رواية لعنتي جنون عشقك الفصل السابع 7 بقلم تميمه نبيل
الفصل السابع (1)
نظرت اليه وقد علت شفتيها ما يشبه ابتسامة صغيرة , راقبته جالسا امامها على الفراش و قد خلع سترته و شمر كمي قميصه ليظهر ساعديه العضليين الاسمرين , ممسكا باوراق اللعب بين يديه ناظرا اليها وقد بانت على ملامحه علامات التفكير العميق .
انه يبدو الآن اصغربكثير من سنوات عمره الست وثلاثين , انه بالتاكيد لا يشبه ادهم مهران الذى عرفته معظم سنوات حياتها و الذى كانت دائما تلقبه بالشيطان الاسمر من شدة خوفها منه , ولكنها الآن فى هذه اللحظة لا تشعر باي خوف منه
من يراه الآن لا يصدق ان وريث امبراطورية مهران العديم الرحمة قد ترك عمله و هو الآن يجلس امامها و يلعب باوراق اللعب و قد بان عليه التفكير العميق و كأنه يقوم بإحدى صفقاته .
منذ ساعات قليلة انهارت على صدره و هى تبكى , حاولت السيطرة على نفسها الا انها فشلت تماما, كانت تنشج وتسعل وتكاد تختنق .
يا الهى لقد اصابتها الحالة الهيستيرية المعتادة امامه ,لا تستطيع تخيل منظرها عندما تصيبها تلك الحالة.انها تعلم جيدا ان منظرها كان يرثى له بوجهها الاحمر و انفها السائله و شفتيها اللتين تتورمان عند بكائها .
لقد ابقاها على صدره و هى تبكي لا تستطيع التوقف , الا ان ما زاد من بشاعة الموقف هو اصابتها بنوبة الغثيان التى تصاحب انهيارها دائما , و حين احست انها لن تصمد الى ان تصل للحمام , كل ما نجحت فى فعله هو انها رمت نفسها من بين ذراعيه منقلبة على بطنها ثم اخذت تتقيأ بشدة على الارض بجوار الفراش وهى مستلقيه عليه , واستمرت حتى لم يعد هناك ما تخرجه من معدتها , الا ان التشنجات استمرت حتى احست ان روحها تكاد تخرج منها , لم تشعر انه كل هذا الوقت كان بجوارها يدلك ظهرها بيده و يطلب منها التماسك لتهدأ تشنجات معدتها .
استمر يضغط على ظهرها برفق حتى هدأت قليلا و بدأ تنفسها يعود الى طبيعته ,
لم تواتيها الجرأة على التحرك من مكانها و مواجهته بعد هذا الموقف المخزى فظلت مستلقية على بطنها ,احست بعد لحظات بيديه على ذراعيها ترفعانها برفق حتى استوت جالسة ثم رافقها الى الحمام و غسل لها وجهها و كأنه يتعامل مع طفلة صغيرة , وبعد ان جففه لها تركها ليملأ حوض الاستحمام بالماء الساخن ووضع به سائل الاستحمام الخاص بها ثم التفت اليها قائلا
(لقد اعددته لك .....اخلعى ملابسك و استرخى به ..سيفيدك هذا )
احمر وجهها بشدة فنظر اليها مبتسما بالرغم من الالم العميق الساكن بعينيه وقال
(حسنا .. احمراروجهك الان افضل بكثير من شحوبه الشديد منذ لحظات )
صمت قليلا وقد ظهرت فى عينيه نظرة غريبة لم تراها سابقا , نظرة حنان عميقة لم تراها فى عين اى انسان عرفته قبلا .
تحولت ضحكته الى ابتسامه شاردة ثم قال
(استمتعى بخصوصيتك ايتها الخجولة .........لكن لا تغلقى الباب )
ثم خرج من الحمام تاركا اياها تحاول السيطرة على خفقات قلبها.
خلعت ملابسها و دخلت الى حوض الاستحمام و استلقت فيه بهدوء ثم اغمضت عينيها , يجدر بها الشعور بالكره و النفور من هذا الشيطان الاسمر و ليست هذه الراحة الغريبة التى لم تعرفها منذ وقت طويل .
شعرت فجأة بلمسة خفيفة تتجول على كتفها ففتحت عينيها و هى لا تعلم متى غفت , طالعتها عينا الصقر و هى تلتمع بمشاعر عاصفة صارت مألوفة لديها .
انتفضت جالسة و قد عاد اليها وعيها بالكامل ثم كتفت ذراعيها على صدرها و قد احمر وجهها بشدة ,
اتسعت ابتسامته الجائعة , الا انه قال بصرامة مصطنعة لا تتلائم مع الجوع النابع من نظراته
(كنت اعلم اننى لن استطيع الوثوق بك ِ .......... و ها انتِ تنامين فى الحوض بمنتهى الغباء )
اتسعت عيناها لاهانته الصريحة لها ثم عادت فاخفضتهما غير قادرة على الرد و فجأة احست بفمه يلامس اذنها و هو يهمس
(لا تخافى يا حلا ...... لن ادعك تغرقين , و لن اسمح بسقوطك من اى شرفة ولن تغيبي عن نظري للحظة واحدة .....فانا احمى ممتلكاتى بقوة )
ارجعت رأسها للوراء وهى مغمضة عينيها ثم تنهدت بعمق وهى تفكر
انه يحاصرني ......يقيدني .......لا يمنحني الفرصة لانهض على قدمي .......متى سأتحرر
ربما لن اكون ابدا ممن قدر لهم بالعيش احرارا .
عادت من شرودها لتنظر اليه و هو يقول
(دورك.......العبي)
ابتسمت قليلا ثم انزلت ورقتها الرابحة . راقبته بمرح و هو يعبس و يشتم هامسا ثم يرمي اوراق اللعب من يده .
رفع نظره اليها فصدمته ابتسامتها المرحة التى لم يراها منذ ..........يا الهى انه حتى لا يتذكر متى كانت اخر مرة يراها تبتسم .
شعر بقلبه يختلج بصدره كمراهق فحاول السيطرة على انفعالاته و قال لها
(سعيدة انتِ بالطبع لهزيمة ادهم مهران )
اتجفت ابتسامتها قليلا و قالت بعد لحظة صمت
(لا اظن ان هناك من يستطيع هزيمتك)
اه لو تعلمين انكِ قد هزمتِنى من سنوات طويلة يا صغيرة .
لم تخرج هذه الكلامات من شفتيه , بقى فقط يتطلع اليها لا يمل النظر الى وجهها ابدا.ثم قال بصوت عميق يحمل معانٍ اعمق .
(انا لم افعل ذلك لايلامك يا حلا.......)
اتسعت عيناها و هى تسمع ادهم مهران بنفسه يحاول ان يرسل اليها ما يشبه الاعتذار , شلها اعتذاره والجمها.
قالت بعد لحظات بصوتٍ خافت
(كنت اكثر الناس تعايشا مع الألم يا ادهم فلا تهتم )
ساد صمتا قاتلا . صمتا كان كدوي المدافع بأذنيه . قتلته عبارتها ..حطمته تماما الا انه حاول ان يقاوم مشاعره ليتمسك بهذا الخيط و لا يتركه ابدا .
فهى للمرة الاولى تحاول التلميح للماضي و هولن يترك هذا التلميح دون ان يحاول الوصول الى شىء ......اى شىء يستطيع به الدخول الى قوقعتها الصلبة .
قال بحذر و كأنه يسير بحقل الغام
(اخبريني ........)
كلمة واحدة , لم يجد سوى كلمة واحدة وكأنه لا يملك الجرأة لينطق بغيرها , استمر الصمت طويلا ..طويلا و هو يغلى بداخله و هى صامته مطرقة برأسها يشعر انها بعيدة عنه اميالا و اميال .
اخيرا قالت بصوت متقطع بالكاد وصل اليه
(هناك .... اشياء ....حدثت لى ....)
صمتت وهى لا تملك القدرة على المتابعة . تاركة اياه يتعذب بدوي قلبه الا انه لن يسمح لها بالتراجع الآن لكنه لم ينطق بحرف فقد خاف ان سمعت صوته تعود لقوقعتها مرة اخرى .
انتظر و انتظر مقاوما مشاعر شرسة لا ترحم , ثم وصله صوتها الهامس المتقطع
(هناك اشياء......لن تس....لن تسرك ابدا ..معرفتها ..ستتمنى موتى الف مرة ...ان عرفتها )
اتسعت عيناه وظهرت بها وحشية الحيوانات المفترسة و مد يديه الى اعلى ذراعيها يمسكها بقوة يهزها قليلا وهو يقول بهمسٍ شرس
(لقد اخبرتك اننى احمى ممتلكاتى بقوة يا حلا ..وتمني الموت لكِ لا يعتبر جزء من هذه الحماية ,هل فهمتى هذا جيدا)
ظلت صامته و قد انسابت دموعها انهارا على وجهها بصمت مزق نياط قلبه .
ثم همست فجأة مرة واحدة
(يكفى فقط ان تعلم انه ليس هناك اى شىء ..اى شىء ..مهما بلغت بشاعته لم يحدث لى)
سقطت يداه من على ذراعيها وهو ينظر اليها بعينين مذبوحتين و قلبه ينزف دما و قد تلاحقت فى عقله صورا بشعة صورها له خياله دون ان يستطيع ان يمنع نفسه.
جملتها رسمت ماضٍ اسود احاط بها و اغرقها فى بحر من الآلام . ولم يكن هو هناك لينقذها ..ظل يراقبها معظم سنين عمرها و حين احتاجت انقاذه ,كان هو بعيدا يداوي جروحه بمنتهى الانانية .
كانت تحتاجه ..طفلته التى كبرت تحت انظاره ,كانت تحتاجه وهو لم يهب لانقاذها ,تركها تواجه مصيرها الذى اختارته لها الشيطانه ايثار.
الا انها لم تكن اكبر بكثير من طفلة ,حكم عليها بقسوة و تركها لآلامها ,لم يسأل , لم يبحث عنها ,لم يحاول معرفة ان كانت سعيدة ام لا .
شعر فى هذه اللحظة انه هو من ليس مستعدا بعد ..ليس مستعدا لان يسمع ..احس انه لو سمع سيموت وهو يريد ان يعيش , يحتاج لكل قوته , يريد ان يحميها من العالم ومن نفسها ,يريد ان يبقى كظلها ولو اقتضى الامر ان يرهن حياته لهذا .انها حلا....حلا .
افاق من آلامه المبرحة على صوتها وهى تهمس برقه تذيب الجبال وقد ادارت وجهها الى النافذه الكبيرة
( لقد اطل الفجر ....انا احب الفجر جدا )
نظر اليها بحبٍ يهز العالم ثم قام من مكانه ووقف وجذبها من يدها لينهضها على قدميها وهو يهمس
(تعالى ....سنراقب الشروق معا من الشرفة )
خرجت معه ووصلت الى سور الشرفة ووضعت كفيها على السور الحجري البارد وهى تنظر الى السماء الممتدة امامها .
احست فجأه بغطاءٍ خفيف يلتف حولها من الخلف بذراعين قويتين ,لم يبعد ذراعيه عنها بل ظل يلفها بهما و هو يضم ظهرها الى صدره ,دافنا وجهه فى شعرها يتنشق عطره.
اخذت تراقب الألوان الرائعة التى ماجت بها السماء لتعلن عن مولد الشمس الحمراء من جديد.
همست فجأة (ادهم ....)
همهم وهو يدفن وجهه فى عنقها (هممممم.....)
تابعت هى تقول بخفوت
(اعتقد .....ان هذه الليلة كانت جميلة جدا ....)
توقف فمه عن تقبيل عنقها و تصلب وجهه وهو يشعر بقلبه يكاد يقفز من بين اضلاعه ,حتى انه كان متاكدا انها شعرت بخفقاته المجنونة على ظهرها .
قال بصوت خافت خوفا من ان يبدد روعة هذه اللحظات .
(اما انا فاعتقد انها كانت رائعة ...)
ضحكت قليلا وهى تقول
؛(الم اثير اشمئزازك ..بعرضى المخزى )
ضحك هو ايضا وهو يزيد من ضمها اليه وقال متشدقا بتملق
( هيا يا حلا ...ان كل ما يصدر منك هو غاية متعتى )
ضحكت برقة اذابت قلبه بجمالها وقالت
(لا اصدق انك نظفت الارض بنفسك.....)
قال بحزم رقيق وفمه يلامس اذنها
(سأقوم دائما بكل ما يخصك .....لن ادع احدا يتدخل باى شأن من شؤونك )
ارتعشت رغما عنها و اختفت ابتسامتها و قد بدا خوف اعمى يتسرب اليها وهى لا تدرى لماذا اخافتها جملته .
********************
وضعت سماعة الهاتف على اذنها و هى مغلقة عينيها من شدة الملل و الغضب تستمع الى صوته من الطرف الآخر وهويملى عليها تعليماته بمنتهى الصلف و التى سبق وان نفذت معظمها قبل ان يتفضل هو عليها ويتنازل بان يوجهها الى ما تستطيع ان تتقنه اكثر من اى شىء آخر فى الدنيا وهو عملها
بعد ان انتهى قال بصرامة
(هل فهمتِ ما سوف تنفذينه ؟)
ردت بصلابة و اختصار
(لقد سبق ونفذته )
سمعت تأففه من الناحية الاخرى ثم قال بفظاظة
(انا الان بقسم الشؤون القانونية ..و سأصعد بعد ساعة , اريد الرسائل التى طلبتها على مكتبى حين اصل .... هل فهمتى )
قالت بصوتها الناقوسى المغيظ
(هل من اوام...........)
لم تكمل حيث سمعت صوت اغلاق الخط
ظلت تنظر الى السماعة وهى رافعة حاجبيها ,ثم اخذ غضبها يتفاقم و يتصاعد , وضعت السماعة مكانها بعنف وقامت من كرسيها تدور فى المكتب لتهدىء نفسها و اخذت تقول بعنف مكبوت
(الفظ ..الوقح...لا يعلم ابسط قواعد التعامل مع النساء .........المتعنت ,شديد التسلط ....اكرهك يا احمد مهران )
(يبدو انه اغضبك للغاية ....)
التفتت سابين بسرعة و هى تسمع هذا الصوت الصغير ينبعث من باب مكتبها
رفعت حاجبيها وهى تنظر بدهشة الى طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها ست سنوات تقف ضاحكة بالباب , طفلة ذات شعر بنى محمر ناعم له لفائف رائعة وعينان بنيتان بريئتان تشعان ذكاءا وجرأة.
اخذت سابين تستوعب لحظة وجود طفلة صغيرة تتجول فى مؤسسة مهران حتى تصل الى مكتب احمد مهران نفسه .
تابعت الطفلة بعفرتة ولا تزال ضحكتها تغطى وجهها البرىء
(ماذا فعل هذا من اسمه احمد مهران ليغضبك هكذا؟ )
اقتربت سابين منها ببطء مخيف حتى وصلت اليها ثم انحنت حتى واجهت عينيها الفيروزتين القاسيتين معقودتي الحاجبين عيني الطفلة البنيتين العسليتين الصافيتين امامها وقالت بصوت خفيض صلب حاولت جعله مرعبا على قدر الإمكان .
(من انتِ ؟ ....)
الا ان الطفلة ظلت تنظر الى عيني سابين المخيفة , بقوة فذة دون ان يرف لها جفن او ان تخاف من تلك المرأة امامها و التى تشبه الساحرات الشريرات الجميلات الموجودات بالقصص الخيالية التى تسمعها
قالت الطفلة ذات الابتسامة الواسعة
(انا ....ابنة احد العاملين هنا )
ظلت سابين منحنية عاقدة حاجبيها عيناها لا تحيدان عن عيني الطفلة و قالت بصوت مخيف مرعبا لشدة خفوته وقسوته
(هل تعلمين انكِ هنا فى مكتب احمد مهران صاحب هذا المكان كله , وانه من الممكن ان تتسببى فى طرد والدك من العمل )
لم تتاثر الطفلة ولم تختفى ابتسامتها المرحه الواسعة وقالت بمرح
(يبدو انه مخيفا جدا احمد مهران هذا .....)
اومأت سابين برأسها وهى لا تزال عاقدة حاجبيها و قالت بصرامة
(نعم انه مخيف جدا ومن الممكن ان يضربك ان رآكِ هنا )
اتسعت ابتسامة الطفلة وقالت بضحكة
(انا لا اخاف من احدٍ ابدا ....)
تابعت سابين بنبرة اعلى قليلا وقد بدأ الغضب ان يستبد بها
(اخرجى من هنا حالا قبل ان يأتى )
قالت الطفلة بسعادة لا تنضب
( سأخرج إن اخبرتِنى لماذا اغضبك )
زفرت سابين بعنف و استقامت ثم مشت الى مكتبها و رمت نفسها على كرسيها بغيظ , هذا ما كان ينقصها , ان يأتى احمد مهران ليجد لديها طفلة تلعب فى مكتبه , اكيد سيسمعها المزيد من كلامه الغبي الذى يمطرها به دائما .
تسائلت بحنق عن الأحمق الذى يأتى بطفلته الى العمل و يتركها لتلعب بحرية فى كل مكان .
ادارت وجهها الى الطفلة و قالت بصرامة
(ان اخبرتك ستخرجين من هنا حالا ..مفهوم ؟ )
اومأت الطفلة الضاحكة برأسها
تنهدت سابين و قالت (لقد اغلق الخط وانا اكلمه على الهاتف )
اتسعت عينا الطفلة بدهشة و قالت
(هل فعل ذلك ؟ !! هذا تصرف خاطىء للغاية )
قالت سابين بتأفف و نفاذ صبر
(نعم خاطىء للغاية ....هيا اخرجى )
لكن الطفلة اتجهت الى مكتب سابين و قفزت لتجلس على سطحه امامها تواجهها وقالت
(لا بد انكِ فعلتِ ما اثار غضبه )
الفصل السابع (2)
رفعت سابين عينيها الى السماء وهى تطلب الصبر ثم نظرت الى الطفلة الجالسة على حافة مكتبها وقالت بملل
(نعم لقد حاولت سرقة شيئا يخصه )
ضحكت الطفلة وقالت (لا اصدقك )
ثم نظرت الى الطفلة و قالت لها
(اليس من المفترض ان تكونى بالمدرسة الآن ؟ )
ردت عليها الطفلة بصبر
(انا انقل اوراقى الى مدرسة ٍ جديدة و سأذهب اليها بعد فترة )
قالت سابين بفظاظة وهى تمط شفتيها
(و هل أمك مشغولة للغاية لدرجة ان ترسلك مع والدك الى عمله ؟ )
ردت الطفلة بهدوء
(امى متوفية )
صمتت سابين وقد احست بالغباء لا تدرى ماذا يمكنها ان تقول فى مثل هذه المواقف فهى لا تجيد عبارات التعاطف المملة , الا ان هذه الطفلة لا يبدو انها تحتاج لمثل هذا النوع من التعاطف الزائف .
فما كان من سابين ان قالت بهدوء و بساطة
(حسنا اذن فلتتقبلى اعتذارى )
ردت الطفلة بنفس البساطة
( قبلت اعتذارك )
اخذت سابين تطرق بقلمها على سطح المكتب و هى شاردة , ثم سمعت الطفلة تقول
(انا لا اتذكرها , لقد توفيت وانا عمرى سنتان )
رفعت سابين نظرها الى الطفلة وظلت صامته لا تجد ما تقوله , لكنها احست ان هذه الطفلة تنتظر منها ان تكمل معها هذا الحوار , بينما هى لا تجيد ابد التحاور مع الاطفال
قالت اخيرا بدون تفكير (قد تكون وفاتها خيرا لكِ )
اتسعت عينا الطفلة فأدركت سابين انها قالت ما يعتبر منتهى الغباء فلم تستطع سوى ان تكمل قائلة
؛(لا تعلميم حقا ما هو الافضل لكِ , فاحيانا يحميكِ القدر مما لا تدركينه )
ظلت الطفلة صامته تنتظر من سابين ان تتابع , فقالت سابين بنظرة شاردة
(احيانا قد يكون وجود بعض الامهات نقمة فى حياة اطفالهم )
ردت الطفلة
(لا اعلم ...ممكن ...لكن ما سمعته عن امى هو انها كانت طيب للغاية و محبوبة جدا .....لا يوجد من عرفها و لم يحبها .....لقد تحطم والدى بعد وفاتها )
نظرت سابين الى هذه الطفلة الغريبة وقالت
(الناس لا يتحطمون لفراق بعضهم البعض ....صدقيني )
هزت الطفلة كتفيها و كأنها لا تستطيع ان تحكم فى هذا الموضوع
انزلت سابين نظرها و عادت تطرق على سطح مكتبها وتشرد من جديد
ظلت الطفلة تنظر الى ملامح سابين وهى مبهورة من شدة جمالها , ثم قالت باعجاب
(هل تنظرين كل يومٍ الى مرآتك و تسألينها ان كانت هناك من هى اجمل منكِ ؟ )
رفعت سابين نظرها الى الطفلة و عقدت حاجبيها بعدم فهم
فتابعت الطفلة تشرح لها
(قصة بياض الثلج المشهورة ......كانت زوجة ابيها الشريرة شديدة الجمال و كانت تنظر كل صباح الى صورتها فى مرآتها السحرية و تسألها ان كانت هناك من هى اجمل منها )
مطت سابين شفتيها و قالت بامتعاض
( رائع ....... وقد ذكرتك انا بزوجة الاب الشريرة ......هل من المفترض ان اشعر بالاطراء )
قالت الطفلة وهى تبتسم
( لم اقصد اغضابك ......فانا احب الشخصيات الشريرة فى القصص )
نظرت اليها سابين و هى ترفع حاجبيها و سألتها
(لماذا؟!....هل انتِ معقدة ؟ )
اتسعت ابتسامة الطفلة وردت بما يفوق عمرها بكثير
(لست معقدة .... لكننى دائما احب ان اتخيل ماذا سيحدث لو اعطينا الشخص الشرير فرصة ....... كانت نهاية القصة ستختلف بالتاكيد)
ظلت سابين تنظر الى هذه الطفلة الغريبة و تشعر ان هناك بعينيها البنيتين ما يحيرها
تابعت الطفلة تقول
(كل انسان بداخله الخير و الشر وهو يختار اى من الطريقين )
قالت سابين
(هناك من هم ولدوا اشرارا انها غريزة وقد تكون وراثة )
هزت الطفلة راسها علامة النفى وقالت
(والدى يقول ان كل انسان مهما بلغ شره لا بد من ان نعطيه فرصة واحدة فقط , فان ضيعها فسيحكم عليه ان يبقى شريرا للابد)
ابتسمت سابين لسذاجة هذا الاب الذى لا يعيش فى العالم الواقعى .
استقامت سابين فى كرسيها و قالت بكل حزم
(حسنا يكفى كلاما ....اخرجى الان فورا قبل ان ياتى احمد مهران )
ابتسمت الطفلة الصغيرة و قالت
(هل تخافين من هذا احمد مهران)
ابتسمت سابين هى الاخرى و رددت نفس الجملة التى قالتها الطفلة منذ قليل
(ان لا اخاف من احدٍ ابدا )
اتسعت ابتسامة الطفلة وقالت
(جيد لا يجب عليكِ ان تخافى سوى من خالقك)
نظرت سابين الى هذه الطفلة التى لم تلوثها شرور الدنيا بعد ثم قالت بكل حزم وصرامة
(هيا ايتها الصغيرة اخرجى الآن ........ فانا لااطيق الاطفال اصلا )
ظلت الابتسامة مرسومة على وجه الطفلة بدون ان يظهر عليها اى جرحٍ للمشاعر من عبارة سابين الفظة .ثم قفزت من على سطح مكتبها و اتجهت الى الباب وهى تلوح بيدها لسابين .
قالت سابين فجأة قبل ان تخرج الطفلة من الباب
(لم تخبرينى ما اسمك )
التفتت الطفلة اليها وقالت بوداعة ( تالا )
اومأت سابين ثم صرفتها بحركة صلفة من يدها وهى تقول
(اخرجى الآن تالا ولا تعودى هنا مرة اخرى )
ضحكت الطفلة السعيدة ثم انطلقت خارجة بمرح وكأنها كانت للتو فى مدينه احلام الاطفال
********************
وضعت كفيها الصغيرين على باب غرفته وهى تستمع الى اصوات تحطم و ركلات ثم تأوه مكتوم و اطلاق لعنات و شتائم بذيئة .
كانت دموعها تنهمر على وجهها و هى تنشج بصمت ثم عادت لتطرق على الباب بخوف وهى تناديه باكية
(افتح الباب يا فارس ارجوك ....ارجوك ......دعنى فقط ادخل اليك )
صمتت تخنقها شدة البكاء ثم عادت لتطرق الباب مرة اخرى و تنادى
(فارس ....سادعك تفرغ شحناتك بي ....انا اقبل لكن ارجوك دعنى ادخل اليك )
سمعت صوت تحطم عالٍ بعد كلماتها ,اعلى من كل الاصوات السابقة, فاخذت تطرق بقوة اكبر وقد انتابها الهلع وهى تصرخ
(فارس ......فاااارس )
ساد الصمت داخل الغرفة تماما فاصابها ذعر شديد و اخذت تطرق بكلتا قبضتيها و تستمر فى صراخها .
فتح الباب فجأة بعنف و اطل منه وهو بهيئةٍ شيطانية تلقى الرعب فى النفس , الا انها لم تشعر فى هذه اللحظة سوى بالراحة العميقة لرؤيته واقفا بخير امامها , تنهدت و هى تزفر بعمق من رعب اللحظات السابقة .
مدت يديها الاثنتين و اخذت تمررهما على ذراعيه وصدره واكتافه و ظهره تتفحصه ان كان قد اصابه مكروه حتى وجدت ان قبضة يده ممزقة و تنزف بغزارة , شهقت برعب و هى تهتف ( ماذا فعلت ؟ )
دخلت الى الغرفة بسرعة فوجدت ان المرآة الكبيرة التى تحتل مساحة حائطا باكمله متكسرة الى شظايا قاتلة على الارض فعلمت انه حطمها بقبضة يده .عادت اليه بسرعة و سحبته من يده الاخرى و التى ضمدتها صباحا بعد ان كسر الكأس
اتجهت به الى الحمام و اخذت تنظف الجرح و تطهره وهى تدعو الله الا يكون بحاجة للتقطيب .
لم تأبه لصمته الذى تعلم جيدا انه يسبق عاصفة شعواء ستهب لتقتلع رأسها من جذورها .
بعد ان انتهت رفعت وجهها اليه و قالت بقوة بينما الدموع تغطى وجهها
(لن نستسلم يا فارس ..... هل تسمعنى لن نستسلم .....الجراحة التى يؤيدها الطبيب تبدو ....آآآآآه )
تأوهت وهى تشعر بقبضته تجذب شعرها بعنف لترجع رأسها للوراء , و رأت ملامحه المتوحشة وهى تنظر اليها بكره و هو يكاد يفتك بها و قال وهو يكز على اسنانه
(لا تتدخلى فى قراراتى .......حتى لا اؤلمك اكثر من هذا هل تفهمين )
أومأت برأسها برعب لكنها عادت وتذكرت انه لا يراها فقالت بخوف
(نعم فهمت )
ارتخت قبضته قليلا ليسمعها تقول بسرعة
( الجراحة هذه المرة مبشرة جدا )
ثم اغمضت عينيها منتظرة ما سيحل بها , الا ان شيئا لم يحدث ففتحت عينيها و هالها نظرة الام العميقة المطلة من عينيه الجميلتين المظلمتين .
آه يا حبيبي المسكين هذا ما يحدث كل مرة بعد متابعة الطبيب , لا تقدم يذكر ليعود الطبيب و يقترح ان الجراحة التالية ستكون مبشرة الا انه لا يستطيع تاكيد ذلك .
احيانا كثيرة تشعر بإحساس فظيع بالذنب يقطعها اربا لانها تشجع تعرضه لهذا الكم من الجراحات والآلام , انها تشعر بكل ما يتكبده و يعانيه من آمال و توقعات ثم احباط و فشل و جراحة تدمر روحه قبل ان تدمر عينيه .
همست بصوتٍ خافت
(ارجوك يا فارس لا تيأس ..... ارجوك انا محتاجة لقوتك لتمدنى بها ...... انا لا استطيع الصمود بدون قوتك .....انت الوحيد الذى استند عليه فى هذه الدنيا فلا تخذلنى ارجوك )
علت فمه ابتسامة ساخرة مريرة اعقبتها ضحكةٍ عالية مليئةٍ بالاسى وصرخ
(تستندين على رجلٍ اعمى ...........اذن فانتِ غبية و تستحقين ان تقعى لتدقى رأسك اليابس العنيد)
حاولت ان تمتص غضبه و المه وهى تقول
(نعم ...نعم انا استحق كل ما سيصيبنى ....هذا قرارى و هذه حياتى ....فارجوك لا تبعدنى عنك )
اغمض عينيه بشدة و اندفع عائدا الى غرفته صارخا
(لا اريدك.....هل تسمعيننى لا اريدك )
تعثر وهو يمشى على غير هدى بطرف البساط فسقط على الارض وضربت رأسه بحافة الفراش , اندفعت سما ناحيته و هى تبكى من شدة اليأس , جثت بجواره على الارض و اخذت تنظر الى الجرح الجديد فى جبهته .
آه يا الهى انت تجرح نفسك كل يوم . الا تكفيك جروح نفسك لتجرح جسدك .
ابعد يدها بعنف و هى تتلمس جبهته وقال وهو يلهث
( لماذا لا تستسلمين ... هل ستعيشين حياتك كلها راهبة .... الا ينتابك الفضول لمعرفة ما هو شعور ان تكونى امرأة .....)
سكت قليلا ثم تابع كلماته الوقحة البشعة
(سينتهى بك الامر الى خيانتى يوما ما ...هل هذا هو ما تنوينه ...لاننى مهما فعلتِ لن اجعلك زوجتى ابدا ...ادخلى ذلك بعقلك اليابس )
قال جملته الاخيرة وهو يضرب جانب راسها بسبابته
اغمضت عينيها لا تصدق بشاعة ما سمعته
, ثم فجأة اخذت نفسا عميقا واستقامت على ركبتيها, احاطت وجهه بكفيها و استندت بجهتها على جبهته وقالت وهى تلهث هى ايضا
( لن اتركك ولن اخونك ....ليكن هذا واضحا لك يا فارس مهران ...اذن فلتستسلم انت لاننى لن استسلم ابدا .....
فانت لا تعرف بعد ما يمكن ان تفعله امرأة من نساء الراشد حين تتمسك بما هو لها ) .
امتدت فجأة ذراعا حديدية التفت حول خصرها النحيل و جذبتها اليه ليسحق شفتيها بشفتيه الجائعتين و هو يقبلها بعنف خرج من عقاله
انها المرة الاولى التى يقبلها , ان طعمها كقطعة الحلوى ,اخذ يقبلها ويقبلها وهو يشبع جوعا كان كامنا بداخله لم يشعر به الا الآن .
استسلمت بين ذراعيه وهى تشعر بالدوار و الذهول , انها قبلتها الاولى, اذن هذا هو السحر الخفى الذى يتحاكى عنه الناس على استحياء و يتغنى به الشعراء ,انها نارا تعصف بكيانها تقلبه راسا على عقب .
وقعا على الارض معا فجذبها فوقه ليتساقط شعرها الحريري العطر على وجهه بينما يديه تجريان على جسدها لتشعل به نارا ذائبة كالحمم البركانية.
استمر جنون اللحظات العاصفة بينهما وهما لايدريان كم مر من الوقت .
لكنه فجأة دفعها لتسقط على الارض , استقام جالسا و قال وهو يلهث بعنف
( اخرجى من هنا )
نظرت سما اليه بذهول وهى تلهث بشده تكاد تموت من شدة انفعالها و قالت متلعثمة
(مم...ماذا ؟!!)
صرخ فيها بشراسة
(اخرجى ...... قلت اخرجى)
قامت سما من على الارض و خرجت راكضة من الغرفة ولم تخلف ورائها سوى صدى شهقاتها .
دفن رأسه بين كفيه
ما الذى فعلته , لقد اشعلت نارا وكيف سأطفئها ,كيف سأقاومها بعد الآن , كيف سأقاوم اغراء زوجتى الصغيرة التى لم تصبح بعد زوجتى .