اخر الروايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ندا حسن



مرت فترة قصيرة بعد الذي تعرض إليه “جبل”، قد حذر “زينة” كثيرًا ألا تتحدث مع أي شخص فيما أخبرها إياه وكأنها لم تعلم شيء من الأساس تخفي السر كما أخفاه لأعوام وأعوام، تحافظ عليه كما حافظ عليه وكأنها هو، تلك التي اتمنها على كل شيء يعلمه أقرب الناس والذي لا يعلمه..
وبالأخص ما تحدث به عن والدها وأنه كان على قيد الحياة، والدته إن علمت ذلك الأمر فقط لن تحزن مرة أخرى غير الأولى التي فقدت بها أحبالها الصوتية من كثرة البكاء والصراخ وباتت طريحة الفراش لفترة طويلة إنها ستحمله كل ما حدث فوق عاتقه وستلومه على كتمان ذلك الأمر.. ستلومه وتبغض ما فعله فكيف يكون والده على قيد الحياة وهو يعلم ويخفي هذا عن الجميع!..
شعر بالحزن الشديد ينتاب روحه ويلازمه لا يريد تركه وحيدًا، اختلى به واحتل بدنه وقلبه فلم يجد سواها رفيقة ليالي السهر، جليسة أوقات الحب والغرام هي الوحيدة التي استطاعت أن تقف جواره بعد أن حملها المسؤولية الكاملة وهو يقص عليها كل ما حدث بحياته.. يتخلل الحزن قلبه من جانب وهي تحاول أن تنزعه من الجانب الآخر..
أدرك كم تحبه وتريده، أدرك أنه قسى عليها كثيرًا وهي الوحيدة اللينة الرقيقة التي تخرج ما تحويه أنوثتها له فقط، تظهر بتلك الهيئة الشرسة الحادة ولكن معه تلك القطة الوديعة الهادئة..
وهي التي عاشت حياة مليئة بالكذب والخداع واستمرت بعدها لسنوات على نفس المنوال ولم يدرك عقلها ذلك ولم يشعر قلبها بالخيانة والغدر من أقرب الأشخاص إليها إلا هنا على يده هو.. هو الذي أوضح لها كل شيء وكشف الحقيقة المخبأه عن أعينها بادلها الحب والحنان القسوة والجنون.. جعل هناك مذاق مختلف لحياتها معه..
حاول ان يسترد ذاته مرة أخرى بعدما حدث ليعود إلى حياته ولكن دون أسرار أخرى بعدما كشف كل شيء وتخلى عن عمله مع الشرطة بعدما أدى دورة على أكمل وجه وفعل ما طلب منه وما أملاه عليه ضميره.. الآن محى كل ما فعله والده وشقيقه من أشياء غير قانونية، محى كل ذكرى كريهة منهم يدمرون بها بلدهم، بدل الأدوار ورسم فوق أفعالهم أفعال أخرى تخرج من رجل شرقي شامخ محب لبلده عادل حكيم..
كل هذا وكانت “تمارا” مازالت سجينة الجبل إلى اليوم لم تخرج منه بعد أن أمر “جبل” بفعل ذلك يذهب إليها طعام مرة واحدة في اليوم مع كوب من الماء فقط..
علمت أنها أخطأت كثيرًا عندما وقفت في مجابهة “جبل العامري” لم تكن تدري إنه تحول ليكون هذا الشخص الغريب كليًا، الذي يذيقها الآن من العذاب ألوانًا.. ندمت أشد الندم لأجل ما فعلته ولأجل أنها فكرت في الانتقام بعدما حدثها “طاهر” الآن فهمت لما هو “جبل العامري”
الآن فقط تندم على كل شيء، تندم على عودتها الجزيرة مرة أخرى وتندم على عدم تفكيرها في رغبته بالعودة إليها، هل تغير بهذه السرعة والسهولة، هل أصبح شخص آخر في لمح البصر هكذا ألم يكن هذا الذي يذوب عشقًا في زوجته.. ألم يكن هذا الذي يقف أمامها شامخ يغازلها بكل حب وغرام يبدو غريب كليًا عليه.. كيف له أن يتحول بهذه الطريقة وبهذه السرعة ليكون راغبًا بها ويريد عودتها والزواج منها.. يا لها من غبية لم تفكر في أي شيء سوى العودة لاسترداد حقوقها، لم تفكر في كونه فخ محكم للغاية لدرجة أنه لم يأتي على خاطرها..
وقفت أمامه في القصر بجسد هزيل وروح تكاد تزهق، جالسة والدته جواره تنظر إلى بدنها الذي لا يستطيع أن يقف باستقامه تنظر إليها باحتقار
رفع “جبل” بصره إليها يجلس ببرود تام اتكأ على مرفقه يضع يده أسفل ذقنه بتلك الحركة المعتادة ينظر إلى حالها الذي تبدل للغاية..
شعرها مشعث ملامحها باهتة للغاية وجسدها نحف كثيرًا عن ذي قبل لا تستطيع أن تقف على قدميها ثابتة تنظر إليه بخوف ورجاء..
خرج صوته بقوة وخشونة ساخرًا:
-ازيك يا تمارا.. شكلك اتغير كتير
أبصر ما حدث لها بتمعن يحرك عينيه عليها بتهكم واستفزاز ثم أكمل بقسوة:
-ده درس صغير أوي يعلمك إنك تخليكي في نفسك وبس يا تمارا، متلعبيش مع الأكبر منك علشان هيفرمك
خرج صوتها ضعيفًا مبحوحًا تقول بخوف:
-مكنتش أعرف أنك بقيت كده
ابتسم ساخرًا بقوة وهو يعود للخلف يستند إلى ظهر المقعد ينظر إليها بتكبر واستعلاء:
-آه كنتي مفكراني جبل اللي مستنيكي تفضلي معاه وأول ما ترجعي هفتحلك دراعتي وأخدك بالاحضان..
تحدث بغرور وهو يناظر ضعفها وقلة حيلتها أمامه ليقول بقوة:
-مش جبل العامري اللي يعمل كده وبعدين بصراحة أنا لقيت الأحسن منك أبص لواحدة زيك ليه مثلًا
نظر إلى والدته بهدوء وجدية ليتحدث يخرج صوته بنبرة قاسية:
-أنا مش عارف أعمل ايه فيها.. كنت بفكر ارميها في الغابة وهي وشطارتها يا تخرج.. يا تخرج بردو بس على فوق.. تخرج منها على فوق
خرجت الدمعات من عينيها بغزارة تنظر إليه برجاء وضعف مميت تنظر إليه بخوف ورهبة شديدة وتحدثت برجاء قائلة:
-خليني أمشي يا جبل حرام عليك أنا لحمك ودمك
تحدثت والدته بتهكم تنظر إليها بقسوة وملامح وجهها مجعدة حادة للغاية:
-ولما أنتي لحمة ودمه خونتيه ليه
انهمرت الدمعات من عينيها أكثر وارتجف جسدها بعدما استمعت إلى حديثه القاسي وكأن نهايتها على يده لتقول بندم حقيقي:
-غلطة.. غلطة يا مرات عمي والله العظيم أنا آسفة سامحوني
عدل من وضعية يده أسفل ذقنه ليقول بتفكير قاسي يحاول اخافتها ولكنها لا تحتاج إلى ذلك:
-ولا اسيبها محبوسه في الجبل زي ماهي لحد ما تبقى هيكل عظمي
فكرت والدته للحظات تنظر إليها باحتقار لتبادله تلك اللعبة القاسية المريرة عليها:
-ينفع بردو يابني.. ينفع
الآن لا يوجد ما تندم عليه سوى أنها فكرت في العودة إلى هنا، لا تندم إلا على أنها عادت إلى “جبل العامري” وفكرت في أن تأخذ كل أملاكها مرة أخرى، هي تركته بمحض إرادتها لما عادت من جديد.. هل عادت لقتلها!.
انتحبت يخرج صوتها مقهورًا:
-علشان خاطري يا جبل سيبني علشان خاطري
ابتسم بتشفي وكره وهو ينظر إليها لا يبالي بأي شيء من حديثها يتابع بقسوة:
-ولا ارميها في النيل تعيش مع السمك.. أو تخرج بردو بس على فوق
مط شفتيه للأمام وعاد ينظر إليها بتفكير يتحدث بجدية تامة:
-الحقيقة يا تمارا فيه طرق كتيرة أوي كان ممكن أقولك عليها زي أنا هدفنك حية أو اقتلك زي اللي كانوا بيتقتلوا بس للأسف مش هتصدقيني لأنك عرفتي إني مش بقتل حد
لم يكن يخرج من بين شفتيها إلا شيء واحد وهو المطالبة بالفرار من هنا بلهفة وحزن شديد والخوف يسيطر على كامل بدنها:
-سيبني أمشي ومش هوريك وشي تاني
لم يهتم بما تقول مرة أخرى يكمل ببرود وهو ينظر إليها بعمق بعينها الخضراء الذي بعثت الذعر إلى سائر جسدها:
-علشان كده تموتي قضاء وقدر في النيل أو في الغابة كده يعني
اعتدلت والدته تبتسم وهي تستمع إلى حديث ولدها تنظر إليها بسعادة لأنه يدب الرعب في أوصالها وكانت تستحق ذلك بعد الذي فعلته به فقالت بجدية:
-ولا اقولك يا جبل.. خليها تمشي بس تفضل تحت عينك بردو ولو لعبت بديلها مش بس تموتها.. أنت تخليها تتمنى الموت الأول علشان تحرم بعد كده تلعب معاك
نظر إليها يسألها بهدوء ماكر:
-أنتي رأيك كده؟ اسيبها يعني
ابتسمت “تمارا” وعاد الأمل إليها في تركها لترحل وتبتعد عنهم ولكن والدته أخذته منها مرة أخرى عندما نظرت إليها بكره وقالت:
-أنا بفكر بس.. لكن لو ليك رأي تاني ماشي
ارتمت أسفل أقدامها تترجاها ببكاء حاد وصوت متعلثم:
-علشان خاطري خليه يسيبني كفاية كده.. أنا غلطت واعترفت بكل حاجه الشيطان ضحك عليا
أمسكت بكف يدها ترفعه إلى فمها وهي ترتعش بوضوح تكمل بذعر ورجاء ومازالت تبكي بقهر:
-أنا هسيبكم والله وكأني مرجعتش من الأساس خلوني أمشي
انتشلها “جبل” من الحالة التي هي بها عندما قال بجدية شديدة:
-أنا موافق.. هخليكي تمشي يا تمارا بس الله وكيل لو عملتي أي حركة لهكون قاتلك.. لو قولتي كلمة واحدة عني بينك وبين نفسك هتلاقيني قدامك وأنتي مجربة
تابعها بنظرات قاتلة حادة، سامة تقتلها فقط من مجرد النظر إليه ليخرج صوته يحمل قسوة العالم:
-أنا هسيبك بس علشان أنتي قولتي من دمي ولحمي.. وأنا وقعت كلامي قبل كده المرة الجاية الله وكيل ما هوقعه وهقتلك
ابتعدت عن والدته ووقفت على قدميها ترتجف بحدة متحدثة بلهفة شديدة:
-مش هعمل حاجه والله العظيم بس خليني أمشي.. خليني أمشي
أومأ إليها برأسه بهدوء ونظر إليها بعمق ثم قال بجدية:
-روحي غيري هدومك دي ولمي حاجتك علشان تغوري من هنا
أومأت برأسها سريعًا وذهبت تاركة إياهم تصعد إلى الأعلى بخطوات غير متزنة ولكنها تسارع لتقبض بيدها على حياتها قبل أن يقوم هو بإنهاء كل ذلك وقتلها دون أن يشعر بها أحد..
❈-❈-❈
وقف “عاصم” أمام “إسراء” في حديقة القصر بعيدًا عن الأنظار، ابتسم لها بحب وهدوء وتحدث قائلًا:
-دلوقتي أقدر أقف قدام أختك وأطلب ايدك منها ونتجوز
قطبت جبينها تنظر إليه باستغراب ووضعت يدها الاثنين أمام صدرها تقف أمامه باحتجاج:
-مين قالك إني هوافق يا عاصم قبل ما تحكيلي كل حاجه
نظر إليها يبادلها نظرات الاستغراب مستنكرًا من حديثها فهو قد قص عليها كل شيء حدث ليخرج صوته جديًا حاد:
-أنا قولتلك كل حاجه قسمًا بالله.. مافيش حاجه تانية
حركت كتفيها بهدوء قائلة بلا مبالاة:
-أنا مفهمتش كلامك أصلًا
أقترب منها في خطوة واحدة ينظر إليها بجدية شديدة ثم قال مرة أخرى موضحًا:
-ايه اللي مش فهماه بس.. أنا قولتلك إني مكنتش شغال حاجه وحشه ولا بتاع سلاح ولا غيره أنا كنت شغال مع جبل بس ده شغل سري تبع الحكومة وخلصناه خلاص ورجعنا لشغلنا هنا
مطت شفتيها للأمام تنظر إليه بعمق خائفة من أن تصدق ما يقوله لها عن عمله ويكن يكذب فقط لأجل أن يتزوجها:
-طب وأنا اصدقك إزاي بقى.. ما يمكن تكون بتكدب مثلًا
ضيق ما بين حاجبيه ينظر إليها باستغراب شديد لما تتفوه به فسألها باستنكار:
-أنا امتى كدبت عليكي يا إسراء
قالت بجدية وثقة:
-أنا محتاجه دليل
أشار إليها بيده بهدوء يقول بجدية وصدق ينظر إلى ملامحها وتشكيكها به بعدم تصديق:
-أسألي أختك وهي هتأكد كلامي هي كمان عرفت كل حاجه.. صدقيني أنا مش وحش
حركت كتفيها تبصره تنفي ما قاله:
-أنا مقولتش إنك وحش
أشار بيده مرة أخرى يتحدث بقوة وجدية شديدة يقع الصدق من كلماته الحادة بفعل غضبه الذي احتل جسده فقد كان يقترب منها إلى الحد الذي يريده الآن هي التي تبعده عنها:
-بس أنتي مش واثقة فيا.. قسمًا بالله ما بعمل حاجه غلط أنا كنت شغال شغل شريف والكل عارف كده أنتي اللي مش عايزة تصدقي مش فاهم ليه..
زفرت بضيق وهبطت بيدها إلى جانبيها لتنظر إليه بتشتت:
-الفكرة مش في كده بس أنا.. أنا متلغبطة
أقترب أكثر ليقف أمامها دون أن تفصل بينهم مسافة ليتابع ملامح وجهها التي تتغير بحيرة فـ تحير هو الآخر وهو يقول باستغراب:
-أنتي لما قولتي أنك بتثقي فيا كتاب بتكدبي
نفت سريعًا تُشير له بيدها ترفض ما قاله يخرج صوتها الناعم بقوة:
-والله لأ أنا بثق فيك بس مش عارفه
تابعها للحظات قبل هذا الوقت كانت تريده بكل جوارحها رقتها وجمالها وكل ما بها كان يناديه برضاء تام أما الآن فهي مشتتة تنظر إليه بحيرة لا تقف على مرسى معه، قال بجدية وهو يعود للخلف:
-أنتي مش عايزاني.. قولي اللي جواكي
رفعت وجهها إليه للحظات، تلك العينان الساحرة والنظرة البريئة، ملامحها الطفولية الجميلة، استغربت ما قاله فقالت بصوت خافت رقيق:
-أنا بحبك يا عاصم
أبتعد أكثر وهو يُشير بيده بهمجية لم يتوصل لشيء معها:
-اومال ايه بقى.. أنا قولتلك الحقيقة
عقبت على حديثه بهدوء وهي تقترب منه:
-خليني أتكلم مع زينة الأول ممكن
أومأ إليها برأسه بجدية شديدة وأبعد وجهه عنها قائلًا بقوة وصدق:
-ماشي اتكلمي براحتك.. بس خليكي عارفه إني مش كداب وقولتلك الحقيقة وإني كمان بحبك وعايز اتجوزك دلوقتي قبل بعد ساعة
وضعت يدها على كتفه من الخلف لتهمس بصوتها الناعم برقة شديدة قائلة:
-طب اثبتلي كده إنك بتحبني
استدار ينظر إليها ثم خرج صوته عاليًا يهتف بحبها بجنون وقوة:
-بــحــبــك
وضعت يدها على فمها بخجل شديدة وصدمة مما فعله ثم هتفت سريعًا بلهفة:
-بس بس أنت بتعمل ايه
أقترب ينظر إليها بعشق خالص ونظرة عيناه الساحرة تبعث إليها كم الحب المجنون بقلبه لها، يقول بصوته الرخيم وهو يقف أمامها بجسده الضخم:
-ده مش إثبات.. أنا أقدر اثبتلك لما تبقي مراتي اعملك كل اللي عايزاه أي حاجه تطلبيها.. مش هثبتلك بالكلام وبس
ابتسمت بخجل تنظر إلى الأرضية ثم رفعت وجهها إليه تقول بمشاكسه ومرح:
-أنت شكلك رومانسي ولا ايه
ابتسم وهو يحرك رأسه للأمام يؤكد حديثها قائلًا بصوتٍ أجش:
-رومانسي واعجبك
اتسعت ابتسامتها أكثر ودق قلبها بقوة وهي تتابع حركاته الرومانسية التي تخرج إليها هي فقط، هتفت اسمه بنعومة ورقة:
-عاصم
استمع إلى اسمه من بين شفتيها فتخدرت مسامعه من بعدها ينظر إلى وجنتيها الحمراء وملامحها الخجولة وعقب قائلًا:
-قلبه
لم تكن تقلل من حديثه أو تشك به أنها تثق به ثقة عمياء ولكن حديث شقيقتها أيضًا تثق به وتعلم تمام العلم أنها لا تريد لها إلا كل الخير لأجل ذلك عارضت ما قاله ووقفت أمامه ولكنها تحبه وتبغاه كما هو يتمنى أن تكون له وملكه وحده..
خرج صوتها بخجل وخفوت:
-أنا موافقة اتجوزك.. دي مش أول مرة أقولها ليك
حرك عيناه عليها بهدوء تام يشبعها بنقاء ملامحها وجمال روحها، يروي ظمأه برقتها وخجلها وطفولتها المسيطرة عليها وشراستها في بعض الأوقات..
خرج صوته الرجولي قائلًا:
-وأنا لو اتجوزتك ابقى سعيد الحظ ومحدش قدي في الدنيا دي كلها.. أنتي حاجه متتوصفش ومتتكررش
بقيت واقفة معه تنظر إليه تبادله نظرات العشق والغرام، يحركهما الوله نحو بعضهما البعض، تشبع عيناها من ملامحه الرجولية وحديثه الرحيم ونظرته الحادة الشامخة..
بقيت تتحدث معه بخجل ورقة يبادلها بالمرح وكلمات الغزل المتخفية بنظرات الغرام على عكس مظهره الذي لم يوحي إليها يومًا أنه رجل عاشق، لم يوحي إليها يومًا أنها ستقف أمامه بهذه الطريقة مسلوبة الإرادة تُسير خلف مشاعرها التي تنجرف نحوه بكل حب وسعادة..
❈-❈-❈
دلف “جبل” إلى غرفته يبحث عنها بعيناه ليجدها تقف أمام المرآة ترتدي قميص طويل من الحرير لونه بنفسجي يعلوه الروب الخاص به، تطلق خصلات شعرها السوداء الحريرية إلى الخلف تنظر إلى ذاتها تقيم مظهرها برضاء وابتسامة وهي ترى جمالها الهادئ الطبيعي..
استدارت تنظر إليه بعدما شعرت به دلف إلى الغرفة وبادلها النظرة من خلال المرآة، نظرت إليه بخجل وسعادة فتقدم إلى الداخل يغلق الباب ينظر إلى مظهرها الساحل الذي سلب عقله منه، يتقدم منها وعيناه مثبتة على ملامحها ثم مظهرها ثم كل ما بها، تستنشق أنفه رائحتها الأنثوية بالغرفة تملئ المكان تشعره بأنه في مكانه الخاص الذي لا يوجد به إلا هي..
وقف أمامها لتعرف أنامله طريقها متوجهة إلى خصرها يضمها إليه بحب ووله، يهمس بجانب أذنها بنبرة عاشقة فريدة من نوعها:
-دا الليل لسه مجاش.. هتعملي ايه تاني
ابتسمت باتساع وهي تعود للخلف تنظر إلى عيناه مباشرة بعمق قائلة بجرأة غريبة عليها:
-أنا اعتبرته جه
مط شفتيه يقول بضجر مصنطع:
-لأ كده بتاكلي حقي.. الليل لسه مجاش ليا حق فيه
اتسعت ابتسامتها متحولة إلى ضحكة خلابة تخطف أنفاسه لتقول بخفه وهدوء:
-خلاص تاخده معنديش مانع
ضيق ما بين حاجبيه ينظر إليها باستغراب مشككًا بها يسألها:
-ودلوقتي؟
أومأت إليه ضاحكة يخرج صوتها بنبرة مرحة:
-تاخده بردو معنديش مانع
شدد بيده على خصرها يضمها إليه أكثر قائلًا بهيام وعشق:
-هو أنتي حتى لو عندك مانع أنا هسيبك؟ ايه الجمال والحلاوة دي
أمسك بيدها مُبتعدًا عنها يحركها لتلتف حول نفسها وتعود مرة أخرى لتقف كما كانت ضاحكة يعود بيده على خصرها مرة أخرى يحيطها قائلًا بذهول:
-ايه ده يا غزال عيني مش عارف اشيلها عنك
وضعت يدها حول عنقه تقترب منه تهمس أمام شفتاه قائلة بغرور:
-ده شيء كويس علشان متشوفش حد غيري
أقترب مثلها ليتحدث بصوت أجش عاشق واثق أمام وجهها:
-صدقيني مقدرش.. قلبي وروحي وعيني وكل ما فيا قفل عليكي يا غزال
حركت يدها على رأسه تخللها داخل خصلاته تنظر إليه باستغراب مُبتسمة قائلة بهدوء:
-ده ايه الكلام الحلو ده
تغزل بها أكثر يلقي عليها كلمات غريبة عنه أصبح يعتاد عليها لأجل أن تخرج من قلبه عبر شفتيه إلى قلبها مباشرة:
-مشوفتش الحلو غير معاكي وعلى ايديكي
ضيقت ما بين حاجبيها ودققت النظر إلى عيناه الخضراء وملامح وجهه تسأله بغرابة:
-للدرجة دي يا جبل
تنهد بصوت مسموع يقترب منها ليقطف قبلة رقيقة سريعة ويعود يستند بجبينه على جبينها يتحدث بعشق:
-وأكتر صدقيني.. وحياة غلاوتك عندي ما شوفت الحلو غير معاكي
أكملت على حديثه برقة تحرك مشاعره نحوها مع تحركات أنامل يدها في خصلات شعره:
-وأنا كمان يا جبل.. مشوفتش الحلو غير معاك أنت ومحستش بنفسي غير معاك
تابعها للحظات ثم سألها وهو يعود للخلف:
-مبسوطة يا زينة؟
تحدثت سريعًا ولم تعطي لنفسها الفرصة في التفكير بل قالت كل ما أتى على خلدها في لحظة بنظرات سعيدة نحوه:
-طبعًا مبسوطة.. جبل أنا لقيت كل اللي بتمناه هنا، كان نفسي في ضهر وسند، حد ارمي نفسي في حضن قلبه يسمعني ويطمني.. ملقتش غيرك أنت
نفى حديثها وهو يعكس ما قالته عليه يؤكد أنها هي من كانت السند والمكان الأمن له:
-بس كل مرة كنت أنا اللي برمي نفسي في حضنك وأنتي اللي بتسمعيني
ابتسمت باتساع فرحة بأنها هي ملجأه الوحيد ومكانه الذي يلقي فيه أحزانه وأفراحه:
-ده بالنسبة ليا الدنيا واللي فيها.. أنا مكانك الوحيد يا جبل ده مش كفاية؟
أكملت بسعادة أكثر تنظر إليه بهدوء:
-وبعدين.. أنت أماني وسندي بجد
ابتسم ينظر إلى عيناها بنظرات غريبة كليًا عليها لتخرج كلمة واحدة من بين شفتيه بعشق خالص وهيامه بها يظهر على كافة ملامحه:
-بحبك
ابتعدت للخلف تترك رأسه تقول مبادلة إياه بغرام واضح عليها وصدق خالص:
-وأنا كمان
قبض على خصرها أكثر وهو يعود بها للخلف ناحية الفراش يقطف منها قبلة رقيقة تحمل كل معاني السعادة والحب..
يحتضن قلبها يشعر بخفقاته المبادلة لقلبه بقوة وقسوة تعبر عن كم الجنون والشغف الذي داخلهما، ينظر إلى السعادة البادية عليهم والعوض الجميل الذي أعطاه القدر لكل منهما..
لم تكن “زينة” إلا عوض له بعد كل عناء عاشه على يد الجميع حتى أقربهم إليه ولم يأتي على خلده يومًا أن يتمثل العوض في زوجة شقيقه..
وكان هو العوض بالنسبة إليها أيضًا بعد عناء عاشته في خفاء لم تدري بوجوده إلا بعد رحيل زوجها، ولم تتخيل يومًا أن تكون زوجة أحد من بعده أو أن تترك ذكراه وتنسى ما قدمه إليها ولكن أتضح أن كل ما قدمه ما كان إلا خديعة محت على يد شقيقه.. الذي تمثل إليها في جنون الحب والهوس المصاحب له..
أخذها بين ذراعه متنهدًا بعمق، تستند برأسها على صدره تنعم بدفء أحضانه..
تحدث بهدوء وجدية:
-عاصم عايز يجي يتكلم معاكي بخصوص إسراء أنتي عارفه اللي بينهم.. وأنا قولتله يجي بالليل
رفعت بصرها إليها بجدية وقالت:
-بس أنا مقدرش..
قاطعها يكمل حديثه بجدية واضحة:
-أنا قولتله يجي وبس يا زينة إنما القرار قرارك أنتي في النهاية اللي عايزة تعمليه أعمليه أنا ماليش دعوة
اعتدلت مرة ثانية كما كانت وأومأت برأسها موافقة تهتف:
-طيب يا جبل ماشي
تحدث مرة أخرى يملي عليها ما الذي من المفترض فعله بعدما تحدث معه “عاصم” وشرح له الموقف:
-ابقي فهمي إسراء اللي حصل، عرفيها أنه مش شغال في السلاح.. اتسرعتي وقولتي ليها وهي ما صدقت
قالت بجدية وصدق فهي حينها كانت تريد أن تبعدها عنه خوفًا عليها:
-مكنتش قدامي حل تاني أبعدها عنه غير كده، كنت خايفة عليها ومش واثقة فيه
أومأ برأسه يشدد بيده على جسدها يقربها منه قائلًا بتعقل:
-اديكي عرفتي كل حاجه.. ابقي عرفيها
أومأت إليه موافقة:
-طيب
أكملت تسأله ترفع وجهها مرة أخرى تنظر إليه بعمق:
-تمارا ليه لسه هنا
أجابها بهدوء وهو يعتدل في الفراش ومازال يحاوطها:
-أمي طلعت تجبها لقيتها مش قادرة تتحرك قولتلها خلاص خليها لبكرة الصبح
نظرت إليه بجدية شديدة وتخلل القلق قلبها فتابعت متسائلة:
-ممكن تعمل حاجه
ابتسم بتهكم ساخرًا عليها يتذكر مظهرها وهي تترجاه أن يتركها ترحل، ثم أكمل حديثه بقسوة:
-مشوفتيهاش أنتي وهي بتترجاني تمشي.. الله وكيل لو فكرت بس لأكون قاتلها
ترجته هي بقلق تضع يدها عليه تحثه على اللين تجاهها:
-لأ علشان خاطري خليها تمشي بس مش أكتر من كده
مط شفتيه قائلًا بجدية:
-ده اختيارها هي بقى.. يا تمشي من سكات يا تتقتل
ضيقت عينيها عليه قائلة بجدية بعدما فكرت قليلًا، مؤكد أنها تريد الخروج من هنا دون أي ضرر بعدما فعله بها:
-أكيد ندمت بعد اللي عملته فيها وهتفكر بعقل.. مش هتتهور أكيد
قال بقسوة وغلظة ليست غريبة عليه أبدًا وهو يعني كل كلمة يقولها:
-أنا اتمنى ده علشان لو حصل غيره مش هرحمها وأنا لحد دلوقتي رحيم معاها
أبعد نظرة من الفراغ إليها يميل عليها قائلًا بضيق:
-سيبك من الكلام ده بقى
أقترب منها أكثر يقطف قبله من شفتيها بسعادة خالصة، وقلب مشتعل بالنيران المتوهجة تشعل جدرانه بالهوى المجنون..
❈-❈-❈
في المساء وقفت “زينة” تعدل من ملابسها تستعد للهبوط إلى الأسفل لمقابلة “عاصم” كما قال لها “جبل” وهذا بعد أن تحدثت مع شقيقتها وسردت عليها كل ما علمته بخصوصه فقط هو وجبل من الناحية العملية..
ما قالته لها لم يكن إلا حديث كاذب لم تدرك أنه هكذا إلا بعدما اعترف لها “جبل” بكل شيء..
قابلتها شقيقتها بالسعادة والفرح بعدما غزوا قلبها لأن ما قالته عنه ليس صحيح وما بدر منها نحوه ولن يتكرر مرة أخرى بل سيتقدم لخطبتها وهي موافقة بكل جوارحها على أن تكون حبيبة وزوجه له.. ولكن يبقى القرار في يد شقيقتها والتي إلى الآن لا تعلم ما الذي ستفعله.. لم تتحدث معها وتريح قلبها وقلبه كل ما فعلته أنها أثبتت براءته من تلك التهم التي نسبتها إليه وهي ليست متأكدة منها..
هبطت إلى الأسفل ودلفت إلى غرفة الصالون لتراه يجلس مع “جبل” ألقت السلام عليه ودلفت تجلس جوار زوجها مقابلة له..
كاد أن يتحدث معها ولكنها منعته عندما قالت بوضوح:
-لحظة يا عاصم.. خلي كل الكلام قدام إسراء
ما أن أنهت حديثها حتى وجدوا “إسراء” تدلف إلى الغرفة بفستان رقيق لونه بني غامق بنصف كم وفتحة صدر ضيقة يحكمه حزام ذهبي على خصرها يهبط إلى أسفل قدميها باتساع.. يعكس جمال بشرتها ورقتها وتلك النعومة الغريبة التي تتحلى بها
دلفت إلى الداخل تنظر إلى الأسفل بخجل شديد، رفعت عينيها عليه تلمحه فقط لترى أمامها رجل وسيم للغاية يبتسم بسعادة يناظر عيناها ملابسه مهندمة ومظهره رائع للغاية..
بينما هو حبست أنفاسه داخله وهو ينظر إلى جمالها الذي في كل مرة يأثره بضراوة وكأنها المرة الأولى..
حمحم بخشونة ونظر إلى جبل الذي أخذ دوره ناظرًا إلى “زينة” يقول بهدوء ومرح:
-أنا هنا مع عاصم.. مش معاكي
ابتسمت بهدوء تومأ إليه برأسها فأكمل قائلًا بجدية:
-وبصفتي وكيل عاصم، يسعدني ويشرفني إني أطلب ايد أخت حضرتك الآنسة إسراء لعاصم
سألته بجدية وهي تعتدل في جلستها تنظر إليه بقوة:
-ممكن أعرف عاصم بيشتغل ايه
تحدث “عاصم” يعفي “جبل” من الإجابة قائلًا:
-أنا رئيس الحرس هنا ونائب عن جبل والمتحكم بعده في كل أمور الجزيرة
أبعدت نظرها إليه، تابعته ثم سألته باستهزاء:
-بس كده؟
شعر من نظراتها نحوه ونبرتها تلك أنها مازالت لا تطيقه، تحدث بجدية يجيبها:
-عندي أرض ملكي على الجزيرة بتدخلي فلوس كويسه وعندي بيت بتاعي ده غير شغلي مع جبل وكمان عندي فلوس تكفيني طول حياتي كلها
رغم أنها كانت تسأل عن مصدر دخله وتريد أن تتأكد من أنه سيجعل شقيقتها تكون في أفضل حال ولكنها غيرت حديثها قائلة بجدية:
-بس الفلوس مش كل حاجه
سألها باستغراب تحت نظرات الجميع:
-اومال ايه
بادرت بسؤال آخر ولم تعير سؤاله اهتمام:
-أنت أهلك فين؟
أجابها بقوة ينظر إليها بعمق وحدسه يخبره أنها حقًا تبغضه:
-أنا معنديش أهل.. ماتوا، أنا وحيد
قالت بهدوء مستفز:
-لو حبيت اشتكي منك في يوم اشتكي لمين أو إسراء تشتكي لمين
اعتدل في جلسته وتأكد من شعوره، أجابها بقوة وثقة ينظر إليها بجدية شديدة:
-أنا مش هزعلها علشان تشتكي ومش هعمل حاجه تضايقك أنتي كمان علشان تشتكي بس لو حصل جبل أهو أظن ده أكتر واحد يقدر عليا وعلى الكل
مرة أخرى تترك حديثه دون اهتمام وتسأله باستغراب مضيقة عيناها عليه:
-اشمعنى إسراء وليه
أبعد نظره إلى “إسراء” ينظر إليها بحب وهدوء ونظرته تحولت مئة وثمانون درجة، ثم قال بصوت رخيم:
-علشان بحبها.. بحبها بجد ومش مستعد أن ألاقي رفض منك
تهكمت ضاحكة وهي تستند بمرفقها على ذراع المقعد تنظر إليه بسخرية شديدة:
-ولو رفضتك
ابتسم هو الآخر يبادلها بلا مبالاة وبرود تام وخرجت الكلمات من شفتيه بصدق وثقة:
-صدقيني مش هتشوفيها تاني
اعتدلت “زينة” في جلستها تنظر إليه بحدة صارخة بذهول:
-نعم!..
تدخل “جبل” سريعًا محذرًا إياه:
-عاصم
إنه يرى نظرات “زينة” نحوه يبدو أنها رافضة ولكن ما تفعله من أجل شقيقتها لأنها ترى موافقتها وحبها الكبير له، تحدث “عاصم” بامتعاض يجيبه:
-أكدب عليها؟ أنا بقولها الحقيقة علشان مترفضش وندخل في متاهات
سألته تنظر إليه بقوة وحدة:
-هتخطفها يعني
أومأ إليها برأسه مبتسمًا بسماجة:
ابتسمت ببرود والقت ما قاله جانبًا ثم هتفت بنبرة متزنة ونظرتها نحوه واثقة:
-إسراء أختي الوحيدة، وعايشه معايا من زمان أوي وأنا كنت المتحكمة في كل حاجه في حياتها لأنها رقيقة وبريئة متقدرش تتصرف في أي حاجه لوحدها
أكمل على حديثها مؤكدًا:
-أنا عارف ده
تابعت تكمل ما بدأته:
-أنا رفضتك في البداية لأن مش دي الحياة اللي أحبها تعيشها.. أنا كمان كنت رافضة أعيش الحياة دي لكن عيشتها وبرضايا فأنا مقدرش أرفض حاجه هي عايزاها
ثم نظرت إليها وزفرت بعمق:
-خصوصًا أنها هي كمان بتحبك
سألها مضيقًا عينيه عليها منتظرًا إجابة واحدة منها لا غيرها:
-يعني أنتي موافقة
أومأت إليه وأبعدت وجهها إلى شقيقتها تبتسم إليها بسعادة:
-موافقة
تهللت أساريره وهو ينظر إليها بسعادة والإبتسامة من الأذن إلى الأخرى، لم يستطع أن يمنع دقات قلبه عن التعالي وهو شاعرًا بالسعادة تغزوه بقوة ولكنها منعت تلك الفرحة من التزايد وهي تنظر إليه بخبث بعد أن بادلت زوجها الابتسامة:
-بس في حاجه
اختفت الابتسامة من على وجهه وأبصر “جبل” باستغراب ثم “إسراء” التي رفعت وجهها مستفهمة ليخرج صوته بقلق وهو لا يثق بها:
-حاجه ايه تاني
مطت شفتيها ببراءة تعود تستند ظهرها إلى ظهر المقعد تظهر في جلستها العنجهية والكبر وهي تقول بشماتة:
-أنا آه موافقة بس ده مجرد رأي.. لأن مش أنا اللي هقرر لأن مامت اسراء عايشة حية ترزق.. لازم هي اللي تقرر
انتفض واقفًا بعصبية وغضب بعدما لم يستطع السيطرة على نفسه من تلك الحركات المستفزة التي تقوم بفعلها ورفضها البادي عليها ولكنها تحاول مداراته:
-نعم.. هو لسه في مامت إسراء اومال أنتي مغلبانا ليه من الأول وعامله فيها الكل في الكل
نظرت ببرود تام تبتسم بتهكم واستفزاز ثم غيرت نظرتها وخرجت نبرتها بعصبية:
-شوفت بقى.. وبعدين أنا حاسة بكره كده خارج منك ناحيتي والله العظيم ألغي الجوازة كلها
رفع “جبل” بصره إلى “عاصم” بضيق شديد فهو لا يطيق “زينة” وهي الأخرى تبغضه يبدو هذا واضحًا من تصرفاتها وأفعالها معه، صاح بحدة:
-زينة خلاص.. عاصم أتكلم كويس في ايه
جلس مرة أخرى بامتعاض ينظر إليها بكره فابتسمت باتساع شامتة تكمل:
-أنا قولت اللي عندي مامتها عايشة لازم تعرف كل حاجه ويا توافق يا ترفض ودي مش مشكلتي بقى
أشار نحوها بقوة وهو ينظر إلى “جبل” و “إسراء” يقسم أنها تريد أن تعقد الأمر:
-قسمًا بالله أنتي بتعقديها.. أنا عملتلها ايه دي
اهتاج “جبل” عليه وصرخ به عندما وجده يتخطى حدوده معها:
-عـاصـم
تحدثت “إسراء” هذه المرة بعدما فهمت ما تحاول فعله شقيقتها، نظرت إليه بهدوء قائلة بعقلانية:
-خلاص يا عاصم كلامها صح ماما لازم تعرف وتوافق
أشار إليها بيده بهمجية وهو لا يطيق الانتظار أكثر من ذلك قائلًا بضيق:
-يعني أمك متعرفش حاجه عنك طول حياتك جايه تعرف في دي
أجابته بجدية شديدة:
-على فكرة لو مكانتش زينة قالت أنا كنت هقول
أبعد نظره إليها يتابعها بعينيه السوداء بانزعاج وضيق هاتفًا:
-لأ كتر خيرها قامت بالواجب
ابتسمت باتساع بعدما توصلت إلى ما تريده ألا وهو أن تجعله يصل إلى ذروة غضبه فلم تنسى ما فعلهم مع شقيقتها عندما أتوا إلى هنا وهي من الأساس لا توافق على زواجه منها بل هي مرغمة على الموافقة لأجل شقيقتها، تحدثت ببرود:
-تشرب ايه يا عاصم
أجابها بقوة يضغط على كل حرف يخرج من شفتيه ليصل إليها بمغزاه:
-سم.. أشرب سم
عقبت هي الأخرى على حديثه تتفهم معنى حديثه جيدًا:
-معندناش سم
مسح بيده على وجهه يقسم داخله أنه فقط إلى الآن يتحلى بالصبر لأجل “جبل” و “إسراء”:
-استغفر الله العظيم يارب.. يارب صبرني
نظر إليه “جبل” مبتسمًا بسماجة يحاول مداراة ابتسامته عنه وهو يرى زوجته تفعل معه ما لم يستطع فعله أحدًا قبلها..
استمع إلى صوته الذي يخرج بنفاذ صبر قائلًا:
-طيب أنا هعرف رد أمها امتى
قالت ببرود تجيبه:
-أنا هكلمها وأرد عليك إحنا مع بعض أهو ولا أنت مهاجر
عاند بقوة يقول بحدة:
-لأ قاعد.. قاعد فيها ومش هامشي غير وإسراء معايا
اعتدلت تتسع ابتسامتها قائلة:
-خلاص ادينا قاعدين
كل هذا تحت نظرات “جبل” و “إسراء” التي كانت خائفة من أن يحتد الأمر بينهم ولكنها في النهاية ابتسمت باتساع على ما يحدث بينهم من مناوشات أسفل الطاولة ينظر إليها والشرر يتطاير من عينيه وهي تبادلة ببرود تام وكأن الأمر لا يهمها.. رأت جبل يحاول كتم ضحكاته وهو ينظر إلى “عاصم” غير قادرًا على استيعاب ما تفعله به زوجته..
❈-❈-❈
جلس “جبل” على الفراش رفع بصره إليها وتحدث ضاحكًا:
-عملتي ليه كده مع عاصم
أجابته بنبرة جادة:
-مش مرتحاله ومش موافقة عليه أصلًا أنا عملت كده علشانها لأنها عايزاه مع أنها صغيرة ومش فاهمه حاجه
أردف يجيبها بهدوء:
-بس عاصم كويس.. عاصم أفضل مني بكتير
جلست جواره وقالت:
-أنا مش بقارن يا جبل بس أنا مش زي إسراء بردو
أومأ إليها برأسه إليها ووقف على قدميه متحدثًا بجدية:
-براحتك اعملي اللي شيفاه صح بس هو حد كويس
تقدم يُسير متجهًا إلى باب الغرفة وقال:
-أنا نازل وجاي
أومأت برأسها إليه ووقفت متقدمة من المرحاض، دلفت إلى الداخل وأغلقت الباب من خلفها..
بعد دقائق فقط فُتح باب الغرفة وولجت “تمارا” إلى الداخل تنظر إلى الغرفة بجنون هستيري، اقتربت بملامح تحمل الشر داخلها تنظر إلى كل أنش بكراهية وحقد شديد..
اقتربت لتقف أمام الشرفة تنظر إلى الستائر المعلقة أمام الباب، ثم رفعت يدها التي تتمسك بالقداحة لتنظر إليها مبتسمة بشر ثم ضغطت عليها باصباعها ليخرج خط نيران خفيف ولكنها جعلته يتحول إلى آخر مرعب عندما اقتربت به من الستائر ليلتهمها تتصاعد النيران تشتعل أكثر وأكثر..
ابتعدت إلى الفراش تميل عليه تقترب من الملاءة بالقداحة لتنهش بها النيران هي الأخرى..
ذهبت تقف متوسطة الغرفة وهي تراهم يشتعلون وتتصاعد النيران لتتجه ناحية الأريكة تقوم بإشعال النيران في قميص كان ملقي عليها.. اتجهت إلى خزانة الملابس وفتحتها لتبدأ في إشعال النار في الملابس لتلتهم النيران الغرفة بقسوة شديدة..
ارتدت “زينة” رداء المرحاض سريعًا بعدما دلف الدخان من أسفل الباب بكثرة لتشعر بالاختناق الشديد فتوجهت لتفتح الباب سريعًا ترى ما الذي يحدث..
فتحت الباب دون أن يأتي على خلدها أي شيء كهذا لتندلع النيران بدخانها عليها بقسوة فعادت للخلف سريعًا بذعر وخوف شديد يدق قلبها بعنف لتخرج منها صرخة مباغتة تنظر إلى الخارج بعينين متسعة غير مصدقة ما يحدث لتتجه سريعًا وتقوم بفتح صنبور المياة لعل هذا ما ينجيها..
❈-❈-❈

يتبع…




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close