رواية خلف قضبان العشق الفصل الرابع 4 بقلم سارة علي
الفصل الرابع …
تحرك مندفعا خلفها ينادي عليها وعقله يلومه مرارا على ما فعله وكيف تحدث بتلك الطريقة التي جرحتها بكل تأكيد ..
وقفت ريم مكانها لوهلة تلتقط أنفاسها وتجاهد لإخفاء عبراتها التي ملأت عينيها عندما شعرت به يقف خلفها هامسا بآسف :
" أنا آسف يا ريم ..."
أخذت نفسا عميقا قبل أن تستدير نحوه بعينين جامدتين رغم العبرات التي ما زالت تكسوهما وملامح ثابتة تخبره بصوت بارد لا حياة فيه :-
" لا داعي للاعتذار يا خالد .. أنت معك حق فيما قلته ..."
تقدمت خطوتين نحوه تضيف بصلابة :-
" وأنا لا أريد الزواج منك ... كنت آتية أساسا لإخبار عمي بذلك ..."
" أنا لم أكن أقصد يا ريم ... أنا فقط ..."
توقف لوهلة يحاول صياغة عبارة ملائمة عندما هتفت هي بإبتسامة كاذبة :-
" لا تقل شيئا ... لا تحتاج إلى التبرير ... "
قال بسرعة :-
" هذا الرفض كان عام وليس لك وحدك ... أنا لا أريد الزواج مجددا .. هكذا فقط ..."
ابتسمت ببساطة تخبره بصدق :-
" معك حق ... قرار الزواج مجددا ليس سهلا .. وزوجتك لا تستحق أن تفعل بها هذا ..."
نطق بخفوت :-
" نعم ، سلمى لا تستحق ذلك أبدا ... لا يمكنني فعل هذا بها ..."
تأملته بنظرات هادئة أربكته قليلا عندما وجدها تهمس بإبتسامة دافئة :-
" لم تتغير يا خالد ..ما زال كما أنت .. مراعيا كما عهدتك .. بنفس شهامتك ونبلك المعتاد ..."
" شكرا على هذا الإطراء ..."
قالها بإبتسامة مرتبكة تشبه ارتباك قلبه بسبب كلماتها الصادقة في تلك اللحظة عندما نطقت بعفوية :-
" هذه حقيقة ..."
تنهدت ثم قالت :-
" أنا سعيدة بذلك .. سعيدة بمراعاتك لمشاعر زوجك .. سعيدة لإنك ترفض إيلامها حتى لو على حساب نفسك ورغبتك بالأبوة ..."
قال بصدق :-
" هذا أمر طبيعي يا ريم ... سلمى زوجتي ... لا يمكنني جرحها .. أبدا..."
" هل تحب زوجتك إلى هذه الدرجة ..؟!"
سألته بترقب عندما وجدت جبينه يتغضن لوهلة والحيرة تطل من عينيه ...
كان حائرا في صياغة جواب ربما سيمنحها آملا مفقودا ...
وربما يسبب لقلبه المزيد من التيه...
لكنه صريح كعادته ولا يجيد سوى الصراحة في حديثه ..
أجاب بهدوء :-
" بيننا عشرة طويلة .. لا يمكنني تجاهلها كما لا يمكنني كسرها بهذه الطريقة ..."
أخذ نفسا عميقا ثم نطق بخفوت :-
" سلمى أضعف من أن تتحمل خطوة كهذه مني وأنا ..."
توقف لوهلة يبتلع غصة تشكلت في حلقه وهو يضيف :-
" لا يمكنني جرحها بهذه الطريقة أبدا ..."
نعم هو لا يستطيع جرحها خاصة وهو يدرك مدى ضعفها وقلة حيلتها مثلما يدرك إن سلمى لا أحد لديها غيره بعد وفاة والدها ...!
تأملها وهي تخبره بعد صمت قصير :-
" سلمى محظوظة بك يا خالد ..."
توترت مشاعره تماما عندما أنهت حديثها بدعوة صادقة :-
" أتمنى أن تنتهي هذه المشاكل على خير وتستقران في حياتكما وتحصلان يوما ما على طفل يتمم عليكما سعادتكما ..."
ثم تحركت بعدها مغادرة المكان مقررة أن تترك منزل عمها صباح اليوم التالي ...!
***
في غرفتها تجلس سلمى منذ مغادرة حماها معتزلة كل شيء لا تتوقف عن التفكير سوى بحديثه ...
ماذا عليها أن تفعل ..؟!
وإلى متى ستتحمل ...؟!
وماذا عن خداعها لخالد..؟!
كذبتها التي كلفته أعواما من عمره عاشها مخدوعا فيها يراعيها ويحنو عليها ويدعمها ويخفف من آلمها بسبب عدم قدرتها على الانجاب وهو لا يدرك إنها تعلم ذلك منذ سنوات ...
قبل زواجهما بأعوام ...
هل ستبقى هكذا ...؟!
تستغل إشفاقه عليها وخوفه على مشاعرها ..؟!
هل ستجعله محروما من الأبوة حتى آخر عمره ..؟!
ألا يكفي إنها من خدعته واستغلته دون أن يدري ...؟!
لقد تعبت ... تعبت من الخوف مما هو قادم ...
من انتظار اللحظة التي سيتخذ خالد فيها قراره بالزواج ....
هي لا تنسى رغبته بحملها بعد زواجهما ...
تحدثه معها بشأن ذلك وإخبارها بعفوية عن رغبته في الحصول على الكثير من الأطفال ...
بل هو أخبرها عن حبه للأطفال في فترة خطوبتها وهي كانت تستمع له بقلب محطم عاجزة أن تخبره بحقيقة إنها لن تمنحه هؤلاء الأطفال سوى بمعجزة ...
كلما تتذكر هذا تكره نفسا ...
تكره ما فعلته ...
وتتألم ...
ضميرها يؤلمها ...
ضميرها يعذبها ...
وهي تعبت حقا ..
تعبت من خوفها من خسارته بعد كل هذه السنوات التي عاشتها في كنفه مثلما تعبت من عذاب ضميرها الذي يزداد مع مرور الأيام ...
مسحت عبرات شقت طريقها فوق وجنتيها قبل أن تأخذ قرارها ...
خالد يجب أن يتزوج ...
هي من ستدفعه لذلك ...
على الأقل سيرتاح ضميرها حينها ...
عذاب زواجه من أخرى سيكون أهون مرارا من عذاب ضميرها الذي يجلدها باستمرار دون رحمة ..
كان قرارا ثابتا وصارما بحق نفسها ...
قرار جعل زوجة والدتها والتي كانت ولا زالت بمثابة أما لها تعترض بشدة ..
" هل ستتركينه يتزوج عليك حقا...؟! "
نطقت بها زوجة والدها مصدومة وهي تضيف بينما تتجه نحوها بتحفز وغضب لا إرادي :-
" هل جننتِ ..؟!"
" ماذا أفعل ..؟! لا حل آخر أمامي ..."
نطقتها بخضوع مفاجئ لا يشبهها وهي تضيف بتهكم بائس :-
" ذلك أفضل من زواجه دون علمي أو ربما بعلمي لكن دون موافقتي ..."
"لا يمكن أن تفعلي ذلك .. لا يمكن أبدا ..."
هتفت بها بتعنت وهي تضيف بحزم محاولة إعادتها إلى وعيها بدلا من ذلك القرار المجنون الذي لا تعلم متى اتخذته وكيف :-
" أفيقي يا هذه .. ستدمرين حياتك ..."
" حياتي تدمرت منذ سنوات ... منذ فشلت في الحصول على طفل ... "
توقفت تلتقط أنفاسها بصعوبة وهي تضيف بأسى ودموعها ملأت مقلتيها :-
" ألا ترين الواقع ..؟! ألا ترين كيف يسير زواجنا ... ؟! زواج بارد لا حياة فيه ... لا أطفال ولا مشاعر ... "
انهمرت دموعها بغزارة بينما تضيف بصوت باكي متألم :-
" الطفل كان الشيء الوحيد الذي سيقرب بيننا ولكنني فشلت في جلبه ... فشلت حتى في ذلك ..."
تطلعت لها بتعاطف قبل أن تقترب منها وتجلس جانبها تحيط جسدها بذراعيها هامسة بدعم :-
" عزيزتي ، أنت ما زلت صغيرة .. ما زال العمر طويل أمامك .. لا بد أن ينجح العلاج مع حالتك يوما ما و ..."
قاطعتها بصلابة كاذبة :-
" لن يحدث ... أبدا ..."
أخذت نفسا عميقا بعدها ثم أضافت بحسم :-
" أنا اتخذت قراري .. ولا رجعة لي عنه ..."
صاحت زوجة والدها بعدم تصديق :-
" مالذي يحدث يا سلمى .. ؟! هناك شيء ما تغير ... لم يكن تفكيرك هكذا.."
لم تستطع سلمى الصمود اكثر ...
زوجة والدها تعرف إن ما تقوله مجرد حجج واهية وإن كان كثير منها صادق ..
نطقت بالحقيقة ودموعها تساقطت مجددا :-
" لم يعد بوسعي التحمل ... ضميري يؤنبني يا ماما ... أنا السبب بكل هذا .. أنا من خدعته .."
هتفت زوجة والدها وهي تحتضنها بحنو :-
" ألم تنسِ هذا الموضوع يا سلمى ..؟!"
ابتعدت سلمى عنها تهتف بعدم استيعاب :-
" كيف أنساه ..؟! أنا لم أنسه ولو للحظة ..؟! منذ بداية زواجنا .. منذ حديثه العفوي عن رغبته بأطفال في أسرع وقت ... منذ أن بدأ الجميع يتسائل عن سبب عدم حدوث حمل بعد مرور أشهر على زواجنا ... منذ أن أخبرته الطبيبة بمشكلتي الصحية المعقدة ... سنوات وأنا أحيا عذاب الضمير ... سنوات وأنا أنتظر اللحظة التي سيطردني بها من حياته ..."
أضافت بصوت باكي ودموعها تتساقط بغزارة :-
" والأسوأ من كل هذا هي ردود أفعاله ... كان يواسيني ويدعمني بل ويدعي إنه لا يهتم وإنه سيصبر إلى الأبد .. كان يخفي حزنه وحسرته أمامي كي لا يحززني بينما هو لا يعلم إنه بهذه الطريقة يؤلمني أكثر .. يعذبني بشدة .. تمنيت أن يلومني .. أن يغضب ... أن يعبر عن حزنه ... عن حسرته ... لكنه لم يفعل وهذا كان يعذبني أكثر يا ماما ..."
احتضنتها زوجة والدها مجددا تربت على جسدها بحنو والألم يمزق قلبها عليها بينما بقيت سلمى تبكي داخل أحضانها دون توقف حتى غفت بعدها بتعب تمكن منها ..
***
فتحت عينيها بتثاقل على صوت همساته بجانب أذنها لتهتف بعدم تصديق وهي تحاول الاعتدال في جلستها :-
" خالد ، أنت هنا ..."
ابتسم وهو يخبرها :-
" نعم أنا هنا ..."
سألته وعيناها تقابل عينيه :-
" متى عدت ..؟!"
أجاب يخبرها :-
" قبل قليل ..."
أضاف وكفه تلمس شعرها برقة :-
" لأجلك ..."
همست بصوت مبحوح :-
" عرفت بما حدث إذا ..."
أومأ برأسه وهو يخبرها :-
" نعم ، وأتيت لأعيدك معي ..."
قاطعته بسرعة :-
" لن أعود إلى ذلك المنزل يا خالد ... ليس بعدما حدث ..."
" لم يحدث أي شيء ..."
قالها بعقلانية لتهمس بصعوبة :-
" أنت ستتزوج ..."
نطق بسرعة نافيا مخاوفها :-
" لن يحدث ... "
" والدك خطب ريم ..."
قاطعها بجدية :-
" تحدثت مع ريم وشرحت لها كل شيء ..."
لمعت عينيها بغيرة فشلت في السيطرة عليها وهي تهمس بغضب مكتوم :-
" تحدثت معها ...."
ابتسم مرغما قبل أن يضيف :-
" نعم ، أخبرتها إنني لا أفكر بالزواج مجددا ... لا منها ولا من غيرها ..."
تأملته بصمت وقد استفاقت من فورة مشاعرها اللحظية وتذكرت قرارها ...
نطقت مرغمة :-
" ولكنني لا أريد ذلك ..."
هتف متعجبا :-
" مالذي لا تريدنه ..؟!"
تحركت بجسدها قليلا نحو الجانب الآخر من السرير قبل أن تنزل من عليه وتتحرك نحو النافذة تتطلع إلى الخارج بينما يتابعها خالد بحيرة وقلق حتى قالت أخيرا :-
" لنتحدث بعقلانية يا خالد .. بعيدا عن العواطف ..."
اعتدل في جلسته يهتف بجدية :-
" حسنا ، لنتحدث يا سلمى ..."
استدارت نحوه تهمس بثبات مصطنع :-
" نسبة انجابي مستقبلا لا تتعدى العشرة بالمئة وحتى لو حدث فغالبا سيحدث بعد أعوام طويلة ..."
تجهمت ملامحه بينما هو يعرف بكل هذا ويدركه لتضيف بنفس الثبات :-
" أنا الآن في الخامسة والعشرين من عمري ... وأنت في الخامسة والثلاثين ... السنوات تمر دون فائدة ... حتى الآن العلاج لا يحدث أي تقدم ولو بسيط ... ربما يتغير شيء مستقبلا ولكن هذا ليس مضمون .. مجرد كلام أطباء يمنحوننا آملًا بسيطا وهم يؤكدون علينا إن حدوث هذا ربما يستغرق عشرة أعوام أو حتى عشرين .. "
ارتسمت ابتسامة يائسة على شفتيها تضيف :-
" هل سنبقى متأملين أن يحدث حمل بعد عشرة أعوام أو عشرين
وهذا كله أساسا مجرد احتماليات ليس إلا ...؟!"
" مالذي تريدين قوله يا سلمى ...؟!"
تسائل خالد بحيرة متجاهلا حسرته بما يسمعه لتهمس بجدية :-
" أنا لا يرضيني هذا يا خالد ... أنت تستحق أن تصبح أبا ..."
نظر لها بوجوم عندما أضافت بجدية :-
" تزوج يا خالد ... لا داعي أن تنتظر أكثر .. العمر يمر ... لا تضيع سنوات أخرى في انتظار شيء لن يحدث ... فأنا لن أكون أم ... أبدا..."
***
لم يستوعب ما تتفوه به ...
هل جنت ..؟!
إنها المرة الأولى التي تخبره شيء كهذا ...
طوال سنوات زواجهما لم تفعلها ...
لم تطلب منه أن يتزوج ...
بل لم تتطرق لهذا الموضوع أبدا...
" مالذي تقولينه يا سلمى ...؟!"
قالها بعدم تصديق عندما تقدمت نحوه بسرعة تجلس قباله تحتضن وجهه بين كفيها تهمس برجاء :-
" حبيبي اسمعني اولا .. أنا أريد مصلحتك ... "
" هل كلام والدي آثر بك إلى هذا الحد لدرجة أن تطلبي مني الزواج مجددا ..؟!"
ارتكبت ملامحها قبل أن تقول بسرعة :-
" أبدا والله ... أنا كنت أفكر بذلك منذ مدة ..."
" لا يمكنني تصديق هذا ..."
هتفت بسرعة :-
" صدقني يا خالد.."
تنهدت ثم قالت :-
" اسمعني اولًا من فضلك ..."
أضافت بنبرة رقيقة مترجية :-
" اسمعني اولا يا خالد ...."
تنهد مرغما ثم قال :-
" أسمعك ..."
قالت بسرعة :-
" أنت تستحق أن تحصل على طفل ... لا يمكن أن تبقى هكذا .. ووالدك أيضا من حقه أن يرى أحفاده ...."
تأملت عدم الرضا الواضح على ملامحه فأضافت مهادنة :-
" صدقني هكذا أفضل ..."
" وأنت ..؟! هل ستقبلين بذلك ببساطة أم ستطلبين الانفصال..؟!"
تسائل عن قصد لتقول بسرعة وارتباك :-
" بالطبع لا ... لن انفصل .."
" غريب .... كيف رضيت بهذا ..؟! تحدثي يا سلمى ... مالذي تغير ..؟! وكيف آثر والدي بك لهذه الدرجة ..؟!"
سألها بغضب بدأ يندفع في أوردته عندما قالت بسرعة :-
" أقسم لك إن الأمر لا دخل له بوالدك ... إنه قراري أنا ... قرار اتخذت بعد تفكير طويل .. أنت حتى لم تستمع لبقية حديثي ..."
هتف بنفاذ صبر :-
" وما هو بقية حديثك ان شاءالله ..؟!"
نطقت بتردد :-
" ستتزوج يا خالد ... كي تحصل على طفل يرثك ولكن ..."
توقفت لوهلة قبل أن تهتف بحسم بقرارها الذي اتخذته بعد تفكير طويل :-
" لكنك لن تتزوج من ريم ... ستتزوج من آخرى .. آخرى أنا سأختارها ... هذا شرطي الوحيد ... ولن أتنازل عنه .."
يتبع