رواية يناديها عائش الفصل السابع عشر 17 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الحلقة السابع عشر﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾.………. .. …………ولجت عائشه لغرفة والدها وهي مطأطأه الرأس بخجل، ثم رفعت رأسها لتجده قد استقر على الكرسي ورأسه كأنه نائمًا ومازال المصحف يحمله في يده، تأملته للحظات فشعرت بأن شيء ما ليس على مايرام.تقدمت نحوه بضع خطوات بدت ثقيله، ثم وقفت أمامه ونادت بهمس وبداخلها يكبر الخوف شيئًا فشيئًا–بـ… بابا!… بابا !لم تتلقى إجابه فظنت أنه نام مكانه، اقتربت لتأخذ منه المصحف ثم توقظه لينام بأريحيه على فراشه، ولكن ما إن إقتربت منه وبدأت تأخذ المصحف برّقه دُهشت من قوة يده التي تمسك المصحف كأنه رحمة الله عليه يريد أن يأخذه معه عند لقاء ربه.هزته عائشه برقه وهي تهمس بخوف–باباا.. بابا… بابا قوم نام على السرير !ولكن لا حياة لمن تُنادي.بدأت الدموع تتجمع في عين عائشه مُشكلة سحابة أهله للسقوط في أي لحظه، وبدأت تهزه أكثر من مره وهي تنادي عليه ولكنه لم يجب.
وقعت عائشه مكانها وهي تمسك بيده وتبكي عليها منتحبه بقوه هاتفه–بابا قوم.. قووم عشان خاطري.. بابا.. أنا.. أناا.. أنا أسفه والله.. مش.. مش هزعلك تاني.. بابا قوم واوعدك هسمع الكلاام وهصلي وهلبس كويس والله هعمل كل اللي إنت عاوزه بس قووم.. بابا عشان خااطري.. طيب.. طيب لو إنت زعلان مني قول.. قول والله وأنا مش هزعلك تااني.. بابااا
لم يصل لذهن عائشه بعد أن والدها توفاه الله، وإنما ظنت أنه في غيبوبه نظرًا لمرضه وفي كل مره تأتيه الغيبوبه، كان بدر هو من يتولى رعايته، أما الآن بدأت تشعر بقيمة والدها وأنها لاشيء بدونه.. ولكن بعد ماذا !قامت عائشه بتعب بدا عليها ثم نظرت له نظره أخيره بشوق وحزن شديد على معاملتها له طيلة السنون الماضيه، لتقترب منه وتُقبل يده وهي مازالت تبكي، ثم قالت بصوت متهدج حزين:–أنا واثقه إنك هتقوم وتبقى كويس يابابا.. وأوعدك هخليك مبسوط مني وهنعيش أنا وإنت كويسين مع بعض، ومش هتجوز وأسيبك.. هفضل جنبك علطول.. والله هفضل جنبك.. بس متسبنيش !
لم تستطيع عائشه التوقف عن البكاء لحظه واحده وركضت لبيت بدر دون أن تستر شعرها، فهي ما زالت بتلك البيچامة الصيفيه الخفيفه ولم تنتبه لذلك بسبب حالة الصدمه التي رجت كيانها.ركضت عائشه لبيت عمها مُحمد وهي تبكي وتنتحب بقوه وقد أصبحت الرؤية منعدمه أمامها بسبب تلك الدموع التي تُمثل الغيث.دفعت عائشه الباب ودخلت تبكي بشده فاانتبه لها الجميع من بينهم بدر الذي وقف منتصبًا من الفزع عليها، ركضت عائشه نحوه وهي مُنهاره تمامًا وعقلها كأنه غاب مع أبيها، ثم ارتمت على صدر بدر تعانقه بقوه وتبكي بصوت رجّ في أذان الجميع مما جعلهم ينظرون لبعضهم البعض بدهشه شديده مصحوبه بالصدمه مما تفعله عائشه.قالت عائشه بصوت متقطع غير مفهوم وهي تبكي–بابا.. بابااا.. مش.. بيرد.. علياا
وقف بدر مكانه لم يقوى على التزحزح خطوة واحدة من صدمة الموقف، تمنى لو أن الأرض تتشقق وتبتلعه أفضل من أن يحدث له هذا أمام عائلته، الله سيغفر أما الناسُ فلا.!أبعدها بدر عنه ليقول بتوتر–عمي محمود حصله حاجه.!
أومأت عائشه وهي تبكي وتشهق بشده–مش.. مش بيرد عليا.. زي.. زي مايكون دخل غيبوبةشهق الجميع وركض بدر لبيت عمه وبداخله يدعو الله ألا يصيبه مكروه، ولحقه زياد خوفًا من أن يكون شاهد عمهم الفديو.بينما عائشه ظلت تبكي وهي تردد–يارب يبقى كويس.. يارب أنا مليش غير باباتساقطت الدموع من عين هاجر بغزارة حين رأت عائشه في أشد حالات ضعفها، فلطالما كانت الفتاتان مثل الأخوه في الصغر، ولكن حينما كبرت كِلتاهما، ابتعدت عائش عن هاجر وسلكت طريق أخر مع أصدقائها الأثرياء، فأحست هاجر أن عائشه تشمئز من كونها تنتمي لعائلة الخياط، لذا ابتعدت الأثنتين عن بعضهما.اقتربت هاجر منها وسترتها، ثم اخذتها في أحضانها، فلم تتردد عائشه لحظه واحده وعانقتها بقوه وهي مازالت تنتحب وتشهق بشِده.
قالت مفيده بحزن على عائشه–خديها ياهاجر وادخلوا الأوضة.. وخليكِ معاها يابنتيأومأت هاجر وهي تحث عائشه على الذهاب معها ولكن نورا استوقفتهم بغيره عمياء عندما أيقنت أن بدر واقع في حُب عائشه لامحاله، بل غريق مُتيم بها.–استني ياهاجر.. هي السنيوره متعرفش إن اللي حصل لأبوها ده بسبب الفديورمقتها هاجر بحِده تعني بنظراتها أن تتوقف عن هذا الهراء، ولكن للحقد الذي يملأ قلب نورا تجاه بدر وعائشه، لم تتوقف بل ذادت الأمور سوءًا، فتابعت كلامها بسخريه
–ماتردي ياست الحسن والجمال، مش ده لقبك برضه في الحاره وسط الناس، اهو جمالك وجسمك اللي إنتِ فرحانه بيه ده، وداكِ ورا الشمس إنت واللي عامل نفسه شيخ!لم تنتبه عائش لكل ماقالته نورا، فهي مازال ذهنها مع والدها خوفـًا عليه، بينما هاجر أصابتها الدهشه مما تهذي بها نورا إبنة عمها، فلأول مره تراها بهذا الحقد والكُره لشقيقها وعائشه .أشارت مفيده لهاجر بأن تدخل الغرفه بصمت، ففعلت هاجر ماطلبته منها والدتها وأخذت عائشه للداخل ثم أغلقت الباب وظلت تربت على ظهرها حتى تهدأ قليلًا.
أما في الخارج نظرت مفيده لنورا نظرات استخفاف قائله وهي توجه الحديث لمصطفى الذي وقف مترددًا خائفًا على أخيه وبنفس الوقت لايريد رؤيته، فهو على خصام معه منذ سنوات.–ياأبو زياد.. مش شايف إن نورا بنتك زودتها!صاحت نور بقلة حياء–لاا يامرات عمي.. اللي زودها المحترم ابنك.. اللي شوه سمعة عيلة الخياط في البلد كلهاصاح بها والدها وهو يرمقها بغضب–عيب يانوراا.. امشي يلا روحيابتسمت مفيده بسخريه لتقول بقلة حيله
–هو ده اللي إنت علمته لبنتك يامصطفى!خلي أنا ابني مش محترم ومحتاج يتربي.. إنت بقا ك عمه دورك فين!.. متنساش إن بدر يتيم يامصطفى.. عيالي أبوهم سابهم وهما لسه مش دارين بالدنيا.. بدر اللي بتكلموا عليه وحش ده ومبقاش عاجبكم.. من غيره كنا زمانا بنمد إيدينا للي يسوى وميسواش، بدر ساب تعليمه عشان يخلي اخواته ميحسوش بنقص، بدر إبني مكنش بيشوف النوم بعنيه لو حد من اخواته تِعب.
صمتت مفيده للحظات لتنزل الدموع من عينيها بكثره متمتمه–الله يرحمك يامحمد..اه يابدر يابني.. عيني عليك ياضناياشعر مصطفى بالأسف الشديد تجاه أولاد أخيه، فقد أوصاه محمد على رعاية أولاده وألا يتركهم يذيقون الشقاء، ولكنه اعتمد على بدر في كل شيء ظنًا بأنه رجُلًا ناضجًا، ولايحتاج لأب أو لرعاية، ولكن من قال أن الرجل يستطيع تولية أموره بعد وفاة والده!تالله لو غطّ الشيب شعره، سيظل مهزوز مكسور الظهر بدون أب، إنما وجود الأب يعني العُكاز ، السند، فمن مات أبوه كان الله عونًا له، وكلنا لله راجعون.قال مصطفى بندم–عندك حق ياأم بدر، أنا قصرت مع ولاد أخوياأجابته مفيده بحزن–وأخوك محمود، مقصرتش معاه؟تنفس مصطفى بعمق ثم زفر الهواء بضيق قائلًا
–محمود بسبب اللي عمله زمان وأنا قطعت كلام معاه–بس محمد أخوك الله يرحمه لو كان عايش كان رفض اللي انت بتعمله، إنت عارف كويس إن محمد كان على علاقة كويسه باأبو عائشه رغم كل اللي حصل، ربك اللي بيحاسب مش إحنا ياأبو زيادقالت مفيده ذلك ثم جلست على الأريكة تبكي في صمت على كل مايحدث لهم وتدعو الله أن تمُرّ محنتهم تلك بسلام.أرادت نورا إشعال الحرب على بدر مجددًا، حين شعرت بأن والدها قد مال له.فصاحت قائله–إنتِ نسيتي يامرات عمي إن عمي محمود شوه سمعة العيله كلها بجوازه من الرقاصة اللي جابتلنا الهم والغم، وبعد ده كله عاوزه أبويا يكلمه!!في تلك اللحظه سمعوا جميعهم صوت قرآن عالي خارج من غرفة هاجر، فتبسمت مفيدة في صمت وأدركت أنها أحسنت التربية، فقد فعلت ابنتها ذلك حتى لايصل مايحدث في الخارج لمسامع عائشة وهي في حالة لاتسُر.أما نورا علمت على الفور أن هاجر هي من فعلت ذلك، فظل قلبها يتآكل حقدًا وغِلًا.جذبها مصطفى من ذراعيها هاتفًا بغضب–غوري روحي.. أنا ليا تصرف تاني معاكِقالت نورا بتذمر
–يابابا وأنا عملت إيه يعنينهرتها والدتها وهي تأخذها لتذهب
–عملك إسود يانورا.. إنتِ مالك إنتِ ومال اللي حصل زمان، دي حاجه تخص أبوكِ وعمامه، دخلك إنتِ إيه!ابتسمت مفيدة بسخريه لتقول–ماإنتوا لو علمتوها صح مكنتش قالت كده، حفظتوها قرآن وعلمتوها الصلاة ولبستوها واسع ونسيتوا تعلموها إن اللي بيهتك في أعراض الناس ويجيب سيرتهم ويشتم في ده وده بيضيع كل الصلاة اللي صلاها والقرآن اللي قرأه..ثم نظرت مفيدة لنورا التي ظلت تفرك يديها بإحراج وتوتر، لتقول–بما إنك ياست نورا حافظه الأحاديث كلها، موردش عليكِ حديث كده عن الأخلاق، مسمعتيش قبل كده عن الحديث دهقال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ألا أحدِّثُكُم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مَجلسًا يومَ القيامةِ ؟ ثلاثَ مرَّاتٍ يقولُها قالَ : قلنا : بلى يا رسولَ اللَّهِ فقالَ : أحسنُكُم أخلاقًا.أحست نورا بأنة زوجة عمها تهزأ منها فقالت مدافعة عن نفسها–واللي عمله ابنك من الأخلاق!أجابت مفيدة بثقه
–ربك اللي هيحاسب يانورا، حاسبي نفسك إنتِ الأول، وخليكِ محضر خيرثم تنهدت بحسرة لتقول–إحنا في زمن بقا القريب غريب، والعشرة هانت
اقتربت منها نجلاء والدة نورا وزياد لتجلس بجانبها ثم ربتت على كتفها لتقول بأسف وحزن–حقك عليا يامفيدة، والله بدر زينة الشباب، متزعليش نفسك، كل حاجه هتتحل، قولي حسبي الله ونعم الوكيل في اللي عمل كدهابتلعت نورا ريقها بخوف وتوتر من دعاء الجميع على الفاعل،أي أن كل هذه الدعوات كأنها حجارة صلبة تُرجم بها فوق رأسها، بدا التوتر جليًا عليها، فهمّت بالإنصراف سريعًا مما جعل مفيده تنظر إليها بشك.وجهت مفيدة حديثها لمصطفى قائلة بلوم–روح ياأبو زياد لأخوك، روح لأخوك هو محتاجلك دلوقت، واتكلم معاه، حسسه إنك خايف عليه، إنتوا ملكوش غير بعض ياأبو زياد، وأخوكم الرابع مجاهد من يوم ماسافر لا بيتصل ولابيسأل، ولو اتصل بيكلم الكل إلا محمود، حرام عليكم ياأبو زياد، كله إلا صلة الرحمأومأت نجلاء مؤكدة على كلام مفيده، بينما مصطفى تنهد بحزن ولكن التردد مازال يتملك منه، فقالت زوجته لتحثه على التواجد مع شقيقه–كلام أم بدر صح ياأبو زياد، ده حتى ربك سبحانه وتعالى قال في سورة مُحمدبسم آلَلَهّ الرحمن الرحيم«فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ• أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ»الأية ٢٢/٢٣شعر مصطفى بقشعريرة في جسده، ليذكر الله في قلبه ويرجو منه السماح ثم انطلق ذاهبًا لبيت شقيقه.••••••••••
أما في غرفة هاجرحمدت هاجر ربها أن عائشة لم تسمع شيئًا مما قالته نورا، بينما عائشة لم تكف عن البكاء وظلت تردد–هااجر.. بابا… أنا خايفه عليه.. خايفة يكون ربنا بيعاقبني بيه… أنا خايفة أوي ياهاجرظلت هاجر تطمئنها بالكلام تارة وتشاركها البكاء تارة أخرى متذكره ليلة وفاة والدها، تلك الليلة التي لن يستطيع أحد مسحها من قاموس زكرياتها.قالت هاجر بصوت متهدج حزين وهي تمسح لها دموعها كأنها تجفف دمع طفل.–بطلي عياط ياعائشه.. باباكِ محتاجلك دلوقت، هو هيتعب أكتر لو شافك كدهنظرت لها عائشه بعيون ذابلة من البكاء ثم احتضنتها بشده هامسه–أنا هموت من الرعب ياهاجر.. أنا كل ده كنت في غفلة.. معرفش إني هخاف عليه كده.. أنا كنت بدعي عليه يموت.. خايفه يروح مني ياهاجرعجزت هاجر عن مهدهدتها؛ فظلت تُربت على ظهرها وتمسد على شعرها كما لو أنها والدتها.……. ༺༻…….المشهد الذي أشَحت النظر عنه ، لن يُغادر ذاكرتك أبدًا .••••
دلف بدر لغرفة عمه، فوجده مازال مُستكان على الكرسي ويحتضن المصحف بيد واليد الأخرى حُره.تسارعت ضربات قلبه خوفًا من أن يكون أُصيب بمكروه، وقف زياد بجانبه ليهمس بخوف–بدر.. عمك شكله جراله حاجه
لم يجيب بدر وكأنه في عالم أخر خوفًا من أن يكون هو السبب فيما حدث لعمه.اقترب بدر ببطء شديد وجسده يرتعد كالورقه، ثم لمس يده فوجد كأنها موضوعه بداخل ثلاجه، ابعد بدر يده سريعًا وجفت الأحرف في حلقه وظل يرتجف بخوف وفزع وعينيه متسعه على مصرعيها من الذهول والصدمة.رجع بدر للوراء وهو يحملق به بخوف؛ فااقترب زياد سريعًا من عمه وقد بدا عليه الخوف أيضًا، امتدت يده بتوتر ليأخذ المصحف، فوجده يشدد عليه بقوه، ابتلع زياد ريقه ثم جذب المصحف بصعوبه، لتتحرر يد عمه في الهواء كأنها مسلوبه منه.ارتبك زياد أكثر ثم بدأ يهزه هاتفًا–عمي.. عمي محموود.. عمي محمووود !!–مات.. عمي محمود مات يازيادقالها بدر ثم وقع على ركبتيه يجهش ببكاء قوي متمتمًا–أنا السبب يازياد.. عمك مات بسببي.. ااه.. أنا السبب… يااارب… يااااااربأدمعت عين زياد وتذكر أخر مره حادث فيها عمه عندما أرسله والده ليحدثه بشأن أرض الكباريه، فتحدث معه زياد بجفاء كما يفعل والده، راودت زياد الكثير من الذكريات السوداء مع عمه وعائشه، ووالده مصطفى هو السبب في ذلك، فقد حث أولاده أن يتجنبوه هو وإبنته كي لايلوث سمعتهم، ولم يُدرك أنه شقيقه محمود تاب إلى الله توبة نصوحه، فهداه الله ماتمنى يومًا، وهو أن يموت على حسن خاتمة.
حمله زياد ليضعه على الفراش ثم غطاه وهو يردد ببكاء حقيقي
–سامحني ياعمي.. أنا أسف.. حقك عليا.. سامحني.. أنا مكنتش كويس معاك.. بس والله غصب عني..تفقد زياد نبضه والدموع تغرق وجهه مثل بدر تمامًا، فوجد أن النبض متوقف وأنه بالفعل ذهب للقاء ربه.جلس زياد بجانب عمه ليجهش بالبكاء، بينما بدر وضع يده على رأسه وأخذ يصيح بجنون–أنا السبب.. أنا السبب… اااه… الرحمه ياارب.. ياارب سامحني.. سامحنيفي تلك اللحظه، جاء والد زياد ليدلف للغرفه سريعًا وقد بدأت ضربات قلبه بالتسارع أيضًا، خوفًا على شقيقه عندما سمع الشباب يبكون بشده.صاح مصطفى بوجل–في إييه.. عمكم حصله حااجه.!؟التفت له زياد لينظر له بلوم وندم قائلاً–عمي مات.. عمي اللي إنت وصتني أقاطعه مات يابابا… عمي اللي كنا مستعرين منه مات على حسن خاتمه.. عمي رااح خلاص يابااباا.اندفع مصطفى تجاه أخيه يهزه بعنف هاتفًا–محموود.. قووم ياخوياا.. حقك عليا.. سامحني ياخويااا.. رد على أخوك يامحمودصرخ زياد بوالده وقد خرج عن شعوره–ماات ياباباااا… عمي خلاااص… عمي رااح عند الأحسن مني ومنك… ليييه… لييه يابابا… لييه خلتنا نقاطعه… عمي ماات وهو مش مسامحنا يابابا.. اللي إحنا عملناه معاه ميتغفرشجلس مصطفى بجانب أخيه يبكي هو الأخر هامسًا
–حقك عليا ياخويا.. حقك عليا
ظل ثلاثتهم يبكون ويأنون بجانب المُتوفي، وكُلًا منهم يعتذر عما فعله معه، أخيه يتأسف ويعتذر عن كونه فظًا معه، أما ابنه يتحسر على الإنصات لأبيه في مقاطعة عمه، بينما بدر يظن أن عمه شاهد الفديو ومات بسببه، فأصبح يلوم نفسه حامًلا ذنبًا ليس بيده.اسمع عزيزي القارئ، الإعتذار الحقيقي، لا يُكمن،في كلمة”أنا آسف”، الإعتذار الحقيقي يكمنفي معنى جملة، ”ليتني لم أرتكب هذا الخطأفي حقك من الأساس”- عليك أن تنتبه لأسلوبك، في الاعتذار من الناس، فإنتزاع السهم من الجسد، أوجع من اختراقه.فليتنا نبدع في الاعتذارمثل ما نتفنن في جرح الاخرين.……..
مسح زياد دموعه بصعوبه ليقول بحزن شديد–هنعمل إيه؟
رد والده وهو يبكي–خلاص يابني.. العمل عمل ربنا.. ربنا يسامحنا ويرحمهقام زياد ليجلس قبيل ابن عمه، ثم جذبه ليعانقه قائًلا–هون على قلبك يابدر، ده قدره ونصيبه يابن عمي.. الموت علينا حقأجاب بدر بحسره–لا يازياد.. أنا السبب.. أنا السبب في موت عمك–إيه اللي عرفك إنه شاف الفديو، عائشه نفسها لسه متعرفش حاجه عنه، عمك تعبان من زمان يابدر، الموت رحمه ليه، ميغلاش على اللي خلقه، كلنا هنموت يابدر.. وبعدين عمك مات وهو حاضن المصحف.. عمك مات قدام القِبله.. عمك في الجنه إن شاء اللهأجابه زياد بمواساه..مسح بدر دموعه ليقول بخفوت–عائشه مش لازم تعرف.. عائشه لو عرفت هيجرالها حاجه.. ولو جرالها حاجه هيتكسرلي ضلع يازياد.. كفايا أبوها اللي كان في مقام أبويا الله يرحمه.
قاطعهم مصطفى وهو يمسك ورقه بيده وجدها على الكومود–زياد.. بدر.. عمكم كاتب وصيه!التفت الإثنين له، لينهض زياد ويأخذ منه الورقه ثم بدأ يقرأ وهو يرتجف
“لو كلامي اللي كتبته ده وصلكم، يبقى أنا عند ربنا دلوقت.أنا مش زعلان إني هقابل رب كريم، أنا بس زعلان إني هسيب بنتي يتيمه ملهاش لا أب ولا أم،بدر يابن أخويا.. أنا طول عمري بعتبرك إبني.. وصيتي ليك هي عائشه يابني.. هي طايشه ومش فاهمه حاجه في الدنيا.. بس والله طيبه وبتيجي بالمحايله.. معلش يابني استحملها عشان خاطري.. أنا عارف إني خاطري غالي عليك يابدروصيتي التانيه ليك إنك تغسلني.” مصطفى”.. عايز تسامحني ياخويا.. أنا عارف إني سببتلكم مشاكل كتير في صغري وحقكم تستعروا مني وحقك تمنع عيالك يكلموني، بس والله ياخويا أنا تُبت من قلبي لربنا، أنا عاذرك ياخويا ومسامحك ياريت إنت كمان تسامحني، ووصيتي ليك تتبرع بأرض الكباريه لمسجد أو أي حاجه في الخير ووصل سلامي لمجاهد أخوك وقوله مايزعلش مني.وإنت يازياد إنت وسيف أنا عارف إنكم مكنتوش بتحبوني.. “هُنا اذداد بكاء زياد ليتابع”بس أنا كان نفسي تزوروني، فاكرين لما كنت أخدكم في العيد وانتوا صغيرين أوديكم المراجيح، أنا طول عمري بحبكم، متزعلوش مني ياولاد.
هاجر ياأميره.. أنا متأكد إنك بتحبي عائشه وبتعتبريها أختك، خلي بالك منها يابنتي، وإنتِ يانورا متنسيش تدعيلي في صلاتك، أنا عارف إنك مواظبه على الصلاة ربنا يثبتك يابنتي.أم هاجر وأم نورا، عائشه أمانه معاكم، عائشة بقت يتيمة الأب والأم، اعتبروها بنتكم وعلموها الصح من الغلط.صمت زياد للحظات يمسح دموعه، بينما والده وبدر ينتحبون ببكاء قوي.
أكمل زياد بصوت متهدج“عائشه.. إنتِ النور اللي كان منورلي حياتي، يمكن مكنتش بحسسك إني أب كويس، بس والله يابنتي محبيت حد قدك، إنتِ أغلى حاجه في حياتي ياعائشه، سامحيني يابنتي، أبوكِ التراب هيغطيه خلاص وهيروح للي خلقه، متخلنيش أمشي وإنتِ زعلانه مني يانور عين أبوكِ، حقك عليا يانور عيني، وصيتي ليكِ ياعائشه إنك تقربي من ربنا يابنتي، وأعرفي كويس إن الدنيا مش دايمه لحد، والله ماهي دايمه لحد يابنتي.. صلي وقربي من ربنا، وادعيلي بالرحمه، ادعي لأبوكِ ربنا يسامحه ويغفرله، ومتخافيش ياعائشه.. متخافيش يابنتي، إنتِ مش لوحدك، ربنا معاكِ أحسن من أي حد بس قربي منه، وبدر هيبقى سندك وضلك، اوعي تزعليه منك يابنتي،ولو عرفتي بالماضي بتاعي أنا وأمك..ياريت تسامحينا ومتزعليش مننا..إحنا ساعتها كنا طايشين ،حقك علينا يابنتي.. استودعك الله ياعائشه.أنا عارف إني طولت عليكم، حقكم عليا، بس هتوحشوني، تعالوا زوروني علطول، صدقوني هبقى مبسوط.”…….
انتهى زياد من قراءة الورقه التي وجدها والده، ويبدو أن محمود كتبها قبل صلاته ثم صلى وذهبت روحه لتقابل وجه كريم.قام بدر ليأخذ الورقه ثم وضعها بجيبه، ليقول وهو يبكي–محدش يجيب سيره لعائش بالكلام ده، مش لازم تعرف بماضِ أبوها دلوقت خالص.أومأ زياد ومصطفى، بينما بدر بعد أن هدأ قليلاً، واطمئن أن عمه لم يرى الفديو، اقترب منه وقبله من جبينه هامسًا–مبارك عليك الجنه ياعمي.. مبارك عليك حُسن الخاتمة، ابقى سلملي على أبويا بالله عليك
قال مصطفى بصوت مبحوح–أنا هروح أنادي عليه في الجامع، وإنت يازياد كلم الناس بتوع الفِراشه عشان نعمل العزا، وإنت يابدر اجهز عشان تنفذ وصية عمك وتغسله، وأنا هجيب القماش اللي هيتكفن بيه.بدأت الدموع تنزل من عين بدر التي ذاد تورمها من كثرة البكاء ليقول–الله يرحمك ياعمي.. ربنا رحمك وهتقابله في أيام مفترجه “يقصد أيام ذو الحجه”استعد بدر وزياد لعزاء عمهم، ولكن بدر كان شارد الذهن منفطر القلب على حبيبته وطفلته، كيف سيخبرها بأن والدها توفاه الله، أو، لاداعي لإخبارها، ستعرف فور أن يقوم عمه مصطفى بالمناداة عليه في ميكرفون المسجد، الذي لايبعد سوى بضع أمتار عنهم.•••••••••••••••••••
كَان خُذلاَنك كَافِياً لِأثبَات أنّ لاَ شَيء يَدُوم !.……..استيقظت روميساء وروان الساعة العاشره صباحًا، على منبه الهاتف الخاص بـ روان، قامت روان لتقول شاهقه— المنبه بقاله ساعه بيرن ومحدش فينا سمعه.. أنا ورايا درس الضهر ومجبتش الكتب، لسه هروحتحدثت روميساء بتثائب وهي تفرك عينيها— كنسلي درس النهارده وخليكِ معايا
–قوومي يافاشله.. ياكشي نطلع بمجموع ينفع بسقالتها روان وهي تضرب روميساء على كتفها بخفه.ضحكت روميساء بغرور مصطنع لتقول–الواحده ملهاش غير بيت جوزهاقالت روان وهي تنزل من الفراش
–ااه.. دي جمله مش بيقولها غير الفشله اللي زيكأجابتها روميساء وهي تضع يدها على فمها وتتثائب ثانيةً–اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، طيب بقولك إنتِ هتمشي بشعرك وبنص كُم كده!نظرت روان لنفسها في المرآه، ثم تحولت ملامحها للحزن، كأنها توبخ نفسها، قائله–أنا ازاي كنت بمشي كده في الشارع، لأ وكمان كنت فرحانه بنفسي.. كأني بعمل حاجه صح يعني.!ثم رفعت وجهها لتناجي الله هامسه–الحمدلله.. يارب ثبتني على الصح وحبب قلبي في طاعتك وخليك جنبي دايمًا ياربابتسمت روميساء وهي تراقبها، ثم قفزت من الفراش لتحضر ملابس محتشمه ووشاح قائله بحماس–يلاا ياقطه عشان نعمل بروفاا
–بروفاا ايه!!قالتها روان وهي تنظر للملابس بيد روميساءوضعت روميساء الملابس على الاريكه ثم قالت باسمه–تعالي نصلي الضحى الأول وبعدين تشوفي لبسك الجديد، علفكره كنت شاريه اللبس ده جديد والله، بس طلع من نصيبك لأنك تستاهلي كل خير ياروانابتسمت روان لتبادلها الحديث متسائله–بس أنا أعرف إنها مش فرض ؟أجابتها روميساء بهدوء
–الرسول صلى الله عليه وسلم وصانا بإننا نصلي السنن لأنها يوم القيامه ربنا بياخد منها ويكمل صلاتك الناقصه اللي إنت فوتيها، السنن بتشفعلكوصلاة الضحى سيدنا محمد اتكلم عنها في حديثعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ ، وَعُمْرَةٍ ، تَامَّةٍ ، تَامَّةٍ ، تَامَّةٍ)المصدر/رواه الترمذي برقم (586) ، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في “صحيح سنن الترميذي.أومأت روان باسمه–أي حاجه هتقربني من ربنا هعملها.. محدش ضامن عمره.
سعدت روميساء بما قالته روان، فقد أصبحت من المجاهدين في رضا الله ومرضاته.توضأت الفتاتان ثم تهيئوا للصلاه، وبعد أن أنهوا صلاتهم، جلست روميساء لتقول–كُنتِ عاوزه تعرفي بقا إيه فايدة النوم على الجنب اليمين؟أومأت روان بسعاده، فقالت روميساء–بصي ياستي.. هقولك الأول حديث صغير وبعدين أقولك فوايد النوم على الجنب اليمينقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن…»فوايده بقا إيه.. بتعرفي تعدي لحد كامضحكت روان فتابعت روميساء— واحد.. القلب بيكون أخف حمل والشخص اللي بينام على جنبه اليمين بيتنفس كويساتنين.. الكبد بيبقى مستقر أكتر
تلاته..وفيه بقا دراسات اتعملت في مؤتمر طبي أجنبي بتأكد كلام سيدنا محمد وده بيعرفك إن ربنا أوحى لرسوله بحجات كتير الطب لسه مكتشفها، الدراسات دي بتقول إن النوم على الجانب اليمين وتحطي ايدك تحت خدك ده بيفرغ الشحنات الزائده في الدماغ، وبتساعد على الراحه في النومقالت روان وهي تبرم شفتاها
–طب أنا بنام على بطني.. كده حرام عليا؟أجابت روميساء–بصي دار الإفتاء قالت مش حرام بس مكروه،لكن الافضل ناخد بحديثالرسول عليه افضل الصلاة والسلام اللي بيقول” فيما رواه ابن ماجة وصححه الألباني عن أبي ذر الغفاري قال: أصابني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائماً في المسجد على بطني، فركضني برجله، وقال: «يَا جُنَيْدِبُ، إِنَّمَا هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ»، وفي رواية:«مالك ولهذا النوم، نومة يكرهها الله أو يبغضها الله».تنهدت روان ثم قالت–استغفر اللهردت روميساء سريعًا
–اسمها استغفِرُ الله.. مش استغفَرَ اللهلأن استغفر بفتح الفاء والراء.. معناها إن ربنا هو اللي بيستغفر وده غلط طبعًا، الصح استغفر بضم الراء وكسر الفاء.أومأت روان وهي تنصت بإهتمام، ثم شكرت روميساء كثيرًا، لتقوم وترتدي ماأهدته روميساء لها من لباسِ فضفاض.ارتدت روان الملابس فبدت جميله جدًا، جميلة العفه وليس الجسد، وسعدت بها، بل أن قلبها تراقص فرحًا عندما ساعدتها روميساء في ارتداء الوشاح الذي جعلها تشعر وكأنها حور من الجنه.
ودعت روان روميساء وأهل بيتها، على أمل أن يتقابلَ غدًا في درس القرآن الذي ستحضره روان بدء من غد مع رفيقتها الصالحه روميساء.
…..خرجت روان لتمشي على استحياء كما أوصتها روميساء، وأخرجت ذلك الخاتم الذي على هيئة “سِبحه” والذي أهدته لها روميساء مع الملابس، ظلت روان تسبح الله حتى وصلها رسائل كثيرة من سيف عندما فتحت هاتفها.وجدته يراسلها قائًلا–انتِ مختفيه فين داهيه.. برن عليكِ قافله أم التليفون لييه؟لم ترد روان عليه، فوجدته يرن عليها مما جعلها تغضب وتضعه على قائمة الحظر داعيه الله أن يهديه مثلما هداه، ولكن بعد لحظات أرسل لها رساله يهددها فيها بأن سيذهب لوالدها ويُريه جميع الرسائل والصور التي بينهم.خافت روان كثيرًا وبدلًا من أن تدعو الله ان ينجيها، أجابت عليه قائله–عاوز ايه ياسيفرد سيف–أنا هرن عليكِ دلوقت وردي.. سامعهخافت روان منه كثيرًا، ونست أن الله هو الأولى بأن تخافه، ولكن أحيانًا تُغلبنا زلاتنا وتسيطر علينا أنفسنا اللوامه وشيطاننا الخبيث.
هاتفته روان قائله بتعصب–بص ياسيف.. إحنا مش هينفع نكلم بعض تاني.. بصراحه الصحوبيه بين الولد والبنت حرام وده ميرضيش ربناأجاب سيف ضاحكًا بسخريه–وإنتِ من إمتى وإنتِ تعرفي الحرام؟أغلقت روميساء الهاتف في وجه، وأغمضت عينيها بتعصب متمتمه–الله يهديك ياسيفبعد قليل رن ثانيةً فلم ترد، وأخذ يكرر الرنات حتى خافت وأجابتهصرخ بها بحده–اسمعي ياحلوه.. الحركات دي متدخلش عليا.. أنا عاوز اقابلك.. عاوز اتكلم معاكِأجابت روان بنفي–مش هينفع ياسيف أنا بجد خايفه من ربناتنفس سيف بغضب ليغمغم–يابنت ال…. ثم قال بصوت واضح
–طيب بصي.. في واحد زميلتي عامله عمليه وتعالي نزورها في بيتها عشان فيه حاجه مهمه لازم تعرفيها، فتعالي نتكلم في بيتها على الأقل محدش يشك فيناترددت روان قليلًا قبل أن توافق.
أما سيف ظل يحرك المفاتيح في يده وهو يضحك بخبث، فقد اتفق مع صديقه أن يستأجر شقته لليله واحده.قابلته روان عند المكان الذي حدده، وظلت تستغفر الله وبداخلها صوت يخبرها بأن تذهب فورًا، وبالفعل كادت أن تذهب لولا أن جاء ولحق بها.تفاجأ سيف من ملابسها المحتشمه والتي بدت جميله جدًا بها، حتى أنه لاينكر مدى جمالها ورقتها بهذه الملابس الفضفاضه.اقترب سيف ليرمقها بسخريه قائلاً–حرمًا… لا صدقي حلو.. بس مش عارف ليه الإحترام مش لايق عليكِلم تنظر له روان ولكنها شعرت بإهانته لها وأدمعت عيناها كأنها تقول له” الله يغفر.. من أنت لكي لا تغفر؟! “
صعد سيف أمامها وهو يبتسم بشر وخبث، وتبعته روان ومازال الصوت بداخلها يحثها على الفرار منه.أخرج سيف المفاتيح من جيبه، فنظرت له روان بإستفهام قائله–هي… هي المفاتيح معاك ازاي؟جذبها سيف ودفع بها لداخل الشقه ثم أغلق الباب، لينزل بركبتيه أمامها ثم مد أنامله يتحسس شفتاه قائلاً–تعرفي إن بعشق سمارك!دفعته روان بكل قوتها لتنهار في البكاء صارخه–انت حيوااااان.. افتح الباااب.. افتح الباااب ياسيف
جذبها سيف بقوه فوقعت على الأرض، رمقها بغضب قائلًا–الحيوان ده هيعرفك قيمتك دلوقتثم أشار لسبابته ليقول بسخريه–قيمتك أصغر من عُقلة الإصبع.. اللي زيك حلال فيه الدبح.. اللي تمثل انها محترمه وهي من جواها و*** يبقا حلال فيها الدبح
تأملته روان ببكاء كأنها تناشده بنظراتها، قائله.. كيف لك أن تفعل بي هذا وأنا وثقت بك؟ثقلت حركتها و أخذت تجرّ قدميها جرًا حتى وقعت أمامه على الأرض وهي مازالت ترتجف بخوف شديد، بينما سيف تقدم نحوها وهو يرمقها بنظرات شيطانيه وبداخله يسمع صوت يقول له بأن ينال منها ويمزقها كالذئاب.أما روان نطقت بصعوبه شديده وهي تبكي بمراراه تتوسله بنظراتها المأسوره— حرام عليك ياسيف.. انت عاايز مني اييه.. حراام عليك.. سيبني في حاليجلس سيف القرفصاء بالقرب منها وهو يصوب بصره بسخريه لها قائلًا بإستهزاء–مش لايق عليكِ دور الشيخه.. شوفيلك حاجه تانيه مثليها غير الدور دهصرخت به روان وهي في حاله يُرثي لها تمامًا— أنا مش بمثل يااسيف.. أناا.. أناا مصدقت ربنا هدااني.. انت عاايز مني إيه–الله.. انتِ مش كنتِ بتقولي على نفسك شمال!.. غيرتي كلامك ليه.. ده حتى الشمال طعمه حلوه وانتِ بنفسك مجربه
قالها سيف وهو يتأملها بسخريه وحقد شديد لايعلم من أين جاء بكل تلك الكراهيه لجميع من حوله.وضعت روان وجهها بين كفيها لتبكي بشهقات عاليه متمتمه بصعوبه–حراام.. حراام والله.. حرام اللي بيحصلي ده.. أنا اه بعترف إن مكنتش كويسه الأول.. بس أنا ربنا هداني وندمت على كل اللي فات.. ليه.. ليه مش عاوز تسيبني في حالي
صاح سيف وهو يقف ويركل الكرسي بجانبه بغضب شديد–عشاان انتِ وكل اللي بيمثلوا دور الشيوخ.. زبااله ياارواان… كلكم زبااله.. بما فيهم بدر أخوياا.. اللي أنا أصلن اتبريت منه وبتمنى يتنسف من على وش الأرض زي ماهنسفك دلوقت وزي ماهو اتفضح على الملأ.. هطلعك من الشقه دي عريانه قدام الناس كلها.. عشاان اللي عايشين دور المثااليه اللي زيكم الموت عليهم حققال سيف ذلك وهو يتنفس بسرعه وبغضب أعمى اجتاح ملامحه وظهر الكُره في عيناه الخضراوتين فأصبح يرى كل شيء أمامه ظُلمة حالكه .انقض سيف عليها ليمزق لها ثيابها وهو يردد كالمجنون— ارجعي لأصلك.. الزباله بتفضل زباله.. عمرها مابتنضف.صرخت روان ببكاء عالي وهي تحاول الفرار منه، فجذبها سيف من حجابها التي اهدته لها روميساء، فاانكشف شعرها مما جعل سيف يضحك بشده قائلًا–صدقي شكلك أحلى وإنتِ بشعركتحاملت روان على نفسها واتكأت على الفراش بجانبها لتنهض وتهرب من براثن هذا المتوحش، ولكنه استطاع اللحاق بها وجذبها من ملابسها بقوه ثم ألقى بها أمامه أرضًا كما يُلقي وساده.
يتبع …
رواية يناديها عائش الحلقة السابع عشر
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾.
………. .. …………
ولجت عائشه لغرفة والدها وهي مطأطأه الرأس بخجل، ثم رفعت رأسها لتجده قد استقر على الكرسي ورأسه كأنه نائمًا ومازال المصحف يحمله في يده، تأملته للحظات فشعرت بأن شيء ما ليس على مايرام.
تقدمت نحوه بضع خطوات بدت ثقيله، ثم وقفت أمامه ونادت بهمس وبداخلها يكبر الخوف شيئًا فشيئًا
–بـ… بابا!… بابا !
لم تتلقى إجابه فظنت أنه نام مكانه، اقتربت لتأخذ منه المصحف ثم توقظه لينام بأريحيه على فراشه، ولكن ما إن إقتربت منه وبدأت تأخذ المصحف برّقه دُهشت من قوة يده التي تمسك المصحف كأنه رحمة الله عليه يريد أن يأخذه معه عند لقاء ربه.
هزته عائشه برقه وهي تهمس بخوف
–باباا.. بابا… بابا قوم نام على السرير !
ولكن لا حياة لمن تُنادي.
بدأت الدموع تتجمع في عين عائشه مُشكلة سحابة أهله للسقوط في أي لحظه، وبدأت تهزه أكثر من مره وهي تنادي عليه ولكنه لم يجب.
وقعت عائشه مكانها وهي تمسك بيده وتبكي عليها منتحبه بقوه هاتفه
–بابا قوم.. قووم عشان خاطري.. بابا.. أنا.. أناا.. أنا أسفه والله.. مش.. مش هزعلك تاني.. بابا قوم واوعدك هسمع الكلاام وهصلي وهلبس كويس والله هعمل كل اللي إنت عاوزه بس قووم.. بابا عشان خااطري.. طيب.. طيب لو إنت زعلان مني قول.. قول والله وأنا مش هزعلك تااني
.. بابااا
لم يصل لذهن عائشه بعد أن والدها توفاه الله، وإنما ظنت أنه في غيبوبه نظرًا لمرضه وفي كل مره تأتيه الغيبوبه، كان بدر هو من يتولى رعايته، أما الآن بدأت تشعر بقيمة والدها وأنها لاشيء بدونه.. ولكن بعد ماذا !
قامت عائشه بتعب بدا عليها ثم نظرت له نظره أخيره بشوق وحزن شديد على معاملتها له طيلة السنون الماضيه، لتقترب منه وتُقبل يده وهي مازالت تبكي، ثم قالت بصوت متهدج حزين:
–أنا واثقه إنك هتقوم وتبقى كويس يابابا.. وأوعدك هخليك مبسوط مني وهنعيش أنا وإنت كويسين مع بعض، ومش هتجوز وأسيبك.. هفضل جنبك علطول.. والله هفضل جنبك.. بس متسبنيش !
لم تستطيع عائشه التوقف عن البكاء لحظه واحده وركضت لبيت بدر دون أن تستر شعرها، فهي ما زالت بتلك البيچامة الصيفيه الخفيفه ولم تنتبه لذلك بسبب حالة الصدمه التي رجت كيانها.
ركضت عائشه لبيت عمها مُحمد وهي تبكي وتنتحب بقوه وقد أصبحت الرؤية منعدمه أمامها بسبب تلك الدموع التي تُمثل الغيث.
دفعت عائشه الباب ودخلت تبكي بشده فاانتبه لها الجميع من بينهم بدر الذي وقف منتصبًا من الفزع عليها، ركضت عائشه نحوه وهي مُنهاره تمامًا وعقلها كأنه غاب مع أبيها، ثم ارتمت على صدر بدر تعانقه بقوه وتبكي بصوت رجّ في أذان الجميع مما جعلهم ينظرون لبعضهم البعض بدهشه شديده مصحوبه بالصدمه مما تفعله عائشه.
قالت عائشه بصوت متقطع غير مفهوم وهي تبكي
–بابا.. بابااا.. مش.. بيرد.. علياا
وقف بدر مكانه لم يقوى على التزحزح خطوة واحدة من صدمة الموقف، تمنى لو أن الأرض تتشقق وتبتلعه أفضل من أن يحدث له هذا أمام عائلته، الله سيغفر أما الناسُ فلا.!
أبعدها بدر عنه ليقول بتوتر
–عمي محمود حصله حاجه.!
أومأت عائشه وهي تبكي وتشهق بشده
–مش.. مش بيرد عليا.. زي.. زي مايكون دخل غيبوبة
شهق الجميع وركض بدر لبيت عمه وبداخله يدعو الله ألا يصيبه مكروه، ولحقه زياد خوفًا من أن يكون شاهد عمهم الفديو.
بينما عائشه ظلت تبكي وهي تردد
–يارب يبقى كويس.. يارب أنا مليش غير بابا
تساقطت الدموع من عين هاجر بغزارة حين رأت عائشه في أشد حالات ضعفها، فلطالما كانت الفتاتان مثل الأخوه في الصغر، ولكن حينما كبرت كِلتاهما، ابتعدت عائش عن هاجر وسلكت طريق أخر مع أصدقائها الأثرياء، فأحست هاجر أن عائشه تشمئز من كونها تنتمي لعائلة الخياط، لذا ابتعدت الأثنتين عن بعضهما.
اقتربت هاجر منها وسترتها، ثم اخذتها في أحضانها، فلم تتردد عائشه لحظه واحده وعانقتها بقوه وهي مازالت تنتحب وتشهق بشِده.
قالت مفيده بحزن على عائشه
–خديها ياهاجر وادخلوا الأوضة.. وخليكِ معاها يابنتي
أومأت هاجر وهي تحث عائشه على الذهاب معها ولكن نورا استوقفتهم بغيره عمياء عندما أيقنت أن بدر واقع في حُب عائشه لامحاله، بل غريق مُتيم بها.
–استني ياهاجر.. هي السنيوره متعرفش إن اللي حصل لأبوها ده بسبب الفديو
رمقتها هاجر بحِده تعني بنظراتها أن تتوقف عن هذا الهراء، ولكن للحقد الذي يملأ قلب نورا تجاه بدر وعائشه، لم تتوقف بل ذادت الأمور سوءًا، فتابعت كلامها بسخريه
–ماتردي ياست الحسن والجمال، مش ده لقبك برضه في الحاره وسط الناس، اهو جمالك وجسمك اللي إنتِ فرحانه بيه ده، وداكِ ورا الشمس إنت واللي عامل نفسه شيخ!
لم تنتبه عائش لكل ماقالته نورا، فهي مازال ذهنها مع والدها خوفـًا عليه، بينما هاجر أصابتها الدهشه مما تهذي بها نورا إبنة عمها، فلأول مره تراها بهذا الحقد والكُره لشقيقها وعائشه .
أشارت مفيده لهاجر بأن تدخل الغرفه بصمت، ففعلت هاجر ماطلبته منها والدتها وأخذت عائشه للداخل ثم أغلقت الباب وظلت تربت على ظهرها حتى تهدأ قليلًا.
أما في الخارج نظرت مفيده لنورا نظرات استخفاف قائله وهي توجه الحديث لمصطفى الذي وقف مترددًا خائفًا على أخيه وبنفس الوقت لايريد رؤيته، فهو على خصام معه منذ سنوات.
–ياأبو زياد.. مش شايف إن نورا بنتك زودتها!
صاحت نور بقلة حياء
–لاا يامرات عمي.. اللي زودها المحترم ابنك.. اللي شوه سمعة عيلة الخياط في البلد كلها
صاح بها والدها وهو يرمقها بغضب
–عيب يانوراا.. امشي يلا روحي
ابتسمت مفيده بسخريه لتقول بقلة حيله
–هو ده اللي إنت علمته لبنتك يامصطفى!
خلي أنا ابني مش محترم ومحتاج يتربي.. إنت بقا ك عمه دورك فين!.. متنساش إن بدر يتيم يامصطفى.. عيالي أبوهم سابهم وهما لسه مش دارين بالدنيا.. بدر اللي بتكلموا عليه وحش ده ومبقاش عاجبكم.. من غيره كنا زمانا بنمد إيدينا للي يسوى وميسواش، بدر ساب تعليمه عشان يخلي اخواته ميحسوش بنقص، بدر إبني مكنش بيشوف النوم بعنيه لو حد من اخواته تِعب.
صمتت مفيده للحظات لتنزل الدموع من عينيها بكثره متمتمه
–الله يرحمك يامحمد..اه يابدر يابني.. عيني عليك ياضنايا
شعر مصطفى بالأسف الشديد تجاه أولاد أخيه، فقد أوصاه محمد على رعاية أولاده وألا يتركهم يذيقون الشقاء، ولكنه اعتمد على بدر في كل شيء ظنًا بأنه رجُلًا ناضجًا، ولايحتاج لأب أو لرعاية، ولكن من قال أن الرجل يستطيع تولية أموره بعد وفاة والده!
تالله لو غطّ الشيب شعره، سيظل مهزوز مكسور الظهر بدون أب، إنما وجود الأب يعني العُكاز ، السند، فمن مات أبوه كان الله عونًا له، وكلنا لله راجعون.
قال مصطفى بندم
–عندك حق ياأم بدر، أنا قصرت مع ولاد أخويا
أجابته مفيده بحزن
–وأخوك محمود، مقصرتش معاه؟
تنفس مصطفى بعمق ثم زفر الهواء بضيق قائلًا
–محمود بسبب اللي عمله زمان وأنا قطعت كلام معاه
–بس محمد أخوك الله يرحمه لو كان عايش كان رفض اللي انت بتعمله، إنت عارف كويس إن محمد كان على علاقة كويسه باأبو عائشه رغم كل اللي حصل، ربك اللي بيحاسب مش إحنا ياأبو زياد
قالت مفيده ذلك ثم جلست على الأريكة تبكي في صمت على كل مايحدث لهم وتدعو الله أن تمُرّ محنتهم تلك بسلام.
أرادت نورا إشعال الحرب على بدر مجددًا، حين شعرت بأن والدها قد مال له.
فصاحت قائله
–إنتِ نسيتي يامرات عمي إن عمي محمود شوه سمعة العيله كلها بجوازه من الرقاصة اللي جابتلنا الهم والغم، وبعد ده كله عاوزه أبويا يكلمه!!
في تلك اللحظه سمعوا جميعهم صوت قرآن عالي خارج من غرفة هاجر، فتبسمت مفيدة في صمت وأدركت أنها أحسنت التربية، فقد فعلت ابنتها ذلك حتى لايصل مايحدث في الخارج لمسامع عائشة وهي في حالة لاتسُر.
أما نورا علمت على الفور أن هاجر هي من فعلت ذلك، فظل قلبها يتآكل حقدًا وغِلًا.
جذبها مصطفى من ذراعيها هاتفًا بغضب
–غوري روحي.. أنا ليا تصرف تاني معاكِ
قالت نورا بتذمر
–يابابا وأنا عملت إيه يعني
نهرتها والدتها وهي تأخذها لتذهب
–عملك إسود يانورا.. إنتِ مالك إنتِ ومال اللي حصل زمان، دي حاجه تخص أبوكِ وعمامه، دخلك إنتِ إيه!
ابتسمت مفيدة بسخريه لتقول
–ماإنتوا لو علمتوها صح مكنتش قالت كده، حفظتوها قرآن وعلمتوها الصلاة ولبستوها واسع ونسيتوا تعلموها إن اللي بيهتك في أعراض الناس ويجيب سيرتهم ويشتم في ده وده بيضيع كل الصلاة اللي صلاها والقرآن اللي قرأه..
ثم نظرت مفيدة لنورا التي ظلت تفرك يديها بإحراج وتوتر، لتقول
–بما إنك ياست نورا حافظه الأحاديث كلها، موردش عليكِ حديث كده عن الأخلاق، مسمعتيش قبل كده عن الحديث ده
قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ألا أحدِّثُكُم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مَجلسًا يومَ القيامةِ ؟ ثلاثَ مرَّاتٍ يقولُها قالَ : قلنا : بلى يا رسولَ اللَّهِ فقالَ : أحسنُكُم أخلاقًا.
أحست نورا بأنة زوجة عمها تهزأ منها فقالت مدافعة عن نفسها
–واللي عمله ابنك من الأخلاق!
أجابت مفيدة بثقه
–ربك اللي هيحاسب يانورا، حاسبي نفسك إنتِ الأول، وخليكِ محضر خير
ثم تنهدت بحسرة لتقول
–إحنا في زمن بقا القريب غريب، والعشرة هانت
اقتربت منها نجلاء والدة نورا وزياد لتجلس بجانبها ثم ربتت على كتفها لتقول بأسف وحزن
–حقك عليا يامفيدة، والله بدر زينة الشباب، متزعليش نفسك، كل حاجه هتتحل، قولي حسبي الله ونعم الوكيل في اللي عمل كده
ابتلعت نورا ريقها بخوف وتوتر من دعاء الجميع على الفاعل،أي أن كل هذه الدعوات كأنها حجارة صلبة تُرجم بها فوق رأسها، بدا التوتر جليًا عليها، فهمّت بالإنصراف سريعًا مما جعل مفيده تنظر إليها بشك.
وجهت مفيدة حديثها لمصطفى قائلة بلوم
–روح ياأبو زياد لأخوك، روح لأخوك هو محتاجلك دلوقت، واتكلم معاه، حسسه إنك خايف عليه، إنتوا ملكوش غير بعض ياأبو زياد، وأخوكم الرابع مجاهد من يوم ماسافر لا بيتصل ولابيسأل، ولو اتصل بيكلم الكل إلا محمود، حرام عليكم ياأبو زياد، كله إلا صلة الرحم
أومأت نجلاء مؤكدة على كلام مفيده، بينما مصطفى تنهد بحزن ولكن التردد مازال يتملك منه، فقالت زوجته لتحثه على التواجد مع شقيقه
–كلام أم بدر صح ياأبو زياد، ده حتى ربك سبحانه وتعالى قال في سورة مُحمد
بسم آلَلَهّ الرحمن الرحيم
«فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ• أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ»
الأية ٢٢/٢٣
شعر مصطفى بقشعريرة في جسده، ليذكر الله في قلبه ويرجو منه السماح ثم انطلق ذاهبًا لبيت شقيقه.
••••••••••
أما في غرفة هاجر
حمدت هاجر ربها أن عائشة لم تسمع شيئًا مما قالته نورا، بينما عائشة لم تكف عن البكاء وظلت تردد
–هااجر.. بابا… أنا خايفه عليه.. خايفة يكون ربنا بيعاقبني بيه… أنا خايفة أوي ياهاجر
ظلت هاجر تطمئنها بالكلام تارة وتشاركها البكاء تارة أخرى متذكره ليلة وفاة والدها، تلك الليلة التي لن يستطيع أحد مسحها من قاموس زكرياتها.
قالت هاجر بصوت متهدج حزين وهي تمسح لها دموعها كأنها تجفف دمع طفل.
–بطلي عياط ياعائشه.. باباكِ محتاجلك دلوقت، هو هيتعب أكتر لو شافك كده
نظرت لها عائشه بعيون ذابلة من البكاء ثم احتضنتها بشده هامسه
–أنا هموت من الرعب ياهاجر.. أنا كل ده كنت في غفلة.. معرفش إني هخاف عليه كده.. أنا كنت بدعي عليه يموت.. خايفه يروح مني ياهاجر
عجزت هاجر عن مهدهدتها؛ فظلت تُربت على ظهرها وتمسد على شعرها كما لو أنها والدتها.
……. ༺༻…….
المشهد الذي أشَحت النظر عنه ، لن يُغادر ذاكرتك أبدًا .
••••
دلف بدر لغرفة عمه، فوجده مازال مُستكان على الكرسي ويحتضن المصحف بيد واليد الأخرى حُره.
تسارعت ضربات قلبه خوفًا من أن يكون أُصيب بمكروه، وقف زياد بجانبه ليهمس بخوف
–بدر.. عمك شكله جراله حاجه
لم يجيب بدر وكأنه في عالم أخر خوفًا من أن يكون هو السبب فيما حدث لعمه.
اقترب بدر ببطء شديد وجسده يرتعد كالورقه، ثم لمس يده فوجد كأنها موضوعه بداخل ثلاجه، ابعد بدر يده سريعًا وجفت الأحرف في حلقه وظل يرتجف بخوف وفزع وعينيه متسعه على مصرعيها من الذهول والصدمة.
رجع بدر للوراء وهو يحملق به بخوف؛ فااقترب زياد سريعًا من عمه وقد بدا عليه الخوف أيضًا، امتدت يده بتوتر ليأخذ المصحف، فوجده يشدد عليه بقوه، ابتلع زياد ريقه ثم جذب المصحف بصعوبه، لتتحرر يد عمه في الهواء كأنها مسلوبه منه.
ارتبك زياد أكثر ثم بدأ يهزه هاتفًا
–عمي.. عمي محموود.. عمي محمووود !!
–مات.. عمي محمود مات يازياد
قالها بدر ثم وقع على ركبتيه يجهش ببكاء قوي متمتمًا
–أنا السبب يازياد.. عمك مات بسببي.. ااه.. أنا السبب… يااارب… ياااااارب
أدمعت عين زياد وتذكر أخر مره حادث فيها عمه عندما أرسله والده ليحدثه بشأن أرض الكباريه، فتحدث معه زياد بجفاء كما يفعل والده، راودت زياد الكثير من الذكريات السوداء مع عمه وعائشه، ووالده مصطفى هو السبب في ذلك، فقد حث أولاده أن يتجنبوه هو وإبنته كي لايلوث سمعتهم، ولم يُدرك أنه شقيقه محمود تاب إلى الله توبة نصوحه، فهداه الله ماتمنى يومًا، وهو أن يموت على حسن خاتمة.
حمله زياد ليضعه على الفراش ثم غطاه وهو يردد ببكاء حقيقي
–سامحني ياعمي.. أنا أسف.. حقك عليا.. سامحني.. أنا مكنتش كويس معاك.. بس والله غصب عني..
تفقد زياد نبضه والدموع تغرق وجهه مثل بدر تمامًا، فوجد أن النبض متوقف وأنه بالفعل ذهب للقاء ربه.
جلس زياد بجانب عمه ليجهش بالبكاء، بينما بدر وضع يده على رأسه وأخذ يصيح بجنون
–أنا السبب.. أنا السبب… اااه… الرحمه ياارب.. ياارب سامحني.. سامحني
في تلك اللحظه، جاء والد زياد ليدلف للغرفه سريعًا وقد بدأت ضربات قلبه بالتسارع أيضًا، خوفًا على شقيقه عندما سمع الشباب يبكون بشده.
صاح مصطفى بوجل
–في إييه.. عمكم حصله حااجه.!؟
التفت له زياد لينظر له بلوم وندم قائلاً
–عمي مات.. عمي اللي إنت وصتني أقاطعه مات يابابا… عمي اللي كنا مستعرين منه مات على حسن خاتمه.. عمي رااح خلاص يابااباا.
اندفع مصطفى تجاه أخيه يهزه بعنف هاتفًا
–محموود.. قووم ياخوياا.. حقك عليا.. سامحني ياخويااا.. رد على أخوك يامحمود
صرخ زياد بوالده وقد خرج عن شعوره
–ماات ياباباااا… عمي خلاااص… عمي رااح عند الأحسن مني ومنك… ليييه… لييه يابابا… لييه خلتنا نقاطعه… عمي ماات وهو مش مسامحنا يابابا.. اللي إحنا عملناه معاه ميتغفرش
جلس مصطفى بجانب أخيه يبكي هو الأخر هامسًا
–حقك عليا ياخويا.. حقك عليا
ظل ثلاثتهم يبكون ويأنون بجانب المُتوفي، وكُلًا منهم يعتذر عما فعله معه، أخيه يتأسف ويعتذر عن كونه فظًا معه، أما ابنه يتحسر على الإنصات لأبيه في مقاطعة عمه، بينما بدر يظن أن عمه شاهد الفديو ومات بسببه، فأصبح يلوم نفسه حامًلا ذنبًا ليس بيده.
اسمع عزيزي القارئ، الإعتذار الحقيقي، لا يُكمن،في كلمة”أنا آسف”، الإعتذار الحقيقي يكمن
في معنى جملة، ”ليتني لم أرتكب هذا الخطأ
في حقك من الأساس”
- عليك أن تنتبه لأسلوبك، في الاعتذار من الناس
، فإنتزاع السهم من الجسد، أوجع من اختراقه.
فليتنا نبدع في الاعتذار
مثل ما نتفنن في جرح الاخرين.
……..
مسح زياد دموعه بصعوبه ليقول بحزن شديد
–هنعمل إيه؟
رد والده وهو يبكي
–خلاص يابني.. العمل عمل ربنا.. ربنا يسامحنا ويرحمه
قام زياد ليجلس قبيل ابن عمه، ثم جذبه ليعانقه قائًلا
–هون على قلبك يابدر، ده قدره ونصيبه يابن عمي.. الموت علينا حق
أجاب بدر بحسره
–لا يازياد.. أنا السبب.. أنا السبب في موت عمك
–إيه اللي عرفك إنه شاف الفديو، عائشه نفسها لسه متعرفش حاجه عنه، عمك تعبان من زمان يابدر، الموت رحمه ليه، ميغلاش على اللي خلقه، كلنا هنموت يابدر.. وبعدين عمك مات وهو حاضن المصحف.. عمك مات قدام القِبله.. عمك في الجنه إن شاء الله
أجابه زياد بمواساه..
مسح بدر دموعه ليقول بخفوت
–عائشه مش لازم تعرف.. عائشه لو عرفت هيجرالها حاجه.. ولو جرالها حاجه هيتكسرلي ضلع يازياد.. كفايا أبوها اللي كان في مقام أبويا الله يرحمه.
قاطعهم مصطفى وهو يمسك ورقه بيده وجدها على الكومود
–زياد.. بدر.. عمكم كاتب وصيه!
التفت الإثنين له، لينهض زياد ويأخذ منه الورقه ثم بدأ يقرأ وهو يرتجف
“لو كلامي اللي كتبته ده وصلكم، يبقى أنا عند ربنا دلوقت.
أنا مش زعلان إني هقابل رب كريم، أنا بس زعلان إني هسيب بنتي يتيمه ملهاش لا أب ولا أم،
بدر يابن أخويا.. أنا طول عمري بعتبرك إبني.. وصيتي ليك هي عائشه يابني.. هي طايشه ومش فاهمه حاجه في الدنيا.. بس والله طيبه وبتيجي بالمحايله.. معلش يابني استحملها عشان خاطري.. أنا عارف إني خاطري غالي عليك يابدر
وصيتي التانيه ليك إنك تغسلني.
” مصطفى”.. عايز تسامحني ياخويا.. أنا عارف إني سببتلكم مشاكل كتير في صغري وحقكم تستعروا مني وحقك تمنع عيالك يكلموني، بس والله ياخويا أنا تُبت من قلبي لربنا، أنا عاذرك ياخويا ومسامحك ياريت إنت كمان تسامحني، ووصيتي ليك تتبرع بأرض الكباريه لمسجد أو أي حاجه في الخير ووصل سلامي لمجاهد أخوك وقوله مايزعلش مني.
وإنت يازياد إنت وسيف أنا عارف إنكم مكنتوش بتحبوني.. “هُنا اذداد بكاء زياد ليتابع”
بس أنا كان نفسي تزوروني، فاكرين لما كنت أخدكم في العيد وانتوا صغيرين أوديكم المراجيح، أنا طول عمري بحبكم، متزعلوش مني ياولاد.
هاجر ياأميره.. أنا متأكد إنك بتحبي عائشه وبتعتبريها أختك، خلي بالك منها يابنتي، وإنتِ يانورا متنسيش تدعيلي في صلاتك، أنا عارف إنك مواظبه على الصلاة ربنا يثبتك يابنتي.
أم هاجر وأم نورا، عائشه أمانه معاكم، عائشة بقت يتيمة الأب والأم، اعتبروها بنتكم وعلموها الصح من الغلط.
صمت زياد للحظات يمسح دموعه، بينما والده وبدر ينتحبون ببكاء قوي.
أكمل زياد بصوت متهدج
“عائشه.. إنتِ النور اللي كان منورلي حياتي، يمكن مكنتش بحسسك إني أب كويس، بس والله يابنتي محبيت حد قدك، إنتِ أغلى حاجه في حياتي ياعائشه، سامحيني يابنتي، أبوكِ التراب هيغطيه خلاص وهيروح للي خلقه، متخلنيش أمشي وإنتِ زعلانه مني يانور عين أبوكِ، حقك عليا يانور عيني، وصيتي ليكِ ياعائشه إنك تقربي من ربنا يابنتي، وأعرفي كويس إن الدنيا مش دايمه لحد، والله ماهي دايمه لحد يابنتي.. صلي وقربي من ربنا، وادعيلي بالرحمه، ادعي لأبوكِ ربنا يسامحه ويغفرله، ومتخافيش ياعائشه.. متخافيش يابنتي، إنتِ مش لوحدك، ربنا معاكِ أحسن من أي حد بس قربي منه، وبدر هيبقى سندك وضلك، اوعي تزعليه منك يابنتي،ولو عرفتي بالماضي بتاعي أنا وأمك..ياريت تسامحينا ومتزعليش مننا..إحنا ساعتها كنا طايشين ،حقك علينا يابنتي.. استودعك الله ياعائشه.
أنا عارف إني طولت عليكم، حقكم عليا، بس هتوحشوني، تعالوا زوروني علطول، صدقوني هبقى مبسوط.”
…….
انتهى زياد من قراءة الورقه التي وجدها والده، ويبدو أن محمود كتبها قبل صلاته ثم صلى وذهبت روحه لتقابل وجه كريم.
قام بدر ليأخذ الورقه ثم وضعها بجيبه، ليقول وهو يبكي
–محدش يجيب سيره لعائش بالكلام ده، مش لازم تعرف بماضِ أبوها دلوقت خالص.
أومأ زياد ومصطفى، بينما بدر بعد أن هدأ قليلاً، واطمئن أن عمه لم يرى الفديو، اقترب منه وقبله من جبينه هامسًا
–مبارك عليك الجنه ياعمي.. مبارك عليك حُسن الخاتمة، ابقى سلملي على أبويا بالله عليك
قال مصطفى بصوت مبحوح
–أنا هروح أنادي عليه في الجامع، وإنت يازياد كلم الناس بتوع الفِراشه عشان نعمل العزا، وإنت يابدر اجهز عشان تنفذ وصية عمك وتغسله، وأنا هجيب القماش اللي هيتكفن بيه.
بدأت الدموع تنزل من عين بدر التي ذاد تورمها من كثرة البكاء ليقول
–الله يرحمك ياعمي.. ربنا رحمك وهتقابله في أيام مفترجه “يقصد أيام ذو الحجه”
استعد بدر وزياد لعزاء عمهم، ولكن بدر كان شارد الذهن منفطر القلب على حبيبته وطفلته، كيف سيخبرها بأن والدها توفاه الله، أو، لاداعي لإخبارها، ستعرف فور أن يقوم عمه مصطفى بالمناداة عليه في ميكرفون المسجد، الذي لايبعد سوى بضع أمتار عنهم.
•••••••••••••••••••
كَان خُذلاَنك كَافِياً لِأثبَات أنّ لاَ شَيء يَدُوم !.
……..
استيقظت روميساء وروان الساعة العاشره صباحًا، على منبه الهاتف الخاص بـ روان، قامت روان لتقول شاهقه
— المنبه بقاله ساعه بيرن ومحدش فينا سمعه.. أنا ورايا درس الضهر ومجبتش الكتب، لسه هروح
تحدثت روميساء بتثائب وهي تفرك عينيها
— كنسلي درس النهارده وخليكِ معايا
–قوومي يافاشله.. ياكشي نطلع بمجموع ينفع بس
قالتها روان وهي تضرب روميساء على كتفها بخفه.
ضحكت روميساء بغرور مصطنع لتقول
–الواحده ملهاش غير بيت جوزها
قالت روان وهي تنزل من الفراش
–ااه.. دي جمله مش بيقولها غير الفشله اللي زيك
أجابتها روميساء وهي تضع يدها على فمها وتتثائب ثانيةً
–اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، طيب بقولك إنتِ هتمشي بشعرك وبنص كُم كده!
نظرت روان لنفسها في المرآه، ثم تحولت ملامحها للحزن، كأنها توبخ نفسها، قائله
–أنا ازاي كنت بمشي كده في الشارع، لأ وكمان كنت فرحانه بنفسي.. كأني بعمل حاجه صح يعني.!
ثم رفعت وجهها لتناجي الله هامسه
–الحمدلله.. يارب ثبتني على الصح وحبب قلبي في طاعتك وخليك جنبي دايمًا يارب
ابتسمت روميساء وهي تراقبها، ثم قفزت من الفراش لتحضر ملابس محتشمه ووشاح قائله بحماس
–يلاا ياقطه عشان نعمل بروفاا
–بروفاا ايه!!
قالتها روان وهي تنظر للملابس بيد روميساء
وضعت روميساء الملابس على الاريكه ثم قالت باسمه
–تعالي نصلي الضحى الأول وبعدين تشوفي لبسك الجديد، علفكره كنت شاريه اللبس ده جديد والله، بس طلع من نصيبك لأنك تستاهلي كل خير ياروان
ابتسمت روان لتبادلها الحديث متسائله
–بس أنا أعرف إنها مش فرض ؟
أجابتها روميساء بهدوء
–الرسول صلى الله عليه وسلم وصانا بإننا نصلي السنن لأنها يوم القيامه ربنا بياخد منها ويكمل صلاتك الناقصه اللي إنت فوتيها، السنن بتشفعلك
وصلاة الضحى سيدنا محمد اتكلم عنها في حديث
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ ، وَعُمْرَةٍ ، تَامَّةٍ ، تَامَّةٍ ، تَامَّةٍ)
المصدر/رواه الترمذي برقم (586) ، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في “صحيح سنن الترميذي.
أومأت روان باسمه
–أي حاجه هتقربني من ربنا هعملها.. محدش ضامن عمره.
سعدت روميساء بما قالته روان، فقد أصبحت من المجاهدين في رضا الله ومرضاته.
توضأت الفتاتان ثم تهيئوا للصلاه، وبعد أن أنهوا صلاتهم، جلست روميساء لتقول
–كُنتِ عاوزه تعرفي بقا إيه فايدة النوم على الجنب اليمين؟
أومأت روان بسعاده، فقالت روميساء
–بصي ياستي.. هقولك الأول حديث صغير وبعدين أقولك فوايد النوم على الجنب اليمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن…»
فوايده بقا إيه.. بتعرفي تعدي لحد كام
ضحكت روان فتابعت روميساء
— واحد.. القلب بيكون أخف حمل والشخص اللي بينام على جنبه اليمين بيتنفس كويس
اتنين.. الكبد بيبقى مستقر أكتر
تلاته..
وفيه بقا دراسات اتعملت في مؤتمر طبي أجنبي بتأكد كلام سيدنا محمد وده بيعرفك إن ربنا أوحى لرسوله بحجات كتير الطب لسه مكتشفها، الدراسات دي بتقول إن النوم على الجانب اليمين وتحطي ايدك تحت خدك ده بيفرغ الشحنات الزائده في الدماغ، وبتساعد على الراحه في النوم
قالت روان وهي تبرم شفتاها
–طب أنا بنام على بطني.. كده حرام عليا؟
أجابت روميساء
–بصي دار الإفتاء قالت مش حرام بس مكروه،لكن الافضل ناخد بحديث
الرسول عليه افضل الصلاة والسلام اللي بيقول
” فيما رواه ابن ماجة وصححه الألباني عن أبي ذر الغفاري قال: أصابني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائماً في المسجد على بطني، فركضني برجله، وقال: «يَا جُنَيْدِبُ، إِنَّمَا هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ»، وفي رواية:«مالك ولهذا النوم، نومة يكرهها الله أو يبغضها الله».
تنهدت روان ثم قالت
–استغفر الله
ردت روميساء سريعًا
–اسمها استغفِرُ الله.. مش استغفَرَ الله
لأن استغفر بفتح الفاء والراء.. معناها إن ربنا هو اللي بيستغفر وده غلط طبعًا، الصح استغفر بضم الراء وكسر الفاء.
أومأت روان وهي تنصت بإهتمام، ثم شكرت روميساء كثيرًا، لتقوم وترتدي ماأهدته روميساء لها من لباسِ فضفاض.
ارتدت روان الملابس فبدت جميله جدًا، جميلة العفه وليس الجسد، وسعدت بها، بل أن قلبها تراقص فرحًا عندما ساعدتها روميساء في ارتداء الوشاح الذي جعلها تشعر وكأنها حور من الجنه.
ودعت روان روميساء وأهل بيتها، على أمل أن يتقابلَ غدًا في درس القرآن الذي ستحضره روان بدء من غد مع رفيقتها الصالحه روميساء.
…..
خرجت روان لتمشي على استحياء كما أوصتها روميساء، وأخرجت ذلك الخاتم الذي على هيئة “سِبحه” والذي أهدته لها روميساء مع الملابس، ظلت روان تسبح الله حتى وصلها رسائل كثيرة من سيف عندما فتحت هاتفها.
وجدته يراسلها قائًلا
–انتِ مختفيه فين داهيه.. برن عليكِ قافله أم التليفون لييه؟
لم ترد روان عليه، فوجدته يرن عليها مما جعلها تغضب وتضعه على قائمة الحظر داعيه الله أن يهديه مثلما هداه، ولكن بعد لحظات أرسل لها رساله يهددها فيها بأن سيذهب لوالدها ويُريه جميع الرسائل والصور التي بينهم.
خافت روان كثيرًا وبدلًا من أن تدعو الله ان ينجيها، أجابت عليه قائله
–عاوز ايه ياسيف
رد سيف
–أنا هرن عليكِ دلوقت وردي.. سامعه
خافت روان منه كثيرًا، ونست أن الله هو الأولى بأن تخافه، ولكن أحيانًا تُغلبنا زلاتنا وتسيطر علينا أنفسنا اللوامه وشيطاننا الخبيث.
هاتفته روان قائله بتعصب
–بص ياسيف.. إحنا مش هينفع نكلم بعض تاني.. بصراحه الصحوبيه بين الولد والبنت حرام وده ميرضيش ربنا
أجاب سيف ضاحكًا بسخريه
–وإنتِ من إمتى وإنتِ تعرفي الحرام؟
أغلقت روميساء الهاتف في وجه، وأغمضت عينيها بتعصب متمتمه
–الله يهديك ياسيف
بعد قليل رن ثانيةً فلم ترد، وأخذ يكرر الرنات حتى خافت وأجابته
صرخ بها بحده
–اسمعي ياحلوه.. الحركات دي متدخلش عليا.. أنا عاوز اقابلك.. عاوز اتكلم معاكِ
أجابت روان بنفي
–مش هينفع ياسيف أنا بجد خايفه من ربنا
تنفس سيف بغضب ليغمغم
–يابنت ال…. ثم قال بصوت واضح
–طيب بصي.. في واحد زميلتي عامله عمليه وتعالي نزورها في بيتها عشان فيه حاجه مهمه لازم تعرفيها، فتعالي نتكلم في بيتها على الأقل محدش يشك فينا
ترددت روان قليلًا قبل أن توافق.
أما سيف ظل يحرك المفاتيح في يده وهو يضحك بخبث، فقد اتفق مع صديقه أن يستأجر شقته لليله واحده.
قابلته روان عند المكان الذي حدده، وظلت تستغفر الله وبداخلها صوت يخبرها بأن تذهب فورًا، وبالفعل كادت أن تذهب لولا أن جاء ولحق بها.
تفاجأ سيف من ملابسها المحتشمه والتي بدت جميله جدًا بها، حتى أنه لاينكر مدى جمالها ورقتها بهذه الملابس الفضفاضه.
اقترب سيف ليرمقها بسخريه قائلاً
–حرمًا… لا صدقي حلو.. بس مش عارف ليه الإحترام مش لايق عليكِ
لم تنظر له روان ولكنها شعرت بإهانته لها وأدمعت عيناها كأنها تقول له
” الله يغفر.. من أنت لكي لا تغفر؟! “
صعد سيف أمامها وهو يبتسم بشر وخبث، وتبعته روان ومازال الصوت بداخلها يحثها على الفرار منه.
أخرج سيف المفاتيح من جيبه، فنظرت له روان بإستفهام قائله
–هي… هي المفاتيح معاك ازاي؟
جذبها سيف ودفع بها لداخل الشقه ثم أغلق الباب، لينزل بركبتيه أمامها ثم مد أنامله يتحسس شفتاه قائلاً
–تعرفي إن بعشق سمارك!
دفعته روان بكل قوتها لتنهار في البكاء صارخه
–انت حيوااااان.. افتح الباااب.. افتح الباااب ياسيف
جذبها سيف بقوه فوقعت على الأرض، رمقها بغضب قائلًا
–الحيوان ده هيعرفك قيمتك دلوقت
ثم أشار لسبابته ليقول بسخريه
–قيمتك أصغر من عُقلة الإصبع.. اللي زيك حلال فيه الدبح.. اللي تمثل انها محترمه وهي من جواها و*** يبقا حلال فيها الدبح
تأملته روان ببكاء كأنها تناشده بنظراتها، قائله.. كيف لك أن تفعل بي هذا وأنا وثقت بك؟
ثقلت حركتها و أخذت تجرّ قدميها جرًا حتى وقعت أمامه على الأرض وهي مازالت ترتجف بخوف شديد، بينما سيف تقدم نحوها وهو يرمقها بنظرات شيطانيه وبداخله يسمع صوت يقول له بأن ينال منها ويمزقها كالذئاب.
أما روان نطقت بصعوبه شديده وهي تبكي بمراراه تتوسله بنظراتها المأسوره
— حرام عليك ياسيف.. انت عاايز مني اييه.. حراام عليك.. سيبني في حالي
جلس سيف القرفصاء بالقرب منها وهو يصوب بصره بسخريه لها قائلًا بإستهزاء
–مش لايق عليكِ دور الشيخه.. شوفيلك حاجه تانيه مثليها غير الدور ده
صرخت به روان وهي في حاله يُرثي لها تمامًا
— أنا مش بمثل يااسيف.. أناا.. أناا مصدقت ربنا هدااني.. انت عاايز مني إيه
–الله.. انتِ مش كنتِ بتقولي على نفسك شمال!.. غيرتي كلامك ليه.. ده حتى الشمال طعمه حلوه وانتِ بنفسك مجربه
قالها سيف وهو يتأملها بسخريه وحقد شديد لايعلم من أين جاء بكل تلك الكراهيه لجميع من حوله.
وضعت روان وجهها بين كفيها لتبكي بشهقات عاليه متمتمه بصعوبه
–حراام.. حراام والله.. حرام اللي بيحصلي ده.. أنا اه بعترف إن مكنتش كويسه الأول.. بس أنا ربنا هداني وندمت على كل اللي فات.. ليه.. ليه مش عاوز تسيبني في حالي
صاح سيف وهو يقف ويركل الكرسي بجانبه بغضب شديد
–عشاان انتِ وكل اللي بيمثلوا دور الشيوخ.. زبااله ياارواان… كلكم زبااله.. بما فيهم بدر أخوياا.. اللي أنا أصلن اتبريت منه وبتمنى يتنسف من على وش الأرض زي ماهنسفك دلوقت وزي ماهو اتفضح على الملأ.. هطلعك من الشقه دي عريانه قدام الناس كلها.. عشاان اللي عايشين دور المثااليه اللي زيكم الموت عليهم حق
قال سيف ذلك وهو يتنفس بسرعه وبغضب أعمى اجتاح ملامحه وظهر الكُره في عيناه الخضراوتين فأصبح يرى كل شيء أمامه ظُلمة حالكه .
انقض سيف عليها ليمزق لها ثيابها وهو يردد كالمجنون
— ارجعي لأصلك.. الزباله بتفضل زباله.. عمرها مابتنضف.
صرخت روان ببكاء عالي وهي تحاول الفرار منه، فجذبها سيف من حجابها التي اهدته لها روميساء، فاانكشف شعرها مما جعل سيف يضحك بشده قائلًا
–صدقي شكلك أحلى وإنتِ بشعرك
تحاملت روان على نفسها واتكأت على الفراش بجانبها لتنهض وتهرب من براثن هذا المتوحش، ولكنه استطاع اللحاق بها وجذبها من ملابسها بقوه ثم ألقى بها أمامه أرضًا كما يُلقي وساده.
يتبع …