رواية ملاذي وقسوتي الفصل الثاني عشر 12 بقلم دهب عطية
12
تطلعت على نفسها عبر المرآة تتفحص هذه العقد الذهبي باعجاب قد وضعه سالم حول عنقها
منذ دقائق فقط …
خرجت من المرحاض وهي تلف حول جسدها منشفةٍ كبيرة تصل إلى نصف ساقيها….. اشتعلت وجنتيها وهي توبخ نفسها على هذا النسيان الذي أصابها فقد غفلت على أخذ ملابسها معها قبل ان تدخل لدورة المياة……. وها هي تخرج امامه بهذا الشكل المخجل تخفي جسدها بمنشفةٍ قصيرة تكشف نصف ساقيها وشعرها المبلل يتساقط منه قطرات الماء على كتفيها العاري اثارته صورتها تلك واشعلت
عيناه أكثر وهو يستلقي على الفراش عاري الصدر
يراقبها وهو يضع سجارته في فمه…
تلك المرأءة الوحيدة القادرة على أن
يلين حجر سالم شاهين وقسوتة وشخصيته
الجافة امام بُنيتاها الدافئه ….
كانت تقف امام خزانة ملابسها تبحث عن شيءٍ ترتديه مدت يدها لتاخذ ثيابها لكنها وجدت يداه
تطبق على يدها بحنو….شعرت بحرارة جسده
خلف جسدها مباشرةً….. بلعت ريقها وهمست بخفوت….
“سالم…….. في حاجه…..عايزني اعملك حاجه ”
تحسس ظهرها بيداه وقربه أكثر من صدره
همساً بمراوغه…
“بتعملي إيه ياحياة….. ”
تسرعت خفقات قلبها وبدأت تشعر بحرارة جسدها ترتفع والأكثر حرارة هو وجهها لا تعرف خجل ام
توتر من وفقتها أمامه بهذا الشكل…
لمست يده عليها دوماً تثير الرجفة في قلبها ويقلب كيانها كله بهمسه واحده منه… ردت بصعوبة
“هكون بعمل إيه….بجيب هدوم عشان البسها… ”
انحنى قليلاً على اذنيها قائلاً بمكر
“تحبي اساعدك…… ”
“لا.. شكراً.. “ابتعدت عنه بقلب يخفق بشدة لتجد يده تمسك ذراعها تمنعها من التعثر ..
“حاسبي يامجنونه هتوقعي…… ”
نظرت له بخجل ثم هتفت بحدة..
“سالم لو سمحت سبني ادخل البس جوا عشان… ”
“عشان اي …انتِ مش ملاحظه انك محمله الموضوع فوق طاقتك ودايما وشك بيجيب ألوان لو بس ايدي جت على جسمك…. دا غير حكاية طفي النور دي كل ما اجي أقرب منك… أنتِ مش واخده بالك اني جوزك ولمفروض ميكنش في بينا كل المسافات
دي…. ”
“سالم انا بحاول….. بس الموضوع محتاج وقت
وصبر.. ”
زفر بتعب من معذبة قلبه وحارقة روحه بكلماتها
حاول التحلي بالهدوء وتفهم وهو يقول…
“عارف ان كل حاجه محتاجه صبر…. وانا عمري ماعرفت الصبر غير معاكِ انتِ ياحياة…… ”
تعلقت أعينهما ببعضها للحظات.. تنظر له بذهول من جملته التي لا تحمل غير الصدق والاستياء منها…
اما هو لم تتوقف عيناه عن السفر فوق ملامح وجهها الفاتن ومنحنيات جسدها البارزة من خلال تلك المنشفة البيضاء…
حاولت الفرار من امامه محاولة السيطرة على تلك القشعريره التي تهددها بالاستمرار امام لمساته
عليها قالت بصعوبة..
“سالم….. انا لازم ادخل اكمل لبسي عشان احنا اتاخرنا وانت اتاخرت عليهم تحت….. ”
نظر لها بهدوء ومن ثم شبك يده بخاصتها
ليسير بها نحو الفراش …جلس سالم على حافة الفراش وجذبها هو على قدميه لتجلس في احضانه كطفلة الصغيرة انصدمت من فعلته وكادت ان تعترض لتعتريها الدهشةَ من عناقه الدفء لها
دفن راسه في جوف عنقها المرمري…توترت أكثر
وهي تسمعه يقول بحنان
“حضنك حلو اوي ياحياة….. ”
اغمضت عينيها وهي تعاني من حلاوة كلماته المخدرة لعقلها القادرة على نسي هوايتها امام غزله الصريح !..
همس سالم مره أخره بصوتٍ عذب..
“ساكته ليه ياحياة…… ”
اغمضت عينيها وهو في احضانها انفاسه الساخنة تداعب عنقها بدون هوادة… ماذا تقول وهي بين
لمسته تحلق في سماء ضائعة ! ولا تجد ضالتها
الى بجواره !…..
ردت بصوتٍ خرج من اعماق مشاعرها..
“مش عارفه اقول إيه….. ”
همس لها بنفس الهمس…
“بتحسي معايا بإيه ياحياة… ”
اغمضت عينيها مره أخره ماذا تقول ماهي الإجابة المناسبة له… هي تشعر بكل شيء واي شيء بجانبه الشوق…… الضعف….. الغيرة……الخوف…. وتعشق شخصيته وامتلاكه….. تعشق سواد عيناه المشتعلة بشعاع غريباً يصعب ترجمتها هو يثير
أجمل المشاعر داخلها ويهدم كيانها بالمسةٍ واحدة… ماذا تقول الإجابات كثيرة ولكن هي لا تحمل الصراحة والجرأة الكافية لأخباره واحده منهم !..
شعر بنغزةٍ في قلبه من صمتها الذي طال وهو مزال ينتظر إجابةٍ تريح قلبه …..لم يكن من النوع العاطفي الذي يسعى خلف اثنى لسماع كلمة عاطفية ترضي رجولته منها ! …وبخ نفسه على ما يفعل …اصبح
يشبه المراهقين بأفعاله معها…أبتعد عنها ببطء
ولكنها مزالت تجلس في احضانه… مسك هذه
العلبة الحمراء….وقدمها لها وقال بحنان
“كل سنه وأنتِ طيبه…… ”
اخذت منه العلبة بحرج وهي تسأله بهدوء
“دي بمناسبة اي ياسالم….. ”
“من غير مناسبة عجبتني فجبتها ليكِ …
اي رايك حلوه….. عجبتك”
فتحت العلبة لتطلع عليها….. بإعجاب يصرخ من عينيها…. كان عقد ذهبي خالص به فصوص رقيقة تشبه الالماس او بالاصح هي صنعت من الالماس الخالص…. انتبهت لهذا القلب الصغير الذي يتوسطها كان عبارة عن نفصين بداخلهم تُضع صورتين …..
كان فارغاً بطبع كان يحفر على القلب من فوق
(ملاذ الحياة) انكمشت ملامحها باستغراب من هذا الإسم…. الذي دوماً كان يهمس به سالم لها أثناء ابحارهم في عالمهم الخاص… كان الاسم ناعم راقي يحمل الكثير ولان معنى الإسم الملجأ وسكون وراحةَ ….. اصبحت متيقنه ان هذا القب يعني
الكثير اي انها اصبحت تعني لها الأكثر … ولكن العقد الذهبي يحمل أيضاً الأكثر من اهتمام سالم لها… وعمل شيء خاص كهذا لها يذيب الجليد المحاصر عقلها قبل قلبها……
” عجبتك….. “همس لها وهو يراقب تغيُرات وجهها وهي تطلع على العقد الذهبي بُبنيتان مترقرقان بدموع….
اومأت بايجاب وهي تقول بحرج…
“حلو اوي…..بس مكنش لي لزوم تكلف نفسك
شكله غالي اوي … ”
اخذ منها العقد بهدوء وانحنى عليها قليلاً مُلبسها
إياه حول عنقها بحنان همس لها بحنان..
“هو فعلاً بقه غالي…..بس لم لبستيه…… ”
انحنى اكثر عليها ليضع قبله حثيه على عنقها
“مبروك عليكِ……ياملاذي….. ”
اغمضت عينيها وهي تعاني من خفقات قلبها المتسرعه… مع طيف ذكرى لم يمر عليها إلا ساعة واحدة….. هذا هو سالم خبير في ارهاق قلبها دوماً……
“قلبي ودقاته بتعملي طقوس جديده من ورايا.. ”
هتفت ريم وهي تدلف الى غرفة حياة التي وجدتها مغمضت العينان وشاردة بنعومةٍ غريبة….
فتحت حياة عيناها وهتفت وهي تنهض بسعادة
“أنتِ جيتي ياريم اتاخرتي ليه….. ”
نظرت لها ريم بشك قائلة بمكر …
“بت مالك وشك احمر وعنيكِ بتلمع كده ليه …”
اقتربت ريم منها اكثر قائلة بصياح
“لا وبشرتك بتلمع كمان… دا نوع كريم جديد..
ولا هرمونات السعاده اشتغلت عندك وابن عمي
لي يد في اللي بيحصلك ده….. ”
ابتعدت عنها بخجل وهتفت بتوبيخ …
“ماتحترمي نفسك ياريم…. سالم ماله ومال
وشي.. ”
حركة ريم شفتيها في زوايةٍ واحده قائلة بمكر..
“طب اللهي ماشوف صاحب سالم الفسدق ده تاني
ان ما كان اللى في وشك ده هرمونات حب وسعادة….”
“يابت اتلمي…. وخلينا في المهم ابوكي جه معاكِ فعلاً…. ”
ردت ريم عليها بتبرم …
“لا جيين كمان ساعتين… المهم متوهيش وقوليلي
بقه اسم الكريم إيه….. ”
ضحكة حياة بخفوت وهي تقول بخبث…
“اسم الكريم صعب تلاقيه ياريم….. اصبري يمكن الفسدق بتاعك يرجع ويديكِ هو التركيبة بنفسه .. ”
ركضت ريم خلفها في زوايه الغرفة وصاحت بغضب زائف….
“أنتِ بتتريقي عشان انا لسا سنجل بائس ياحياة بتتريقي….. ”
ركضت حياة قائلة وسط ضحكَتها
“عيب عليكِ…… ياريم دا انا بحسدك….. ”
انزعجت ريم من جملتها وصاحت بسخط ..
“على إي….. على النحس والبأس… بتحسدوني على ايه بس.. ”
_____________________________________
وقفت في شرفة غرفتها ترتدي عباءةٍ فضفاضة وتلف حجابها بأتقان كانت جميلةٍ في عيناه الذي
تفترس ملامحها في الخفئ بتأني وتفحص شديد …..
كان مسترخي مُستنداً على جذع شجرةٍ قديمة.. في حوش المنزل…… وكان يراقب تطلعها وشرودها
في ساحة الخضراء التي تحيط بالبيت الكبير
تتامل الجو ببنيتان غامتان بطريقه مبهمه…
لم تحيد عينان سالم عنها ظل يفترس جمالها
وحلاوة طلتها عليه…..
حركت هي عيناها بلا اهداف لتتلاقى سريعاً بعيناه أزداد بريق عينيه وابتسامة شقت شفتاه القويتان والعابثتان بالفطرة… بينما تزايد تسارع انفاسه…
وقفت حياة مرتبكة محمرة الوجه تقبض بيداها
على حاجز الشرفة الصلب بتوتر ازاء نظراته القوية المتفجرة عليها ….والتي تفترسها بدون حياء منه…
مسك الهاتف وعبث به وهو يختلس النظر لها
نظرت حياة خلفها حيثُ الغرفة لتجد اهتزاز هاتفها على المنضدة الصغيرة اخذت الهاتف وفتحت الخط بصوتٍ يخرج بصعوبة من حلقها الذي جف من تقابل عينيها بمهدد كيانها “الو……. ”
رد عليها بكل سهولة ومزال في حوش البيت
مُستند على جذع الشجرة…….
“حياة….. اقفي في البلكونه عايزك….. ”
توترت قليلاً ثم خرجت تسأله بحرج
“في حاجه ياسالم……. ”
نظر اليها مره أخرى وهي تمسك الهاتف وتتحدث
معه بحرج جالي على وجهها الفاتن… رد بفتور غريب لا يناسب كلماته….
“كنت عايز املي عيني منك….قبل مانشغل عنك انهارده.. ”
فغرت شفتيها بصدمة من كلماته البسيطة لا.. ليست بسيطه…..هل ينوي قول شيء اقوى من هذا…….هو يشتاق لها…. هل هذا الحديث نطق على لسان سالم شاهين؟؟…….
ظل ناظراً لها بإهتمام وهو يرى قسمات وجهها المشدودة بذهول…..همس بهدوء
“حياة……مالك سرحتي في إيه…….. ”
نظرت له بحرج وساد الصمت بينهم…ثم همست
لها بعد برهة من آلصمت الثقيل جمعت ماتبقى
من ثبات داخلها وقالت متسائله
“سالم…..انت…متاكد ان غيابي عن عينك بيفرق معاك…… ”
“اكيد بيفرق…. مش مراتي…… “رد عليها بنفس الفتور المعتاد ولكن كلماته كاسهام تهدم انوثتها
الى شظايا صغيرة…..
مزالت تنظر الى عينيه بحرج وهو ينهال من ملامحها بوقاحةٍ اعتادت عليها منه……
ردت بصدق..
“أنت صعب ياسالم…. صعب اوي…… “كانت تتمنى ان تهمس بها داخلها ولكن خرج صوتها اليه عبر الهاتف..
رد وهو ومزال يحدق بها بفتور لا يناسب النيران المشتعلة داخله فقط من لهجة صوتها الحائر …..
“وأنتِ اصعب بذاته ياملاذي…..”تنهد بتعب واغلق الهاتف سريعاً……ورحل من الحوش الكبير الى
سيارته حيثُ المصنع….
أسرع إليه عمرو وصعد بجواره انطلقت سيارته
بعد إرتفاع صوت وقودها عالياً… اختفى عن مرمى ابصارها…. تنهدت بتعب حقيقي لتهمس بصدق ضائعة
“ناوي تعمل معايا إيه اكتر من كده ياسالم ”
دلفت الى داخل الغرفة متوجه للاسفل حيث
الجدة راضية وريم وورد ابنتها الغالية …..
وللاسف سترى الحاقدة ثقيلة الدم عديمة الإحساس ( ريهام بكر شاهين) والتي لا تختلف عن شقيقها (وليد) الدنيء …و والدها ذو الاقنعة الكثيرة
(بكر شاهين) فهم على الأغلب يشبهون بعضهم
كثيراً في المصالح المشتركة !…..
___________________________________
“انت لسه مصمم على روحتك عند بيت رافت
شاهين وسالم ابنه….. “هتف وليد بإمتعاض وهو يرتشف الشاي مع والده ..
رد بكر بخشونة…
“المصالح فوق كل شيء ياوليد ومش هنعيدو الموضوع ده تاني….. لازم ارجع الود مابين سالم من تاني….. اذا كان على رافت اخويه فا انا عارف ان مش شايل مني مهما عملت… لكن سالم هو اللي
رضاه مهم… ”
قال وليد باستحقار …
“بتقول رضاه…. ومن امته وإحنا بيفرق معانا رضا
ابن زهيره……. ”
هتف لابنه بجشع….
“من يوم مابقى قاضي نجع العرب…. من يوم مابقى اغنى واحد في النجع واكتر واحد لي هيبه والعائلات الكبيرة اللي حولينا لم بيعرفو اسم عيلتنا بيتهز ليهم اكبر شنب….. بس عشان سالم ابن عمك وهيبته في نجع ……واحنا لازم نمشي مع تيار الهوا ياوليد تحت ضَل الكبير نستخبى… ونلبس الف وش عشان نوصل لاسمه وهيبته واملاكه……. لازم سالم يثق فيا وفيك ياوليد …..رجع الود واخفي السواد اللي جواك من ناحيته لحد ماتخلص مصالحنا……. ”
اتت خيرية عليهم التي سمعت معظم حديث زوجها وضعت المخبوذات الساخنة بالقرب منهم قائلة بتاكيد …
“اسمع كلام ابوك ياوليد….. مصالح ابوك هتمشي
اكتر لم الناس تعرف ان سالم زين معاكم…. وكمان محصول ارض الفاكهة بتاع ابوك بيخسر بسبب
البيع بالخسارة لكن لم الود يرجع مع ابن زهيره… ابوك هيعمل صفقه مع سالم ان يموله محصول الارض كلها عنده على مصنعه… وشغل مابينهم
يمشي ويمكن بعد كده ابوك يضغط عليه ويشاركه في المصنع الجديد اللي لسه هيعمله … ”
راقب وليد حديث والدته قائلاً بتوجس
“مصنع إيه اللى هيعمله ابن زهيره تاني….. ”
رد والده هذه المره مُجيباً إياه …….
“مصنع كبير ناوي يبدأ بنى فيه على الارض اللي اشتراها جنب مصنعه …….وهتكون مواد غذائيه يعني هيوسع مجاله اكتر وأرضه لوحدها مش هتكون كفايه للخضار والفاكهة اللى هيحتاجهم للإنتاج… عشان كده بقولك نرجع الود بين سالم….. لان بيكبر وهيكبر ولو مش هنبقى جمبه دلوقت هيبقى صعب نبقى جمبه بعدين…….. ”
نظر وليد أمامه بشرود…. وعيناه غامت بحقد شيطاني…… تسأل بالامبالاة…
“ومين بقه هيتكلف بي دراسة مشروع المصنع ومقولته……. ”
رد بكر عليه قال بغل من مايصل له سالم قبله هو وابنه حتى في تفكير….
“مش هتصدق مين اللي هيتكلف بمقولته… اكبر شركه بيدرها اكبر عيلة في مصر كلها…عيلة
الألفيّ….. ”
ابتسم وليد بسخرية قائلاً بصوتٍ خافضٍ …
“واضح ان مش بيضيع وقت… وعايز يشتغل على نضيف………… ”
____________________________________
اصبح البيت الكبير مزدحم جداً ببعض نساء البدو
أما في حوش البيت الكبير الازدحام اكبر……فهناك بعضاً من البسطاء يجلسون في ساحة الخضراء يتناولون أشهى الطعام الذي أساسه يحتوي على
لحم اضحية العيد الذي يتكلف بها (سالم شاهين) كل سنه في هذا اليوم…… يطعم من يحتاج ويعطي أيضاً من الاضحية الكبيرة بعد هذه الوليمة ……فهناك من يفعل هذا كنوع من المظاهر امام الجميع… وهناك من يفعل هذا تجارةٍ رابحةَ مع الله !…..
“شايف سالم بيعمل ايه عشان اموره تمشي… ”
قال بكر حديثه وهو يقلب عيناه بين أعداد البشر المتواجدة في حديقة المنزل…..
رد وليد بحقد…
“شايف….. واضح ان بيحب الهيصه حوليه وبيضحك على الغلابه بكيلو لحمه وعشاء جاهز… ”
رد بكر بتاكيد ….
“امال هو بقه قاضي النجع ازاي ماهو من عميله دي نفسي تفكر زي ما بيفكر ولو مره واحدة ….. اكيد مش هيبقى ده حالنا …. ”
رد وليد بتهكم وغل….
“ماخلاص بقه يابااا مش كل مره تقطمني بكلام.. ما انت عارف ابن زهيره مسوس وعامل زي التعبان
بيغير جلده على حسب المكان…. هو انا اللى
هقولك هو إيه.. ”
نظر له بكر شذرا وقال بتبرم..
“مش حجه دي ياوليد…. انا عايزك تشغل مخك وتبقى احسن منه مليون مره….. ”
تطلع وليد امامه قائلاً بملل..
“ان شاء الله….. يلا بينا لحسان ابن زهيره واقف بيخدم على الناس هناك……”
كان يقف سالم امام مادة كبير مُستطيلة تحتوي على أشهى الطعام واشهى الإصناف تُقدم بطريقةٍ منمقه
ياكل الجميع بعيون تدعي وتتمنى لسالم الخير….
وضع سالم امام رجلاً في الخمسينيّات من عمره
بعد اللحم الطازج شهي الرائحة … قال بود
“كل ياعم عرابي انت مش بتاكل ليه.. كل ياراجل ياطيب البيت بيتك انت مش ضيف انتَ صاحب مكان…. ”
رد الرجل ذات التجعيد الواضحة على وجهه الذي يظهر عليه شقاء آلزمن…..
“كتر خيرك ياسالم ياولدي ربنا يقويك ويزيدك على فعل الخير….. وربنا يرزقك بالذرية الصالحة باذن الله وميطولش عليك بيها يارب….. ”
نظر له سالم بحزن…. ومن ثم ابتسم بأمل وهو يتمنى وجود طفل من صلبه يحمل أسمه يكون صديقه وأخوه يعوضه عن فراق( حسن) شقيقه الذي فراقه كسر ظهره وما يصبره على فراقه هي ابنته (ورد) !…وحين اصبحت حياة زوجته تمنى بصدق ان تحمل له قطعةٍ منه ومنها …نطق بامل وهو
ينظر نحو الرجل بحبور..
“يارب يارجل ياطيب دعواتك…… ”
لمح وهو يرفع عينيه فوجد بكر عمه ووليد ابنه
في حوش البيت اي بالقرب منه….. ذهب لهم وهو يتمتم بحنق…
“سلام عليكم كيف حالك ياعمي….نورت المكان
ياوليد….”هتف سالم وهو يقف امامهم كان سالم يرتدي جلباب رمادي ناصع…..ويصفف شعره الغزير للخلف بجاذبية…..
رد بكر بطيبه زائفة….
“أهلاً ياسالم يابن اخويه شااخبارك وكيف حال اخويه مش شايفه يعني…… ”
نظر له سالم زقال بهدوء…
“الحج رافت شاهين جو في شادر مع بقيت كبار عائلات النجع ……”
اشار له سالم على هذه الخيمة الكبيرة…
قائلاً بجفاء….
“وصل ابوك ياولد عمي….. ”
نظر وليد الى بكر بحنق….. تنحنح بكر بحرج قال بثبات “خليك أنت ياوليد مع سالم ابن عمك.. وانا
هدخل لعمك رافت…. انا مش غريب يعني…. ”
دلف بكر الى الخيمة الكبيرة……
نظر سالم الى وليد وقال بسرعة وعجله من أمره..
“معلش يابن عمي اسيبك انا عشان اشوف ضيوفي وخدم عليهم……”
ابتعد عنه بهدوء…. نظر وليد الى سالم ظناً منه ان من يتحدث عنهم سالم هم كبار عائلات النجع.. ولكن إصابته الدهشة حين راه يخدم على البسطاء الذين يجلسون على مادة الطعام الكبيرة… الذهول أصابه وهو يرى سالم يتعامل معهم وكان هناك مصالح كبيرة بينهم لم تمر إلا بعد هذه أضيافةَ كم تسمى في البدو …..
____________________________________
بعد ساعة…..
تجلس في غرفتها بملل الجميع في لأسفل يخدم ويساعد حتى تنتهي هذه العزومة الكبيرة…
إلا هي انجبرت على الجلوس هنا بأومر منه…منه
هو فقط خوفٍ عليها من ان تصاب او يحدث لها شيء بسبب إجهاد اليوم…… تنهدت بتعب لتجد هاتفها يصدح تناولته من على الفراش بين يديها… وفتحت الخط وهي تبتسم بخجل من النظر الى اسمه المضيء
“الو….. ”
رد عليها بمراوغه وهو يقف تحت ركناً ما في
ساحة الخضراء
“بتعمل إيه ياحياة من غيري….. ”
ابتسمت و ردت بملل
“زهقانه اوي……. سالم هو ينفع انزل اساعد ريم وبقيت الخدم بدل مانا قعده زهقانه كدا…. ”
حك في لحيته وقال بمكر…
“ينفع طبعاً …..”
اتسعت ابتسامتها وهاتفة بذهول..
“بجد ينفع….. ”
“ااه بجد……بس لم تخفي…… وبعدين انا عايز افهم حاجه انتِ بتحبي تتعبي نفسك دايما كده… ”
ردت بعفوية..
“ايوا انا بحب اتعب نفسي….. سابني بقه”
قلب عينيه بجزع منها..
“اسمعي الكلام ياحياة…. وبلاش ترغي الكتير في الموضوع ده ….”
“عشان خاطري ياسالم سبني انزل انا اتخنقت من الحبسه وبلاش تخاف عليا انا ا…”
رد عليها ببرود ليعود سالم شاهين المعروف
امام عينيها….
“ومين قالك اني بعمل كده خوف عليكِ … لا
طبعاً …..كل الموضوع اني مش بحب حورات المستشفى دي ومش بحب ادخلها أصلاً…. فياريت تعقلي كده وتفضلي قعده مكانك….. وااه انا كنت
متصل بيكِ عشان اقولك طلعيلي غيار عشان
طالع دلوقتي اغير هدومي ونازل تاني……سلام ”
نظرت الى الهاتف بحزن من سرعة الانفصام الذي يعاني منه والذي يجعلها تفقد القدرة على اكمال حياتها بهذا الشكل معه… مزالت متيقنه ان هذه الاقراص تناولها افضل من التوقف عنها فسالم يفقدها الأمان بهذا التغير المبهم….. اوقات تشعر انها تلامس النجوم بيداها مع حنانه واهتمامه نحوها …وبعض الاوقات الكثيرةَ قساوة أفعاله تجعلها تصطدم في ارض صلبه جافة قاسيةٍ ببرود عليها…ليموت سريعاً تأنيب الضمير داخلها ويبقى الإصرار على إلا يكون بينهم رابط قوي يجمعهم اكثر ببعضهم … يجب ان تشعر بالأمان أولاً قبل التفكير في رابط قوي يجمعها به !…..
فتح الباب سريعاً وأغلق بهدوء رفعت بُنيتاها
ظناً منها آنه سالم….. لتجد ما لم تتوقعه امامها في غرفة نومها (وليد) ابن عم سالم
نهضت وهي ترتدي عبإتها المعلقة على شكل معطف مفتوح ارتدتها سريعا وهي تتناول حجابها بطريقة
عشوائيه وضعته عليها… وهي تهدر به بحادة
“انتَ ايه اللي دخلك هنا اخرج برا يزباله….
وصلت بيك انك تدخل اوضة نومي انت
لدرجادي مش همك… ”
ابتسم بعبث ماكر وقال ببشاعه..
“معلشي يام ورد اصل الموضوع اللي انا جايلك فيه مش هيتم غير في اوضة النوم…. ”
مع كل حرف كان يقترب منها وهي ترتعد
للخلف بخوف من نظراته الشهونية على
جسدها…
“ابعد عني…. هصوت ولم عليك الناس .. ”
نظر لها بشهوة أكبر وهو يقول بمكر
“صوتي ……هكدبك وقول انك انتِ اللي مغفله جوزك وجيباني على اوضتك بمزاجك… ها اي
رايك… فضحتك هتبقى بجلاجل وبذات قدام
سالم جوزك ياحياة……. يابنت….”
صمت برهة ثم همس بمهانة لها…
“هو صحيح ياحياة أبوكِ اسمه إيه…. ”
بان الآلام في عينيها بسرعه وحرج كذالك
من إهانته لها وتلميح هذا الدنيء عن من تكون !…….
“ااه نسيت انك لقيطه ملكيش أهل يعني …عشان كده هيبقى سهل الناس تصدق حكايتي وتكدبك. ”
كاد ان يقترب اكثر منها ….نظرت حياة بجوارها
لتجد زهريةٍ صغيرة الحجم على سطح المنضدة جانبها … مسكتها سريعاً وبدون تفكير نزلت على وليد بها على راسه…. في هذا الوقت انفتح الباب عليهم و… و …..يتبع
تطلعت على نفسها عبر المرآة تتفحص هذه العقد الذهبي باعجاب قد وضعه سالم حول عنقها
منذ دقائق فقط …
خرجت من المرحاض وهي تلف حول جسدها منشفةٍ كبيرة تصل إلى نصف ساقيها….. اشتعلت وجنتيها وهي توبخ نفسها على هذا النسيان الذي أصابها فقد غفلت على أخذ ملابسها معها قبل ان تدخل لدورة المياة……. وها هي تخرج امامه بهذا الشكل المخجل تخفي جسدها بمنشفةٍ قصيرة تكشف نصف ساقيها وشعرها المبلل يتساقط منه قطرات الماء على كتفيها العاري اثارته صورتها تلك واشعلت
عيناه أكثر وهو يستلقي على الفراش عاري الصدر
يراقبها وهو يضع سجارته في فمه…
تلك المرأءة الوحيدة القادرة على أن
يلين حجر سالم شاهين وقسوتة وشخصيته
الجافة امام بُنيتاها الدافئه ….
كانت تقف امام خزانة ملابسها تبحث عن شيءٍ ترتديه مدت يدها لتاخذ ثيابها لكنها وجدت يداه
تطبق على يدها بحنو….شعرت بحرارة جسده
خلف جسدها مباشرةً….. بلعت ريقها وهمست بخفوت….
“سالم…….. في حاجه…..عايزني اعملك حاجه ”
تحسس ظهرها بيداه وقربه أكثر من صدره
همساً بمراوغه…
“بتعملي إيه ياحياة….. ”
تسرعت خفقات قلبها وبدأت تشعر بحرارة جسدها ترتفع والأكثر حرارة هو وجهها لا تعرف خجل ام
توتر من وفقتها أمامه بهذا الشكل…
لمست يده عليها دوماً تثير الرجفة في قلبها ويقلب كيانها كله بهمسه واحده منه… ردت بصعوبة
“هكون بعمل إيه….بجيب هدوم عشان البسها… ”
انحنى قليلاً على اذنيها قائلاً بمكر
“تحبي اساعدك…… ”
“لا.. شكراً.. “ابتعدت عنه بقلب يخفق بشدة لتجد يده تمسك ذراعها تمنعها من التعثر ..
“حاسبي يامجنونه هتوقعي…… ”
نظرت له بخجل ثم هتفت بحدة..
“سالم لو سمحت سبني ادخل البس جوا عشان… ”
“عشان اي …انتِ مش ملاحظه انك محمله الموضوع فوق طاقتك ودايما وشك بيجيب ألوان لو بس ايدي جت على جسمك…. دا غير حكاية طفي النور دي كل ما اجي أقرب منك… أنتِ مش واخده بالك اني جوزك ولمفروض ميكنش في بينا كل المسافات
دي…. ”
“سالم انا بحاول….. بس الموضوع محتاج وقت
وصبر.. ”
زفر بتعب من معذبة قلبه وحارقة روحه بكلماتها
حاول التحلي بالهدوء وتفهم وهو يقول…
“عارف ان كل حاجه محتاجه صبر…. وانا عمري ماعرفت الصبر غير معاكِ انتِ ياحياة…… ”
تعلقت أعينهما ببعضها للحظات.. تنظر له بذهول من جملته التي لا تحمل غير الصدق والاستياء منها…
اما هو لم تتوقف عيناه عن السفر فوق ملامح وجهها الفاتن ومنحنيات جسدها البارزة من خلال تلك المنشفة البيضاء…
حاولت الفرار من امامه محاولة السيطرة على تلك القشعريره التي تهددها بالاستمرار امام لمساته
عليها قالت بصعوبة..
“سالم….. انا لازم ادخل اكمل لبسي عشان احنا اتاخرنا وانت اتاخرت عليهم تحت….. ”
نظر لها بهدوء ومن ثم شبك يده بخاصتها
ليسير بها نحو الفراش …جلس سالم على حافة الفراش وجذبها هو على قدميه لتجلس في احضانه كطفلة الصغيرة انصدمت من فعلته وكادت ان تعترض لتعتريها الدهشةَ من عناقه الدفء لها
دفن راسه في جوف عنقها المرمري…توترت أكثر
وهي تسمعه يقول بحنان
“حضنك حلو اوي ياحياة….. ”
اغمضت عينيها وهي تعاني من حلاوة كلماته المخدرة لعقلها القادرة على نسي هوايتها امام غزله الصريح !..
همس سالم مره أخره بصوتٍ عذب..
“ساكته ليه ياحياة…… ”
اغمضت عينيها وهو في احضانها انفاسه الساخنة تداعب عنقها بدون هوادة… ماذا تقول وهي بين
لمسته تحلق في سماء ضائعة ! ولا تجد ضالتها
الى بجواره !…..
ردت بصوتٍ خرج من اعماق مشاعرها..
“مش عارفه اقول إيه….. ”
همس لها بنفس الهمس…
“بتحسي معايا بإيه ياحياة… ”
اغمضت عينيها مره أخره ماذا تقول ماهي الإجابة المناسبة له… هي تشعر بكل شيء واي شيء بجانبه الشوق…… الضعف….. الغيرة……الخوف…. وتعشق شخصيته وامتلاكه….. تعشق سواد عيناه المشتعلة بشعاع غريباً يصعب ترجمتها هو يثير
أجمل المشاعر داخلها ويهدم كيانها بالمسةٍ واحدة… ماذا تقول الإجابات كثيرة ولكن هي لا تحمل الصراحة والجرأة الكافية لأخباره واحده منهم !..
شعر بنغزةٍ في قلبه من صمتها الذي طال وهو مزال ينتظر إجابةٍ تريح قلبه …..لم يكن من النوع العاطفي الذي يسعى خلف اثنى لسماع كلمة عاطفية ترضي رجولته منها ! …وبخ نفسه على ما يفعل …اصبح
يشبه المراهقين بأفعاله معها…أبتعد عنها ببطء
ولكنها مزالت تجلس في احضانه… مسك هذه
العلبة الحمراء….وقدمها لها وقال بحنان
“كل سنه وأنتِ طيبه…… ”
اخذت منه العلبة بحرج وهي تسأله بهدوء
“دي بمناسبة اي ياسالم….. ”
“من غير مناسبة عجبتني فجبتها ليكِ …
اي رايك حلوه….. عجبتك”
فتحت العلبة لتطلع عليها….. بإعجاب يصرخ من عينيها…. كان عقد ذهبي خالص به فصوص رقيقة تشبه الالماس او بالاصح هي صنعت من الالماس الخالص…. انتبهت لهذا القلب الصغير الذي يتوسطها كان عبارة عن نفصين بداخلهم تُضع صورتين …..
كان فارغاً بطبع كان يحفر على القلب من فوق
(ملاذ الحياة) انكمشت ملامحها باستغراب من هذا الإسم…. الذي دوماً كان يهمس به سالم لها أثناء ابحارهم في عالمهم الخاص… كان الاسم ناعم راقي يحمل الكثير ولان معنى الإسم الملجأ وسكون وراحةَ ….. اصبحت متيقنه ان هذا القب يعني
الكثير اي انها اصبحت تعني لها الأكثر … ولكن العقد الذهبي يحمل أيضاً الأكثر من اهتمام سالم لها… وعمل شيء خاص كهذا لها يذيب الجليد المحاصر عقلها قبل قلبها……
” عجبتك….. “همس لها وهو يراقب تغيُرات وجهها وهي تطلع على العقد الذهبي بُبنيتان مترقرقان بدموع….
اومأت بايجاب وهي تقول بحرج…
“حلو اوي…..بس مكنش لي لزوم تكلف نفسك
شكله غالي اوي … ”
اخذ منها العقد بهدوء وانحنى عليها قليلاً مُلبسها
إياه حول عنقها بحنان همس لها بحنان..
“هو فعلاً بقه غالي…..بس لم لبستيه…… ”
انحنى اكثر عليها ليضع قبله حثيه على عنقها
“مبروك عليكِ……ياملاذي….. ”
اغمضت عينيها وهي تعاني من خفقات قلبها المتسرعه… مع طيف ذكرى لم يمر عليها إلا ساعة واحدة….. هذا هو سالم خبير في ارهاق قلبها دوماً……
“قلبي ودقاته بتعملي طقوس جديده من ورايا.. ”
هتفت ريم وهي تدلف الى غرفة حياة التي وجدتها مغمضت العينان وشاردة بنعومةٍ غريبة….
فتحت حياة عيناها وهتفت وهي تنهض بسعادة
“أنتِ جيتي ياريم اتاخرتي ليه….. ”
نظرت لها ريم بشك قائلة بمكر …
“بت مالك وشك احمر وعنيكِ بتلمع كده ليه …”
اقتربت ريم منها اكثر قائلة بصياح
“لا وبشرتك بتلمع كمان… دا نوع كريم جديد..
ولا هرمونات السعاده اشتغلت عندك وابن عمي
لي يد في اللي بيحصلك ده….. ”
ابتعدت عنها بخجل وهتفت بتوبيخ …
“ماتحترمي نفسك ياريم…. سالم ماله ومال
وشي.. ”
حركة ريم شفتيها في زوايةٍ واحده قائلة بمكر..
“طب اللهي ماشوف صاحب سالم الفسدق ده تاني
ان ما كان اللى في وشك ده هرمونات حب وسعادة….”
“يابت اتلمي…. وخلينا في المهم ابوكي جه معاكِ فعلاً…. ”
ردت ريم عليها بتبرم …
“لا جيين كمان ساعتين… المهم متوهيش وقوليلي
بقه اسم الكريم إيه….. ”
ضحكة حياة بخفوت وهي تقول بخبث…
“اسم الكريم صعب تلاقيه ياريم….. اصبري يمكن الفسدق بتاعك يرجع ويديكِ هو التركيبة بنفسه .. ”
ركضت ريم خلفها في زوايه الغرفة وصاحت بغضب زائف….
“أنتِ بتتريقي عشان انا لسا سنجل بائس ياحياة بتتريقي….. ”
ركضت حياة قائلة وسط ضحكَتها
“عيب عليكِ…… ياريم دا انا بحسدك….. ”
انزعجت ريم من جملتها وصاحت بسخط ..
“على إي….. على النحس والبأس… بتحسدوني على ايه بس.. ”
_____________________________________
وقفت في شرفة غرفتها ترتدي عباءةٍ فضفاضة وتلف حجابها بأتقان كانت جميلةٍ في عيناه الذي
تفترس ملامحها في الخفئ بتأني وتفحص شديد …..
كان مسترخي مُستنداً على جذع شجرةٍ قديمة.. في حوش المنزل…… وكان يراقب تطلعها وشرودها
في ساحة الخضراء التي تحيط بالبيت الكبير
تتامل الجو ببنيتان غامتان بطريقه مبهمه…
لم تحيد عينان سالم عنها ظل يفترس جمالها
وحلاوة طلتها عليه…..
حركت هي عيناها بلا اهداف لتتلاقى سريعاً بعيناه أزداد بريق عينيه وابتسامة شقت شفتاه القويتان والعابثتان بالفطرة… بينما تزايد تسارع انفاسه…
وقفت حياة مرتبكة محمرة الوجه تقبض بيداها
على حاجز الشرفة الصلب بتوتر ازاء نظراته القوية المتفجرة عليها ….والتي تفترسها بدون حياء منه…
مسك الهاتف وعبث به وهو يختلس النظر لها
نظرت حياة خلفها حيثُ الغرفة لتجد اهتزاز هاتفها على المنضدة الصغيرة اخذت الهاتف وفتحت الخط بصوتٍ يخرج بصعوبة من حلقها الذي جف من تقابل عينيها بمهدد كيانها “الو……. ”
رد عليها بكل سهولة ومزال في حوش البيت
مُستند على جذع الشجرة…….
“حياة….. اقفي في البلكونه عايزك….. ”
توترت قليلاً ثم خرجت تسأله بحرج
“في حاجه ياسالم……. ”
نظر اليها مره أخرى وهي تمسك الهاتف وتتحدث
معه بحرج جالي على وجهها الفاتن… رد بفتور غريب لا يناسب كلماته….
“كنت عايز املي عيني منك….قبل مانشغل عنك انهارده.. ”
فغرت شفتيها بصدمة من كلماته البسيطة لا.. ليست بسيطه…..هل ينوي قول شيء اقوى من هذا…….هو يشتاق لها…. هل هذا الحديث نطق على لسان سالم شاهين؟؟…….
ظل ناظراً لها بإهتمام وهو يرى قسمات وجهها المشدودة بذهول…..همس بهدوء
“حياة……مالك سرحتي في إيه…….. ”
نظرت له بحرج وساد الصمت بينهم…ثم همست
لها بعد برهة من آلصمت الثقيل جمعت ماتبقى
من ثبات داخلها وقالت متسائله
“سالم…..انت…متاكد ان غيابي عن عينك بيفرق معاك…… ”
“اكيد بيفرق…. مش مراتي…… “رد عليها بنفس الفتور المعتاد ولكن كلماته كاسهام تهدم انوثتها
الى شظايا صغيرة…..
مزالت تنظر الى عينيه بحرج وهو ينهال من ملامحها بوقاحةٍ اعتادت عليها منه……
ردت بصدق..
“أنت صعب ياسالم…. صعب اوي…… “كانت تتمنى ان تهمس بها داخلها ولكن خرج صوتها اليه عبر الهاتف..
رد وهو ومزال يحدق بها بفتور لا يناسب النيران المشتعلة داخله فقط من لهجة صوتها الحائر …..
“وأنتِ اصعب بذاته ياملاذي…..”تنهد بتعب واغلق الهاتف سريعاً……ورحل من الحوش الكبير الى
سيارته حيثُ المصنع….
أسرع إليه عمرو وصعد بجواره انطلقت سيارته
بعد إرتفاع صوت وقودها عالياً… اختفى عن مرمى ابصارها…. تنهدت بتعب حقيقي لتهمس بصدق ضائعة
“ناوي تعمل معايا إيه اكتر من كده ياسالم ”
دلفت الى داخل الغرفة متوجه للاسفل حيث
الجدة راضية وريم وورد ابنتها الغالية …..
وللاسف سترى الحاقدة ثقيلة الدم عديمة الإحساس ( ريهام بكر شاهين) والتي لا تختلف عن شقيقها (وليد) الدنيء …و والدها ذو الاقنعة الكثيرة
(بكر شاهين) فهم على الأغلب يشبهون بعضهم
كثيراً في المصالح المشتركة !…..
___________________________________
“انت لسه مصمم على روحتك عند بيت رافت
شاهين وسالم ابنه….. “هتف وليد بإمتعاض وهو يرتشف الشاي مع والده ..
رد بكر بخشونة…
“المصالح فوق كل شيء ياوليد ومش هنعيدو الموضوع ده تاني….. لازم ارجع الود مابين سالم من تاني….. اذا كان على رافت اخويه فا انا عارف ان مش شايل مني مهما عملت… لكن سالم هو اللي
رضاه مهم… ”
قال وليد باستحقار …
“بتقول رضاه…. ومن امته وإحنا بيفرق معانا رضا
ابن زهيره……. ”
هتف لابنه بجشع….
“من يوم مابقى قاضي نجع العرب…. من يوم مابقى اغنى واحد في النجع واكتر واحد لي هيبه والعائلات الكبيرة اللي حولينا لم بيعرفو اسم عيلتنا بيتهز ليهم اكبر شنب….. بس عشان سالم ابن عمك وهيبته في نجع ……واحنا لازم نمشي مع تيار الهوا ياوليد تحت ضَل الكبير نستخبى… ونلبس الف وش عشان نوصل لاسمه وهيبته واملاكه……. لازم سالم يثق فيا وفيك ياوليد …..رجع الود واخفي السواد اللي جواك من ناحيته لحد ماتخلص مصالحنا……. ”
اتت خيرية عليهم التي سمعت معظم حديث زوجها وضعت المخبوذات الساخنة بالقرب منهم قائلة بتاكيد …
“اسمع كلام ابوك ياوليد….. مصالح ابوك هتمشي
اكتر لم الناس تعرف ان سالم زين معاكم…. وكمان محصول ارض الفاكهة بتاع ابوك بيخسر بسبب
البيع بالخسارة لكن لم الود يرجع مع ابن زهيره… ابوك هيعمل صفقه مع سالم ان يموله محصول الارض كلها عنده على مصنعه… وشغل مابينهم
يمشي ويمكن بعد كده ابوك يضغط عليه ويشاركه في المصنع الجديد اللي لسه هيعمله … ”
راقب وليد حديث والدته قائلاً بتوجس
“مصنع إيه اللى هيعمله ابن زهيره تاني….. ”
رد والده هذه المره مُجيباً إياه …….
“مصنع كبير ناوي يبدأ بنى فيه على الارض اللي اشتراها جنب مصنعه …….وهتكون مواد غذائيه يعني هيوسع مجاله اكتر وأرضه لوحدها مش هتكون كفايه للخضار والفاكهة اللى هيحتاجهم للإنتاج… عشان كده بقولك نرجع الود بين سالم….. لان بيكبر وهيكبر ولو مش هنبقى جمبه دلوقت هيبقى صعب نبقى جمبه بعدين…….. ”
نظر وليد أمامه بشرود…. وعيناه غامت بحقد شيطاني…… تسأل بالامبالاة…
“ومين بقه هيتكلف بي دراسة مشروع المصنع ومقولته……. ”
رد بكر عليه قال بغل من مايصل له سالم قبله هو وابنه حتى في تفكير….
“مش هتصدق مين اللي هيتكلف بمقولته… اكبر شركه بيدرها اكبر عيلة في مصر كلها…عيلة
الألفيّ….. ”
ابتسم وليد بسخرية قائلاً بصوتٍ خافضٍ …
“واضح ان مش بيضيع وقت… وعايز يشتغل على نضيف………… ”
____________________________________
اصبح البيت الكبير مزدحم جداً ببعض نساء البدو
أما في حوش البيت الكبير الازدحام اكبر……فهناك بعضاً من البسطاء يجلسون في ساحة الخضراء يتناولون أشهى الطعام الذي أساسه يحتوي على
لحم اضحية العيد الذي يتكلف بها (سالم شاهين) كل سنه في هذا اليوم…… يطعم من يحتاج ويعطي أيضاً من الاضحية الكبيرة بعد هذه الوليمة ……فهناك من يفعل هذا كنوع من المظاهر امام الجميع… وهناك من يفعل هذا تجارةٍ رابحةَ مع الله !…..
“شايف سالم بيعمل ايه عشان اموره تمشي… ”
قال بكر حديثه وهو يقلب عيناه بين أعداد البشر المتواجدة في حديقة المنزل…..
رد وليد بحقد…
“شايف….. واضح ان بيحب الهيصه حوليه وبيضحك على الغلابه بكيلو لحمه وعشاء جاهز… ”
رد بكر بتاكيد ….
“امال هو بقه قاضي النجع ازاي ماهو من عميله دي نفسي تفكر زي ما بيفكر ولو مره واحدة ….. اكيد مش هيبقى ده حالنا …. ”
رد وليد بتهكم وغل….
“ماخلاص بقه يابااا مش كل مره تقطمني بكلام.. ما انت عارف ابن زهيره مسوس وعامل زي التعبان
بيغير جلده على حسب المكان…. هو انا اللى
هقولك هو إيه.. ”
نظر له بكر شذرا وقال بتبرم..
“مش حجه دي ياوليد…. انا عايزك تشغل مخك وتبقى احسن منه مليون مره….. ”
تطلع وليد امامه قائلاً بملل..
“ان شاء الله….. يلا بينا لحسان ابن زهيره واقف بيخدم على الناس هناك……”
كان يقف سالم امام مادة كبير مُستطيلة تحتوي على أشهى الطعام واشهى الإصناف تُقدم بطريقةٍ منمقه
ياكل الجميع بعيون تدعي وتتمنى لسالم الخير….
وضع سالم امام رجلاً في الخمسينيّات من عمره
بعد اللحم الطازج شهي الرائحة … قال بود
“كل ياعم عرابي انت مش بتاكل ليه.. كل ياراجل ياطيب البيت بيتك انت مش ضيف انتَ صاحب مكان…. ”
رد الرجل ذات التجعيد الواضحة على وجهه الذي يظهر عليه شقاء آلزمن…..
“كتر خيرك ياسالم ياولدي ربنا يقويك ويزيدك على فعل الخير….. وربنا يرزقك بالذرية الصالحة باذن الله وميطولش عليك بيها يارب….. ”
نظر له سالم بحزن…. ومن ثم ابتسم بأمل وهو يتمنى وجود طفل من صلبه يحمل أسمه يكون صديقه وأخوه يعوضه عن فراق( حسن) شقيقه الذي فراقه كسر ظهره وما يصبره على فراقه هي ابنته (ورد) !…وحين اصبحت حياة زوجته تمنى بصدق ان تحمل له قطعةٍ منه ومنها …نطق بامل وهو
ينظر نحو الرجل بحبور..
“يارب يارجل ياطيب دعواتك…… ”
لمح وهو يرفع عينيه فوجد بكر عمه ووليد ابنه
في حوش البيت اي بالقرب منه….. ذهب لهم وهو يتمتم بحنق…
“سلام عليكم كيف حالك ياعمي….نورت المكان
ياوليد….”هتف سالم وهو يقف امامهم كان سالم يرتدي جلباب رمادي ناصع…..ويصفف شعره الغزير للخلف بجاذبية…..
رد بكر بطيبه زائفة….
“أهلاً ياسالم يابن اخويه شااخبارك وكيف حال اخويه مش شايفه يعني…… ”
نظر له سالم زقال بهدوء…
“الحج رافت شاهين جو في شادر مع بقيت كبار عائلات النجع ……”
اشار له سالم على هذه الخيمة الكبيرة…
قائلاً بجفاء….
“وصل ابوك ياولد عمي….. ”
نظر وليد الى بكر بحنق….. تنحنح بكر بحرج قال بثبات “خليك أنت ياوليد مع سالم ابن عمك.. وانا
هدخل لعمك رافت…. انا مش غريب يعني…. ”
دلف بكر الى الخيمة الكبيرة……
نظر سالم الى وليد وقال بسرعة وعجله من أمره..
“معلش يابن عمي اسيبك انا عشان اشوف ضيوفي وخدم عليهم……”
ابتعد عنه بهدوء…. نظر وليد الى سالم ظناً منه ان من يتحدث عنهم سالم هم كبار عائلات النجع.. ولكن إصابته الدهشة حين راه يخدم على البسطاء الذين يجلسون على مادة الطعام الكبيرة… الذهول أصابه وهو يرى سالم يتعامل معهم وكان هناك مصالح كبيرة بينهم لم تمر إلا بعد هذه أضيافةَ كم تسمى في البدو …..
____________________________________
بعد ساعة…..
تجلس في غرفتها بملل الجميع في لأسفل يخدم ويساعد حتى تنتهي هذه العزومة الكبيرة…
إلا هي انجبرت على الجلوس هنا بأومر منه…منه
هو فقط خوفٍ عليها من ان تصاب او يحدث لها شيء بسبب إجهاد اليوم…… تنهدت بتعب لتجد هاتفها يصدح تناولته من على الفراش بين يديها… وفتحت الخط وهي تبتسم بخجل من النظر الى اسمه المضيء
“الو….. ”
رد عليها بمراوغه وهو يقف تحت ركناً ما في
ساحة الخضراء
“بتعمل إيه ياحياة من غيري….. ”
ابتسمت و ردت بملل
“زهقانه اوي……. سالم هو ينفع انزل اساعد ريم وبقيت الخدم بدل مانا قعده زهقانه كدا…. ”
حك في لحيته وقال بمكر…
“ينفع طبعاً …..”
اتسعت ابتسامتها وهاتفة بذهول..
“بجد ينفع….. ”
“ااه بجد……بس لم تخفي…… وبعدين انا عايز افهم حاجه انتِ بتحبي تتعبي نفسك دايما كده… ”
ردت بعفوية..
“ايوا انا بحب اتعب نفسي….. سابني بقه”
قلب عينيه بجزع منها..
“اسمعي الكلام ياحياة…. وبلاش ترغي الكتير في الموضوع ده ….”
“عشان خاطري ياسالم سبني انزل انا اتخنقت من الحبسه وبلاش تخاف عليا انا ا…”
رد عليها ببرود ليعود سالم شاهين المعروف
امام عينيها….
“ومين قالك اني بعمل كده خوف عليكِ … لا
طبعاً …..كل الموضوع اني مش بحب حورات المستشفى دي ومش بحب ادخلها أصلاً…. فياريت تعقلي كده وتفضلي قعده مكانك….. وااه انا كنت
متصل بيكِ عشان اقولك طلعيلي غيار عشان
طالع دلوقتي اغير هدومي ونازل تاني……سلام ”
نظرت الى الهاتف بحزن من سرعة الانفصام الذي يعاني منه والذي يجعلها تفقد القدرة على اكمال حياتها بهذا الشكل معه… مزالت متيقنه ان هذه الاقراص تناولها افضل من التوقف عنها فسالم يفقدها الأمان بهذا التغير المبهم….. اوقات تشعر انها تلامس النجوم بيداها مع حنانه واهتمامه نحوها …وبعض الاوقات الكثيرةَ قساوة أفعاله تجعلها تصطدم في ارض صلبه جافة قاسيةٍ ببرود عليها…ليموت سريعاً تأنيب الضمير داخلها ويبقى الإصرار على إلا يكون بينهم رابط قوي يجمعهم اكثر ببعضهم … يجب ان تشعر بالأمان أولاً قبل التفكير في رابط قوي يجمعها به !…..
فتح الباب سريعاً وأغلق بهدوء رفعت بُنيتاها
ظناً منها آنه سالم….. لتجد ما لم تتوقعه امامها في غرفة نومها (وليد) ابن عم سالم
نهضت وهي ترتدي عبإتها المعلقة على شكل معطف مفتوح ارتدتها سريعا وهي تتناول حجابها بطريقة
عشوائيه وضعته عليها… وهي تهدر به بحادة
“انتَ ايه اللي دخلك هنا اخرج برا يزباله….
وصلت بيك انك تدخل اوضة نومي انت
لدرجادي مش همك… ”
ابتسم بعبث ماكر وقال ببشاعه..
“معلشي يام ورد اصل الموضوع اللي انا جايلك فيه مش هيتم غير في اوضة النوم…. ”
مع كل حرف كان يقترب منها وهي ترتعد
للخلف بخوف من نظراته الشهونية على
جسدها…
“ابعد عني…. هصوت ولم عليك الناس .. ”
نظر لها بشهوة أكبر وهو يقول بمكر
“صوتي ……هكدبك وقول انك انتِ اللي مغفله جوزك وجيباني على اوضتك بمزاجك… ها اي
رايك… فضحتك هتبقى بجلاجل وبذات قدام
سالم جوزك ياحياة……. يابنت….”
صمت برهة ثم همس بمهانة لها…
“هو صحيح ياحياة أبوكِ اسمه إيه…. ”
بان الآلام في عينيها بسرعه وحرج كذالك
من إهانته لها وتلميح هذا الدنيء عن من تكون !…….
“ااه نسيت انك لقيطه ملكيش أهل يعني …عشان كده هيبقى سهل الناس تصدق حكايتي وتكدبك. ”
كاد ان يقترب اكثر منها ….نظرت حياة بجوارها
لتجد زهريةٍ صغيرة الحجم على سطح المنضدة جانبها … مسكتها سريعاً وبدون تفكير نزلت على وليد بها على راسه…. في هذا الوقت انفتح الباب عليهم و… و …..يتبع