رواية حان الوصال الفصل الرابع 4 بقلم أمل نصر
– تمشي تروحي فين ؟ انتي عارفة الساعة كام د لوقتي
تطلعت اليه ببعض الارتباك والتشتت تجيبه بسجيتها :
– عادي يعني , هشوف اي وسيلة مواصلات نقل عام واركب فيها , مش مشكلة.
ضاقت عينيه باستنكار :
هي ايه اللي مش مشكلة ؟ الساعة دلوقتي داخلة على اتناشر.
_ يانهار اسود.
هتفت بها بعفوية اثارت تسليته, لتلقي بنظرها نحو شاشة هاتفها الرديء فتاكدت لتلطم بكفها على وجنتها مرددة بجزع:
– انا خدني الوقت ومحسيتش بنفسي مع الهانم , هي دادة نبوية مجتش ليه ؟ دي كانت مواعداني هتيجي احداشر بالكتير , ازاي قدرت تعمل فيا المقلب ده.
تحدث بابتسامة لم يخفيها رغم ادعاءه الرزانة امامها:
الدادة كلت حلو مع الجماعة قرايب بنتها , وللأسف داخت وتعبت من مجهود العزومة , هي بلغتني انها مش هتقدر تيجي النهاردة , لأنها حاولت تتصل بيكي بس للأسف تليفونك كان بيرن معاها عالفاضي.
اطرقت رأسها بشرود , وخرج صوتها ببحة مزجت مابين الخوف والحزن :
– ربنا يشفيها يارب , خلاص بقى انا همشي دلوقتي وهبقى اتصل بيها اما اروح اطمن عليها , عن اذنك يافندم.
قالتها , وماهمت بأن تتحرك حتى أجفلها بنبرته الحازمة:
بقولك ماينفعش تخرجي دلوقتي الساعة داخلة على اتناشر انتي بتفهمي ازاي؟
برقت عينيها فجأة برفض وغضب لانفعاله الغير مبرر, لتكبت بصعوبة داخلها عدم الرد بشيء لايعجبه, حتى لو اضطرت لخسران وظيفتها ,هذا شيء قد اعتادت عليه:
– حضرتك متشغلش نفسك, انا بعرف اتصرف كويس اوي.
لاحت على جانب فمه ابتسامة لم تفهمها ,ليرد ببرود وعيناه تلاحق تفاصيلها بجرأة تثير الأستفزاز.
– ماشي يابهجة , انا عارف انك سبع رجالة في بعض , لكن برضو انا ما يخلصنيش, ومستعد اوصلك بنفسي.
– لأ.
خرجت منها سريعا وبدون تردد , لتثير اندهاشه أكثر بفعلها:
– قصدي يعني اني مش عايزة ازعجك يا فندم , لأني عارفة طريقي كويس وبعرف اتصرف، عن اذنك والف شكر على زوقك.
قالتها ثم التفت على الفور , متخذة طريقها نحو الخروج, لاتعطي له بالا ,ليفتر فاهه من خلفها مفتوحا بذهول, ثم يتحول لابتسامة متسعة, فيتناول هاتفه, ثم يتصل على احد الاشخاص:
– ايوة يا علي , اسمعني كويس.
❈-❈-❈
بخطوات ثابتة خرجت من المنزل الضخم، متخذة طريقها نحو الباب الحديدي ثم الشارع ، ولتلقى بعد ذلك حظها فى البحث عن وسيلة تقلها، رغم الرعب الذي يتغلغل داخلها في العودة الى منزلها في هذه الساعة المتأخرة من المساء، وهواجس تدور برأسها حول نوعية البشر المضطرة أن ترافقهم حتى تصل الى وجهتها، لتتضرع داخلها، وتناجي الله القوة.
الاَن وقد خرجت من محيط المنزل والحراس التي تحاوطه، تجول عيناها بالشارع الفسيح، وقد خلى من السيارات والمارة الا قليلًا،
تجسر نفسها في السير نحو وجهتها وقد اصبحت وحيدة لا تملك الا ايمانها في مواجهة المخاطر.
– عديها على خير يارب.
صارت تتمتم بها ومجموعة من الادعية والايات الحافظة، حتى تفاجأت باضاءة قوية لإحدى السيارات تأتي في مواجهتها، لتضطر هي للأفساح لمرورها، وكانت المفاجأة حينما اكتشفت هوية السائق، والذي تعرفه من توصيله الدائم للدادة نبوية ، ليطل برأسه وشعره الابيض بابتسامة مشاكسة يخاطبها:
– جايلك قلب ترجعي لوحدك في نص الليالي يا بهجة.
ضحكت باضطراب تهدئ من ضربات قلبها المتسارعة، في ردها للرجل العجوز:
– عم علي… خضتني حرام عليك، افتكرتك واحد غريب وبتعاكس.
– بصراحة انا لو غريب، وشوفت واحدة حلوة كدة في الشارع، لازم اعاكسها .
قالها العم علي بمشاكسة لتسهم بنظرها اليه، حتى جعلته يضحك بملىء فمه، ليتابع بمرح:
– انتي لسة هتنحي؟ ياللا تعالي يا بت اركبي معايا اوصلك في طريقي.
ترددت باعتراض:
– ماا بلاش يا عم علي، العربية مش بتاعتك .
هتف بها حازما دون يختفي منه المرح:
– بلا بتاعتي بلا بتاعة غيري، رياض باشا اساسًا هو اللي أمرني.
– رياض باشا هو اللي أمرك؟
تمتمت بها بعدم تصديق، ليأمرها هو :
– انتي لسة هتسألي؟ اخلصي يا بهجة خليني انا كمان ارجع بيتنا واريح انام، يلا…..
اضطرت تحت إلحاحه ان تزعن لتنضم معه في الكرسي الخلفي بارتباك منها، حتى جعله يعلق بمرح:
– يعني كدة بقيت انا السواق بتاعك، والله تستاهليها.
وختم ضاحكًا، ليظل مستمرًا بأحاديثه معها، كي يخفف من توترها، حتى وصل بها الى مدخل الحارة وقد كان في انتظارهم شقيقها، بعدما اتصلت به وابلغته بعودتها.
❈-❈-❈
– هااا اطمنت على حبيبة القلب انها رجعت.
تهكمت اسراء بالكلمات نحو زوجها الذي انتفض متحفزًا فور رؤيته لطيف غريمتها على مدخل الحارة، بصحبة شقيقها الذي هبط عزيمته في الخروج واستقبالها موبخًا تأخرها حتى هذا الوقت.
وتأتي الاَن زوجته لتزيد عليه وقد فهمت ما يدور برأسه:
– راجعة مع اخوها، يعني ملكش حجة تتعرضلها.
حدجها بنظرة نارية لم تأبه بها لتتابع بعدم اكتراث:
– قوم يا اخويا قوم، نام في فرشتك احسن وافتكر ان وراك شغل في الوكالة، بدل ما انت مضيع وقتك في الفكر ع اللي راح، والحزن ع الاطلال.
زمجر غاضبًا يكاد ان يفتك بها:
– يا بنت ال…. غوري يا اسراء، بدل ما اخليها عشيتك الليلادي انا مش ناقصك.
بابتسامة شامتة علقت وهي تغادر من امامه:
– لا وعلى ايه؟ انت حر.
قالتها واختفت من أمامه، ليعلق في اثرها:
– فرحانة فيا يا بت الجزمة، ماشي.
ادار رأسه للناحية الأخرى مغمغمًا بتوعد نحو المتمردة ابنة عمه:
– وانت كمان يا بهجة، برضو حسابك عسير عشان تبطلي تروحي وتيجي على كيفك.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
استيقظت بهجة على اتصال هاتفي برقم غريب ، لترد بصوت ناعس مستفسرة:
– الوو…. مين معايا.
– انا يا بهجة.
وصلها الصوت الرجالي ذو البحة المميزة، لتنتفض بجزعها، تفتح اجفانها على وسعهم، فتبتلع ريقها مرددة بارتباك:
– انت مين يا فندم ؟
للمرة الثانية تسأله بعدم تركيز، وهو يجاهد الحفاظ على جديته:
– انا رياض الحكيم يا بهجة.
حينما ظلت على صمتها وقد اصابتها الصدمة بالخرس، تابع بتسلية:
– شكلك كدة صاحية من النوم ومش مركزة، ع العموم انا هبعتلك عم علي يجي ياخدك بالعربية، تحلي محل الدادة النهاردة لانها تعبانة.
– دادة مين؟
تساءلت بها وكأن عقلها لم يعد يعمل، ليتابع بصبر ليس من شيمه، شارحًا لها وقد اصبح الامر يروقه:
– قولتلك دادة نبوية اللي تعبانة، انا خارج دلوقتي ورايح على شغلي، الهانم متتسابش لوحدها، واياكي تسهي عنها.
قالها وانهي المكالمة على الفور ، لتتطلع هي لفترة من الوقت بشاشة الهاتف، لتتدارك متسائلة بجزع:
– نهار اسود، طب وشغلي في المصنع، مين اللي هيشيله؟ انا اتصل بنبوية دلوقتي ولا الريسة صباح، دا ايه الربكة دي يا ربي على اول الصبح.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر،
حيث كانت بين زهورها ، تمر عليهم بدلو الماء لتسقيهم وتراعيهم، وصوت المذياع يصدح بأغاني الزمن الجميل، ليتفق مع مزاجها الرائق وهي تردد خلفهم بما تحفظه، حتى اجفلها صوت الشجار المعتاد في هذا الوقت .
– اتلمي يا لينا واتقي شري على اول الصبح، بدل ما اطلعهم عليكي، انا مش شايف قدامي اساسًا دلوقتى.
– وان ما اتلميتش يا امين هتعمل ايه؟ انا بقى مشتاقة اشوفهم، اللي انت عايز تطلعهم دول.
توقفت مجيدة عما تفعل لتغمغم بعدم فهم، لهذان المعتوهان:
– نهار اسود، هو ايه اللي يطلعهم وهي عايزة تشوفهم؟ هي العيال دي مخها ضرب ولا ايه؟
تحركت على الفور خارجة من الشرفة اليهم، لتجد ابنها يهدد بقبضته نحو هذه المجنونة:
– يا بنتي اتاخري عني وبلاش تستفزيني، قلم واحد بس مني هيطيرلك صف ضروسك كلهم.
– تخصرت امامه بتحدي:
– طب وريني هتطيرلي صف اسناني ازاي يا امين ، انا قدامك اهو .
– يا لهوي عليا.
تمتمت بها مجيدة قبل ان تصل اليهما، وتقف حاجز بين ابنها وزوجته، والتي صارت تزيحها بخفة لتبتعد للخلف.
– اخزي الشيطان يا حبيبي وابعد عنها كدة، دي حامل واحنا مش ناقصين.
تلقف قولها ليصيح بغضبه:
– ما هو دا اوس المشكلة يا ماما، الهانم بقولها تريح شوية عشان العيل وهي مفيش فايدة، قاعدة تتنطط من هنا لهنا زي فرقع لوز لما هتشلني.
وقبل ان تتفوه مجيدة بكلمة، سبقتها الأخرى:
– يا سيدي وانا اشتكلتك، ما انا فل وعال العال اهو.
قاطعتها مجيدة تكبر بتحذير:
– يا بنتي الله اكبر، متفوليش على نفسك يا منيلة.
– عشان تشوفي يس يا ماما، المورستان اللي انا عايش فيه، اهي كل كلامها كدة، لما هتطير برج من نفوخي.
ربتت مجيدة على كتف ابنها لتجذب الأخرى والتي كانت تزفر بضيق، تضمها اليها ، كي تلطف مع الاثنان:
– بعد الشر على نفوخك يا حبيبي، وانتي يا بنتي ربنا يحفظك، هو برضو خايف عليكي اعذريه، روح يا امين على شغلك وانا هتفاهم معاها.
اومأ لها بطاعة وفور ان هم بالتحرك، عاد اليه الجنون مرة اخرى عقب قولها:
– بس انا ورايا شغل يا طنط مينفعش اتأخر.
– اهي يا ماما، عشان تشوفي بنفسك دماغها، دي مينفعش معاها التفاهم ابدا.
تدخل شقيقه والذي كان خارجًا من غرفته يسند زوجته بخطوات متمهلة بطيئة من اجلها:
– مالكم على اول الصبح كدة ازعجتونا وقلقتوا نومنا يا بعدة ، الواحد ميعرفش بقى يريح في بيته منكم.
– يا حبيبي انت يا رايق، سامحنا يا اخويا لو ازعجناك .
عقب بها امين متمهكا بحنق ، ليثير ابتسامة متلاعبة على ثغر اخيه،
– حقكم تصالحونا بقى؟
قالها ليزيد من استفزاز اخيه الذي ارتفع طرف شفته بغيظ له، ليتدارك بعد ذلك حينما وجد زوجته تهرول بلهفة نحو صديقتها:
– شهودة يا قلبي، عاملة ايه النهاردة انتي والبيبي؟
لانت ملامحه، متأثرًا بعاطفة الاخوة التي تجمع بين الاثنتان، ليخاطب هو الاخر زوجة اخيه بتعاطف:
– اخبار رجلك ايه النهاردة يا شهد؟ لساها برضوا بتوجعك؟
اومأت متمتمة له بالحمد ليضيف زوجها بتأنيب ينبع من خوفه:
– ما هي طبعا لسة مخفتش، عشان الحركة عليها، انا عارفها مبتثبتش مكانها، ربنا يستر ع الجنين .
دافعت عن نفسها بكلل وتعب:
– يا حسن انا طول اليوم نايمة على سريري، مش خطوة ولا خطوتين هما اللي هيزيدو تعب الرجل ، ولا هيسقطوا الجنين؟
– تمام يا شهد، انا قاعدلك النهاردة من الشغل خالص، اما اشوفهم خطوتين ولا اكتر.
اشاحت برأسها عنه، والتوى فمها بطريقة اضحكت من انتبه مثل مجيدة وابنها الضابط امين والذي عقب بمرح:
– والله يا شهد انتي الله يكون في عونك.
التقت عينيه بفيروزتي زوجته ، ليتابع بكيد لها بادعاء يجيده، كي لا يضعف امامها:
– وعوني انا كمان معاكي ويصبرني على ما بلاني
❈-❈-❈
سارت تخرج من الحارة مسرعة، وقد غيرت طريقها المعتاد ، وتعجلت عن ميعادها الصباحي، كي تلحق بالسيارة التي اتفقت مع سائقها عبر الهاتف ان يبتعد بقدر الامكان عن منطقتها، وقد تأكدت من الدادة نبوية بحقيقة مرضها بالفعل، كما اخبرتها بالتفصيل عن موقف الامس، وترددها بالذهاب بعدما رأها بهذه الصورة الغير لائقة امامه، حينما كانت تمسح الارضية ببيجامة النصف كم وشعرها الذي ظهر جميعه بغفلة منها ، ولكن المرأة هونت الأمر عليها، بل وسفهت منه، حتى اقنعتها ان الأمر لا يستحق التفكير من الأساس،
وبدورها هي اتصلت بصباح كي تغطي عليها ، حتى لا يحتسب عليها يوم غياب في عملها بالمصنع.
أبصرت عن قرب العم علي، وقد وجد احد الاكشاك، ليجلس مع صاحبه في انتظارها، يتحدث ويتباسط مع الغريب كعادته، ليتها تملك نصف مزاجه الرائق دائمًا.
حينما انتبه اليها ، تبسم لها بتحية ثم ترك كوب الشاي من يده، ذاهبًا نحو محله خلف عجلة القيادة، لتدلف خلفه على الفور متمتمة بقلق:
– اتحرك بسرعة يا عم علي .
ليذعن الرجل مغادرا بها على الفور، رغم استغرابه من توترها.
وبعد لحظات قاربت الربع ساعة، خرجت من خلفها شقيقتها الصغرى لتذهب نحو مدرستها، ثم تقابل بابصارها ابن عمها سمير الذي توقف محله ف مدخل البناية، يطالعها بتساؤل اثار التسلية داخلها، لتسخر كعادتها:
– يا دي النهار الملزق لما يبتدي من اوله.
اصابته كلماتها بالغيظ الشديد حتى انه لم يصمت لها هذه المرة ، يدفعه الفضول ايضا في السؤال:
– بطلي قلة حيا يا عائشة واصطبحي ع الصبح.
رفرت اهدابها بتمثيل لتردد باستخفاف:
– افندم حضرتك انت بتكلمني انا؟
– امال بكلم خيالي.
هتف بها ليقترت متسائلًا:
– اختك مخرجتش ليه معاكي النهاردة؟ هي تعبانة؟
هذه المرة صارت تضرب كفا بالاخر تحدث نفسها بتجاهل له:
– لا اله إلا الله، انا قولت من البداية انه يوم ملزق.
همت ان تتخطاه غير مبالية، ليوقفها ناهرًا وكأنه قد اصيب بالجنون:
– لما حد كبير يكلمك ردي، وبلاش قلة ادب ولا تلقيح بالكلام، اختك ايه اللي أخرها لقريب الساعة واحدة بالليل امبارح؟
وكأنه ضغط على زر الاشتعال، لتفرغ به طاقة الغضب التي تحملها منه ومن اسرته:
– اولا اختي ملكش حق تسأل عليها، ثانيا بقى انا مؤدبة غصب عن اي حد ، ولو مش مؤدبة برضو ملكش دعوة.
لسانها الحاد كسياط تجلد من أمامها، ولكنه ابدا لن يصمت لها:
– بقى دي اخلاق بنات محترمة؟ بترودي على ابن عمك الكبير وتقلي أدبك عليه.
تكورت وجنتيها بضيق طفولي تزفر في وجهه بحنق، ثم تهم ان تقرعه بما يستحقه، ولكن اوقفها مجيء شقيقه الأصغر، ينقذه من براثنها:
– ايه في ايه؟ صوتكم جايب لاخر الشارع ؟ ايه اللي حصل يا عائشة؟
ردت رافعة له حاجبها:
– اسأل اخوك الكبير المحترم، اللي بيتعرض لواحدة قد عياله، وبعدها يتهمني اني بقل ادبي، طب انا ماشية ورايحة مدرستي دلوقتي، واياك الاقيه بيوجهلي اي كلام تاني .
قالتها وتحركت ترفع حقيبتها مغادرة امام صدمة الاثنان، ليردد سمير في اثرها بعدم تصديق:
– بقى انا بتعرضلها وهي قد عيالي؟ ليكون فاكرة نفسها طفلة حقيقي، دي عجوز شمطاء
.
– وحد قالك تقف في وش القطر، اتحمل بقى لسانها اللي زي المرزبة .
تفوه بها سامر ضاحكا، يصعد الدرج لمنزله، قبل ان يتوقف على قول شقيقه؛
– انا كنت بسألها على اختها الكبيرة، الهانم راجعة امبارح على واحدة بالليل، والنهارده مظهرتش خالص.
ارتفع حاجب الاخر بريبة مرددًا:
– واحدة بالليل! ليه يعني؟
❈-❈-❈
حينما توقف بها العم علي داخل محيط المنزل الضخم، ترجلت منها سريعًا والهاتف على اذنها، تتحدث مع الدادة نبوية لتنفذ التعليمات المطلوبة في مجالسة الهانم الكبرى،
كان هو في طريق خروجه نحو عمله لتتشبث قدميه بالأرض فور رؤيتها، حتى مر طيفها يتخطاه، فيصل لأسماعه تحيتها على عجالة:
– صباح الخير يا باشا، ايوة يا دادة انا معاكي
اكملت محادثتها تسرع بخطواتها وكأنها فعلت ما عليها والان تريد الهروب منه، ليتوقف محله ناظرا في اثرها حتى دلفت لداخل المنزل واختفت بداخله .
ثم يعود لصوابه شاعرا بشيء ما غير مفهوم ، ان كان ارتياحًا لمجيئها بديلا في الوقت المناسب لرعاية والدته في وقت مرض المرأة التي تتحملها ، ام هو لمحة من انتعاش سرت داخله برؤيه البريق الاخضر رغم حديثها المقتضب السريع، ثم هذا الشيء المختلف بها، رغم ارتدائها هذا الثوب الرديء ، لكنه لا يليق بها ابدا.
❈-❈-❈
ربتت سميرة على كتف ابنها وهو يتناول الطعام بنهم، اثناء جلستها معه في موعد الزيارة الاسبوعيه، تخاطبه بتعاطف، وعدم احتمال لما وصل اليه.
– كل يا حبيبي وبر نفسك، انا جيبالك اكل كتير اشكال والوان، دا غير الفلوس اللي حطيتها في الامانات ، مش عايزاك تحتاج حاجة خالص يا ابني،
رد ابراهيم يلوك الطعام بفمه:
– انا عايز اخرج ياما، هو دا اللي انا محتاجه، مش شوية الاكل والشرب داخل سجن من اربع حيطان.
مصمصت بأسى وحنق يغمرها:
– ويعني انا هعمل ايه اكتر من كدة يا حبيبي؟ المحامي بياخد شيء وشويات وابوك على قد ما بيعارضني، لكنه في الاخر بينخ ويديني اللي عايزاه عشانك، لكن بقى اللي معقد الدنيا هي شهادة الشهود، خالتك اترجتها كذا مرة، لكن المزغودة امنيه راكبة راسها، نست اللي كان ما بينكم، وباعت بطول دراعها ، بعد ما اتخطبت لحضرة الظابط، الهي ما توعى تفرح.
كلمات الحقد التي تتفوه بها، كانت تزيد من صب الوقود واشعال النيران بصدر ابنها الناقم من الأساس:
– اه ياما متفكرنيش، بت ال……. اللي كانت زي الخاتم في صباعي، لعبة احركها من ايدي دي، لإيدي دي، خلاص كبرت وشافت نفسها.
زفر بحريق من داخله مع دخان السيجارة التي اصبح ينفث بها غليله، بعد ترك الطعام:
– اموت واعرف بس الظابط دا ايه اللي عجبه فيها؟ عادية واقل من العادية كمان، دا غير انها غبية، مفيهاش غير بس جسمها………
توقف وقد لاحت بعد اللقطات القديمة في مخزن والده، وما كان يفعله بخسة معها ، ليمسح بظفر ابهامه على ذقنه النابتة بتفكير:
– يكونش دا اللي عجبه فيها هو كمان؟
تبسم بغليل مغمغمًا:
– ماشي يا امنية، والله ما هاسيبك.
❈-❈-❈
اثناء مطالعته للملفات ، وتوقيعه على الاوراق المطلوبة، وهي تحدق اليه بوله كعادتها، كي تفتح معه اي حديث عادي، تخرج من اطار الرسمية التي يحبسها بها:
– ماما فرحت اوي لما حكتلها عن انجاز الشركة والتوقيع اللي حصل امبارح مع مسؤلي الماركة العالمية للأزياء، مش قادرة اقولك كان ناقص بس تزغرط.
رفع رأسه بشبه ابتسامة خفيفة كرد لها، ليقول ببرود لا يناسب لهفتها قبل ان يعود لما يفعل:
– ربنا يبارك فيها، سلميلي عليها
تمتمت بإحباط اصبح يلازمها من افعاله:
– يوصل ان شاءالله، رغم انها هتموت وتشوفك بنفسها، ترغي وتتكلم معاك.
اوما يرضيها بمجاملة:
– ان شاء الله، اكيد هشوفها في اي مناسبة للعيلة.
بادلته هي الأخرى بابتسامة باهتة، لتتناول منه عدد الملفات ، وقبل ان تلتف أوقفها بقوله:
– صحيح يا لورا، متنسيش تتصلي بالدادة نبوية وتعرفي ايه حالتها عشان تبعتيلها دكتور كويس، اصلها تعبانة جدا على حسب ما سمعت .
تساءلت بتوجس:
– وطنط نجوان مين مراعيها دلوقتي.
– بهجة .
توسعت عينيها بمفاجأة وهو يخبرها عن مجيئها اليوم منذ بداية الصباح بناءًا على طلبه، لتعقب بتشتت وغيط:
– ازاي حضرتك؟ وانا شايفة اسمها في دفتر الحضور للعاملات قبل ما اجي، دي اكيد صباح بتغطي عليها بقى، انا هطين عيشتها.
صدحت منه فجأة ضحكة مجلجلة نادرة، كادت ان تطيح بها، ليقول بمرح:
– طب والله جدعة وعملت اللي انا غفلت عنه، اسمعي يا لورا، احسبي كل الايام اللي هتقضيها بهجة في الشفت زيادة محل الدادة نبوية وجمعيهم في مكافأة لها، دا غير طبعا الايام اللي هتغيبها هنا متتحسبش غياب.
برقت عينيها باعتراض لم تخفيه:
– وافرض استهبلت ولا وزودت فيها، دي عمرها ما هتبقى زي دادة امينة، انا اصلا بدور على واحدة زي دادة عشان نستبدلها في أي وقت.
ترك كل شيء وارتكزت عينيه عليها برد هاديء وحازم:
– وماله يا لورا دوري ولو لقيتي زي الدادة جيبيها برضوا تساعد معاهم….. مش نستبدل..
بقوله الحاسم أنهى كل سبل الجدال معه، لتنصرف من امامه، تغمغم داخلها بكل عبارات الحنق والندم على توظيف هذه الفتاة بمنزله.
❈-❈-❈
– رايحة فين يا سنيورة؟
توجهت درية بالسؤال نحو ابنتها التي خرجت من غرفتها تتمايل بخطواتها المتبخترة، وقد تزينت بمبالغة كعادتها، وارتدت افخر الملابس من خزانتها واضيقها ايضا، كي تبرز المنحنيات والتفاصيل اللافتة بها.
فجاء جوابها من بين تلويك علكتها :
– يعني هكون رايحة فين بس ياما؟ هو انا ليا مين غير بيت اخويا، اهو ازوره وبالمرة اطمن على عمتي المسكينة التعبانة.
– عند شادي.
تمتمت بها درية، لتضيف بعدم رضا:
– احنا مش قولنا نبطل الروحة والجاية على هناك، مدام خطب وكل واحد راح لنصيبه، يبقى نشوف احنا نصيبنا بقى؟
قالتها بمغزى فهمت عليه ابنتها ، لتقارعها برفض:
– وطبعا قصدك بالكلام ده، الواد ربيع ابن عم خيري صاحب ابويا، بقى الاشكال الضالة دي تتسمى نصيب ياما، انا عايزة واحد ببدلة ملو هدومة، مش العيل الشارب ده.
في رد مباغت، مصمصمت درية بشفتيها ترد بسخرية:
– اه يا ختي حقك ما انتي واخدة البكالوريا ولا الاسنس اللي بيقولوا عليه…… فوقي يا روح امك دا انتي شهادة دبلوم صنايع وخدتيها بالغش كمان، يبقى ايه لزوم العنطزة بقى؟
دبدت قدميها على الارض بغيظ وعيناها التفت نحو المطبخ، لتعود اليها هامسة بتحذير:
– ما توطي صوتك بقى ياما، وخلي بالك احنا مش لوحدنا في البيت .
قالت الأخيرة بإشارة نحو زوجة اخيها التي كانت تعد الطعام داخله، ولا تدري بأنها كانت تضحك الان بصوت مكتوم، وقد وصلها الحديث،
اما عن درية فقد امتقع وجهها بحنق، والأخرى تلح عليها:
– سبيني امشي بقى ياما، انا مبعملش حاجة غلط، واحدة ورايحة بيت اخوها وتطمن على عمتها، فيها ايه دي بقى؟
❈-❈-❈
عودة لبهحة التي مازالت تقنع نجوان وتحاول ترضيتها، بعدما استيقظت ولم تجد نبوية التي اعتادت على مجالستها صباحًا ومعظم الوقت:
– يا ست عبريني، يعني لا عايزة تقومي تفطري ولا تغسلي وشك حتى ، هتفضلي لازقة طول اليوم ممدة في السرير.
ظلت على حالها، لا تنطق الا كلمة واحدة:
– نبوية.
تنهدت بهجة داخلها، تناجي الصبر، لتستمر في مهادنتها:
– ما قولتلك كزا مرة انها تعبانة ، هي لو تقدر برضوا هتسيبك ومتجيش.
اشاحت بوجهها للناحية الاخرى ، برسالة واضحة برفضها، لتغمض عينيها بيأس لمدة من الوقت ، حتى رفعت رأسها فجأة تعبر عما خطر برأسها، وهي تراقبها:
– شعرك اصفر وزي الحرير ، سبحان الله، حتى وانتي قايمة من النوم ومنعكش حوالين وشك برضوا مخليكي قمر.
يبدو ان كلماتها قد أتت بأثرها، وقد التفت لها تنتظر المزيد، ف الانثى حتى لو كانت بنصف عقل سوف تستجيب للغزل ،
فتبمست بهجة متابعة بإعجاب:
– انتي عارفة بقى ، انا كان نفسي يطلع شعري اصفر زيك كدة، يعني عشان يليق على لون عيوني، حكم احنا وارثين العيون الملونة دي من امي، انا والواد ايهاب خدنا اللون الاخضر الصافي، اما البت جنات خدت العسلي والمزغودة عائشة اخر العنقود فدي خدت الزتوني، عشان تغيظنا كلنا بروعته.
ظلت نجوان على وضعها وقد وضح جليًا ان الحديث قد اعجبها ، ليخرج صوتها اخيرا:
– انتي حلوة .
– تاني .
صدرت بمرح من بهجة لتتابع باتساع ابتسامتها:
– والله وانتي اللي قمر، ياما نفسي اوصل لسنك كدة وابقى في نص جمالك.
استجابت نجوان وبفعل طفولي اصبحت تهز اكتافها بزهو، لتردف بهجة بتمني:
– يا سلام ع الروقان والجمال يا ناس لما تبقي هادية، اه لو تبقى هادية ورايقة كدة على طول…… بقولك ايه؟ هو انا ينفع اسرح شعرك الحلو ده.،
سمعت منها لتذهب عيناها نحو الفرشاة الملقاة القريبة منهم، لتوميء بعيناها بموافقة، جعلت بهجة تقفز من محلها بحماس:
– حالا هسرحلك واعملك احلى تسريحة.
❈-❈-❈
دفع باب الغرفة ليدلف اليها بخطوات مسرعة ، ليبطأها فجأة مع انتباهه لحالة الاخر، حينما وقعت عينيه عليه،
يتحدث في الهاتف بابتسامة حالمة، يهتز بكرسيه برواق، حتى انه حاول ان ينهض كي يؤدي التحية العسكرية اليه، ولكن امين اوقفه ملوحًا بكف يده.
ليجلس مقابله يسند بمرفقه على سطح المكتب ، مريحًا وجنته على قبضة يده، يتأمله بوجه عابس جعل الاخر يخفي بصعوبة ابتسامته، قبل ان ينهي المكالمة بصوته الهامس، ليعلق امين؛
– يا خويا يا نحنوح، بتحب في تليفون الشغل يا حضرة الظابط.
دافع عصام ضاحكًا:
– الله يا فندم، هو انا بكلم حد غريب؟ دي زوجتي المستقبلية اللي كاتب كتابي عليها.
– اممم
زام بفمه متصنعُا الضيق:
– اه يا خويا فرحان اوي، هما يومين عسل وبعدها تشبع نكد.
اكمل عصام بضحكاته:
– ومالوا يا فندم، ندوق العسل وبعدها يجي النكد براحتوا، يعني احنا هنروح منه فيه.
– يا حبيبي.
تمتم بها بمصمصة من شفتيه، ليردف:
– كنا كدة في حماسك، بس يلا بقى، هو شر لابد منه وخلاص .
– برضوا شر.
– اه شر عندك مانع.
– لا يا فندم وانا اقدر.
– ايوة كدة اتعدل.
قالها امين وصدحت ضحكاتهم، بحديثهم الودي، قبل ان ينخرطوا في العمل والمناقشة حول الامور الهامة بينهم.
❈-❈-❈
قامت لها بتمشيط الشعر الحريري، حتى اعجبها، وصارت تتأمله امام المرأة، لتستجيب لها بعد ذلك وتتقبل الطعام منها، ثم تتناول العلاج دون اعتراض، ليدخل بعض الارتياح قلب بهجة، ولكن ذلك لم يمنعها من الحذر.
فقد تعلمت الا تعطيها ابدا الامان ، مضى نصف اليوم معها، حتى تفاجأت بالخادمة تخبرها:
– رياض باشا طالب يشوفك يا بهجة في اوضة مكتبه.
قطبت بعدم استيعاب:
– رياض باشا عايزني ليه؟ وهو من امتى اصلا بييجي في النهار؟
جاء رد الخادمة بعملية:
– رياض باشا مستنيكي يا بهجة، اتفضلي وانا هقعد مع الهانم اراعيها لحد ما ترجعي.
ابتلعت ريقها بتوتر:
– ودا كمان عايزني في ايه؟ جيب العواقب سليمة يارب.
❈-❈-❈
خرجا الاثنان من المصعد، ويدها مازالت محجوزة في قبضته، تأرجحها بمرح وكأنها طفلة صغيرة تتدلل عليه، وهو يتقبل منها رغم غيظه في بعض الاوقات حينما تزيد عليه.
ولكنه لم يعرف معنى السعادة الا على يدها، وقد اصبح ملازمًا لها ، في الذهاب الى العمل وفي العودة منه، وفي العمل نفسه .
تقارب يحدث بين شخصيتين مختلفتين في كل شيء ولكن الله يوحد القلوب بدون اسباب .
– هتصل بيكي النهاردة بالليل، اياكي تنامي لاطلعه عليكي بكرة في الشغل.
اهدته ابتسامتها الساحرة تشاكسه:
– والله انت وبختك، حصلتني وانا صاحية فل، انما لو روحت في النوم، انسى، حتى لو هتشغلني تاني يوم اشغال شاجة…. اه
قطعت متأوهة حينما ضغط على كفها:
– ردي وقولي حاضر وبس يا صبا، من غير ما تلفي وتدوري معايا، غلبتيني معاكي.
قهقهت بمرح مرددة:
– حاضر يا عم، بس خف يدك دي، لا يطلعلك ابو ليلة وهو اللي يرد عليك.
– والله، يعني انتي بتهدديني بابوكي.
تمتم بها ليكمل بالضغط على كفها :
– طب خليه يطلع دلوقتي وانا اعملها وضع حميمي عشان يلمنا نتجوز بالمرة، انا اساسًا بتلكك.
وكان ردها الضحك المتواصل، تزيده هياما بها، حتى اجفلهما صوت الباب الذي فتح فجأة لتطل عليهم من مدخله :
– الله، انت واقف هنا يا شادي، مش تدخل عشان تطمن والدتك برجوعك،
التفت إليها سائلا بفزع:
– مالها والدتي يا سامية؟ وانتي هنا من امتي.
ردت ببساطة:
– انا جيت اطل عليها واشوفها لو عايزة حاجة، لقيتها زعلانة وكل شوية تسأل انت رجعت ولا لأ.
افلت كف صبا، ليتحرك على الفور إليها بقلق:
– لا يبقى انا لازم اشوفها واطمن عليها بنفسى.
دلف بخطواته المسرعة الى منزله بالداخل، لتظل سامية بوقفتها على مدخل المنزل، تطالع صبا بابتسامة صفراء، قبل ان تصفق الباب فجأة بوجهها، لتعلق هي في اثرها:
– يا بت ال….. ماشي يا سامية الزفت.
❈-❈-❈
كانت تقف خلف باب مكتبه، تفرك كفيها بتوتر يكاد ان يوقف قلبها، لقد ظنت ان الأمر قد مر على خير، وقد نسى هو بانقضاء الليل او كما أخبرتها الدادة نبوية انها هي من تهول الأمر ولا شيء مما يدور برأسها قد يحدث.
أمجنون هو كي يترك كل النساء اللاتي يعرفهن وينتبه لها؟
إذن لماذا طلبها؟ ولماذا هو هنا اليوم من الأساس؟ هذه ليست عاداته كما تعلم.
ابتعلت تحاول تنظيم انفاسها وتهدئة ضربات قلبها التي كانت تدوي بتسارع من الخوف، لتجسر نفسها وتطرق بقبضتها على باب الغرفة ، ليصلها الصوت القوي على الفور:
– أدخل.
اغمضت عينيها تعيد تدريب النفس مرة أخرى، تتمتم بالأدعية تاركة حمولها على الله، لتدفع الباب وتلج اليه في الداخل، فتلقي اليه بالتحية:
– مساء الخير يا فندم، حضرتك طلبتني.
كان جالسًا خلف مكتبه يطالع احدى ملفاته، ليرفع عيناه إليها، فيخلع عنهما نظارة القراءة، ثم يتأملها بسفور وكأنه يستعيد صورتها بالأمس ويقارنها بهيئتها الاَن، بصمت مريب زاد من قلق المسكينة، قبل ان يرد برتابة:
– مساء الفل يا بهجة، انا فعلا طلبتك….. عشان اشوفك.
قال الاخيرة ضاغطًا بنبرة لم تريحها لتطرق برأسها، مسلمة امرها للمولى قائلة:
– تمام يا فندم، اللي تؤمر بيه حضرتك.
سمع منها وفجأة وجدته ينهض من خلف مكتبه، ثم يقترب بخطواته منها ، حتى وقف مقابلها يجفف الدماء بعروقها بقربه، وهذه النظرة المتمعنة بملامحها الجميلة بحق، وخضار عيناها المبهرة بصفاءها وتميزها، ثم يجيب بهدوءه:
– كنت عايز اعرف منك يا بهجة، هي لورا اتفقت معاكي تقبضك كام على شغلك هنا؟
قطبت بعدم فهم لمغزى السؤال، لتقلبها سريعًا برأسها، ثم تأتي بالظن الاسرع لذهنها الاَن:
– بتسأل على مرتبي ليه يا فندم؟ انت ناوي تديني بقية حسابي وتمشيني؟
تبسم ساخرا ليجلس على طرف مكتبه قائلًا:
– وانا لو عايز امشيكي اتصل بيكي بنفسي عشان تيجي الصبح يا بهجة ، ولا انتي عدم التركيز لساه مستمر معاكي من ساعة الاتصال .
اطرقت بحرج دون ان تنبت ببنت شفاه، لتمتقع ملامحها من سخريته التي لم تتقبلها، حتى فهم هو ليستطرد بنبرة آسفة لم تخلو من إعجاب:
– انا مش قصدي اسخر ولا استهزأ، دا كان مجرد هزار.
– تمام يا فندم، وانا مقولتش حاجة، عادي يعني.
– لا مش عادي يا بهجة عشان شكلك زعلتي فعلا
ردد بها يكتنفه المزيد من التسلية في مشاكستها، وهذا الاعتزاز الذي يلمسه في نبرتها ، غير ابهة بصفته، في اصرار منها لوضع الحدود، هذه الفتاة تستحق التأمل والدراسة.
تنهد يعود لموقعه خلف المكتب ، ليتحدث بجدية:
– شوفي يا ستي انا كنت بسأل عشان ازود على شغلك شفت، عشان تخففي اكتر عن دادة نبوية، الست كبرت ومعدتش تتحمل زي الاول، وطبعا اجرك هيبقى اضعاف .
– طب وشغلي في المصنع.
– عادي ممكن تنسقي وممكن نلغيه خالص ونخلي اللي هنا هو الاساسي.
– لا طبعا اللي هناك عليه تأمين ، انما هنا مؤقت.
خرجت منها سريعًا حتى اجبرته على الابتسام مرددًا :
– ما انا ممكن اعملك للي هنا تأمين برضو ؟
هذه المرة ردت برفض لم تخفيه:
– مش موضوع تأمين، انا مش حاطة في خطتي اساسا اني استمر جليسة.
توقف فجأة مضيقا عينيه بتفكير:
– بهجة هو انتي دارسة لحد ايه بالظبط؟
يتبع….