رواية وله في ظلامها حياة الفصل السابع عشر 17 بقلم دينا احمد
لفصل السابع عشر
(أختفاء!)
شهقت رحمة بفزع و تسارعت دقات قلبها بوجل وهي تقترب من تلك المسكينة التي اندفعت الدماء من رأسها بغزارة ! ثم أزاحت جسد جاسر من فوقها بعنف و أمسكت يدها تجس نبضها وهي تدعو ربها في سرها أن ينقذها، حاولت إيجاد أي شيء حتي تُوقف به ذلك النزيف ولكن توترها لم يساعدها على ذلك فخلعت حجابها سريعاً وهي تُحكم ربطته حول رأسها ... ثم ركضت نحو غرفتها سريعاً حتي كادت أن تتعثر و تسقط عدة مرات و سحبت طرحة أخري وضعتها على رأسها بإهمال وهي تحاول تهدئة نفسها قائلة وهي تلهث بعنف:
- أهدي يا رحمة انتي بتعملي اللي المفروض يتعمل دي بنت بريئة ملهاش ذنب في أي حاجة .... المهم أهرب أنا وهي في مكان آمن عشان لو وقعت انا ولا هي في أيد جاسر مش هيرحمنا.
توجهت نحو جاسر و هي تنظر إليه باشمئزاز و خذلان فقد وصلت به ذروة انتقامه حتي وصل به الأمر بأن يؤذي روحاً بريئة ليس لها حول ولا قوة ... أنحنت جالسة على ركبتيها وهى تقترب منه واضعة يدها المرتعشة في جيب سترته تحاول إيجاد ما يمكن مساعدتها حتي تهرب من هذا المكان، حتي وجدت حوالي سبعة مفاتيح مختلفة عن بعضهم فأخذتهم وتوجهت نحو الخزينة المالية في دولابه وبدأت تحاول فتحه حتي استطاعت بعد محاولات عدة وأخذت حوالي ثلاث آلاف جنيهاً منها بإرتجاف حتي تذهب بها إلى المشفي، سحبت رحمة جسد نورا سريعاً إلى الممر الضيق الموجه إلى بوابة صغيرة ليس حولها حراس ولا يستخدمها أحد فهي خاصة بالخادمات حتي تُسهل لهم الخروج لأنها بالقرب من الشوارع الرئيسية و وسائل المواصلات المتعددة
وضعت يدها على فمها تكتم شهقة فزعة وهي تستمع إلى أحد الحراس ينادي بإسم جاسر
"يارب يطلع برا و ميحسش بحاجة، يارب خليك معايا عشان أقدر اطلع من هنا أنا وهي على خير، انا خايفة اوي!!" ظلت تتمتم بداخلها وبالكاد تحبس أنفاسها حتي لا يشعر بها ذلك الحارس....تنفست الصعداء عندما أحست بالهدوء يبدو أنه خرج مرة ثانية ! أكملت طريقة حتي وصلت إلى تلك البوابة الصغيرة ففتحتها بوهن وهي لا تزال محتضنة نورا، ثوانٍ واستمعت إلي صوت صياح الحراس في الداخل عندما دلفوا إلى غرفة جاسر، تشعر بأن حان موعد موتها لا محالة ولكنها ستتماسك قدر المستطاع حتي لو كلفها الأمر الكثير، وجدت سيارة تاكسي يركبها سائق يبدو عليه كبر السن و الوقار فأشارت له بلهفة و عيناها تذرف الدموع بغزارة.
وقف السائق أمامها وهو ينظر إليهم قائلاً باندهاش:
- في إيه يا بنتي؟! ومالها اللي معاكي دي؟.
نظرت له برجاء وهي متشبثة بنورا قائلة بتوسل:
- ساعدنا ارجوك و ودينا على مستشفى البنت هتموت.
خرج ذلك السائق وهو يساعدها على وضعها في المقعد الخلفي ثم جلست رحمة بجانبها واضعة رأس نورا على ساقيها قائلة بارتعاش:
- بسرعة الله يخليك بس ودينا على مستشفى تكون مش مشهورة عشان الفلوس اللي معايا مش هتساعدنا... أقولك خدنا على مكان يكون بعيد عن هنا ميقدرش يوصل لينا.
حدثها السائق بهدوء وهو يعطيها زجاجة مياه:
- أهدي يا بنتي، انا بشتغل في مستوصف بس بالنهار ممكن اوديكي هناك دلوقتي...بس قوليلي انتوا هربانين من إيه؟!.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها ثم هتفت بصوت بح من البكاء:
- هحكيلك اللي أنت عايزه بس اطمن عليها الاول.
أومأ لها السائق بتفهم ثم أخذ هاتفه الصغير وأعطاه إياها قائلاً:
- طلعي رقم بإسم محمد سالم واتصلي بيه.
نظرت له بتوجس فابتسم لها قائلاً بهدوء:
- محمد يبقي أبني اتصلي عليه عشان يسبقنا على المستوصف...بس قوليله ميجبش سيرة لحد عشان محدش يقلق عليا.
و بالفعل أتصلت بالرقم المدون فأتاها صوت محمد:
= ايوا يا بابا أنت أتاخرت ليه؟
- احم...حضرتك الأستاذ محمد؟.
= ايوا انا محمد انتي مين و بتتصلي من رقم أبويا ليه؟
ثم أضاف بلهفة وخوف:
= ابويا كويس صح؟.
- ايوا باباك كويس وهو بيسوق أهو...بس هو بيقولك روح على المستوصف اسبقه فيه ومتقولش لحد من البيت.
= يادي النهار اللي مش فايت ما تنطقي تقولي حصله ايه يا بنتي؟.
زفرت بإنزعاج من ذلك الغبي فتحدثت بعصبية:
- مانا قولتلك أبوك كويس واخلص روح على هناك.
نظر محمد إلى الهاتف بدهشة عندما أغلقته دون الإستماع إلى كلامه ليتمتم رافعاً أحدي حاجباه:
- مين بنت المجنونة دي كمان؟! انا هروح على هناك وأمرى لله.
أمّا رحمة فوجهت نظرها إلى تلك الساكنة بين يدها قائلة بحزن:
- هو لسه كتير على المستوصف ده يا عم سالم؟.
هز سالم رأسه بالنفي قائلاً وهو يقترب من وحدة صحية صغيرة مكونة من ثلاث طوابق يبدو عليها عدم الإهتمام من الداخل ومن الخارج ويوجد بها جمع من المرضي والناس الفقراء...وقف سالم وفتح السيارة ليقترب منهم محمد الذي كان بأنتظارهم فنظر إلي والده بأستفهام:
- مين دول يا حج؟.
لكزه سالم قائلاً بحدة:
- جرا ايه يا حيلة أبوك وانا لسه هحكيلك اللي حصل ولا إيه... أخلص ياض وشيل البنت عشان ندخلها.
أومأ له محمد باقتضاب وهو يشمر ساعديه قائلاً بخفوت:
- استعنا على الشقا بالله.
أقترب ليحملها لتتسع عيناه قائلاً بهيام:
- مين ابن الجزمة الحيوان اللي يعمل في حتة القمر دي كدا... أنا لو منه كنت رميت نفسي في النار عشانها !!!
صاحت رحمة من وراءه عاقدة ذراعيها أمام صدرها:
- ما تحترم نفسك يا أخ أنت... إيه قلة الأدب بتاعتك دي.
استدار محمد بعصبية حتي يسبها فهذه الفتاة استفزته منذ أن اتصلت بهاتفه ولكنه ما أن وقع نظره عليها حتي أخذ ينظر إليها بوله و بلاهة قائلاً في نفسه:
- دا إيه اليوم اللي بيحدف قمرات ده! هو فيه كدا!!
صفعه والده على مؤخرة عنقه قائلاً بنفاذ صبر:
- المرارة يا أبن المفضوحة هتفجرني.
حمحم محمد بحرج وهي يضع يده على مؤخرة عنقه:
- برستيجي ضاع خالص... يالا مفيش مشكلة.
حمل محمد نورا وسار بها سريعاً صارخاً بالطوارئ:
- يا جماعة حد يلحقنا البنت بترووح منا...الحقونا.
وبالفعل بعد صراخه هذا هرول نحوه أحدي الأطباء ونقلوها على فراش مهترئ إلى غرفة الطوارئ!!
«توضيح»
~سالم: رجل في أوائل الخمسين من عمره~
~محمد سالم: شاب في الثامنة والعشرون منه عمره، ذات ملامح قاسية~
~~~~~~~~~~~~~~~~
جذبها مراد من شعرها بقوة بعد أن أنتهي منها ليرغمها على الوقوف ثم تحدث بفحيح الأفعي:
- لو شفت وشك تاني حتي لو بالصدفة بس قولي علي نفسك يا رحمن يا رحيم...انطقي وقوليلي يا بنت الـ**** من امتا الكلام ده بيحصل؟.
تثاقلت جفونها قائلة بجبروت:
- انا هدفعك تمن اللي أنت عملته فيا دا غالي أوي يا مراد...أنت لسه متعرفش ديما كامل ممكن تعمل فيك إيه، وزي ما أنا حبيتك هكرهك أضعاف.
قهقه مراد بسخرية وهو يصفق لها بحرارة سرعان ما تحولت ملامحه إلى ملامح مرعبة تبعث الرجفة في القلوب:
- هايل يا فنانة ندخل بقا على المشهد التاني...كنتي بتقولي ايه فكريني...آه كنتي بتقولي أنك حبيتيني!!! هههه لا حقيقي أتاثرت وهموت من زعلي دلوقتي...ما تفوقي يا قذرة يا ***** انا كنت هسمعلك قبل ما أعمل فيكي كدا بس فاطمة الخدامة أكدت ظني وهي بتقول أنها سمعتك بتقولي للواطي الوسخ التاني أنك حامل منه!! عارفة مناخيرك اللي أنتي رفعاها في السما و الفلوس اللي بتاعتي اللي كنتي بتجري وراهم و بتسرقيهم مني عشان حبيب القلب هخليكي تبكي بدل الدموع دم عشان تبقي تلعبي بعداد عمرك....تعرفي أنا نفسي اقتلك بأيدي بس للأسف انت أخت ميس اللي الفرق بينك وبينها زي السما والأرض وانتي حتة عاهرة زبالة مينفعش أسوء سمعتي عشان واحدة قذرة زيك.
صرخت بحقد و بكاء:
- ميس و نورا الهوانم بتوعك...في الأول فضلت ميس عليا وأنت كنت شايفني بحبك و عايزاك قد ايه....وبعدين نورا هانم حبيبة القلب، دنا كنت بشوف في عينيك لهفة لما حد يجيب سيرتها كأنها محور الكون بالنسبالك، غيرتك كانت واضحة اوي يا مراد ! حتي لما بعتت حازم ليك بالصور اللي انا عملتها خيبت ظني و توقعاتي لما ضربت أخوك وطردته عشانها....بس صدقني يا مراد هدفعك تمن اللي أنت عملته فيا أنت و السنيورة بتاعتك غالي أوي وميبقاش أسمي ديما كامل ألا وانا شايفاكم بتتعذبوا.
أبتسم نصف ابتسامة لم تلامس عيناه أظهرت أنيابه ثم صفعها صفعة قاسية جعلتها تسقط أرضاً ... ولكن حقاً تشعر بالخدر في وجهها من كمية الصفعات التي تلقتها منه منذ أن أتت إلى هذا المكان المشؤوم ... جذب مراد أحدي الشراشف ثم وضعها على جسد ديما الشبه عاري بسبب فستانها الممزق و سحبها بقبضته القاسية من ذراعيها يجرها خلفه إلى أن وصل بها إلي سيارته فدفعها بعنف في المقعد الأمامي وتوجه ليسير بسيارته بسرعة جنونية غير عابئ لصراختها المتألمة و المتوسلة حتي لا يخبر والدها بما فعلت فهي تعرف أن عقاب والدها سوف يكون وخيم وسوف يجعلها تذهب إلي عمها الذي بالتأكيد سيقتلها إذا علم بالأمر فهو عمدة صعيدي لن يتهاون بدفنها حية.
هبط من سيارته أمام فيلا والدها ليسحبها مرة ثانية وقبضته العنيفة تلك تكاد تهشم عظام يدها ! دلف إلي داخل الفيلا بخطوات سريعة جعلت ديما تسقط أرضاً عدة مرات ولكنه حقاً لن يكترث لها ولا لألمها فيكفي ما فعلته به و أخته!
- في ايه يا مراد ايه اللي أنت عامله في البنت ده؟!.
صرخ به كامل وعيناه تكاد تخرج من مكانها مما يراه.
بينما دفعها مراد أرضاً وهو ينظر إليها بكراهية و اشمئزاز قائلاً بحدة:
- أسأل الهانم بنتك....وبالمناسبة بنتك طالق بالتلاتة.
شهقت والدتها و والدها بصدمة ولكنه لم يكترث لما يقولوه والحاحهما إنما ذهب سريعاً يشعر بغليان الدماء بعروقه يقسم بداخله أن يذيق علي وابل من العذاب.
ظلت رحمة تجوب في الممر ذهاباً وإياباً يتآكلها الخوف و القلق الشديد، حتي خرج إليهم الطبيب وعلى وجهه علامات الأسي فركضوا نحوه ثلاثتهم و تحدث سالم بلهفة:
- طمن قلبنا يا دكتور قاسم هي عاملة ايه دلوقتي؟!.
هتف الطبيب بعملية:
- للأسف الخبطة أثرت على دماغها و سببت فقدان بصري ليها
الجمت الصدمة لسان رحمة وهي تقول بانهيار:
- يالهوي يا حسرة قلبي عليها...منك لله يا جاسر.
تحدث محمد بعدم استيعاب:
- يعني ايه فقدان بصري ؟! فهمني يا دكتور.
زفر الطبيب بنفاذ صبر:
- يعني هي مش هتقدر تشوف أي حاجة تاني...و المفروض تعمل عملية برا مصر في أسرع وطبعاً هي في غيبوبة منعرفش ممكن تفوق امتا.
لطمت رحمة خديها قائلة:
- انا معرفش مين أهلها ولا أعرف عنها حاجة غير أنها أسمها نورا طب اعمل ايه؟! جاسر هيموتها و يموتني لو رجعت تاني!
ربت سالم على كتفها قائلاً برفق:
- أهدي يا بنتي أن شاء الله هنلاقي حل للمشكلة دى...خليكي واثقة في ربنا وأن كان على المكان احنا عندنا أوضة في الدور الأخير فيها سرير و صالة وحمام ومطبخ صغيرين، يعني ممكن تنامي فيهم انتي وهيا لما تفوق لحد لما ربنا يحلها من عنده.
هزت رأسها بشرود، احتلت معالم الحزن و الأسى وجهها بالرغم من عدم معرفتها بهذه الفتاة ولكن صراخها و ملامحها البريئة كنصل حاد يُغرس في قلبها...هي حقاً لا تعلم من هي كل ما تتذكره هو تحذير جاسم لها بالا تتدخل بينهما، تُري من هي؟ وماذا فعلت به حتي يفعلها بها هذا الأمر؟ الشنيع....يالله كانت تعتقده هادئ و مظلوم ولكن ما فعله أثبت بأنه شيطان مجرم لا يستحق الرحمة!!
أبتعد سالم بأبنه قائلاً بتحذير:
- البنت هتقعد فوق السطح وهي تحت حمايتي أنا وإياك تفكر تنفذ حاجة من اللي عقلك بيصوره ليك وإلا قسماً بربي اقتلك.
أبتسم محمد ببراءة مصتنعة:
- معقول تقول عليا كدا يا حج...دا انا حتي زعلان عليهم أوي أوي وهما زي شروق أختي.
هز سالم رأسه غير مطمئناً من أبنه قائلاً بضيق:
- يارب تكون صادق بس.
أبتعد سالم مرة ثانية متجهاً نحو رحمة، بينما بلل محمد شفتاه برغبة يتمتم بارتعاش:
- ليه هو أنا أهبل عشان اسيبهم كدا...بس حتي لو معرفتش أطول اللي اسمها رحمة دي هعرف أطول العمية دي عليها حتة جسم ولا فيه أحلي من كدا.
(اقولكم على حاجة انا مش مطمنة )
تحدث سالم بهدوء إلي رحمة:
- شوفي يا بنتي انا عايزك تكوني واثقة أن ربنا معاها و أن شاء الله اللي جاي كله خير وبعدين جاسر اللي أنتي بتتكلمي عنه ده مش هيعرف يوصل لحاجة لأننا في مكان بعيد عنه تماماً ومستحيل يفكر أنكم هنا.
ثم أضاف قائلاً بحنان:
- انا بيتي قريب من هنا في الشارع اللي بعد ده تعالي ارتاحي شوية عشان وجودك هنا ملوش لازمة انتي زي ما سمعتي هي دلوقتي في غيبوبة ومش عارفين هتفوق امتا.
أومأت له بابتسامة شاحبة ثم قالت بنحيب:
- انا خايفة عليها أوي يا عمو قلبي واجعني عليها مش عارفة هيكون رد فعلها عامل إزاي لما تفوق، لأ روح أنت وأنا هفضل جمبها.
تنهد سالم قائلاً:
- أسمعي الكلام يالا أنتي كمان تعبانة وبعدين انا بقولك البيت قريب من هنا وانا قولت للدكتور لو فاقت في أي وقت يتصل بيا...يالا بقا بالله عليكي انتي عنيدة كدا ليه؟!
ذهبت معه على مضض وهي تدعو ربها بداخلها أن يحفظها.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
توجه علي إلي فيلا جاسر وهو يبتسم بخبث فقد حقق مبتغاه ويجب أن يهرب بأسرع وقت حتي لا يقتله مراد لا محالة، وما أن دلف إلي الداخل حتي نظر باستغراب نحو الطبيب الذي قابله في طريق الخروج ففتح غرفة جاسر قائلاً بخبث:
- للدرجادي أذيتها طب كنت اعمـ...
توقف من تلقاء نفسه عندما وجد جاسر متسطح فوق الفراش ويُغمض عيناه بوهن فتحدث علي مرة ثانية بتوجس:
- في إيه يا جاسر؟! البت راحت فين وايه اللي عمل فيك كدا؟
أبتسم جاسر باستخفاف:
- هربت.
ضيق علي عيناه ينظر إليه بغباء:
- مين اللي هربت مش فاهم حاجة وبلاش برود انا زهقت من برودك ده.
برود كالصقيع هو رد فعله، سأم من كل شيء حوله ها هي قد هربت هي و رحمة ولكن المؤكد له بأن نورا تأذت كثيراً! دمائها هذا بعث الريبة في قلبه، لن يلوم رحمة على رد فعلها أو يحاول البحث عنها فيكفي أنها تراه مجرم، أبتسم بداخله بسخرية لم يكن يعلم بأن رأيها به يشغله لهذه الدرجة، بل و الأدهى من هذا أنه يتسائل إذا كان سوف يراها مرة ثانية أم لا !!
يا لسخرية القدر!
أفاقه من شروده صوت علي الغاضب:
- يعني كل اللي انا خططته فشل بسبب حضرتك؟! انا كنت ناوي اهدد مراد بيها عشان يتنازل عن أملاكه.
أشار له جاسر بيده يهتف بلامبالاة:
- اخرس يا غبي راسي صدعت من زنك واتفضل روح دور عليها انا مليش دعوة.
نظر إليه علي بزهول:
- ملكش دعوة اللي هو ازاي يعني هو مش أنت اتفقت معايا وقولت أنك هتساعدني عشان استولى على أملاك مراد؟!
تآفف جاسر بضيق قائلاً بتهكم:
- ايه كمية الأسئلة بتاعتك دي! انا بجد صدعت منك.
تحدث علي بغضب:
- انا عليا و على أعدائي يا جاسر ولو وقعت مش هقع لوحدي.
أماء له جاسر ببرود ليخرج علي صافعاً الباب خلفه بغضب.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
صرخ مراد بجنون وهو يسب و يلعن الجميع بغضب مستعر عندما أخبره أحدي الحراس بذهابها مع علي في الصباح، قلبه يصرخ بالخوف عليها....شعوره بالقلق عليها من ذلك الوغد يجتاح كيانه! أتاه صوت رنين هاتفه بإسم علي ليجيبه بصراخ:
- وديت نورا فين يا أبن الكاااالب؟
رد علي بهدوء مستفز:
= أبداً يا سيدي وديتها بيت جاسر رشاد.
عروق عنقه بُرزت من غضبه يشعر بغليان دمائه ليقول بوعيد:
- قسماً بربي لو حصلها حاجة لوريك النجوم في عز الضهر يا ****.
قهقه علي بسماجة:
- تؤ تؤ تؤ بلاش الغلط يا ابن عمي عشان أنا زعلي وحش.
ألقي مراد الهاتف أرضاً حتي تحطم لأشلاء...ثم نظر إلي الحراس بعين مشتعلة وبدأ في ضربهم و لكمهم بجنون.
- مراد أنت اتجننت! إيه أنت بتعمله ده.
أفاقه من دوامة غضبه صوت والده الحازم ليخلل شعره حتي كاد يقتلعه بيداه ثم توجه إلى الأعلى راكضاً حتي دلف إلى غرفته فأخذ سلاحه و أخذ هاتفه الآخر سريعاً وقام بالاتصال بفتحي قائلاً بصراخ:
- هبعتلك عنوان مكان عايزك تهد الدنيا و تدور على نورا أنت و الرجالة وانا هسبقكم على هناك...خمس دقايق و تكون هناك.
بعد مرور بعض الوقت زئير مكابح سيارته وقف أمام تلك الفيلا واتبعه أربعة سيارات الحراس.
بدأ حراس مراد بصراع قوي مع حراس جاسر حتي أصبحوا حطام! بينما دلف مراد إلي الداخل يبحث في كل مكان يصرخ بأسم جاسر و نورا حتي شعر بأن حلقه قد جُرح...فتح باب أحدي الغرف بعنف عندما وجد إنارة بها ليتسمر جسد جاسر و شحب لونه.
سحب مراد جاسر من الفراش بعنف وهو يمسكه من تلابيب ملابسه:
- أنطق يا حيوان نورا راحت فين؟؟!
دفعه جاسر بقدمه في خصره محاولاً الدفاع عن نفسه قائلاً بحدة:
- هي هتيجي عندي ليه يعني؟.
بدأ مراد بسبه بانفعال:
- أسمع يا حيوان أنت انا عارف حقيقتك الوسخة و هموتك بس القيها الأول.
بدأ في صفعه و ركله و لكمه بكل ما أوتي من قوة...لا يستطيع كبح رغبته في قتله الآن! تحدث جاسر بوهن و تثاقلت جفونه:
- هربت.
فقد جاسر الوعي من شدة الضرب المبرح الذي تلقاه حتي كاد أن يفارق الحياة!
لهث مراد بعنف عقله يصرخ بأنها ليست موجودة هنا من الممكن أن تكون هربت بالفعل! ماذا يفعل الآن؟! يشعر بأنه على وشك السقوط من شدة الألم فذلك الغبي عندما دفعه كانت مكان الرصاصة التي أخذها...تحامل على نفسه بصعوبة وهو يهتف بالحراس:
- مش عايز النهارده يعدي غير لما نورا تكون هنا قدامي فاااهمين.
أومأ له جميع الحراس بخضوع و خوف ليتهاوي بجسده على أقرب كرسي وضع يده على خصره ليجد يده ممتلئة بالدماء...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور أسبوع...
فتحت جفينها ببطئ وشعرت بيد تدعمها ولكن سحقاً لا تري شيئاً كل شيء حولها قاتم...ارتجف جسدها و بدأت تتصبب عرقاً قائلة ببكاء:
- ضلمة ضلمة...مراد أفتح النور انا خايفة، أفتح النور في ضلمة!.
تعالي صوت بكاء رحمة في حسرة على حال هذه الفتاة لتقول ببكاء:
- أهدي يا حبيبتي أنا معاكي متخافيش.
ظلت نورا ترفرف بأهدابها و تهز رأسها في أرجاء المكان قائلة بذُعر:
- مراد فين؟ ناديه لو سمحتي خليه يفتح الأنوار طالما انتي مش هتفتحيه.
صمتت رحمة لا تستطيع أخبارها بما حدث بالتأكيد ستنهار ولكن محمد ذلك الغبي الأحمق صاح قائلاً:
- الدكتور قال إن الحادثة اللي انتي اتعرضتي ليها سببت ليكي فقدان بصري.
نظر كلاً من رحمة وسالم و زوجته إلى محمد بغضب و خزي فنظر لهم محمد ببراءة مصتنعة، بينما دوي صوت ضحكاتها في أرجاء الغرفة حتي انقلبت إلى هستيريا لم تستطيع إقافها قائلة بصوت متقطع:
- أنت....بتهزر...صح...هههه...نادي مراد...انا خايفة.
أقتربت منها زينب (زوجة سالم) وهي تربت على يدها قائلة بحنو:
- أهدي يا حبيبة قلب أمك وتعالي معانا يالا...دي حاجة ربنا كتبها مينفعش تعترضي
غرقت دموعها الغزيرة وجنتها تهز رأسها بعنف وعدم تصديق!! جذبتها زينب إلى أحضانها بحنان أموي وظلت تمسد على شعرها لتبدأ نورا بنوبة صراخ تخرج من أعماق قلبها لم تتوقف إلا عندما أعطاها الطبيب حقنة مهدئة فارتخي جسدها بين ذراعي زينب.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أسبوع لم يرأف به ولا بقلبه ولا روحه عندما سلبتهم نورا قبل رحيلها ! لا يزال لا يُصدق اختفائها بهذه الطريقة بحث عنها بجنون، وجهه شاحب شحوب الأموات يحتضن وسادتها يستنشق عبير ورودها، قلبه يتمزق إلى أشلاء كلما أتصل به حراسه وأخبروه بفشل محاولاتهم في البحث عنها، لا يُصدق بأنه ظل يسأل في الشوارع كالمجنون !!
أغمض عيناه تاركاً العنان لدموعه بالانهمار بالتأكيد لم يحدث لها مكروه!
أسبوع حزين و قاسي مر على الجميع ما بين صدمة واخري.
تذكر حديثها الأخير قبل سفره وهي تقول بعذوبة:
"شوف يا سيدي لما تحس إني وحشتك أو أنا أحس إنك وحشتني هنغني اغنية بحبك وحشتيني وساعتها هنحس ببعض"
جلس على الكرسي أمام البيانو الخاص بها وهو يتلمسه بأنامله على ثغره ابتسامة منكسرة ثم بدأ بالغناء بصوت عميق عذب
وبحبك وحشتي، بحبك وأنتي نور عيني
دا وانتي مطلعه عيني ... بحبك موت
لفيت قد ايه لفيت
مالقيت غير فحضنك بيت
وبقولك انا حنيت ... بعلو الصوت.
وكأن الوقت فبعدك واقف مابيمشيش
وكأنك كنتي معاي بعدتي ومابعدتيش
فى دمى حبيبتـى وامى وزى ماكون ... ببتدى اعيش.
بعدت وكنت هاعمل ايه
مين يختار غربته بأيديه
لأكن حبك دا مانسيتهوش وعاش فيا
ليهاتأسف على الغيبه؟ ماغبتيش لحظه وقريبه
محدش عنده كده طيبه ... وحنيه.
وكأن الوقت فبعدك واقف مابيمشيش
وكأنك كنتي معايا بعدتي ومابعدتيش
فى دمى حبيبتى وامى وزى ماكون، ببتدى اعيش.
وبحبك وحشتيني
بحبك يانور عيني
دا وانتي مطلعه عيني
بحبك موت.
أنهي غناءه وهو ينظر إلى هاتفه الذي يرن منذ فترة طويلة دون كلل أو ملل، التقته وهو يزفر بحنق فهو يعلم اجابتهم وهي عدم إيجادها...!
أجاب على الهاتف بحدة:
- عايز ايه يا زفت طبعاً هتقول أنكم مش لاقينها عشان مشغل عندي شوية بهايم حمير ميعرفوش يعملوا حاجة.
أتاه صوت فتحي المتوتر:
= آآآ احنا روحنا فيلا جاسر رشاد تاني و شفنا كاميرات المراقبة بتاعت الشارع التاني لقينا واحدة ساحبة المدام نورا و دخلتها تاكسي...احنا جبنا رقم التاكسي.
ابتلع ريقه بصعوبة قائلاً بخوف:
- ساحباها ازاي؟! هي نورا مالها؟.
رد فتحي بتلقائية:
= احنا قربنا كاميرات المراقبة لوشها لقينا محطوط طرحة على رأسها و... احم احم ... كان في دم نازل على وشها.
دلو مياه سُكب عليه في ليلة قارصة البرودة...عيناه متسعة بوجل....ثوانٍ يبكي!! يبكي كالطفل الضائع...هذا الرجل الجبروت الذي يتعامل بغطرسة و شموخ بهذه الحالة!!
حمحم فتحي بارتباك لا يوجد كلمات يستطيع أن يواسيه بها فهتف قائلاً بقلق عندما أستمع إلى صوت نحيب مراد:
= مراد بيه متقلقش احنا هنوصل لمكان العربية اللي اخدتها و أن شاء الله هنلاقيها.
صاح مراد باختناق:
- انا جاي في ثواني.
نهاية الفصل
اقتباس من الفصل القادم...
وضعت رحمة يدها على كتف نورا قائلة بحنان:
- طب انتي ليه مش عايزة تقوليلي عنوان جوزك أو حتي عايزة ترجعي...هو أكيد هيقدر موقفك وبعدين من كلامك عنه و حكايتك معه واضح أنه بيحبك اوي لا وكمان بيعشقك.
أبتسمت نورا بمرارة:
- طب أنا لو قولتلك هاستفيد إيه...ارجوكي يا رحمة لو فعلاً بتعتبريني أختك متسأليش تاني...كفاية لحد كدا انا تعبت من نظرات الشفقة عشان شايفين إني مريضة نفسية.
تابعت حديثها بارتعاش:
- دلوقتي لما يعرفوا بحالتي دي هيكسروني اكتر وانا خلاص مش عايزة أبقي عبئ على حد، تعرفي أنا عايزة إيه؟ انا عايزة أموت.
نظرت لها رحمة بحزن سرعان ما أفرغت فاهها بصدمة عندما وجدت نورا تسير بخطوات سريعة مستندة على الجدار ثم توجهت نحو حافة السطح...
بينما في الأسفل جلس محمد يبتسم بخبث وهو يعبث بالشريط اللاصق بيده منتظراً ذهاب رحمة للسوق حتي يصعد إلي نورا و يحقق مبتغاه..
(أختفاء!)
شهقت رحمة بفزع و تسارعت دقات قلبها بوجل وهي تقترب من تلك المسكينة التي اندفعت الدماء من رأسها بغزارة ! ثم أزاحت جسد جاسر من فوقها بعنف و أمسكت يدها تجس نبضها وهي تدعو ربها في سرها أن ينقذها، حاولت إيجاد أي شيء حتي تُوقف به ذلك النزيف ولكن توترها لم يساعدها على ذلك فخلعت حجابها سريعاً وهي تُحكم ربطته حول رأسها ... ثم ركضت نحو غرفتها سريعاً حتي كادت أن تتعثر و تسقط عدة مرات و سحبت طرحة أخري وضعتها على رأسها بإهمال وهي تحاول تهدئة نفسها قائلة وهي تلهث بعنف:
- أهدي يا رحمة انتي بتعملي اللي المفروض يتعمل دي بنت بريئة ملهاش ذنب في أي حاجة .... المهم أهرب أنا وهي في مكان آمن عشان لو وقعت انا ولا هي في أيد جاسر مش هيرحمنا.
توجهت نحو جاسر و هي تنظر إليه باشمئزاز و خذلان فقد وصلت به ذروة انتقامه حتي وصل به الأمر بأن يؤذي روحاً بريئة ليس لها حول ولا قوة ... أنحنت جالسة على ركبتيها وهى تقترب منه واضعة يدها المرتعشة في جيب سترته تحاول إيجاد ما يمكن مساعدتها حتي تهرب من هذا المكان، حتي وجدت حوالي سبعة مفاتيح مختلفة عن بعضهم فأخذتهم وتوجهت نحو الخزينة المالية في دولابه وبدأت تحاول فتحه حتي استطاعت بعد محاولات عدة وأخذت حوالي ثلاث آلاف جنيهاً منها بإرتجاف حتي تذهب بها إلى المشفي، سحبت رحمة جسد نورا سريعاً إلى الممر الضيق الموجه إلى بوابة صغيرة ليس حولها حراس ولا يستخدمها أحد فهي خاصة بالخادمات حتي تُسهل لهم الخروج لأنها بالقرب من الشوارع الرئيسية و وسائل المواصلات المتعددة
وضعت يدها على فمها تكتم شهقة فزعة وهي تستمع إلى أحد الحراس ينادي بإسم جاسر
"يارب يطلع برا و ميحسش بحاجة، يارب خليك معايا عشان أقدر اطلع من هنا أنا وهي على خير، انا خايفة اوي!!" ظلت تتمتم بداخلها وبالكاد تحبس أنفاسها حتي لا يشعر بها ذلك الحارس....تنفست الصعداء عندما أحست بالهدوء يبدو أنه خرج مرة ثانية ! أكملت طريقة حتي وصلت إلى تلك البوابة الصغيرة ففتحتها بوهن وهي لا تزال محتضنة نورا، ثوانٍ واستمعت إلي صوت صياح الحراس في الداخل عندما دلفوا إلى غرفة جاسر، تشعر بأن حان موعد موتها لا محالة ولكنها ستتماسك قدر المستطاع حتي لو كلفها الأمر الكثير، وجدت سيارة تاكسي يركبها سائق يبدو عليه كبر السن و الوقار فأشارت له بلهفة و عيناها تذرف الدموع بغزارة.
وقف السائق أمامها وهو ينظر إليهم قائلاً باندهاش:
- في إيه يا بنتي؟! ومالها اللي معاكي دي؟.
نظرت له برجاء وهي متشبثة بنورا قائلة بتوسل:
- ساعدنا ارجوك و ودينا على مستشفى البنت هتموت.
خرج ذلك السائق وهو يساعدها على وضعها في المقعد الخلفي ثم جلست رحمة بجانبها واضعة رأس نورا على ساقيها قائلة بارتعاش:
- بسرعة الله يخليك بس ودينا على مستشفى تكون مش مشهورة عشان الفلوس اللي معايا مش هتساعدنا... أقولك خدنا على مكان يكون بعيد عن هنا ميقدرش يوصل لينا.
حدثها السائق بهدوء وهو يعطيها زجاجة مياه:
- أهدي يا بنتي، انا بشتغل في مستوصف بس بالنهار ممكن اوديكي هناك دلوقتي...بس قوليلي انتوا هربانين من إيه؟!.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها ثم هتفت بصوت بح من البكاء:
- هحكيلك اللي أنت عايزه بس اطمن عليها الاول.
أومأ لها السائق بتفهم ثم أخذ هاتفه الصغير وأعطاه إياها قائلاً:
- طلعي رقم بإسم محمد سالم واتصلي بيه.
نظرت له بتوجس فابتسم لها قائلاً بهدوء:
- محمد يبقي أبني اتصلي عليه عشان يسبقنا على المستوصف...بس قوليله ميجبش سيرة لحد عشان محدش يقلق عليا.
و بالفعل أتصلت بالرقم المدون فأتاها صوت محمد:
= ايوا يا بابا أنت أتاخرت ليه؟
- احم...حضرتك الأستاذ محمد؟.
= ايوا انا محمد انتي مين و بتتصلي من رقم أبويا ليه؟
ثم أضاف بلهفة وخوف:
= ابويا كويس صح؟.
- ايوا باباك كويس وهو بيسوق أهو...بس هو بيقولك روح على المستوصف اسبقه فيه ومتقولش لحد من البيت.
= يادي النهار اللي مش فايت ما تنطقي تقولي حصله ايه يا بنتي؟.
زفرت بإنزعاج من ذلك الغبي فتحدثت بعصبية:
- مانا قولتلك أبوك كويس واخلص روح على هناك.
نظر محمد إلى الهاتف بدهشة عندما أغلقته دون الإستماع إلى كلامه ليتمتم رافعاً أحدي حاجباه:
- مين بنت المجنونة دي كمان؟! انا هروح على هناك وأمرى لله.
أمّا رحمة فوجهت نظرها إلى تلك الساكنة بين يدها قائلة بحزن:
- هو لسه كتير على المستوصف ده يا عم سالم؟.
هز سالم رأسه بالنفي قائلاً وهو يقترب من وحدة صحية صغيرة مكونة من ثلاث طوابق يبدو عليها عدم الإهتمام من الداخل ومن الخارج ويوجد بها جمع من المرضي والناس الفقراء...وقف سالم وفتح السيارة ليقترب منهم محمد الذي كان بأنتظارهم فنظر إلي والده بأستفهام:
- مين دول يا حج؟.
لكزه سالم قائلاً بحدة:
- جرا ايه يا حيلة أبوك وانا لسه هحكيلك اللي حصل ولا إيه... أخلص ياض وشيل البنت عشان ندخلها.
أومأ له محمد باقتضاب وهو يشمر ساعديه قائلاً بخفوت:
- استعنا على الشقا بالله.
أقترب ليحملها لتتسع عيناه قائلاً بهيام:
- مين ابن الجزمة الحيوان اللي يعمل في حتة القمر دي كدا... أنا لو منه كنت رميت نفسي في النار عشانها !!!
صاحت رحمة من وراءه عاقدة ذراعيها أمام صدرها:
- ما تحترم نفسك يا أخ أنت... إيه قلة الأدب بتاعتك دي.
استدار محمد بعصبية حتي يسبها فهذه الفتاة استفزته منذ أن اتصلت بهاتفه ولكنه ما أن وقع نظره عليها حتي أخذ ينظر إليها بوله و بلاهة قائلاً في نفسه:
- دا إيه اليوم اللي بيحدف قمرات ده! هو فيه كدا!!
صفعه والده على مؤخرة عنقه قائلاً بنفاذ صبر:
- المرارة يا أبن المفضوحة هتفجرني.
حمحم محمد بحرج وهي يضع يده على مؤخرة عنقه:
- برستيجي ضاع خالص... يالا مفيش مشكلة.
حمل محمد نورا وسار بها سريعاً صارخاً بالطوارئ:
- يا جماعة حد يلحقنا البنت بترووح منا...الحقونا.
وبالفعل بعد صراخه هذا هرول نحوه أحدي الأطباء ونقلوها على فراش مهترئ إلى غرفة الطوارئ!!
«توضيح»
~سالم: رجل في أوائل الخمسين من عمره~
~محمد سالم: شاب في الثامنة والعشرون منه عمره، ذات ملامح قاسية~
~~~~~~~~~~~~~~~~
جذبها مراد من شعرها بقوة بعد أن أنتهي منها ليرغمها على الوقوف ثم تحدث بفحيح الأفعي:
- لو شفت وشك تاني حتي لو بالصدفة بس قولي علي نفسك يا رحمن يا رحيم...انطقي وقوليلي يا بنت الـ**** من امتا الكلام ده بيحصل؟.
تثاقلت جفونها قائلة بجبروت:
- انا هدفعك تمن اللي أنت عملته فيا دا غالي أوي يا مراد...أنت لسه متعرفش ديما كامل ممكن تعمل فيك إيه، وزي ما أنا حبيتك هكرهك أضعاف.
قهقه مراد بسخرية وهو يصفق لها بحرارة سرعان ما تحولت ملامحه إلى ملامح مرعبة تبعث الرجفة في القلوب:
- هايل يا فنانة ندخل بقا على المشهد التاني...كنتي بتقولي ايه فكريني...آه كنتي بتقولي أنك حبيتيني!!! هههه لا حقيقي أتاثرت وهموت من زعلي دلوقتي...ما تفوقي يا قذرة يا ***** انا كنت هسمعلك قبل ما أعمل فيكي كدا بس فاطمة الخدامة أكدت ظني وهي بتقول أنها سمعتك بتقولي للواطي الوسخ التاني أنك حامل منه!! عارفة مناخيرك اللي أنتي رفعاها في السما و الفلوس اللي بتاعتي اللي كنتي بتجري وراهم و بتسرقيهم مني عشان حبيب القلب هخليكي تبكي بدل الدموع دم عشان تبقي تلعبي بعداد عمرك....تعرفي أنا نفسي اقتلك بأيدي بس للأسف انت أخت ميس اللي الفرق بينك وبينها زي السما والأرض وانتي حتة عاهرة زبالة مينفعش أسوء سمعتي عشان واحدة قذرة زيك.
صرخت بحقد و بكاء:
- ميس و نورا الهوانم بتوعك...في الأول فضلت ميس عليا وأنت كنت شايفني بحبك و عايزاك قد ايه....وبعدين نورا هانم حبيبة القلب، دنا كنت بشوف في عينيك لهفة لما حد يجيب سيرتها كأنها محور الكون بالنسبالك، غيرتك كانت واضحة اوي يا مراد ! حتي لما بعتت حازم ليك بالصور اللي انا عملتها خيبت ظني و توقعاتي لما ضربت أخوك وطردته عشانها....بس صدقني يا مراد هدفعك تمن اللي أنت عملته فيا أنت و السنيورة بتاعتك غالي أوي وميبقاش أسمي ديما كامل ألا وانا شايفاكم بتتعذبوا.
أبتسم نصف ابتسامة لم تلامس عيناه أظهرت أنيابه ثم صفعها صفعة قاسية جعلتها تسقط أرضاً ... ولكن حقاً تشعر بالخدر في وجهها من كمية الصفعات التي تلقتها منه منذ أن أتت إلى هذا المكان المشؤوم ... جذب مراد أحدي الشراشف ثم وضعها على جسد ديما الشبه عاري بسبب فستانها الممزق و سحبها بقبضته القاسية من ذراعيها يجرها خلفه إلى أن وصل بها إلي سيارته فدفعها بعنف في المقعد الأمامي وتوجه ليسير بسيارته بسرعة جنونية غير عابئ لصراختها المتألمة و المتوسلة حتي لا يخبر والدها بما فعلت فهي تعرف أن عقاب والدها سوف يكون وخيم وسوف يجعلها تذهب إلي عمها الذي بالتأكيد سيقتلها إذا علم بالأمر فهو عمدة صعيدي لن يتهاون بدفنها حية.
هبط من سيارته أمام فيلا والدها ليسحبها مرة ثانية وقبضته العنيفة تلك تكاد تهشم عظام يدها ! دلف إلي داخل الفيلا بخطوات سريعة جعلت ديما تسقط أرضاً عدة مرات ولكنه حقاً لن يكترث لها ولا لألمها فيكفي ما فعلته به و أخته!
- في ايه يا مراد ايه اللي أنت عامله في البنت ده؟!.
صرخ به كامل وعيناه تكاد تخرج من مكانها مما يراه.
بينما دفعها مراد أرضاً وهو ينظر إليها بكراهية و اشمئزاز قائلاً بحدة:
- أسأل الهانم بنتك....وبالمناسبة بنتك طالق بالتلاتة.
شهقت والدتها و والدها بصدمة ولكنه لم يكترث لما يقولوه والحاحهما إنما ذهب سريعاً يشعر بغليان الدماء بعروقه يقسم بداخله أن يذيق علي وابل من العذاب.
ظلت رحمة تجوب في الممر ذهاباً وإياباً يتآكلها الخوف و القلق الشديد، حتي خرج إليهم الطبيب وعلى وجهه علامات الأسي فركضوا نحوه ثلاثتهم و تحدث سالم بلهفة:
- طمن قلبنا يا دكتور قاسم هي عاملة ايه دلوقتي؟!.
هتف الطبيب بعملية:
- للأسف الخبطة أثرت على دماغها و سببت فقدان بصري ليها
الجمت الصدمة لسان رحمة وهي تقول بانهيار:
- يالهوي يا حسرة قلبي عليها...منك لله يا جاسر.
تحدث محمد بعدم استيعاب:
- يعني ايه فقدان بصري ؟! فهمني يا دكتور.
زفر الطبيب بنفاذ صبر:
- يعني هي مش هتقدر تشوف أي حاجة تاني...و المفروض تعمل عملية برا مصر في أسرع وطبعاً هي في غيبوبة منعرفش ممكن تفوق امتا.
لطمت رحمة خديها قائلة:
- انا معرفش مين أهلها ولا أعرف عنها حاجة غير أنها أسمها نورا طب اعمل ايه؟! جاسر هيموتها و يموتني لو رجعت تاني!
ربت سالم على كتفها قائلاً برفق:
- أهدي يا بنتي أن شاء الله هنلاقي حل للمشكلة دى...خليكي واثقة في ربنا وأن كان على المكان احنا عندنا أوضة في الدور الأخير فيها سرير و صالة وحمام ومطبخ صغيرين، يعني ممكن تنامي فيهم انتي وهيا لما تفوق لحد لما ربنا يحلها من عنده.
هزت رأسها بشرود، احتلت معالم الحزن و الأسى وجهها بالرغم من عدم معرفتها بهذه الفتاة ولكن صراخها و ملامحها البريئة كنصل حاد يُغرس في قلبها...هي حقاً لا تعلم من هي كل ما تتذكره هو تحذير جاسم لها بالا تتدخل بينهما، تُري من هي؟ وماذا فعلت به حتي يفعلها بها هذا الأمر؟ الشنيع....يالله كانت تعتقده هادئ و مظلوم ولكن ما فعله أثبت بأنه شيطان مجرم لا يستحق الرحمة!!
أبتعد سالم بأبنه قائلاً بتحذير:
- البنت هتقعد فوق السطح وهي تحت حمايتي أنا وإياك تفكر تنفذ حاجة من اللي عقلك بيصوره ليك وإلا قسماً بربي اقتلك.
أبتسم محمد ببراءة مصتنعة:
- معقول تقول عليا كدا يا حج...دا انا حتي زعلان عليهم أوي أوي وهما زي شروق أختي.
هز سالم رأسه غير مطمئناً من أبنه قائلاً بضيق:
- يارب تكون صادق بس.
أبتعد سالم مرة ثانية متجهاً نحو رحمة، بينما بلل محمد شفتاه برغبة يتمتم بارتعاش:
- ليه هو أنا أهبل عشان اسيبهم كدا...بس حتي لو معرفتش أطول اللي اسمها رحمة دي هعرف أطول العمية دي عليها حتة جسم ولا فيه أحلي من كدا.
(اقولكم على حاجة انا مش مطمنة )
تحدث سالم بهدوء إلي رحمة:
- شوفي يا بنتي انا عايزك تكوني واثقة أن ربنا معاها و أن شاء الله اللي جاي كله خير وبعدين جاسر اللي أنتي بتتكلمي عنه ده مش هيعرف يوصل لحاجة لأننا في مكان بعيد عنه تماماً ومستحيل يفكر أنكم هنا.
ثم أضاف قائلاً بحنان:
- انا بيتي قريب من هنا في الشارع اللي بعد ده تعالي ارتاحي شوية عشان وجودك هنا ملوش لازمة انتي زي ما سمعتي هي دلوقتي في غيبوبة ومش عارفين هتفوق امتا.
أومأت له بابتسامة شاحبة ثم قالت بنحيب:
- انا خايفة عليها أوي يا عمو قلبي واجعني عليها مش عارفة هيكون رد فعلها عامل إزاي لما تفوق، لأ روح أنت وأنا هفضل جمبها.
تنهد سالم قائلاً:
- أسمعي الكلام يالا أنتي كمان تعبانة وبعدين انا بقولك البيت قريب من هنا وانا قولت للدكتور لو فاقت في أي وقت يتصل بيا...يالا بقا بالله عليكي انتي عنيدة كدا ليه؟!
ذهبت معه على مضض وهي تدعو ربها بداخلها أن يحفظها.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
توجه علي إلي فيلا جاسر وهو يبتسم بخبث فقد حقق مبتغاه ويجب أن يهرب بأسرع وقت حتي لا يقتله مراد لا محالة، وما أن دلف إلي الداخل حتي نظر باستغراب نحو الطبيب الذي قابله في طريق الخروج ففتح غرفة جاسر قائلاً بخبث:
- للدرجادي أذيتها طب كنت اعمـ...
توقف من تلقاء نفسه عندما وجد جاسر متسطح فوق الفراش ويُغمض عيناه بوهن فتحدث علي مرة ثانية بتوجس:
- في إيه يا جاسر؟! البت راحت فين وايه اللي عمل فيك كدا؟
أبتسم جاسر باستخفاف:
- هربت.
ضيق علي عيناه ينظر إليه بغباء:
- مين اللي هربت مش فاهم حاجة وبلاش برود انا زهقت من برودك ده.
برود كالصقيع هو رد فعله، سأم من كل شيء حوله ها هي قد هربت هي و رحمة ولكن المؤكد له بأن نورا تأذت كثيراً! دمائها هذا بعث الريبة في قلبه، لن يلوم رحمة على رد فعلها أو يحاول البحث عنها فيكفي أنها تراه مجرم، أبتسم بداخله بسخرية لم يكن يعلم بأن رأيها به يشغله لهذه الدرجة، بل و الأدهى من هذا أنه يتسائل إذا كان سوف يراها مرة ثانية أم لا !!
يا لسخرية القدر!
أفاقه من شروده صوت علي الغاضب:
- يعني كل اللي انا خططته فشل بسبب حضرتك؟! انا كنت ناوي اهدد مراد بيها عشان يتنازل عن أملاكه.
أشار له جاسر بيده يهتف بلامبالاة:
- اخرس يا غبي راسي صدعت من زنك واتفضل روح دور عليها انا مليش دعوة.
نظر إليه علي بزهول:
- ملكش دعوة اللي هو ازاي يعني هو مش أنت اتفقت معايا وقولت أنك هتساعدني عشان استولى على أملاك مراد؟!
تآفف جاسر بضيق قائلاً بتهكم:
- ايه كمية الأسئلة بتاعتك دي! انا بجد صدعت منك.
تحدث علي بغضب:
- انا عليا و على أعدائي يا جاسر ولو وقعت مش هقع لوحدي.
أماء له جاسر ببرود ليخرج علي صافعاً الباب خلفه بغضب.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
صرخ مراد بجنون وهو يسب و يلعن الجميع بغضب مستعر عندما أخبره أحدي الحراس بذهابها مع علي في الصباح، قلبه يصرخ بالخوف عليها....شعوره بالقلق عليها من ذلك الوغد يجتاح كيانه! أتاه صوت رنين هاتفه بإسم علي ليجيبه بصراخ:
- وديت نورا فين يا أبن الكاااالب؟
رد علي بهدوء مستفز:
= أبداً يا سيدي وديتها بيت جاسر رشاد.
عروق عنقه بُرزت من غضبه يشعر بغليان دمائه ليقول بوعيد:
- قسماً بربي لو حصلها حاجة لوريك النجوم في عز الضهر يا ****.
قهقه علي بسماجة:
- تؤ تؤ تؤ بلاش الغلط يا ابن عمي عشان أنا زعلي وحش.
ألقي مراد الهاتف أرضاً حتي تحطم لأشلاء...ثم نظر إلي الحراس بعين مشتعلة وبدأ في ضربهم و لكمهم بجنون.
- مراد أنت اتجننت! إيه أنت بتعمله ده.
أفاقه من دوامة غضبه صوت والده الحازم ليخلل شعره حتي كاد يقتلعه بيداه ثم توجه إلى الأعلى راكضاً حتي دلف إلى غرفته فأخذ سلاحه و أخذ هاتفه الآخر سريعاً وقام بالاتصال بفتحي قائلاً بصراخ:
- هبعتلك عنوان مكان عايزك تهد الدنيا و تدور على نورا أنت و الرجالة وانا هسبقكم على هناك...خمس دقايق و تكون هناك.
بعد مرور بعض الوقت زئير مكابح سيارته وقف أمام تلك الفيلا واتبعه أربعة سيارات الحراس.
بدأ حراس مراد بصراع قوي مع حراس جاسر حتي أصبحوا حطام! بينما دلف مراد إلي الداخل يبحث في كل مكان يصرخ بأسم جاسر و نورا حتي شعر بأن حلقه قد جُرح...فتح باب أحدي الغرف بعنف عندما وجد إنارة بها ليتسمر جسد جاسر و شحب لونه.
سحب مراد جاسر من الفراش بعنف وهو يمسكه من تلابيب ملابسه:
- أنطق يا حيوان نورا راحت فين؟؟!
دفعه جاسر بقدمه في خصره محاولاً الدفاع عن نفسه قائلاً بحدة:
- هي هتيجي عندي ليه يعني؟.
بدأ مراد بسبه بانفعال:
- أسمع يا حيوان أنت انا عارف حقيقتك الوسخة و هموتك بس القيها الأول.
بدأ في صفعه و ركله و لكمه بكل ما أوتي من قوة...لا يستطيع كبح رغبته في قتله الآن! تحدث جاسر بوهن و تثاقلت جفونه:
- هربت.
فقد جاسر الوعي من شدة الضرب المبرح الذي تلقاه حتي كاد أن يفارق الحياة!
لهث مراد بعنف عقله يصرخ بأنها ليست موجودة هنا من الممكن أن تكون هربت بالفعل! ماذا يفعل الآن؟! يشعر بأنه على وشك السقوط من شدة الألم فذلك الغبي عندما دفعه كانت مكان الرصاصة التي أخذها...تحامل على نفسه بصعوبة وهو يهتف بالحراس:
- مش عايز النهارده يعدي غير لما نورا تكون هنا قدامي فاااهمين.
أومأ له جميع الحراس بخضوع و خوف ليتهاوي بجسده على أقرب كرسي وضع يده على خصره ليجد يده ممتلئة بالدماء...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور أسبوع...
فتحت جفينها ببطئ وشعرت بيد تدعمها ولكن سحقاً لا تري شيئاً كل شيء حولها قاتم...ارتجف جسدها و بدأت تتصبب عرقاً قائلة ببكاء:
- ضلمة ضلمة...مراد أفتح النور انا خايفة، أفتح النور في ضلمة!.
تعالي صوت بكاء رحمة في حسرة على حال هذه الفتاة لتقول ببكاء:
- أهدي يا حبيبتي أنا معاكي متخافيش.
ظلت نورا ترفرف بأهدابها و تهز رأسها في أرجاء المكان قائلة بذُعر:
- مراد فين؟ ناديه لو سمحتي خليه يفتح الأنوار طالما انتي مش هتفتحيه.
صمتت رحمة لا تستطيع أخبارها بما حدث بالتأكيد ستنهار ولكن محمد ذلك الغبي الأحمق صاح قائلاً:
- الدكتور قال إن الحادثة اللي انتي اتعرضتي ليها سببت ليكي فقدان بصري.
نظر كلاً من رحمة وسالم و زوجته إلى محمد بغضب و خزي فنظر لهم محمد ببراءة مصتنعة، بينما دوي صوت ضحكاتها في أرجاء الغرفة حتي انقلبت إلى هستيريا لم تستطيع إقافها قائلة بصوت متقطع:
- أنت....بتهزر...صح...هههه...نادي مراد...انا خايفة.
أقتربت منها زينب (زوجة سالم) وهي تربت على يدها قائلة بحنو:
- أهدي يا حبيبة قلب أمك وتعالي معانا يالا...دي حاجة ربنا كتبها مينفعش تعترضي
غرقت دموعها الغزيرة وجنتها تهز رأسها بعنف وعدم تصديق!! جذبتها زينب إلى أحضانها بحنان أموي وظلت تمسد على شعرها لتبدأ نورا بنوبة صراخ تخرج من أعماق قلبها لم تتوقف إلا عندما أعطاها الطبيب حقنة مهدئة فارتخي جسدها بين ذراعي زينب.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أسبوع لم يرأف به ولا بقلبه ولا روحه عندما سلبتهم نورا قبل رحيلها ! لا يزال لا يُصدق اختفائها بهذه الطريقة بحث عنها بجنون، وجهه شاحب شحوب الأموات يحتضن وسادتها يستنشق عبير ورودها، قلبه يتمزق إلى أشلاء كلما أتصل به حراسه وأخبروه بفشل محاولاتهم في البحث عنها، لا يُصدق بأنه ظل يسأل في الشوارع كالمجنون !!
أغمض عيناه تاركاً العنان لدموعه بالانهمار بالتأكيد لم يحدث لها مكروه!
أسبوع حزين و قاسي مر على الجميع ما بين صدمة واخري.
تذكر حديثها الأخير قبل سفره وهي تقول بعذوبة:
"شوف يا سيدي لما تحس إني وحشتك أو أنا أحس إنك وحشتني هنغني اغنية بحبك وحشتيني وساعتها هنحس ببعض"
جلس على الكرسي أمام البيانو الخاص بها وهو يتلمسه بأنامله على ثغره ابتسامة منكسرة ثم بدأ بالغناء بصوت عميق عذب
وبحبك وحشتي، بحبك وأنتي نور عيني
دا وانتي مطلعه عيني ... بحبك موت
لفيت قد ايه لفيت
مالقيت غير فحضنك بيت
وبقولك انا حنيت ... بعلو الصوت.
وكأن الوقت فبعدك واقف مابيمشيش
وكأنك كنتي معاي بعدتي ومابعدتيش
فى دمى حبيبتـى وامى وزى ماكون ... ببتدى اعيش.
بعدت وكنت هاعمل ايه
مين يختار غربته بأيديه
لأكن حبك دا مانسيتهوش وعاش فيا
ليهاتأسف على الغيبه؟ ماغبتيش لحظه وقريبه
محدش عنده كده طيبه ... وحنيه.
وكأن الوقت فبعدك واقف مابيمشيش
وكأنك كنتي معايا بعدتي ومابعدتيش
فى دمى حبيبتى وامى وزى ماكون، ببتدى اعيش.
وبحبك وحشتيني
بحبك يانور عيني
دا وانتي مطلعه عيني
بحبك موت.
أنهي غناءه وهو ينظر إلى هاتفه الذي يرن منذ فترة طويلة دون كلل أو ملل، التقته وهو يزفر بحنق فهو يعلم اجابتهم وهي عدم إيجادها...!
أجاب على الهاتف بحدة:
- عايز ايه يا زفت طبعاً هتقول أنكم مش لاقينها عشان مشغل عندي شوية بهايم حمير ميعرفوش يعملوا حاجة.
أتاه صوت فتحي المتوتر:
= آآآ احنا روحنا فيلا جاسر رشاد تاني و شفنا كاميرات المراقبة بتاعت الشارع التاني لقينا واحدة ساحبة المدام نورا و دخلتها تاكسي...احنا جبنا رقم التاكسي.
ابتلع ريقه بصعوبة قائلاً بخوف:
- ساحباها ازاي؟! هي نورا مالها؟.
رد فتحي بتلقائية:
= احنا قربنا كاميرات المراقبة لوشها لقينا محطوط طرحة على رأسها و... احم احم ... كان في دم نازل على وشها.
دلو مياه سُكب عليه في ليلة قارصة البرودة...عيناه متسعة بوجل....ثوانٍ يبكي!! يبكي كالطفل الضائع...هذا الرجل الجبروت الذي يتعامل بغطرسة و شموخ بهذه الحالة!!
حمحم فتحي بارتباك لا يوجد كلمات يستطيع أن يواسيه بها فهتف قائلاً بقلق عندما أستمع إلى صوت نحيب مراد:
= مراد بيه متقلقش احنا هنوصل لمكان العربية اللي اخدتها و أن شاء الله هنلاقيها.
صاح مراد باختناق:
- انا جاي في ثواني.
نهاية الفصل
اقتباس من الفصل القادم...
وضعت رحمة يدها على كتف نورا قائلة بحنان:
- طب انتي ليه مش عايزة تقوليلي عنوان جوزك أو حتي عايزة ترجعي...هو أكيد هيقدر موقفك وبعدين من كلامك عنه و حكايتك معه واضح أنه بيحبك اوي لا وكمان بيعشقك.
أبتسمت نورا بمرارة:
- طب أنا لو قولتلك هاستفيد إيه...ارجوكي يا رحمة لو فعلاً بتعتبريني أختك متسأليش تاني...كفاية لحد كدا انا تعبت من نظرات الشفقة عشان شايفين إني مريضة نفسية.
تابعت حديثها بارتعاش:
- دلوقتي لما يعرفوا بحالتي دي هيكسروني اكتر وانا خلاص مش عايزة أبقي عبئ على حد، تعرفي أنا عايزة إيه؟ انا عايزة أموت.
نظرت لها رحمة بحزن سرعان ما أفرغت فاهها بصدمة عندما وجدت نورا تسير بخطوات سريعة مستندة على الجدار ثم توجهت نحو حافة السطح...
بينما في الأسفل جلس محمد يبتسم بخبث وهو يعبث بالشريط اللاصق بيده منتظراً ذهاب رحمة للسوق حتي يصعد إلي نورا و يحقق مبتغاه..