اخر الروايات

رواية شعيب ولتين الفصل السادس عشر 16 بقلم شيماء عصمت

رواية شعيب ولتين الفصل السادس عشر 16 بقلم شيماء عصمت


كان يستنشق عطرها بانتشاء .. تلك الرائحة المميزة رائحة الفانيليا و النعناع مزيج غريب يجذبه لها كالمغناطيس .. كان يريد أن يغرق فيها ومعها ولكن ليس الأن .. ليس وهي مشتتة مصابة لم تُشفَ بعد!..
ابتعد عنها برقة يتطلع إليها بافتتان ، ينظر إلى وجهها البهي .. يراها جميلة بل الأكثر جمالًا .. ربما يوجد من هن أكثرًا جمالًا ، ذلك الجمال الخارجي ولكنها مختلفة ليس لملامحها ولا أنوثتها الطاغية .. بل روحها .. تجذبه إليها .. نظرة عينيها تفعل به الأفاعيل .. تغرقه وتنجيه ، تقتله وتحييه .. ربما لهذا المزيج فيهم براءة مشبعة بالحزن وسهم شجاعة وقوة مع لمحة من الضعف بخلاف لونهما الساحر
تنفس بعمق قبل أن يقول بخشونة: لتيـن في موضوع مهم لازم نتكلم فيه
نظرت إليه باهتمام تحثه على المواصلة فأكمل شعـيب وهو يضغط على أسنانه بقوة حتى كادت أن تتحطم: عمـاد
اسم من أربع حروف قادر على تحويلها من أنثى رقيقة سعيدة بأهتمام شعـيب إلى أخرى واجمة .. مرتعبة
انتبهت لكف شعـيب الذي قبض على أصابعها يبثها القوة فهتفت بخفوت وقد تملكها شعور مفاجئ بالغثيان: ماله؟!!
أجابها بهدوء عكس القسوة التي التمعت في عينيه: هيحضر خطوبة تقى ومازن بعد كام يوم ودا بأمر من جدي .. هطلب منك طلب واحد يا لتيـن طلب هيتنفذ و معندكيش رفاهية إنك ترفضي
شحبت ملامحها وقد توقعت طلبه أو بمعنى أدق أمره .. بالتأكيد سيمنعها عن حضور الحفل
شعـيب بأمر: نظرة الخوف اللي في عنيكِ منه تنمحي فوراً سواء في وجوده أو عدمه ، أنتِ مغلطتيش علشان تخافي .. هو اللي المفروض يخاف (وأكمل بحمائية)وبعيد عن أني مستحيل أسمحله يأذيكِ سواء هو أو غيره بس أنتِ مش ضعيفة يالتين أنتِ قوية صدقيني قوية أنك استحملتي كل اللي عشتيه ولحد الآن صامدة عندك رغبة أنك تكملي .. أنك تصلحي اللي اتكسر جواكِ وهتقدري بأذن الله وأنا معاكِ مهما حصل
تسارعت دقات قلبها بصورة غير طبيعية .. لطالما تمنت من يقف بجوارها سنداً وحماية لها ، ربما قد خُذلت من والدها و عمـاد ولكن شعـيب يختلف ، يختلف عن أي شخص قد رأته أو سمعت عنه .. رجلًا وليس ذكرًا
هتفت بـانبهار: هتكون جانبي علطول؟ حتى لو غلطت؟
دون تردد أومأ بتأكيد وعينيه تشع ثقة وشيء أخر جهلت تفسيره فـاتسعت إبتسامتها
ودت لو تصرخ بابتهاج ولكنها ستبدو طفلة لا محالة... وشعيب يستحق امرأة سوية متزنة وستفعل المستحيل حتى تليق به!...
×××××××××××
توالت الأيام مابين بحث شعـيب المستمر عن صاحب الدراجة الهوائية والبحث عن طبيبة نفسية للتيـن
حتى أتى اليوم الموعود .. كان الجميع يعمل على قدم و ساق فاليوم هو حفل خطوبة مـازن و تقى ..
كانت تقى تحلّق في السماء .. تكاد تجن من فرط سعادتها فأخيراً وبعد طول إنتظار ستكون له و سترتدي خاتمه المختوم بإسم الحبيب
مـازن .. همست اسمه بخجل ووجنتيها تشتعلان بحمرة الخجل والبراءة .. انتبهت لـصوت فتاة "الميكب أرتست" وهي تطلب منها إغلاق جفونها فعلت المطلوب وانتظرت حتى انتهت
تطلعت في المرآة تقيّم شكلها النهائي .. كانت متألقة في ثوب ذهبي يخالطه اللون الأسود الذي يماثل سواد حذائها وحجابها كذلك
كانت تشعر بالسعادة والإرتباك والحماس والتوتر مزيج عجيب من مشاعر مختلطة تبعثرت داخلها ولكنها في المجمل سعيدة بل شديدة السعادة ..
×××××××××××
_بسم الله الله أكبر زي القمر ياقلب أمك
ابتسم مـازن بعد كلمات وفـاء المادحة له
هتف بغرور مصطنع: دي أقل حاجة عندي (ثم غمز بإحدى عينيه قائلًا) وبعدين أنا جايب الحلاوة دي؟ ماهو منك ياست الكل يا عسل أنتِ ..
ثم قبل جبهتها بوحشية فانفجرت وفـاء ضاحكة تدعو له براحه البال ودوام السعادة
×××××××××××
كانت متوترة استطاع معرفة هذا وهو يراها تلف وتدور كالنحلة داخل الشقة ولكنه لم يتدخل فقط جلس بصمت يراقبها .. تركها تتعامل مع مشاعرها وتنفس عنها بالطريقة التي تهواها حتى لو مزقت نصف ملابسها! صارخة بعدم وجود ملابس لديها!!!!
اقترب من غرفتها بهدوء ثم دلف إليها دون استئذان وكما توقع كانت تجلس داخل كومة من الملابس الممزقة والرائعة .. ابتلع ضحكته بصعوبة قائلا بتساؤل: لتيـن؟ أنتِ كويسة؟
نظرت له بعينين ملأتهما الدموع حتى كادوا أن يتساقطوا ولكنها حاربتهم باستماتة .. كانت تشعر بالضيق والتوتر وخوف رهيب من القادم .. كانت تريد أن تبدُ جميلة ولكن تلك الملابس البغيضة لم تساعدها البتة!
هتفت بصوت باكٍ: أنا مش هنزل الحفلة روح أنت والبنات مفيش حاجة ألبسها
شعـيب ببساطة: وماله متنزليش
ارتسمت الصدمة على ملامحها فأكمل بهدوء: بس أنتِ بصيتي على العلبة اللي هناك دي؟!!
تطلعت حيث أشار بإبهامه فرأت صندوق من اللون الأبيض مزين كالهدية .. اقتربت منه بسعادة طفلة بثياب العيد ، تتفحصه بلهفة وتستكشف محتواه .. شهقت بأنبهار وهي ترى ثوب من اللون البيچ ضيق من الصدر ويتسع من بداية الخصر بأكمام طويلة رائعة .. كان ثوب محتشم بسيط وجميل
نظرت إلى شعـيب بامتنان قائلة بسعادة: شكراً ياشعيب حقيقي الفستان جميل جداً تسلم إيدك بجد أنا مبسوطة أووي
إبتسم بإنتشاء لسعادتها قائلاً بحنان :إن شاء الله دايما مبسوطة يا لوليتا
تسارعت دقات قلبها من تدليله لها .. هذا الرجل لم ترَ مثله من قبل ولن ترَ .. كيف كانت تخشاه سابقًا؟ أي غباء هذا!
قطع شرودها شعـيب قائلًا: يلا أدخلي ألبسي وأنا هشوف البنات وهلبس وأرجعلك
أومأت موافقة فخرج شعـيب من غرفتها قاصداً غرفة بناته ..
×××××××××××
سيراها اليوم لا محالة سيطلب منها السماح. سيرجوها أن تعود إليه وسيفعل المستحيل حتى تغفر له
وقف عماد أمام شقة والديه .. يشعر بـالخوف من أن يُنبذ .. ولكنه سيتحمل سيسعى لمغفرة الجميع له وعلى رأسهم لتيـن!..
طرق عدة طرقات على باب الشقة حتى فتحت له نـورا .. تجهمت ملامحه وأرتسم الإجرام جليًا على ملامحه قائلًا بقسوة: أنتِ!!
تراجعت نـورا برعب وكأنها ترى شيطانًا وليس أخاها .. رغم مرور بضعة أيام ليست بقليلة ولكن جسدها مازال يأن من ضرباته .. كيف استحملت لتيـن العيش معه لأربع سنوات؟ كيف لاتزال حية من الأساس
قاطع شرودها عمـاد قائلًا بشراسة: وشك الـ××× ده مش عايز أشوفه طول ما أنا هنا سامعة؟!
أومأت بالموافقة دون تفكير وفرت هاربة إلى حجرتها تحتمي بها منه
أما الأخير فزفر بغضب .. رؤيته لنورا تشعل دمائه بهمجية أن ترك العنان لها لقتلها في التو والحال زفر بحنق ثم اتجه لغرفة مـازن أخيه الصغير
طرق على الباب بخفوت ودلف مسرعًا وجد والدته و والده بجوار مـازن و ران الصمت بعد دخوله
قطعته شهقة بكاء وفـاء التي ألقت نفسها داخل صدره تتشبث به وتردد إسمه بلوعة
أحتضنها عمـاد بحنان لكم اشتاقها واشتاق حنانها
وفـاء ببكاء: وحشتني يا عمـاد وحشتني أوي ياحبيبي ليه عملت في نفسك كدة
هتف عماد بتأثر: وأنتِ كمان وحشتيني يا أمي حقك عليا يا غالية (ثم نظر إلى والده بثقة قائلًا)إن شاء الله كل حاجة هتتصلح وكل اللي غلط عملته مستعد أدفع تمنه أهم حاجة أنتوا تسامحوني
إبتعدت وفـاء عنه قائلة: إحنا مسامحينك ربنا يهديك ياحبيبي يلا ياتوفيق نسيب العيال لوحدهم وتعال ننزل نشوف الحاج والحاجة
أومأ توفيق بموافقة وخرج معها وهو يشعر بالسعادة فيبدوا أن الله عز وجل إستجاب لدعواته وعاد عمـاد لرشده
بعد خروج وفـاء و توفيق هتف عمـاد يقطع الصمت المحيط: مش هتقولي حمدلله على سلامتك؟ أو حتى ترحب بيا؟ ولا أنا مش وحشتك
أجابه مـازن بثبات: وحشتني فعلًا يا عماد بس وحشني عمـاد بتاع زمان مش عماد اللي بيأذي أقرب ما ليه
تشنج صدغ الأخير قبل أن يقول: كلنا بنغلط يا مازن ولا أيه؟
هتف مازن بثقة: أكيد كلنا بنغلط بس المهم منستمرش في الغلط ولا أنت إيه رأيك
أبتسم عمـاد بهدوء: عندك حق المهم إننا منستمرش في الغلط وأنا الحمدلله فوقت لنفسي فيا ترى هترحب بيا؟ ولا هتاخد صف شعـيب كالعادة؟ ما أنت بتحبه أكتر مني!
عقد مـازن حاجبيه بإستياء قبل أن يقول بتوضيح: شعـيب ابن عمي ومثلي الأعلى في حاجات كتير بس أكيد مش هحبه قدك أنت أخويا ياعماد أخويا اللي نفسي أشوفه أحسن الناس أنت بتسرعك بتخسر أقرب ما ليك! أنت بس لو تهدى! لو تفكر قبل ماتنفذ هتلاقي مشاكلك كلها إتحلت .. أنا عارف إنك بتغير من شعـيب يمكن ده شعور أنت ملكش دخل فيه بس على الأقل كان ممكن تتحكم فيه ومتخليهوش يتملك منك كان ممكن تستفيد منه بإنك تكون الأحسن ومتبصش تحت رجليك مكنش لازم تقلده في حاجة كنت أعمل كيان لنفسك بعيد عنه .. بس مهما تعمل هتفضل أخويا الكبير اللي بحبه
إبتسم عمـاد بشحوب فـ مـازن محق في كل شيء قائلًا: عندك حق يا مـازن لازم أبني كيان لنفسي المهم مبروك ياعريس
إحتضنه مـازن بفرحة: الله يبارك فيك ياحبيبي وعقبالك
إنفجر عمـاد ضاحكًا: وماله اللهم آمين
×××××××××××
هتفت الجدة صباح بتساؤل: مالك يامهران؟ قلقان ليه ياحج؟
زفر مهران بتوتر قائلًا: النهاردة عمـاد جاي وخايف يشد مع شعـيب .. أصلا أنا قلقان من شعـيب نفسه ربنا يستر بقى
ضحكت صباح ببشاشة قائلة: لا متقلقش شعـيب ناصح وبيقدر يسيطر على أعصابه .. أي نعم هو بيغير بطريقة وحشة بس مش هيدي لعماد أي إهتمام على الأقل قدامنا
هتف مهران بإعتراض: شوفتي آخر مرة قال لعماد أيه؟ لمجرد أنه بص بس للتيـن!! ده غير إنه راح لعماد ضربه في قلب شقته .. هو فاكرني مش عارف بس أنا الأخبار بتوصلني أول بأول
صباح: متقلقش ياحج إن شاء الله اليوم هيعدي على خير وشعيب أكيد مش هيبوظ ليلة أخته ولا هيسمح لحد يبوظها
أومأ مهران بصمت وعقله يفكر بلا إنقطاع
×××××××××××
إنتهى شعـيب من إرتداء ملابسه وأرسل الفتاتين إلى شقة والديه التي ستقام بها الحفل ثم توجه لغرفة لتيـن
كانت لتيـن قد انتهت من إرتداء ثوبها كانت تبدو رائعة ولكن سعادتها كانت ناقصة تطلعت لخصلاتها القصيرة بإمتعاض لطالما تمنت إرتداء الحجاب أن تتقرب إلى الله أكثر فأكثر ولكن عمـاد كان يمنعها يخبرها بأنها أجمل من دونه! .. وتخشى أن يكن لشعـيب نفس الرأي .. وتخشى أيضا أن يعتقد أنها أتخذت تلك الخطوة لأنها تبغض شعرها القصير ولكنها لا تهتم إن كان طويلاً أم قصيراً .. لم تكُ مهووسة بشعرها من قبل لتحزن عليه الآن!!
لا تريد لأحد أن يرَ منها شيئا لا تريد أن تظهره وخاصة عماد!!!
أفاقت من شرودها على صوت شعـيب يطلب إذنها للدخول إليها .. تنفست بعمق قبل أن تسمح له
دلف شعـيب وهو متأنق ببدلة رجالية سوداء مزدوجة الصدر ..
كان يبدو كأحد نجوم هوليوود .. هذا ما فكرت به لتيـن وهي تراه مقبل عليها احمرت وجنتيها وهي تدرك إشتعال نظراته المصوبة عليها
دون مقدمات أقترب شعـيب منها يعانقها.. عناق رقيق كلمسات فراشة ناعمة
ذابت وانصهرت بين ذراعيه .. شعـيب يشعرها بمشاعر لم تحيَها قبله .. لمساته بها شيء مختلف ليست شهوانية ولكن رقيقة مراعية حنونة ، شغوفة
أبتعد عنها قائلًا بخشونة: فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً فالصمت في حرم الجمال جمال.. (ثم أكمل بهمس لم تسمعه)كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال.. لم أحبك كشخص فقط بل أحببتك كوطن لا أريد الإنتماء لغيره _نزار قباني_
إبتسمت لتيـن بسعادة رغم الخجل هو وهو فقط يعزز ثقتها بنفسها بل يبنيها من جديد فقد خسرتها منذ سنوات .. يشبع ذلك النقص النابض بقلبها .. يمحي كلمات قاسية دمرت روحها .. يزرع بساتين من ورد في أرض جافة قاحلة.. يحيها بعد أن ماتت طويلاً
هتفت لتيـن بـإبتهاج: وأنت كمان شكلك حلو أوي يا شعـيب وكأنك أنت العريس
ضحك شعـيب بسرور قائلًا: ما أنا فعلًا عريس ومعايا أحلى عروسة وهتبقى أحلى لو
صمت قليلًا فقالت: لو أيه؟
أبتسم بحلاوة قائلًا: لو أتحجبتي يا لتيـن أنا أكيد مش هجبرك على حاجة أنتِ مش عايزاها دي علاقتك الخاصة مع ربنا أنا حبيت أعرفك بـأمنيتي أنتِ ما شاء الله قريبة من ربنا جدًا مش بتفوتي فرض وكل يوم بسمعك بتقرأي الورد اليومي من القرآن الكريم .. أتمنى أن ملك وعائشة يكونوا زيك لما يكبروا
(وأكمل وهو يخرج من جيب سترته علبه مخملية) وبما أني مصمم حُلي قد الدنيا فمكنش ينفع مصممش حاجة مخصوص لزوجتي العزيزة وعلى فكرة بقبل النقد بكل صدر رحب .. مع أن شغلي لا يعلى عليه (قالها في غرور مصطنع)
مدت أناملها تستكشف محتواها وأتسعت عيناها بإنبهار .. كان سلسال به دلاية مخطوط عليها أسمها ومزينة بأنواع كثيرة من الحلوى!! سلسال رقيق رائع التصميم لم ترَ له مثيل
هتفت بأنبهار: أيه ده؟
أجابها ببساطة: إسمك ومعناه
طالعته بذهول فقال بشجن: لتيـن يعني كثرة الجمال أو الحلو بشكل زائد
لتيـن بتأثر: شعـيب أنا .. أنا
شعـيب: أنتِ أيه
هدرت بصوت ساحر: أنا عايزة أتحجب


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close