رواية عيشه بنت صياد السمك الفصل التاسع 9 والاخير
حكاية عيشة بنت صيّاد السّمك
من الفولكلور الجزائري
إنتقام القطّة (حلقة 9 والأخيرة )
في المساء حملت زوجة الأب إبنتها، وتبعتا عيشة من بعيد حتّى عرفتا دار الغولة ،وإنتظرتا حتى خرجت مع عيشة للسّوق ،ثم دخلت المرأة ،وقيّدت إبنتها في دهليز العولة ،بعد ذلك جرت إلى قصر السّلطان،وقالت للأمير : أنصحك بالإبتعاد عن إبنة الصّياد فهي ساحرة ،وأمّها غولة، وهما يخطفان الأطفال و يأكلونهم !!! لم يصدّق الأمير ،وقال لها : ويحك ،لو كنت تكذبين لضربت عنقك .
قالت له تعال معي وسترى بعينك ،سار الأمير في حرسه ،ولما وصلوا لدار الغولة ،وجدوا بنتا مقيّدة في الدهليز، وبجانبها سكاكين كبيرة ، ولم دخلوا غرفة النوم رأوا حذاءا أكبر من كل أحذية المدينة، وجميع الأشياء كانت ضخمة. إنتظر الأمير حتى رجعت الغولة من السّوق ،ثمّ وقف. وقال لها :إرفعي هذا الغطاء ،وأرني وجهك !!!
تفاجأت عيشة من وجود الأمير هنا ،وسألته: لماذا لم تعلمني يا مولاي بنزولك ضيفا علينا ؟ أجاب :بغضب : لقد حاولت خداعي ،فما أنت إلا فتاة سيّئة ،تعاشرين الجن والأغوال، و تتضاهرين لي بالطيبة !!! إسمعي ، لا أريد رؤيتك بعد الآن ،فقد عرفت كلّ شيء،ورمى إليها بالمنديل الذي وجده في البحر، وقال : الآن عرفت لماذا لا نجد لزخارفك نظيرا عند الإنس !!! بكت عيشة لمّا سمعت هذا الكلام ،ولم تردّ عليه .
لمّا إنصرف موكب الأمير،إحتضنتها أمّها الغولة ،وقالت :إني أشمّ رائحة امرأة وفتاة كانتا في داري !!! مسحت عيشة دموعها ،وأجابت: دون شكّ هما : زوجة أبي وإبنتها.لقد فهمت لماذا تغيّر فجأة الأمير . هذه المرّة لن تمرّ فعلتها دون عقاب والويل لها منّي .في الليل لم تنم عيشة ،ولمّا تذكرت الأمير أصابتها الحسرة ،وسالت دموعها ،وبينما هي كذلك أحسّت ،بشيئ دافئ بجوارها ،كانت صديقتها القطة ،وقالت لها :لقد سمعت بكائك فجئتك ،قصي على ما حدث ،وما هو سبب حزنك ؟ حكت لها عن امرأة أبيها وكيف نغصت عليها ،عيشتها، وأفسدت عرسها.
هزّت القطة رأسها وأجابت : يبدو أنّ تلك اللعينة لم تفهم الدّرس، المرّة الفائتة ،أمّا الأمير فاتركه لي ، وسيجيئ لحدّ قدميك يطلب رضاك ،الآن هيا نامي ، فالصّباح أوشك على الطلوع . في الغد طلبت القطة من الغولة أن تصنع طبقا من الحلقوم بالفستق وماء الورد طيّب الرائحة. ثم أخذت عشبة ،ورمتها في القدر ،وقالت: السّحر لن يصيب إلا الأمير ،.
لمّا حضر الطّبق ،تنكرّت عيشة ،وذهبت للقصر، ولما سألها للحرس عن سبب مجيئها أخبرتهم أنها زوجة صيّاد السّمك ،وبما أنّ إبن السلطان يحب الحلقوم فإنها اجاءته بهدية . لمّا رأى الأمير الطبق إشتهى أن يأكل منه ،وكالعادة جاء الطباخ ،وتذوّق قطعة ،ثمّ قال : والله لم أذق في حياتي أطيب منه طعما ،ثم أكل الأمير ،حتى شبع لكن في المساء أصبحت أذناه طويلتان مثل الأرنب،فإختفى في حجرته، ولم يعد يخرج منها ،وأمر بزوجة الصّياد وابنتها فجائوا بهما ،وضربهم العبيد بقسوة ،ورموهما في سرداب مظلم مليئ بالخنافس عقابا لهما .
وفي أحد الليالي أخذت القطة شكل جارية جميلة ،ولمّا فتح الأمير عينيه وجدها أمامه ،فصاح : من أنت ؟ ومن سمح لك بالدّخول ؟ أجابته: ما حلّ بك ،هو جزاء من الله على ظلمك بنيّة يتيمة ،فعيشة تحبّك ،وتلك الغولة تعتبرها إبنتها ،و لقد تغيّر طبعها ،وأصبحت مثلكم ،أمّا رأيته في الدّهليز هو من كيد زوجة أبيها !!! وإعلم أيّها الأمير أنّ بنات ملوك البحر والجنّ هن صديقات عيشة، وهي الوحيدة التي بإمكانك أن ترفع عنك السّحر .
كان الفتى يستمع بدهشة ،وقال : لقد كنت مغفلّا ،وقسوت على تلك البنت هيا بنا نذهب إليها ،ولمّا إنهض من فراشه نظر حوله، لكن الجارية اختفت ، وقال في نفسه : ما أغرب ما رأيت ، ثم غطى رأسه بعمامة كبيرة، وركب جواده ،وسار إلى كوخ الغولة .وحين وصل ،طرق الباب، فخرجت له عيشة ،وطلب منها أن تسامحه على غلظته ،فلقد خدعته تلك اللئيمة .
أجابت : لقد عانيت منها ،قال الأمير لن تزعجك بعد الآن ،فهي في سرداب ،و لن تخرج منه ،بعد ما فعلته بي ،وخلع العمامة ،لم تتمالك عيشة نفسها من الضحك ،وقالت :كلّ من يظلمني يعاقبه الله ،فلتعلم ذلك ،لكني أسامحك ،وأخرجت من جيبها حشائش غلتها في الماء ،وقالت: إشرب ،وسيزول السحر ،وما كاد يرشف الأمير من القدح حتى رجعت أذناه كما كانتا .
ففرح، وقال : الأسبوع المقبل موعد عرسنا لا تنسين ذلك !!! ردّت البنت مازال هناك شيئ يجب أن أقوم به ،ثم ذهبت إلى أبيها ،وقالت له :في نفس اليوم الذي أتزوج فيه أريدك أن تتزوج من الغولة ،رد عليها :ويحك يا إبنتي، ألم تجدي إمرأة غيرها، إبتسمت عيشة، وقالت: لن تندم يا أبي ،و حتما ستشكرني !!!أجاب : سأفعل وأمري لله ،ما دام هذا يسعدك ،وأرجو أن لا تأكلني لو أغضبتها يوما ما
ليلة العرس جاء السلطان لتهنئة العرسان، فغمزت عيشة أباها ،وقالت : ارفع يا أبي النقاب عن وجه امرأتك ،هيا لا تخف . تردّد ،ولما رفعه، توقّف مدهوشا ،ودهش أيضا السّلطان ،وكلّ الحاضرين ،فلم ير أحد في حياته أجمل من تلك المرأة ،كانت القطة تنظر من أحد الأركان، ثمّ ضحكت ،فلقد جعل سحرها الغولة أجمل ممّا كانت تعتقد ،وقالت :الآن بإمكاني الإنصراف وترك العرسان يمضون ليلتهم بهدوء ...
...
إنتهت الحكاية أرجو أن تكون قد نالت إعجابكم