رواية خداع قاسي الفصل العشرين 20 بقلم ديانا ماريا
سألها بتشتت: طب راحوا فين؟
رفعت كتفيها: معرفش بس هما قالوا مش راجعين تاني.
حاولت أن يطمئن نفسه بتلك الكلمات ولكن القلق سيطر عليه فأخرج هاتفه وهو يخرج من العمارة ليتصل بداليا، كان هاتفها مغلق مما أثار شكوكه.
نظر حوله بحيرة وهو يفكر بضياع ماذا يجب أن يفعل حين رن هاتفه فأجاب على الفور: أيوا يا رأفت شوفت اللي قولتلك عليه؟
استمع أمجد باهتمام لرأفت: بص يا أمجد اللي لقيته مش هيعجبك بس لازم تعرف بسرعة أولا كدة طليقتك عندها عشيق بتروح لها ويجي لها علطول.
رد أمجد بصدمة: أنت بتقول إيه؟
تابع رأفت حديثه بينما كلماته تسقط على أمجد كالحجارة التي تضرب رأسه فصاح بغضب: مستحيل اللي بسمعه ده!
رد رأفت بأسى: للأسف يا أمجد ده اللي عرفته، أنت لازم تتصرف بمعرفتك بقى.
حاول السيطرة على غضبه: طيب شكرا يا رأفت أقفل أنت دلوقتي.
فكر ماذا يمكن أن يفعل، أحس بالعجز من شدة الحيرة التي يشعر بها حتى أسرع إلى مركز الشرطة ليبلغهم بكل ما علمه وأن حسناء اختفت مع ابنته وهو متأكد أن هناك خطأ ما.
عاد للبيت مهمومًا وقد جلس واضعًا رأسه بين يديه.
سألته علياء بقلق: مالك يا أمجد؟
رفع عيونه فصُدمت بالدموع المحتجزة بهما ليرد بصوت متحشرج: داليا شكلها ضاعت مني يا علياء، معرفتش احميها.
سألته بخوف: إزاي؟
تطلع أمامه بقهر: حسناء خدتها وهربت، أكيد علشان تقهرني وكنت طالب من راجل يجمع لي معلومات عن حسناء علشان يساعدني واللي عرفته صعب أوي يا علياء!
رفع عيونه لها بحسرة: أنا عيشت السنين اللي فاتت دي كلها بحاول احميها، يا ترى أنا غلطت في إيه يا علياء؟
كان لازم أقولها؟ طب إزاي؟ أعرفها الحقيقة إزاي!
وضرب قبضته بقوة حتى أن الطاولة المصنوعة من الزجاج انكسرت فشهقت علياء وهي ترى الدم ينزف من يد أمجد فأسرعت إليه وهي تمسك يده بذعر: ليه كدة يا أمجد تأذي نفسك! قوم تعالى معايا يلا.
أخذته للحمام حتى يتوقف النزيف ثم طهرت الجرح ولفته بشاش طبي وكل ذلك وأمجد صامت لا يتكلم حتى وقفت أمامه وهي تمسك بيده ونظرت في عينيه قائلة بحنان: أنت كنت عايز تحميها وعايزها تعيش حياة كويسة، أنت مغلطتش داليا لسة صغيرة مكنتش هتستوعب ولا تتحمل كلام زي ده، أنت عملت اللي شايفه صح كأب.
نظر لها بشك من حديثها: أنتِ عرفتي كل حاجة؟
أومأت بتردد: نورا حكتلي كل حاجة.
أغمض عيونه بقوة وقد سقطت تلك الدموع الحبيسة محررة أمجد من القناع الذي كان يخفي ورائه حزنه وألمه، مظهرة ضعفه بشكل واضح لأول مرة، لم يرد النظر في وجه علياء ورؤية الشفقة فيهما، لأول مرة يشعر بأن روحه مكشوفة بالكامل، كان يخشى تغير صورته في عينيها.
رفعت علياء يدها ووضعتها على خده قائلة برقة: متستخباش مني يا أمجد، أنا اللي عرفته رفعك في نظري وخلاني احترمك أكتر من الأول بكتير، أنا مراتك يعني وجعك هو وجعي، صدقني كل حاجة هتبقى بخير بإذن الله وداليا هترجع.
اندفع أمجد يضمها وهو يخفي رأسه في عنقها معطيًا نفسه حرية البكاء والانهيار أخيرا، أخيرا يستطيع أن يشارك شخص ما هذا الحِمل الذي أثقل كاهله طويلًا.
لفت علياء ذراعيها حوله بقوة تمسح على شعره بحنان وتربت على ظهره بخفة، دموعها تنهمر لتشاركه ألمه وقلقه، رفعت بصرها لأعلى تتوسل لله أن يعود كل شيء بخير قريبا.
شهقت داليا فجأة وهي تستعيد وعيها لتعتدل جالسة وهي تحدق حولها بذهول.
كان المكان غريب عليها فآخر ما تتذكره هو الطعام الذي تناولته وفجأة شعرت بالنعاس الشديد ونامت لتجد نفسها في هذا المكان.
انفتح الباب لتدخل منه حسناء التي قالت برضى حين شاهدتها استيقظت: كويس أنك صحيتي.
سألتها داليا بحدة: أنا فين؟
لوت حسناء شفتيها لتجيب ببرود: يهمك تعرفي أوي؟ مش هتفرق أنتِ معايا والمحروس أبوكِ مش هيعرف يوصلك.
همست داليا بصوت مبحوح وقد تجمعت الدموع في مقلتيها: أنتِ بتعملي كدة ليه؟ أنا عملت لك إيه علشان تعملي فيا كدة؟ ليه عايز تأذي بابا للدرجة دي؟
تحدثت حسناء بتساؤل مصطنع: هو أنا عايزة أذيه؟
ضحكت ثم تابعت: أنا بضمن مستقبلي بس، وهسيبه بعدها يتهنى مع حبيبة القلب.
سألتها داليا بصوت مكسور: عمرك ما فكرتي فيا السنين اللي فاتت دي كلها؟ عمري ما جيت على بالك لحظة وفكرتي أنا عايشة إزاي ولا بعمل إيه؟ موحشتكيش أبدا؟
أجابت حسناء بقسوة: وأنا هفكر فيكِ ليه وأنا اللي سايباكي ليه؟ أنا مكنتش عايزة أخلف أصلا بس ملقيتش حاجة أربط بيها أبوكِ غيرك يا عين ماما.
أخفضت داليا نظراتها لأسفل وكان بجوابها ذلك تحطم شيء داخلها.
قالت بهدوء: أنا بكرهك.
ضحكت حسناء بصوت عالي: وأنتِ فاكرة أني هزعل دلوقتي ولا ادبدب في الأرض وأعيط؟
دلف سالم في تلك اللحظة الذي قال بابتسامة: بتضحكي ليه يا حسناء ما تضحكيني معاكِ.
وجه نظراته لداليا التي لم تكن تراه أساسا في تلك اللحظة فردت حسناء باستهزاء: مفيش ده كان مجرد كلام بين أم وبنتها تعالى يلا.
ثم خرجوا وأغلقت الباب عليها بالمفتاح، تحولت داليا في تلك اللحظة لتصبح هادئة أو بمعنى أصح جامدة بشكل غريبة إلا أن حسناء لم تهتم وتوالت الأيام على تلك الحال فكانت داليا محبوسة في تلك الغرفة لا تخرج منها أبدا ولا تُفتح إلا في المرات القليلة التي تحضر لها حسناء فيها الطعام إليها.
وبسبب قلة الطعام وكثرة البكاء والحزن الذي تشعر به نحف جسدها وشحب وجهها، كانت تستمع في تلك الليالي التي تمر عليها لصوت الضحكات في الخارج، ضحكات لأناس غريبة من كلا الجنسين فيزداد الخوف في قلبها لأنها ورغم حبسها أحست بما يدور في الخارج كما كانت رائحة الدخان التي تتسلل لغرفتها تجعلها تسعل بقوة لشدتها، وكل تلك الأيام التي مرت لم يفارق تفكيرها والدها أبدا والذي تمنت ألف مرة لو تغمض عيونها ثم تفتحها لتجد نفسها في أحضانه وقد عادت لبيتها الحقيقي الأمن إلا أن كانت كل تلك مجرد أحلام بلا جدوى تصحو منها على ضحكة حسناء العالية التي تصلها أثناء تلك الليالي المشبوهة.
لم يتوقف أمجد عن البحث أبدا مع الشرطة عن داليا وقد تبدل حاله فلا يأكل أو ينام إلا قليلا رغم إصرار علياء الشديد عليه، كانت علياء جالسة مع أختها التي أتت لزيارتها بعد أن خرج أمجد حين أتصل به شخص ما لأمر هام.
رن هاتف المنزل فأجابت بنبرة عادية: الو؟
استمعت بصدمة للطرف الآخر: إيه!
رمت الهاتف على الفور ونهضت راكضة وأختها تنظر لها بذهول ثم نهضت لتتبعها وهي تناديها إلا أن علياء لم تلتفت لها وهي تفتح باب المنزل وتهبط السلالم مسرعة ثم توقفت فجأة عند نهاية السلم وهي تحدق للشخص الواقف أمامها عند المدخل.
وضعت يديها على شفتيها واتسعت عيونها في عدم تصديق وهي تحدق إلى ذلك الجسد الهزيل الضعيف الذي يقف أمامها في حياء وحرج ثم رفعت نظراتها للوجه المتعب الشاحب الذي يظهر عليه بعض آثار الضرب والعيون الحزينة الذي يظهر بهما الأسى والتردد بوضوح.