رواية جوازة ابريل الجزء الثاني الفصل الثاني عشر 12 بقلم نورهان محسن
الفصل الثاني عشر (سجينة ذراعيه)
طالما كان يهوى المخاطر ، ويذهب إليها بكامل إرادته ، ويخبره حدسه أن طريق هذه المتمردة محفوف بالعديد من العثرات الصعبة ، وهذا ما يجعل عروقه تشتعل بنيران التحدي والإثارة في مواجهة تيارات أمواجها الفيروزية التى على الدوام متأججة بالعداء والاستهجان ، فاصبر أيها القلب ، لدينا الوقت لترويض هذه النمرة الشرسة ، سنصمد بقوة مهما صعب علينا الوصول إليها.
❈-❈-❈
فى منزل مصطفي الترابلسي
داخل غرفة نبيل والده
اقتربت منه هناء ، تضيق عينيها عليه في حيرة ، وهي تراه بكامل ملابسه ، وقالت بإستغراب : انت خارج ولا ايه يا نبيل؟
هز نبيل رأسه بالإيجاب ، مهندمًا عنق قميصه الأبيض ، وهو يشرح لها بقلق بالغ : رايح ورا ابنك الحقه مش ناقصين فضايح .. وفوق الخسارة اللي حصلت كمان يعمل حاجة مجنونة يضيع بيها نفسه
هزت هناء رأسها بإيماءات متتالية بتأييد ، وهتفت بتعجل : طيب انا هلبس وهاجي معاك عند سلمي
استدارت على الفور نحو خزانة الملابس ، وخطت عدة خطوات نحوها ، لكن صوت نبيل الأجش أوقفها : لا ابنك مش رايح البيت عندهم .. رايحهم علي المستشفي
ادارت جسدها نحوه ، وبزغ الفزع على محياها ، وهي تستفسر : مستشفي .. ليه؟
نهج صدره علوًا وهبوطًا مع تزايد القلق داخله ، مع إجابته بصوت متوتر : ابريل تعبت امبارح بليل ونقلوها علي المستشفي .. و اكيد هتبقي عيلة صلاح هناك وانا ماضمنش ممكن ابنك يعمل ايه!؟
اقتربت هناء منه ، لتربت على ذراعه بحنان ، محاولة أن تبثه بالاطمئنان بينما نجح القلق ، والخوف في التسلل إلى قلبها : اهدا طيب .. اهدا ماتتوترش كدا غلط علي صحتك .. اكيد مصطفي هيقدر يتصرف صح انا عارفة ابني عاقل
هز نبيل رأسه بالرفض ، وهدر بانفعال لا إرادي ، وما زاده ردها إلا غضباً : عاقل !! انتي ماشوفتيش شكله وهو خارج يجري زي المجنون .. تقدري تقوليلي هيتصرف ازاي وهو متشتت بين اتنين ستات ها .. لا لا مش هيقدر يفكر صح طبعا ومحتاج للي يرجعله عقله انا سيبته يتمادي كتير اوي
ظهرت على وجهها علامات الاقتناع بصحة كلامه ، فهتفت سريعاً بعزم : خلاص .. انا هحضر نفسي في خمس دقايق واجي معاك
❈-❈-❈
عند ابريل فى الغرفة
أغلقت ابريل باب الخزانة بعنف ، وهي تفرك جبهتها في محاولة لإنعاش ذاكرتها المشوشة ، وأخذت تتمتم بصوت حائر ملون بأنواع كثيرة من الغضب : دا وقته دا .. ادور فين تاني .. انا متأكدة انه كان موجود معايا راح فين بس؟!
_محتاجة مساعدة؟!
استدارت أبريل في مفاجأة ، فور أن جاءها صوته العميق بنبرته رجولية الساخرة المميزة التي أصبحت مألوفة لها إلى حد ما ، فاشتعلت فيروزيتها استنكاراً من وقاحته ، وهي تشاهده يقف بجلال قامته الشامخة معها داخل الغرفة بعد أن ولج وأغلق الباب خلفه دون أن تشعر حتى بوجوده ، فخرج صوتها خافتا من نفاد الصبر : احنا مش هنخلص بقا
ارتفع مستوى صوتها ردًا على هذا الوقح ، وهي تصر على أسنانها بإغتياظ : انت مش كنت مشيت!! ايه اللي رجعك؟
إنفرجت ابتسامة باردة على فمه ، وعيناه الرماديتان تتألقان ببريق مفتتن بها ، وهي تضع يديها على خصرها بتحدٍ.
خطى باسم عدة خطوات حتى وصل إلى طاولة صغيرة أمام أريكة تتسع لشخصين ، ووضع عليها صينية الطعام دون أن يعير لسؤالها إهتمام ، و قال بهدوء مريب : باين عليكي فايتك كتير محتاجة تتعلميه .. اولهم ازاي تعاملي حبيبك وخطيبك؟!
رمقته بنصف عين مهسهسة بمقت : حبتك حية تتلف حولين رقبتك
زوي بين حاجبيه الكثيفين ، عابسًا بجاذبية طاغية لم تلاحظها أبريل وسط اضطرابها ، بينما يخبرها بحزن كاذب : واهون عليكي يا بندقة وانا اللي روحت مخصوص اجيبلك الفطار لحد عندك
أنهى باسم حديثه بابتسامة لطيفة داعبت على شفتيه ، فبادلته بأخرى بلا مرح مع نطقها بغضب ناعم : كتر الف خيرك .. حقيقي ميرسي اوي .. بس تعبت نفسك علي الفاضي انا مش هفطر..
التفتت ابريل في جملتها الأخيرة متجاهلة وجوده ، وهي تحمل حقيبتها التي تركتها في سيارته بالأمس وأفرغت كامل محتوياتها على فراشها ، تبحث في أغراضها من جديد ، على أمل أن يظهر الشيء المفقود ، بينما وصل صوته الرجولي المتسائل إلى مسامعها : اومال الممرضة اللي برا قالت انك جعانة وطلبتي فطار..؟!
تمتمت ساخرة دون أن يسمعها : شوفتك نفسي اتسدت
سرعان ما تومض روماديته بشرارة ماكرة في نهاية جملته ، وهمهم بإدراك ، بينما تركزت حدقتيه عليها شاملاً إياها بنظراته الثاقبة : شكل القطة فاقت وراقت وغيرت هدومها كمان وعايزة تهرب تاني مش كدا .. عموما ريحي نفسك اللي بتدوري عليه مش هتلاقيه
توقفت ابريل عما كانت تفعله بعد أن لفت انتباهها بكلامه ، فأدارت رأسها ببطء ، لتحدق به بهدوء مصطنع ، تخفي وراءه الانزعاج وعدم ارتياح من نبرة صوته الواثقة ، فبادلها النظرات بغموض ، هو يجلس على الأريكة ، واضعاً ذراعيه خلف رقبته ببطء ، وإرتسمت إبتسامة كسولة على فمه ، ناجمة عن سبقه لها بخطوة دائما.
إزدردت ابريل ريقها فى اضطراب ، وتساءلت بتوجس : وانت اش عرفك باللي بدور عليه اصلا؟!
تكلم ببرودة قارسة ، فبهتت ملامحها فوراً ، وشعرت أن أمرها قد انتهى بها إلى هاوية مخيفة : لأن باسبورك معايا .. مش هو دا اللي بتدوري عليه
اتسعت عيناها بإنشداه من كلماته التى تردد صداه بأذنها ، لتسأل بإستنكار شديد : يعني فتشت في شنطتي وسرقته يا حرامي ازاي تعمل حاجة زي دي؟!
حرك لسانه داخل فمه ببرود قبل أن يخاطبها بتحذير متذمر : عيب لما تكلمي خطيبك بالطريقة دي يا بندقة
خرجت من ذهولها ، تهز رأسها برفض ، وهى على وشك الجنون ، مجرد التخيل أن مستقبلها اللعين أصبح قسراً بين يدي هذا الرجل المتلاعب ، يجعل غضبها يضرم بتضاعف ، صرخت باعتراضا عنيفا : خطيب مين وبتاع مين .. ماتناديليش بالطريقة دي تاني .. و باسبوري ترجعولي حالا قبل ما اطربق الدنيا فوق دماغك
تابع بجمود تلك الكلمات الأخيرة الصادرة منها بنبرة تهديد مضحكة ، واضعًا قدمه فوق الآخرى ، متلفظاً باسترخاء : لو طربقتيها هتنزل علي دماغك معايا
برودة أعصابه الجليدية أصابتها بالجنون ، بينما كان باسم يستمتع بشكل غريب بحرق أعصابها ، فاندفعت نحوه بخطوات غاضبة ، وإستبدت كل ذرة فى خلاياه بتحفز للانقضاض عليه حتى تزيل هذه الإبتسامة عن فمه الغليظ ، مرددة دون تفكير فى خضم إستيائها الحارق : وانا اللي هفتحلك دماغك بإيدي .. هو انتو عاملين مؤامرة عليا يعني .. بأي حق عمالين تبيعو وتشترو فيا .. مرة هي تاخد موبايلي وتحبسني زي القرد جوا القفص .. ودلوقتي انت بتاخد باسبوري غصب عني .. ايه فاكرين الناس بتمشي علي مزاجكم!!!
كانت ابريل تتحدث بلاهث شديد ، وهو يضحك بذهول واضعاً يده بدفاع أمام وجهه مانعاً وصولها إليه ، لتسدد ضرباتها على ذراعيه بإصرار مجنون ، ودون سابق إنذار ، تمكن من إمساك معصميها بإحكام ، وإختطفها إليه حتى سقطت جالسة فوق ساقيه ، ليتساءل باهتمام : مين اللي حبستك واخدت موبايلك يا قردة؟!
تجمدت حركاتها للحظات من الصدمة مع شعورها بذراعه الذى إلتف حول خصرها ، ثم بدأت بسرعة تدفعه بعيدًا عنها بقوة فى محاولات فاشلة ، وصدرها يرتفع وينخفض بسرعة من شدة الجهد ، مستنكرة بصوت حانق مبحوح : ايه دا انت اجننت!! ابعد عني!!!
قالت ابريل ذلك بينما تدفعه فى صدره ، وتسحب نفسها بعيداً عنه ، جعلها تهرب منه طوعا ، لينظر إليها بعينين متسائلتين ، وهي تتراجع خطوتين إلى الوراء ، هاتفة بنبرة حادة ومضطربة : ماتدخلش في اللي ملكش فيه وهاته احسنلك
حدق فى يدها الممدودة إليه ، ليقول ببساطة : بعد ما تفطري
ردت بجفاء عنيد : مش عايزة اتسمم .. هي عافية .. رجعلي باسبوري بالذوق بقولك
ضحك بسخرية عندما سمع كلمة "ذوق" الذى تناقض مع نظراتها الشرسة ، ثم تابع بتهكم : هتعملي بيه ايه!! ولا له اي لازمة .. لو فاكرة انك هتعرفي تخرجي من باب المستشفي اصلا انسي .. ماتتعبيش روحك وتتعبيني معاكي انا من قلة النوم مش شايف قدامي
إندلعت جمرات الشك فى قلبها ، وهى تتسأل بريبة : تقصد ايه؟
_روحي بصي وهتفهمي قصدي
قال باسم ببرود ، فتابعت بعينيها المذهولة إصبعه السبابة الذي أشار به نحو النافذة.
❈-❈-❈
فى غرفة مني
أصبح معدل تنفسها مرتفعاً ولاهثاً ، عندما وصل إليها صوته ، لتتمكن بصعوبة من تجاهل النظر إليه ، وتمتمت بالرفض : ماما خليه يمشي مش عايزة اشوفه قدامي
_عز اخرج الله يرضي عليك يا بني .. انت مش شايف حالتها بقت عاملة ازاي بسببكو .. بقي هي دي الامانة اللي امنتك عليها
تجاهل كلمات سوسن التوبيخية ، وكأنه لم يسمعها ، كل تركيزه كان على التي كانت تجلس ، تخفض وجهها لتجنب النظر إليه ، ليهمس بمرارة معذبة : خلاص يعني لدرجة دي مابقتيش طيقاني ولا قادرة تبصيلي
تجاهلت مني سؤاله بإبتسامة ساخرة مغمورة بالدموع وصوبت حديثها إلى دعاء : استريحتي خلاص يا دعاء هانم .. الف مبروك اللي كنتي عايزه توصليله حصل
_ابنك حبيبك طلقني .. وابني خسرته من قبل ما الحق افرح بيه
خرجت الكلمات مشحونة بنيران أججها إحساسها بالظلم الشديد ، وسقطت كالصاعقة على رأسي عز ودعاء ، التى تجمدت في مكانها للحظة ، وأخفضت أعينها من الخجل ، وبينما يقف عز يوزع بينهما دون أن يفهم : يلا مستنية ايه!! خديه واطلعو من حياتي .. روحي جوزيه للي تستحقه وخليه يسيبني في حالي بقي
تعظمت حيرته مع كلام منى ، لكنه وضع كل أسئلته جانبا محاولا أن يصبر عليها أكثر ، وتحدث بهدوء شديد : ممكن تهدي شوية يا مني .. انا مستحيل هتخلي عنك ومقدر الحالة الصعبة اللي انتي فيها ..
قال عز ذلك ، وهو يتقدم نحوها عدة خطوات ، ليقف أمام السرير ، ويرفع يده يريد أن يلمس شعرها ، إلا أن أيقظه صوتها فور أن صرخت بهجمة حادة ، مما أفقده كل دفاعاته الواهية أمامها : ابعد عني وامشي اطلع برا انت وامك
احتقن وجهه من جفائها المبرر ، ثم ألقى نظرة سريعة وشاملة على من معهم في الغرفة قبل أن يسأل بحدة : في ايه يا مني بالظبط .. ايه لزوم التجريح دا في امي مش فاهم؟!
مسحت دموعها بظاهر يدها ، وقالت بحزن ملموس في نبرتها الباكية : ابقي خليها تفهمك .. ابقي قوليلو كنتي بتخططي لإيه .. ابقي احكيله الكلام المسموم اللي علي طول كنتي تسمعيهولي .. و ابقي افتكر ان ابني مات بسببك يا عز .. ولو انطبقت السما علي الارض عمري ماهسامحك
❈-❈-❈
فى المنصورة
داخل منزل الجدة تحية
_داخلة بتنفخي من الصبح ليه يا بنتي؟!
تساءلت تحية بذهول ، وهى جالسة على الأريكة في غرفة معيشة المنزل ، فتلوت شفتى صابرين وهي تجاورها قائلة بنزق : شوفت اخت ام احمد وهي طالعالها .. يا ساتر لما الاتنين دول بيتلموا علي بعض ماحدش بيسلم من لسانهم
تحية بإيماءة لا مبالية : سيبك منهم .. احمد كلمك قالك وصل واطمن علي ابريل ولالا ؟
صابرين بنفى شارد : لسه مااتصلش
تابعت بصوت هادئ ، وكأنها تفكر بصوت مسموع : بس شكلها كدا هتحصل خناقة جديدة بين احمد ونادية
تحية بحيرة : ليه خير؟
ردت صابرين بإستفاضة : صدفتها علي السلم كانت واخدة بنتها وشنطة هدومها وماشية .. وبتقول امها عيانة بس انا متأكدة انها اكيد زعلانة .. ماشوفتيهاش امبارح كان بوزها شبرين وهي قاعدة معانا .. لازم طبعا مضايقة عشان احمد راح لابريل
تحية بنبرة حزينة : حقها يا بنتي ماهي مراته .. يلا ربنا يهديهم .. ذنبها ايه البنت اللي في وسطهم ومتبهدلة بينهم دي
إلتفتت صابرين إليها ، وهى تثنى احدى ساقيها أسفلها ، لتسأل بتردد مفكر : تفتكري يا ماما يعني لو كان جاب البنت دي من ابريل مش الحياة كانت هتبقي احسن هتبقي متشحططة معاهم كدا
هزت تحية رأسها بسرعة مستنكرة بشدة وقالت:...
❈-❈-❈
عند باسم
وضع باسم ذراعه بطول حافة الاريكة ، وتحدث بإستهزاء : يلا اتحفيني بقي .. ناوية تطيري من الشباك عشان تهربي من اكتر من 15 مراسل صحفي لقناوات كتير احسن حاجة تعمليها انك تعقلي كدا عشان خروج من هنا لوحدك دا مستحيل
حدقت ابريل بهم من النافذة بقلب ينبض مثل الطبول ، ولم تستطع الوقوف بهدوء ، لتتحرك في مكانها ذهابًا وإيابًا بتوتر بالغ ، وهى ترفع يديها وتمسك بهم رأسها الذي كان يترنح من تشوش أفكارها ، لتهمس بعصبية : كان فين عقلي!! كان فين لما ورطة نفسي الورطة السودة دي يارب!!!؟
تبدلت ملامح باسم اللامبالية إلى ملامح أكثر جدية ، تناغمت مع صوته الهادئ مع لمحة من الحدة : اظن كدا خلاص اكتفيتي من العناد واقتنعتي ان الحكاية دخلت في الجد واللعب الفردي مابقاش في صالحك .. يلا تعالي اقعدي خلينا نفطر ونفكر هنعمل ايه ونتفاهم علي كل حاجة قبل ما يوصلو
التفتت أبريل لتنظر إليه وبضيق شديد ، فحاول تغيير مجرى الحديث من خلال سؤاله المرح ، بعد أن تدحرجت عيناه على الصندوق الموضوع أعلى السرير : بالمناسبة عجبتك الشوكولاته؟
انتقل بصرها إلى حيث أشار إليه ، ثم ابتسمت بوداعةٍ خطيرة ، وردت عليه بغموض : حلوة و غالية!!
سأل باسم مرتاباً ، وهو يشاهدها تتحرك من السرير ، لتلتقط الصندوق ، وتعود أدراجها إلى النافذة : هتعملي ايه؟
حدجته ابريل بعيون إرتسمت بها براءة مصطنعة مبطنة بالخبث ، ثم مدت يدها إلى المقبض ، لتفتح النافذة على اتساعها ، وأسقطت الصندوق منها في غمضة عين ، قبل أن تعاود النظر إليه ، وهي تتحدث بغطرسة ممزوجة بالإستفزاز ، وشعر جزء كبير منها بفرحة النصر عليه : كدا اعتقد وصلك ردي علي التخاريف اللي كنت بتقولها!! ويلا اديني باسبوري يا حرامي قبل ما اخليك تحصل شوكلاتك من الشباك
قام باسم من مقعده ، وركز رماديتيه على معالم التحدي المشع بفيروزيتيها الخلابة ، مع التهديد المباشر في لهجتها ، ليخطو نحوها ببطء ، وهو يتحدث معها بهدوء لا يشعر به بعد أن استفزته حركتها كثيراً : مش حرام النعمة تترمي كدا؟!
_ مش عايزة من وشك حاااا
تلاشت بقية جملتها بالهواء في ذعر ، إذ تبخر شعورها بالفوز عليه الذى أعمى بصرها بكل غباء عن رؤية تقدمه نحوها ، مهيمناً عليها بطوله الشامخ.
وقبل أن ترمش حتى ، أمسك معصمها وسحبها نحوه ، فأصبحت سجينة ذراعيه ، وظهرها ملاصقاً على صدره العضلي الملتهب بجمرات الغضب من تمردها المفرط.
مرت عليهما لحظة سكون جراء صدمتها ، ظهرت ابتسامة شقية على شفتيه منتظراً بإستعداد رد فعلها المتوقع ، إذ تسمرت صامتة كما لو أنها قد صدمت للتو بتيار كهربائي من ملامسة أجسادهما ببعض ، وللمرة الثانية في نفس الساعة ، تمكنت من استنشاق عطر أنفاسه مع الهواء بسبب شدة قربه الجريء منها ، وبصعوبة تمكنت من خروج الحروف بتلعثم مذهول : مسكنى كدا .. ازاي!! لو مابعدتش عني هصرخ .. واعملك فضيحة
مال باسم برأسه نحوها ، وضغط خده بذقنه الخشنة على خدها الناعم ، الذى يشع باحمرار الغضب والخجل في آن واحد يتلامس نعومة بشرتها برقة ، ضامماً إياه بإحكام إلى صدره بكلتا يديه حتى يردع بعض حركاتها المتهورة ، ليهمس بالقرب من أذنها بتسلية : تؤ تؤ مش قبل مانتفق
تسللت رجفة غامضة إلى سائر جسدها المرتبك من لمساته الحارة ، فهزت رأسها رفضاً لهذه المشاعر التى عصفت بها ، وأخذت تقاومه بشراسة ، وهى تصرخ بعناد تلقائي : في احلامك اني اتفق علي اي حاجة مع واحد سافل وحقير زيك
قال باسم بتروى ، وهناك شعور يغمره بالرضا والاستمتاع ، وهي بين ذراعيه تكافح للتحرر من أغلاله الحديدية بضرارة تتناقض مع وداعة وجهها الرقيق وصغر جسدها الرشيق مقارنة بجسده الشاهق : هعمل نفسي ماسمعتش ظفارة لسانك دي بشكل مؤقت..
قاطعته ابريل ساخرة بحدة : هتعمل ايه تاني اكتر من اللي عملته فيا ها!! سيبني بقولك يا قليل الادب!!!
وأختتمت ابريل جملتها بمحاولة فاشلة للإفلات من حصار أحضانه ، ليشدد باسم من احتضنها أكثر ، هاتفاً بضحكة مندهشة : اهمدي بقي انتي جايبة الشراسة دي كلها منين يا بت .. دا انتي كلك علي بعضك تتقاسي بسلك الشاحن .. عمالة تعافري وانتي مافكيش حيل ازاي..!!!
تأوهت ابريل بألم من قبضته القوية التى تعتصر معصميها ، لتهتف بوعيد حارق : سيبني يا بارد .. والله لا ادفعك تمن عمايلك دي غالي وهتشوف يا حيوان .. اوعي بقي!!
بلع باسم كتلة النار المتقدة بالغيظ فى جوفه ، ليسألها بأنفاس متهدجة : هو انتي لازم تطولي لسانك .. مابتعرفيش تتكلمي بأسلوب انضف من كدا خالص!؟
ردت ابريل من بين أنفاسها اللاهثة : هو دا الاسلوب اللي ينفع مع امثالك
اختفت ضحكاته المرحة في أقل من ثانية ، وتحولت إلى نبرة خطيرة ، أقرب إلى الهسهسة بجوار أذنها ، بينما يشعر بجسدها يرتجف بين يديه بتأثير لا إرادي ، ونظراته موجهة إلى النافذة : حطي في الاعتبار اني عديتلك كتير اوي لحد حسابك ماتقل زيادة عن اللزوم معايا .. لو عايزة باسبورك يبقي في ايدك تنفذي اللي هقوله من غير دبش وصريخ وعناد .. والمرة دي اذا ماسمعتيش الكلام ماتلوميش الا نفسك .. فاهمة!!
نطق الكلمة الأخيرة بحدة مخيفة تلاعبت بأعصابها بلا رحمة ، ودون أن يمنحها الفرصة للتنبؤ برد فعله التالي ، فوجئت به يدفعها على الأريكة الجانبية بقوة طفيفة ، فخرجت شهقة مذهولة من بين شفتيها بعد أن فقدت توازنها ، وسقطت عليها بشكل ملتوي.
رفعت فيروزيتها بغضب عازمة على توبيخه ، فتجعد جبينها خشية من رماديتيه التى تشعان صواعق براقة لا تبشر بالخير ، ممَ جعلها تبتلع لعابها بصعوبة ، وازدادت نبضات قلبها حتى كادت تقفز من ضلوعها خوفا ، وهى تتابع اقترابه منها ، لكن في اللحظة التالية ، تفاجأ كلاهما بفتح باب الغرفة دون إستئذان ، ليظهر شخص ما من خلفه ، فجحظت عيناها على اتساعها بذهول واحتبست أنفاسها تلقائياً في صدرها.
طالما كان يهوى المخاطر ، ويذهب إليها بكامل إرادته ، ويخبره حدسه أن طريق هذه المتمردة محفوف بالعديد من العثرات الصعبة ، وهذا ما يجعل عروقه تشتعل بنيران التحدي والإثارة في مواجهة تيارات أمواجها الفيروزية التى على الدوام متأججة بالعداء والاستهجان ، فاصبر أيها القلب ، لدينا الوقت لترويض هذه النمرة الشرسة ، سنصمد بقوة مهما صعب علينا الوصول إليها.
❈-❈-❈
فى منزل مصطفي الترابلسي
داخل غرفة نبيل والده
اقتربت منه هناء ، تضيق عينيها عليه في حيرة ، وهي تراه بكامل ملابسه ، وقالت بإستغراب : انت خارج ولا ايه يا نبيل؟
هز نبيل رأسه بالإيجاب ، مهندمًا عنق قميصه الأبيض ، وهو يشرح لها بقلق بالغ : رايح ورا ابنك الحقه مش ناقصين فضايح .. وفوق الخسارة اللي حصلت كمان يعمل حاجة مجنونة يضيع بيها نفسه
هزت هناء رأسها بإيماءات متتالية بتأييد ، وهتفت بتعجل : طيب انا هلبس وهاجي معاك عند سلمي
استدارت على الفور نحو خزانة الملابس ، وخطت عدة خطوات نحوها ، لكن صوت نبيل الأجش أوقفها : لا ابنك مش رايح البيت عندهم .. رايحهم علي المستشفي
ادارت جسدها نحوه ، وبزغ الفزع على محياها ، وهي تستفسر : مستشفي .. ليه؟
نهج صدره علوًا وهبوطًا مع تزايد القلق داخله ، مع إجابته بصوت متوتر : ابريل تعبت امبارح بليل ونقلوها علي المستشفي .. و اكيد هتبقي عيلة صلاح هناك وانا ماضمنش ممكن ابنك يعمل ايه!؟
اقتربت هناء منه ، لتربت على ذراعه بحنان ، محاولة أن تبثه بالاطمئنان بينما نجح القلق ، والخوف في التسلل إلى قلبها : اهدا طيب .. اهدا ماتتوترش كدا غلط علي صحتك .. اكيد مصطفي هيقدر يتصرف صح انا عارفة ابني عاقل
هز نبيل رأسه بالرفض ، وهدر بانفعال لا إرادي ، وما زاده ردها إلا غضباً : عاقل !! انتي ماشوفتيش شكله وهو خارج يجري زي المجنون .. تقدري تقوليلي هيتصرف ازاي وهو متشتت بين اتنين ستات ها .. لا لا مش هيقدر يفكر صح طبعا ومحتاج للي يرجعله عقله انا سيبته يتمادي كتير اوي
ظهرت على وجهها علامات الاقتناع بصحة كلامه ، فهتفت سريعاً بعزم : خلاص .. انا هحضر نفسي في خمس دقايق واجي معاك
❈-❈-❈
عند ابريل فى الغرفة
أغلقت ابريل باب الخزانة بعنف ، وهي تفرك جبهتها في محاولة لإنعاش ذاكرتها المشوشة ، وأخذت تتمتم بصوت حائر ملون بأنواع كثيرة من الغضب : دا وقته دا .. ادور فين تاني .. انا متأكدة انه كان موجود معايا راح فين بس؟!
_محتاجة مساعدة؟!
استدارت أبريل في مفاجأة ، فور أن جاءها صوته العميق بنبرته رجولية الساخرة المميزة التي أصبحت مألوفة لها إلى حد ما ، فاشتعلت فيروزيتها استنكاراً من وقاحته ، وهي تشاهده يقف بجلال قامته الشامخة معها داخل الغرفة بعد أن ولج وأغلق الباب خلفه دون أن تشعر حتى بوجوده ، فخرج صوتها خافتا من نفاد الصبر : احنا مش هنخلص بقا
ارتفع مستوى صوتها ردًا على هذا الوقح ، وهي تصر على أسنانها بإغتياظ : انت مش كنت مشيت!! ايه اللي رجعك؟
إنفرجت ابتسامة باردة على فمه ، وعيناه الرماديتان تتألقان ببريق مفتتن بها ، وهي تضع يديها على خصرها بتحدٍ.
خطى باسم عدة خطوات حتى وصل إلى طاولة صغيرة أمام أريكة تتسع لشخصين ، ووضع عليها صينية الطعام دون أن يعير لسؤالها إهتمام ، و قال بهدوء مريب : باين عليكي فايتك كتير محتاجة تتعلميه .. اولهم ازاي تعاملي حبيبك وخطيبك؟!
رمقته بنصف عين مهسهسة بمقت : حبتك حية تتلف حولين رقبتك
زوي بين حاجبيه الكثيفين ، عابسًا بجاذبية طاغية لم تلاحظها أبريل وسط اضطرابها ، بينما يخبرها بحزن كاذب : واهون عليكي يا بندقة وانا اللي روحت مخصوص اجيبلك الفطار لحد عندك
أنهى باسم حديثه بابتسامة لطيفة داعبت على شفتيه ، فبادلته بأخرى بلا مرح مع نطقها بغضب ناعم : كتر الف خيرك .. حقيقي ميرسي اوي .. بس تعبت نفسك علي الفاضي انا مش هفطر..
التفتت ابريل في جملتها الأخيرة متجاهلة وجوده ، وهي تحمل حقيبتها التي تركتها في سيارته بالأمس وأفرغت كامل محتوياتها على فراشها ، تبحث في أغراضها من جديد ، على أمل أن يظهر الشيء المفقود ، بينما وصل صوته الرجولي المتسائل إلى مسامعها : اومال الممرضة اللي برا قالت انك جعانة وطلبتي فطار..؟!
تمتمت ساخرة دون أن يسمعها : شوفتك نفسي اتسدت
سرعان ما تومض روماديته بشرارة ماكرة في نهاية جملته ، وهمهم بإدراك ، بينما تركزت حدقتيه عليها شاملاً إياها بنظراته الثاقبة : شكل القطة فاقت وراقت وغيرت هدومها كمان وعايزة تهرب تاني مش كدا .. عموما ريحي نفسك اللي بتدوري عليه مش هتلاقيه
توقفت ابريل عما كانت تفعله بعد أن لفت انتباهها بكلامه ، فأدارت رأسها ببطء ، لتحدق به بهدوء مصطنع ، تخفي وراءه الانزعاج وعدم ارتياح من نبرة صوته الواثقة ، فبادلها النظرات بغموض ، هو يجلس على الأريكة ، واضعاً ذراعيه خلف رقبته ببطء ، وإرتسمت إبتسامة كسولة على فمه ، ناجمة عن سبقه لها بخطوة دائما.
إزدردت ابريل ريقها فى اضطراب ، وتساءلت بتوجس : وانت اش عرفك باللي بدور عليه اصلا؟!
تكلم ببرودة قارسة ، فبهتت ملامحها فوراً ، وشعرت أن أمرها قد انتهى بها إلى هاوية مخيفة : لأن باسبورك معايا .. مش هو دا اللي بتدوري عليه
اتسعت عيناها بإنشداه من كلماته التى تردد صداه بأذنها ، لتسأل بإستنكار شديد : يعني فتشت في شنطتي وسرقته يا حرامي ازاي تعمل حاجة زي دي؟!
حرك لسانه داخل فمه ببرود قبل أن يخاطبها بتحذير متذمر : عيب لما تكلمي خطيبك بالطريقة دي يا بندقة
خرجت من ذهولها ، تهز رأسها برفض ، وهى على وشك الجنون ، مجرد التخيل أن مستقبلها اللعين أصبح قسراً بين يدي هذا الرجل المتلاعب ، يجعل غضبها يضرم بتضاعف ، صرخت باعتراضا عنيفا : خطيب مين وبتاع مين .. ماتناديليش بالطريقة دي تاني .. و باسبوري ترجعولي حالا قبل ما اطربق الدنيا فوق دماغك
تابع بجمود تلك الكلمات الأخيرة الصادرة منها بنبرة تهديد مضحكة ، واضعًا قدمه فوق الآخرى ، متلفظاً باسترخاء : لو طربقتيها هتنزل علي دماغك معايا
برودة أعصابه الجليدية أصابتها بالجنون ، بينما كان باسم يستمتع بشكل غريب بحرق أعصابها ، فاندفعت نحوه بخطوات غاضبة ، وإستبدت كل ذرة فى خلاياه بتحفز للانقضاض عليه حتى تزيل هذه الإبتسامة عن فمه الغليظ ، مرددة دون تفكير فى خضم إستيائها الحارق : وانا اللي هفتحلك دماغك بإيدي .. هو انتو عاملين مؤامرة عليا يعني .. بأي حق عمالين تبيعو وتشترو فيا .. مرة هي تاخد موبايلي وتحبسني زي القرد جوا القفص .. ودلوقتي انت بتاخد باسبوري غصب عني .. ايه فاكرين الناس بتمشي علي مزاجكم!!!
كانت ابريل تتحدث بلاهث شديد ، وهو يضحك بذهول واضعاً يده بدفاع أمام وجهه مانعاً وصولها إليه ، لتسدد ضرباتها على ذراعيه بإصرار مجنون ، ودون سابق إنذار ، تمكن من إمساك معصميها بإحكام ، وإختطفها إليه حتى سقطت جالسة فوق ساقيه ، ليتساءل باهتمام : مين اللي حبستك واخدت موبايلك يا قردة؟!
تجمدت حركاتها للحظات من الصدمة مع شعورها بذراعه الذى إلتف حول خصرها ، ثم بدأت بسرعة تدفعه بعيدًا عنها بقوة فى محاولات فاشلة ، وصدرها يرتفع وينخفض بسرعة من شدة الجهد ، مستنكرة بصوت حانق مبحوح : ايه دا انت اجننت!! ابعد عني!!!
قالت ابريل ذلك بينما تدفعه فى صدره ، وتسحب نفسها بعيداً عنه ، جعلها تهرب منه طوعا ، لينظر إليها بعينين متسائلتين ، وهي تتراجع خطوتين إلى الوراء ، هاتفة بنبرة حادة ومضطربة : ماتدخلش في اللي ملكش فيه وهاته احسنلك
حدق فى يدها الممدودة إليه ، ليقول ببساطة : بعد ما تفطري
ردت بجفاء عنيد : مش عايزة اتسمم .. هي عافية .. رجعلي باسبوري بالذوق بقولك
ضحك بسخرية عندما سمع كلمة "ذوق" الذى تناقض مع نظراتها الشرسة ، ثم تابع بتهكم : هتعملي بيه ايه!! ولا له اي لازمة .. لو فاكرة انك هتعرفي تخرجي من باب المستشفي اصلا انسي .. ماتتعبيش روحك وتتعبيني معاكي انا من قلة النوم مش شايف قدامي
إندلعت جمرات الشك فى قلبها ، وهى تتسأل بريبة : تقصد ايه؟
_روحي بصي وهتفهمي قصدي
قال باسم ببرود ، فتابعت بعينيها المذهولة إصبعه السبابة الذي أشار به نحو النافذة.
❈-❈-❈
فى غرفة مني
أصبح معدل تنفسها مرتفعاً ولاهثاً ، عندما وصل إليها صوته ، لتتمكن بصعوبة من تجاهل النظر إليه ، وتمتمت بالرفض : ماما خليه يمشي مش عايزة اشوفه قدامي
_عز اخرج الله يرضي عليك يا بني .. انت مش شايف حالتها بقت عاملة ازاي بسببكو .. بقي هي دي الامانة اللي امنتك عليها
تجاهل كلمات سوسن التوبيخية ، وكأنه لم يسمعها ، كل تركيزه كان على التي كانت تجلس ، تخفض وجهها لتجنب النظر إليه ، ليهمس بمرارة معذبة : خلاص يعني لدرجة دي مابقتيش طيقاني ولا قادرة تبصيلي
تجاهلت مني سؤاله بإبتسامة ساخرة مغمورة بالدموع وصوبت حديثها إلى دعاء : استريحتي خلاص يا دعاء هانم .. الف مبروك اللي كنتي عايزه توصليله حصل
_ابنك حبيبك طلقني .. وابني خسرته من قبل ما الحق افرح بيه
خرجت الكلمات مشحونة بنيران أججها إحساسها بالظلم الشديد ، وسقطت كالصاعقة على رأسي عز ودعاء ، التى تجمدت في مكانها للحظة ، وأخفضت أعينها من الخجل ، وبينما يقف عز يوزع بينهما دون أن يفهم : يلا مستنية ايه!! خديه واطلعو من حياتي .. روحي جوزيه للي تستحقه وخليه يسيبني في حالي بقي
تعظمت حيرته مع كلام منى ، لكنه وضع كل أسئلته جانبا محاولا أن يصبر عليها أكثر ، وتحدث بهدوء شديد : ممكن تهدي شوية يا مني .. انا مستحيل هتخلي عنك ومقدر الحالة الصعبة اللي انتي فيها ..
قال عز ذلك ، وهو يتقدم نحوها عدة خطوات ، ليقف أمام السرير ، ويرفع يده يريد أن يلمس شعرها ، إلا أن أيقظه صوتها فور أن صرخت بهجمة حادة ، مما أفقده كل دفاعاته الواهية أمامها : ابعد عني وامشي اطلع برا انت وامك
احتقن وجهه من جفائها المبرر ، ثم ألقى نظرة سريعة وشاملة على من معهم في الغرفة قبل أن يسأل بحدة : في ايه يا مني بالظبط .. ايه لزوم التجريح دا في امي مش فاهم؟!
مسحت دموعها بظاهر يدها ، وقالت بحزن ملموس في نبرتها الباكية : ابقي خليها تفهمك .. ابقي قوليلو كنتي بتخططي لإيه .. ابقي احكيله الكلام المسموم اللي علي طول كنتي تسمعيهولي .. و ابقي افتكر ان ابني مات بسببك يا عز .. ولو انطبقت السما علي الارض عمري ماهسامحك
❈-❈-❈
فى المنصورة
داخل منزل الجدة تحية
_داخلة بتنفخي من الصبح ليه يا بنتي؟!
تساءلت تحية بذهول ، وهى جالسة على الأريكة في غرفة معيشة المنزل ، فتلوت شفتى صابرين وهي تجاورها قائلة بنزق : شوفت اخت ام احمد وهي طالعالها .. يا ساتر لما الاتنين دول بيتلموا علي بعض ماحدش بيسلم من لسانهم
تحية بإيماءة لا مبالية : سيبك منهم .. احمد كلمك قالك وصل واطمن علي ابريل ولالا ؟
صابرين بنفى شارد : لسه مااتصلش
تابعت بصوت هادئ ، وكأنها تفكر بصوت مسموع : بس شكلها كدا هتحصل خناقة جديدة بين احمد ونادية
تحية بحيرة : ليه خير؟
ردت صابرين بإستفاضة : صدفتها علي السلم كانت واخدة بنتها وشنطة هدومها وماشية .. وبتقول امها عيانة بس انا متأكدة انها اكيد زعلانة .. ماشوفتيهاش امبارح كان بوزها شبرين وهي قاعدة معانا .. لازم طبعا مضايقة عشان احمد راح لابريل
تحية بنبرة حزينة : حقها يا بنتي ماهي مراته .. يلا ربنا يهديهم .. ذنبها ايه البنت اللي في وسطهم ومتبهدلة بينهم دي
إلتفتت صابرين إليها ، وهى تثنى احدى ساقيها أسفلها ، لتسأل بتردد مفكر : تفتكري يا ماما يعني لو كان جاب البنت دي من ابريل مش الحياة كانت هتبقي احسن هتبقي متشحططة معاهم كدا
هزت تحية رأسها بسرعة مستنكرة بشدة وقالت:...
❈-❈-❈
عند باسم
وضع باسم ذراعه بطول حافة الاريكة ، وتحدث بإستهزاء : يلا اتحفيني بقي .. ناوية تطيري من الشباك عشان تهربي من اكتر من 15 مراسل صحفي لقناوات كتير احسن حاجة تعمليها انك تعقلي كدا عشان خروج من هنا لوحدك دا مستحيل
حدقت ابريل بهم من النافذة بقلب ينبض مثل الطبول ، ولم تستطع الوقوف بهدوء ، لتتحرك في مكانها ذهابًا وإيابًا بتوتر بالغ ، وهى ترفع يديها وتمسك بهم رأسها الذي كان يترنح من تشوش أفكارها ، لتهمس بعصبية : كان فين عقلي!! كان فين لما ورطة نفسي الورطة السودة دي يارب!!!؟
تبدلت ملامح باسم اللامبالية إلى ملامح أكثر جدية ، تناغمت مع صوته الهادئ مع لمحة من الحدة : اظن كدا خلاص اكتفيتي من العناد واقتنعتي ان الحكاية دخلت في الجد واللعب الفردي مابقاش في صالحك .. يلا تعالي اقعدي خلينا نفطر ونفكر هنعمل ايه ونتفاهم علي كل حاجة قبل ما يوصلو
التفتت أبريل لتنظر إليه وبضيق شديد ، فحاول تغيير مجرى الحديث من خلال سؤاله المرح ، بعد أن تدحرجت عيناه على الصندوق الموضوع أعلى السرير : بالمناسبة عجبتك الشوكولاته؟
انتقل بصرها إلى حيث أشار إليه ، ثم ابتسمت بوداعةٍ خطيرة ، وردت عليه بغموض : حلوة و غالية!!
سأل باسم مرتاباً ، وهو يشاهدها تتحرك من السرير ، لتلتقط الصندوق ، وتعود أدراجها إلى النافذة : هتعملي ايه؟
حدجته ابريل بعيون إرتسمت بها براءة مصطنعة مبطنة بالخبث ، ثم مدت يدها إلى المقبض ، لتفتح النافذة على اتساعها ، وأسقطت الصندوق منها في غمضة عين ، قبل أن تعاود النظر إليه ، وهي تتحدث بغطرسة ممزوجة بالإستفزاز ، وشعر جزء كبير منها بفرحة النصر عليه : كدا اعتقد وصلك ردي علي التخاريف اللي كنت بتقولها!! ويلا اديني باسبوري يا حرامي قبل ما اخليك تحصل شوكلاتك من الشباك
قام باسم من مقعده ، وركز رماديتيه على معالم التحدي المشع بفيروزيتيها الخلابة ، مع التهديد المباشر في لهجتها ، ليخطو نحوها ببطء ، وهو يتحدث معها بهدوء لا يشعر به بعد أن استفزته حركتها كثيراً : مش حرام النعمة تترمي كدا؟!
_ مش عايزة من وشك حاااا
تلاشت بقية جملتها بالهواء في ذعر ، إذ تبخر شعورها بالفوز عليه الذى أعمى بصرها بكل غباء عن رؤية تقدمه نحوها ، مهيمناً عليها بطوله الشامخ.
وقبل أن ترمش حتى ، أمسك معصمها وسحبها نحوه ، فأصبحت سجينة ذراعيه ، وظهرها ملاصقاً على صدره العضلي الملتهب بجمرات الغضب من تمردها المفرط.
مرت عليهما لحظة سكون جراء صدمتها ، ظهرت ابتسامة شقية على شفتيه منتظراً بإستعداد رد فعلها المتوقع ، إذ تسمرت صامتة كما لو أنها قد صدمت للتو بتيار كهربائي من ملامسة أجسادهما ببعض ، وللمرة الثانية في نفس الساعة ، تمكنت من استنشاق عطر أنفاسه مع الهواء بسبب شدة قربه الجريء منها ، وبصعوبة تمكنت من خروج الحروف بتلعثم مذهول : مسكنى كدا .. ازاي!! لو مابعدتش عني هصرخ .. واعملك فضيحة
مال باسم برأسه نحوها ، وضغط خده بذقنه الخشنة على خدها الناعم ، الذى يشع باحمرار الغضب والخجل في آن واحد يتلامس نعومة بشرتها برقة ، ضامماً إياه بإحكام إلى صدره بكلتا يديه حتى يردع بعض حركاتها المتهورة ، ليهمس بالقرب من أذنها بتسلية : تؤ تؤ مش قبل مانتفق
تسللت رجفة غامضة إلى سائر جسدها المرتبك من لمساته الحارة ، فهزت رأسها رفضاً لهذه المشاعر التى عصفت بها ، وأخذت تقاومه بشراسة ، وهى تصرخ بعناد تلقائي : في احلامك اني اتفق علي اي حاجة مع واحد سافل وحقير زيك
قال باسم بتروى ، وهناك شعور يغمره بالرضا والاستمتاع ، وهي بين ذراعيه تكافح للتحرر من أغلاله الحديدية بضرارة تتناقض مع وداعة وجهها الرقيق وصغر جسدها الرشيق مقارنة بجسده الشاهق : هعمل نفسي ماسمعتش ظفارة لسانك دي بشكل مؤقت..
قاطعته ابريل ساخرة بحدة : هتعمل ايه تاني اكتر من اللي عملته فيا ها!! سيبني بقولك يا قليل الادب!!!
وأختتمت ابريل جملتها بمحاولة فاشلة للإفلات من حصار أحضانه ، ليشدد باسم من احتضنها أكثر ، هاتفاً بضحكة مندهشة : اهمدي بقي انتي جايبة الشراسة دي كلها منين يا بت .. دا انتي كلك علي بعضك تتقاسي بسلك الشاحن .. عمالة تعافري وانتي مافكيش حيل ازاي..!!!
تأوهت ابريل بألم من قبضته القوية التى تعتصر معصميها ، لتهتف بوعيد حارق : سيبني يا بارد .. والله لا ادفعك تمن عمايلك دي غالي وهتشوف يا حيوان .. اوعي بقي!!
بلع باسم كتلة النار المتقدة بالغيظ فى جوفه ، ليسألها بأنفاس متهدجة : هو انتي لازم تطولي لسانك .. مابتعرفيش تتكلمي بأسلوب انضف من كدا خالص!؟
ردت ابريل من بين أنفاسها اللاهثة : هو دا الاسلوب اللي ينفع مع امثالك
اختفت ضحكاته المرحة في أقل من ثانية ، وتحولت إلى نبرة خطيرة ، أقرب إلى الهسهسة بجوار أذنها ، بينما يشعر بجسدها يرتجف بين يديه بتأثير لا إرادي ، ونظراته موجهة إلى النافذة : حطي في الاعتبار اني عديتلك كتير اوي لحد حسابك ماتقل زيادة عن اللزوم معايا .. لو عايزة باسبورك يبقي في ايدك تنفذي اللي هقوله من غير دبش وصريخ وعناد .. والمرة دي اذا ماسمعتيش الكلام ماتلوميش الا نفسك .. فاهمة!!
نطق الكلمة الأخيرة بحدة مخيفة تلاعبت بأعصابها بلا رحمة ، ودون أن يمنحها الفرصة للتنبؤ برد فعله التالي ، فوجئت به يدفعها على الأريكة الجانبية بقوة طفيفة ، فخرجت شهقة مذهولة من بين شفتيها بعد أن فقدت توازنها ، وسقطت عليها بشكل ملتوي.
رفعت فيروزيتها بغضب عازمة على توبيخه ، فتجعد جبينها خشية من رماديتيه التى تشعان صواعق براقة لا تبشر بالخير ، ممَ جعلها تبتلع لعابها بصعوبة ، وازدادت نبضات قلبها حتى كادت تقفز من ضلوعها خوفا ، وهى تتابع اقترابه منها ، لكن في اللحظة التالية ، تفاجأ كلاهما بفتح باب الغرفة دون إستئذان ، ليظهر شخص ما من خلفه ، فجحظت عيناها على اتساعها بذهول واحتبست أنفاسها تلقائياً في صدرها.