اخر الروايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندا حسن



“خديعة دُفنت أسفل الأتربة في صحراء جرداء، حفر محب وعاشق ولهان ليخرج بزهرة لا تنم إلا عن الحب والسلام محولة الرمال إلى أرض خضراء تحمل كل معاني السلام”
ثلاثة أعين يتبادلون نظرات مختلفة تمامًا عن بعضها البعض، أحدهما ينظر إلى الآخر بتشفي وشماتة لا نهائية، وابتسامة عريضة مزينة مُحياة بطريقة ماكرة خبيثة..
بينما نظرات أخرى مصدومة، تشعر بالقهر والمزلة، نظرات ضعيفة مجردة من الثبات يظهر كل ما داخلها إلى الجميع لتعبر عن القهر الذي شعرت به
وغيرها نظرات حادة قاسية، مهيبة غليظة، لحظات مترددة نادمة وأخرى شامخة متزنة واثقة، كل لحظة والأخرى تتغير النظرات وتتبادل الأعين العتاب..
ذلك العتاب الممزوج باللوم والخذلان، يتبادلون الضعف المميت والقوة الشامخة، لحظة والأخرى والقبضة تشتد على قلبها تعتصره بقوة وعنف لتتابع النظر إليه بدهشة وصدمة خالصة..
نظر “جبل” إلى “تمارا” بقوة والغضب يعمي عيناه فأبعد عينه مرة أخرى قابضًا بيده فوق ذراع “زينة” يضغط عليه لتآن بألم وتحدث إلى ابنة عمه بعنف:
-اطلعي بره يا تمارا… شكلها عايزة تتربى كويس
اقتربت منه تضع يدها على ذراعه بغنج ودلال متحدثة برقة مزيفة:
-خلاص يا حبيبي سماح
خرج صوته بعنف وقسوة يُشير إليها بيده الأخرى قائلًا:
-لازم تتربى علشان بعد كده مترفعش عينها فيكي.. أنا اللي عملت ليها قيمة وكبرتها عليكي وأنا اللي هاخدها منها.. اطلعي
ابتسمت بتشفي وهي تنظر إليها بغرور وثقة ولكن عينين “زينة” كانت معلقة به هو فتابعت سيرها للخارج بغنج:
-ماشي يا حبيبي اللي تشوفه
ذهبت إلى الخارج فنظر خلفه ليراها خرجت، ترك يد “زينة” وذهب خلفها ليوصد الباب بالمفتاح وهو يصيح بهمجية:
-أنتي شكلك كده كبرتي على البيت باللي فيه.. بس أنا هعرف اربيكي كويس
أقترب منها سريعًا ليضع قبلة على وجنتها التي لطمها عليها ناظرًا إليها بآسف نادمًا عما فعله، دفعته للخلف تتحدث بخفوت:
-أنت بتضربني يا جبل؟ بتضربني تاني
أخذ كف يدها بين قبضته ليرفعه إلى فمه متحدثًا بآسف:
-ششش.. أنا آسف كان لازم أعمل كده علشان تصدق
اتسعت عينيها عليه أكثر وهي تدفعه تقول بصوت خافت للغاية:
-تقوم تضربني كده قدامها
قرص وجنتها بضراوة ويده تشتد عليها فصرخت عاليًا ليتابع هامسًا:
-أيوه كده خليكي شغاله
صدح صوتها وهي تدفعه أكثر للخلف مستغربة تمامًا مما يفعله معها، تتحمل الحديث والتصرفات وجنونه عليها ولكن يصفعها!.. هل هو مجنون حقًا:
-أنت بتضربني والله العظيم أنت شكلك اتجننت
أقترب طابعًا قبلة فوق شفتيها برقة ولين يقول بصوت أجش شغوفًا نحوها:
-مقدرش.. الله وكيل ما أقدر بس كان لازم أعمل كده أنا آسف قولتلك
عاد للخلف مغيرًا نبرة صوته الهامسة الرقيقة بجانب أذنها لترتفع عاليًا:
-أنتي اتجننتي ولا ايه محدش عارف يلمك.. لأ فوقي يا زينة هانم مش أنا
غمزها بعينه كي تستمر معه في الصراخ ومعاداة بعضهم لكي يصل الأمر مطبوخًا بتوابل فريدة من نوعها لعقل “تمارا”:
-أبعد عني بقولك وملكش دعوة بيا يا أما تخليني أمشي من هنا
أقترب منها وهي تتحدث يضع قبلاته على عنقها يقربها منه محتضًا خصرها بساعديه بحب ورغبة شديدة ينظر إليها بهيام، ثم صاح قائلًا بصوت مرتفع:
-لأ بقى مش هتمشي.. أنا خيرتك يا تمشي لوحدك يا تتلقحي هنا وأنتي اختارتي.. تمشي امتى بقى دي بتاعتي أنا
أجابته بغضب مزيف وصوت مرتفع:
-هو حد قالك إني جارية عندك
قربها منه أكثر محركًا يديه عليها بحرية قائلًا بقسوة:
-وهو حد قالك إني مستني اللي يقول.
صمت للحظة وهو يقتنص ثانيةً قبلة سريعة من شفتيها يردف ومازالت المسرحية مستمرة:
-أنتي من النهاردة جارية للقصر كله وخصوصًا تمارا.. خلاص رجعت وهتاخد مكانها أنا اللي كنت غبي لما سيبتها وقربت لخاينة زيك
صرخت بعنف ترفع من نبرة صوتها:
-اشبع بيها بعيد عني يا جبل
صرخت عندما دفعها للخلف لتصطدم بالحائط خلفها فاقترب منها يقف أمامها يحاصرها بجسده يقترب منها بحميمة:
-بلاش بجاحه علشان متزعليش
أكمل بجدية شديدة:
-أنا لسه عند كلامي.. أي غلط هيطلع منك بالخصوص ناحية تمارا هزعلك
مال عليها يفعل ما يشاء يكمل بحدة ليصل كل ما يقوله إلى القابعة خلف الباب:
-أنا داخل استحمى.. وأنتي لمي حاجتك دي وغوري من هنا
سخرت منه قائلة:
-يعني هغور من الجنة
أجابها بغموض:
-هي مش جنة آه بس أنتي رايحة للجحيم
أخفضت صوتها قائلة بجدية بعدما نظرت إلى أسفل الباب:
-شكلها لسه واقفة
استدار ينظر هو الآخر وعاد إليها قائلًا بصوت خافت:
-دلوقتي تمشي
أكمل ناظرًا إليها:
-اصرخي
ابتسمت باتساع غير قادرة على التكملة وهي تراه ينظر إليها بهذه الطريقة يطلب منها أن تستمر في التمثيل بهذه المسرحية الغريبة ففعلت غير قادرة على أن تتحكم بابتسامتها ولكنه صاح من خلفها:
-اوعي كده بلاش قرف
أبتعد عنها وذهب إلى المرحاض ليفتح بابه ثم دفعه بقوة ليصدر صوتًا مرتفعًا وصل إلى مسامعها فصاحت “زينة” بعد فعلته متصنعة القهر:
-ظالم ومتخلف
بينما الأخرى كانت تقف خلف الباب تبتسم بسعادة كبيرة، ترتسم على شفتيها من الأذن إلى الأخرى وقلبها يخفق داخل أضلعها معبرًا عن السعادة الذي بها، تنظر إلى البعيد وترى المستقبل القريب معه هنا في قصر العامري.. لقد ابتلعت الطُعم الذي صنعه “جبل” بمساعدة زوجته بعدما أدرك الحقيقة الكاملة لكل ما حدث..
في الداخل عاد إليها مرة أخرى ينظر إلى أسفل الباب فوجد ظلها يختفي تبتعد عنهم بعدما اطمئنت لما بينهم ليقترب من “زينة” جاذبًا إياها يجلس على الفراش ثم أخذها فوق ساقيه ينظر إليها بحب وآسف وقال بصوت خافت:
-معلش أنا آسف عارف إن أيدي تقيلة بس علشان الخطة تمشي مظبوط ومتحسش بحاجه
أومأت برأسها إليه تضع يدها الاثنين حول عنقه قائلة بابتسامة:
-خلاص مسمحاك
أكمل وهو يُمرر يده بين خصلات شعرها بحنان يقول بجدية شديدة وصرامة:
-زينة أنا مش عايز غلط وإلا كل حاجه هتبوظ خليكي زي ما أنتي مهما عملت.. ماشي؟
أومأت إليه مرة أخرى وتحدثت برفق:
-أنا عملت زي ما طلبت مني بالظبط.. وبعدين أنا مستغربة نفسي أصلًا مثلت الدور مظبوط وكأني مصدقة
تابع عيناها السوداء التي تحمل كامل الاختلاف عن عيناه وقال بجدية مبتسمًا:
-مكدبش عليكي أنا كنت خايف منك
سألته باستغراب:
-ليه
أجابها بجدية ينظر إليها بعمق:
-كنت خايف ببقى عندك حالة برود مثلًا مكنش حد هيصدق اللي بنعمله.. أو تضحكي زي دلوقتي كده يبقى كله راح في الفاضي، أنتي كنتي غزال فعلًا
تبسمت تمرر يدها على وجهه وأردفت متسائلة تضيق عينيها عليه:
-طب الخطوة الجاية ايه.. ما أكيد مش هنفضل كده
ربت على ذراعها قائلًا بثقة:
-متقلقيش أنا مخطط لكل حاجه
تعمق ينظر إليها ثم ابتسم بخبث يغمزها متحدثًا بمكر:
-بتغيري عليا مش كده.. كنتي هتولعي حسيت بيكي من مكاني
أجابته بحدة وعصبية وهي تحاول الإبتعاد عنه:
-هو المفروض أقف اسقفلك وأنت بتحضنها وكمان بتعاند فيا ومقربها منك كده
أشار إليها بيده أن تخفض صوتها وأكمل عليها بعشق وشغف يقبض عليها بضراوة:
-فرصة وجاتلي لحد عني اشوفك بتغيري عليا ولا لأ اضيعها؟
حركت رأسها بقوة يمينًا ويسارًا قائلة بسخرية:
-لأ إزاي متضيعهاش
ابتسم محركًا يده عليها مقربها منه قائلًا بثقة:
-المهم طلعتي بتغيري
ابتسمت وهي تقترب منه تبادله القبلة التي أخذها منها مقتنصًا إياها بلهفة وشغف يُعبر بها عن مكنون قلبه الذي أفصح عنه كثيرًا من المرات ولكن ولا مرة منهم عبرت عما داخله..
“قبل بعض الوقت في صباح نفس اليوم”
وقف “جبل” يفكر فيما حدث بالأمس بينه وبين “زينة” لم يخلد للنوم من الأساس بسبب كثرة التفكير فيما حدث يحاول جاهدًا أن يجد ذلك الحقير الذي فعل به ذلك ولكن للأسف لا يوجد أحد سواها هي و “عاصم” وما بدر منها في الأمس إلى اليوم يجعله يصدقها حتى وإن باتت كل الأدلة تكذبها..
إذًا لا يوجد إلا “عاصم” ولكن لما ليفعل “عاصم” شيء كهذا غير أنه لا يعلم أنه قص على زوجته ما يعمل به إذًا سيكون “عاصم” على علم أن إن علم أحد سيكون هو أول المُتهمين لأن لا غيره يعلم!..
ليس هو وليس هي! إذًا من؟
تقدم يُسير في الغرفة ينظر إلى الفراغ يحاول أن يجمع الخيوط بعقله وأن يجمع جنود أفكاره حول هذا الموضوع ولكن بات رأسه يؤلمه لم يخلد إلى النوم من الأمس ومازال يفكر ولم يتوصل إلى أي شيء.. حتى أن لا هناك وسيلة يلجأ لها كي تساعده..
من يستطيع مساعدته اثنان فقط والاثنان لا يفعلونها بينما العقل يقول غير ذلك وشيطانه يدفعه لفعل أشياء غريبة لا يريد فعلها ولكن الوضع الذي هو به لا يحسد عليه بل يواسى به..
جلست “زينة” على الفراش تطمس على ووجهها بيدها الاثنين تنظر إليه بعدما استيقظت من نومها التي دلفت به بعد شروق الشمس..
تحدثت بصوت خافت خَجلة منه لأجل شكه بها وخَجلة من الموقف الذي بقيت به أمامه فلم يفضح سره إلا بعدما هي علمت به:
-أنت لسه صاحي
نظر إليها وأبعد وجهه دون حديث ومازال يفكر بعمق، نهضت من فوق الفراش تقترب منه بهدوء ثم تحدثت:
-جبل أنا آسفة.. والله أنا عارفه أن موقفي وحش والسر مطلعش غير بعد أنا ما عرفته بس والله العظيم مش أنا صدقني
أومأ إليها برأسه يشعر بالضجر الشديد، لا يحتمل حديث أحد من الأساس وقعت على رأسه كارثة إن علم بها أحد سيكون مع الأموات هو وكل عائلته..
أمسكت بيده وجعلته ينظر إليها قائلة بحزن:
-بصلي طيب
نظر إليها وأمسك بيدها وأردف بجدية:
-زينة خلاص أنا مصدقك بس لازم ألاقي حل وأعرف هو عرف حاجه زي دي منين
أكمل بقلق بالغ عليهم:
-طاهر راجل غبي وكره لينا مديله دافع كبير علشان يقدم الأذى.. ولو ده حصل وهو قال اللي عنده أنا وانتوا كلكم هنبقى تحت التراب
وجدها تنظر إليه باستغراب تام وبدأ القلق يدق باب قلبها فأكمل بعقلانية:
-أنا واحد بس ومعايا رجالة كتير آه، لكن هما كتير ومعاهم رجالة ضعف عدد رجالتي عشر مرات، لو اجتمعوا سوا عليا هختفي لازم أبقى فاهم ده مش هخبي الحقيقة..
تركها وسار مبتعدًا متحيرًا:
-لو عرفوا إني كنت بوقع واحد ورا التاني وكل اللي اتحبسوا دول اتحبسوا بسببي مش هيسموا علينا..
أكمل بقسوة وغلظة:
-آه أنا قوي وجبل العامري مش هيقع ولا يتهز، بس في حالة زي دي مش بس هقع أنا هتمحي وانتوا معايا ومش بعيد الجزيرة كلها
سألته مضيقة عينيها عليه:
-طب والشرطة
أجابها بجدية وهو يجلس على الفراش:
-على ما ياخدوا خبر باللي بيحصل ويجوا هنكون موتنا
وضع يده بين رأسه وهو ينحني للأمام قائلًا بارهاق:
-لازم ألاقي حل علشان احميكم.. لازم أعرف طريق طاهر
أقتربت تجلس جواره تضع يدها على كتفه تربت عليه وتحركت شفتيها بالحديث ولكن رنين هاتفه قاطعها، اعتدل في جلسته يخرج الهاتف من جيب بنطاله ثم أجاب بجدية:
-أيوه يا كمال.. عملت ايه كنت مستني منك مكالمة
أجابه الرجل على الطرف الآخر بجدية شديدة:
-من وقت ما جيت وراها يا جبل بيه ومافيش أي تحركات غريبة ولا كانت بتنزل من البيت حتى لحد من يومين تلاته كده
وقف “جبل” سريعًا يستمع إليه على الناحية الأخرى فتحدث بلهفة يسأله:
-حصل ايه؟
أجابه يُسرد عليه ما حدث بينما هو يراقب “تمارا” منذ أن خرجت من الجزيرة:
-جات عربية نضيفة أخدتها، ركبت فيها طلعت وراها نزلت منها عند مراكبية ركبت المركب وراحت في عرض البحر قعدت يجي نص ساعة ورجعت تاني
تابع يسأله:
-وبعدين
أكمل قائلًا بهدوء:
-حصل ده أول امبارح وامبارح.. بس أنا مكنش ينفع انزل وراها وإلا كنت هتكشف.. حاولت أسأل الراجل اللي كانت بتركب معاه كل مرة مرديش يقول حاجه
تابع يتحدث بجدية:
-حاولت أسأل حد تاني قالي أن فيه يخت لراجل أعمال واقف بقاله مدة في عرض البحر بس مشي
أغلق الهاتف معه بعدما تأكد منه أنها الآن بالمنزل وأكد عليه أن يجعلها تحت ناظريه لا يتركها أبدًا إلا عندما يأمره هو بذلك..
عاد “جبل” يجلس على الفراش ينظر إلى الأمام يفكر فيما استمع إليه والآن بدأ بدمج الخيوط مع بعضها ليظهر من خلالها قطعة قماش ظاهرة بوضوح ألا وهي أن “تمارا” من علمت بأمر عمله، ثم بعدما خرجت من الجزيرة تواصل معها “طاهر” لأنها من المؤكد لا تعرفه ولن تصل إليه بهذه السهولة إلا إذا كان هو يريد ذلك.. ثم قصت عليه كل شيء يحدث هنا ومن بينهم خبر عمله فانتهز فرصة أن “زينة” كانت على تواصل معه فخطط معها ورسم هذه الخطة الجدية للغاية لتظهر هي من قامت تبليغه وليخرجها من الجزيرة كما فعل معها ويقوم بتنفيذ ما هددت به وهي راحله من هنا.. لأجل ذلك كانت تخرج وهي تتوعد بالعودة وبأن “زينة” راحلة بكل ثقة!!.. لأجل أنها تعلم سره!..
يا الله، هل كان يحب أفعى، كان يحب شيطانة؟ ولكن هل تكون تريد شيء وهو لا يفعله، سيعيدها إلى الجزيرة ولكن هذه المرة هو عليه أن يرسم الخطة وتكن محكمة التنفيذ أكثر منهم.. أتت إلى “جبل العامري” الذي أقسم أنه لن يرحمها هذه المرة..
ولكن يبقى السؤال هنا والذي لم يغفل عنه، كيف حصل “طاهر” على رقم هاتف “زينة”؟ ليست “تمارا” لأنها لم تكن تعرفه ومن الأساس لم تكن قد عادت إلى هنا!؟
لا يوجد إلا “فرح”، وهذا شيء متأكد منه مئة بالمئة، أعطت الرقم إلى “جلال” ومن ثم هو أعطاه إلى “طاهر”.. تنفس بعمق وحصل على قليل من الارتياح على الرغم من أن الخطر مازال يحاوطه ولكن سيكون الله معه ليتخلص من هذه الأزمة في أسرع وقت.. أنه لا يفعل شيء مشين إذًا هو عنده يقين أن كل شيء سيمر بهدوء طالما علم من الذي فعل به هكذا وأفشى سره..
نظر إلى “زينة” بجدية شديدة ثم تحدث يقص عليها ما علمه الآن وما توصل إليه من خلال تفكيره لتقول بجدية:
-في نفس اليوم اللي أنت قولتلي فيه كانت عايزة تموتني.. مش ممكن سمعتنا وكانت واقفة بره..
أومأ إليها برأسه مؤكدًا:
-جايز
قالت مقترحة:
-أنت مركب كاميرات برا القصر وجوا لأ.. لازم تركب كاميرات من النهاردة يا جبل علشان نبقى فاهمين اللي بيدور حوالينا
أمسك بيدها وأكد على حديثها بجدية وعقله مازال يعمل ويفكر فيما سيفعله:
-هيحصل
تابع ينظر إليها بجدية وقال بنبرة ذات مغزى:
-أنا هرجع تمارا الجزيرة
استنكرت حديثه وخرج صوتها بعنف:
-ايه؟
أومأ برأسه واثقًا مما يقول وتابع بهدوء:
-لازم ترجع
ضيقت عينيها عليه وهي لا تفهم ما الذي يريد الوصول إليه قائلة بجدية واستنكار:
-ليه يا جبل.. بعد ما عرفت اللي عملته عايز ترجعها
قطب جبينه عليها وبدأ في الحديث معها حتى تستوعب ما الذي يريده:
-تمارا هتكون هي الطريق لطاهر وأنا لازم أوصله في أسرع وقت
فهمت مقصده ولكنها تسائلت باستغراب:
-إزاي هتوافق ترجع وإزاي هتعمل كده أنت
ربت على يدها قائلًا بجدية شديدة:
-اسمعيني للآخر وأنتي هتفهمي..
أكمل بصوت جاد ينظر إليها بعينين حادة بعدما توصل إلى ما سيفعله ليملي عليها:
-أنا هنزل قدام الكل هقول إنك مبقتيش تلزميني ومش عايزك معايا وهتكوني موجودة علشان بنتك وبس
دفعت يده بعيدًا عنها وصرخت عليه بقوة وارتفع صوتها وهي تتابعه بذهول:
-نعم.. ايه اللي بتقوله ده
قبض على يدها مرة أخرى وأكمل بهدوء لتفهم ما الذي يريده:
-اسمعي للآخر قولتلك.. دي هتبقى تمثيلية كده
ضيقت ما بين حاجبيها وحركت شفتيها متسائلة:
-طب وليه هنعمل كده عليهم هما
أجابها بعمق وجدية بصوت حاد واثق منا يقوله:
-فرح بتكلم تمارا وأنا لسه مش ضامنها وعايز الكل يبقى مصدق اللي هعمله، ومش عايز حد يشك في حاجه علشان اللي بخطط ليه ميبوظش
أومأت إليه وارتخت ملامح وجهها وهي تقول مرحبة:
-طيب فهمني
أكمل يسرد ما برأسه:
-أنا هقول كده وهخليكي تروحي اوضة وعد
رفعت أحد حاجبيها تنظر إليه بسخرية يخرج صوتها بتهكم:
-كمان؟
زفر بهدوء يكمل:
-يا زينة افهمي.. وهفهمهم إني هجيب تمارا علشان أنتي خاينة ومبقتش عايزك.. هقول كمان إني هتجوزها
صرخت وهي تدفعه للخلف ولم تتحمل ما يتفوه به وكأنه حقيقي وسيفعله حقًا بها:
-لأ كده كتير بجد كتير أنت بتقول ايه
صرخ في وجهها بصوت عالي وانتفخت عروقه وهو يُشعر بالغضب منها:
-أنتي غبية ولا ايه بقول تمثيل تمثيل فيلم يعني
ابتلعت ما وقف بجوفها ونظرت إليه ببراءة بعدما جعلته يتعصب ويتحدث بغضب فتحدثت هي بهدوء:
-طب خلاص كمل أنت بتتعصب ليه الله
حاول أن يهدأ من روعه وزفر بهدوء يعود يتحدث برفق قائلًا بجدية واثقًا:
-بعد كده هكلم تمارا ترجع وهي أكيد ما هتصدق.. أنا واثق والباقي بقى عليا بس المهم أنتي اوعي تبيني لحد إنك عارفه حاجه.. كأنك زيك زيهم بالظبط
أومأت إليه برأسها بهدوء ورفق:
-حاضر فهمت
علق عيناه بها بحدة وقال بغلظة خوفًا من أن تفعل شيء تمحي ما يريد فعله بها:
-وهيستمر الوضع لما تمارا تيجي كأني مش طايقك فاهمه يا زينة
تفهمت حديثه وتفوهت برفق:
-خلاص فاهمة.. بس متعملش كده قدام وعد وإسراء
أومأ إليها موافقًا على حديثها وأكمل بجدية واهتمام خالص بها وبمشاعرها:
-ماشي.. أنا كان ممكن أعمل كده من وراكي وتبقي زيك زيهم وردود أفعالك طبيعية، بس مش هقدر اجرحك بالشكل ده حتى لو كدب ومش ضامن رد فعلك.. فحاولي تعملي اللي قولت عليه
ابتسمت باتساع واقتربت منه تضع رأسها على صدره قائلة بحب ويقين:
-متقلقش إن شاء الله كل حاجه هتتحل أنت نيتك خير وأنا مطمنة وأنا معاك..
ربت على خصلات شعرها السوداء قائلًا بنبرة خافتة حنونة:
-ربنا يخليكي ليا يا غزال
على الرغم من أن الوضع أصبح أسهل من السابق ولكن القلق ينهش قلبه بقسوة وغلظة شديدة، لن يتربع الارتياح على عرش قلبه إلا عندما يقبض على ذلك الذي يسمى بـ “طاهر” ويلقى حتفه على يده كي يتخلص من ماضيه البشع معه ويأخذ بثأر والده منه..
على الناحية الأخرى كانت “زينة” تبتسم بسعادة وتشعر بالراحة الشديدة تغزو قلبها بعد أن ثبتت براءتها دون مجهود منها ليعلم أنها لم تخونه ولم تغدر به كما اعتقد.. وتسامحه على ما بدر منه تجاهها وظنه السوء بها لو كان أحد غيره لفعل ذلك ولو كانت هي لفعلت أكثر من ذلك.. لم يخرج السر إلا بعدما علمت وكانت كل الأدلة تقف قبالتها بقسوة.. والأكبر من كل هذا أنها كانت على تواصل مع “طاهر” دون علمه ولم تكذب ذلك..
❈-❈-❈
حركت العصاة التي بيدها على الأرض الرملية، تجلس أمام النيل في منطقة متوارية قليلًا عن أنظار أهل الجزيرة ولكن الحراس بها، أقترب منها “عاصم” يجلس جوارها نظر إليها بهدوء وسألها وهو يلقي بحجرة داخل المياة:
-مالك
حركت كتفيها للأعلى ثم للأسفل ومازالت تعبث بالعصاة على الرمال ثم قالت بحيرة:
-محتارة
قطب جبينه متابعًا طريقتها الغريبة في الحديث وتسائل بجدية:
-من ايه
رفعت بصرها نحوه تُجيبه بنفاذ صبر وضيق:
-محتارة من كل حاجه بتحصل حواليا، زينة معتبراني طفلة بس مش للدرجة دي يعني
أشار إليها بيده ولم يفهم من حديثها شيء فتابع بهدوء ورفق يحثها على الارتياح بنظرته الحنونه:
-فهميني بالراحة
تركت تلك العصاة واستدارت تجلس تواجهه، زفرت بضجر وضيق وملامحها الطفولية البريئة عابثة للغاية ثم خرج صوتها ملئ بالانزعاج:
-بيحصل حاجات كتيرة أوي غريبة في القصر وأنا مبقتش فاهمه حاجه، علاقتها بجبل كانت غير لما جينا وبعدين حبته وبقوا كويسين وحاليا متفهمش ايه اللي بيحصل بينهم كمان بعد ما رجع تمارا تاني وهي حاولت تقتلها
وجدته لم يتحدث بل نظر إليها للحظات دون رد فعل، نظرت إليه لتراه أبعد وجهه عنها إلى المياة، تابعته بشك ثم باغتته قائلة:
-أنت تعرف حاجه عن الموضوع ده
راوغ في الحديث وهو يهرب بعيناه منها قائلًا بجدية:
-وأنا هعرف منين اللي بيدور جوا القصر
ضيقيت عينيها عليه وكأنها تستطيع أن تفهم ما الذي تعبر عنه ملامحه فقالت:
-مش جايز تعرف من جبل.. ما انتوا صحاب وسر بعض
عقب بجدية وثبات:
-لأ معرفش.. أكيد لو أعرف هقولك واريحك
زفرت مرة أخرى بضيق أكبر وأردفت بانزعاج وملل واضح:
-أنا زهقت وحاسه إني بدأت أمل من كل حاجه هنا، عايشه معاهم زي الأطرش في الزفة.. مش بتقولوا كده؟
ابتسم على براءتها الجميلة ونظراتها الغريبة إن كانت سعيدة أو حزينة أو حتى تشعر بالملل، أومأ إليها قائلًا برفق:
-آه بنقول كده
صمتت وأبعدت عينيها إلى الأرضية متحيرة حقًا فيما يحدث حولها فـ إلى الآن لم تفهم أي شيء مما يدور بل شقيقتها تخفي كل شيء عنها وهي أصبحت لا تحتمل هذا الوضع أبدًا..
ابتسم ساخرًا يردف بجدية ناظرًا إليها بقوة:
-اشمعنى معايا أنا بتحبي تبقي الأطرش في الزفة وبتعملي نفسك مش فاهمه كلامي
رفعت وجهها إليه تباغته بتلك النظرة، تعامدت الشمس على عينيها الزرقاء لتصبح أكثر روعه وجمال تبادلها التشابه في لون خصلاتها الصفراء وجمالها الأخذ..
تحدث برقة وهي تبتسم تحاول أن تكون ماكرة مصطنعة عدم الفهم:
-أنا؟ امتى ده بيتهيألك
أقترب منها ليجلس جوارها أكثر قربًا، تابع وهو يبتسم ناظرًا إلى جمالها الذي لن يكون ملك أحد غيره:
-لأ مش بيتهيألي.. تحبي أقولك دلوقتي حاجه تخليكي كده
سألته وهي تبعد عيناها عنه بخجل:
-هتقول ايه
باغتها بكلمتين كان أثرهما على قلبها مغزي للغاية فدلفوا له دون إنذار يحدثون جلبة في الداخل لتسري الرعشة في جسدها خجلة منه:
-عايز اتجوزك
رفعت نظرها إليه بحب وهيام تتناسى كل ما كانو يتحدثون به منذ قليل تقول اسمه بنبرة خافتة رقيقة للغاية:
-عاصم!
اخترقت قلبه نبرتها واسمه الغريب من بين شفتيها فنظر إليها بعمق متابعًا بجدية محاولّا الثبات أمام جمالها:
-أنا بتكلم بجد، أنا بحبك وأنتي بتحبيني ايه المانع من الجواز… ليه كل ما أفتح معاكي الموضوع ده بتهربي أنا بحبك وعايزك
أبعدت وجهها مرة أخرى تنظر إلى الأرضية لا تستطيع الإجابة عليه فأكمل قلقًا من صمتها:
-ردي عليا.. ده كسوف ولا رفض
أردفت وهي بعيدة بعينيها عنه تقول بخفوت:
-أكيد مش رفض أنا كمان بحبك يا عاصم
سألها مستفهمًا باستغراب وهو يقبض على يدها بحب وحنان:
-اومال ده ايه
رفعت بصرها نحوه بعينين متحيرة وقالت بجدية خالصة:
-أنت شايف الظروف صعبة إزاي أنا لسه بحكيلك ده مش وقته خالص على فكرة، غير أن زينة رفضاك رفض تام وأنت لسه مقولتليش بتشتغل ايه
زفر محاولًا الهدوء وعقب على حديثها ومازال يرفض البوح بالسر:
-ومش هقدر أقولك.. لكن زينة عرفت حقيقة شغلي تقدري تفهمي منها هي لكن أنا لأ مقدرش
ضيقيت عينيها عليه غير مستوعبة ما الذي يقوله لتسائلة باستغراب:
-يعني ايه
ضغط على يدها بحب وحنان وبدأ في الحديث بهدوء وتروي يخرج صوته برفق لتتفهم ما يقوله لأنه يعلم أنها وإن كانت شابة إلا أن الحقيقة أنها طفلة صغيرة:
-حقيقة شغلي سر مستحيل أتكلم عنه حتى معاكي أنتي.. صاحب السر يبقى جبل وهو قال لزينة كل حاجه علشان كده تمارا رجعت.. الموضوع أكبر من استيعاب عقلك يا إسراء متفكريش فيه
سحبت كف يدها من بين يديه وصاحت بضجر:
-يعني ايه أنت كمان شايفني طفلة
نظر إليها بحب وحنان أكبر من ذي قبل يرسلهم إليها من خلال عيناه ونبرته الحنونه الشغوفه نحوها فلا يريد أن يشغل عقلها باشياء لن تستطيع أن تستوعب ما بها:
-أنا مقولتش كده بس بجد الموضوع كبير وكتر الكلام فيه يخربه.. واطمني من ناحية زينة هي فهمت كل حاجه ومش هتمنع جوازنا صدقيني إلا لو كان في سبب تاني للرفض غير موضوع الشغل ده
أبعدت وجهها وهي تصيح باختناق:
-أنا مبقتش فاهمه حاجه
أكمل بهدوء كما هو يتابعها برفق ولين وتحدث قائلًا:
-كل حاجه في وقتها حلوة المهم تكوني واثقة فيا..
أجابته بجدية وصوتها منزعج للغاية:
-أنا واثقة فيك بس عايزة أفهم
قبض على كف يدها مرة أخرى يطمئنها وهو يجذب وجهها ناحيته كي تنظر إليه فيبادلها بلين:
-طيب اسمعي كلامي وانسي اللي قولته وخليكي معايا واطمني.. ماشي
أومأت إليه قائلة بصوت خافت:
-ماشي
أكمل بجدية مقدرًا ما يمر به الجميع بالأخص بعد أن سرد عليه “جبل” ما حدث معهم وما فعلته “تمارا” وأصبح يدرك جيدًا خطورة الوضع الذي هم به حتى وإن كانت مستقرة:
-بالنسبة لحوار جوازنا أنا كمان هستنى لما الوضع يهدى والدنيا تبقى تمام.. بس كنت عايز أعرف رأيك
قالت بخجل ونبرة خافتة يكاد لا يسمعها:
-أنت عارفه كويس يا عاصم
ابتسم باتساع وهو يناظر خجلها ورقتها الشديدة، هتف بحب وهيام وجنون قلبه العاشق لا يتركه يمر بالهفوة التي ينالها منها:
-قلب عاصم
باغتته بكلمات هادئة تعبر عن كم كان شخص محظوظ حتى تكون معه الآن:
-تعرف إني عمري ما اتعاملت مع حد زيك كده
ابتسم باتساع وأخذ الأمر بالمرح مع اعترافه أنه بالفعل محظوظ بها:
-أمي دعيالي قبل ما تموت ابقى أنا أول بختك
ابتسمت تبادلة تنظر إليه تارة والأخرى إلى الأرضية الرملية بخجل شديد قائلة بعشق خالص:
-وأنا مبسوطة بده
تجرأ أكثر ورفع يدها إلى فمه يقبلها بشغف وجنون بعدما أصرت عليه جنود عقله أن يقوم بفعلتها وتذوق طعم السكر من يدها ثم هتف بهيام ولوعة:
-أنا محدش مبسوط قدي أنك معايا
سحبت يدها سريعًا منه ووقفت على قدميها تنظر إلى غروب الشمس خجلة للغاية من فعلته المباغتة التي لم تشعر بها إلا بعدما فعلها وابتعدت للخلف سريعًا بلهفة تحثه على الذهاب سريعًا بعدما أصبحت وجنتيها عبارة عن لون ثمار التفاح..
ابتسم بقوة ينظر إلى ما حدث إليها شعر برجفة سارت في كامل جسدها بعد فعلته وانتفضت واقفة بخجل مميت، بينما هو شعر بتلك القبلة وكأنها مسروقة من جنتها.. هل هذه قبلة فقط! ماذا عن بقية المشاعر معها!..
❈-❈-❈
جلس “جبل” في غرفته ليلًا، شعر بالملل الشديد وهو وحده دونها فلم يجد شيء يفعله إلا أن يجعلها تأتي إليه يود القرب منها والشعور بها معه وجواره..
عبث بهاتفه قليلًا ورفعه إلى أذنه بعد أن أتى برقمها ليأتي إليه صوتها عبر الهاتف تتسائل فقال بجدية:
-تعالي الاوضه عايزك
كانت تقف في شرفة الغرفة بعيدًا عن شقيقتها لتستطيع الإجابة عليه فسائلته باستغراب:
-إزاي اجي
تمدد على الفراش مبتسمًا يخرج صوته بلوعة واحتياج:
-تعالي يا غزال محتاجك
سألته مرة أخرى مستغربة للغاية من حديثه:
-طب وتمارا والكل
شعر بالضجر من اسألتها وبوادر رفضها فصاح بانزعاج وضيق:
-متخليش حد يشوفك يا زينة بلاش تعقيد
تحدثت بجدية شديدة محاولة أن تجعله يعود عما يريد:
-جبل مش هينفع
جلس على الفراش مرة أخرى وحقًا شعر بالامتعاض منها فصاح بصوت عالي جاف:
-أنتي بتستهبلي ولا ايه بقولك تعالي ده أمر
أجابته على مضض:
-طيب.. طيب
أغلقت الهاتف بضيق ونظرت إلى الخلف لتجد “إسراء” جالسة على الفراش تعبث بهاتفها، تنفست الصعداء ودلفت إلى الداخل نظرت إليها بعدما وقفت أمامها قائلة بجدية:
-إسراء
رفعت بصرها إليها باهتمام فأكملت:
-أنا رايحه لجبل عايز يتكلم معايا في حاجه مهمة.. بس لو حد سأل عليا قولي إني في الجنينة مش عنده ماشي
استغربت حديثها وما تريده ولكنها على أي حال أومأت إليها برأسه موافقة فتركتها “زينة” ورحلت خارجه من الغرفة متوجهة إلى غرفتها عند “جبل”
نظرت حولها وهي تسير ترى إن كان هناك أحد يراها وهي ذاهبة إليه أو لا، دلفت إلى الغرفة سريعًا وأغلقت الباب من خلفها بالمفتاح تنظر إليه بقوة وهو ممدد على الفراش فقالت بغضب:
-في ايه يا جبل مش قولنا مش هنتقابل
اعتدل في جلسته ينظر إليه بلا مبالاة يجيب ببرود:
-هو في حد شافك أنا طالع وهما في الصالون تحت
اقتربت تقف أمامه تنظر إليه باستغراب بسبب لا مبالاته البادية عليه وكأنه لم يحذرها من كل هذا:
-بردو ولو هو أنا اللي هقولك
زفر بضيق وقطب جبينه ينظر إليها بقوة يقول بصوت جاد:
-أنا عارف أنا بعمل ايه وبعدين أنا عايز مراتي ولا أنتي عندك اعتراض
أدلت كتفيها تجيبه بهدوء:
-معنديش بس بعمل كده علشانك
ابتسم باستفزاز ومكر قائلًا بصوت ونظرة خبيثة:
-ولو عندك أنا أقدر اتصرف
ضيقت ما بين حاجبيها وعيناها السوداء عليه تسأله باستغراب:
-تتصرف إزاي
اتسعت ابتسامته أكثر قائلًا بمكر:
-تمارا موجودة
ارتفع صوتها وهي تنظر إليه بضيق وغضب شديد مما يتفوه به كل لحظة والأخرى فقط كي يستفزها أو يشعر بغيرتها عليه:
-أنت اتجننت يا جبل.. ده مش مجال هزار ولا حتى علشان تشوف بغير ولا لأ
أقترب منها ينهض من على الفراش ليقف أمامها يحاصرها بيديه الاثنين مقتربًا منها:
-خلاص يا غزال.. عرفنا إنك بتغيري
أكمل يقترب منها يدفن وجهه في عنقها يستنشق رائحتها قائلًا بصوت شغوف:
-وحشتيني
ابتسمت ورفعت يدها عليه تحيط عنقه قائلة بدلال:
-لحقت؟
تمثل في الرجل ذو الكلمات المعسولة وهو يجيبها:
-أنتي وحشاني على طول
اتسعت ابتسامتها وهو يعود للخلف لينظر إليها ثم استدار بها ليجعل الفراش خلفها وهو أمامها ثم دون إنذار دفعها للخلف لتقع نائمة عليه تخرج منها صرخة مباغتة من أثر المفاجأة فمال عليها يضع يده على شفتيها يحثها على أن تخفض صوتها:
-ششش
أبعد يده عن شفتيها وهو يناظر عيناها السوداء تبادله وترى غرابة عيناه الخضراء، تلك التي كانت تخيفها إلى أبعد حد الآن لا مكان يحتوي ضعفها وحبها وجنونها وشغفها سوى عيناه المخيفة..
اقتنص منها قبلة رقيقة هادئة، يطبع شفتيه على خاصتها بكل حب وشغف وجنون، كل مشاعر الجوى ومضادها يمر به معها وبجوارها..
مر عليهم بعض الوقت سويًا ثم استمع إلى رنين هاتفه ليبتعد عنها يقبضه بين يده ينظر إلى المتصل باستغراب شديد..
قطب جبينه باستنكار مضيقًا عيناه عليه ثم أجاب واضعًا إياه على أذنه قائلًا بجدية:
-مكالمة غريبة.. خير يا فندم
تصنم ينظر إلى الفراغ وهو يستمع إلى الطرف الآخر لبضع لحظات فقط ثم أبعد الهاتف عن أذنه يهمس بخفوت يتخلله الذهول والصدمة:
-أبويا.. مات!..
اعتدلت “زينة” في جلستها تنظر إليه بصدمة خالصة غير مصدقة ما تستمع إليه، ألم يتوفى والده قبل سبع سنوات!!..
❈-❈-❈

يتبع…



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close