رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل السابع عشر 17 بقلم نهال مصطفي
تلك المرة لم تستطع منع نفسها كي تكتب له ، استجمعت عباراتها وعبراتها وكتبت :
-الطيور لديها أجنحة ونحن لدينا قلوب .. كلاهما اسمى معاني الحرية، وقلبي مثلما تجرع الحُب بقربك ، تمتع بأسمى معاني الحُرية في بُعدك ، في الحالتين ، أنا لم أخسر شيئًا .
لم يتوقف عن إرسال المزيد حيث كرر رسالته عدة مرات :
-رسيل ..
رسيل …
أنا أحبك يا رسيل …
فزعت من نومها صارخة ، فاندفع إليها عاصي الذي قضى ليلته بجوارها في المشفى ، وهو يربت على جسدها المرتعش الذي يتصبب عرقًا ويهدئ من روعها :
-أنتِ كويسة !
تفقدت أركان الغرفة بعيونها اللامعة حتى استقرت أمام عيونه ونطقت بصوت خفيض :
-رسيل !
انعقد حاجبيه بغرابة وهو يمسح على شعرها بحنو لم يعلم من أين تسرب إليه :
-رسيل مين ! أنت كويسة .
ضرب الصُداع رأسها هي تغلق جفونها كمن يرفض ماضيه وحاضره في آن واحد وظلت تهذي بدون وعي وتردد ذلك الاسم الذي لم تعرف مصدره ، فشل عاصي أن يقلل من فوضى عواطفها فـ ركض مُناديًا على أحد الممرضات كي تحضر الطبيب بأسرع وقت .
••••••••••
- إن أقسى ما فعلته في حق ذاتي هو أني ارتضيتُ لها الهرولة والمضي في طرقٍ ظننتُها ستحمل في نهاياتها غاياتي المبهجة .. ولكن للقدر رأي أخر ، باتت الكوابيس تهاجمني في الواقع أكثر من أحلامي ، إلى أين المفر يا ترى وكل يوم يأتي مُحملًا بمفاجئات مُباغتة .
تجلس فادية ونوران وشمس عند أحد الجيران بعد ما تم طردهم من الشقة ، وقاموا رجال عبلة بتكسير الأثاث وتحطيم كل ما به ، وانقلابه رأسًا على عقب ، أخذت فادية وضع الولولة والصياح على تلك الأحداث التي لا يمكن تحملها .
اقتربت منها شمس ونوران وحضنتها بحب وأخذت تواسي فيها بقلة حيلة ، حضنت فادية كفوف أحفادها وتأملت ملامحهم بعيون مودعة وقالت موصية :
-أوعي تتخلي عن أختك يا شمس ، خليكم سند لبعض ، عايزة اقابل أمكم وأنا مش شايلة همكم ، أنا عارفة الحمل تقيل عليكم ، بس بكرة هتروق وتحلو ، الصبر مفتاح الفرج يا بنات .
انهارت شمس ونوران في البكاء ، حتى ارتمت الاولى بين ذراعيها وعانقتها بقوة ودموعها تنهمر من بِرك الحزن وتقول بصوت مبحوح :
-بتقولي أيه يا فوفا ، أحنا ما نقدرش نكمل من غيرك ، هتفرج والأيام هتعدي وهنقعد نضحك على الغم ده !
انضمت لهم نوران بذراعيها الفتوحة وهي تطوقهم بضعف :
-خلاص بقا بلاش نكد ، حاسة إني عايزة اجيب اللي ماتتسمي دي من شعرها .
جاءت الست حمدية جارتهم وبيدها كاسات عصير الليمون وهي تواسيهم :
-بالله عليكم ما تزعلوا ، كل حاجة وليها حل .
لاحظت شمس برودة كف جدتها وارتخاء أعصابها القابضة على كفها الصغير ، فارقت حضنها ببطء وهي تكذب أحاسيسها وتتمتم بصوت خافت ، وعيون شاردة أوشكت على الانخلاع من شدة الجحوظ ، وهمست :
-فوفا !
بللت حلقها وهي تتأمل ملامح جدتها المتجمدة التي لم تتحمل ثُقل الصدمات وفارقت روحها الحياة هاربة من آسى ما بها ، أخذت شمس تمسح على وجهي جدتها بترجي وهي تهذي باسمها مرارًا وتكرارًا حتى تأكدت من جمود جسدها تمامًا وعدم استجابتها لنداءهم المتكرر ، فقدت فادية اتزانها وارتمت على الأريكة التي تجلس عليها مغادرة تلك الغابة التي لا ترحم فيها الكائنات الضعيفة .. صرخة مدوية اندلعت من جوف نوران وشمس في نفس واحد ، نفس أعلنا فيه خسارتهم لعمودهم الأخير بالحياة .
ظلت تهذي شمس بجنون وهي تقبل كفها :
-فوفا قومي يا فوفا متهزريش ، قومي عشان خاطري ، أنا مقدرش اعيش من غيرك ، قومي طيب مين هيشيل ولادي .
ثم صرخت بكل ما أوتيت من حزن وانفجرت في بكاء لا يتوقف ، الأصعب من الموت هو أنك ترى أحبتك تتساقط أمام عينك كأوراق الشجر ، تلك الشجرة التي ظنت ببقاء أوراقها لما لا نهاية ، فـ على من يُلقى اللوم ! على الورقة التي لم تحافظ على العهد أم على الخريف الذي كسر الغصن !
••••••••
تقف " عالية " أمام المرآة تغير على جرحها بحرصٍ شديد حتى انتهت من تطهيره وضماده من جديد ، ثم تناولت أدويتها وجلست لتستريح على الأريكة وهي تقضم أظافرها من شدة الملل ، مثلها شغوف بالعمل والنظام والدراسة والرسم ، فجأة سُلب كل هذا منها وبقيت هي والشغف وجهًا لوجه .
تجاهلت وجعها وعاندت ألا تستسلم للمرض ، وشرعت في تغير كسوة الفراش ، وإعادة ترتيب الغرفة من جديد بحس هندسي أنيق ، حتى سمعت صوت قفل الباب ، فأخذت نفسها بارتياح وقالت في سرها :
-الحمد لله خرج ، كنت هتخنق في الأوضة .
أسرعت نحو الباب وفتحته وعادة لاستكمال مهامها حتى انتهت من تنظيف غُرفتها على أتم وجه .. خرجت إلى الصالة تتفقد الطعام الذي لم يأكل منه إلا القليل وأخذت تعيد الأشياء في أماكنها بالثلاجة بنظام حتى لملمت جميع الأطباق ووضعتهم بالغسالة المخصصة .
عادت مرة آخرى إلى الثلاجة ووقفت حائرة عما ستشغل نفسها بتحضيره لتقتل الفراغ الذي خيم علي حياتها ، أخرجت طبق اللحم وأخذت تفكر ما ستجهزه للغداء !
-طيب دي أعملها ازاي ؟! ممكن أعملها بطريقة مش بيحبها ..
ثم عادت الطبق مكانه مرة آخرى وأمسك بطبق الدجاج وقالت :
-مفيش حد مش بيحب الفراخ ، أنا هعمل بانيه ومكرونة .
تركت الدجاج بالماء كي ينصهر منه الثلج وفارقت المطبخ متجهة إلى غُرفتها ، ولكنها توقفت أمام غُرفته إثر أنوارها المتقدة ، تقدمت خطوتين فوجدت الغرفة منقلبة رأسًا على عقب ، ملابسه مُلقاة بعشوائية ، خزانته مفتوحة على مصرعيها ، انقلاب الغرفة سبب لها حالة من الضجر لواحدة تدمن النظام والنظافة ، وقفت مترددة للحظات حتى حسمت قرارها مضطره :
-لالا ! أنا مش هستحمل أشوف الشكل دا !
•••••••••••
-يعني أيه يا دكتور ؟!
تلك كان سؤال عاصي الذي أردف بعد حديث الطبيب وتقريره عن حالتها ، أجابه الطبيب بهدوء :
-يعني كل ده طبيعي في حالتها ، هتبدأ تفتكر تدريجيًا عن حياتها ، زي مثلا بتقول اسم رسيل ، ممكن رسيل دا اسم اختها ، بنتها ، أو اسمها هي ، وده في حد ذاته تطور عظيم ..
ثم تبسم له بعرفان :
-حمد لله على سلامة المدام ، هكتب لها على خروج حالًا ، بس هتكون محتاجة متابعة على الجرح ، ممكن ممرضة تتولى الموضوع دا .
انهي عاصي حديثه مع الطبيب ثم عاد إليها وجدها شاردة ، حتى أنها لم تلحظ عودته ، تحمحم بخفوت كي تسترد وعيها وقال :
-الدكتور طمني ، و أنتِ زي الفل !
طالعته بعوينات الحيرة واكتفت بقولها :
-تمـام .
جلس على طرف الفراش ثم سألها :
-ها يا ستي ! قوليلي أيه اللي حصل امبارح ؟!
طرق أبواب الذاكرة السوداوية بسؤاله ، ارتخت تعابير وجهها ساخرة وقالت :
-اجابة السؤال دا مش عندي ، ده عند …
عقد حاجبيه بغرابة مُشككًا في اتهامها الواضح :
-قصدك أيه ! الرجالة قالولي أنه ماس كهربي من شدة الحر هو اللي عمل كده ، أنتِ شاكة في حد ولا أيه !
طالعته بعدم تصديق :
-ماس كهربي في المكان اللي أنا موجودة فيه وبس ! هي كهربا القصر غير كهربا الجناح ؟!
هز رأسه بالموافقة وأيد سؤالها :
-ده حقيقي ، كهربا القصر غير عداد كهربا الجناح عندي .
هزت رأسها بعدم اقتناع :
-تمام !
-هو أيه اللي تمام !
خرجت " حياة " عن صمتها بانفعال :
-واحدة نجت من المـٰوت بأعجوبة ! عايزها تقول أيه يعني ! لو سمحت مش حابة اتكلم .
تفهم الظروف الصعبة التي مرت بها ، فلم يعلق على طريقة كلامها معه واكتفى منسحبًا :
-الممرضة هتيجي تساعدك ، ويلا عشان ترجعي البيت .
رفعت عيونها بتحدٍ :
-انا مش عايزة أرجع المكان دا تاني .
نصب قامته الصلبة وهو يقفل زر سترته :
-المكان ده هو المُتاح حاليـا ، ومش هطمن عليكِ وأنت بعيد !
التوى ثغرها ساخرة من جملته :
-أنا اتأذيت مرتين في بيتك وكنت أوضة نومك وبردو معرفتش تحميني ، المرة التالتة بقا …
قاطعها بحزمٍ :
-من غير كلام كتير ، هستناكي بره لحد ما تخلصي ، ومش عايز حركات عيال ! فاهمة .
رمقته بصمت قاتل مُبطن بأسهم السخرية ثم تحاشت النظر إليها كحركة تلقائية منها لنهي الحوار وتجاهل وجوده ، قرأ بعيونها الاستسلام والرضوخ لأوامره ثم غادر ليحضر أحدى الممرضات ، أما عنها غاصت في ظُلمة أيامها الكاحلة وأغمضت جفونها وهي تهذي في سرها :
-"هذه المرة أنا حقاً لا أعلم ما الذي يعنيه هذا الشعور واللاشعور الذي يملأني ، ولا أعرف كيف سيستقر ،على كل حال أنا لا اثق بهذا الهدوء الذي أعيشه مطلقًا !"
•••••••••
يجلس تميم أمام الشرفة يرتشف قهوته ولم تفارق عيناه شاشة هاتفه ، ظل يطرح على نفسه العديد من الاحتمالات ، هل سترفض أما ستقبل ! فما الذي يجعلها تقبل بشخص مثلي لا ترى به إلا العجز ! و أن رفضت ماذا سأفعل بعد ما اعتدت على وجودها ، منذ يوم غيابها ، غربت معها شمس أيامي ولم تشرق بعد ، وقعت رأسه فريسة لتلك الأفكار الحائرة التي لم يتعثر بجوابها بعد ، ولكنه وقف على شفا سؤاله الأخير :
-أنت حبيتها بجد ولا أيه يا تميم !
ليصدم صوت عقله نافيًا ورافضًا :
-حب أيه بس ؟! أنا بحاول اصطاد عاصي قبل ما يصطادني ! لازم أعرف السبب ورا مجيتها هنا ! آكيد في سر مخبياه يا شمس !
اعترض قلبه بصوت حاد :
-وان كانت فعلا بريئة ! هتظلم واحدة بريئة معاك يا تميم ! مش ده وعدك لأمك ! وعدتها أن حقها هيرجع وبالعدل ، لكن مش معنى كدا تاخد شمس وسيلة لانتقامك !
نهره عقله بحزم :
-الغاية تبرر الوسيلة ! هي لو قبلت عرضي يبقي فعلا وراها سر ، وسر كبير ، ولو رفضت يبقى فعلًا ظلمتها ، وخسرت واحدة نقية زيها بقية عمري !
••••••••••
وصل عاصي بصُحبة حياة إلى القصر ، وتعمدت أثناء الطريق أن تتحاشى النظر إليه والحديث أيضًا ، حاول الانشغال ببعض الأعمال بجانبها كي يشتت تركيزه المحتشد إليها ، كان الصمت يسودهم أغلب الوقت ، حتى قطعه عاصي وهو يأمر السائق :
-الهانم هتنزل القصر ، والملف دا تروح توصله الشركة ضروري ليسري .
أخذ السائق الملف بطاعة :
-أوامر معاليك يا فندم .
دار عاصي إليها بفظاظته المعهودة :
-وصلنا .
لم تُكلف نفسها وتنظر إليه ، اكتفت بقولها :
-عارفة !
رد بصرامة :
-يلا انزلي !
-كل اللي حصل لي دا على فكرة بسببك !
-مش هيتكرر تاني ، يلا انزلي .
التفت إليه بكل حرائقها المتقدة :
-أف ! عايز تفهمني أن عاصي بيه دويدار مش معاه مكان أقعد فيه غير هنا !
ترمد الغرور في جمره وقال :
-أنتِ هنا عشان أنا عايزك تبقي هنا ، لكن لو كان على عاصي دويدار ممكن يجيبلك بيت على سطح القمر لو عايز ده !
-حد قالك قبل كده أنك مغرور ! ومفكر أن الدنيا كلها ممكن تمشي زي ما أنت عايز !
تحول رجل صياد مثله الي طريدة لاتهاماتها ، تبسم بمكر و :
-ااه أنتِ .
كانت تلك آخر جُملة أردفها ثم فتح له أحد رجاله السيارة ، وما كان الاخر متأهبًا لفتح باب السيارة الخاص بحياة ، أوقفه بإشارة من يده وتقدم هو بكامل فخامته وفتح لها الباب بنفسه .
تلاقت أعينها الحائرة بأعينه الصقرية للحظات قطعها بحمله لها بين يدها عندما قرأ العناد بصفحات عيونها ، تملصت منه بتمرد وهي تحرك قدميها في الهواء :
-بقولك نزلني !
استقامت نظراته كما استقامت خطوته وقال ببرود رهيب :
-ماينفعش ، أنت تعبانة !
-مستفز !
نفذ صبرها من جموده وجحود في التحكم بها كعروسة من الخشب يحركها كما يشاء ، دخل القصر وتوجه نحو غُرفته بالطابق الثالث تحت أنظار الخدم اللذين يتهامسون حقدًا وإعجابًا بحبه الساطع لتلك الفتاة .
وصل عاصي إلى غُرفته ووضعها على الفراش برفق ثم شد فوقها الغطاء وقال بثبات :
-واحدة من الخدم هتيجي تقعد معاكِ ، في الوقت الـ هكون فيه بره .
ثم نزع سترته وحذائه ومدد بجوارها بكللٍ ، جحظت عيونها بذهول :
-أنتَ بتعمل أيه ؟!
وضع ساعده فوق جبهته وأغمض جفونه مجيبًا بسخرية :
-منمتش من امبارح ، طبيعي إني أنام بقا !
-طيب وأنا ؟!
تنهد باسترخاءٍ :
-نامي أنتِ كمان .
ابتلعت شعور التجاهل الذي يحاورها به ، وما كادت أن توبخه فوجدته قد غاص في سبات عميق ، لم تجد حلًا أمامها لتفرغ به شحنات غضبها سوى إلقاء الوسادة على وجهه الذي يفجر بجوفها ينابيع الغضب .. وهي تقول في سرها
-"عندما اراك تنتابني حالة من الكره لنفسي بلا سبب أو عـلي الارجح أنت السبب"
•••••••••
مالت الشمس إلى الغروب ، كانت " عالية " تقف بالمطبخ تقلي قطع الدجاج المتبلة بعد ما انهت تحضير المكرونة الاسباجيتي بطريقتها المفضلة ، أحست صوت مفاتيحه بالباب تركت ما بيدها سريعًا متسمرة مكانها لا تعلم ما عليها أن تفعله !
أخذت تستجمع في قوتها مرتدية ثوب التجاهل حتى تأكدت من قدومه عندما سمعت صوت قفل الباب ، بمجرد دخوله تسللت روائح الطعام إلى أنفه وبطنه الجائعة فتبسم ، انتعال حذائه بعشوائية ثم سار متبعًا مصدر الرائحة حتى وجدتها تقف في المطبخ غير مُكترثة لوجوده رغم انتفاضة دواخلها .
جلس على بار المطبخ وهو يُراقبها بصمت وبابتسامة تخدعه رغم عن غروره وترتسم على شفتيه ، استدارت إليه دون أن توجه له أي حديث اكتفت بنظرات خرساء وتناولت منديلًا لتجفف به الدجاج المقلي من آثار الزيت .
استند مُراد على سطح " البار " بفخامة وقال مداعبًا :
-أنا ليـا فيه الاكل ده ؟!
ابتلعت توترها وقالت بدون تفكير :
-أنا اتصرفت وعملت حاجة سريعة كده عشان الأدوية اللي باخدها .
انكمشت ملامحه بضيق مفتعل :
-يعني ماليش فيه !
اتسع فمها بدهشة من هول اتهامها بذنب لم تقترفه ، ولكن ما زالت كلماتها يقودها غرور الصبا :
-ها ! قصدي يعني عادي أنا عاملة كتير .
مد مُراد يده ليرتشف الماء ثم قال معبرًا :
-فطار الصبح كان جميل ، بصراحة اتفاجئت .
بللت عالية حلقها الذي جف من وجوده الطاغي وقالت مُبررة :
-متعودتش ابقي فاضية ، بحب اشغل وقتي دايما ، صحيت صليت الفجر وو
توقف مُراد على أعتاب جُملتها الأخيرة وهو يحاول استيعابها :
-صحيتي ليه !
انخفضت نبرة صوتها بتردد :
-صليت ، أنا متعودة على كده ، وبعدين حسيت بملل قمت اتسلى .
ثم شردت بتردد :
-موبايلي شوفته في عربيتك امبارح ، وما حبتش أخده من غير ما أقولك ، ممكن أخده ، أنا عايزة اطمن على تميم وماما آكيد قلقانة عليا ..
ثم اتسعت عيونها بفرحة طفولية :
-هما آكيد كلموك صح !
مجموعة كلمات أطاحت بعقله من الشرق إلى الغرب ، كيف لفتاة تحمل دماء ذئاب دويدار أن تسعى للصلاة بتلك الحماس ، وما تلك البراءة التي غفرت له تعنفه و اهانته لها ؟! وما ذلك الأمل المنتظر من السيدة عبلة وأخوتها في السؤال عليها ؟! وكيف لتلك الملاك أن تثبت عليها صور مثل التي أرسلت إليه ؟! ظل شاردًا حول سؤال واحد جن رأسه : من أنتِ ؟!
سكبت عالية الطعام بحس فني ومنظم بالأطباق ، وأخرجت طبق السلطة من الثلاجة ، ورصت الصحون أمامه بذوق رفيع ، ثم دارت وأخذ طبقها الخاص وتأهبت للذهاب ، أوقفها مُتسائلًا :
-أنتِ رايحة فين !
أحمرت وجنتها من برودة السؤال وقالت بحياء :
-هاكل في الأوضة جوه ، عشان تاخد راحتك .
-ليه ؟! ما أنت ممكن تقعدي هنا ؟! ولا أنتِ اللي حابة كده ؟! عادي شوفي اللي يريحك !
تمسكت بالطبق بشدة وهي تستجمع الكلمات حتى كررت سؤالها :
-أنتَ ما ردتش على سؤالي !
-سؤال أيه ؟!
-مامي كلمتك ، مش كدا ؟!
تحمحم بخفوت كي يبتلع غصة الكذب وقال وهو يستعد لتناول الطعام :
-أه ، هي فاهمة أننا في شهر عسل وكده ، عشان كده محدش بيزعجنا !
وضعت عالية طبقها على البار بجواره وجلست على طرف المقعد ومسكت الشوكة بيد مُرتعشة وهي ترمقه بحذر وهو يتناول الطعام بشراهة وإعجاب حتى تلاقت أعينهم فسألها :
-ما بتاكليش ليه ؟!
-هاا ؟! باكل أهو .. هو أنت اتجوزتني ليه ؟!
خُتمت جُملتها بشرقة مُراد الذي ابتلعها بالماء وتابعها صوت رن جرس الباب ، وثب مُراد قائمًا ليفتح الباب ويهرب من حدة سؤالها فوجد أمامه جيهان بحقائبها ، طالعها بذهول وقال :
-ماما !
دفعته من أمامها ودلفت إلى الداخل وهي تأمر البواب أن يدخل الحقائب وقالت بصوت عالٍ :
-آكيد مش هقعد في الشقة المهكعة دي وابني هنا عنده شقه ترد الروح .
تسمرت عالية في مكانها مستندة على الحائط وهي تراقب نظرات جيهان الحارقة حتى تلاقت أعينهم فقالت بمكر :
-معلش يا عروسة استحملينا اليومين دول !
قفل مُراد الباب وهو يشعر بالعجز في التصرف مع أمه ، اقترب منها قائلًا :
-أنا قلت لك هتصرف .
ضحكت جيهان بخبث :
-لحد ما تتصرف بقا ، هقعد عندك الكام يوم دول أنا وهدير .
تدخلت عالية في الحوار وسألتها :
-هدير ! وعاصي ازاي سمح لها بكده ؟!
ضحكت جيهان بميوعة وهي تجلس على أقرب مقعد وتجيبها :
-لا يا حبيبتي ، شكلك نايمة في العسل ومتعرفيش أن اخوكي المحروس طلق هدير يوم الصباحية !
عالية بصدمة :
-ازاي ده ؟! ليه عاصي يعمل كدا !
-جرى أيه يا حبيبتي هو لوكلك لوكلك مفيش بؤ ميه اروي بيه عطشي !
ثم مددت على الاريكة بارتياح أكثر وهي تأخذ نفسها بعمق :
-آخيرًا تكييف شغال ! دانا كنت هتختق في الشقة الفقرية التانية .
ذهبت عالية باستسلام إلى المطبخ لتحضر لها الماء ثم لحق بها مُراد بنظرات آسفة وهمس لها :
-أوعدك من بكرة هدورلهم على شقة جديدة .
أومأت باستسلام :
-عادي ! خالتو وهدير متعودة عليهم .
تأهبت للذهاب وهي تحمل دورق المياه متجاهله وجوده حتى أوقفها ممسكًا بمعصمها وقال بخفوت :
-عالية ، طول ما هما هنا مش هينفع أنتِ نايمة في أوضة وأنا في أوضة تانية !
صارت من كثرة التنازلات في حياتها حفرة عميقة ولكن إلى أين ستصل يا ترى ! حدجتها بعدم فهم :
-تقصد ايه !
ألقى مُراد نظرة سريعة على أمه ثم أكمل بحذر :
-يعني لازم تنامي في أوضتي لحد ما يمشوا !
••••••••••
استيقظ عاصي بعد جولة نوم عميقة غاص بها لساعات وبمجرد ما رفعت جفونه تدلت على شعرها الأسود الذي يفرق بينهم كستارة سوداء من الحرير ، اشتهت يده مداعب تلك العيدان اللامعة تحت ظل النور الخافت المتقد بالغرفة ، ثم امتدت إلى منحنيات جسدها الذي خانها من شدة التعب ونامت مرغمة بجواره على طرف السرير ، أخذ يداعب في شعرها بانتشاء طفل عثر على لعبته المُفضل للتو حتى تنهد متعجبًا في نفسه :
-لا يجب أن تكوني جميلة بهذا القدر !
أخذ يشُم في أطراف شعرها كصبي مُراهق يلامس يد حبيبته لأول مرة ، استمر هكذا طويلًا حتى أوشكت زمام عواطفه على الانفلات ، نهض بتثاقل وهو يخالف أهوائه فلم يجد ما يخرج به كبته إلا انه تفشي في لفافة التبغ التي تنتج من بين أنامله دخان أحلامه المحترقة .
استيقظت " حياة " على رائحة الدخان الناشزة وهي توبخه وتسعل بقوة :
-ماشوفتش قلة ذوق للدرجة دي بصراحة !
شد أخر نفس من سيجارته ثم ثناها في منتصف المطفأة وقال مداعبًا :
-غيرتي رأيك ونمتي جمبي يعني ! ما خوفتيش مني !
-اكيد مش بمزاجي ، الأدوية فيها جرعة منوم وهي اللي عملت فيا كدا !
جلست على طرف السرير وهي تتحاشى النظر إليه وتتجنب الحديث الغير مُجدي معه ، نهضت بتثاقل كي تعتزله تمامًا متجهة نحو الأريكة وشرعت في التمدد عليها .
وثب قائمة متجهًا إليها وقال بمزاح :
-مش بقول لك كده عشان تخافي ! سبق وقولت لك قواعدي !
-ممكن تخليك في حالك و مالكش دعوة بيا نهائي !
لم يكن تلك الشخصية الفكاهية التي تراوغ النساء ويتبع خطواتهم ولكن ما السبيل لمصارحة إمراة مثلها بحقيقة اشتهائه لها مهما كلفه الثمن ! امرأة بملامح مدينة حديثة وتضاريس وطن .. وهو لاجئ لا يُريد إلا أن يسكنها في غفلة من الزمان ..
ناخ على ركبته متعمدًا الدنوء منها وما كاد أن يبخ سم غروره ، فوجئ بصوت دق الباب ودخول صغيراته منه ، اقتربا الطفلتان منهما وقالت داليا :
-داد ممكن نطمن على أنطي حياة !
اعتدلت حياة واستقبلتهم بوجه بشوش ضمت الاثنين إلى صدرها وقبلتهم :
-أنا بخير يا حبيبتي .
اردفت تاليا بجزل طفولي :
-أنا خوفت أوي لما شوفت النار ، وفضلت أعيط وادعي ربنا مش يحصل لك حاجة .
استقبلت حياة تعبيراتهم اللطيفه بعيون لامعة وقبلة تلقائية منها حتى ارتمت داليا بحضنها بفرح :
-أنا بحبك أوي .
حياة بسعادة :
-وانا كمان بحبكم جدًا .
ثم رمقت عاصي بسهام التمرد وقالت لهم بكيـد أنثوي :
-أيه رأيكم تباتوا معايا هنا النهاردة !
تاليا بمرح :
-بجد ! وهتحكي لنا حدوته !
تمردت حياة بغرور وهى ترمقه بتخابث وقالت :
-طبعًا يا روحي .
هتفت داليا بحماس :
-بابي ممكن تنام على الكنبة وأحنا وأنطي ننام على السرير .
لم تمنح له الفرصة للرد بل اكتفت بإلقاء نظرة على ملامحه المكتظة وقالت بثقة :
-طبعًا بابي موافق يا حبيبتي .. مش كده !
••••••••••
فى حياة كل شخص منا خيط رفيع يربطه بالحياة ما ان ينقطع هذا الخيط حتى نفقد الرغبة بالتنفس والاستيقاظ والتفكير والعيش ..
رفعت شمس رأسها الثقيلة عن الوسادة المبللة بمياه حسرتها وحزنها عن مفارقتها لروحها ، لتلك السيدة التي عافرت كي تصل بيهم لمحطة سلام ، والآن انتهى دورها من حياتهم ، لا شوق سيعيدها ولا دموع العين كافية أن تأتي بها .
دخلت السيدة حمدية الغرفة التي تقطن بها شمس ونوران بعد ما انتهت مراسم دفن وعزاء جدتهم وقالت لهم :
-أهل الحارة جايين يعزوكي يا حبيبتي .
ردت شمس بتوهه :
-كتر خيرهم يا خالة ، اشكريهم وقولي لهم مش هقدر .
-بس يا بنتي ما ينفعش .
توسلت لها شمس بإصرار :
-معلش ، مش هقدر ، اعتذري منهم .
انصرفت حمدية مطأطأة الرأس وجاءت نوران إلى أختها وارتمت بحضنها وسألتها بوهن :
-هنعمل أيه يا شمس !
ربتت شمس على كتفها وهزت رأسها :
-هنعمل اللي لازم يتعمل يا نوران ، مفيش قدامنا حل تاني .
رمقتها نوران باستغرابٍ :
-تقصدي أيه !
هزت رأسها وهي تتناول هاتفها واتصلت بـ تميم :
-هتفهمي دلوقتي !
التقط تميم الهاتف بلهفة وهو يمعن في الرقم المتصل للحظات حتى أجاب بلهفة :
-شمس .. عاملة أيه ! أنا مااا
قاطعته بحزمٍ وهي تجفف سيل الدموع من وجنتها :
-تميم أنا موافقة على طلبك ، بس ليا شروط الأول …..
يتبع
-الطيور لديها أجنحة ونحن لدينا قلوب .. كلاهما اسمى معاني الحرية، وقلبي مثلما تجرع الحُب بقربك ، تمتع بأسمى معاني الحُرية في بُعدك ، في الحالتين ، أنا لم أخسر شيئًا .
لم يتوقف عن إرسال المزيد حيث كرر رسالته عدة مرات :
-رسيل ..
رسيل …
أنا أحبك يا رسيل …
فزعت من نومها صارخة ، فاندفع إليها عاصي الذي قضى ليلته بجوارها في المشفى ، وهو يربت على جسدها المرتعش الذي يتصبب عرقًا ويهدئ من روعها :
-أنتِ كويسة !
تفقدت أركان الغرفة بعيونها اللامعة حتى استقرت أمام عيونه ونطقت بصوت خفيض :
-رسيل !
انعقد حاجبيه بغرابة وهو يمسح على شعرها بحنو لم يعلم من أين تسرب إليه :
-رسيل مين ! أنت كويسة .
ضرب الصُداع رأسها هي تغلق جفونها كمن يرفض ماضيه وحاضره في آن واحد وظلت تهذي بدون وعي وتردد ذلك الاسم الذي لم تعرف مصدره ، فشل عاصي أن يقلل من فوضى عواطفها فـ ركض مُناديًا على أحد الممرضات كي تحضر الطبيب بأسرع وقت .
••••••••••
- إن أقسى ما فعلته في حق ذاتي هو أني ارتضيتُ لها الهرولة والمضي في طرقٍ ظننتُها ستحمل في نهاياتها غاياتي المبهجة .. ولكن للقدر رأي أخر ، باتت الكوابيس تهاجمني في الواقع أكثر من أحلامي ، إلى أين المفر يا ترى وكل يوم يأتي مُحملًا بمفاجئات مُباغتة .
تجلس فادية ونوران وشمس عند أحد الجيران بعد ما تم طردهم من الشقة ، وقاموا رجال عبلة بتكسير الأثاث وتحطيم كل ما به ، وانقلابه رأسًا على عقب ، أخذت فادية وضع الولولة والصياح على تلك الأحداث التي لا يمكن تحملها .
اقتربت منها شمس ونوران وحضنتها بحب وأخذت تواسي فيها بقلة حيلة ، حضنت فادية كفوف أحفادها وتأملت ملامحهم بعيون مودعة وقالت موصية :
-أوعي تتخلي عن أختك يا شمس ، خليكم سند لبعض ، عايزة اقابل أمكم وأنا مش شايلة همكم ، أنا عارفة الحمل تقيل عليكم ، بس بكرة هتروق وتحلو ، الصبر مفتاح الفرج يا بنات .
انهارت شمس ونوران في البكاء ، حتى ارتمت الاولى بين ذراعيها وعانقتها بقوة ودموعها تنهمر من بِرك الحزن وتقول بصوت مبحوح :
-بتقولي أيه يا فوفا ، أحنا ما نقدرش نكمل من غيرك ، هتفرج والأيام هتعدي وهنقعد نضحك على الغم ده !
انضمت لهم نوران بذراعيها الفتوحة وهي تطوقهم بضعف :
-خلاص بقا بلاش نكد ، حاسة إني عايزة اجيب اللي ماتتسمي دي من شعرها .
جاءت الست حمدية جارتهم وبيدها كاسات عصير الليمون وهي تواسيهم :
-بالله عليكم ما تزعلوا ، كل حاجة وليها حل .
لاحظت شمس برودة كف جدتها وارتخاء أعصابها القابضة على كفها الصغير ، فارقت حضنها ببطء وهي تكذب أحاسيسها وتتمتم بصوت خافت ، وعيون شاردة أوشكت على الانخلاع من شدة الجحوظ ، وهمست :
-فوفا !
بللت حلقها وهي تتأمل ملامح جدتها المتجمدة التي لم تتحمل ثُقل الصدمات وفارقت روحها الحياة هاربة من آسى ما بها ، أخذت شمس تمسح على وجهي جدتها بترجي وهي تهذي باسمها مرارًا وتكرارًا حتى تأكدت من جمود جسدها تمامًا وعدم استجابتها لنداءهم المتكرر ، فقدت فادية اتزانها وارتمت على الأريكة التي تجلس عليها مغادرة تلك الغابة التي لا ترحم فيها الكائنات الضعيفة .. صرخة مدوية اندلعت من جوف نوران وشمس في نفس واحد ، نفس أعلنا فيه خسارتهم لعمودهم الأخير بالحياة .
ظلت تهذي شمس بجنون وهي تقبل كفها :
-فوفا قومي يا فوفا متهزريش ، قومي عشان خاطري ، أنا مقدرش اعيش من غيرك ، قومي طيب مين هيشيل ولادي .
ثم صرخت بكل ما أوتيت من حزن وانفجرت في بكاء لا يتوقف ، الأصعب من الموت هو أنك ترى أحبتك تتساقط أمام عينك كأوراق الشجر ، تلك الشجرة التي ظنت ببقاء أوراقها لما لا نهاية ، فـ على من يُلقى اللوم ! على الورقة التي لم تحافظ على العهد أم على الخريف الذي كسر الغصن !
••••••••
تقف " عالية " أمام المرآة تغير على جرحها بحرصٍ شديد حتى انتهت من تطهيره وضماده من جديد ، ثم تناولت أدويتها وجلست لتستريح على الأريكة وهي تقضم أظافرها من شدة الملل ، مثلها شغوف بالعمل والنظام والدراسة والرسم ، فجأة سُلب كل هذا منها وبقيت هي والشغف وجهًا لوجه .
تجاهلت وجعها وعاندت ألا تستسلم للمرض ، وشرعت في تغير كسوة الفراش ، وإعادة ترتيب الغرفة من جديد بحس هندسي أنيق ، حتى سمعت صوت قفل الباب ، فأخذت نفسها بارتياح وقالت في سرها :
-الحمد لله خرج ، كنت هتخنق في الأوضة .
أسرعت نحو الباب وفتحته وعادة لاستكمال مهامها حتى انتهت من تنظيف غُرفتها على أتم وجه .. خرجت إلى الصالة تتفقد الطعام الذي لم يأكل منه إلا القليل وأخذت تعيد الأشياء في أماكنها بالثلاجة بنظام حتى لملمت جميع الأطباق ووضعتهم بالغسالة المخصصة .
عادت مرة آخرى إلى الثلاجة ووقفت حائرة عما ستشغل نفسها بتحضيره لتقتل الفراغ الذي خيم علي حياتها ، أخرجت طبق اللحم وأخذت تفكر ما ستجهزه للغداء !
-طيب دي أعملها ازاي ؟! ممكن أعملها بطريقة مش بيحبها ..
ثم عادت الطبق مكانه مرة آخرى وأمسك بطبق الدجاج وقالت :
-مفيش حد مش بيحب الفراخ ، أنا هعمل بانيه ومكرونة .
تركت الدجاج بالماء كي ينصهر منه الثلج وفارقت المطبخ متجهة إلى غُرفتها ، ولكنها توقفت أمام غُرفته إثر أنوارها المتقدة ، تقدمت خطوتين فوجدت الغرفة منقلبة رأسًا على عقب ، ملابسه مُلقاة بعشوائية ، خزانته مفتوحة على مصرعيها ، انقلاب الغرفة سبب لها حالة من الضجر لواحدة تدمن النظام والنظافة ، وقفت مترددة للحظات حتى حسمت قرارها مضطره :
-لالا ! أنا مش هستحمل أشوف الشكل دا !
•••••••••••
-يعني أيه يا دكتور ؟!
تلك كان سؤال عاصي الذي أردف بعد حديث الطبيب وتقريره عن حالتها ، أجابه الطبيب بهدوء :
-يعني كل ده طبيعي في حالتها ، هتبدأ تفتكر تدريجيًا عن حياتها ، زي مثلا بتقول اسم رسيل ، ممكن رسيل دا اسم اختها ، بنتها ، أو اسمها هي ، وده في حد ذاته تطور عظيم ..
ثم تبسم له بعرفان :
-حمد لله على سلامة المدام ، هكتب لها على خروج حالًا ، بس هتكون محتاجة متابعة على الجرح ، ممكن ممرضة تتولى الموضوع دا .
انهي عاصي حديثه مع الطبيب ثم عاد إليها وجدها شاردة ، حتى أنها لم تلحظ عودته ، تحمحم بخفوت كي تسترد وعيها وقال :
-الدكتور طمني ، و أنتِ زي الفل !
طالعته بعوينات الحيرة واكتفت بقولها :
-تمـام .
جلس على طرف الفراش ثم سألها :
-ها يا ستي ! قوليلي أيه اللي حصل امبارح ؟!
طرق أبواب الذاكرة السوداوية بسؤاله ، ارتخت تعابير وجهها ساخرة وقالت :
-اجابة السؤال دا مش عندي ، ده عند …
عقد حاجبيه بغرابة مُشككًا في اتهامها الواضح :
-قصدك أيه ! الرجالة قالولي أنه ماس كهربي من شدة الحر هو اللي عمل كده ، أنتِ شاكة في حد ولا أيه !
طالعته بعدم تصديق :
-ماس كهربي في المكان اللي أنا موجودة فيه وبس ! هي كهربا القصر غير كهربا الجناح ؟!
هز رأسه بالموافقة وأيد سؤالها :
-ده حقيقي ، كهربا القصر غير عداد كهربا الجناح عندي .
هزت رأسها بعدم اقتناع :
-تمام !
-هو أيه اللي تمام !
خرجت " حياة " عن صمتها بانفعال :
-واحدة نجت من المـٰوت بأعجوبة ! عايزها تقول أيه يعني ! لو سمحت مش حابة اتكلم .
تفهم الظروف الصعبة التي مرت بها ، فلم يعلق على طريقة كلامها معه واكتفى منسحبًا :
-الممرضة هتيجي تساعدك ، ويلا عشان ترجعي البيت .
رفعت عيونها بتحدٍ :
-انا مش عايزة أرجع المكان دا تاني .
نصب قامته الصلبة وهو يقفل زر سترته :
-المكان ده هو المُتاح حاليـا ، ومش هطمن عليكِ وأنت بعيد !
التوى ثغرها ساخرة من جملته :
-أنا اتأذيت مرتين في بيتك وكنت أوضة نومك وبردو معرفتش تحميني ، المرة التالتة بقا …
قاطعها بحزمٍ :
-من غير كلام كتير ، هستناكي بره لحد ما تخلصي ، ومش عايز حركات عيال ! فاهمة .
رمقته بصمت قاتل مُبطن بأسهم السخرية ثم تحاشت النظر إليها كحركة تلقائية منها لنهي الحوار وتجاهل وجوده ، قرأ بعيونها الاستسلام والرضوخ لأوامره ثم غادر ليحضر أحدى الممرضات ، أما عنها غاصت في ظُلمة أيامها الكاحلة وأغمضت جفونها وهي تهذي في سرها :
-"هذه المرة أنا حقاً لا أعلم ما الذي يعنيه هذا الشعور واللاشعور الذي يملأني ، ولا أعرف كيف سيستقر ،على كل حال أنا لا اثق بهذا الهدوء الذي أعيشه مطلقًا !"
•••••••••
يجلس تميم أمام الشرفة يرتشف قهوته ولم تفارق عيناه شاشة هاتفه ، ظل يطرح على نفسه العديد من الاحتمالات ، هل سترفض أما ستقبل ! فما الذي يجعلها تقبل بشخص مثلي لا ترى به إلا العجز ! و أن رفضت ماذا سأفعل بعد ما اعتدت على وجودها ، منذ يوم غيابها ، غربت معها شمس أيامي ولم تشرق بعد ، وقعت رأسه فريسة لتلك الأفكار الحائرة التي لم يتعثر بجوابها بعد ، ولكنه وقف على شفا سؤاله الأخير :
-أنت حبيتها بجد ولا أيه يا تميم !
ليصدم صوت عقله نافيًا ورافضًا :
-حب أيه بس ؟! أنا بحاول اصطاد عاصي قبل ما يصطادني ! لازم أعرف السبب ورا مجيتها هنا ! آكيد في سر مخبياه يا شمس !
اعترض قلبه بصوت حاد :
-وان كانت فعلا بريئة ! هتظلم واحدة بريئة معاك يا تميم ! مش ده وعدك لأمك ! وعدتها أن حقها هيرجع وبالعدل ، لكن مش معنى كدا تاخد شمس وسيلة لانتقامك !
نهره عقله بحزم :
-الغاية تبرر الوسيلة ! هي لو قبلت عرضي يبقي فعلا وراها سر ، وسر كبير ، ولو رفضت يبقى فعلًا ظلمتها ، وخسرت واحدة نقية زيها بقية عمري !
••••••••••
وصل عاصي بصُحبة حياة إلى القصر ، وتعمدت أثناء الطريق أن تتحاشى النظر إليه والحديث أيضًا ، حاول الانشغال ببعض الأعمال بجانبها كي يشتت تركيزه المحتشد إليها ، كان الصمت يسودهم أغلب الوقت ، حتى قطعه عاصي وهو يأمر السائق :
-الهانم هتنزل القصر ، والملف دا تروح توصله الشركة ضروري ليسري .
أخذ السائق الملف بطاعة :
-أوامر معاليك يا فندم .
دار عاصي إليها بفظاظته المعهودة :
-وصلنا .
لم تُكلف نفسها وتنظر إليه ، اكتفت بقولها :
-عارفة !
رد بصرامة :
-يلا انزلي !
-كل اللي حصل لي دا على فكرة بسببك !
-مش هيتكرر تاني ، يلا انزلي .
التفت إليه بكل حرائقها المتقدة :
-أف ! عايز تفهمني أن عاصي بيه دويدار مش معاه مكان أقعد فيه غير هنا !
ترمد الغرور في جمره وقال :
-أنتِ هنا عشان أنا عايزك تبقي هنا ، لكن لو كان على عاصي دويدار ممكن يجيبلك بيت على سطح القمر لو عايز ده !
-حد قالك قبل كده أنك مغرور ! ومفكر أن الدنيا كلها ممكن تمشي زي ما أنت عايز !
تحول رجل صياد مثله الي طريدة لاتهاماتها ، تبسم بمكر و :
-ااه أنتِ .
كانت تلك آخر جُملة أردفها ثم فتح له أحد رجاله السيارة ، وما كان الاخر متأهبًا لفتح باب السيارة الخاص بحياة ، أوقفه بإشارة من يده وتقدم هو بكامل فخامته وفتح لها الباب بنفسه .
تلاقت أعينها الحائرة بأعينه الصقرية للحظات قطعها بحمله لها بين يدها عندما قرأ العناد بصفحات عيونها ، تملصت منه بتمرد وهي تحرك قدميها في الهواء :
-بقولك نزلني !
استقامت نظراته كما استقامت خطوته وقال ببرود رهيب :
-ماينفعش ، أنت تعبانة !
-مستفز !
نفذ صبرها من جموده وجحود في التحكم بها كعروسة من الخشب يحركها كما يشاء ، دخل القصر وتوجه نحو غُرفته بالطابق الثالث تحت أنظار الخدم اللذين يتهامسون حقدًا وإعجابًا بحبه الساطع لتلك الفتاة .
وصل عاصي إلى غُرفته ووضعها على الفراش برفق ثم شد فوقها الغطاء وقال بثبات :
-واحدة من الخدم هتيجي تقعد معاكِ ، في الوقت الـ هكون فيه بره .
ثم نزع سترته وحذائه ومدد بجوارها بكللٍ ، جحظت عيونها بذهول :
-أنتَ بتعمل أيه ؟!
وضع ساعده فوق جبهته وأغمض جفونه مجيبًا بسخرية :
-منمتش من امبارح ، طبيعي إني أنام بقا !
-طيب وأنا ؟!
تنهد باسترخاءٍ :
-نامي أنتِ كمان .
ابتلعت شعور التجاهل الذي يحاورها به ، وما كادت أن توبخه فوجدته قد غاص في سبات عميق ، لم تجد حلًا أمامها لتفرغ به شحنات غضبها سوى إلقاء الوسادة على وجهه الذي يفجر بجوفها ينابيع الغضب .. وهي تقول في سرها
-"عندما اراك تنتابني حالة من الكره لنفسي بلا سبب أو عـلي الارجح أنت السبب"
•••••••••
مالت الشمس إلى الغروب ، كانت " عالية " تقف بالمطبخ تقلي قطع الدجاج المتبلة بعد ما انهت تحضير المكرونة الاسباجيتي بطريقتها المفضلة ، أحست صوت مفاتيحه بالباب تركت ما بيدها سريعًا متسمرة مكانها لا تعلم ما عليها أن تفعله !
أخذت تستجمع في قوتها مرتدية ثوب التجاهل حتى تأكدت من قدومه عندما سمعت صوت قفل الباب ، بمجرد دخوله تسللت روائح الطعام إلى أنفه وبطنه الجائعة فتبسم ، انتعال حذائه بعشوائية ثم سار متبعًا مصدر الرائحة حتى وجدتها تقف في المطبخ غير مُكترثة لوجوده رغم انتفاضة دواخلها .
جلس على بار المطبخ وهو يُراقبها بصمت وبابتسامة تخدعه رغم عن غروره وترتسم على شفتيه ، استدارت إليه دون أن توجه له أي حديث اكتفت بنظرات خرساء وتناولت منديلًا لتجفف به الدجاج المقلي من آثار الزيت .
استند مُراد على سطح " البار " بفخامة وقال مداعبًا :
-أنا ليـا فيه الاكل ده ؟!
ابتلعت توترها وقالت بدون تفكير :
-أنا اتصرفت وعملت حاجة سريعة كده عشان الأدوية اللي باخدها .
انكمشت ملامحه بضيق مفتعل :
-يعني ماليش فيه !
اتسع فمها بدهشة من هول اتهامها بذنب لم تقترفه ، ولكن ما زالت كلماتها يقودها غرور الصبا :
-ها ! قصدي يعني عادي أنا عاملة كتير .
مد مُراد يده ليرتشف الماء ثم قال معبرًا :
-فطار الصبح كان جميل ، بصراحة اتفاجئت .
بللت عالية حلقها الذي جف من وجوده الطاغي وقالت مُبررة :
-متعودتش ابقي فاضية ، بحب اشغل وقتي دايما ، صحيت صليت الفجر وو
توقف مُراد على أعتاب جُملتها الأخيرة وهو يحاول استيعابها :
-صحيتي ليه !
انخفضت نبرة صوتها بتردد :
-صليت ، أنا متعودة على كده ، وبعدين حسيت بملل قمت اتسلى .
ثم شردت بتردد :
-موبايلي شوفته في عربيتك امبارح ، وما حبتش أخده من غير ما أقولك ، ممكن أخده ، أنا عايزة اطمن على تميم وماما آكيد قلقانة عليا ..
ثم اتسعت عيونها بفرحة طفولية :
-هما آكيد كلموك صح !
مجموعة كلمات أطاحت بعقله من الشرق إلى الغرب ، كيف لفتاة تحمل دماء ذئاب دويدار أن تسعى للصلاة بتلك الحماس ، وما تلك البراءة التي غفرت له تعنفه و اهانته لها ؟! وما ذلك الأمل المنتظر من السيدة عبلة وأخوتها في السؤال عليها ؟! وكيف لتلك الملاك أن تثبت عليها صور مثل التي أرسلت إليه ؟! ظل شاردًا حول سؤال واحد جن رأسه : من أنتِ ؟!
سكبت عالية الطعام بحس فني ومنظم بالأطباق ، وأخرجت طبق السلطة من الثلاجة ، ورصت الصحون أمامه بذوق رفيع ، ثم دارت وأخذ طبقها الخاص وتأهبت للذهاب ، أوقفها مُتسائلًا :
-أنتِ رايحة فين !
أحمرت وجنتها من برودة السؤال وقالت بحياء :
-هاكل في الأوضة جوه ، عشان تاخد راحتك .
-ليه ؟! ما أنت ممكن تقعدي هنا ؟! ولا أنتِ اللي حابة كده ؟! عادي شوفي اللي يريحك !
تمسكت بالطبق بشدة وهي تستجمع الكلمات حتى كررت سؤالها :
-أنتَ ما ردتش على سؤالي !
-سؤال أيه ؟!
-مامي كلمتك ، مش كدا ؟!
تحمحم بخفوت كي يبتلع غصة الكذب وقال وهو يستعد لتناول الطعام :
-أه ، هي فاهمة أننا في شهر عسل وكده ، عشان كده محدش بيزعجنا !
وضعت عالية طبقها على البار بجواره وجلست على طرف المقعد ومسكت الشوكة بيد مُرتعشة وهي ترمقه بحذر وهو يتناول الطعام بشراهة وإعجاب حتى تلاقت أعينهم فسألها :
-ما بتاكليش ليه ؟!
-هاا ؟! باكل أهو .. هو أنت اتجوزتني ليه ؟!
خُتمت جُملتها بشرقة مُراد الذي ابتلعها بالماء وتابعها صوت رن جرس الباب ، وثب مُراد قائمًا ليفتح الباب ويهرب من حدة سؤالها فوجد أمامه جيهان بحقائبها ، طالعها بذهول وقال :
-ماما !
دفعته من أمامها ودلفت إلى الداخل وهي تأمر البواب أن يدخل الحقائب وقالت بصوت عالٍ :
-آكيد مش هقعد في الشقة المهكعة دي وابني هنا عنده شقه ترد الروح .
تسمرت عالية في مكانها مستندة على الحائط وهي تراقب نظرات جيهان الحارقة حتى تلاقت أعينهم فقالت بمكر :
-معلش يا عروسة استحملينا اليومين دول !
قفل مُراد الباب وهو يشعر بالعجز في التصرف مع أمه ، اقترب منها قائلًا :
-أنا قلت لك هتصرف .
ضحكت جيهان بخبث :
-لحد ما تتصرف بقا ، هقعد عندك الكام يوم دول أنا وهدير .
تدخلت عالية في الحوار وسألتها :
-هدير ! وعاصي ازاي سمح لها بكده ؟!
ضحكت جيهان بميوعة وهي تجلس على أقرب مقعد وتجيبها :
-لا يا حبيبتي ، شكلك نايمة في العسل ومتعرفيش أن اخوكي المحروس طلق هدير يوم الصباحية !
عالية بصدمة :
-ازاي ده ؟! ليه عاصي يعمل كدا !
-جرى أيه يا حبيبتي هو لوكلك لوكلك مفيش بؤ ميه اروي بيه عطشي !
ثم مددت على الاريكة بارتياح أكثر وهي تأخذ نفسها بعمق :
-آخيرًا تكييف شغال ! دانا كنت هتختق في الشقة الفقرية التانية .
ذهبت عالية باستسلام إلى المطبخ لتحضر لها الماء ثم لحق بها مُراد بنظرات آسفة وهمس لها :
-أوعدك من بكرة هدورلهم على شقة جديدة .
أومأت باستسلام :
-عادي ! خالتو وهدير متعودة عليهم .
تأهبت للذهاب وهي تحمل دورق المياه متجاهله وجوده حتى أوقفها ممسكًا بمعصمها وقال بخفوت :
-عالية ، طول ما هما هنا مش هينفع أنتِ نايمة في أوضة وأنا في أوضة تانية !
صارت من كثرة التنازلات في حياتها حفرة عميقة ولكن إلى أين ستصل يا ترى ! حدجتها بعدم فهم :
-تقصد ايه !
ألقى مُراد نظرة سريعة على أمه ثم أكمل بحذر :
-يعني لازم تنامي في أوضتي لحد ما يمشوا !
••••••••••
استيقظ عاصي بعد جولة نوم عميقة غاص بها لساعات وبمجرد ما رفعت جفونه تدلت على شعرها الأسود الذي يفرق بينهم كستارة سوداء من الحرير ، اشتهت يده مداعب تلك العيدان اللامعة تحت ظل النور الخافت المتقد بالغرفة ، ثم امتدت إلى منحنيات جسدها الذي خانها من شدة التعب ونامت مرغمة بجواره على طرف السرير ، أخذ يداعب في شعرها بانتشاء طفل عثر على لعبته المُفضل للتو حتى تنهد متعجبًا في نفسه :
-لا يجب أن تكوني جميلة بهذا القدر !
أخذ يشُم في أطراف شعرها كصبي مُراهق يلامس يد حبيبته لأول مرة ، استمر هكذا طويلًا حتى أوشكت زمام عواطفه على الانفلات ، نهض بتثاقل وهو يخالف أهوائه فلم يجد ما يخرج به كبته إلا انه تفشي في لفافة التبغ التي تنتج من بين أنامله دخان أحلامه المحترقة .
استيقظت " حياة " على رائحة الدخان الناشزة وهي توبخه وتسعل بقوة :
-ماشوفتش قلة ذوق للدرجة دي بصراحة !
شد أخر نفس من سيجارته ثم ثناها في منتصف المطفأة وقال مداعبًا :
-غيرتي رأيك ونمتي جمبي يعني ! ما خوفتيش مني !
-اكيد مش بمزاجي ، الأدوية فيها جرعة منوم وهي اللي عملت فيا كدا !
جلست على طرف السرير وهي تتحاشى النظر إليه وتتجنب الحديث الغير مُجدي معه ، نهضت بتثاقل كي تعتزله تمامًا متجهة نحو الأريكة وشرعت في التمدد عليها .
وثب قائمة متجهًا إليها وقال بمزاح :
-مش بقول لك كده عشان تخافي ! سبق وقولت لك قواعدي !
-ممكن تخليك في حالك و مالكش دعوة بيا نهائي !
لم يكن تلك الشخصية الفكاهية التي تراوغ النساء ويتبع خطواتهم ولكن ما السبيل لمصارحة إمراة مثلها بحقيقة اشتهائه لها مهما كلفه الثمن ! امرأة بملامح مدينة حديثة وتضاريس وطن .. وهو لاجئ لا يُريد إلا أن يسكنها في غفلة من الزمان ..
ناخ على ركبته متعمدًا الدنوء منها وما كاد أن يبخ سم غروره ، فوجئ بصوت دق الباب ودخول صغيراته منه ، اقتربا الطفلتان منهما وقالت داليا :
-داد ممكن نطمن على أنطي حياة !
اعتدلت حياة واستقبلتهم بوجه بشوش ضمت الاثنين إلى صدرها وقبلتهم :
-أنا بخير يا حبيبتي .
اردفت تاليا بجزل طفولي :
-أنا خوفت أوي لما شوفت النار ، وفضلت أعيط وادعي ربنا مش يحصل لك حاجة .
استقبلت حياة تعبيراتهم اللطيفه بعيون لامعة وقبلة تلقائية منها حتى ارتمت داليا بحضنها بفرح :
-أنا بحبك أوي .
حياة بسعادة :
-وانا كمان بحبكم جدًا .
ثم رمقت عاصي بسهام التمرد وقالت لهم بكيـد أنثوي :
-أيه رأيكم تباتوا معايا هنا النهاردة !
تاليا بمرح :
-بجد ! وهتحكي لنا حدوته !
تمردت حياة بغرور وهى ترمقه بتخابث وقالت :
-طبعًا يا روحي .
هتفت داليا بحماس :
-بابي ممكن تنام على الكنبة وأحنا وأنطي ننام على السرير .
لم تمنح له الفرصة للرد بل اكتفت بإلقاء نظرة على ملامحه المكتظة وقالت بثقة :
-طبعًا بابي موافق يا حبيبتي .. مش كده !
••••••••••
فى حياة كل شخص منا خيط رفيع يربطه بالحياة ما ان ينقطع هذا الخيط حتى نفقد الرغبة بالتنفس والاستيقاظ والتفكير والعيش ..
رفعت شمس رأسها الثقيلة عن الوسادة المبللة بمياه حسرتها وحزنها عن مفارقتها لروحها ، لتلك السيدة التي عافرت كي تصل بيهم لمحطة سلام ، والآن انتهى دورها من حياتهم ، لا شوق سيعيدها ولا دموع العين كافية أن تأتي بها .
دخلت السيدة حمدية الغرفة التي تقطن بها شمس ونوران بعد ما انتهت مراسم دفن وعزاء جدتهم وقالت لهم :
-أهل الحارة جايين يعزوكي يا حبيبتي .
ردت شمس بتوهه :
-كتر خيرهم يا خالة ، اشكريهم وقولي لهم مش هقدر .
-بس يا بنتي ما ينفعش .
توسلت لها شمس بإصرار :
-معلش ، مش هقدر ، اعتذري منهم .
انصرفت حمدية مطأطأة الرأس وجاءت نوران إلى أختها وارتمت بحضنها وسألتها بوهن :
-هنعمل أيه يا شمس !
ربتت شمس على كتفها وهزت رأسها :
-هنعمل اللي لازم يتعمل يا نوران ، مفيش قدامنا حل تاني .
رمقتها نوران باستغرابٍ :
-تقصدي أيه !
هزت رأسها وهي تتناول هاتفها واتصلت بـ تميم :
-هتفهمي دلوقتي !
التقط تميم الهاتف بلهفة وهو يمعن في الرقم المتصل للحظات حتى أجاب بلهفة :
-شمس .. عاملة أيه ! أنا مااا
قاطعته بحزمٍ وهي تجفف سيل الدموع من وجنتها :
-تميم أنا موافقة على طلبك ، بس ليا شروط الأول …..
يتبع