رواية الثمن هو حياتها خلود ونائل الفصل الثامن والعشرون 28
كانت البرودة تطفى على جؤ السيارة.
ذلك
انتظرت خلود نائل ليتحدث متسقرة في مكانها كطفل صغير، واضعة يديها
المتوثرتين في حضنها هل سيجد عذرًا آخر ليعيدني إلى منزل هادي ويقول إن
عملي سيؤثر على سمعة عائلة هادي لأنني أظهر نفسي علنيا؟ لقد هربت من
المكان بصعوبة كبيرة في المرة السابقة . أشك في أنني سأتمكن من المغادرة مرة
أخرى إذا اضطررت للعودة إلى هناك هذه المرة.
يجب الرد لمتابعة القراءه
المحتو مخفي
جلس نائل بجانبها. كانت أزرار قميصه مغلقة بالكامل مما يبرز تفاحة آدم
الجذابة خاضته، ورقبته المفتولة بالعضلات، وفكه المنحوت.
حظ الضوء على ملامحه مندشا من النافذة منيزا ملامحه. كان نصف وجهه
الوسيم المذهل مغطى بالظلال، ما يضفي على طابعه الاعتيادي المزيد من
الغموض واللامبالاة.
ذهلت خلود متأملة في وجهه. كم أسر من النساء بوجهه الساحر هذا؟
ابتسم عندما شعر بإعجابها. "لا تتردي في النظر إلي بحرية كما تشائين، فأنا
ملك لك على أي حال".
احمر خذيها بعد الاستماع إلى كلماته التي تحمل معنى عميق. صارت محرجة
من التحديق فيه بعد أن ألقي القبض عليها وهي :
تتأمله.
عطست خلود من البرد، إذ أن ازدياد البرودة في السيارة لم ينضب. كانت على
وشك أن تطلب من سالم رفع درجة الحرارة إلى أن أمسك كف كبير كتفها.
جذبها نائل إلى حضنه بلطف لن تشعري بالبرد إذا اقتربت قليلاً.
خفضت رأسها من دون أن تجرؤ على النظر إلى محياه الجميل. إن كل لحظة
تقضيها معه الآن محض عذاب.
انتظر للحظات طويلة، إذ أنه استوعب وضعها وقال بلا هوادة "كيف تسير
الأمور في عملك الجديد؟"
ذهلت قليلا. لا أصدق أنه يعرب عن قلقه إزاء عمل أيعقل أن يكون هذا خطابًا
افتتاحيا يلقيه علي قبل أن يقترح علي العودة إلى المنزل؟
أجابت بصدق "إنه لطيف جدا".
بدا وكأن البرودة أخذت تتزايد حتى أن أطراف أصابعها بدأت تنخذر، وارتجفت
كتفيها النحيلة من البرد. تجغدت أطراف تنورتها إذ أنها كانت تمسكها.
رد نائل "حسنا"، خلع معطفه ووضعه فوقها.
احتلت أنفها رائحة طفيفة من العطر. ثبت دفئ جسد نائل على المعطف
وتشابه هذا الشعور مع الذي أحسته في أثناء عناقه لها في تلك الليلة.
رتب خصلات شعرها المنسدلة بلطف بأطراف أصابعه. كانت حركاته لطيفة
ومحبة، كما لو أنهما زوجان مضى على زواجهما سنوات طويلة.
سحب نائل ذراعه وقال "في هذه الحالة، واظبي على العمل بجهد".
نظرت خلود إليه بذهول تام ألا ينوي إعادتي ؟ على العكس تماما :
يدعمني كثيزا في العمل.
يبدو
أنه
فاجأت إجابته خلود، ظلت مندهشة لبضع ثوان قبل أن تستعيد وعيها، ثم
أومات ضاحكة "حسناً".
لمعت عينا نائل عندما لاحظ أنها تنظر إليه بعينين حنونتين لأول مرة. لن ينفع
معها أسلوب الجبر لذا علي أن أدعها تفعل ما تشاء، عندها لن تقاومني كثيرا.
أمسك بوجهها الصغير بين يديه بروية وقال " لا تعتمدي على الامتيازات التي
يمكنك الحصول عليها لأنك السيدة هادي، بل استخدمي قدراتك لتثبتي لي أن
دعمي
لك
هو ما يجب فعله".
أصبحت خلود فتاة مطيعة مباشرة رفعت رأسها ونظرت إليه بعينيها الزائعتين
وأومأت برأسها لتؤكد على كلامه. "بالطبع !"
ابتسم نائل بعدما أحس بالإيجابية المنبعثة منها إنها المرأة التي كسبت حبي
بلا شك، وإن عزمها هذا هو واحد من نقاط قوتها.
أضاف قائلاً: "سأذهب في رحلة عمل خارج البلاد لحضور اجتماع قمة، لذا لن
أكون هنا لبعض الوقت".
انتابتها مشاعر مشوشة عندما سمعت ذلك. نائل هو الرئيس التنفيذي لشركة
هادي والوريث المستقبلي للشركة، لذا لا بد من أنه مشغول بالكثير من الأمور
المتعلقة بالعمل.
دندنت بالإقرار بعد أن صعب عليها إيجاد الكلام المناسب للرد.
في ذلك الوقت، توقفت السيارة تدريجياً في.
محظتها.
زاد الهدوء في داخل السيارة بعد إيقاف المحرك.
نظرت خلود خارج النافذة ولاحظت أنهم وصلوا إلى منزل جدتها.
تبين
أنه لم يكن ينوي أخذها معه إلى منزل هادي من البداية، لذا شعرت ببعض
الذنب إذ أنها حكمت على نائل بسرعة.
"سأخرج من السيارة إذا".
أزالت معطفه واستدارت لفتح باب السيارة. فجأة أمسك شخص ما بذراعها من
الخلف.
نظرت إلى الوراء ورأت نظرة نائل التي تتأملها كان الاثنان قريبان من بعضهما
أساسا، فبدأت المسافة تصغر بينهما أكثر الآن.
بدأ قلبها يخفق بقوة في صدرها بينما كانت تخش بنفسه على وجهها. "م-ما
الأمر؟"
نظر نائل إليها بتوق "عليك الاتصال" بي مباشرة إن واجهتي أية مصاعب".
سأذهب إلى مكان بعيد عنها، حتى وإن أوعزت عليها بذلك، فكيف سأمتثل
أمامها في حال تعرضت إلى أية مصاعب؟
أومأت خلود مطيعة مرة أخرى. من دون أن تتجرأ على الزفير، حبست أنفاسها،
ودندنت الإجابة.
ترك ذراعها بعد ذلك، ثم وضع كفه على مؤخرة رأسها، وجذبها إليه، وقبل
جبينها.
"انزلي الآن".
لقد استعادت نفسها للتو، ولكن بعد أن شعرت بشفتيه الباردتين على جبينها، بدأ
قلب خلود يخفق بلا سيطرة مرة أخرى. "حسنا".
وهكذا، توغلت الليل مسرعة بعد فتح باب السيارة.
عندما عادت إلى المنزل اضطجعت على السرير وغطت نفسها ببطانية. عادت
لحظات تواصلها مع نائل إلى ذهنها لا يقوى قلبي على تحمل مغازلته .
عندما فرغت من تناول العشاء، تموضعت خلود على مكتبها وبدأت تخط.
تصاميمها. استمرت في الرسم حتى مع اقتراب منتصف الليل.
رسم
قضت أيامها الثالية بالذهاب إلى العمل في خلال النهار، والعمل على تصاميمها
عند الرجوع إلى المنزل.
سلمت جيداء تصميمها النهائي بعد ثلاثة أيام قبل انتهاء مهلة التسليم.
شعرت خلود بالتعب في صباح اليوم التالي نتيجة الشهر لعدة ليال متواصلة،
فذهبت إلى المتجر لتعدّ لنفسها فنجانا من القهوة.
كانت جزة حبوب البن في الخزانة العلوية، ولم تتمكن من الوصول إليها حتى
بعد أن وقفت على أطراف أصابعها. عندما أرادت أن تضع كرسيا لترفع نفسها
بعض الشيء، ظهر شخص طويل خلفها.
مد ذلك الرجل ذراعه وأحضر جرة حبوب البن بسهولة. "هالا".
نظرت خلود الأعلى وأدركت أنه كان يوسف الرجل الذي ساعدها في إيقاف
المصعد في ذلك اليوم.
قالت بخجل "شكرًا لك".
لم يكن خجلها ناتجا عن أنها تكن له أية مشاعر بل كان ذلك بسبب شهرة
يوسف في مجال التصميم. كان اسمه معروفًا في وسط طلاب التصميم.
يومها كان يرتدي قميضا أسود، مما أبرز قوامه وبينما كان يرتدي معطفا طويلاً
كملابس خارجية، كانت تنبعث منه أجواء خيالية.
ثم همهم في الرد وغادر.
لدى معظم المصممين طابع الانطواء، لذا لم تتأثر خلود بسلوكه السطحي.
خرجت من المتجر بعد تحضير فنجان من القهوة.
في هذه الأثناء، أنجزت جيداء عملها بكفاءة عالية. اختارت أكثر التصاميم التي
كانت راضيةً عنها من بين جميع المسودات الممتازة، وبعد ذلك أرسلت قائمة
بأسماء المصممين المختارين إلى صندوق البريد الإلكتروني للجميع.
غمرت خلود السعادة عندما رأت اسمها في القائمة، حيث أثبت ذلك أنها لم
تضيع وقتها في تلك الليالي القليلة عبدا.
إلا أنها لم تدرك أن المصممين الآخرين سيغارون منها، إذ أنها تفوقت عليهم على
الرغم من أنها متدربة فحسب.