رواية جحيم العابرين الفصل الثالث 3 بقلم اسامة مسلم
أخبرها بأنه خلال سيره في الطريق المظلم لمح رجلاً يشير له بالتوقف وكان من الواضح أنه يبحث عمن يقله وأنه من المسافرين الذين يعتمدون على التنقل من سيارة لأخرى حتى يصلوا لوجهتهم لكنه وبعكس (يمني) لا يثق بأي أحد غريب مهما حدث خاصة في أماكن مقطوعة كهذه لذا تجاهله واستمر بالسير وتجاوزه لكنه تفاجأ وبعد مسافة قصيرة بالرجل نفسه يقف على جانب الطريق يشير له بالطريقة نفسها ولوهلة ظن أنه شخص مختلف لكنه تحقق من أنه الرجل ذاته من ملابسه وملامحه المميزة.
اقشعر جسم (عاصم) مما رآه وزاد من سرعته أكثر ليتجاوزه لكن الصدمة الحقيقية أتت بعد سيره مسافة أقصر من السابق لأنه شاهد الرجل مجدداً لكنه هذه المرة لم يكن يشير له بل بقي يحدق به وكأنه يعرف أن (عاصم) لن يتوقف له وهذا ما حدث بالفعل.
وصل (عاصم) أخيراً للمحطة التي خلت من أي زبائن أو أحد المشرفين على مضخات الوقود فقد كانت تعمل بطريقة ذاتها باستخدام البطاقات الائتمانية الذكية فترجل من سيارته وبدأ بكبس الأزرار لتحديد كمية الليترات التي يريد ضخها في سيارته وخلال قيامه بذلك لمح مشهداً أثار فزعه رأى الرجل الذي تجاوزه عدة مرات على قارعة الطريق يخرج من بين الأشجار وراء المحطة ويسير نحوه على عجالة تحولت في لحظة خاطفة الهرولة خفيفة و عيناه تلمعان شراً مما دفعه لترك كل ما كان يقوم به والعودة لسيارته التي لحسن حظه لا تزال مدارة وانطلق مسرعاً من المكان دون أن يتزود بالوقود .
+
(يمني) بوجه متعجب ومتسائل : وبعدها نفد منك الوقود حين وجدتك ؟
+
(عاصم) : نعم بالضبط وكنت مرعوباً وقتها من احتمالية أن يجدني و انا في انتضار المساعدة
+
(يمنى) : هل تظن أنه هو الذي سرق سيارتك؟
+
(عاصم) : لا أعرف لكني أذكر ملامح وجهه تماماً وسوف أصفه للشرطة حين أبلغ عن سرقة السيارة
+
(يمنى) : وماذا ستفعل بعد أن تبلغ الشرطة؟ .. هل ستعود لمدينتك أم ستكمل رحلتك ؟
+
(عاصم) : سأرى ما سيحدث وقتها .. لا تقلقي لن أطلب منك إيصالي لمكان أبعد
+
(يمني) باسمة : لم أقصد ذلك لكن يستحسن ألا تفعل فقد تأخرت بالفعل عن موعد الوصول لوجهتي
+
(عاصم) مديراً نظره نحوها : لم أنت ذاهبة لمدينة ((الرفوع)) إذا لم يكن في سؤالي تطفل؟
+
(يمنى) : سؤالك بالفعل فيه تطفل ولن أجيب
3
(عاصم) موجهاً نظره أمامه : حسناً كما تشائين
+
توقف الاثنان عند المحطة وترجلا من السيارة وكانت الساعة وقتها قد تجاوزت الثالثة صباحاً وعلى عكس ما توقعا كانت المحطة مغلقة وأنوارها مطفأة بالكامل. حتى مركز البقالة الذي يعمل على مدار الساعة أغلق والبائع غير موجود ولا أثر له في الجوار.
+
(عاصم) : أمر غريب ..
+
(يمنى) متفحصة باب البقالة : والأغرب أن الباب لا يزال مفتوح و الأنوار مطفأة فقط
+
(عاصم) : هل ندخل؟
+
(يمني) محدقة بالباب : لا أعرف ..
+
(عاصم) : سنستخدم الهاتف فقط ونخرج على الفور
+
(يمني) دافعة الدرفة بكفها بحذر : حسناً هيا بسرعة
دخلا لوسط مبنى البقالة وبدأ بالبحث بالرغم من ظلمة المكان لكنها لم يجدا أي هاتف ثابت يمكنهما استخدامه وبعد ما فقدا الأمل قال (عاصم) :
"هيا لنخرج قبل أن يلحظ أحد وجودنا ونتهم باقتحام المكان لسرقته.."
+
(يمنى) : لنأخذ بعض الحاجيات قبل أن نرحل كي لا نجوع في الطريق
+
(عاصم) : هذا ليس وقته .. هيا لنخرج
+
(يمنى) واضعة كفوفها على خاصرتها وبنبرة متهكمة : وهل ستطعمني أنت عندما أجوع !
+
سحب (عاصم) كيساً بلاستيكيا بعصبية وبدأ يملؤه ببعض الحلويات والشطائر الجاهزة من على الرفوف فقالت له : ماذا تفعل؟
+
(عاصم) وهو مستمر بملء الكيس بالمواد الغذائية وبعصبية : "ماذا تظنين أني فاعل ؟! .. أتزود بالطعام لسد شراهتك!"
+
(يمنى) : لكنك وضعت شطائر لحم في الكيس .. أنا لا أكل اللحوم
+
(عاصم) متجهاً رابطاً الكيس بعد ما عباه عن آخره وينيرة متهكمة : للأسف لا يوجد عندهم شطائر سمك !
+
(يمنى) : ولا أريد سمكاً .. أنا نباتية
+
(عاصم) : لا تأكليها إذاً .. سأتناولها أنا
+
(يمني) : كيف تأكل مثل هذه الأشياء
+
(عاصم) : ما بها .. هل هي كالتدخين تثير غثيانك أيضاً
+
(يمنى) : بل أسوا .. أنا لم أصبح نباتية إلا بعد ما عرفت كيف تصنع تلك الأشياء
+
(عاصم) : اللحوم طبيعية وليست مصنعة
+
(يمنى) : كل طعام معلب فهو مُصنّع .. وعلى كل حال لقد أقلعت عن تناول جميع اللحوم وبكل أشكالها
+
(عاصم) بتذمر : هل حقاً تريدين خوض هذا النقاش الآن؟!
+
(يمنى) : لا أريد خوض أي نقاش مع مدخن آكل للحوم الميتة مثلك
+
(عاصم) : أفضل .. هيا لنخرج لقد أضعنا ما يكفي من الوقت!
+
(يمني) واضعة كفيها على بطنها : أحتاج أن أستخدم الحمام
10
(عاصم) بصوت غاضب مكبوت : وهل هذا وقته؟!
+
(يمني) متوجعة : لا أستطيع الانتظار أكثر !
+
(عاصم) زافراً : حسناً .. سنبحث في الخارج عن دورة مياه
+
(يمنى) مشيرة جانباً بسبابتها وهي تتلوى : "يوجد حمام خاص هنا .. لن أتأخر أعدك!"
+
(عاصم) مطلًا للخارج من خلال زجاج الباب : حسناً! .. أسرعي !
جرت (یمنی) نحو دورة المياه ودخلتها وأغلقت الباب خلفها تاركة (عاصم) واقفا عند مدخل مركز البقالة من الداخل يراقب سيارتهما و المنطقة المحيطة بها بتوجس ...
بعد عدة دقائق صرخت (يمنى) عندما سمعت طرقات قوية و متلاحقة على باب دورة المياه تبعها صوت (عاصم) المرتفع والمتوتر : "هيا ! .. يجب أن نرحل في الحال!"
+
(يمني) من داخل دورة المياه : لكني لم أنته بعد!
+
(عاصم) بعصبية : اخرجي وإلا كسرت الباب!
+
استعجلت (يمنى) ما كانت تقوم به وفتحت الباب بوجه غاضب ونبرة ساخطة :
"ما بك؟! .. هل جننت؟!"
لم يجب (عاصم) عليها بل قبض معصمها وشدها بقوة بعد ما رمى كيس المواد الغذائية وجرى بها خروجاً من البقالة ولم يحرر يدها إلا عند السيارة وهو يصرخ فيها :
"اركبي وأديري المحرك في الحال!"
نفذت (يمني) طلبه وهي مشوشة ولم تجادله وانطلقت مسرعة من المكان بينما كان (عاصم) ينظر للخلف بقلق شديد.
(يمني) ضاربة على المقود بقبضتها بحنق : هل ستخبرني الآن ما الذي يحدث ؟!
+
(عاصم) بجبين متعرق وأعين مركزة على الطريق خلفها : لقد رأيته ...
4
(يمنى) بخليط من التساؤل والتجهم : رأيت من؟!
+
(عاصم) معتدلاً في جلسته ناظراً أمامه :
"الرجل .. الرجل الذي كان يطاردني .. لمحته يتجول عند المضخات يتفحص سيارتنا قبل أن يعود للغابة من حيث أتى ..."
+
(يمني) زافرة : ألا ترى أنك تبالغ بعض الشيء بردة فعلك هذه؟
+
(عاصم) مستنكراً : ماذا تقصدين بـ "أبالغ" ؟ .. ألم تسمعي ما أخبرتك به سابقاً؟
+
(يمنى) بدون حماس : بلى .. لكن .. الرجل فعلياً لم يتعرض لك حتى الآن
+
(عاصم) بعصبية : وهل سأنتظر حتى يتعرض لي بسوء كي تقتنعي ؟!
+
(يمنى) : هدئ من روعك أنا أحاول مناقشتك بالمنطق لا أكثر
+
(عاصم) بغضب : منطقك معطوب!
2
(يمنى) : منطقي هو الذي أقنعني بإعطائك فرصة ومساعدتك وإلا لكنت لا تزال على قارعة الطريق المظلم تحدق بشاشة هاتفك
+
(عاصم) متأففاً بتذمر : ليتك تركتني بدل أن أسمع هذا الكلام الفارغ
+
(يمني) بهدوء : ما بك الآن؟ .. لم كل هذا الغضب؟
+
(عاصم) : كلامك ! .. كلامك الغريب! .. وكأنك ستقومين بشيء مختلف لو كنت مكاني
+
(يمنى) : بالطبع كنت سأتصرف بطريقة مختلفة بدل الهرب كالدجاجة
+
(عاصم) : هل تلمحين إلى أنك أشجع مني ؟
+
( یمنی) : نعم لا جدال في ذلك
صمت (عاصم) دقيقة كاملة محدقاً بها وهي تقود السيارة بوجه واثق ولم يعلق على حديثها وأسند ظهره للمقعد عابساً ...
(يمنى) مستأنفة كلامها وعيناها على الطريق المظلم أمامها :
"جميعنا نتعرض لمواقف مشابهة في حياتنا وطريقة تصرفنا وتعاملنا معها هي التي تحدد إلام ستؤول الأمور .. أحياناً خيالنا يوهمنا بما هو غير حقيقي ونبالغ بتلك الخيالات لدرجة الوهم ...
+
(عاصم) متجهاً عاقداً ذراعيه وحاجبيه قائلاً بتهكم :
"وهل طاردك رجل غريب يستطيع قطع مسافات طويلة في زمن قياسي من قبل؟"
+
(يمنى) : مممم في الحقيقة لا لكني تعرضت لموقف مشابه ولم يكن تصرفي مثل ما فعلت للتو
+
(عاصم) باهتمام : حقاً؟ .. ما هو؟
+
(يمني) : لا أعرف إن كان يجدر بي أن أحكي لك .
+
(عاصم) : الطريق طويل كما تقولين وقد أصبح أطول الآن
+
(يمنى) : ماذا تقصد؟
+
(عاصم) : سوف أرافقك إلى أقرب مدينة نمر بها وهذا لن يحدث قبل حلول الصباح .. أم أنك تنوين التخلص مني؟
+
(يمني) مبتسمة : لا لن أفعل ذلك .. حسناً سأخبرك
+
أخذت (يمني) نفساً عميقاً زفرته وحكت حكايتها ..