رواية ابنة الراعي الفصل الثالث 3 والاخير
( الثالث و الأخير)_________________
في أحد الأيام وصل الخبر أن عم برهان الدين دبر مكيدة للسلطان النعمان وخلعه عن العرش وسجنه في أحد القلاع البعيدة وأثقل كاهل الرعية بالضرائب وجاع الناس فأصبحوا يصيدون الحيوانات كل يوم ليأكلوا ويحتطبون لبيع الحطب والارتزاق منه ولم يعد أحد يفكر في الغابة ولا في القوانين
أجابه برهان الدين: لأ أنصحك بذلك فإن علم عمي فسيأتي إليهم و يعذبهم ليعرف من أين حصلوا عليها وعندئذ سيحرق كل شيئ ليجد مكانها
تعجب القوم من رجاحة عقله و قالوا له: بماذا تنصحنا ؟ أجاب :هناك حل واحد ننقذ أبي ونعيده إلى الحكم قبل أن يستفحل الأمر إن وثقتم بي فسأجمع رجالي المخلصين
ونتسلل إلى القلعة القديمة ونخرجه من سجنه أما قمر الزّمان فمهمتها أن تحشد جيشها من مخلوقات الغابة والإنس الذين يعيشون حولنا
قال ميسرة : لم يحدث أبدا أن غادرنا الغابة
أجاب الأمير :إن لم نفعل ذلك ستكون نهايتنا فأعداد متزايدة من الفقراء والمعدمين سيأتون إلى هنا ولن يبقى منها شيئ
قال ميسرة بحزن : معك حق فزمان اليوم ليس كأمس وحان الوقت لكي نحارب من أجل حياتنا وبقائنا سنرسل إلى كل المخلوقات لكي تتجمع وتنسى خلافاتها
لكن يبقى أصعب شيئ هو إقناع الحوريات اللواتي لا يعشن إلا على الأشجار بالمجيئ معنا قال برهان الدين :ستتكفل قمر الزمان بهذا الأمر فهي منهم أما الآن فسأذهب وموعدنا بعد عشرة أيام أمام أسوار المدينة أرجو أن يسير كل شيئ كما خططنا له .
مر يومين والأغوال والأقزام يتجمعون ويستعدون للحرب وجاءت الأنباء أن أهل القرى المحيطة بالغابة سينضمون إليهم وسمعت قرى أخرى بالخبر وجاءت في فرسانها ومقاتليها ،
ولم يبق إلا الحوريات اللواتي لم يجبن الدعوة رغم إلحاح قمر الزمان قالت لميسرة: عندما سنزحف سيعظم جيشنا فالكثير من الفلاحين ناقمون على عم برهان الدين لظلمه
أجاب ميسرة: أسمع عن المدينة وأعرف أن أسوارها قوية فكيف سنقتحمها ؟
قالت الملكة: للسلطان النعمان أنصار كثيرون داخل المدينة ونأمل أن يحصل تمرد في الداخل عندما يسمعون بقدومه ، وإلا سيطول الحصار وهذا ليس في صالحنا فلا يمكننا العيش طويلا خارج الغابة سندعو الله أن يوفّقنا في هذه الغزوة !!!
سمع الأمير أن أعوان والده هربوا إلى المدن الحدودية الثلاثة التي بقيت موالية لأبيه ونتيجة لطبيعتها الوعرة لم يتمكّن عمّه من إخضاعها عندما وصل استقبله وزير أبيه
وقال له :لقد: يئسنا من رجوعك بعد أن بحث عنك رجالك في الغابة ،ولم يعثروا على أثرك وعندما سمعوا بالمكيدة جاءوا إلى هنا فعمك لاحق كل من له علاقة بأبيك النعمان ونكل بهم
قال برهان الدين للوزير: سآخذ عشرة من أهل الشّجاعة والنجدة وننقذ السّلطان أما أنت ستلحق بجيش مخلوقات الغابة المسحورة وعلى رأسهم الملكة قمر الزمان
دهش الوزير وقال : كيف ذلك هذه المرأة أسطورة ضحك الأمير وقال: إنها حقيقية وأكثر من ذلك هي إمرأتي أجاب الوزير وهو يحاول إخفاء تعجبه : نعم يا سيدي
سأجمع الجيش وأسبقك إلى المدينة وهناك أنتظر أوامرك فستقع المدينة في فكي كماشة ولن تصمد أمام قوتنا أجاب برهان الدين :لا تستهن بعمي فهو مشعوذ ولن أستغرب إذا إستحضر الجن لمساعدته في المعركة
ما إن إبتعدت قمر الزّمان مع جيشها من الأغوال والأقزام والإنس حتى رأو ا أشباحا يتبعونهم من بعيد
قال ميسرة : هناك من يقتفي أثرنا ويتستر بالأشجار
لكنهم نسوا قدرة الأغوال على شم رائحتهم سأفاجهم في الليل وأقبض عليهم وأعرف كل ما يعلمونه
أخذ الغول ثلاثة من أعوانه وتسللوا بخفة الفهود وعندما وصلوا وراء تلة صغيرة وجدوا رجلا نائما فاختطفوه وحملوه إلى الملكة التي كانت في انتظارهم أجلسوه على ركبته
وسألته :إذا أجبتنا عما نريد معرفته سأتركك تعيش وإن ماطلتنا سيشويك الأغوال حيا وأنت من ستختار مصيرك
لكن الرجل تماسك نفسه وقال: أنا صياد وأمركم لا يعنيني
أشعل ميسرة نارا كبيرة وأخذ سيخا من الحديد ثم اقترب منه خاف الرجل وقال: يمكننا دائما أن نتفاهم
صاحت قمر الزمان في وجهه : هيا قل ما عندك ولا تتعبني
قال الرجل : حسنا لقد أرسلني عم برهان الدين لكي أنقل إليه أخباركم هذا كل ما في الأمر والآن أتركني أذهب
سأله حسّون ملك الأقزام : لم تكن وحدك أين الباقون ؟
أجاب : أنا وحدي
قال ميسرة :لا تكذب لقد شممت رائحة رجلين آخرين لمّا جئت لأخذك وأعرف أن معهم نفطا فأين ذهبا ؟
عندما سمع الرجل ذلك عرف أن سرهم قد إنكشف
وأجاب :إنهم ذهبا لإحراق الغابة
قالت قمر الزمان : لو تأخرنا سيضيع كل شيئ ستنرك الأثقال والأسلحة هنا ونرجع بسرعة على أعقابنا هيا يا حسون و يا ميسرة ليس عندنا وقت
لما إقتربو ا من الغابة شاهدوا أعمدة الدخان تتصاعد وسمعوا صرخات الحوريات اللواتي علقن في الأشجار وأحاطت بهن النار جرى الجميع وبدأوا في إخماد الحريق ومن حسن حظهم أن الأمطار نزت البارحة وكانت النباتات مبللة بالماء
وبعد ساعتين بدأ الدخان يخف والنار تضعف ورأوا رجلين يحاولان الفرار لكن وثبت عليهم الحوريات ورموهما بجانب مستعمرة للنمل الأبيض وعندما شاهدوهم زحفوا إليهم
ودخلوا في آذانهم وأعينهم ثم خرجوا حاملين أدمغتهم أخفت قمر الزمان وجهها فلقد كان عقابا رهيبا ولم تمض سوى ساعة حتى أصبحا جلدا على عظم
بكت الحوريات على أمواتهن وقلن للملكة :نحمد الله أنكم رجعتم في الوقت المناسب وبفضلكم لم نفقد سوى عددا صغيرا منا لقد كنت على حق للذهاب إلى المعركة
وعندم إنتظار مجيئهم إلينا سنذهب معكم للانتقام وسنحمل معنا أغصانا وهكذا نحس دائما أننا بين أشجارنا
بعد أيام وصلوا قرب الأسوار فوجدوا أن أتباع النعمان قد سبقوهم إلى المدينة ونصبوا خيامهم
لكن برهان الدين لم يكن هناك سألت قمر الزمان عنه الوزير ناصر فقال لها : المفروض أن يكون هنا منذ أربعة أيام لا أعرف ما الذي أخره يجب أن نأخذ المدينة قبل أن يجمعوا جيشا كبيرا
قالت: لا بد أن أذهب إليه في القلعة القديمة فقد يكون في خطر سآخذ عددا من فرسانك فالأغوال ثقيلة الحركة وسيذهب معي حسون وأقزامه فهو شديد الخبث
ركضت الجياد طول النهار وفي الليل وصلوا إلى القلعة فوجدوها ساكنة لا حس فيها لقد كانت محصنة وفيها فتحات صغيرة في الأبراج لرمي السهام باستثناء ذلك كان كلّ شيء مغلقا وتكسوه قضبان الحديد
انزعجت قمر الزمان وقالت كيف سندخل؟
فكر حسون وقال :من فتحة السهام وقف قزم وصعد آخر فوق كتفيه ثم صعد آخر حتّى وصلوا إليها وأخيرا جاء دور حسون الذي تسلل منها ودلف إلى الداخل .
كان البرج مظلما فأضاء مشعلا وتقدم وسط الأروقة كانت آذان الأقزام كبيرة مثل القطط لكنه لم يكن يسمع شيئا وعندما نزل إلى السرداب كان هناك صوت مكتوم
فسار بإتجاهه وكان يزداد وضوحا قال في نفسه إنه يشبه ضربا على أحد الأبواب وكلما تقدم وضع علامة على الحائط
وفي النهاية وصل أمام باب خشبي محكم الإغلاق سمع أصواتا ضعيفة تتكلم ثم رد عليها صوت آخر وفي هذه اللحظة إبتسم القزم فقد كان صوت برهان الدين
لما فتح حسون الباب وجد الأمير وخمسة رجال ممددين على الأرض وقد لاح عليهم التعب الشديد فتح برهان الدين عينيه ببطء وقال هل هذا أنت يا حسون هل قمر الزمان بخير ثم أغمي عليه
أفاق الأمير ووجد إمرأته تحملق فيه فسألها لماذا تنظرين إلي هكذا
ردت كنت أعتقد أنك لن تستيقظ أبدا مضى عليك يومان وأنت نائم و كنت أعصر في فمك ندى الأزهار فلقد جف لسانك وأصبح مثل الحطب
ثم التفت حوله وقال أين رجالي ؟
أجابته: هم في نفس حالتك لكن سيعيشون لكن أخبرني مالذي حصل لك وأين أبوك ؟
تنهد برهان الدين وقال عمي أخبث مما أتصور كان يعرف أني سآتي لإنقاذ أبي وتضاهر الحرس أنهم في صفي وقادونا إلى زنزانة في سراديب القلعة وكان هناك رجل ملتفت إلى الحائط عليه ثياب أبي
وعندما دخلنا أغلقوا علينا الباب وقالوا : لن يأتي أحد لإنقاذكم فهذا المكان لا نعرفه سوى نحن وليس له آخر ومن يدخل هنا يضيع ولا يخرج أبدا
أحسسنا أننا كنا أغبياء فلقد كان الرجل دمية من القش أمضينا أربعة أيام دون طعام ولا ماء وكان الطقس حارا
كنت أعتقد أني سأموت والآن أخبريني ما الذي جرى معك ؟
قصت عليه حكاية حريق الغابة هز رأسه وقال : علينا الحذر من هذا الرجل فهو يجيد إستعمال عقله ولن ننتصر عليه إلا بالحيلة
قال القزم حسّون: أحسن حلّ هو أن نحفر أنفاقا ،ونتسلّل في الظلام للبحث عن أبيك السلطان ولو أنقذناه سينقسم جيش عمّك ،وفي هذه اللحظة سنفتح لكم الأبواب ،
يجب أن نسرع فلقد سيطر على كثير من البلدات ووضع فيه أعوانه ،ولا شكّ أنهم يتجمّعون الآن ،لقد أضعنا وقتا ثمينا لنعثر عليك وننقذك
بدأ الأقزام بالحفر وكان عددهم كبيرا لذلك حفروا بسرعة ولمّا أشرفوا على الوصولصاحوا وهربوا كانت أمامهم صفوف لا تنتهي من جنود الجن فلقد توقّع عمّ برهان الدّين أن تهاجمه قمر الزّمان ومخلوقاتها من الأنفاق
وإنتظر حتى عرف مكانهم، ثم حفر، ونزل إليهم قال حسّون للأمير : لا ينفع عددنا مع قوّة الجن والأغوال حجمها كبير ،لا تقدر على الدّخول هناك أمّا انتم فلا تصلحون للحرب في الظلام ولا الحوريات اللواتي يخفن من الأنفاق الضّيقة والمغاور
أحس برهان الدين باليأس الشّديد وجلس على صخرة ينظر إلى الأرض بشرود وفجأة رأى عنكبوتا تفاجأ فريسة أكبر منها وتطعنها بمخالبها حتى سرى فيها السّم وهمدت صاح بفرح: لقد عرفت كيف نهزم الجن، لقد كنت في غار العناكب
وشاهدت شراستها داخل الأنفاق. إسمع يا حسّون !!! عليك أن تحتال لأسر ملكتهم ،و يجّرها الأغوال إلى هنا بسرعة وسيتبعهم قومها لنجدتها .ولمّا تصل نطلقها داخل النّفق وهم يدخلون ورائها ولا يبقى سوى إنتظار المعركة بين العناكب والجن
ضحك ميسرة، وقال :فكرة مدهشة !!! لم تخطر على بالي ،ولو خرجت العناكب من الأنفاق ،لسقطت المدينة دون قتال ،ويهرب الجميع في كلّ إتجاه ،أجاب برهان الدّين : لا أريدها أن تهاجم السّكان ،لذلك يجب سدّ الأنفاق ،وحبسها هناك حتى نجد حلاّ لإرجاعها للغابة .
بعد ساعات سمع الأمير وقمر الزمان صوت خطوات ثقيلة تجري ،وبدأت الأرض تهتزّ، شاهدوا من بعيد ميسرة وأغوال آخرين يجرّون عنكبوتة ضخمة والعرق يتصبّب منهم ،ولمّا وصلوا إلى مدخل االأنفاق قطعوا قيودها ، فأسرعت بالدّخول، وبعد قليل لحقت بها مئات العناكب ،ودخلت وراءها وبعد دخولها كلها سدّ الأغوال المدخل بالصّخور
أمّا العناكب فواصلت الجري وراء ملكتها ،وتوغلت في الأنفاق بحثا عن مخرج ،وفي الأخير رأت الملكة ضوءا ،فقالت لهم : من هنا !!!
كان جنود الجن جالسين يرتاحون، وفجأة سمعوا أصوتا غريبة تشبه حفيف أوراق الأشجار صاحوا :ما الذي يحدث ،لا نعرف ما هذا الشيء ؟
وفجأة وثبت عليهم العناكب وأدخلت فيهم مخالبها وما هي لحظات حتّى مزّقتهم ولاحقت الهاربين الذين خرجوا من الحفرة ووجدت العناكب نفسها وسط المدينة !!!
علا الصّياح في كل مكان ،فكانت تكسر الأبواب ،وتحطّم كل شيء في طريقها .رشقها الجنود بالسّهام والحراب فزاد هيجانها ،وإتجهت الجموع الهاربة نحو أبواب المدينة ،ولمّا حاول الحرّاس منعهم، إستلّوا السّيوف، وبعد معركة قصيرة فتحوا الأبواب وخرجوا
صعد عمّ برهان الدّين على سطح القصر ولمل رأى ما يحدث تمالك نفسه و قال لمن حوله: لم ينته كل شيئ فمازال الملك النعمان في قبضتي وهناك عدة جيوش تزحف على المدينة من أنحاء المملكة يقودها أقوى المحاربين
كل ما عليكم فعله هو جمع رجالكم داخل القصر فهو منيع لا يقدر أحد على إقتحامه لكنه مع ذلك بدأ يحس بالقلق ،
فسحره لم يعد ينفعه إلا في الدفاع عن نفسه بعد أن خسر حلفاءه من الجن في الأنفاق وقال في نفسه : أعترف أن خطة إبن أخي كانت متقنة جدا
دخل الأغوال إلى المدينة وهم يمسكون العصي الغليظة و يضربون العناكب أما الأقزام فسدوا كل الأنفاق بعد ساعات فرغت المدينة من أغلب سكانها و من بقي تحصن في المباني العالية
أما الجنود الذين أرادوا مواصلة القتال فقضت عليهم الحوريات اللواتي صعدن إلى قلعتهم ولما أتى الليل توقفت كل مقاومة وتمت محاصرة القصر .
عندما نامت العناكب ألقى عليها الأقزام شباكا من فوق السطوح وجاء الأغوال فرموا بها في الأنفاق وفي الصباح لم يعد يوجد عنكبوت واحد كان ما حصل إنتصارا عظيما لبرهان الدين وقمر الزمان
لكن المعركة لم تنته بعد، لقد أخبرهم جواسيسهم أن ثلاثة جيوش تقترب منهم وهي على مسافة ثلاثة أيام منهم وتفوقهم في العتاد والعدة
قالت قمر الزمان: سنستعمل الحيلة مع هذه الجيوش فإحتلال المدينة أعطانا درسا عن جدوى الرأي
أجاب برهان الدين : وماذا ترين ؟
قالت: الحوريات يبرعن في القتال على الأشجار لذلك يستدرجن الجيش الأوّل إلى غابة و سأقودهن في المعركة والأقزام والأغوال هم أقوياء بين الصخور ويستدرجون الجيش الثاني إلى جبل مرتفع .
أما أنت يا برهان الدين فستحمي المدينة وتصمد حتى نأتي إليك ونهاجم الجيش الثالث من الوراء وسيجد نفسه محاصرا من جميع النّواحي ويستسلم دون حرب !!!
كان الجميع يستمعون وقد لاح عليهم الرضى ولما أتمت كلامها
قال ميسرة : لم أكن أتصور أن تصبح الجارية الصغيرة التي اصطدتها أحد الأيام في الغابة أعظم ملكاتنا منذ أقدم الأزمنة
سنتصر في المعركة ونرجع لأرضنا ونقبض على عم برهان الدين ونلقيه للنمل الأبيض ليفترس عينيه ودماغه
في الصباح كان أحد الجيوش يتقدم من الجنوب وفجأة رأى قائدهم ثلاثة جواري جميلات قرب الغابة يمشطن شعورهن الذهبية ويغنين بصوت يسحر القلوب :
نحن حور الغابة مملكتنا الأشجار الأوراق ستارنا ونجوم الليل قناديلنا ننام بين الأزهار ونراقص الأطيار نحمل السّيوف في الوغى ولا نولي الأدبار
قال القائد لرفيقيه: هلموا بنا ليأخذ كل واحد منا جارية فإن جمالهن يسحر الأبصار ويأسر القلوب لما إقتربوا منهن إستللن سيوفهن وضربوا رقابهم ثم هربن للغابة
عمّت الفوضى الجيش وصاح واحد منهم : هيا لنلحق بهن ونأخذ بثأرنا وإندفعوا في كل الإتجاهات كانت قمر الزمان تلاحظ ما يحدث من فوق شجرة عالية
وقالت: أتركوهم يدخلون ،ثم سنصطادهم واحد بعد الآخر تفرق الجنود إلى مجموعات صغيرة وسط الغابة الكبيرة وفجأة شاهد أحد الجنود حبلا يسقط من أعلى شجرة
ويلتفّ حول أحدهم ثم تسحبه حورية خضراء وبقي معلقا ثم سقطت الحبال من كل مكان وكثر الصراخ وعم الذعر وهرب الرجال وكثيرا منهم سقط في حفر مغطاة بالأعشاب
ومن بقي رمى سلاحه لما راي النّبال مصوبة إليه من فوق الأشجار أوثقت الحوريات الأسرى الذين يعدّون بالمئات ولما حل المساء لم يعد يوجد من الجيش سوى فلول صغيرة تفر في البراري ..
امّا الأقزام فقد كمنوا للجيش الذي يتقدّم من الشّمال ،ولمّا إقتربت منهم الطلائع ،خرجوا فجأة وأطلقوا حجارة مقاليعهم على الفرسان الذين تساقطوا من جيادهم
ثم صاح أحد الأقزام : يا لكم من جبناء جاريتي ريحانة أشجع من مائة منكم ثم بدأ في الرقص أمامهم ولما علم قائد الجيش بما حدث غضب و قال: لهم :إقبضوا على ذلك الوغد ومن معه أريدهم أحياء لأعلمهم الأدب .
لما رأى الأقزام الخيل تلاحقهم فروا إلى الجبل إنتظر القائد ساعة ولم يرجع أحد أرسل آخرين لكنهم إختفوا أيضا وقرر أن يذهب بنفسه عندما دخل الجبل وسار في الممر الضيق فوجئ بالصخور تسقط وتسد الطريق
ولما حاول الرجوع سقطت ورائه صخور أخرى فأصبح محصورا وعلى حافتي الجبل شاهد آلاف الأقزام ومعهم أغوال ضخمة يحملون الصخور والحجارة وصاح الغول ميسرة: أرمو سلاحم، وسنقودكم إلى مغارة مع رفاقكم ،ولا تجبرونا على سحقكم !!!
صاح القائد : الويل لكم إن رمى واحد منكم سلاحه لكن نظر الجنود إلى بعضهم وألقوا سلاحهم وقالوا له لقد إنتهت المعركة ألم تفهم ذلك
أما بقية الجيش فإنتظر قائده حتى حلول المساء ولما لم يأت أحد تفرقوا وهربوا
في صباح اليوم الموالي وصل الجيش الثالث الزاحف من الشرق أمام أسوار المدينة أطل برهان الدين وإنزعج من كثرة العدو لكنّه قال في نفسه: لا أرى أحدا من النواحي الأخرى
هل نجت قمر الزمان وميسرة في القضاء عليهم لو حصل ذلك حقا لإنتهى أمرعمي ومعه كل الظلم الذي حل بالمملكة
نصب الجيش خيامه وقال قائدهم :سنأخذ نصيبا من الراحة ريثما يلحق بنا البقية
في صباح الغد طلعت غبرتان عظيمتان فإبتهج وخاطب نفسه: أخيرا جاءوا سنحاصر المدينة ونسقطها فقد أخبرني الجواسيس أن عددهم ليس كبيرا لكن بعد قليل بدأ يشعر بالقلق لما سمع قرع الطبول وكان قويا يصم الآذان
وقال :الأمر غريب فهذه ليست طبولنا ويجب أن تكوم ضخمة لتسمع من بعيد
طلب من أحد الفرسان أن يرى ما يحصل و ما كاد يقترب منهم حتى طار سهم في الهواء قلبه عن جواده وظهر في الأفق صف طويل من الأغوال يمسكون بالصخور والعصي الغليظة وورائهم بشر قصر القامة يحملون المقاليع والنبال ويعدون بالآلاف
صاح القائد بذعر: اتركوا الخيام والأثقال يجب أن نبتعد قبل أن يحصرونا لكن قبل أن يتحركوا إرتفعت غبرة من الناحية الأخرى وصاح أحدهم : كأني بالغابة تتحرك نحونا
وظهرت الحوريات وهن يزحفن في صفوف متراصة وقد حملن أغصان الشجر وأشرعن السيوف والحراب
كان برهان الدّين يشاهد ما يحدث من فوق الأسوار وقد ظهر عليه السرور وهتف: وقعوا كلهم في الفخ لقد كانت خطة قمر الزمان شديدة الإحكام ثم صاح بأعلى صوته: أنا الأمير برهان الدين إبن النعمان من ألقى سلاحه فهو آمن ولن نحاسبه
ومن أراد الحرب سنقتله ونصلبه على أبواب المدينة إعلموا أنّ عمي في قبضتي ولقد إنتهى أمره لما سمع الجنود ذلك نظروا إلى بعضهم ثم رمى أكثرهم سلاحه
وأخذ القائد يحرض الباقين على القتال لكن لم يسمعه أحد وصاحوا :يحيا برهان الدّين والاميرة قمر الزمان وبعد قليل تردّد الصياح في كل مكان وإنحاز كل الجيش إلى صف الأمير
بقي عم برهان الدّين محاصرا في القلعة ولما سمع الهتافات
قال :لقد إقتربت النهاية ويجب أن أهرب قبل أن يقتلني الجنود ويقدمون رأسي لإبن أخي .
إصطحب معه عشرة من العبيد المخلصين وأخذوا ما قدروا عليه من صناديق الذهب ثم دخلوا في سرداب طويل يقود إلى خارج المدينة وقال لهم: سنتسلل في الليل وندفن الذهب ونعود لأخذه لما يهدأ الوضع هل فهمتم والآن هيا بنا علينا أن لا نتأخر
في هذه الأثناء إقترب الأمير برهان الدّين من القلعة وصاح: ليس لكم من مفر إبحثوا عن أبي وجيئوا به وسأعفو عنكم لحسن التطواني ومن يقبض على عمي له صرة دنانير حدث هرج ومرج وتأخر فتح الأبواب وفي النّهاية ظهر جنود ومعهم الملك النعمان وقد ظهر عليه الإعياء الشّديد ،
ثم إقتادوا الأسرى وفيهم أعوان ووزراء أخيه ولما سألهم النعمان عنه أجابوه أن: القلعة كبيرة وربما إختفى في مكان سري أو هرب في الأنفاق .
لما وصل عم برهان الدين إلى آخر السرداب كان الليل قد حل ووجدأنفسه في مستنقع يغطيه القصب قال لعبيده :سندفن الذهب و نهرب قبل أن يلحقوا بنا
لكن علم أنهم يتآمرون على قتله واقتسام المال قال: لي من الذهب أضعاف ما في هذه الصناديق لكن أحدهم طعنه بخنجره وقال : لم يعد لك حول ولا قوة سناخذ هذا الذهب ونعيش أحرارا ونتزوّج أجمل الجواري بعد أن كنّا نغسل قدميك
لاحق الجنود عم برهان الدين في السرداب ولما بلغوا المستنقع وجدوه ممددا وقد فارق الحياة علم النعمان بموت أخيه فلم يتأسف على ذلك وأمر بتركه حتى تأكله العقبان جزاء أفعاله .
أقام الملك مأدبة عظيمة جلس فيها الإنس إلى جانب الأغوال والأقزام إلى جانب الحوريات وأعجب النّعمان بقمر الزمان إعجابا عظيما
وقالت له : أطلب منك شيئا
سألها :ما هو
قالت: أن تأتي إلى أمي وتخطبني منها وأتزوج من جديد وهذه المرة تكونان حاضرين معي لم يكن العثور على دارها صعبا فالأقزام شمت رائحة أمها بمجرد دخولها القرية
ولما طرقت قمر الزّمان الباب فتحت لها العجوز وعرفتها فورا من شعرها الأشقر وعينيها الزرقاوين وعانقتها وبكت حتى بكى معها الملك النعمان وأقام لها أهل القرية عرسا عظيما
أكل فيه الجميع ورقصوا ولما رجعت قمر الزمان إلى وادي الياقوت إصطحبت أمها معها وقالت لها : من اليوم لن نتفارق أبدا
حدثت هذه الحكاية منذ زمن بعيد والآن يتحدث الناس عن مكان بعيد وسط الغابة تعيش فيه مخلوقات غريبة ومليئ بالياقوت و لقد بحث الكثيرون عنه لكن لم يجدوا شيئا
لهذا قالوا أنها خرافة وأنا أقول : لا كتب لتلك الأرض أن تبقى سرا وما أكثر الأسرار في هذا الكون
*** النهاية *