقافز على عقلها الى أن أرغمت عقلها عن الإنشغال بعملها الذى بين يديها.
عاد الجميع الى البيت والتفوا حول طاولة الطعام .. قالت "نرمين" بمرح :
- كانت أعدة حلوة أوى يا ريتك كنتى جيتي معانا يا "مريم"
قالت "مريم" مبتسمه :
- معلش كان عندى شغل
قالت "سارة" لـ "مراد" :
- خالتو عزمتنا كلنا يا أبيه آخر الاسبوع .. حاول تفضى نفسك
قالت "سارة" بحماس :
- وأنا يا أبيه حاول تفضيلي نفسك عايزه أشترى لبس جديد وشوية حاجات كدة عشان الكلية
قال "مراد" :
- خلاص نخرج بكرة ان شاء الله تشترى انتى حاجتك وكمان "سارة" و "مريم" يخرجوا ويغيروا جو
قالت "سارة" بحماس :
- تمام أوى .. بس خلى بالك يا أبيه أنا ليا زى ما "نرمين" هتشترى بالظبط .. مش معنى انى خلصت كلية انى مش هشترى لبس جديد
ابتسم "مراد" قائلاً :
- ماشى يا "سارة" عنيا ليكي
ابتسمت "مريم" وهى تراقبهم .. سعدت كثيراً للعلاقة الودودة بينهم .. قالت "ناهد" مبتسمة :
- أنا بأه بتخنق من اللف كتير سيبونى بأه أنعم بيوم من الراحة والإستجمام
قالت "نرمين" ضاحكة :
- تقصدى يا ماما ان احنا عملينلك ازعاج يعني .. ده احنا التلاته قطط صغننه
ضحكت "ناهد" قائله :
- "مريم" آه قطة .. أما انتى و "سارة" لما بتتجمعوا مع بعض بتقلبوا بغبغانات وبتصدعولى دماغى
قال "مراد" لأمه :
- متيجي معانا يا ماما
قالت "ناهد" :
- لا يا حبيبى اخرجوا انتوا واتبسطوا
*************************************
دخلت "صباح" غرفة النوم وجلست بجوار "جمال" الذى بدا مندمجاً فى مشاهدة أحد الأفلام .. اقتربت منه وقد تزينت وتعطرت .. قالت له :
- متجفل البتاع ده يا "جمال" وتيجى نجعد نتكلم شويه
قال "جمال" وهى ينظر اليا شذراً :
- هتكلم في اييه يعني .. خلينى مع الفيلم أحسن
قالت "صباح" بحنق :
- يجطع الفيلم على بيتفرجوا عليه .. آنى عروسة يا "جمال" المفروض تهتم بيا أكتر من اكده
صاح "جمال" :
- يجطع الجواز على البيتجوزوا .. آنى دماغى مش فيا يا "صباح" روحى شوفيلك حاجة تشغلك بعيد عنى أحسن العفاريت بتتنطط أدام عيني السعادى
قالت "صباح" بغضب :
- ماشى يا "جمال" بكرة تندم وتجول آنى معرفتش أجدر جيمتها
قام "جمال" من مكانه ووقف بجوار الفراش قائلاً بتهكم :
- حوش حوش .. ليه ان شاء الله فاكره نفسك مين يا "صباح" السفيرة عزيزة .. ده لولا انى اتنازلت عن المحضر وجفلنا على الجضية كان زمانك دلوجيت نايمة فى البورش يا "صباح" والبراغيت بتشغى فى جتتك
وقفت "صباح" بمواجهته قائله بغضب :
- ماهو لو مكنتش انت ناجص وجليل الأصل مكنش ده كله حوصل .. جولتلك يا "جمال" مش "صباح" اللى يدحك عليها .. ده آنى ألففك البحر كعب داير وأرجعك عطشان
دفعها بيدها الى الفراش قائلاً :
- طيب اكتمى .. اكتمى أحسن أديكى كف يكتمك للأبد يا "صباح"
*********************************
فى اليوم التالى خرج "مراد" مع الفتيات الى أحد المولات التجارية .. تقدمت الفتاتان فالتفتت "مريم" قائله لـ "مراد" بحرج :
- آسفه انك اضطريت تاخدنى معاك
قال "مراد" وهو ينظر اليها :
- مين قالك انى واخدك معايا غصب عنى
قالت بإرتباك :
- يعني .. المفروض كنت تخرج مع اخواتك بس .. لولا انهم الصبح أصروا انى أخرج معاهم
قال "مراد" ببرود :
- أظن انا من بالليل وأنا قايل انك هتخرجى معانا
أشار بيده قائلاً :
- اتفضلى
أخذت الفتاتان وقتاً طويلاً فى المشاهدة والشراء توجه "مراد" الى الملابس المعروضة وانتقى بعضها وحملها بيده ثم توجه الى "مريم" قائلاً :
- ادخلى قيسيهم
نظرت "مريم" اليه بدهشة وحرج قائله :
- لا شكراً أنا مش عايزة أشترى حاجه
قال "مراد" بحزم :
- مبحبش أكرر كلامى مرتين
قالت "مريم" بحنق :
- و أنا مش عايزة أقيسهم
قال بعند :
- هتقيسيهم
زفرت بضيق .. لاحظت أن البائعة تقف بجوار "مراد" فلم ترد التمادى أكثر فى هذا النقاش فأخذتهم من يده وتوجهت الى أحد الكبائن المخصصه للبروفة وبمجرد أن أغلقت الستارة فتحها "مراد" فنظرت اليه بدهشة .. فقال بحزم :
- قيسيهم فوق هدومك.. متقلعيش هدومك لأن فى ناس معندهاش ضمير بتحط فى البروفة كاميرات مراقبة
أومأت برأسها وهى تشعر بشعور غريب يسيطر عليا وهى ترى هذا الحرص والإهتمام منه .. أغلقت الستارة مرة أخرى ونفذت ما قال .. خرجت بعد عدة دقائق قائله :
- أيوة مظبوطين .. بس لو سمحت أنا اللى هدفع تمنهم
نظر اليها بحده وأخذهم منها وأعطاهم للبائعة قائلاً :
- هناخد دول كمان
شعرت "مريم" بالضيق فلا ينقصها الا أن يدفع ثمن ملابسها أيضاً .. وقف الجميع فى الخارج يتفقون على المكان التالى الذى سيذهبون اليه .. كانت "مريم" شارده فلم تتابع حديثهم .. مر من خلف "مريم" بعض الشباب الذين كانوا يتحدثون ويمزحون معاً .. فرجع أحد الشباب الى الخلف وهو يضحك مع أصدقائه ولم ينتبه الى أنه سيصطدم بـ "مريم" التى توليه ظهرها .. فجأة وجدت "مريم" "مراد" يحيطها بأحد ذراعيه ويجذبها اليه بقوة فإرتطمت بصدره وهى تشعر بالدهشة مما فعل .. وبيده الأخرى دفع الشاب الذى كان مازال يرجع للخلف دون أن ينتبه .. التفت الشاب بعدما ارتطم بيد "مراد" ونظر اليهما قائلاً :
- أنا آسف والله مخدتش بالى .. معلش أنا آسف
قال "مراد" بجديه :
- خلى بالك وانت ماشى
تمتم الشاب مرة أخرى :
- أنا آسف معلش
شعرت "مريم" بالحرج من وجودها فى أحضان "مراد" بهذا الشكل فإبتعدت عنه ودفعته عنها بشكل أثار انتباه "سارة" و "نرمين" .. كانت تشعر بإرتباك شديد .. فقال "مراد" :
- يلا تعالوا على العربية وبعدين نبقى نشوف هنروح فين تانى
صعدت "مريم" بجوار "مراد" فى السيارة وهى تتحاشى النظر اليه ..
*******************************************
قال "حامد" للظابط الذى يحقق معه فى البلاغ الذى قدمه "مراد" ضده :
- "نرمين" هى اللى ركبت معايا بمزاجها يا حضرة الظابط
قال الظابط :
- بس يا "حامد" بيه فى شاهد شافك وانت بتخدرها فى العربية
قال "حامد" :
- شاهد مين ؟
قال الظابط :
- زوجة "مراد" بيه .. هى اللى شافتك وانت بتخدر الآنسه "نرمين" وبتفقدها الوعى
قال "حامد" ببرود :
- كدابه .. وبتحاول تدارى على أخت جوزها .. "نرمين" أغمى عليها فى العربية وكانت راكبة معايا بمزاجها
قال الظابط :
- طيب ليه زقتها ووقعتها من العربية ومشيت
قال محامى "حامد" :
- محصلش .. كل الحكاية ان مراة أخوها لما شافتها أغمى عليها فى العربية و "حامد" بيه بيحاول يفوقها أصرت انه ينزلها وفعلا نزلها من العربية وشالها لحد ما دخلها الفيلا وبعدين مشى
قال الظابط بشك :
- أمال ليه "مراد" بيه قدم البلاغ ده
قال المحامى :
- غيرة ومنافسة غير شريفه .. لأن "حامد" بيه خرج من الشراكة معاه وشارك رجال أعمال تانيين .. فحب "مراد" بيه يردهاله بسبب الخسارة اللى خسرها من انسحاب "حامد" بيه
***************************************
جلست "مريم" فى المساء مع "ناهد" فى حجرة المعيشة يلعبان الشطرنج .. صاحت "مريم" مبتسمه :
- كش ملك
قالت "ناهد" :
- ياربي .. مفييش ولا مرة أكسبك فيها
ضحكت "مريم" قائله :
- قولت لحضرتك انى بعرف ألعبها كويس
قالت "ناهد" ضاحكة :
- مش محتاجة تقوليلى أديني شوفت بنفسي
ثم قامت قائله :
- ظبطيهم تانى مكانهم على ما أروح أعمل فنجان قهوة
نهضت "مريم" قائله :
- خليكي يا طنط وأنا هروح اعملها لحضرتك
قالت "ناهد" مبتسمه :
- لا دى قهوة عربي مش هتعرفى تعمليها .. يلا رتبي اللعبة على ما أرجعلك
جلست "مريم" تعيد القطع الى مكانها على لوح الشنطرنج .. دخل "مراد" الغرفة ونظر اليها والى ما تفعله .. ثم قال :
- بيقولوا بتعرفى تلعبي كويس
ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت :
- يعني .. بيقولوا
فوجئت به يجلس قبالتها على الأريكة قائلاً بتحدى :
- طيب وريني شطارتك
تلاقت نظراتهما للحظات قبل أن تخفض "مريم" بصرها وتبدأ اللعب .. عادت "ناهد" لتجد "مراد" جالساً قبالة "مريم" يلعب معها فابتسمت وانسحبت الى غرفتها بهدوء .. بعد فترة من اللعب كانا كلاهما ينظر الى لوح الشنطرنج ويركز تركيزاً شديداً .. قال "مراد" دون أن يرفع رأسه :
- انتى ملكيش صحاب ؟
اندهشت "مريم" لسؤاله ونظرت اليه قائله :
- أيوة ليا
قال "مراد" وهو ينظر الى القطع المرصوصة أمامه بتركيز :
- أصلك لا طلبتى تزوريهم ولا طلبتى يزوروكى
قالت "مريم" بحرج وهى تنظر اليه :
- اتكسف اطلب انهم يجولى هنا .. وبعدين هى واحدة بس هى اللى قريبة منى وصحاب من زمان
قال "مراد" :
- "سهى" ولا "مى" ؟
اندهشت "مريم" لتذكره أسم الفتاتين فقالت بهدوء :
- "مى"
رفع "مراد" رأسه ونظر اليها قائلاً :
- و "سهى" ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- زميلتى فى الشركة ومع بعض فى نفس المكتب بس مش صحاب أوى
أومأ برأسه وأعاد النظر الى اللعبة .. قال "مراد" بهدوء :
- تحبي تزوريها ؟
ابتسمت "مريم" قائله :
- أكيد .. دى "مى" وحشتنى أوى بجد
نظر اليها "مراد" مراقباً ابتسامتها وهو يقول :
- عندها اخوات شباب ؟
قالت "مريم" :
- لا هى بنت وحيدة
قال "مراد" :
- طيب ممكن أخدك ليها بعد بكرة لو تحبي
قالت بسعادة :
- خلاص تمام وأنا هتفق معاها على كدة
صمت "مراد" قليلاً ثم قال :
- مع انى شايف ان الأحسن هى تجيلك وممكن أبعتلها العربية بالسواق يجيبها لحد هنا ويوصلها تانى .. أقصد عشان تكونى أعدة براحتك معاها .. وأساسا أنا طول اليوم مش موجود يعني محدش فى البيت الا ماما والبنات
ثم قال وهو ينظر اليها بحنان :
- عشان أكون مطمن عليكي
شعرت "مريم" بخفقات قلبها تتسارع وهى تتطلع الى تلك النظرة الحانية فى عينيه .. وجدت الخوف يتسلل الى قلبها .. نهضت مسرعة وقالت :
- أنا تعبت وعايزة أنام تصبح على خير
غادرت الغرفة ونظرات "مراد" تتابعها .. لم تشعر برغبة فى النوم .. فوقفت فى الشرفة شاردة وهى تشعر بالضيق من نفسها ومن تلك المشاعر التى تعتريها بين الحين والآخر .. توجه "مراد" الى مكتبه وهو يفكر فى "مريم" وفى ردود أفعالها تجاهه .. حانت منه التفاته الى الدرج الذى يحوى قسيمة الزواج .. فتحه وأخرج القسيمة وفتحها وهو شادراً وأخذ يتطلع اليها لأول مرة منذ أن استلمها من المأذون .. كانت عيناه تمر على الكلمات فى تكاسل .. وفجأة اتسعت عيناه وتجمدت ملامحه وأخت دقات قلبه تتعالى بسرعة .. مرر عينيه على أحد السطور مرات ومرات الى أن تأكد بأن تلك الكلمات مكتوبة بالفعل وليس محض تهيآت .. هب من مقعده فجأة توجه الى غرفته وأغلق الباب خلفه بعنف .. كانت "مريم" لا تزال فى الشرفة دخلت فزعة من صوت الباب الذى انغلق بقوة .. نظرت الى "مراد" قائله :
- فى ايه ؟
نظر اليها "مراد" بحدة شديدة ورفع الورقه أمام عينيها دون أن يتفوه بكلمه .. قالت "مريم" بدهشة :
- ايه ده ؟
قال "مراد" بصوت يشوبه الغضب :
- قسيمة جوازنا
شعرت "مريم" بالخوف الشديد .. أيقنت بأنه اكتشف حقيقة كونها كانت زوجة لأخيه .. اقترب منها وعيناه تلمع غضباَ .. رجعت للخلف فى خوف فقال بصوت هادر :
- "ماجد خيري الهواري" .. انتى كنتى مراة أخويا ؟ .. مراة "ماجد" أخويا ؟
صمتت وهى لا تدرى ما تقول فصاح بغضب :
- انطقى .. انتى كنتى عارفة ان "ماجد" أخويا ؟
أومأت برأسها ايجاباً فازداد اشتعال النار فى عينيه وصرخ قائلاً :
- وليه ما قولتليش من الأول انك كنتى مراته
قالت "مريم" بإضطراب شديد وهى على وشك البكاء من شدة الخوف :
- عمتو .. عمتو "بهيرة" قالتلى متكلمش الا لما هى ترجع من السفر .. قالتلى مجبلكش سيرة أبداً عن الموضوع ده وهى هتقولك بنفسها
أخذ "مراد" يتطلع الى القسيمة مرة أخرى .. وكأنه لا يصدق ما يرى .. ولا يصدق ما يسمع .. قالت "مريم" بصوت خافت :
- أنا مش فاهمة هى ليه قالتلى مجبلكش سيرة .. بس حسيت ان فى حاجه خطيرة فى الموضوع وعشان كدة متكلمتش
ثم أكملت :
- انت كنت تعرف ان عندك أخ ؟
نظر اليها "مراد" بحده وقال بعنف :
- أيوة كنت عارف ان عندى أخ
صمت قليلاً ثم قال بجمود :
- بس اللى أعرفه انه مات من زمان .. من واحنا صغيرين
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت :
- مين قالك كده .. مين قالك انه مات وهو صغير
قال "مراد" بحيرة مشوبة بالحدة :
- بابا اللى قالى كده .. وعمتى كمان قالتلى كده .. اللى أعرفه ان عندى أخ ومات واحنا صغيرين
شعرت "مريم" بالدهشة .. نظر اليها "مراد" قائلاً :
- كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟
شعرت "مريم" بالتوتر .. تُرى أتخبره الحقيقة أم لا ؟ .. أتخبره بأمر أم "ماجد" الموجودة حاليا فى دار المسنين ؟ أم تخبره بالسر الأكبر والذى لم تطلع عليه أحد حتى الآن ؟ .. تًرى لماذا أخفوا عليه أمر أخوه ؟ .. لماذا أخبروه بأنه مات وهو صغير ؟ .. لماذا تجاهلوا وجوده وكأنه لم يولد أصلاً؟ .. ألهذا الأمر علاقة بوالدها ؟ .. قالت فى نفسها لا لن أخبره بأننى أعرف مكان أم "ماجد" ولن أخبره عن سرى الذى أحتفظ به لنفسى الى أن أفهم جيداً ما يدور حولى .. أخشى أن أخبره بكل ما أعرف فتنقلب الطاولة ضدى وأنا لا أفهم شيئاً مما يحدث .. لماذا كل هذه الأسرار؟ .. لابد من وجود سبب .. سبب جعل عمته تشدد عليها ألا تخبر "مراد" بنفسها عن أمر أخيه .. يجب أن أسبر أغوار الحقيقة وأصل اليها .. يجب أن أكشف كل تلك الأسرار التى تحيط بـ "مراد" و عائلته .. قالت بتوتر وهى تتحاشى النظر الى عينيه :
- معرفش كان عايش مع مين وهو صغير .. بس لما عرفته كان عايش لوحده
أومأ "مراد" برأسه وأشاح بوجهه عنها .. بدا وكأنه لا يستطيع النظر اليها .. غادر الغرفة .. وغادر المنزل كله .. ركب سيارته وهو يشعر بالإختناق .. يشعر بشئ ثقيل يجثم على صدره .. الفتاة التى تزوجها هى زوجة أخيه الراحل .. أخيه الذى ظن أنه مات وهو صغير .. لماذا أخفوا عنه أنه مازال على قيد الحياة .. لماذا يشعر بأن "مريم" مازالت تخفى عنه الكثير .. لماذا شعر وهو ينظر فى عينيها بأن هناك سر خطير تخفيه .. سر أكبر من أمر أخوه الذى لم يعلم عنه شيئاً طول تلك السنوات التى ظن فيها أنه ميت .. يجب أن يكتشف الحقيقة .. يجب أن يرغم "مريم" على اخباره بكل ما تعرفه .
*********************************************
أوقف "مراد" سيارته أمام النيل ولم يشعر بنفسه الا وآذان الفجر يصل الى مسامعه .. صلى الفجر وتوجه الى البيت .. كان الجميع نيام .. هم بالصعود الى غرفته لكنه أحجم عن ذلك توجه الى غرفة المكتب وافترش الأريكة ونام فوقها .. فى الصباح التف الجميع حول طاولة الطعام .. كان "مراد" يتحاشى النظر الى "مريم" الجالسه بجواره ويبدو على وجهه علامات الضيق .. أخذت "مريم" تختلس النظر اليه الى أن قام فجأة وقال :
- أنا ماشى
فى المكتب شعر الجميع بتوتر "مراد" وعصبيته فى القاء الأوامر على الموظفين .. حتى "طارق" لم يسلم من تلك العصبية .. صاح "مراد" :
- يعي ايه الشحنة تتأخر فى الجمارك .. أمال بس فالح سافر يا "مراد" وأنا فى الشركة بدايلك يا "مراد"
قال "طارق" بهدوء :
- انا مليش ذنب يا "مراد" وبعدين راجلنا اللى فى الجمارك بيقول ان التأخير على الكل
صاح "مراد" بغضب وهو يلقى بأحد الملفات على المكتب بعصبيه :
- وراجلنا ده مش قادر يتصرف .. وهى دى أول مرة نشحن فيها .. عمرنا ما اتأخرنا كده .. هو لو مش عارف يعمل شغله يقول واحنا نشوف حد غيره يعرف يمشى الشغل
نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مراد" انت مالك فى ايه بتشاكل دبان وشك ليه .. الراجل مغلطش وقولتلك التأخير على الكل
صمت "مراد" قليلاً ثم أخذ مفاتيحه وهاتفه وغادر المكتب فى عصبيه .. توجه الى سيارته ومشى بها على غير هدى .. كان يسير بسرعة عالية وهو يشق طريقه بين السيارات .. كان يشعر بغضب وضيق كبير بداخله .. شعر بأنه ناقم على "مريم" بشدة .. لأنها لم تخبره بأمر زواجها من أخيه .. وتركته يــ .....! حرك رأسه لينفض تلك الأفكار منه .. ظل يردد لنفسه .. هى كغيرها لا تساوى عندى شيئاً .. لا فرق عندى بينها وبين أى فتاة أخرى .. لم ولن اشعر باى شئ تجاهها .. قلبي كما هو لم يمسسه أحد .. ولن يستطيع أحد اقتحام أسواره
مرت عدة أيام كان يتحاشى فيها "مراد" ملاقاة "مريم" أو الحديث معها أو حتى النظر اليها .. وذات مساء عاد "مراد" الى البيت ودخل غرفة المكتب وأغلق الباب خلفه .. قالت "ناهد" بدهشة :
- مش عارفه ماله بقاله كام يوم عصبي جداً ومش طايق حد
قالت "نرمين" :
- أنا كمان لاحظت كده
قالت "سارة" :
- أكيد مشاكل فى الشغل .. انتوا عارفين "مراد" أى حاجه تهمه بياخدها على أعصابه
شردت "مريم" وهى تشعر بالضيق .. تًرى لماذا هو غاضب .. أغاضب لأنه لم يكن يعلم بأمر أخيه وبأنه مازال على قيد الحياة ؟ .. أم غاضب لأن "مريم" كانت زوجة أخيه الراحل ؟ .. ثم ما شأنه ان كانت زوجة أخيه أم لا .. فزواجها بـ "مراد" مؤقت وليس زواجاً حقيقياً .. نهضت "مريم" وأحضرت حاسوبها كانت تؤجل تلك المحادثة لكن الوقت قد حان ويجب أن تنهى عملها الذى طلبه منها .. طرقت باب غرفة المكتب فظنها والدته فقال :
- اتفضلى يا ماما
ظهرت الحدة فى نظراته عندما رفع رأسه ليجد "مريم" واقفه أمامه .. قالت "مريم" بصوت حاولت أن يبدو ثابتاً :
- انا خلصت الشغل ياريت حضرتك تشوفه قبل ما نوديه المطبعه
مد يده فأعطته الحاسوب وضعه على المكتب أمامه وظل ينظر اليه بعينان بدتا وكأنهما لا تريان ما أمامها ثم قال بقسوة :
- زى الزفت
شعرت "مريم" بالضيق من تعليقه الخالى من الذوق وقالت وهى تحاول التحكم فى أعصابها :
- ايه بالظبط اللى مش عاجبك فيه
قال "مراد" بعنف وهو ينظر اليها :
- كله .. كله مش عاجبنى
تنهدت "مريم" وحاولت كظم غيظها وقالت :
- يعني تحب أغير التصميم كله من أوله لآخره ؟
قال ببرود :
- أيوة .. واللوجو كمان
نظرت اليه "مريم" بحده وهى تقول :
- بس حضرتك قولتلى من كام يوم ان اللوجو ممتاز
قال "مريد" بعناد :
- غيرت رأيي .. عيدي كل حاجة تانى
صاحت "مريم" بحنق :
- وطالما مكنش عاجبك قولتلى ممتاز ليه كنت قولى انه وحش
قال "مراد" بحده :
- انتى مش هتعمليني أقول ايه وما أقولش ايه
قالت "مريم" بعصبيه وهى تحمل حاسوبها من أمامه :
- شوفلك ديزاينر غيري
نهض "مراد" من مكانه وأمسكها من ذراعها بعنف وصاح بغضب :
- يعني ايه أشوف ديزاينر غيرك وهو لعب عيال
قالت "مريم" بغضب مماثل وهى تتطلع الى عينيه :
- انتى ليه بتتعامل معايا كده .. مش ذنبي انى كنت مراة أخوك
ازدادت قوة قبضته على ذراعها الى أن ظهر الألم على ملامحها .. لحظات وخفف من قبضته ثم أزاحها تمام وتوجه الى مكتبه وجلس عليه وهو يسند رأسه الى قبضتى يده .. قال بحزم :
- اخرجى لو سمحتى
غادرت "مريم" المكتب وهى تشعر بالأسى صعدت الى غرفته فما كادت تفتح الشرفة لتقف فيها الا ووجدت "سهى" تتصل بها وتهتف وهى تبكى بحرقة :
- أنا ضعت يا "مريم"
هتفت "مريم" بدهشة :
- "سهى" بتقولى ايه
قالت "سهى" وشهقات بكائها تتعالى :
- أنا اتجوزت "سامر" عرفى
صاحت "مريم" :
- يا مصيبتى .. بتقولى ايه .. عرفى يا "سهى"
قالت "سهى" :
- المصيبة انه منفضلى خالص وبيخلى السكرتيرة تقولى انه مش فى المكتب ومسافر مع انى استنيته تحت الشركة وشوفته وهو بيركب العربية
ثم أخذت تصرخ وتصيح وقد بدا أن أعصابها قد انهارت تماماً :
- أنا ضعت يا "مريم" ضعت خلاص .. مش هيرضى يتجوزنى
كانت "مريم" تشعر بالألم وهى تستمع الى صرخات "سهى" وبكائها فأخذت العبرات تسقط على وجنتيها وهى تقول :
- حبيبتى اهدى هيحصلك حاجه
صاحت "سهى" وهى تصرخ :
- أنا مش عارفه أعمل ايه .. اعمل ايه دلوقتى .. لو أهلى عرفوا هيموتونى
قالت "مريم" بأسى :
- طيب انتى فين وأنا أجيلك
قالت "سهى" بصوت منهار :
- أنا خلاص قررت أموت نفسي فى المكان اللى ضيعنى فيه "سامر" ..هحرق اللانش اللى حياتى اتدمرت عليه .. اللانش اللى قالى انه أول مكان يشهد حبنا .. ده مكنش حب يا "سامر" ضحكت عليا يا "سامر"
ثم قالت بصوت باكى :
- ياريتنى كنت سمعت كلامك من زمان مكنش ده كله حصل .. ادعيلى يا "مريم" ان ربنا يرحمنى ويغفرلى .. بالله عليكي ادعيلى
أنهت "سهى" المكالمة فشعرت "مريم" بالفزع وأخذت تردد :
- "سهى"
عاودت "مريم" الإتصال بها بأصابع مرتجفة لكنها على ما يبدو أغلقت هاتفها .. نزلت "مريم" ببسرعة واقتحمت مكتب "مراد" وهتفت وهى تبكى :
- "مراد" الحقنى
هب "مراد" وقفاً والتف حول المكتب ووقف أمامها قائلاً :
- مالك يا "مريم" فى ايه ؟
قالت وهى تبكى :
- "سهى" زميلتى فى المكتب كلمتنى وقالتلى انها هتموت نفسها .. أنا خايفة أوى
قال "مراد" وهو يحاول استيعاب ما قالت :
- تموت نفسها .. ازاى يعني
قالت "مريم" بأسى :
- "سامر" صحبك اتجوزها عرفى
شعر"مراد" بالصدمة مما سمع فأخذت "مريم" تقول :
- قالتلى ان عنده لانش أخدها عليه وهى هتروح هناك دلوقتى وتولع فيه وفى نفسها
ثم قالت باكيه :
- أرجوك يا "مراد" ساعدنى
جذبها "مراد" من ذراعها وأمرها قائلاً :
- طيب اطلعى بسرعة غيري هدومك على ما أتصل بـ "سامر"
حاول "مراد" الاتصال بـ "سامر" مرات عديدة دون جدوى .. نزلت "مريم" مسرعة فقالت بلهفه :
- رد عليك
قال "مراد" :
- لا .. بس أنا عارف مكان اللانش بتاعه خدنا هناك قبل كده
انطلق "مراد" بسيارته وبصحبته "مريم" التى أخذت تستغفر ربها وتدعوه أن يحفظ "سهى" وينجيها .. كانت مضطربة للغاية وترتجف من شدة الخوف والفزع .. التفت اليها "مراد" يتطلع اليها .. أمسك كتفها بيده قائلاً :
- متخافيش هنلحقها ان شاء الله
أومأت برأسها وهى مازالت تدعو الله عز وجل .. سار "مراد" بأقصى سرعة الى أن وصل الى المرفأ .. أوقف سيارته فى الخارج ومن حسن حظهما أن "مراد" كان يمتلك زورقاٌ فى هذا المرفأ فأظهر التصريح للمسؤل ودخل الإثنان وهما يسرعان الخطى نظر "مراد" يميناً ويساراً ثم قال :
- مش فاكر هو يمين ولا شمال
قالت "مريم" بسرعة :
- كل واحد فينا يروح من طريق
نظر "مراد" الى "مريم" التى تبتعد وهو يشعر بالضيق لإضطراره تركها بمفردها .. ولكن حياة انسانه فى خطر ويجب انقاذها قبل فوات الأوان .. أخذت "مريم" تتطلع الى الزوارق واللانشات على جانبيها وهى تبحث بعينيها عن "سهى" .. الى أن توقفت فجأة .. كانت "سهى" واقفة على ظهر اللانش وتنظر الى البحر وتوليها ظهرها ..تمتمت "مريم" :
- الحمد لله .. الحمد لله
نادتها "مريم" :
- "سهى" .. "سهى"
لم تلتفت اليها "سهى" بل بدت وكأنها لا تسمعها
قفزت "مريم" بحذر الى ظهر اللانش وهى تشم رائحة نفاذه تنبعث من اللانش .. اقتربت من "سهى" قائله :
- "سهى"
لكن كل شئ حدث فى لحظه .. فى لحظة تركت "سهى" عود الثقاب المشتعل الذى تحمله لتحيط النيران باللانش من جميع الجهات وتتوسطه "سهى" و "مريم" التى أخذت تنظر الى النيران المشتعلة على حواف اللانش والتى تمنعها من المغادرة .. توجهت "مريم" مسرعة الى "سهى" وصاحت :
- ايه اللى عملتيه ده يا "سهى"
جذبتها "مريم" من ذراعها وصعدت لها الى سطح اللانش العلوى .. أمسكتها "مريم" من ذراعيها وصرخت فيها قائله :
- هو ده الحل فى نظرك .. انك تموتى بالشكل ده .. بدل ما تحاولى تستغفرى ربنا وتكفرى عن ذنبك .. عايزة تنتحرى يا "سهى"
بدت "سهى" وكأن قواها قد خارت من شدة البكاء فصاحت بها "مريم" وهى تقربها من الحافة :
- يلا نطى .. نطى بسرعة اللانش بيولع
فى تلك اللحظة اقترب "مراد" من اللانش ليرى "مريم" و "سهى" واقفتان على ظهر اللانش الذى تشتعل النيران به من جميع الجهات .. قفز قلبه من مكانه وشعر بالهلع وهو يرى "مريم" وسط النيران .. جرى فى اتجاه اللانش وهو يصيح :
- "مريم" .. "مريم"
صاحت "مريم" فى "سهى" :
- نطى يا "سهى"
نظرت اليها "سهى" بأسى ثم نظرت الى المياة وقفزت فيها ثم سبحت الا أن استطاعت الخروج من الماء
وقف "مراد" أمام اللانش الذى يحترق وهو يصيح بـ "مريم" الواقفة بالأعلى :
- نطى فى البحر يا "مريم"
نظرت اليه "مريم" ثم الى البحر تحتها .. شعرت بالخوف الشديد .. فهى لا تعرف السباحه .. وتخشى الماء .. ظلت متجمدة مكانها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. النيران تحيط باللانش وتمنعها من الخروج .. وان لم تقفز فستطال النيران الدور العلوى الذى تقف فيه .. صاح "مراد" فيها :
- "مريم" .. نطى بسرعة
نظرت "مريم" مرة أخرى الى البحر المظلم تحتها وهى تبكى بصمت وتمتم :
- يارب ساعدنى
تقدمت خطوة لكنها خافت ورجعت الى الخلف وهى تمسك فى أحد الأعمدة وتبكى .. نظر "مراد" حوله فلم يجد أحداً يستنجد به .. ثم نظر الى "مريم" التى تقف تستند الى العمود باكيه .. ثم نظر الى النيران المشتعلة والتى كان أهون عليه من فقدانها
يتبع
- هيكون فين بس دوروا كويس .. وأول ما تلاقوه كلميني
كانت "مريم" تنظر الى ما حولها وهى تشعر بالرعب كان المكان موحشاً .. وحتى الأنوار المضاءة على اليسار لا تشير الى أى مكان تعرفه .. تعالى صوت البحر الهادر ليزيد من خوفها .. اتصلت بـ "مى" قائله بلهفه :
- "مى" ازيك
هتفت "مى" بفرح :
- "مريم" ازيك أخبارك ايه
قالت "مريم" بلهفه :
- "مى" معاكى رقم استاذ "طارق"
قالت "مى" بدهشة :
- عايزاه ليه
قالت "مريم" وهى تتلفت حولها خوفاً :
- بصى أنا و "مراد" وعيلته سافرنا العين السخنه .. وأنا تهت ومش معايا غير رقم مامته ومبتردش عليا .. عايزاكى تتصلى بأستاذ "طارق" تجبيلى منه رقم "مراد"
قالت "مى" :
- طيب يا حبيبتى ثوانى وهكلمك
اتصلت "مى" بـ "طارق" وشرحت له الوضع وقالت :
- فلو سمحت اديني رقم أستاذ "مراد" عشان أبعته فى رسالة لـ "مريم"
قال "طارق" :
- لا مفيش داعى .. انا هكلمها
شعرت "مى" الضيق وقالت :
- ماشى .. مع السلامة
أنهت "مى" المكالمة وهى تشغر بغيرة شديدة .. اتصل "طارق" بـ "مريم" وطمأنها قائلاً :
- متخفيش يا مدام "مريم" اوصفيلي بس المكان اللى انتى فيه وأنا أقولك ترجعى ازاى .. انا اللى حاجز لـ "مراد" فى المكان ده وعارفهكويس
قالت "مريم" وهى تلتفت حولها :
- مش عارفه أنا جمب البحر بس معرفش أنا فين بالظبط
قال "طارق" :
- طيب مفيش أى حد أدامك تسأليه
التفتت حولها وقالت بخوف :
- لا مفيش خالص
قال "طارق" مطمئناً اياها :
- طيب متقلقيش أنا هكلم "مراد" وأديله رقمك .. بس متخفيش ان شاء الله "مراد" هيلاقيكي
اتصل "طارق" بـ "مراد" وأملاه الرقم فقال "مراد" بدهشة :
- انت عرفت منين ؟
قال "طارق" :
- مش وقته يا "مراد" .. كلمها شوف هى فين باين عليها انها مرعوبة أوى
اتصل بها "مراد" فأجابت بصوت قلق :
- أيوة
قال "مراد" بلهفه :
- "مريم" انتى كويسة
قالت بصوت مضطرب :
- أيوة كويسة
قالت "مراد" :
- انتى فين اوصفيلي المكان اللى انتى فيه
كان "مراد" يسير أثناء التحدث اليها وعيناه تبحث عنها .. نظرت حولها وأجابت :
- أنا ورايا البحر .. بس مش عارفه أنا فين بالظبط
قال بلهفه :
- طيب لما خرجتى من حمام السباحة مشيتي ازاى ؟
قالت بصوت مضطرب :
- معرفش مكنتش مركزة
هتفت قائلاً بعصبية :
- ازاى يعني مكنتيش مركزة
أجابت بصوت كمن يوشك على البكاء :
- كنت سرحانه ومخدتش بالى
حاول "مراد" التحكم فى أعصابه وقال بصوت أهدأ :
- أنا آسف .. بس أنا عايز أعرف مكانك .. حاولى توصفيلي المكان حواليكى
لكن "مراد" هتف فجأة :
- خلاص يا "مريم" شوفتك
هتفت غير مصدقة :
- بجد .. الحمد لله
أغلقت الخط وبحثت حولها لتجد "مراد" قادماً اتجاهها .. شعرت بالفرحه بمجرد أن رأته وابتسمت وقالت بأعين دامعه :
- كويس انك لاقيتنى .. كنت خايفة أوى
نظر اليها بلهفه بأعين متفحصه وقال :
- انتى كويسة
أومأت برأسها وهى تمسح العبرات الى تساقطت من عينيها رغماً عنها .. نظر اليها بحنان قائلاً :
- طيب يلا نرجع الفندق ..
رن هاتفه فقال :
- أيوة يا ماما .. خلاص لقيتها .. أيوة احنا فى الطريق .. ماما الموبايل هيفصل شحن حالاً
وبالفعل لحظات وانقطع شحن الهاتف .. قال "مراد" بجدية :
- بعد كدة لما تمشى وتحسى انك توهتى اقفى فى المكان اللى انتى فيه ومتمشيش أكتر عشان متتوهيش أكتر
أومأت برأسها مد يده وأمسك بهاتفها تحت نظراتها .. تلامست أيديهما فشعرت بالإضطراب وأبعدت يدها سريعاً .. دون رقمه وسجله بإسمه على هاتفها وقال :
- لما نرجع اديني رقمك .. مينفعش نبقى مش عارفين أرقام بعض
أعطاها هاتفها فأخذته .. كانت "مريم" تسير معه وهى تحاول أن تهدئ من خفقات قلبها التى كانت تتسارع من شدة الخوف .. التفت اليها "مراد" قائلاً :
- أحسن دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
- أيوة الحمد لله
سارا عدة دقائق قبل أن يظهر لها المكان الذى تعرفه .. كان مقبلاً اتجاههما مجموعة من الفتيات الاتى يضحكن ويتمازحن وهن مرتدات ملابس غير محتشمة .. رغماً عنها التفتت "مريم" تجاه "مراد" لتتبع نظراته .. كان ينظر بجواره فجذبت انتباهه الضحكات فنظر أمامه لحظة قبل أن يخفض بصره أرضاً .. تسلل اليها شعور بالسعادة .. لحظات قبل أن تشعر بالضيق من نفسها وأخذت تحدث نفسها .. ما شأنك أنتِ يا "مريم" نظر أم لم ينظر ما شأنك به لماذا تهتمين ما يخصه ليس من شأنك .. عقدت ما بين حاجبيها فى ضيق أفاقت من شرودها على صوت الهاتف فى يدها .. رأت رقم "طارق" الذى اتصل منه منذ قليل .. نظر "مراد" الى هاتفها فالتفتت اليه ومدت له يدها بالهاتف قائله :
- ده الأستاذ "طارق" .. ممكن يكون كلمك ولقى موبايلك مقفول
أخذ "مراد" الهاتف من يدها ورد :
- أيوة يا "طارق" .. فصل شحن .. أيوة لقيتها خلاص .. لا كله تمام .. متشكر يا "طارق" .. سلام
أنهى "مراد" المكالمة وهى ينظر الى "مريم" بإمعان قائلاً :
- انتى اتصلتى بيه لما تهتى
قالت "مريم" بسرعة :
- لا اتصلت بـ "مى" صحبتى وهى زميلتى فى الشركة .. قولتلها تتصل بيه
صمت "مراد" ثم عاد يتفرس فيها قائلاً :
- رقمك معاه من زمان
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- لأ أنا مدتهوش رقمى اصلاً .. ومبديهوش لأى عميل .. ممكن يكون خده من "مى"
أومأ "مراد" برأسه .. تلاقت أنظارهما فى صمت .. كل منهما ينظر الى عين الآخر بحذر وقلق وخوف .. كانت نظرات كل منهما تصرخ فى الآخر قائله .. ابتعد عنى لن اسمح لك بإختراق أسوار قلبي .. لكن نفس السؤال أخذ يتردد فى أعماق كل منهما .. تُرى هل سأستطيع حقاً الصمود ؟
__________________________________________
- أنا كنت شاكك فيها من الأول
قال "مراد" هذه العبارة بعصبية .. فقال "طارق" :
- وايه مصلحتها فى كدة
قال "مراد" بغضب :
- الهانم أكيد كانت بتاخد منه فلوس .. ماهى مش هتعمل كده لله فى لله
قال "طارق" بحده :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيها .. انسانه معندهاش ضمير
قال "مراد" بحنق :
- لولا التسجيل اللى حطيته فى المكتب مكنتش اكتشفت ان سكرتيرتى عميلة عند "حامد" وبتنقله كل تحركاتى
قال "طارق" بحنق :
- بس يا "مراد" مكنش المفروض تكتفى بطردها .. كان المفروض توديها فى ستين داهية بالتسجيل اللى معاك
قال "مراد" :
- هى بنت برده .. صحيح تتساهل قطم رقابتها عشان خاينة للأمانة بس بردة بنت مينفعش أبلغ عنها وأدخلها اقسام
قال "طارق" وهو ينهض :
- طيب هروح أشوف مكتب توظيف محترم يبعتلنا سكرتيرة محترمة
زفر "مراد" بضيق .. فأكثر ما يكرهه فى حياته .. الخيانة .. بكل أشكالها وأنواعها
*******************************************
دخل "جمال" منزله وعلامات الضيق على وجهه فإستقبلته "صباح" قائله :
- كنت فين يا "جمال"
قال "جمال" بضيق :
- كنت بشم هوا يا "صباح"
قالت بعتاب :
- فى عريس يسيب مرته فى البيت ويخرج ولسه مفاتيش اسبوع على جوازهم
هتف "جمال" بغضب :
- كانت جوازه ما يعلم بيها الا ربنا
هتفت "صباح" بحنق :
- ليه بجه ان شاء الله .. مش انت اللى كنت بتجولى انك نفسك فى اليوم اللى تتجوزنى فيه يا "جمال" نسيت كلامك الحلو اللى كنت بتسمعهولى
قال "جمال" بتهكم :
- كنت مغفل يا "صباح" .. ياريتنى كنت انشكيت فى لسانى جبل ما أجول كلمة واحدة منه يا "صباح"
قال ذلك ثم زفر بضيق ودخل حجرة النوم يشاهد التلفاز تحت نظرات "صباح" الغاضبة
**************************************
أمسكت "سهى" هاتفها الذى لم يفارق يديها الا نادراً طيلة اليومين الماضيين .. لكن كالعادة رفض "سامر" الإجابة على أى من اتصالاتها .. كآخر حيلة لديها اتصلت بمكتبه فأخبرتها السكرتيرة أنه منشغل ولديه اجتماع .. فقالت "سهى" بصوت كمن أوشك على البكاء :
- طيب لو سمحتى لما يخلص اجتماع قوليله "سهى" اتصلت بيك وعايزاك ضرورى
- حاضر يا فندم
أنهت السكرتيرة المكالمة وتوجهت الى مكتب "سامر" قائله :
- الآنسه "سهى" اتصلت يا فندم وقولتلها زى ما حضرتك قولتلى
قال "سامر" بلامبالاة :
- طيب لو اتصلت تانى قوليلها سافر يومين ولو سألتك فين قوليلها متعرفيش
- حاضر يا فندم
***************************************
عاد "مراد" الى البيت فى المساء ليجده ساكناً .. توجه الى غرفة المعيشة ليجدها فارغة .. صعد الى غرفته وطرق الباب ليجد "مريم" جالسه على الأريكة تتطلع الى حاسوبها الموضوع على قدميها :
- السلام عليكم
نظرت اليه قائله :
- وعليكم السلام
أغلق الباب وهو يتطلع اليها قائلاً :
- أمال فين ماما واخواتى ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- راحوا لخالتك .. هما كلموك أدامى انت نسيت
قال "مراد" وقد بدا عليه التذكر :
- أيوة أيوة .. معلش نسيت
عادت "مريم" الى عملها مرة أخرى أمام الحاسوب .. دخل "مراد" الحمام وأخذ دشاً واستبدل ملابسه ثم نظر اليها قائلاً :
- اتغديتي
قالت :
- أيوة
أخرج هاتفه يتفحصه .. فنظرت اليه "مريم" قائله :
- لو مكنتش اتغديت أقول لدادة "أمينة" تحضرلك الغدا
نظر اليها مبتسماً :
- مبحبش آكل لوحدى .. لو هتاكل معايا ماشى
قالت بحرج :
- انا اتغديت
قال وهو يغادر الغرفة :
- أنا نازل المكتب
توجه "مراد" الى مكتبه .. بعد ما يقرب من ساعة ذهبت اليه "مريم" وطرقت الباب أذن لها بالدخول .. وقفت أمامه قائلاً :
- خلصت تصميم اللوجو ياريت تشوفه عشان لو محتاج تعديل أعدله قبل ما أحطه على البروشورز وباقى التصميمات
أشار "مراد" الى المنضدة أمام الأريكة فوضعت عليها حاسوبها وجلس "مراد" ينظر الى التصميم .. تابعت تعبيرات وجهه بإهتمام وقالت :
- لو محتاج أى تعديل مفيش مشكلة قولى وأنا أعدله
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- لا ممتاز .. بجد ممتاز
ابتسمت "مريم" وقد أسعدها اطراءه ..رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً :
- شكلى هستغلك وأعمل تجديد لكل تصميمات الشركة والمصنع
قالت بحماس :
- ما فيش مشكلة ... أصلاً أنا بحب شغلى جداً وبعتبره هواية مش حاجة مفروضة عليا
سألتها "مراد" :
- اتعملتى فين ؟
قالت "مريم" وقد اختفت ابتسامتها :
- جوزى الله يرحمه هو اللى علمنى
اختفت ابتسامة "مراد" هو الآخر وأشاح بوجهه عنها .. لاحظت "مريم" التغير الذى طرأ عليه واستغربت من ذلك .. حملت الحاسوب قائله بتوتر :
- هبتدى فى البروشورز من النهاردة ان شاء الله وما أخلصها هوريهالك
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- ارتباطكوا استمر أد ايه ؟
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت :
- سنتين
نظر "مراد" اليها متفرساً فيها وقال :
- وليه متجوزتوش .. ليه استنيتوا ده كله ؟
قالت "مريم" بشئ من الضيق :
- حصلت ظروف خلتنا نضطر نأجل جوازنا
هربت من نظراته المتفحصه قائله :
- بعد اذنك
غادرت "مريم" غرفة المكتب لتترك "مراد" غارقاً فى التفكير .. تُرى الى أى مدى أحبته ؟ .. أأحبته الى درجة أن تخلص له حتى بعد موته ؟ .. تُرى لماذا أحبته ؟ .. كيف جعلها تحبه لدرجة ألا تستطيع رؤية رجلاً غيره ؟ .. لم ينسى ما أخبره اياه "طارق" من رفضها الزواج بسبب حبها لخطيبها الراحل .. تُرى هل من الممكن أن يدق قلبها للحب مرة أخرى ؟ .. هل من الممكن أن تقبل العيش مع رجل ...... !! .. عند هذه النقطة أرغم عقله على التوقف عن الإسترسال و قام الى مكتبه وجلس يطالع أوراقه وملفاته ليصرف عقله عن التفكير فيها وفيما يخصها .
صعدت "مريم" الى غرفة "مراد" وجلست على الأريكة وهى غارقة فى التفكير هى الأخرى .. تُرى لماذا حدث الطلاق بينه وبين زوجته ؟ .. تُرى كيف كان شكلها ؟ .. أأحبها ؟ .. لماذا اذن انفصلا ؟ .. هل مازال يتذكرها ؟ .. أيتمنى العودة اليها ؟ .. كم دام زواجهما ؟ .. ومنذ متى انفصلا ؟ .. ظلت الأسئلة تتقافز على عقلها الى أن أرغمت عقلها عن الإنشغال بعملها الذى بين يديها.
عاد الجميع الى البيت والتفوا حول طاولة الطعام .. قالت "نرمين" بمرح :
- كانت أعدة حلوة أوى يا ريتك كنتى جيتي معانا يا "مريم"
قالت "مريم" مبتسمه :
- معلش كان عندى شغل
قالت "سارة" لـ "مراد" :
- خالتو عزمتنا كلنا يا أبيه آخر الاسبوع .. حاول تفضى نفسك
قالت "سارة" بحماس :
- وأنا يا أبيه حاول تفضيلي نفسك عايزه أشترى لبس جديد وشوية حاجات كدة عشان الكلية
قال "مراد" :
- خلاص نخرج بكرة ان شاء الله تشترى انتى حاجتك وكمان "سارة" و "مريم" يخرجوا ويغيروا جو
قالت "سارة" بحماس :
- تمام أوى .. بس خلى بالك يا أبيه أنا ليا زى ما "نرمين" هتشترى بالظبط .. مش معنى انى خلصت كلية انى مش هشترى لبس جديد
ابتسم "مراد" قائلاً :
- ماشى يا "سارة" عنيا ليكي
ابتسمت "مريم" وهى تراقبهم .. سعدت كثيراً للعلاقة الودودة بينهم .. قالت "ناهد" مبتسمة :
- أنا بأه بتخنق من اللف كتير سيبونى بأه أنعم بيوم من الراحة والإستجمام
قالت "نرمين" ضاحكة :
- تقصدى يا ماما ان احنا عملينلك ازعاج يعني .. ده احنا التلاته قطط صغننه
ضحكت "ناهد" قائله :
- "مريم" آه قطة .. أما انتى و "سارة" لما بتتجمعوا مع بعض بتقلبوا بغبغانات وبتصدعولى دماغى
قال "مراد" لأمه :
- متيجي معانا يا ماما
قالت "ناهد" :
- لا يا حبيبى اخرجوا انتوا واتبسطوا
*************************************
دخلت "صباح" غرفة النوم وجلست بجوار "جمال" الذى بدا مندمجاً فى مشاهدة أحد الأفلام .. اقتربت منه وقد تزينت وتعطرت .. قالت له :
- متجفل البتاع ده يا "جمال" وتيجى نجعد نتكلم شويه
قال "جمال" وهى ينظر اليا شذراً :
- هتكلم في اييه يعني .. خلينى مع الفيلم أحسن
قالت "صباح" بحنق :
- يجطع الفيلم على بيتفرجوا عليه .. آنى عروسة يا "جمال" المفروض تهتم بيا أكتر من اكده
صاح "جمال" :
- يجطع الجواز على البيتجوزوا .. آنى دماغى مش فيا يا "صباح" روحى شوفيلك حاجة تشغلك بعيد عنى أحسن العفاريت بتتنطط أدام عيني السعادى
قالت "صباح" بغضب :
- ماشى يا "جمال" بكرة تندم وتجول آنى معرفتش أجدر جيمتها
قام "جمال" من مكانه ووقف بجوار الفراش قائلاً بتهكم :
- حوش حوش .. ليه ان شاء الله فاكره نفسك مين يا "صباح" السفيرة عزيزة .. ده لولا انى اتنازلت عن المحضر وجفلنا على الجضية كان زمانك دلوجيت نايمة فى البورش يا "صباح" والبراغيت بتشغى فى جتتك
وقفت "صباح" بمواجهته قائله بغضب :
- ماهو لو مكنتش انت ناجص وجليل الأصل مكنش ده كله حوصل .. جولتلك يا "جمال" مش "صباح" اللى يدحك عليها .. ده آنى ألففك البحر كعب داير وأرجعك عطشان
دفعها بيدها الى الفراش قائلاً :
- طيب اكتمى .. اكتمى أحسن أديكى كف يكتمك للأبد يا "صباح"
*********************************
فى اليوم التالى خرج "مراد" مع الفتيات الى أحد المولات التجارية .. تقدمت الفتاتان فالتفتت "مريم" قائله لـ "مراد" بحرج :
- آسفه انك اضطريت تاخدنى معاك
قال "مراد" وهو ينظر اليها :
- مين قالك انى واخدك معايا غصب عنى
قالت بإرتباك :
- يعني .. المفروض كنت تخرج مع اخواتك بس .. لولا انهم الصبح أصروا انى أخرج معاهم
قال "مراد" ببرود :
- أظن انا من بالليل وأنا قايل انك هتخرجى معانا
أشار بيده قائلاً :
- اتفضلى
أخذت الفتاتان وقتاً طويلاً فى المشاهدة والشراء توجه "مراد" الى الملابس المعروضة وانتقى بعضها وحملها بيده ثم توجه الى "مريم" قائلاً :
- ادخلى قيسيهم
نظرت "مريم" اليه بدهشة وحرج قائله :
- لا شكراً أنا مش عايزة أشترى حاجه
قال "مراد" بحزم :
- مبحبش أكرر كلامى مرتين
قالت "مريم" بحنق :
- و أنا مش عايزة أقيسهم
قال بعند :
- هتقيسيهم
زفرت بضيق .. لاحظت أن البائعة تقف بجوار "مراد" فلم ترد التمادى أكثر فى هذا النقاش فأخذتهم من يده وتوجهت الى أحد الكبائن المخصصه للبروفة وبمجرد أن أغلقت الستارة فتحها "مراد" فنظرت اليه بدهشة .. فقال بحزم :
- قيسيهم فوق هدومك.. متقلعيش هدومك لأن فى ناس معندهاش ضمير بتحط فى البروفة كاميرات مراقبة
أومأت برأسها وهى تشعر بشعور غريب يسيطر عليا وهى ترى هذا الحرص والإهتمام منه .. أغلقت الستارة مرة أخرى ونفذت ما قال .. خرجت بعد عدة دقائق قائله :
- أيوة مظبوطين .. بس لو سمحت أنا اللى هدفع تمنهم
نظر اليها بحده وأخذهم منها وأعطاهم للبائعة قائلاً :
- هناخد دول كمان
شعرت "مريم" بالضيق فلا ينقصها الا أن يدفع ثمن ملابسها أيضاً .. وقف الجميع فى الخارج يتفقون على المكان التالى الذى سيذهبون اليه .. كانت "مريم" شارده فلم تتابع حديثهم .. مر من خلف "مريم" بعض الشباب الذين كانوا يتحدثون ويمزحون معاً .. فرجع أحد الشباب الى الخلف وهو يضحك مع أصدقائه ولم ينتبه الى أنه سيصطدم بـ "مريم" التى توليه ظهرها .. فجأة وجدت "مريم" "مراد" يحيطها بأحد ذراعيه ويجذبها اليه بقوة فإرتطمت بصدره وهى تشعر بالدهشة مما فعل .. وبيده الأخرى دفع الشاب الذى كان مازال يرجع للخلف دون أن ينتبه .. التفت الشاب بعدما ارتطم بيد "مراد" ونظر اليهما قائلاً :
- أنا آسف والله مخدتش بالى .. معلش أنا آسف
قال "مراد" بجديه :
- خلى بالك وانت ماشى
تمتم الشاب مرة أخرى :
- أنا آسف معلش
شعرت "مريم" بالحرج من وجودها فى أحضان "مراد" بهذا الشكل فإبتعدت عنه ودفعته عنها بشكل أثار انتباه "سارة" و "نرمين" .. كانت تشعر بإرتباك شديد .. فقال "مراد" :
- يلا تعالوا على العربية وبعدين نبقى نشوف هنروح فين تانى
صعدت "مريم" بجوار "مراد" فى السيارة وهى تتحاشى النظر اليه ..
*******************************************
قال "حامد" للظابط الذى يحقق معه فى البلاغ الذى قدمه "مراد" ضده :
- "نرمين" هى اللى ركبت معايا بمزاجها يا حضرة الظابط
قال الظابط :
- بس يا "حامد" بيه فى شاهد شافك وانت بتخدرها فى العربية
قال "حامد" :
- شاهد مين ؟
قال الظابط :
- زوجة "مراد" بيه .. هى اللى شافتك وانت بتخدر الآنسه "نرمين" وبتفقدها الوعى
قال "حامد" ببرود :
- كدابه .. وبتحاول تدارى على أخت جوزها .. "نرمين" أغمى عليها فى العربية وكانت راكبة معايا بمزاجها
قال الظابط :
- طيب ليه زقتها ووقعتها من العربية ومشيت
قال محامى "حامد" :
- محصلش .. كل الحكاية ان مراة أخوها لما شافتها أغمى عليها فى العربية و "حامد" بيه بيحاول يفوقها أصرت انه ينزلها وفعلا نزلها من العربية وشالها لحد ما دخلها الفيلا وبعدين مشى
قال الظابط بشك :
- أمال ليه "مراد" بيه قدم البلاغ ده
قال المحامى :
- غيرة ومنافسة غير شريفه .. لأن "حامد" بيه خرج من الشراكة معاه وشارك رجال أعمال تانيين .. فحب "مراد" بيه يردهاله بسبب الخسارة اللى خسرها من انسحاب "حامد" بيه
***************************************
جلست "مريم" فى المساء مع "ناهد" فى حجرة المعيشة يلعبان الشطرنج .. صاحت "مريم" مبتسمه :
- كش ملك
قالت "ناهد" :
- ياربي .. مفييش ولا مرة أكسبك فيها
ضحكت "مريم" قائله :
- قولت لحضرتك انى بعرف ألعبها كويس
قالت "ناهد" ضاحكة :
- مش محتاجة تقوليلى أديني شوفت بنفسي
ثم قامت قائله :
- ظبطيهم تانى مكانهم على ما أروح أعمل فنجان قهوة
نهضت "مريم" قائله :
- خليكي يا طنط وأنا هروح اعملها لحضرتك
قالت "ناهد" مبتسمه :
- لا دى قهوة عربي مش هتعرفى تعمليها .. يلا رتبي اللعبة على ما أرجعلك
جلست "مريم" تعيد القطع الى مكانها على لوح الشنطرنج .. دخل "مراد" الغرفة ونظر اليها والى ما تفعله .. ثم قال :
- بيقولوا بتعرفى تلعبي كويس
ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت :
- يعني .. بيقولوا
فوجئت به يجلس قبالتها على الأريكة قائلاً بتحدى :
- طيب وريني شطارتك
تلاقت نظراتهما للحظات قبل أن تخفض "مريم" بصرها وتبدأ اللعب .. عادت "ناهد" لتجد "مراد" جالساً قبالة "مريم" يلعب معها فابتسمت وانسحبت الى غرفتها بهدوء .. بعد فترة من اللعب كانا كلاهما ينظر الى لوح الشنطرنج ويركز تركيزاً شديداً .. قال "مراد" دون أن يرفع رأسه :
- انتى ملكيش صحاب ؟
اندهشت "مريم" لسؤاله ونظرت اليه قائله :
- أيوة ليا
قال "مراد" وهو ينظر الى القطع المرصوصة أمامه بتركيز :
- أصلك لا طلبتى تزوريهم ولا طلبتى يزوروكى
قالت "مريم" بحرج وهى تنظر اليه :
- اتكسف اطلب انهم يجولى هنا .. وبعدين هى واحدة بس هى اللى قريبة منى وصحاب من زمان
قال "مراد" :
- "سهى" ولا "مى" ؟
اندهشت "مريم" لتذكره أسم الفتاتين فقالت بهدوء :
- "مى"
رفع "مراد" رأسه ونظر اليها قائلاً :
- و "سهى" ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- زميلتى فى الشركة ومع بعض فى نفس المكتب بس مش صحاب أوى
أومأ برأسه وأعاد النظر الى اللعبة .. قال "مراد" بهدوء :
- تحبي تزوريها ؟
ابتسمت "مريم" قائله :
- أكيد .. دى "مى" وحشتنى أوى بجد
نظر اليها "مراد" مراقباً ابتسامتها وهو يقول :
- عندها اخوات شباب ؟
قالت "مريم" :
- لا هى بنت وحيدة
قال "مراد" :
- طيب ممكن أخدك ليها بعد بكرة لو تحبي
قالت بسعادة :
- خلاص تمام وأنا هتفق معاها على كدة
صمت "مراد" قليلاً ثم قال :
- مع انى شايف ان الأحسن هى تجيلك وممكن أبعتلها العربية بالسواق يجيبها لحد هنا ويوصلها تانى .. أقصد عشان تكونى أعدة براحتك معاها .. وأساسا أنا طول اليوم مش موجود يعني محدش فى البيت الا ماما والبنات
ثم قال وهو ينظر اليها بحنان :
- عشان أكون مطمن عليكي
شعرت "مريم" بخفقات قلبها تتسارع وهى تتطلع الى تلك النظرة الحانية فى عينيه .. وجدت الخوف يتسلل الى قلبها .. نهضت مسرعة وقالت :
- أنا تعبت وعايزة أنام تصبح على خير
غادرت الغرفة ونظرات "مراد" تتابعها .. لم تشعر برغبة فى النوم .. فوقفت فى الشرفة شاردة وهى تشعر بالضيق من نفسها ومن تلك المشاعر التى تعتريها بين الحين والآخر .. توجه "مراد" الى مكتبه وهو يفكر فى "مريم" وفى ردود أفعالها تجاهه .. حانت منه التفاته الى الدرج الذى يحوى قسيمة الزواج .. فتحه وأخرج القسيمة وفتحها وهو شادراً وأخذ يتطلع اليها لأول مرة منذ أن استلمها من المأذون .. كانت عيناه تمر على الكلمات فى تكاسل .. وفجأة اتسعت عيناه وتجمدت ملامحه وأخت دقات قلبه تتعالى بسرعة .. مرر عينيه على أحد السطور مرات ومرات الى أن تأكد بأن تلك الكلمات مكتوبة بالفعل وليس محض تهيآت .. هب من مقعده فجأة توجه الى غرفته وأغلق الباب خلفه بعنف .. كانت "مريم" لا تزال فى الشرفة دخلت فزعة من صوت الباب الذى انغلق بقوة .. نظرت الى "مراد" قائله :
- فى ايه ؟
نظر اليها "مراد" بحدة شديدة ورفع الورقه أمام عينيها دون أن يتفوه بكلمه .. قالت "مريم" بدهشة :
- ايه ده ؟
قال "مراد" بصوت يشوبه الغضب :
- قسيمة جوازنا
شعرت "مريم" بالخوف الشديد .. أيقنت بأنه اكتشف حقيقة كونها كانت زوجة لأخيه .. اقترب منها وعيناه تلمع غضباَ .. رجعت للخلف فى خوف فقال بصوت هادر :
- "ماجد خيري الهواري" .. انتى كنتى مراة أخويا ؟ .. مراة "ماجد" أخويا ؟
صمتت وهى لا تدرى ما تقول فصاح بغضب :
- انطقى .. انتى كنتى عارفة ان "ماجد" أخويا ؟
أومأت برأسها ايجاباً فازداد اشتعال النار فى عينيه وصرخ قائلاً :
- وليه ما قولتليش من الأول انك كنتى مراته
قالت "مريم" بإضطراب شديد وهى على وشك البكاء من شدة الخوف :
- عمتو .. عمتو "بهيرة" قالتلى متكلمش الا لما هى ترجع من السفر .. قالتلى مجبلكش سيرة أبداً عن الموضوع ده وهى هتقولك بنفسها
أخذ "مراد" يتطلع الى القسيمة مرة أخرى .. وكأنه لا يصدق ما يرى .. ولا يصدق ما يسمع .. قالت "مريم" بصوت خافت :
- أنا مش فاهمة هى ليه قالتلى مجبلكش سيرة .. بس حسيت ان فى حاجه خطيرة فى الموضوع وعشان كدة متكلمتش
ثم أكملت :
- انت كنت تعرف ان عندك أخ ؟
نظر اليها "مراد" بحده وقال بعنف :
- أيوة كنت عارف ان عندى أخ
صمت قليلاً ثم قال بجمود :
- بس اللى أعرفه انه مات من زمان .. من واحنا صغيرين
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت :
- مين قالك كده .. مين قالك انه مات وهو صغير
قال "مراد" بحيرة مشوبة بالحدة :
- بابا اللى قالى كده .. وعمتى كمان قالتلى كده .. اللى أعرفه ان عندى أخ ومات واحنا صغيرين
شعرت "مريم" بالدهشة .. نظر اليها "مراد" قائلاً :
- كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟
شعرت "مريم" بالتوتر .. تُرى أتخبره الحقيقة أم لا ؟ .. أتخبره بأمر أم "ماجد" الموجودة حاليا فى دار المسنين ؟ أم تخبره بالسر الأكبر والذى لم تطلع عليه أحد حتى الآن ؟ .. تًرى لماذا أخفوا عليه أمر أخوه ؟ .. لماذا أخبروه بأنه مات وهو صغير ؟ .. لماذا تجاهلوا وجوده وكأنه لم يولد أصلاً؟ .. ألهذا الأمر علاقة بوالدها ؟ .. قالت فى نفسها لا لن أخبره بأننى أعرف مكان أم "ماجد" ولن أخبره عن سرى الذى أحتفظ به لنفسى الى أن أفهم جيداً ما يدور حولى .. أخشى أن أخبره بكل ما أعرف فتنقلب الطاولة ضدى وأنا لا أفهم شيئاً مما يحدث .. لماذا كل هذه الأسرار؟ .. لابد من وجود سبب .. سبب جعل عمته تشدد عليها ألا تخبر "مراد" بنفسها عن أمر أخيه .. يجب أن أسبر أغوار الحقيقة وأصل اليها .. يجب أن أكشف كل تلك الأسرار التى تحيط بـ "مراد" و عائلته .. قالت بتوتر وهى تتحاشى النظر الى عينيه :
- معرفش كان عايش مع مين وهو صغير .. بس لما عرفته كان عايش لوحده
أومأ "مراد" برأسه وأشاح بوجهه عنها .. بدا وكأنه لا يستطيع النظر اليها .. غادر الغرفة .. وغادر المنزل كله .. ركب سيارته وهو يشعر بالإختناق .. يشعر بشئ ثقيل يجثم على صدره .. الفتاة التى تزوجها هى زوجة أخيه الراحل .. أخيه الذى ظن أنه مات وهو صغير .. لماذا أخفوا عنه أنه مازال على قيد الحياة .. لماذا يشعر بأن "مريم" مازالت تخفى عنه الكثير .. لماذا شعر وهو ينظر فى عينيها بأن هناك سر خطير تخفيه .. سر أكبر من أمر أخوه الذى لم يعلم عنه شيئاً طول تلك السنوات التى ظن فيها أنه ميت .. يجب أن يكتشف الحقيقة .. يجب أن يرغم "مريم" على اخباره بكل ما تعرفه .
*********************************************
أوقف "مراد" سيارته أمام النيل ولم يشعر بنفسه الا وآذان الفجر يصل الى مسامعه .. صلى الفجر وتوجه الى البيت .. كان الجميع نيام .. هم بالصعود الى غرفته لكنه أحجم عن ذلك توجه الى غرفة المكتب وافترش الأريكة ونام فوقها .. فى الصباح التف الجميع حول طاولة الطعام .. كان "مراد" يتحاشى النظر الى "مريم" الجالسه بجواره ويبدو على وجهه علامات الضيق .. أخذت "مريم" تختلس النظر اليه الى أن قام فجأة وقال :
- أنا ماشى
فى المكتب شعر الجميع بتوتر "مراد" وعصبيته فى القاء الأوامر على الموظفين .. حتى "طارق" لم يسلم من تلك العصبية .. صاح "مراد" :
- يعي ايه الشحنة تتأخر فى الجمارك .. أمال بس فالح سافر يا "مراد" وأنا فى الشركة بدايلك يا "مراد"
قال "طارق" بهدوء :
- انا مليش ذنب يا "مراد" وبعدين راجلنا اللى فى الجمارك بيقول ان التأخير على الكل
صاح "مراد" بغضب وهو يلقى بأحد الملفات على المكتب بعصبيه :
- وراجلنا ده مش قادر يتصرف .. وهى دى أول مرة نشحن فيها .. عمرنا ما اتأخرنا كده .. هو لو مش عارف يعمل شغله يقول واحنا نشوف حد غيره يعرف يمشى الشغل
نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مراد" انت مالك فى ايه بتشاكل دبان وشك ليه .. الراجل مغلطش وقولتلك التأخير على الكل
صمت "مراد" قليلاً ثم أخذ مفاتيحه وهاتفه وغادر المكتب فى عصبيه .. توجه الى سيارته ومشى بها على غير هدى .. كان يسير بسرعة عالية وهو يشق طريقه بين السيارات .. كان يشعر بغضب وضيق كبير بداخله .. شعر بأنه ناقم على "مريم" بشدة .. لأنها لم تخبره بأمر زواجها من أخيه .. وتركته يــ .....! حرك رأسه لينفض تلك الأفكار منه .. ظل يردد لنفسه .. هى كغيرها لا تساوى عندى شيئاً .. لا فرق عندى بينها وبين أى فتاة أخرى .. لم ولن اشعر باى شئ تجاهها .. قلبي كما هو لم يمسسه أحد .. ولن يستطيع أحد اقتحام أسواره
مرت عدة أيام كان يتحاشى فيها "مراد" ملاقاة "مريم" أو الحديث معها أو حتى النظر اليها .. وذات مساء عاد "مراد" الى البيت ودخل غرفة المكتب وأغلق الباب خلفه .. قالت "ناهد" بدهشة :
- مش عارفه ماله بقاله كام يوم عصبي جداً ومش طايق حد
قالت "نرمين" :
- أنا كمان لاحظت كده
قالت "سارة" :
- أكيد مشاكل فى الشغل .. انتوا عارفين "مراد" أى حاجه تهمه بياخدها على أعصابه
شردت "مريم" وهى تشعر بالضيق .. تًرى لماذا هو غاضب .. أغاضب لأنه لم يكن يعلم بأمر أخيه وبأنه مازال على قيد الحياة ؟ .. أم غاضب لأن "مريم" كانت زوجة أخيه الراحل ؟ .. ثم ما شأنه ان كانت زوجة أخيه أم لا .. فزواجها بـ "مراد" مؤقت وليس زواجاً حقيقياً .. نهضت "مريم" وأحضرت حاسوبها كانت تؤجل تلك المحادثة لكن الوقت قد حان ويجب أن تنهى عملها الذى طلبه منها .. طرقت باب غرفة المكتب فظنها والدته فقال :
- اتفضلى يا ماما
ظهرت الحدة فى نظراته عندما رفع رأسه ليجد "مريم" واقفه أمامه .. قالت "مريم" بصوت حاولت أن يبدو ثابتاً :
- انا خلصت الشغل ياريت حضرتك تشوفه قبل ما نوديه المطبعه
مد يده فأعطته الحاسوب وضعه على المكتب أمامه وظل ينظر اليه بعينان بدتا وكأنهما لا تريان ما أمامها ثم قال بقسوة :
- زى الزفت
شعرت "مريم" بالضيق من تعليقه الخالى من الذوق وقالت وهى تحاول التحكم فى أعصابها :
- ايه بالظبط اللى مش عاجبك فيه
قال "مراد" بعنف وهو ينظر اليها :
- كله .. كله مش عاجبنى
تنهدت "مريم" وحاولت كظم غيظها وقالت :
- يعني تحب أغير التصميم كله من أوله لآخره ؟
قال ببرود :
- أيوة .. واللوجو كمان
نظرت اليه "مريم" بحده وهى تقول :
- بس حضرتك قولتلى من كام يوم ان اللوجو ممتاز
قال "مريد" بعناد :
- غيرت رأيي .. عيدي كل حاجة تانى
صاحت "مريم" بحنق :
- وطالما مكنش عاجبك قولتلى ممتاز ليه كنت قولى انه وحش
قال "مراد" بحده :
- انتى مش هتعمليني أقول ايه وما أقولش ايه
قالت "مريم" بعصبيه وهى تحمل حاسوبها من أمامه :
- شوفلك ديزاينر غيري
نهض "مراد" من مكانه وأمسكها من ذراعها بعنف وصاح بغضب :
- يعني ايه أشوف ديزاينر غيرك وهو لعب عيال
قالت "مريم" بغضب مماثل وهى تتطلع الى عينيه :
- انتى ليه بتتعامل معايا كده .. مش ذنبي انى كنت مراة أخوك
ازدادت قوة قبضته على ذراعها الى أن ظهر الألم على ملامحها .. لحظات وخفف من قبضته ثم أزاحها تمام وتوجه الى مكتبه وجلس عليه وهو يسند رأسه الى قبضتى يده .. قال بحزم :
- اخرجى لو سمحتى
غادرت "مريم" المكتب وهى تشعر بالأسى صعدت الى غرفته فما كادت تفتح الشرفة لتقف فيها الا ووجدت "سهى" تتصل بها وتهتف وهى تبكى بحرقة :
- أنا ضعت يا "مريم"
هتفت "مريم" بدهشة :
- "سهى" بتقولى ايه
قالت "سهى" وشهقات بكائها تتعالى :
- أنا اتجوزت "سامر" عرفى
صاحت "مريم" :
- يا مصيبتى .. بتقولى ايه .. عرفى يا "سهى"
قالت "سهى" :
- المصيبة انه منفضلى خالص وبيخلى السكرتيرة تقولى انه مش فى المكتب ومسافر مع انى استنيته تحت الشركة وشوفته وهو بيركب العربية
ثم أخذت تصرخ وتصيح وقد بدا أن أعصابها قد انهارت تماماً :
- أنا ضعت يا "مريم" ضعت خلاص .. مش هيرضى يتجوزنى
كانت "مريم" تشعر بالألم وهى تستمع الى صرخات "سهى" وبكائها فأخذت العبرات تسقط على وجنتيها وهى تقول :
- حبيبتى اهدى هيحصلك حاجه
صاحت "سهى" وهى تصرخ :
- أنا مش عارفه أعمل ايه .. اعمل ايه دلوقتى .. لو أهلى عرفوا هيموتونى
قالت "مريم" بأسى :
- طيب انتى فين وأنا أجيلك
قالت "سهى" بصوت منهار :
- أنا خلاص قررت أموت نفسي فى المكان اللى ضيعنى فيه "سامر" ..هحرق اللانش اللى حياتى اتدمرت عليه .. اللانش اللى قالى انه أول مكان يشهد حبنا .. ده مكنش حب يا "سامر" ضحكت عليا يا "سامر"
ثم قالت بصوت باكى :
- ياريتنى كنت سمعت كلامك من زمان مكنش ده كله حصل .. ادعيلى يا "مريم" ان ربنا يرحمنى ويغفرلى .. بالله عليكي ادعيلى
أنهت "سهى" المكالمة فشعرت "مريم" بالفزع وأخذت تردد :
- "سهى"
عاودت "مريم" الإتصال بها بأصابع مرتجفة لكنها على ما يبدو أغلقت هاتفها .. نزلت "مريم" ببسرعة واقتحمت مكتب "مراد" وهتفت وهى تبكى :
- "مراد" الحقنى
هب "مراد" وقفاً والتف حول المكتب ووقف أمامها قائلاً :
- مالك يا "مريم" فى ايه ؟
قالت وهى تبكى :
- "سهى" زميلتى فى المكتب كلمتنى وقالتلى انها هتموت نفسها .. أنا خايفة أوى
قال "مراد" وهو يحاول استيعاب ما قالت :
- تموت نفسها .. ازاى يعني
قالت "مريم" بأسى :
- "سامر" صحبك اتجوزها عرفى
شعر"مراد" بالصدمة مما سمع فأخذت "مريم" تقول :
- قالتلى ان عنده لانش أخدها عليه وهى هتروح هناك دلوقتى وتولع فيه وفى نفسها
ثم قالت باكيه :
- أرجوك يا "مراد" ساعدنى
جذبها "مراد" من ذراعها وأمرها قائلاً :
- طيب اطلعى بسرعة غيري هدومك على ما أتصل بـ "سامر"
حاول "مراد" الاتصال بـ "سامر" مرات عديدة دون جدوى .. نزلت "مريم" مسرعة فقالت بلهفه :
- رد عليك
قال "مراد" :
- لا .. بس أنا عارف مكان اللانش بتاعه خدنا هناك قبل كده
انطلق "مراد" بسيارته وبصحبته "مريم" التى أخذت تستغفر ربها وتدعوه أن يحفظ "سهى" وينجيها .. كانت مضطربة للغاية وترتجف من شدة الخوف والفزع .. التفت اليها "مراد" يتطلع اليها .. أمسك كتفها بيده قائلاً :
- متخافيش هنلحقها ان شاء الله
أومأت برأسها وهى مازالت تدعو الله عز وجل .. سار "مراد" بأقصى سرعة الى أن وصل الى المرفأ .. أوقف سيارته فى الخارج ومن حسن حظهما أن "مراد" كان يمتلك زورقاٌ فى هذا المرفأ فأظهر التصريح للمسؤل ودخل الإثنان وهما يسرعان الخطى نظر "مراد" يميناً ويساراً ثم قال :
- مش فاكر هو يمين ولا شمال
قالت "مريم" بسرعة :
- كل واحد فينا يروح من طريق
نظر "مراد" الى "مريم" التى تبتعد وهو يشعر بالضيق لإضطراره تركها بمفردها .. ولكن حياة انسانه فى خطر ويجب انقاذها قبل فوات الأوان .. أخذت "مريم" تتطلع الى الزوارق واللانشات على جانبيها وهى تبحث بعينيها عن "سهى" .. الى أن توقفت فجأة .. كانت "سهى" واقفة على ظهر اللانش وتنظر الى البحر وتوليها ظهرها ..تمتمت "مريم" :
- الحمد لله .. الحمد لله
نادتها "مريم" :
- "سهى" .. "سهى"
لم تلتفت اليها "سهى" بل بدت وكأنها لا تسمعها
قفزت "مريم" بحذر الى ظهر اللانش وهى تشم رائحة نفاذه تنبعث من اللانش .. اقتربت من "سهى" قائله :
- "سهى"
لكن كل شئ حدث فى لحظه .. فى لحظة تركت "سهى" عود الثقاب المشتعل الذى تحمله لتحيط النيران باللانش من جميع الجهات وتتوسطه "سهى" و "مريم" التى أخذت تنظر الى النيران المشتعلة على حواف اللانش والتى تمنعها من المغادرة .. توجهت "مريم" مسرعة الى "سهى" وصاحت :
- ايه اللى عملتيه ده يا "سهى"
جذبتها "مريم" من ذراعها وصعدت لها الى سطح اللانش العلوى .. أمسكتها "مريم" من ذراعيها وصرخت فيها قائله :
- هو ده الحل فى نظرك .. انك تموتى بالشكل ده .. بدل ما تحاولى تستغفرى ربنا وتكفرى عن ذنبك .. عايزة تنتحرى يا "سهى"
بدت "سهى" وكأن قواها قد خارت من شدة البكاء فصاحت بها "مريم" وهى تقربها من الحافة :
- يلا نطى .. نطى بسرعة اللانش بيولع
فى تلك اللحظة اقترب "مراد" من اللانش ليرى "مريم" و "سهى" واقفتان على ظهر اللانش الذى تشتعل النيران به من جميع الجهات .. قفز قلبه من مكانه وشعر بالهلع وهو يرى "مريم" وسط النيران .. جرى فى اتجاه اللانش وهو يصيح :
- "مريم" .. "مريم"
صاحت "مريم" فى "سهى" :
- نطى يا "سهى"
نظرت اليها "سهى" بأسى ثم نظرت الى المياة وقفزت فيها ثم سبحت الا أن استطاعت الخروج من الماء
وقف "مراد" أمام اللانش الذى يحترق وهو يصيح بـ "مريم" الواقفة بالأعلى :
- نطى فى البحر يا "مريم"
نظرت اليه "مريم" ثم الى البحر تحتها .. شعرت بالخوف الشديد .. فهى لا تعرف السباحه .. وتخشى الماء .. ظلت متجمدة مكانها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. النيران تحيط باللانش وتمنعها من الخروج .. وان لم تقفز فستطال النيران الدور العلوى الذى تقف فيه .. صاح "مراد" فيها :
- "مريم" .. نطى بسرعة
نظرت "مريم" مرة أخرى الى البحر المظلم تحتها وهى تبكى بصمت وتمتم :
- يارب ساعدنى
تقدمت خطوة لكنها خافت ورجعت الى الخلف وهى تمسك فى أحد الأعمدة وتبكى .. نظر "مراد" حوله فلم يجد أحداً يستنجد به .. ثم نظر الى "مريم" التى تقف تستند الى العمود باكيه .. ثم نظر الى النيران المشتعلة والتى كان أهون عليه من فقدانها
يتبع