رواية قد شغفها حبا الفصل الثالث 3 بقلم سمر خالد
الفصل الثالث :
أما في غرفة عبير أخت عماد كانت تقبض على هاتفها و تتحدث بقلق بصوت منخفض حتى لا يسمعها عماد!
- يا عصام أنا مش عارفة ليه لحد دلوقتى عماد بيأجل رده عليك..مع انِ قولتله ان انا موافقة من زمان و هو مش ايه بالضبط إلي في دماغه.
- بصي يا عبير أنا دخلت البيت ملفتش ولا دورت..لكن واضح ان أخوكِ أنا مش داخل دماغه و رافض الموضوع،أو منمر ليكي علي حد معين.
- بس أنا عاوزاك أنت..مستحيل أوافق على حد غيرك يا عصام.
- و أنا شاريكي و أهو مستني أخوكي..أنا بس مستني نتخطب و هتشوفي الدلع هخرجك و أجبلك كل إلي تتمنيه، هوريكي الدنيا إلى مشوفتهاش أبداً.
قالها عصام بخبث و انتصار، فتلك الغافلة اصبحت كالخاتم في اصبعه..لكن بقى أمر اخيها يزعجه و يأخر ترتيباته.
في تلك الأثناء كانت عبير تطفو فوق غيمة وردية من الأمنيات و الأحلام التى تحيكها و بطلها عصام ذلك الشاب الذي تعشقه.
لتتنهد بهيام ثم تردف : امتى بقى عماد يرد عليك و نتخطب و نبقى سوا قدام الناس بدون خوف وقلق..أنا هحاول افتح الموضوع معاه و افهم منه ايه إلى مأخره كل ده.
عصام بإنتصار: ياريت يا حبيبتي لاني خلاص مش قادر اصبر على الخطوبة و أشوف دبلتي في ايدك، علشان كل الناس تعرف انك بتاعتي أنا وبس و محدش يستجرا يبصلك.
+
كانت عبير في عالم أخر هائمة في كلمات عصام التي تلمس قلبها و تدغدغ انوثتها، مجرد فتاة صغيرة سلمت مشاعرها لأول شخص طرق باب قلبها،لم تفكر كثيراً بل انساقت خلف عاطفتها!
+
في شقة أنيقة في حي راقي نسبياً..
يجلس ذلك الشاب داخل غرفته على فراشه..يتأمل صورة على هاتفه لفتاة كانت الدنيا كلها بالنسبة له، لكن دنيته هو تخلى عنها بإرادته..القى جميع الأحلام المشتركة بينهم خلفه و سار بمفرده في طريق غريب عنه بدنيا مختلفة أكثر ملائمة به لكن قلبه مازال هناك عند حبيبة عمره!
لينقل نظره من هاتفه لتلك الغايفة جواره على الفراش بهدوء و راحة تحسد عليهما.
زوجته اختيار والديه له..التي من أجلها نكس بوعده لرقية حبيبته، أول خفقة أحتلت قلبه ولم يخفق بعدها لأخرى!
يتذكر أخر مقابلة بينهما..
رقية تجلس بحزن شديد و قلب مفطور تحاول كبح عبراتها من الهطول لتردف بصوت مخنوق خرج بصعوبة
+
- هتسبني و تسافر يا عمر!..تبعد عني بسهولة كدة! طيب أنا هعمل ايه من غيرك؟
- رقية أنا مخترتش اسيبك بإرادتي..انتي عارفة قد ايه حاولت اقنع والدي و والدتي يوافقه على جوازنا و هما رافضين تماماً بسبب إلى سمعوه عن والدتك..أنا عارف ان مالكيش ذنب بس ايه الحل؟..بابا سبتله المستشفى بتاعته و روحت اشتغلت تبع الحكومة، قبضي ميفتحش بيت ولا يخليني اتجوز.
رقية ببكاء: أنا ماليش ذنب فى حياة امي..أنا عارفة انها غلط بس ماليش حد في الدنيا غيرها، و إذا كان على الشغل أنا هساعدك و أشتغل جنب دراستي المهم نكون سوا.
عمر بأمل : رقية..أنا هسافر سنة واحدة بس هشتغل برا و أرجع أتجوزك و أخدك معايا بعيد عن البلد دي بحالها..المهم انتِ تستنيني، أنا لو رجعت و عرفت انك بقيتي لغيري ممكن يحصلي حاجة..أوعديني يا رقية تستنيني.
رقية : عمري ما هتجوز غيرك..أوعدك هستناك يا عمر، انت كمان اوعدني متتأخرش عليا و ترجعلي.
عمر بحب :أوعدك يا رقية عمر ما عيني هتشوف غيرك، و هرجعلك..انتِ و بس إلي في قلبي.
+
سافر عمر بدل السنة ثلاث سنوات، تاركاً رقية تنتظره و تتمناه، فترة تتلمس له الأعذار و فترة تغضب و تثور بتحريض من قلبها الذي اشتاقه..لكن عمر لم يتحمل إلحاح والديه على زواجه من ابنة عمه( رودينا) بالإضافة لمرض والدته الذي جعله بين نارين..فمن جهة رقية حبيبته و وعده لها و من جهة أخرى والديه و مرض والدته، كما أن رودينا أكثر ملائمة لحياته، فطموحه أن يكون طبيب مشهور ذو صيت و سمعة والدة رقية يمكن أن تسبب له الإحراج!
ليلقي وعده أرضاً و يدهسه و يمضي في حياته، دون أن يحرر تلك المقيضة بوعده لسنوات تنتظره.
+
يعود عمر بذاكرته للحاضر..لزوجته رودينا التي لم تبخل عليه بمشاعرها و اهتمامها، و هو يقابل عطائها بمثله تقريباً..لكن هناك جزء ناقص في المعادلة الذي اختارها، فقلبه مازال يصرخ بإسم رقية طالباً للحياة نعم هو لا يحب رودينا، لكن ذلك لم يمنعه من الإعتراف انه سعيد معها!
فهي إمرأة جميلة مثقفة من نفس مستواه.. ترضي والداه و ترضيه على المستوى العام.
لكنه لن يرضى تماماً و لن تكتمل حياته و قلبه معلق بحبه القديم ووعده لرقية..فهو يجب أن يحل المسائل العالقة قريباً!
+
في منزل رقية...
كانت تجلس بجوار والدتها من جهة ووالدة قاسم بالجهة الأخرى، لا تتحدث فقط تنظر ليديها المتشابكتان أمامها..و شعور قوي كأنها خارج جسدها تنظر للجميع من بعيد و لا تعي ما يحدث حولها و ما يقال، كأنها ورقة شجر تتقاذفها الرياح كما تشاء!
تنتبه على يد منيرة الممسكة بيدها كأنها شعرت بحاجتها للمؤازرة في تلك اللحظة!
لتتشبث بيدها تستمد منها بعض الإطمئنان، ثم ترفع عيناها تنظر للجميع كأنها تراهم لأول مرة!
لكن عيناها تستقر على قاسم تتأمله بتفحص، تريد سبر غوره و الغوص داخله لتفهم منه لماذا هي بالذات؟..و لماذا انتظر كل ذلك الوقت و استمر بالمحاولة لأجلها؟
فهو شاب وسيم نوعاً ما، لكن يبدو علي ملامحه انه رجل مكافح عارك الحياة حتى أخذ ما أراد منها.
يعمل في وظيفة حكومية بسيطة صباحاً..و لديه عمله الخاص الذي كونه بشقاه..كما انه كان الرجل بعد وفاة والده و تحمل ثلاث نساء على عاتقه..زوج اختيه، و يرعى والدته المريضة!
ما هذا الرجل مما صنع؟ فهو فخر لأي أسرة يصاهرها! إلا انه اختارها هي..برغم معرفته بوالدتها و بها لكنه اختارها و انتظرها!
لتخفض نظرها و هي تتذكر انها منذ قامت بصلاة الإستخارة و هي تشعر بقبول و ارتياح تام لذلك الرجل الذي يستحق أكثر من ذلك بكثير.
تنتبه رقية على صوت والدتها و هي تردف: ايه رأيك يا رقية يا بنتي في كلام قاسم؟
تقطب رقية و تنظر لوالدتها بتسأل، ليجيبها قاسم المنتبه لشرودها و تأملها و كل ما يدور داخلها الان.
قاسم بإبتسامة : كنت بقترح أننا نكتب الكتاب كمان مع الخطوبة لاني مش بعترف بخطوبة بدون عقد..ايه رأيك يا دكتورة؟
تنظر له رقية بتفكير ثم تردف: مفيش مانع.. بيتهيألي كدة أفضل.
تبتسم فاتن : أنا بس كنت حبة تكتبوا الكتاب زي بنات اليومين دول في القاعة و تبقى الفرحة فرحتين..بس مادام ده رأيكم انتو الاتنين يبقى برحتكم، الخطوبة و كتب الكتاب مع بعض كمان اسبوعين.
تربت منيرة على قدم رقية تنظر لها بإستفهام.. فهي لم تعي لمعظم الحديث!
لتلتفت رقية نحوها و تبدأ تخبرها بما اتفقوا ببطء حتى تتمكن منيرة من فهم رقية..و عندما انتهت رقية من الكلام قابلتها ابتسامة كبيرة من منيرة و سعادة تشي بها عينها، لترد رقية الإبتسامة بأخرى راضية.
كل ذلك حدث أمام الجميع الذين يتأملون تفاهم رقية و منيرة برضى إلا شخص واحد كان ينظر بهيام و عشق جارف يكبر و يتضخم في قلبه، حتى تسرب لدمه لانفاسه لكل جزء منه.
+
بعد اسبوعين كانت حفلة خطوبة و عقد قران رقية و قاسم في منزل الأولى..كانت رقية ترتدي فستان هادئ باللون الكريمي بفصوص ذهبية تزينه و حجابها يتوج جمالها الملائكي الجذاب.
أما قاسم فكان بأبهة حلته في بذلة أنيقة باللون الأزرق الغامق و أسفلها قميص أبيض يكمل أناقته.
+
كانا قاسم و رقية يجلسان على أريكا واحدة و الجميع يلتف من حولهم ينظرون لهم بإعجاب و فرحة، و فجأة تصدح أصوات الذغاريد أعلى ثم تصيح فاتن بسعادة :المأذون وصل يا عريس.. تعالى يلا هو مستني مع صحابك في الأوضة التانية.
ينظر قاسم لرقية بسعادة و عيناه ترسل لها حبه و سعادته بها.. لتقابله رقية بإبتسامة متوترة قليلاً.
ليقف قاسم ثم يلتفت و ينحني بالقرب من أذن رقية يهمس لها بصوت يحمل دفئ و حنان : مش هتندمي أبداً صدقيني!
+
قالها قاسم و رحل قبل أن تستوعب رقية مغذى تلك الجملة.. فهي لن تندم على استئناف حياتها، و كل ما يشغل تفكيرها الان هو كيف تشفي قلبها العليل بعد ما حدث ليصبح صحيح بدون خدوش ولا ندوب، لتستحق هذا الرجل!
+
بعد لحظات ولج للغرفة قاسم بنفسه يحمل دفتر المأذون ليأخذ توقيعها على العقد.
يتأملها قاسم وهي تضع اسمها فوق ميثاق اتحادهم ثم تبصم بإبهامها.. ليخفق قلبه أسرع و أسرع و قد أصبحت زوجته رسمياً، صار اسمها مقترن به.. زوجها و قريباً جداً ستبادله حباً يعادل حبه لها و هذا وعده لها.
+
بعد انتهاء حفلة عقد قرانهم البسيطة، اصطحبها قاسم و خرجا معاً..و بعد قليل كانا يقفان أمام شاطئ البحر معاً لا يتكلمان فقط يتأملا الأمواج و هي تأتي تحمل في طياتها كل الألم و الشقاء و تذهب بها بعيداً.
+
تشعر رقية بمشاعرها ثائرة مختلطة، فهي الأن متزوجة من رجل هي متأكدة انه يحبها...سبحان مقلب القلوب، هناك قلب يخفق لأجلها وحدها فعل المستحيل ليحصل عليها و قد كانت في النهاية له بالحلال.. لم يسلك يوماً طريق جانبي بل صبر و احترم قرارها و بعد كل هذا ذلك القلب الخائن يأبى الخضوع له!
قلب أعمى لا يرى ارتعاشة قلبه في حضورها ولا يسمع صدى خفقاته بقلبه..فهو بالنهاية قلب مدفون داخل صدورنا لم يرى قسوة الحبيب و نكسانه بالوعد...ليستلم العقل من الأن زمام الأمور و قد اختار هذا الرجل.
+
تنتفض رقية على شئ بارد يلامس عنقها من أسفل حجابها!
تخفض رأسها و ترى ذلك السلسال الفضي المتدلي على صدرها و قاسم يقوم بغلق القفل من الخلف، ترفع يدها تلمس بها تلك الدلاية المميزة التي تحمل جملة هي تعرفها جيداً( الله خير حافظًا)!!
تنقل عيناها بين السلسال و قاسم بإندهاش و حيرة.. لتلتقط أذنها كلماته الرقيقة الأفضل من كل كلمات الحب التي يتغنى بها العاشقون.
قاسم بحب : دي بقى علشان ربنا يحفظك ليا من كل شر، أنا عارف أنك تستاهلي الدهب والماس و دي فضة.. على قدي، بس صدقيني قيمتها عندي كبيرة اوي كفاية انها حولين رقبتك دلوقتي.
تنظر له رقية بحيرة قليلاً ثم تردف : أنت ازاي كدة؟..السلسلة عجبتني جداً، أوعدك عمري ما هخلعها أبداً.
قالت تلك الكلمات بأنفاس منقطعة من فورن مشاعرها المتناقضة، فما يحدث كثير جداً على قلبها الذي يحاول التعافي.
يبتسم لها قاسم و عيناه تتأملها بحب مختلط بسعادته حتى تلتقي عيناهما و يبقى الاثنين يبعثا رسائل صامتة تحملها العيون .