رواية تشابك ارواح الفصل الخامس 5 بقلم أمينة محمد الالفي
الفصل الخامس من -تشابك أرواح-
«أصدقاء أم إخوة؟»
لا وجود لطعم السعادة في الحياة، فما بات الود موجودًا ولا الوصال، أصبح العالم مليء بكل ما هو بغيض؛ حيث الفتن والكذب والسرقة، حتى أن القتل أصبح مألوفًا كأنه لا شيء يُذكر أو حتى تهتز له الأبدان.
_"بليز ياعمو متخليهوش يجيب ستات يضربوني، أنا والله مليش أي ذنب من اللي بابي عمله معاكم، أنا بريئة من كل حاجة هو عملها، وهو أكيد.. أكيد بابي مكنش يعرف إنه هيأذيكم بالشكل ده، بليز سيبني أمشي من هنا!"
قالتها بترجي وعينين دامعتين، صوتها المرتجف هز كيان الواقفين أمامها، ولكن أصر «مروان» على حديثه قائلًا ببغض:
"ولما هو كدا مجاش يلحقك ليه ياست؟ سابك مرمية أهو، ده متهزش حتى"
كان يحاول كسرها وقد نجح، حديثه حرك داخلها الكثير والكثير من الوجع والألم وأولهم كان ضميرها الذي حدّثها بكلامٍ لاذع؛ لماذا يا أبي، لماذا تخليت عني هكذا ولم تعبأ بكوني خُطِفت؟
خرج الحديث من فم«الحاج إبراهيم» هذه المرة بنبرة جامدة:
"أنتِ فاهمة غلط، اللي أبوكي عامله أصلًا صوابع الايد متكفيش عَده يابنتي، بس نقول إيه نصيبنا أرضنا تتسلب عشان هو يبني مصنع خاص بيه جوا حارة كلها ناس طيبة على قدها، مصنع هيتبني مكان بيوت لناس اتهدت ودلوقتي متشردين في الشوارع ومنهم اللي خسر كل اللي كان قدامه ووراه، غير الأضرار اللي هتملى الحارة بسبب مخلفات المصنع والدخان اللي هيطلع منه، وكل ده عشان أبوكي راجل كبير في البلد ميتقلوش لأ على حاجة، لدرجة أنه نهى الموضوع كله من أقسام الشرطة عشان لما نبلغ منلاقيش أي فايدة من اللي بنعمله ونزهق!"
ابتلعت غصة ثقيلة بسبب ما تفوه به ذلك الرجل أمامها الآن عما يفعله أبيها بهؤلاء المساكين هُنا، حركت بصرها «لمروان» الذي كاد يتحدث لولا إيقاف «الحاج إبراهيم» له:
"ده حتى قَتـ..ل بنت..."
لم يكمل حديثه ووجه بصره نحو «الحاج إبراهيم» بضيقٍ لأنه منعه، لماذا يمنعه بأن يقول ذلك؟ يجب على تلك الفتاة بأن تعرف كل مافعله الحقير أبيها!
_"أنا والله معرفش أي حاجة من اللي بتقوله ده ياعمو، أنا مليش علاقة بأي شغل خاص ببابي هو مبيدخلنيش فـ أي حاجة والله"
قالتها بحزن طاغي على نبرتها تتوسلهما في السماح ولكنه أجابها بصرامة:
"ماعلينا، إحنا محدش فينا هيأذيكِ أصلًا، أنتِ رهان لحد ما أبوكي يعقل ويرجع الأرض وتعويض للناس عشان تبني بيوتها تاني وهو يقدر يعمل ده كويس أوي، فأنتِ مشرفانا شوية في الحارة، معلش مش زي ما اتعودتِ ولا مكانك بس هتستحملي"
ثم وجه بصره «لمروان» ووقف من مكانه متحركًا:
"هخلي فاطمة تكلم الست حكمت تاخدها عندها لأنها أضمن حد، محدش في بيتها غير هي وبنتها"
ألقى «مروان» نظرة على التي أمامه وغادر خلف «الحاج إبراهيم» وتساءل بهدوء:
"أنت متأكد ياعمي إنك عاوز توديها عند الاستاذة حكمت؟"
أؤمى برأسه وهو يجيبه بتنهيدة:
"أنسب حل يابني، هي تقعد هناك معاها هي وبنتها، لا ينفع تيجي تقعد في شقتي عشان أنا وعبدالله موجودين، ولا عند أي حد تاني مضمون، إنما حكمت قاعدة هي والبت بنتها بس"
تنهد «مروان» بتفكيرٍ لذلك القرار وعاود يسأل:
"أنت منعتني ليه أتكلم عن عهد، البت دي لازم تعرف أن أبوها قاتل!"
_"لازم فعلًا بس مش بالطريقة دي، هتقول إننا بنكدب وبنلفقله مصايب وخلاص، هي هتعرف كدا كدا بس اصبر علينا شوية يا مروان، أنا عارف إنك أكتر واحد مستعجل للحق بس خليك صبور يا شيخنا ولا إيه!"
طالعه «مروان» الذي ارتخت ملامحه بحزنٍ طغى عليه والحسرة احتلت ثناياه، حتى أن الخيبة كان لها مكانًا مميزًا بقلبه تسكن به وهو يهمس:
"ونعم بالله ياعمي ونعم بالله، أنا حاسس إني متقيد بس بسبب حاجات كتير بتحصل، شعور الكره والبغض ماليين قلبي تجاهها هي وأبوها وعيلتهم كلهم يا حاج، وده شعور غصب عني ما أنا أصلي بني آدم جواه قلب بيحس، انصحني بس ونبهني لما تلاقيني بتجه ناحية الهلاك أنا مش قد الهلاك في حياتي يكفيني إني بسأل ربنا كل يوم على الفرج واللي أنا واثق إنه جاي قريب إن شاء الله"
ابتسم «إبراهيم» ابتسامة هادئة دافئة وهو يربت على كتف «مروان»:
"ربنا يصبر قلبك يابني، متقلقش كل حاجة هتبقى كويسة والفرج هيجي قريب يا مروان، أنت بس ادعي ربنا كتير إحنا ملناش غير ربنا ثم بعضنا لبعض، رجالة عيلة «عبدالمجيد» هما اللي هيجيبوا حق الحارة تالت ومتلت كمان من «وليد الأنصاري»"
سحب نفسًا عميقًا وأخرجه ببطء متفوهًا بهدوء:
"إن شاء الله ياحاج، صلاة العشا خلاص باقي عليها ربع ساعة هستأذنك"
_"أذنك معاك يابني"
ابتسم الآخر له وتحرك نحو المسجد يجهزه للصلاة، تهرب من كل شيء بالحياة لهنا، بعدما كان طائشًا لا يُصلي إلا القليل هداه الله في لحظة، وحفظ كتاب الله عز وجل كاملًا وأصبح إمام مسجد الحارة بل وأيضًا يُحفظ صغار الحارة القرآن ويجعلهم في أيامٍ معينة يأذنوا وينادوا للصلاة.
وقف إمامًا وخلفه صفوفًا يصلون العشاء
_"بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95)"
كانت تجلس مكانها بالمجلس تضم قدميها لها تحاول أن تختبئ بين ذاتها واستمعت لصوته وهو يؤذن، عرفت صوته فورًا فولج لثنايا قلبها، للمرة الأولى بحياتها تستمع للآذان بتركيزٍ وتدخل كل كلمة لداخلها ولقلبها، هُنا علمت أنها بورطة كبيرة ولم يكن سوى شعور عابر، فما بال العبد الذي ينقض العهد الذي بينه وبين الله غافلًا عن يوم الحساب؟
أتت «فاطمة» لها وأخذتها لبيت «حكمت» حتى تجلس به ليأتي الفرج من عند الله في يومٍ من الأيام لا يعلمون متى هو!
_________________
خيوط ذهبية تتداعب الأجواء فتنير السماء بها معلنة عن بداية يوم جديد لحياة جديدة قد تكون مستقيمة أو مائلة، يوم جديد قد تتغير به أقدار أشخاص عدة!
يواسي، يربت، يضم، وأخيرًا يعشق؛ فهو صاحب القلب الذي لم يعرف يومًا سوى قلب زوجته حبيبته، والتي سيُعلن عما قريب الزواج للمرة الثانية لأجل إرضائها، لا يعلم إذا كان هذا القرار صائب أو لا ولكنه لن يقبل بأن يُصيبها مكروه مرةً أخرى؛ فهو عانى من أجل أن يجعلها بخير خوفًا من فقدها في يومٍ من الأيام.
كان يجلس أمامها أرضًا يساعدها في ارتداء حذائها بينما هي تراقبه بابتسامة ناعمة خافتة:
"آسر .. أنت كويس ياحبيبي؟"
رفع بصره لها وابتسم بخفة مُجيبًا بهدوء:
"كويس، متقلقيش عليا، أنا كويس طول ما أنتِ كويسة يارنا، عشان خاطري متزعليش نفسك تاني عشان أنا مش حِمل أي حاجة ممكن تحصلك"
تحرك من مكانه جوارها على فراش المستشفى بينما هي تابعته ورفعت كفها ليستقر على خده بحنانٍ بالغ:
"متقلقش، أنا كويسة ياحبيبي وهفضل كويسة طول ما أنت معايا وفي ضهري كدا، وأنا لما طلبت منك تتجوز تاني عشان تجيب العيل كان عشانا إحنا الاتنين سوا والله يا آسر!"
طبع قبلة في باطن كفها وهز رأسه بتنهيدة:
"ان شاء الله، وعامةً أنا قولت لأمي وهي هتكلم مرام"
_"يعني خلاص استقريت عليها؟"
سألته بتنهيدة ليومئ برأسه فقط دون إضافة كلمة وتحرك نحو حقيبتها ليحملها بينما هي تنفست الصعداء مع ابتسامة بسيطة زينت ثغرها لاستقبال القادم حتى وإن كان مُرًا؛ فالمُر لابد أن يَحضُر حتى يُذهبه الحلو!
ومهما قست الأيام على قلوبنا، لا تنسى أن لنا رب عادل رحيم بقلوب عباده، سيبتليك ويُضعفك أمام نفسك، ثُم يُنزل عليك الفرج ويقويك مجددًا كما لم تكن قبلًا، لتستقبل ما هو قادم بالقوة التي اكتسبتها من الابتلاء،
فدعني أرحب بك عزيزي في الحياة وقوانينها.
وصلا للمنزل لتستقبلهما أمه بالمباركات لأجل زوجة ابنها التي عادت بحمد الله بخير:
"ألف حمدالله على سلامتك يارنا، ربنا يباركلك في صحتك يابنتي يارب"
ابتسمت «رنا» بودٍ:
"تسلمي يا ماما يارب، متقلقيش أنا الحمدلله دلوقتي كويس"
_"الحمدلله يابنتي يارب دايمًا تبقي كويسة"
قالتها وهي تضمها لها بحنانٍ؛ فهي كانت أمًا لهم كلهم في هذا المنزل، حنونة، حكيمة، طيبة القلب.
هذه المرة خرجت الكلمات من فم «آسر» بابتسامة خافتة:
"هنطلع شقتنا ترتاح يا ماما، وأنا شوية وهنزلك"
أومأت له والدته بخفة:
"ماشي ياحبيبي، خد مراتك واطلع، ربنا يطمنك عليها"
توجها سويًا ناحية الدرج ثم لشقتهما ليصادفا «مرام» التي تغادر شقتها نحو الأسفل بفستانها البسيط وحجابها الذي تضعه على رأسه بعشوائية، تبادلت معه النظرات أولًا والتي أبعدها هو فورًا عندما تحدثت بقلق:
"أنتِ كويسة دلوقتي يارنا، حمدالله على سلامتك ياحبيبتي!"
ابتسمت «رنا» بدفئ لها:
"الله يسلمك يامرام، تسلميلي بجد"
وجهت يدها نحو مفتاح المنزل وفتحت الباب ودلفت أمام «آسر» الذي رفع بصره مجددًا نحوها يطالعها بنظراتٍ ذات مغزى ليعلم إن كانت عرفت كل شيء من أمه أم لا.
بينما هي قابلته بابتسامة خفيفة تسأله بسبب إطالة النظر لها:
"أنت كويس يا آسر؟"
تائه، لا يعلم الإجابة إن كانت نعم أو لا،
لا يعلم كيف يخبرها بأن قلبه يؤلمه، وروحه مشتتة،
فكيف للمرء أن يجد سكينته بعدما وصل بر الأمان وكان طريقه كلهِ مليء بالأشواك، كيف سيجد الطمأنينة بعدما فقد الثقة بكل من حوله.
_"أنا كويس، أنتِ كويسة؟"
أجاب بإختصار فأجابته بنفس النبرة:
"بحاول أبقى كويسة، عن أذنك!"
ثم تحركت من أمامه نحو الأسفل لشقة خالتها وتركته يراقبها في صمت طويل، ودلف بعدها نحو شقته وتحديدًا نحو المرحاض لينعم بحمامٍ بارد يُخرج السلبية من جسده ولو لقليل!
_______________
قبل مغادرته لمكان عمله تحرك نحو المجلس بخطوات ثابتة ودلف ليجد «مروان» و«عبدالله» يجلسان مع «الحاج إبراهيم» فابتسم فورًا ليرؤيتهم سويًا:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
ردوا عليه السلام وولج يجلس جوارهم و«الحاج إبراهيم» يسأله بابتسامة:
"عامل إيه ياحمزة يابني؟"
وقبل أن يجيب تحدث «عبدالله» بسخرية:
"ماهو قرد قدامك أهو يابا"
طالعه «حمزة» بملامح اعتلاها السخط ليجيب بنبرة تزعجه:
"زيك كدا يا عبدالله يا أخويا، إحنا صحاب برضو!"
تعالت أصوات ضحكات «مروان» و«إبراهيم» في المكان للاثنين اللذين لا يهدأ لهما بال إلا وأزعجا بعضهما، تحدث «الحاج إبراهيم» بقلة حيلة:
"أنتو الاتنين مبتكبروش يابني، استهدوا بالله!"
_"عن نفسي كبرت، الدور والباقي على القِلة اللي قاعد!"
قالها «عبدالله» باستفزاز وثقة شملت حروفه «لحمزة» الذي كان جسده ضئيل بعض الشيء عن الشباب، ومتوسط القامة،
رد عليه «حمزة» وهو يزفر بحنقٍ:
"يابني أنت مش قدي، بس تمام مش هرد عليك إحترامًا للحاج الكبير اللي قاعد، بس أنا مستنيك على أول الحارة في عركة وربنا ماهحلك فيها ياعبدالله ياعبمجيد"
هذه المرة خرجت الكلمات من «مروان» بتقطيع لضحكاته عليهما:
"ماخلاص ياحلو أنت وهو، دا أنتو عايزين اللي يظبطكوا بجد!"
_"لا وحمزة بعد كل ده بيقوله مش هتكلم عشان الحاج الكبير، اومال لو اتكلمت!"
قالها « الحاج إبراهيم» بمشاكسة لهما ليجيبه «حمزة» بكل بساطة:
"بصراحة كنت قومت نتشت ابنك علقة دلوقتي، ماعلينا أنا كنت جاي أعرفك بحاجة ياحاج، أصل مينفعش تحصل وأنت مش عارف يعني.."
طالع الشباب فهما عرفا فورًا ما الذي يريد «حمزة» قوله فاسترسل الثاني بتنهيدة:
"بص قبل ما تتخض، أنا حصل أول امبارح حادثة قدام ما بقف بالعربية بتاعتي، المهم لما روحت أشوف لقيت العربية فيها بنتين، منهما واحدة كانت بتتصفى والتانية مسكت في رقبتي وفضلت تقولي هربني وساعدني، فبصراحة أنا حسيت إن وراها حاجة وكان عندي نية أشوف مالها وأنزلها أمشيها، بس الواضح إنها عندها مشكلة كبيرة وهربانة من جوزها!"
تنحنح بتوتر وأكمل:
"أبوها شوكت ماهر الرفاعي رجل أعمال وصاحب شركة عطور كبيرة، وجوزها نادر المصري"
_"نــادر المصري!"
نطقها الثلاثة أمامه بصدمة بينما هو ابتلع غصته وأومئ لهما وهو يُكمل:
"أنا كمان أول ماجه عندي العربية قولت أكيد جاي للسبب اللي كلنا عارفينه، مكنتش متوقع خالص إنه هو جوزها والله، بس هو معرفنيش هو عارف مروان وعبدالله وآسر عشان هما التلاتة اللي كانوا بيقابلوه علطول"
تحدث هذه المرة «الحاج إبراهيم» بصرامة:
"البت دي لازم تمشي، ملناش دعوة بأي حاجة تخصها لا هي ولا جوزها ياحمزة، كان المفروض عرفتني قبل ما تقعدها هنا يومين حتى"
تنهد «حمزة» بتأنيب ضمير:
"حقك عليا ياحاج، والله ماقصدي بس البت فعلًا حالتها صعبة أوي وكدا كدا بعتنا امبارح لأبوها وأختها عن وجودها معايا، لأنه كان مانعها من مقابلة عيلتها ومقطعاهم بقالها سنتين، هما يستلموها وإحنا ولا كأننا نعرف عنها حاجة"
هذه المرة تحدث «مروان» بتنهيدة عميقة:
"مكنش وقته خالص زفت نادر وإحنا بنحاول نعمل اللي بنعمله مع وليد الأنصاري ياحمزة"
نظر له «حمزة» وهو يومئ برأسه تأكيدًا على حديثه:
"معاك حق وأنا معاك، بس البت ملهاش ذنب يا مروان، وأنا أصلًا لما جبتها كنت همشيها وأنهارت وصعبت على أمي، وهي كدا كدا مخفية في الشقة مش هتتحرك منها"
_"بس أنت وجودك معاها مينفعش ياحمزة، حاول متطولش المدة دي لأنكم قاعدين في بيت واحد!"
قالها «مروان» بنبرة قوية ينصح رفيقه، وتبعه قول «عبدالله»:
"مينفعش أولًا وثانيًا كدا كل حاجة دخلت في بعضها، لو جه مرة نادر ولمح ضلها هنقول على كل حاجة يارحمن يارحيم، نادر مبيتفاهمش ولو حد بس شمم جنبه عود كبريت هيولع بينا كلنا!"
نطق هذه المرة «الحاج إبراهيم» بصرامة:
"لا عاش ولا هيعيش اللي يعمل حاجة في رجالة الحارة ورجالة عيلة عبدالمجيد، توكلوا على الله في أمركم لحد ما نشوف آخرة ده!"
ابتسم «حمزة» فورًا كأن كان هنالك صخرة كبيرة وأبعدها عنه، ثم تحدث بخفة يخبرهم عما بباله وهو يعتدل بجلسته بشكل يعطيه أكثر ثقة:
"بصراحة أنا فكرت في حاجة، دلوقتي أبوها مش حد قليل وأنا ناوي لوقتها لحد مايجي هطلب منه يساعدنا لو يقدر فـ أي حاجة تخص الأرض والمصنع اللي هيتبني"
تنهد«الحاج إبراهيم» وهو يحرك رأسه بإماءة خفيفة:
"على الله لو يقدر يساعد مافيش مشكلة، والمصنع محدش هيقدر يهوب ناحيته إحنا موقفين العمال ومحدش فيهم بيدخل هنا!"
وقف «حمزة» من مكانه عازمًا على المغادرة:
"كويس أوي، يلا همشي أنا على شغلي!"
_"ولا ولا بعد كدا أبقى فكر قبل ما تعمل حاجة، ميبقاش دماغك فيها عربية كبدة كلاب!"
رمى «عبدالله» كلماته ليغيظ الواقف أمامه الذي طالعه من أعلاه لأسفله بإزدراءٍ:
"أوعدك هنفتحلك عربية كبدة الكلاب دي قريب ياقلبي!"
ثم غادر من أمامهم لينظر كلًا من «مروان» و«الحاج إبراهيم» له بمعنى ما نهاية الشجارات التي بينهما، ليردف هو ببراءة:
"إيه، بحب أضايقه الله .. أنا قايم للورشة بتاعتي السلام عليكم"
وهرب سريعًا من أمامهم بينما وقف «مروان» هو الآخر ونظر نحو عمه قائلًا بخفة:
"أنا رايح أجيب من المحل شوية هدوم لبنت الحرامي دي عشان «مديحة» قالت للحجة إن هدومها مش هتيجي على مقاس البت!"
_"ماشي، كتر خيرك يابني، ابقى ابعتلي الهدوم دي مع حاتم وأنا هديها لفاطمة تاخدهم وتروح تطمن!"
قالها «إبراهيم» ليومئ له «مروان» بطاعة وغادر من أمامه.
________________
جميع كِسرَات الإنسان قد تطيب، إلا موت ابن في حياة والديه، فإن كان السند أبًا، والحنان أمًا؛ فالحياة هي الابن، ما أقسى فجرٍ مر بوداع من كان صغيرًا يركض أمام أنظار والديه، وكَبُر أيضًا على يديهما وفي خيرهما ثم في غمضة عين يُسلب كمن كان بنورٍ لا يعترف بالظلام؛ فأقتحمه الظلام من جميع الجهات.
كانت تبكي بحسرة وقهرة على فقدان ابنتها حبيبة فؤادها، فمهما حاولت أن تواري مشاعرها عن الجميع أتى عليها أيامًا تنهار كيومِ فقد ابنتها، لم تسير الحياة كما أخبروها، ولم يُشفى جرحها كما أبلغوها، بل هي عالقة في ذلك اليوم، عالقة ولم تجد يد تنجدها نحو النور مجددًا.
استمعت لصوت مفاتيح توضع بالباب ويدلف زوجها «الحاج إبراهيم» الذي طالعها بتلك الحالة المُبكية والتي صحبها تنهيدة عميقة:
"مالك ياست فاطمة، بتعيطي كدا ليه؟"
اقترب وجلس جوارها وهو يعلم تمام العلم لماذا هي تبكي، ولماذا دموعها لا تأبى على التوقف ولكنه يحاول التماسك أمامها لينهار وحده دون أن يراه أحد.
استمع لهمسها المتقطع بحرقة:
"بنتي وحشتني يا إبراهيم، بنتي مكنش ليها ذنب تموت مقتولة بالشكل ده، بشكل يقهر قلوبنا كلنا عليها، حق بنتي لسه مجاش لحد دلوقتي والنار اللي جوايا مش عايزة تهدا"
ربت على كتفها وضمها له بحنانٍ وهو يقول بتنهيدة:
"هيرجع، حق «عهد» هيرجع تالت ومتلت، بس مش هيرجع بنفس الطريقة اللي هي اتقتلت بيها، إحنا بنرجعه بما يرضي الله عشان لما نقابل وجهه الكريم يافاطمة، عهد اتقتلت يعني ماتت بغدر، نحتسبها من الشهداء ان شاء الله وبعد عمر طويل ليكِ تشوفيها في الجنة"
بكت بحرقة، بكت ولم تكف عن البكاء، لم تكفها الكلمات لتواسي قلبها، بل المواساة بكل معانيها لا تكفي قلب أم مقهور:
"ياحبيبتي ياعهد، ياحبيبتي يابنتي، روحتي في عز شبابك وقبل فرحك بشهرين، يارتني كنت أنا ولا أنتِ يانور عيني، وحشني حنانها أوي يا إبراهيم، وحشني ريحتها وحضنها، وحشني كل حاجة"
_" لا حول ولا قوة إلا بالله، متعزش على اللي خلقها يا حبيبتي، متعزش على اللي خلقها، كلنا هنرجع تاني تراب زي ما اتخلقنا يافاطمة وحدي الله، عمر بنتك انتهى"
قالها بصوت مرتجف، يحاول التماسك ولكنها إن أطالت يُقسم أنه سيجلس جوارها يبكي وليجدوا شخصًا ما يواسي قلوبهما:
"لا إله إلا الله محمد رسول الله، ربنا يرحمك يانور عيني ويصبرنا وأشوفك قريب يارب"
ربت «إبراهيم» مجددًا على ذراعيها بحنو هامسًا بكلماتٍ خفيفة:
"ربنا يصبرك ويصبر قلبك، تخيلي أنتِ قلب الأم المحروق على ضناها ده عند ربنا إيه من اللي قتلوا بنتك غدر، ربنا مبيسيبش حق حد، وإن مكنش في الدنيا هيبقى في قصاص الآخرة ان شاء الله"
لم تجد ما تقوله بل أكتفت بإسناد رأسها بأحضان زوجها وأغمضت عينيها تستكين من قهر العالم الذي يحتل ثناياها.
إنه هو السند،
سندًا لا يمل ولا يكل،
طوال الأربعين سنة زواجًا،
لا يشتكي، لا يتأفف،
يضم ويُحب،
يواسي ويحن ويُطيب بخاطرها،
شريكًا لا ولن تعوضه الأيام،
شريكًا تدعي ليلًا ونهارًا بأن يكون زوجها بالجنة أيضًا.
_________________
وصل لورشته بمزاجٍ سيء لأسباب كثيرة يمر بها ولا يقدر على مشاركتها مع أحد الآن، حتى ابن عمه والمقرب له «مروان»، يكبت مشاعره وأفكاره بشكلٍ صعب ينقلب عليه ليلًا بين الأرق والاكتئاب، حتى أن جسده يتضاءل يومًا بعد يومٍ بسبب قلة أكله التي أصبحت ملحوظة؛ وكيف ستأتيه الشهية وحق أخته مسلوب، وحبيبته ليست جواره، وأمور حارته ليست مستقرة.
دلف بخطى ثابتة نحو الورشة ورفع بصره للسيارة التي لم تنتهي بعد بيد العامل الذي يساعده والتي كانت من المفترض أن تنتهي سريعًا لأن صاحبها سيستلمها بعد ساعة، وجدها فرصة لينفجر بالغضب بوجه المسكين:
"إيه ده يا سمير، هي دي العربية اللي المفروض كانت تخلص من ساعة، هو أنت جاي تشتغل ولا تتمرقع ياسمير"
انتفض الثاني أمامه وتلعثم في الحديث يُبرر:
"يا باشا والله غصب عني العربية كانت محتاجة شغل أنا مسبتهاش وأتحركت!"
صاح الثاني بغضبٍ وهو يُمسك من يد «سمير» الأدوات ويبعده بدفعة:
"أنت بأم الزفت ده مش هنخلص الشغل اللي ورانا يا سمير، إن كان الشغل مبقاش جايب همه معاك وهتقصر فيه يبقى خدها من قصيرها وامشي"
تنهد الآخر واقترب له يعتذر ويحاول إنهاء السيارة معه ومساعدته:
"حقك عليا ياعبدالله والله، بس وحياة ربنا مش قصدي اتأخر في الشغل فيها"
شعر «عبدالله» بأنه زاد الأمر سوءً الآن بسبب عصبيته المفرطة التي لا يستطيع التحكم بها ككل مرة، فهو هادئ الأعصاب ولكن عندما ينفجر لا يستطع أحدهم إيقافه عن نوبة غضبه، يجيد الردود الباردة التي تستفز مَن أمامه دون أن يتطاول عليه، ولكن هذه المرة عذره كان معه، والعذر لا يعرف عنه أحدًا شيء، فبالنسبة لهم هو ليس معذور لغضبه الذي دون سبب واضح حتى الآن.
صمت ولم يتفوه بأي كلمة بل أكمل هو عمله بالسيارة التي كان يتعامل معها كشخصٍ يكرهه يُخرج طاقته به، زفر بضيقٍ بعدما أنهى السيارة ورمى البرغي على طول يده وخرج من الورشة لا يعلم أين المفر ولكنه لا يطيق الجلوس مكانه!
انتظر يومان وشهران وأكثر من ذلك لأجل «تسنيم» حبيبة القلب،
وما إدراك من الإنتظار الذي يحرق قلب العاشق يوميًا،
لا يستطيع أن يسير دونها، أو أن يكمل الحياة دون وجودها معه، وكيف له أن يفعل وهو الذي أحب وعشق، هو المُغرم بها والعاشق لها، فأين المَفر منها ومن ذكرياتهما، بربك أين المفر؟
___________
دلفت كطفلة مذنبة وأتجهت لفراش والدها ببطءٍ خائفة من اللقاء، رفع بصره ينظر لها وهمس بتعب:
"قربي ياتسنيم يابنتي، تعالي جنبي"
اقتربت سريعًا جواره جالسة على طرف الفراش كمن كانت تنتظر الأمر، عانقته بقوة وهي تتحدث بنشيجٍ:
"حقك عليا يابابا والله ماكان قصدي أعصبك بالشكل ده، حقك عليا بالله عليك سامحني، وأنا أوعدك هعمل كل اللي أنت عايزه مني والله، متزعلش مني بالله عليك"
ربت والدها «مُحسن» على ظهرها وتحدث بهدوء:
"متعيطيش يابنتي، خلاص حصل خير وطالما أنتِ هتعملي اللي أنا عايزه يبقى كل حاجة هتبقى بخير ان شاء الله، كفاية عياط"
لدقائق تبكي دون توقف وهي تُحمل نفسها ذنب مرض والدها كما أدّعت أختها التي حملتها أيضًا ذنب موت والدتها التي يقال بأنها لم تتحمل الضغط وماتت فورًا.
توقفت عن البكاء عندما فُتح الباب واقترب منهما «تامر» و«تارا» التي هرولت ناحية والدها تطمئن عليه:
"سلامتك يابابا ياحبيبي، أنت كويس؟"
أمسكت يده بين يديها وهي تطالعه بقلق فأومئ لها برأسه بابتسامة خافتة يطمئنها بكلمتين:
"أنا كويس ياتارا، متقلقيش"
رفع بصره نحو «تامر» الذي طالع «تسنيم» الباكية والتي علِم إنها كانت منهارة قبل ثوانٍ:
"حمدلله على سلامتك يابابا، الحمدلله عبدالله جري وجابك لهنا أول ماعرف إنك تعبت!"
قصد ذكر اسم «عبدالله» لوالده الذي يقمته دون أسباب واضحة، وسببه الوحيد أنه لا يليق بابنتي الطبيبة!
بينما «تسنيم» أخفضت بصرها للأرض بصمت لا تقوى على رفع بصرها نحو والدها أو أي حد، ولم يعلق «مُحسن» سوى ببعض الكلمات بإقتضاب:
"كتر خيره، ماهو ابن الحاج إبراهيم اللي خيره مغرق الحارة"
ابتسم «تامر» بتنهيدة وهز رأسه بقلة حيلة:
"فعلًا يابابا فعلًا، أنا هشوف معاد خروجك من هنا أمتى، الحمدلله إنك بخير"
وقفت «تسنيم» سريعًا معه واقتربت له تطالعه بعينيها البنية المدمعة بدموع القهر، تحدثت بصوت هادئ مرتجف:
"أستنى، هاجي معاك عشان نشوف الدكتور هيقول إيه عن اللي بابا المفروض يعمله"
اكتفى بالايماء وأشار لها بأن تسير فتحركت أمامه وهو تبعها ومشيا سويًا بينما هي بدأت مرحلة اللعب المُفرط بيديها، وتشابكهما ببعضهما في توتر بالغ:
"أنت قولت لبابا ليه إن عبدالله اللي جابه؟"
نظر لها وليدها وضم كفها بين كفه في حنانٍ وتحدث وهو يعاود النظر أمامه:
"عشان عبدالله هو اللي هيجي ياخدنا من هنا برضو لما بابا يخرج، وبابا لازم يفهم إن عبدالله شخص كويس، دماغه مقفولة بشكل صعب"
نظرت ليدها في وضعها برقة لأحساسها بالنعيم يحاوطها لوجود أخ مثله معها وجوارها يسندها إن مالت، ويضمها إن تألمت، ويهون عليها إن حزنت، فكيف لا وهو يكبرها بعامٍ واحد وكأنه توأمها وتوأم روحها.
تنهدت تخرج الثقل من داخلها على هيئة زفير وأردفت بهدوء:
"ربنا يصلح حاله وحالنا"
_________________
غربت الشمس وحل مكانها قمرٌ كامل يتوسط السماء بنوره الذي أظهر جماله بحق، تجمعوا جميعهم بالمجلس يتحدثون حول الأمور التي يريدون المناقشة فيها والمشورة من بعضهم، حيث تجمع جميع الرجال الكبار بالحارة وكان يترأسهم «الحاج إبراهيم» وجواره «عبدالله»، «مروان»، «آسر»، «حمزة» الذي للتو وصل من عمله، وأيضًا بعض الرجال من أصحاب الكلمة المسموعة بالحارة، تفوه «مروان» هذه المرة قائلًا:
"وجود بنته في وسطنا شكله مش جايب نتيجة معاه، ده متهزش لما عرف إننا خطفناها"
تحدث رجلًا يُدعى «عبدالستار» قائلًا بحنقٍ:
"ده راجل ناقص أصلًا، مش هامه بنته هيهمه الناس اللي اتشردت بسبب البيوت اللي هدها عشان المصنع بتاعه!"
ثم تسائل بعده واحدًا:
"طب أنتو عملتوا إيه مع الحكومة والمحامي؟"
أجابه «مروان» بتنهيدة:
"المحامي بيحاول يرفع القضية تاني ويشغلها، المشكلة فحاجة واحدة، إن الأرض دي اتحسبت من ضمن الأراضي الخاصة بالحكومة اللي بيهدوا بيوت الناس ويتملوكها عشان يوسعوا طرق أو يبنوا المشاريع، ولو لفينا على مصر كلها مش هنقدر نرجع حاجة عشان دي بقت تبع حكومة!"
زفر «آسر» بغيظٍ:
"نادر ساعده في الحتة دي، ربنا يبتليهم بمصيبة هما الاتنين واللي معاهم"
تحدث «الحاج إبراهيم» بصرامة:
"هو معهوش غير ورق مزور بقرار الإزالة، الورق ده لو وصل للحكومة وعرفوا إنه مزور هيروح فداهية بتهمة التزوير، عشان كدا إحنا لازم نوصل للورق ده ونمسكه فإيدينا"
نظروا جميعًا لبعضهم وهتف واحدًا منهم:
"طب ما نساومه على البت بنته بالورق ده!"
_"مش بالسهولة دي، مش هيسلمنا الورق وهو عارف إنه ممكن يروح في داهية بيه، إحنا هنروح نرفع قضية جديدة بتهمة التزوير ضده، قصادها معانا بنته وقصاده القضية، يبقى بنضرب عصفورين بحجر، والتالت قريب"
قالها «الحاج إبراهيم» بابتسامة واسعة ونظرة ذات مغزى عجز البعض على فهمها، وعلِم البعض أن القادم ليس سهلًا.
______________
كانوا يسيرون أربعتهم سويًا في طريقٍ قريب للأراضي الزراعية، كانوا دومًا يلتقون هنا ويتحدثون فيما بينهم عن كل الأمور التي تحدث، فهم ليسوا مجرد أصدقاء أو من حارة واحدة، بل إخوة وتربوا سويًا على حب بعضهم لبعضٍ.
_"أنا هتجوز!"
قالها وتوقف الثلاثة والتفتوا له بصدمة ولم ينطقوا سوى بكلمة واحدة:
"إيــه؟"
طالعهم «آسر» بتوجس وهز كتفه كمن لا يهتم قائلًا:
"هتجوز تاني، إيه فين المشكلة، مش حلالي أربعة"
قطب «عبدالله» حاجبه بتعجب:
"من أمتى ده، ورنا؟"
نظر له «آسر» ثم نحو الإثنين «مروان» و«حمزة» وهو يجيبه:
"موافقة، عايز أخلف وهتجوز مرام!"
_"إيــــه!"
نطقوا بها مجددًا فرفع «آسر» يده في الهواء يصيح بوجههم:
"هو في إيه يارجالة، أنتو النهاردة محطوطين على وضع الصدمة وخلاص ولا إيه!"
حرك «مروان» كتفه باستغراب:
"أنت مش واخد بالك إن كل كلامك يستحق الاستغراب ولا إيه، وبعدين أنت هتتجوز مرام عشان تخلف وبس ولا..."
تحدث «حمزة» بهدوء وهو ينظر نحو «آسر»:
"ده هيعملك مشاكل مع بنت خالتك يا آسر، مرام ملهاش حد غيركوا لو حصل بينكوا مشاكل!"
أجابهم «آسر» بتنهيدة عميقة:
"طب ما أنا أعمل إيه، أنسب حد بالنسبالي مرام، مرام مش بتاعت مشاكل ومش هتيجي تعمل مشاكل زي أي بنت غريبة معرفهاش، وهتعيش يعني"
نطق هذه المرة «عبدالله» بعبوس:
"أمك عارفة الكلام ده؟ عارفة إنك واخدها عشان هتسمع الكلام ومش هتعمل مشاكل؟ هي برضو مش عروسة مولد هتجيبها وتقولك سمعًا وطاعة يا آسر، هي ليها حقوق وواجبات زي رنا مراتك بالظبط"
طالعه «آسر» بشرودٍ، وأكمل على حديثه «مروان» بنبرة بها جدية ويتخللها الحنية:
"وفيه حاجة كمان يا آسر، أنت لو واخد مرام عشان تخلف فـ ده حرام، مينفعش تتجوز واحدة لشرط معين، الجواز هيعتبر باطل ياصاحبي، مرام لو هتتجوزها أو غيرها يبقى عشان أنت هتتجوز تاني وقادر على جوازة تانية هتعيش معاها وتعدل بينها وبين رنا زي بعض، متنساش حاجة مهمة زي دي"
أومئ له «آسر» بعدما أعاد خصلاته البُنية بأصابعه للخلف:
"دي النية بصراحة، هتجوزها ومش هطلقها بعد ما تخلف، هتفضل على ذمتي وهنعيش إلا لو هي اللي طلبت الطلاق!"
تنهد الجميع وهم يطالعون بعضهم بينما تحدث «عبدالله» بنبرة مازحة وهو يطالعهم بطرف عينه:
"بصراحة وأنا نويت اتجوز، هتقدم لتسنيم"
_"إيه؟"
هذه المرة كانت المشاركة من «آسر» مع «مروان» و«حمزة»، وضع حمزة يده على رأسه بمعنى "أنت مجنون!"، وتحدث بأنفعال عابس:
"لا أنت شكلك عبيط دلوقتي، نجيلك وقت تاني!"
سأله «مروان» بجدية وهو ينظر نحوه:
"وأنت إيه مخليك واثق إن أبوها هيوافق المرة دي؟"
هز «عبدالله» كتفه بلا مبالاة وهو يقول ببساطة:
"ما إن شاء الله عنه ماوافق، أنا هروح برضو وهفضل أروح لحد ما توافق عليا ونتجوز، أنا قولتلك مش هسيبها ولو على جثتي"
صاح به«حمزة» بأنفعال وهو يضربه برفقٍ على صدره:
"أنت عبيط ياعم، هي تسلاية ياعبدالله فوق لنفسك ياخي، هي البت دي عملالك عمل ولا إيه!"
وكاد أن يجيبه «عبدالله» بإنفعال هذه المرة ولكن تدخل «مروان» سريعًا ووقف بالمنتصف بينهما:
"حمزة معاه حق يا عبدالله، فوق لنفسك يا أخويا، اللي بتعمله ده أكيد تاعبك نفسيًا ولسه هيتعبك، تسنيم ممكن تكون مش من نصيبك، ولو من نصيبك ربنا هيجمعكم ببعض"
أجابه «عبدالله» بضيقٍ وهو يطالع «حمزة» بتوعد:
"وأنا بسعى عشان تكون من نصيبي، وهفضل أسعى لحد ماتبقى مراتي وعلى ذمتي"
تفوه «آسر» وهو يرتب على كتفه بمواساة:
"إحنا خايفين على مشاعرك، أنت عارف دي المرة الكام تتقدملها وتترفض وتطلع من عندهم مكتئب ومنهار يا عبدالله؟"
عاود هز كتفه بلا مبالاة وهو يقول بثقة:
" ما أنهار ياجماعة، هو أنا لو مكنتش هنهار علشانها هنهار عشان مين يعني!"
_"ياولا ياولا!"
قالها «آسر» بمزاح وتنهد على حديثهما «مروان» بينما «حمزة» مازال عابسًا بوجهه وهو يهمس:
" أنت بتقول عني دماغي فيها عربية كبدة كلاب، بس وربنا ماحد دماغه فيها عربية كبدة كلاب غيرك"
أبعد «عبدالله» صديقه من أمامه وأنقض نحو «حمزة» بحركة سريعة ولكن الثاني إنفلت منه بشكلٍ أسرع وركش من أمامه وتبعه «عبدالله» الذي يتوعدله:
"وربنا يا حمزة ما هحلك"
ضحكاتهم الأربعة ملأت المكان بشغب ومزاح مع مشاجرات «عبدالله» و«حمزة» المستمرة التي لا تنتهي.
بينما كان يتابعهم «مروان» خطر على باله حبيبة الفؤاد التي غادرته، وخلال شروده بما أصابها احتل تفكيره المجنونة التي خطفها «سيــلين»، والتي تَكّون بداخله مشاعر مضطربة تداخلت بين بعضها البعض، شفقة عليها وحقد على أبيها، وما قد يصيب السارق «وليد الأنصاري» سيصيب ابنته «سيلين وليد الأنصاري»،
نقطة في نهاية الصفحة ووُضعت، لتنهي كل ماهو هين لين في قلبه، وبدأت صفحة جديدة بكل ماهو ثائر عسير للأنتقام.
___________