رواية شعيب ولتين الفصل السادس والعشرين 26 بقلم شيماء عصمت
حذرْ من ذاتك ألف مرة فمن قال (النفس أمّارة بالسوء) لم يكُ يكذب بل كان يعلم أنّ بعض الناس فاسدو القلب وجِدوا لدمار نفسهم وتدمير من حولهم..!
_أنا عايز أشوفك .. محتاجلك
قرأت الرسالة أكثر من مرة بعينين حزينتين ذابلتين وكأنها زهرة لم تُسقَ منذ أيام .. كانت مرهقة النفس مهمومة القلب ، قلبها العليل بحب "مـازن" لم ترَه من بعد وفاة والدته "وفـاء" فبعد إنتهاء مراسم العزاء أصدرت والدتها فرمان بقطع علاقتها مع "مـازن" بشكل نهائي ، إعترضت وبكت وترجّت ولكن قلب والدتها لم يَلِن فقط رمقتها بصلابة وتركتها محطمّة القلب ، ومن يومها وهي لم تخرج من غرفتها تتجاهل رسائل "مـازن" التي تعد على أصابع اليد الواحدة ، تتجاهلها دون إرادتها تشعر بالخجل لعدم مساندتها له في محنته ولا تعلم كيف تفسر له إبتعادها؟ بما تخبره؟ أتخبره برغبة والدتها في إلغاء خطبتهما؟ ولكن هل سيتحمّل؟ تشفق عليه فـيكفيه مصابه في شقيقته و ألمه لفراق والدته!!
خرجت من شرودها بسبب إقتحام "حنـان" لغرفتها دون إستئذان ، لم تتحدث "تقى" ولم تنظر لها فصرخت الأخيرة بحنق: ست الحسن والجمال هتفضل قافلة على نفسها الأوضة لحد إيمتى؟ لو فاكرة إنك بالشكل دة بتلوي دراعي وهتخليني أرجع في كلامي فـتبقي موهومة موضوع مـازن إنتهى وأبوكِ هيبلّغه النهاردة إن كل شيء نصيب
رمقتها بذهول قبل أن تصرخ بقهر: بس أنا مش موافقة يا ماما أرجوكِ متعمليش كدة متكسريش قلبي وقلبه
_بلا قلب بلا زفت أنتِ ليه مش عايزة تفهمي؟ يا بنتي أنا خايفة عليكِ والله العظيم أنا بعمل كل دة عشانك بكرة الأيام تعدي وتقولي أمي كان عندها حق
هزت رأسها بنفي ودموعها تغرق وجنتيها قبل أن تهمس بيأس: لو مكنتش لمازن مش هبقى لغيره لا أنا هقدر أنساه ولا هقدر أحط حد تاني مكانه
صرخت حنـان بغيظ قائلة: هموت ناقصة عمر بسببك اللي أنتِ ماسكة فيه بإيدك وأسنانك دة أخوه وأخته شياطين تتخيلي هو هيكون إيه؟ ملاك بجناحين؟ أكيد لا مش بعيد يطلع أنيل منهم
_صوابعك مش زي بعض يا ماما
_بلا صوابع بلا قوانص هي كلمة ومفيش غيرها كل شيء بينك وبينه إنتهى وإحمدي ربنا إنك لسة على البر
إندفعت حنـان إلى الخارج تلهث بإنفعال قلبها يؤلمها لأجل ابنتها لا تريد الشقاء لها ولكنها لا تستطيع أن تدفعها لهلاكها فلم تعد تثق بأي من أولاد "توفيق"
إنتبهت لسالم الواجم فهتفت بحنق: سـالم وحياة ربنا أنا ما ناقصة هتطلع إيمتى لمازن تبلغه
أجابها ببرود: أبلغه بإيه؟
_إن الخطوبة إتلغت
_ومين إن شاء الله اللي هيوافقك على الهبل دة؟
صاحت بصدمة شاعرة بالإهانة: هبل!!! أنا هبلة يا سالم؟
_نهاية الموضوع مـازن لتقى وتقى لمازن أنا مش صغيّر عشان معرفش أميّز بين الناس ، مـازن مش زي إخواته وبعدين تعالي هنا أنتِ ضامنة منين لو تقى إتجوزت واحد تاني متطلعش أخلاقه أقذر من عمـاد و نـورا؟! "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
_ونعم بالله بس
_مابسش وقفلي على الموضوع دة يا حنـان عشان أنا تعبت منك وأصبحتِ لا تطاقي
رمقته بصدمة وهو يندفع خارج الشقة وهمست بصوت مسموع: أنا عملت إيه؟ كل دة عشان خايفة على عيالي؟!!
××××××××××
رمقت جدّتها بنظرات ذاهلة قبل أن تقول بعدم تصديق: حامل؟ لا طبعاً إيه اللي بتقوليه دة يا تيتة
أجابتها بـإستغراب: وليه لا طبعاً؟!! أنتِ مش متجوزة يابنتي؟ يبقي ليه لا؟ مش يمكن ربنا أذن ورحمك شال؟ ولا أنتِ مش عايزة تبقي أم؟
إتسعت عيني لتيـن بإنبهار وهي تتخيل نفسها وقد أصبحت أما لصبي أو فتاة لا يهم.. المهم فقط أن تكون أمّاً
_يا الله .. همستها بتضرع ، برجاء للمولى عز وجل أن يهبها طفل يكون قرَّة عينها وروح فؤادها
خرجت من شرودها قائلة: عن إذنك بقى يا تيتة لازم أطلع عشان البنات ومالك زمانهم صحيوا
أومأت الجدة موافقة فإنسحبت لتيـن شاردة بإتجاه شقتها تلاحقها دعوات الجدّة بصلاح حالها وبالذريّة الصالحة
دلفت إلى شقتها ومازالت ساهمة قبل أن تشهق برعب وهي تشعر بمن يحتضنها من الخلف بتملّك ، وعلى الفور تخللت رائحته الرجولية خلاياها... رائحته التي تُسكِرها
هتفت لتيـن بعتاب رقيق: كدة ياشعيب؟ وقّعت قلبي
أجابها بهمس محموم: سلامة قلبك يا قلبي
إبتعدت عنه بخجل وهي تشعر بلمساته الجريئة قائلة بحرج: شعـيب إحنا في الصالون ما ينفعش كدة
همس بصوت عابث: وماله ندخل أوضتنا
رنت ضحكاتها فتضخّم قلبه بإنتشاء لسعادتها ، لقد تغيّرت لتيـن كثيراً أصبحت كما كانت في الماضي ، شقيّة ، مدللة ، مُهلِكة .. أحيانا لا يصدق أنها اعترفت له بمشاعرها إتجاهه ، فيسألها ويصرّ على سماع إجابتها فتجيبه بخجل بحبها له فيشبعها عناقاً ويمطرها بالقُبلات ويلقي على مسامعها بكلمات الغزل النابعة من وجدانه ، يشرح ويحلل لها مشاعره إحساسه بها لعلّها تدرك قيمتها الفعلية عنده
همس بصوت أوضح مشاعره الجياشة: تدوم ضحكتك وتدومِ ليا
_أنا بحبك
قالتها بصدق وعينيها تُقبّل كل إنشٍ به
أجابها بغرور رغم ضربات قلبه التي تضرب بجنون متأثرة بإعترافها: عارف
_يا بارد
همستها بغيظ وهي تندفع لغرفة "مالك" تطمئن عليه فمنذ وفاة "زوجة عمها" وإختفاء "نـورا" وهي تراعي الصغير وتعتني به لم تحقد عليه بسبب أفعال نـورا المشينة بل أشفقت عليه فما ذنبه إن كانت والدته بقلب معطوب!!
صاحت لتيـن بإبتهاج عندما رأت الصغير مستيقظ: يا صباح الورد على مالك حبيب قلب لتين
إتسعت إبتسامة الصغير حتى شملت وجهه بأكمله ورفع يديه في الهواء يرغب بأن تحمله وبالفعل حملته لتيـن بين ذراعيها وأخذت تمطره بالقُبلات قائلة بحنان: حبيب قلبي يا ناس صحي أبو ريحة جنان
أخذت تستنشق رائحته الطفولية المحببة بإنتشاء غريب
_أبلة لتيـن لو مفيش إزعاج يعني عايز أفطر(هتف شعـيب بإمتعاض يشعر بالغيرة من إهتمامها بالصغير لما لا يكون هذا الإهتمام والدلال له هو وحده فهي ملكية خاصة لشعيب سالم مهران )
أجابته لتيـن بدلال: معلش يا "شوشو" أنا تعبانة النهاردة فأعمل أنت الفطار
جحظت عيناه وارتسمت ملامح الإجرام على وجهه قبل أن يقول بشرّ: شوشو!!! مين شوشو دة؟
_أنت يا حبيبي (قالتها ببراءة وهي ترمش بعينيها)
زمجر شعـيب غاضبا: لتيـن!!
_نعم
أجابها بقرف: أنا قولت كام مرّة بلاش اسم الدلع دة
_ماله؟ دة حتى حلو أووي شوشو ولا أقولك يا شعشع
رمقها بإشمئزاز وانسحب بهدوء بإتجاه المطبخ يعد وجبة الإفطار وهو يتمتم بغضب: قرف أقسم بالله قرف قال شوشو قال؟ هي مفكراني بنت أختها ولا إيه
إتسعت إبتسامتها وهي تسمع همسه وعينيها ترسم تفاصيله بعشق أضناها ، وللآن لا تصدق أن شعـيب يبادلها نفس المشاعر وإن لم تكُ أقوى .. أصبحت تدرك بمكانتها لديه فتزيد في دلالها ، وهو لم يعترض بل كان يزيد في دلالها حتى أفسدها!!
تركت مالك على فراشه ورغم عنها شعرت بالألم عليه فلقد أصبح عمره أكثر من ثلاث سنوات وللآن لم يتحدث ولا كلمة واحدة!!
لحقت بشعيب ووقفت تستند على إيطار الباب تتابعه بعينيها وهو يحضّر الطعام ، عيناها تحفظ كل حركة يقوم بها ولا تغفل عن أي شيء يفعله إبتسمت بعشق قبل أن تقترب منه وتحيط خصره من الخلف تريح رأسها على ظهره العريض تشتم رائحته بقوة قبل أن تطبع عدة قُبلات رقيقة كلمسات الفراشات
تلك الحركة بالذات تفعل به ما لم يستطع وصفه بالكلمات ، عندما تريد أن تراضيه أو تستعطفه أو حتى تعتذر تقُبل ظهره برقة تذيب عظامه وتجعل ينابيع الحنان تتدفق داخل أوردته وتشعل دمائه فيغرقها في أنهار عشقه ولكنه غاضب .. غاضب وبشدة فلن يستسلم لمشاعره سيبقى صلباً كجبل شامخ لا يتزحزح
رغم شعورها بالإحباط لعدم إستجابته لها إلا أنها همست بدلال ألهب مشاعره: شعـيب .. حبيبي أنت زعلت عشان أن بدلعك
فك يديها التي تحيط خصره قبل أن يستدير يواجهها قائلاً دون تعبير: وهزعل ليه؟ عشان قولتلك أكتر من مرة إني مش بطيق الدلع دة ورغم كدة مصرّة إنك تقوليه حتى برة أوضتنا!
احمرّت وجنتيها من الخجل وهمست وهي تفرك أصابعها بندم: أنا آسفة أنا كنت بهزر معاك مش قصدي أضايقك حقك عليا
_ وبرضو اللي عملتيه مع مالك كان هزار معايا
همست بـإستغراب: شعـيب مالك زي ابني وأنا بحبه و
قاطعها بعنف: بس مش ابنك وحتى لو ابنك مش معقول هتفضلي تحضني فيه طول الوقت
عقدت حاجبيها بصدمة قبل أن تنفجر ضاحكة فزمجر شعـيب غاضباً: الهانم بتضحك على إيه؟ أنا مش بقول نكتة
هتفت من بين ضحكاتها: شعـيب أنت غيران؟ ومن مين؟ من مالك اللي عنده 3سنين؟
هدر بإستنكار: أغير؟ لا طبعاً بس ميصحش اللي بتعمليه دة أحضان وشيل و
_لا أنت غيران بجد مش ممكن
_لتيـن كفاية ضحك
قالها غاضبا فتحكمّت بصعوبة بضحكاتها لا تصدق أنه يشعر بالغيرة من الصغير مالك!!
كممت فمها تخرس ضحكاتها ولكن عينيها كانت تضحك ورغم شعوره بالغيرة التي تحرقه مؤخراً فقد تخطت الحد المسموح ولكنه يلجمها كي لا يؤذيها فإذا زاد الشيء عن حده إنقلب ضده ، إلا أنه إبتسم دون إرادته لعينيها الضاحكتين فرؤيتهما بهذه السعادة بعد ذبولهما لسنوات عديدة يشعره بالإنتشاء وكأنه حقق معجزة يستحق عليها الثناء
أجفل من صراخ لتيـن التي هتفت بهلع: شعـيب الفطار بيولع!!
إستدار يغلق النار قبل أن يصيح بغيظ: الأكل اتحرق يا لتيـن وكله بسببك ، على فكرة أنا مش هغسل المواعين دي
لملمت نظرة إنبهار كادت أن تفضح مشاعرها الممتنة والفخورة به فلم يكُ شعـيب ذلك الزوج الشرقي على الإطلاق لم يكُ ممن يشعرون بجرح رجولتهم وكبريائهم إن ساعدوا زوجاتهم في ترتيب البيت أو إعداد الطعام لم يكُ مثل عمـاد!! بل كان كما عرفته دائماً مميز يختلف عن الجميع حنون وقوي كجبل شامخ وقبل كل شيء كان يتقي الله فيها
هتفت لتيـن بغيظ مصطنع: لا يا شيخ وأنا مالي أنا؟!!
_أنتِ اللي لخمتيني أنا أصلاً غلطان إني بساعدك وحضري ليا الفطار عندي شغـــل
إندفع خارج المطبخ يهمس بكلمات لم تستطع فهمها
همست لتيـن بحب: عامل زي الأطفال بيغضب ويضحك ويزعل في نفس الوقت ومن كلمة حلوة وضحكة مني بينسى كل الزعل ولا كأن حاجة حصلت!! ربنا يخليك ليا ياحبيبي ويديمك سند ليا
رمقت الأواني بغيظ وقد طارت السحابة الوردية فصاحت بغضب: أكيد كان قاصد يحرق الأكل عشان يعاقبني وأغسل المواعين بس مااشي هتبات على الكنبة ياشعيب واحدة بواحدة
أتاها صوته من الخارج يصيح بإنفعال: لتيـن بتقولي حاجة؟
هتفت بذعر: ثواني يا حبيبي ثواني والفطار يكون جاهز
×××××××××
لم تعد نـورا كما كانت فقد خسرت الكثير من وزنها وشحبت بشرتها كالموتى وارتسمت هالات سوداء بشعة تحت عينيها!
لقد نفذت أموالها من أجل الحصول على تلك المواد التي أصبحت لا تقدر على العيش بدونها نفذت الأموال ولم تستطع بيع أي قطعة من مجوهراتها خوفاً من أن يستطع شعـيب العثور عليها فهو يمتلك سوق الصاغة بأكمله!!
هزت قدميها في توتر منتظرة وصول "الديلر" رجل توصيل الممنوعات!! صحيح أنها تهابه فبعد تعاملها المبدأي مع فتى مراهق لفترة لا بأس بها حتى تعرفت على "سيد" رجل ضخم البنية بملامح إجرامية يكفي نظراته التي تدرك وقاحتها ولكنها تتجاهلها من أجل الحصول على مواده شديدة التركيز!!!
فاقت من شرودها على صوته الجهوري الذي شق سكون المكان فأسرعت تفتح الباب تستقبله في لهفة واضحة فهي بحاجة ملّحة لإشباع وحوشها التي تنهشها مطالبة بسد جوعها من تلك المواد القاتلة!!!
همست بلهفة: أخيراً جيت إتأخرت أووي يا سيد فين الحاجة؟
رمقها بنظرات وقحة وكأنه يجردها من ملابسها قبل أن يقول بصوت غليظ: الحاجة مع إبراهيم صاحبي اللي هناك دة (ثم أشار لها بإتجاه "إبراهيم" الذي تراه للمرة الأولى كان رجل في العقد الرابع بجسد ممتلئ ووجهه مليئ بالجروح) رمقته بإشمئزاز قبل أن تصيح بنفاذ صبر و وحوشها تعذبها: إخلص يا سيد وهاتها مش قادرة أستحمل
إقترب منها حتى كاد أن يلمسها قائلاً بكلمات ذات مغزى: ولا أنا قادر أستحمل إيمتى هتحن يا جميل
إبتعدت ترمقه بنفور: سيد هات الحاجة وغور
إقترب يقبض على رسغها بقوّة قائلاً: أغور!!! لاا أنا جاي النهاردة يا قاتل يامقتول أنا صبرت عليكِ كتير ودة مش طبعي
همست بخوف: أنت عايز إيه سيبني أنت اتجننت؟
أجابها بصوت محموم: عايزك
لطمته على وجهه بيدها الحرة فانقلبت ملامحه لملامح ذئب مفترس قائلاً بوعيد: ليه كدة دة أنا حتى كنت ناوي أدلّعك بس شكلك بتحبي العنف وبصراحة أنا كمان بحبه
ثم صفعها بقوة أدمت شفتيها وجعلتها تسقط على الأرض تصرخ بوجع ولأنها نـورا لم تستسلم بل استقامت واقفة تجرح وجهه بأظافرها فصرخ الأخير متألماً يحمي وجهه فاستغلت الفرصة وأسرعت بإتجاه الباب تنوي الهرب ولكن المدعو "إبراهيم" منعها بالقوة .. حاولت دفعه ولكن وهن جسدها الذي دمرته بإرادتها لم يساعدها ، صرخت ببكاء وقلبها ينبض برعب لم تشعر به من قبل ، رعب من القادم هي وحدها ضد إثنين بدوا لها في تلك اللحظة كوحوش مرعبة على وشك الإنقضاض عليها
حاولت الهرب داخل القصر ولكن منعها الإثنين وأزاحها الأول بعنف فسقطت على الأرض وارتطمت رأسها بقوة جعلتها تشهق بألم
هتف سيد بلهاث وهو يشرف بجسده عليها يمنعها من الإبتعاد: أقفل الباب يا إبراهيم ليلتنا صبّاحي
أومأ الأخير بحماس وهو يشاهد صديقه يقبّلها بشهوة حيوانية
صرخت نـورا بهلع وعينين جاحظتين صرخت كما لم تصرخ من قبل ولكن لم يساعدها أحد فقد امتدت يدي سيد يجردها من ملابسها فقضمت أذنه بين أسنانها حتى سالت منها الدماء
صرخ الأخير متألما قبل أن يصفعها صفعات كثيرة بوحشيّة فدارت بها الدنيا حتى كادت أن تفقد الوعي ولكن جسدها تمرّد عليها وكأنه رغب في أن تظلّ واعية لكل ما سيحدث لها ، أن تشعر بكل لمسة قذرة ستنالها ، لقد رأت الجحيم بعينيها وهي تتعرض لإعتداء وحشي حيواني وهي بلا حول ولا قوة ، إذا صرحت ضُربت من قِبل إبراهيم وإذا حاولت الفرار يخنقها سيد
إنها تتعرض للإغتصا.ب!! جحظت عيناها وكأنها قد أدركت للتو ما يحدث لها فتشنج جسدها وقد دبت بها قوة مفاجئة فأصبحت تدافع عن شرفها بإستماتة ولكن الكثرة تفوز دائماً وهي أنثى .. أنثى مدمنة وحيدة ضعيفة مقابل إثنين تجردوا من الرحمة مثلها فتحولوا إلى حيوانات ينهشونها لينالوا ما يبتغون
وقد كان فبعد وقت طويل جداً تركوها بعد إشباع رغباتهما الحيوانية! تركوها جثة هامدة وقد فقدت آدميتها ، فقدت ما تبقى من روحها فقدت كل شيء ولكنهم لم يكتفوا فأسرعوا بسرقة كل ما كانت تمتلكه من مجوهرات ثمينة ستجعلم من أصحاب الملايين!!
هتف إبراهيم بقلق: إحنا هنسيبها كدة؟ إفرض بلّغت عننا؟ ولا كان في كاميرات في المكان
أجابه الأخير بإجرام: ومين قالك إن إحنا هنسيبها إحنا هنكسب فيها ثواب ونريحها
_تقصد إيه؟
_جهز حقنة وصاية بس إيه أتوصى
أومأ إبراهيم بشّر وفعل ما طلبه سيد قبل أن يقول: خد جهزتهالك
إنتشلها سيد من بين أصابعه واقترب من نـورا قائلاً: شوفي أنا قلبي طيب إزاي؟ وهريحك بس إيه الراحة الأبديّة
ثم حقنها بتلك الإبرة في ذراعها وتركها وفرّ هو وصاحبه تاركين نـورا تلفظ أنفاسها الأخيرة!!
×××××××××
هتفت لتيـن برجاء: شعـيب خليك قاعد معانا النهاردة وبلاش تروح الشغل
أجابها بهدوء: للأسف لازم أنزل في عميل مهم جاي النهاردة ولازم أقابله بنفسي خليها بكرة وآخد أجازة ونخرج أنا وأنتِ
احتضنته بقوّة ترفض إقتراحه فضمّها لصدره أكثر قائلاً: مالك يا حبيبتي متوترة ليه؟ في حاجة حصلت أنا معرفهاش؟
زفرت بإرتجاف قائلة بعينين دامعتين: تيتة صباح قالت إني ممكن أكون .. أكون
صمتت وقد إختنقت بقوّة مشاعرها فسألها شعـيب بقلق: ممكن تكوني إيه؟ أنتِ تعبانة؟ حاسة بأي وجع
هزت رأسها نافية فأكمل: أومال فيه إيه ياحبيبتي
تنفست بعمق قبل أن تبتعد عنه وعينيها تراقب ملامح وجهه: قالت إني ممكن أكون حـا .. حامل
إتسعت عيناه وقد ران الصمت لعدة دقائق قبل أن يقول شعـيب بصوت مختنق: حامل!! أنتِ حامل يا لتيـن؟!
_شعـيب بقولك بتقول ممكن يعني مش أكيد وأنت عارف إني مش بخلف (قالتها بإرتعاش تمنع رغبة ملّحة في البكاء)
احتضن شعـيب وجهها قائلاً بعشق: ربك قادر على كل شيء إلبسي خلينا نروح لدكتورة تطمنا سواء ربنا منّ علينا بطفل فهو خير ولو برضو لسة مأذنش فهو خير
هتفت بدلال: بس أنت عندك شغل
أجابها بـإستغراب: شغل؟ يعني إيه شغل أصلاً
ضحكت بإبتهاج فاتسعت إبتسامته وأخذ يدعو بداخله بإبتهال أن يجبر المولى بخاطرها وألا يرد دعائهما
××××××××××
بعد وقت ليس بقليل
هتفت الطبيبة بـإبتسامة عملية: مبروك يا مدام لتيـن حضرتك حامل في الشهر الثالث
شهق شعـيب دون صوت ورمق لتيـن بعاطفة جياشة
أما لتيـن فـرمقت الطبيبة بعدم تصديق وهتفت بعدم فهم: يعني إيه؟
إتسعت إبتسامة الطبيبة قائلة: يعني بأمر الله كمان ست شهور هتكوني أم لبنت أو ولد زي القمر
_أم!!
قالتها بعدم تصديق وعينيها تبكي رغم إبتسامة شفتيها
إحتضنها شعـيب متخلّي عن تحفّظه إحتضنها بقوّة وقد دمعت عينيه بدموع السعادة دموع إمتنان وهمس داخل أذنيها: هتبقي أم يا أم قلبي
شهقت ببكاء عنيف وبادلته العناق قائلاً بهمس ذاهل: أنا حامل ياشعيب؟ أنا هبقى أم!! أم لابن منك!! حتة منك جوايا؟ أنا حامل أنا مش أرض بور أنا
صمتت غير قادرة على الحديث فقد كانت مشاعرها ثائرة متخبطة
حمحمت الطبيبة بحرج فابتعد شعـيب عن لتيـن ولكنه لم يترك يديها بل إحتضنها داخل كفه يشدّ عليها بمؤازرة
أخذت الطبيبة تتحدث بعمليّة عن وضع الجنين وما إلى ذلك وشعيب يستمع لها بإهتمام أما لتيـن فهي لم تخرج من ذهولها بعد كانت تتطلع حولها بذهول وعدم تصديق!! بعد تلك السنوات التي عاشتها كـ "أرض بور" لا تنجب حتى صدّقت تلك الكلمة واقتنعت بها ، اقتنعت أنها لن تنجب ولن تكون أماً لن تحمل طفلاً وكم كانت تتعذب لتلك الحقيقة المفجعة ولكن الآن هي تحمل داخل أحشائها .. طفل شعـيب!!
أمِن الممكن أن يرتبط الحمل بالحب؟
خرجت من شرودها على صوت شعـيب القلق
_لتيـن أنتِ كويسة
أومأت موافقة فقال بحنان: يلا نروح بيتنا
×××××××××
فور وصولهما للبيت رفض شعـيب المرور على شقة جده لأخذ الصغار بل توجه إلى شقته إلى غرفته تحديداً
احتضن لتيـن الذاهلة بقوة قائلا بهمس: الحمدلله الحمدلله ياحبيبتي ربنا إستجاب لدعواتنا الحمدلله
_شعـيب أنا حامل
قالتها وإنفجرت باكية فشدد من إحتضانه لها: حامل يا حبيبتي في جزء مني ومنك بيكبر جواكي
_أنا مش مصدقة تعالى نروح لدكتورة تانية ممكن يكون في غلط! انا خايفة أكون بحلم!! لو خرجت من الحلم دة قلبي هينكسر وروحي هتموت
_بعيد الشر عنك ياجنة شعـيب ، أنتِ مبتحلميش .. ربنا عوّض صبرك خير قولي الحمدلله وتعالي نصلّي ركعتين شكر لله
××××××××××
هتف مازن بإنفعال: هتفضل كدة لحد إيمتى؟ رافض العلاج رافض كل حاجة؟ رافض إنك تكمّل وتواجه؟ اللي ماتت كانت أمي زي ما هي أمك؟ شايفني عملت زيك؟ رغم إن وجعي ضعف وجعك بس دي سنّة الحياة
همس الأخير بضعف: حاسس إن ربنا بيعاقبني على ذنوبي في الأول خسرت رجليا وبعدين أمي وأنا ملحقتش أراضيها وأعوضها وأشبع منها
_استغفر ربنا يا عماد لكل أجل كتاب وإحنا علينا الصبر والإحتساب وبدل ما أنت مستسلم بالشكل دة إدعيلها وأقف جانبي قبل ما نخسر الباقي أبوك تعبان ومالك شعيب متكفل بيه في بيته وأختك الله أعلم أراضيها فين وأنا أنا تعبت وأنا لوحدي ومش قادر أكمّل عايزك جانبي يا عماد خلينا نعدّي الأزمة اللي إحنا فيها خلينا نلم بعضينا أنا محتاجك يا أخويا
بكى عمـاد فإحتضنه مـازن بقوة يمنع نفسه من مشاركته البكاء فلا وقت للضعف
_إجمد ياعماد دة إبتلاء من ربنا إبتلاء لازم تصبر عليه .. لازم تقرّب من ربنا وأستغفره وتوب إليه .. توب من كل ذنب عملته توب وأرجعله ، ربك عمره ما قفل بابه في وش عبد من عباده ربك غفور رحيم
××××××××××
بعد ساعات مرّت غارقين في بحور عشقهم كانت لتيـن تحتضنه ترسم بأناملها دوائر وهميّة على صدره العاري وهي مازالت تشعر بالتيه وعدم التصديق
هتف شعـيب بمرح يخرجها من شرودها: على فكرة ذهولك اللي مالهوش آخر دة بيشكك في قدراتي ودة شيء أنا أرفضه تماما فإعقلي يابنت الناس وفوقي من الذهول اللي أنتِ فيه دة هو أنتِ متجوزة سوسن ولا إيه
نظرت له دامعة العينين فابتسم بعشق قائلاً: أنتِ حامل ومش بتحلمي وقريّب هيجي ولي حبنا يقرفنا في عيشتنا آه والله إسمعي مني ما أنا مجرب مرتين عياط وصريخ وتغير حفاضّات ونوم لساعة ولا أتنين عذاب عقبال عندك
همست بـإبتسامة: دة أحلى عذاب
_أتمنى يكون دة رأيك كمان كام شهر عشان لو لقيتك بتعيّطي على عياط بنتك مش هرحمك
هتفت بإنبهار: بنتي!!!
_أو ابنك الله أعلم
_شعـيب إحنا هنقول للكل إني .. حــامل
_لاااا نقول لمين إحنا نداري على شمعتنا لغاية ماتنوّر حياتنا
هتفت بغيظ: أنا مش بهزّر على فكرة!
_ولا أنا على فكرة خلينا نصبر كام شهر كدة
هتفت بسعادة: بس بكرة بطني تكبر والكل هياخد باله
قال شعـيب يقصد إغاظتها: حبيبتي يا مسكينة هتبقى زي الكورة
وعلى العكس تماماً لم تغضب ولكن اتسعت إبتسامتها حتى شملت وجهها بالكامل قائلة وهي تتحسس معدتها: هبقى أحلى كورة
طبع قُبلة متوحشة على وجنتها قائلاً بإفتتان: بحبك
_وأنا بعشقك عارف يا شعـيب حاسة وكأني كنت مستنياك أنت عشان أبقى أم ، ربنا كان رحيم بيا وزي ما زرع حبك جوايا كتبلي أكون أم لولادك ، ولادك أنت وبس
_حبيبتي يا أم العيال ، يا مالكة القلب والوجدان بحبك يا حليلتي
أجهشت بالبكاء ودفنت رأسها بعنقه فـلثم رأسها برقّة وتركها تعبّر عن مشاعرها بالطريقة التي تجيدها .. بالبكاء!!!
إنتفضا معًا على صوت طرقات عالية على باب الشقة فاستقام شعـيب واقفاً يرتدي ثيابة ثم إندفع خارج الغرفة يفتح الباب على مصراعيه قائلًا بجمود: خير؟ في حاجة حصلت؟
رمقته حنـان بغضب فـشعـيب يتجاهلها وهي لا تعلم السبب؟ دلفت داخل الشقة دون إستئذان قائلة بإنفعال: ممكن أعرف البيه مش معبّرني ليه؟ نسيت أمك يا شعـيب
_ياريت أنسى
شهقت بذهول قائلة بألم: عايز تنسى أمك يا شعـيب؟ هي مراتك قسّتك عليّا؟ قلبتك عليّا بنت فوزيـة
بصعوبة بالغة تحكم بغضبة قائلاً: مراتي برة الموضوع يا أم تقى أما بالنسبالي فبتمنى أنسى اللي أنتِ عملتيه فيّا من كل قلبي نفسي أنسى
_أنا عملت إيه؟ أنت زعلان مني في حاجة؟
_لما أترجيتك تقفي جانبي من أكتر من تسع سنين وتسألي لتيـن إن كانت بتحبني ولا لا قالتلك إيه؟
بهتت ملامحها وأجابته بإرتباك: قالتلي إنها .. إنها بتحب عمـا
قاطعها بشراسة: بـــس كفاية كدب أنا عرفت كل حاجة
هتفت ببكاء: إسمعني يا ابني أنا كنت خايفة عليك والله عملت كدة لمصلحتك
تنفس بعمق ليتحكم بغضبة قائلاً بوجع: مصلحتي!! هي فين مصلحتي؟ مصلحتي إني أخسر الإنسانة الوحيدة اللي حبيتها إني أتحرم؟ مصلحتي إن قلبي ينكسر؟ فين مصلحتي؟ مش لاقيها أنا اللي أعرفه إني إتظلمت ولتين إتظلمت حتى زهرة الله يرحمها أنتوا ظلمتوها مش من حقكم تمشوا قلبنا على مزاجكم مش من حقكم أبداً توجعونا وتفرقونا مش من حقكم تمشونا على تقاليد عقيمة! شعـيب الحفيد الكبير يبقى لزهرة عشان الكبيرة مين أداكم الحق دة مين؟
_يا ابني أنا
قاطعها بهدوء مصطنع: أنا آسف بس مش قادر أسامح على الأقل دلوقتي، مش قادر أسامح على سنين عشتها أنا واللي بحبها بنتعذب عشان خاطر ناس تانين أنتِ عارفة أن لتيـن بقت معقدة نفسياً بسبب كلامك ليها؟ كلام قولتيه لمراهقة بغرض إنك تخوفيها فتبعد مقدرّتيش صغر سنها مقدرّتيش إنها تفضل شايفة نفسها مش كويسة عشان حبّت الراجل اللي هيبقى زوج أختها!! خليتيها لحد دلوقتي عايشة وشايلة ذنب ما ارتكبتهوش ذنب أنتم اللي صنعتوه فتحمّلت عذابه هي!! ذنب بسببه إتخلت عن دراستها إتخلت عن أحلامها وإتخلت عني أنا شخصياً وإتخلت عن نفسها وعاشت مع إنسان عَمته الغيرة والحقد فعيّشها في جحيم وهي استحملت .. استحملت عشان خايفة .. خايفة تتطلق فترجع بيت أهلها تقابل نظراتكم ليها .. خايفة من مشاعرها اللي هتخرب بيت أختها زي ما قولتوا ليها .. خايفة من ذنبها الكبير خايفة مني أنا (صمت يبتلع غصّة كادت أن تخنقه ثم أكمل) أنا آسف لو كنت انفعلت عليكِ مهما كان حضرتك أمي بس أعذريني أنتِ دبحتيني
شهقت حنـان ببكاء وحاولت الكلام أكثر من مرّة ولكنها لم تستطع ففرّت هاربة من نظرات ابنها التي جلدتها وعذّبتها بقوّة