اخر الروايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل السادس عشر 16 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل السادس عشر 16 بقلم ندا حسن



“لم يكن شيء يحميني سوى صداقتنا، كنت أطلق النيران دون النظر خلفي لأني على دراية تامة أنك تُساندني، لم يُخيل لي يومًا أن تأتي الطلقة في منتصف قلبي منك”
لم يدرك ما قالته، يقف بجسد مُتصلب وعيون مشتعلة انطفأ بريق الغضب داخلها وحل محله الذهول التام والصدمة الخالصة يحاول فهم ما قالته واستيعاب ما يُشير إلى ذلك.. “عاصم”! كيف؟
تتحرك عينيه عليها بشك وحيرة في نفس الوقت، “عاصم”! إنه صديقه ومن يأمن له من بين الجميع ويعلم كل أسراره وخباياه حتى الذي لا تعرفهم عائلته..
“عاصم”! إنه دومًا عندما يدلف القصر تكن رأسه منخفضة عيناه تنظر إلى الأرضية محترمًا المكان الذي دلف إليه، محترمًا لصديقه وما بينهم..
كيف له أن يفعل شيء مشين كهذا مع شقيقته؟ هل خُدع به؟ هل فعل كل هذا أو غوته نفسه للإقتراب منها ونسيان أنها شقيقة “جبل العامري” وابنة جزيرة العامري..
تقدم منها بغضب وقسوة جاذبًا إياها من خصلات شعرها يرفعها للأمام لتقف أمامه مرتجفة البدن خائفة بشدة من القادم عليها مع شقيقها بعدما اعترفت بالكذب..
رفع وجهها له يرى عبراتها المنسابة من عينيها بغزارة ولكنه صرخ بها قائلًا وقبضة يده تشتد عليها:
-أنتي كدابة يا بت
ارتعشت أسفل يده مُتحدثة بصوت متعلثم خائف تناشدة ببكاء حاد:
-والله ده اللي حصل.. أنت بتكدب أختك علشان خاطر عاصم
أكملت موضحة القهرة على ملامحها وهي تنتحب قائلة:
-أنا هعمل كده في نفسي إزاي
صرخ دافعًا إياها للخلف بعدما وصل إلى ذروة غضبه فاقدًا أي ذرة هدوء به يرفع يده عليها صافعًا إياها بقوة شديدة جعلتها ترتد إلى الخلف أكثر ليتقدم هو منها مرة أخرى يجذبها قابضًا على ذراعها بقوة ألمتها:
-اومال ده حصل إزاي انطقي
ارتجف قلبها عندما شاهدته بهذه الحالة فأدركت إن لم تقنعه بما فعله عاصم ستكون هالكة لا محال:
-عاصم والله.. هو اللي عمل كده
نفض بدنها بقوة وهو يدفعها بكلتا يديه مستمر بالصراخ عليها وعيناه تفقد لونها الأصلي ووجه أحمر للغاية من كثرة الانفعال:
-عمل كده إزاي
رفعت يدها أمام وجهها تتحدث بضعف وتقطع خائفة منه:
-أنا.. أنا هحكيلك الحقيقة.. عاصم كان مفهمني إنه بيحبني ومرة
توقفت عن الحديث فصدح صوته المنفعل:
-مرة ايه انطقي
ابتلعت ريقها ورفرفت بأهدابها والدموع لا تتوقف عن الانهمار من مقلتيها، بللت شفتيها وابتلعت تلك الغصة المريرة التي وقفت بحلقها مرة أخرى خائفة من إخراج الكلمات:
-مرة خرجت معاه روحت بيته كان عايز يوريهولي علشان قالي هيطلبني منك ونتجوز وعمل كده فيا هناك غصب عني وأنا مرديتش أقول ولا أتكلم خوفت منك.. كنت خايفة تقتلني بس لما عرفت إني حامل مقدرتش أسكت
جلجل صوته في أرجاء الغرفة وحقًا هذه المرة كانت ذروة الغضب والإنفعال دفعها للخلف صارخًا بغلظة وعنف:
-روحتي بيته يا بنت الكلب.. يا و***
انهال عليها بالصفعات من يده الغليظة ذات الضربات الشديدة، يجذب خصلاتها بين يديه بشدة وعنف لتنفصل عن فروة رأسها بيده تحت صرخاتها المميتة الخارجة من صميم قلبها ليست تمثيل ولا خداع بل حقيقة فضرباته على جسدها لم تكن هينة أبدًا، تستمع بين صرخاتها إلى سبابه لها الذي يخرج من فمه بعنف خالص وقسوة لا نهاية لها..
أقتربت منه “زينة” أخيرًا التي كانت تقف مذهولة مما يحدث ومما استمعت إليه تكاد تكون قدميها ثبتت في الأرضية فلم تستطع التحرك ولكن عندما اخترق صوت “فرح” أذنها مطالبة بالنجدة تحركت تجاهه تحاول دفعه عنها صارخة به ولكنه كان جبل حقًا لم يهتز بضرباتها كي يبتعد ولم يعطي لها اهتمام..
تصرخ بشراسة عليه وهي تحاول أن تجذبها منه بعنف:
-حرام عليك قالتلك ملهاش ذنب
لم يكن يرى أمامه سوى شقيقته التي انتهك شرفها بسببها هي ليس بسبب أحد آخر من قِبل صديق عمره ومن آمن له من بين الجميع، دفع “زينة” بيده بقوة شديدة فابتعدت إلى نهاية الغرفة، حاولت التقدم مرة أخرى مُصرة على تحريرها من بين يده فوقف مستقيمًا حيث أنه كان مائل على الأرضية وهي أسفله ليستطيع أن يجتاح جسدها بالضرب بقوة..
استقام واقفًا ينظر إلى زوجته بغضب جامح وقسوة جمعها من بقية العالم لتبقى بقلبه هو فقط قائلًا بصوت لا يشبه إلا الفحيح لاهثًا:
-لو قربتي هتزعلي
بقيت واقفة مكانها خائفة من تهديده فهو بهذه الحالة يستطيع أن يفعل بها أي شيء دون ذرة شفقة أو رحمة، عاد للخلف ناظرًا إلى شقيقته ثم بصق عليها باحتقار وإهانة وأبتعد متقدمًا من خزانته يخرج منها سلاحه ثم استدار إلى باب الغرفة فخرجت “زينة” خلفه صارخة به:
-جبل.. جبل علشان خاطري متقتلوش
لم يعيرها اهتمام وفعل ذلك عن عمد حتى لا تأخذ نصيب مما أخذته شقيقته ولكنها لم تصمت هنا تهبط الدرج خلفه تناديه مستمرة بالصراخ أمام والدته وابنه عمه التي همت بالصعود إلى الأعلى لترى ما الذي حدث لكل هذا الصراخ
لم يهتم بأحد ولم يستمع إلى هرائهم بل خرج من القصر وكأن العار يلاحقه والناس أجمع يشاهدون فلا طريق عودة إلى الشرف إلا عندما يأتي بروحه بيده دافعًا بكل ما بينهم من أخوه وأمانه، صداقة وحب إلى عرض الحائط..
صرخ في جميع الحرس بصوت جهوري:
-كله بره القصر.. الحرس كلهم يطلعوا بره القصر
انصاعوا إلى أوامره يخرجون واحدًا تلو الآخر ليجد “عاصم” يخرج من الغرفة متسائلًا ينظر إليه باستغراب:
-في ايه يا جبل
قابلة الآخر متقدمًا منه بقوة ينظر إليه بقسوة فلم يدري إلا وهو يرفع سلاحه يضربه به في وجهه ليرتد عاصم إلى الخلف متألمًا وأنفه تنزف الدماء بغزارة، وقف مذهولًا مما فعله ينظر إليه بصدمة تحت أعين والدته وابنة عمه وزوجته..
أقترب منه ليلكمه في وجهه بقوة وكراهية شديدة لم تنشب بقلبه إليه إلا الآن قائلًا بصدمة وصراخ:
-بقى أنت يلا تعمل في أختي كده
وقف “عاصم” بالمعنى الحرفي مذهول مما يفعله به ومما يقوله فتفوه بضعف قائلًا:
-عملت في أختك ايه
صرخ به “جبل” رافعًا قدمه يدفعه للخلف تخرج الكلمات منه باحتقار شديد:
-أنت مش عارف يا كلب يا خاين.. فاكرني هسيبك يا عاصم دا أنا هدفنك مكانك
كان “عاصم” يستطيع الدفاع عن نفسه والسيطرة على الوضع ولكنه لم يستطع أن يرفع يده على صديق عمره يريد أن يفهم ما في الأمر فقال بصدق ناظرًا إليه بتعجب:
-أنا فعلًا مش عارف عملت فيها ايه.. ايه اللي بتقوله ده
أمسك به من تلابيب قميصه ناظرًا إليه بشر قائلًا:
-أنت مش غوتها وقولتلها إنك هتتجوزها وعملت وساختك معاها
شهقت والدتها بصدمة وهي تقف على درجات بوابة القصر الداخلية وترنحت للخلف فأمسكت بها “زينة” قبل أن تقع لتجلسها على الدرج وهي تحت الصدمة تستمع إلى ما يدور بينهم بقلب مفتور وروح مقتولة على ابنتها ولم تكن تدري ما في الأمر وما الذي فعلته ابنتها سيؤدي بحياتها..
بينما “تمارا” لم تكن تعلم ذلك وضعت يدها على فمها شاقهة بقوة غير مصدقة أنه فعل هذا بها وهي لم تقول لها بل كتمت كل ذلك..
دفعه “عاصم” بعنف وعينيه متسعة عليه للغاية لا يفهم ما الذي قاله مرددًا بصدمة كبيرة:
-أنا!
اغتاظ منه “جبل” ومن كذبه وافتعال الذهول والصدمة فتقدم مرة أخرى بغل وحقد:
-ولاَ الله وكيل هدفنك حي
اهتاج بعنف وضراوة يُشير بيده بهمجية صارخًا بحديث صادق خارج من قلبه يلقيه عليه لعله يصدق ذلك:
-قسمًا بالله ما حصل يا جبل ولا قربتلها ولا عمري قولتلها كلمة واحدة.. أختك هي اللي قدمتلي نفسها وأنا قسمًا بالله رفضت وقولتلها أنها صغيرة وعيب اللي بتعمله
لم يصدق “جبل” ما يراه ويستمع إليه منه فهو لم يكذب يومًا وإن فعل شيء يعترف به ولكنه الآن وصل إلى أقذر مرحلة وتخطى الدنائة بكثير:
-أنت مش مكفيك اللي عملته كمان مكمل في كدبك.. بقى هي اللي هتجيلك يلاَ
تشنج جسده أكثر وهو يستمع إلى تهمة تنسب إليه وهو برئ تمامًا منها ولم يقربها ولو بالنظر:
-قسمًا بالله عمري ما بصتلها ولا عيني اترفعت فيها بالطريقة دي أنا طول عمري بحافظ على أهل بيتك كأنهم أهلي أنا
أجابه “جبل” بغيظ قائلًا:
-ما هما أهلك فعلًا.. وابنك اللي في بطنها
وقعت الكلمات على مسامع الجميع كالصاعقة التي هدمت كل شيء ولم تأتي من بعدها إلا الدمار المميت لجميع البشر، وخاصةً تلك البريئة التي كانت تقف في الشرفة تنظر وتستمع إلى ما يدور في الأسفل بوجه باهت وعينين دامعة بكثرة وغزارة..
يرتجف جسدها بعنف تشعر بقلبها يطالبهم بالرحمة والمغفرة يعفو عنه فهو برئ..
تحركت للداخل كي تهبط إليهم بسرعة لتدافع عن ذلك الحب الشريف الذي لم يقربها ولو بنظرة حقًا..
لاحقته الشياطين عندما استمع إلى هذه الجملة الأخيرة، يريدون أن ينسبون إليه طفل ليس طفله!:
-ابني! ابن مين عليا الحرام ما ابني.. قسمًا بالله ما قربتلها أختك بتلبسهالي
أكمل بغضب مهتاجًا عليهم جميعًا:
-أنا مش عيل ومش هخاف أنا لو عملت كده هقول قدام التخين لكن أنا معملتش كده شوفها عملت كده فين
لكمة “جبل” بعصبية دافعًا إياه للخلف يصرخ عليه:
-أنت كمان هتتكلم عنها
دلف “جلال” من بوابة القصر ينظر إليهم مبتسمًا بعدما أخبروه الحرس في الخارج أنه أخرجهم فتوقع ما يحدث.. تقدم يغلق البوابة يقف على بعد قليل فنظر إليه “عاصم” بقوة ليرد النظرة إليه بشماته
رفع عليه السلاح ليستقيم “عاصم” في وقفته ينظر إليه بخيبة أمل وخذلان كبير، لم يدافع عن نفسه أكثر من ذلك بل بقيٰ واقفًا ناظرًا إلى عيناه شاعرًا بالحزن على ذاته فلم يخيل له عقله يومًا أن تأتي الضربه منه هو.. ولكن يستطيع أن يلتمس له العذر فكيف له أن يصدقه هو ويكذب شقيقته.. لا يجوز
ضغط جبل على زناد المسدس مقررًا قتله على أي حال ولكن تبادل معه النظرات شاعرًا بما يحدث به نفسه، يلوم ذاته هو الآخر كيف له أن يفعل ذلك؟ ولكن هو من بدأ هو من اجنى على نفسه عندما زاغت عيناه على شقيقته.. مع إطلاق النيران عليه ستقتل صداقتهما التي دامت منذ أن خرج إلى شارع الجزيرة وهو طفل إلى الآن..
خرجت طلقة واحدة مع نظرة حزن من عينياي “جبل” غير مصدقًا ما فعله وصرخة خرجت تزامنًا مع تلك الرصاصة ليستوعب “جبل” ما بدر منه شاعرًا بيده ارتفعت إلى الأعلى لتنطلق في الهواء حرة وعاصم يقف كما هو..
كانت “إسراء” من فعلت ذلك، تبكي بضعف وتنظر إليه بخوف شديد ولكنها تجرأت وفعلت ذلك تعود للخلف لتقف جوار “عاصم” صارخة بـ “جبل”:
-عاصم معملش حاجه.. عاصم برئ
صدمت “زينة” مما فعلته! كيف عبرت من جوارها راكضة بهذه السرعة كي تنقذه، تقدمت سريعًا منها تجذبها إليها قائلة بانفعال:
-أنتي إزاي تنزلي من فوق.. بتدخلي ليه أنتي مجنونه
انهارت في البكاء تنظر إليها وجسدها يرتعش صارخة بقوة عليها توضح لها ما علمتها إياه:
-أنتي اللي علمتيني كده لما يكون حد هيتأذي بسبب حاجه معملهاش وأنا عارفه أنه برئ لازم أنقذه وده مكنش هيتأذي كان هيموت
أخفض جبل سلاحه وخرج صوته بشك يسألها:
-وأنتي تعرفي منين أنه برئ
استدارت تنظر إليه، ابتلعت ريقها وهي تخاف من نظرة عينيه المخيفة نحوها ولكنها قالت بتوتر:
-عاصم معملش في فرح كده.. فرح كدابة
صرخ بها بعنف وقوة يتقدم منها بهمجية:
-عرفتي منين
ارتعشت تتابعه برهبة قاتلة فاقتربت منها “زينة” تجذبها جوارها تحميها من بطشه ولكن “إسراء” تحدثت قائلة بصدق:
-فرح متجوزة جلال
صدمة أتت من السماء ووقعت على الجميع وكان أولهم “جلال” المستمع إليها الذي أراد أن تبتلعه الأرض ولا يخرج منها مرة أخرى وقارب على أن يبلل ملابسه من كثرة خوفه من “جبل” والقادم منه، صدم “عاصم” وشعر بالغباء وهو يستمع إلى حديثها ولا يدري أهي لتحميه تلقي بهذه التهمة على “جلال” لما فعله بها سابقًا!؟
اتسعت أعين “جبل” الغير مصدقة لما تقوله يتابعها بشراسة ينبهها أن لا تكذب لأنها إن فعلت ستكون نهايتها الحتمية ولكنها أكملت معترفة:
-فرح متجوزة جلال عرفي وكانت بتقابله ورا القصر وآخر مرة كانت امبارح لما اتفقوا أنه يطلقها ويقطع الورقتين وتتبلى على عاصم علشان يتجوزها
شعرت “زينة” بالخوف الشديد عليها، لا تطمئن لنظرات “جبل” نحوها وذلك الذي تتهمه “جلال” فصرخت بقوة:
-أنتي جبتي الكلام ده منين
أبصرت شقيقتها توضح لها ما حدث ثم اتجهت بعينيها إلى “جبل” تكمل بضعف:
-أنا شوفتهم وسمعتهم امبارح بالليل وبعدين خرجت مع عاصم بس خوفت أقوله وكنت هاجي أقولك أنت
بقي صامتًا ينظر إليها بحيرة ولا يستطيع لأول مرة بحياته معرفه وتحديد من الخائن أمام أنظاره فاستردت تبعد حيرته عنه تقترح:
-لو مش مصدقني تقدر تشوف تسجيلات الكاميرات هنا في القصر ما فيه كاميرات هتلاقي فرح وجلال اتقابلوا امبارح مرتين وتقدر كمان تدور قبل كده هتلاقيهم بيتقابلوا
لتكمل بخفوت وضعف شديد:
-حتى جلال هو اللي عمل فيا كده
جذبتها شقيقتها من ذراعها تصب تركيزها عليها بذهول تسألها:
-عمل فيكي ايه
حركت أهدابها توترًا وخوفًا منها، ترددت في الحديث وخرج صوتها ضعيف خافت خجلة مما فعلته وأخفته عنها:
-اخدني ورا القصر وخوفني وحاول يقرب مني ولما حاولت أصوت رفع عليا مطوة
صرخت زينة بانفعال شديد ولم تستطع السيطرة على نفسها بعد هذه الكلمات تحرك جسدها بقوة بين يديها بعنف:
-إزاي متقوليش ليا الكلام ده.. أنتي اتجننتي بجد
رفعت بصرها إليها تواجهها قائلة تذكر دور “عاصم” فيما حدث وأنه تصرف بنبل وشجاعة ولم يتركه يقترب منها:
-عاصم هو اللي عرف ولما عرف هو اللي عمل فيه كده وخد حقي منه وضربه بالنار
ما كادت “زينة” إلا تتحدث ولكن “جلال” سبقها صارخًا بقوة يقترب منهم أكثر ليظهر لـ “جبل” أنه ليس خائف:
-البت دي كدابة.. كدابة محصلش
أكمل بعنف ينظر إليها بشر:
-كل الكلام ده محصلش
أبعدت عينيها عنه تتخفى في شقيقتها تقترب منها تحتمي بها وبالأعلى كانت تقف “فرح” تستمع إلى آخر ما حدث وبدر من الغبية “إسراء” تنعي حظها خائفة مما سيفعله بها شقيقها عندما يتأكد من حديثها..
لقد تنقلب السحر على الساحر ووقع أسير لخطط ومكائد كان يريد أن يلتف بها غيره ولكنه هو الوحيد الذي ابتلع كل ما فعله وإلى الآن لم ينل جزاءه
ابتلعت ريقها بصعوبة وارتجاف جسدها لا يساعدها على الوقوف لتتابع ما يحدث في الأسفل بينهم بل أعاقها وشعرت أن قدميها لا تحملها فانهارت جالسة على الأرضية في الشرفة منتظره موتها الحتمي على يد شقيقها..
أبتعد “جبل” يتقدم من البوابة الخارجية يفتحها صارخًا بحراسه ليتقدموا إلى الداخل فامتثلوا لأوامره..
أشار إلى “زينة” تدلف إلى الداخل ومن معها بقسوة:
-ادخلوا جوا
بينما وهم يهمون بالولوج إلى الداخل استمعوا إلى صوته الحاد يخرج بقسوة وغلظة:
-فتشوا عاصم وجلال.. خدوا منهم أي سلاح واربطوهم وخدوهم على الجبل
فورا كانوا يتحركون ليفعلون ما أمر به على الرغم من استغرابهم التام مما يحدث ولكن بالفعل حدث في دقائق بسيطة ما طلبه ليتركون ساحة القصر الخارجية ويرحل بحراسه إلى الجبل تاركًا بعضهم القليل هنا ليكونوا في حراسة أهل القصر..
أخذت “زينة” شقيقتها لتصعد بها إلى الأعلى خوفًا عليها من أي أحد بالقصر وبالأخص “فرح” تاركه “تمارا” في حالة ذهول بعدما رأت كل ما حدث وعقلها لا يستجيب لأي شيء مما استمعت إليه تصعد هي الآخرى خلف زوجة عمها التي صعدت الدرج ذاهبة إلى ابنتها لتفهم منها ما الذي حدث بالضبط..
فعلت ذلك وبعد الاستماع إلى ما تفوهت به وكان مما ألقته على “جبل” بالضبط انهالت عليها هي الأخرى بالضربات القاتلة تلتحف بخصلات شعرها على يدها تضربها بقدمها بقوة غير عابئة بأي ألم أو صراخ يخرج من جوفها لا ترى إلا وهي تدنس سمعتهم وشرفهم تلك الحقيرة والتي إلى الآن لا يعلمون أهي صادقة أو لا..
حاولت تمارا” كثيرا أن تبعدها لتنجح في النهاية بعدما تعبت “وجيدة” من كثرة ضربها صارخة بها بقوة:
-لو اللي قالته أخت زينة صح وعاصم معملش فيكي حاجه وكله بمزاجك مش هخلي جبل يقتلك.. أنا اللي هقتلك
ثم تركتها وذهبت من الغرفة لتصرخ الأخرى بفزع وخوف نادمة على ما فعلته سيؤدي بحياتها إلى الجحيم، ليتها ظلت صامتة ولم تفعل هذا الهراء الذي تسرعت بفعله كما جعلت “جلال” يقترب لتلك الفتاة فإن ضغط عليه “جبل” قليلا سيعترف بكل شيء ويتركها تتعذب وحدها وتكن كتبت نهايتها بيدها..
استندت بظهرها إلى الحائط تعود إلى ليلة أمس متذكرة ما فعلته بعدما انتهت من الحديث مع “جلال” وبعدما جلست كثيرًا ناظرة إلى “عاصم” متذكرة ما فعله بها وطرأت على رأسها فكرة شيطانية لو نفذتها إما أن تنتقم منه أشد انتقام أو يكن لها رغمًا عن أنفه وأنف الجميع..
“صعدت إلى الأعلى قليلًا ثم هبطت إلى الأسفل مرة أخرى متوجهة إلى خلف القصر ثانيةً بعدما حدثت “جلال” أن يعود لها لتتحدث معه في أمر هام للغاية
أتى لها فجذبته سريعًا متصنعه الخوف متوترة قائلة بارتعاب:
-مصيبة
تلبك من نظراتها مقتربًا هو منها متسائلًا بنفعال:
-مصيبة ايه الله يخربيتك
بللت شفتيها تتابعه متصنعة التوتر الشديد والخوف منه ومما ستقوله لتنتهي في نهاية الأمر قائلة بتبرم:
-أنا حامل
اتسعت عيناه عليها ولم يأخذ وقت في التفكير في كلماتها البسيطة بل صاح مستنكرًا بعنف:
-نعم يا روح أمك
أقسمت له تؤكد حديثها ترسم الارتعاب الشديد على ملامحها ثم حولت حديثها إلى نبرة أخرى ذات مغزى:
-والله العظيم.. لسه عارفه دلوقتي حالًا بعد ما طلعت عملت اختبار وطلعت حامل هنعمل ايه في المصيبة دي
ردد باحتجاج يمسك بذراعها بعنف ضاغطًا عليه بقبضة يده يخرج غضبه وعنفه بها:
-نعمل ايه؟ دا أنتي وقعة أهلك سودا، أنتي مش قولتي واخده بالك يا بت أنتي
بررت وملامح وجهها مجعدة تدل على أثر الصدمة ورفضها:
-أنا هعرف منين ده اللي حصل.. هنتصرف إزاي
دفعها للخلف بقوة قائلًا بضجر بعدما أدرك حجم المصيبة الأخرى التي وقعت على رأسه منها ألا يكفي سابقتها:
-الله يخربيتك على بيت معرفتك السودا
أردفت بقوة تنظر إليه بحدة ثم اتجهت وحديثها إلى محطة أخرى ترمي بفعلتها عليه لتصل إلى ما تريده منه:
-مش وقته يا جلال لازم نلاقي حل وإلا الموضوع لو أتعرف أنا وأنت هنروح في داهية جبل مش هيسمي علينا
عاد إلى السور يستند بظهره عليه قائلا بجدية:
-حل ايه يا بت؟ أخوكي مش هيوافق عليا ولو قولتلك تنزليه الموضوع هيتعرف كله دا أنتي أخت جبل العامري
وضع رأسه بين يده الاثنين ينحني بجذعه للأسفل يخرج صوته بخفوت وضعف:
-روحت في شربة مايه يا جلال
جذبت يده وجعلته يقف مستقيمًا في مواجهتها لتصيح بوجهه بعصبية متخلية عن حزنها الزائف وخوفها الكاذب:
-ركز معايا دلوقتي لو فكرنا هنلاقي حل
أشار لها بيده ساخرًا من حديثها معتقدًا أنها انتهت إلى هنا إلا إذا تخلص من هذا الشيء ومنها هي الأخرى وهذا شبه مستحيل:
-حل ايه يا أم حل أنتي غبية يا بت.. مين هيشيل الليلة السودا دي من على دماغي
عادت للخلف تنظر إليه بجدية، اعتدلت في وقفتها ثم ألقت عليه كلمات ذات مغزى:
-في حد يشيلها.. ووقتها هو اللي هيموت
اعتدل هو الآخر وتعمق في النظر إلى وجهها يتبادلون النظرات سويًا ثم هتف فجأة بحماس ولهفة:
-عاصم!.. يا بت الايه
أمسك بيدها ونظر داخل عينيها مباشرة، ذئب شرس أراد الدمار لكل سكان الغابة إلا هو، خطط في لحظات وبلمح البصر كان يتفوه بصرامة وحزم:
-طب اسمعي بقى الكلمتين اللي هتقوليهم.. هتقولي إن عاصم مرة كان معاكي بره أخدك البيت بتاعه وعمل كده غصب عنك وهددك متتكلميش وأنتي كنتي خايفة تتكلمي وتقولي بس لما عرفتي إنك حامل اتكلمتي..
تابع ينظر إليها بجشع وكره شديد يكنه لـ “عاصم” وأتت الفرصة تحت قدمه من قِبلها هي لكي يؤذيه وإن حدث لها هي الأخرى شيء سيكون مبتعدًا عنهم ولن يبقى سواه هنا، مضحيًا بابنه وكل شيء:
-بعدها عاصم هنقرا عليه الفاتحة والطريق يتفتح قدامي لو أنا اتقدمت لجبل ده لو مطلبش مني هو هيوافق أكيد علشان أشيل الليلة دي
أردفت بتوتر وصوت متعلثم:
-طب لو حصل حاجه تانية ولا غصب عاصم يتجوزني
أشار لها بيده يؤكد بجدية شديدة وثقة مما سيفعله “جبل” به إن علم بهذا الشيء:
-أخوكي مش هيعمل كده هيقتله وقتي
كانت هي تفكر في شيء آخر فلن توافقه قائلة بصوت جاد:
-بس بردو لازم ناخد احتياط
فهم مقصدها وجعلها تنال ما تريد فهو من الأساس كان يريد أن يبتعد عنها بأي طريقة ولكنه كان يعلم أنها مجنونة إن فعل ما لا تريده يمكنها أن تغرق المركب بمن عليها وهي من ضمنهم:
-خلاص أنتي طالق والورقتين اللي معايا هروح أقطعهم وكأن شيئًا لم يكن
أومأت إليه برأسها قائلة بايجاب:
-ماشي
ربت على كتفها بيده اليمنى بهدوء وقال بهدوء:
-جمدي قلبك وبكرة بالليل قوليله..
أومأت برأسها إليه مرة أخرى فأشار إليها بالرحيل قائلًا ساخرًا بينه وبين نفسه:
-الله معك
ذهبت وتركته بعدما تالت ما أرادت ولم تكن تدري أنها بهذا تكتب نهايتها أو بداية عذابها.. وبالأحرى ستكون بداية..
ولكنه هو سعد للغاية أنه تخلص منها بهذه الطريقة السريعة وهي من طلبت ذلك وبنفس الوقت ستؤدي بحياة “عاصم” إلى التهلكة.. يستحق ما سيناله..”
❈-❈-❈
وصل إلى الجبل مع حراسه والذي جعلهم يدفعون بـ “جلال” مكبل في غرفة التعـ ـذيب واغلقوا عليه الباب وطلب منهم أن يتركوا “عاصم” في غرفة أخرى بعيدة عنه..
وقف حائرًا لا يدري من حديثه صحيح، هل صديق عمره برئ وشقيقته تلقي عليه بتهمة لم يفعلها! ولكن لما ستفعل ذلك؟ هل “جلال” هو الذي فعل معها هذا وكان بإرادة كاملة منها مثلما قالت شقيقة زوجته.. إن كان هذا سيكون منطقيًا أن تلقي التهمة على “عاصم” وتقول أنه فعل هذا بها كرهًا وقهرًا لتنفد بنفسها هي وذلك الحقير..
سيعود إلى القصر ليتابع الكاميرات كما قالت “إسراء” وسيعرف من خلالها هل “عاصم” من فعلها أو “جلال” بموافقتها!..
أخرج هاتفه من جيبه بعدما اهتز به مرات وراء بعضها ليفتحه ينظر إلى الرسائل المبعوثه إليه ليجد فيديو من بينهم كان به الصدمة الأخرى الآتية من “عاصم”..
فيديو عبارة عن لحظات به “عاصم” يقف مع “طاهر” يتسايرون في الحديث!. هل “عاصم” الخائن! هل هو من يسرب معلوماته عنه!..
ضغط على الهاتف بقبضة يده بقوة ودلف إليه بجسد مهتاج متصلب ليقف أمامه بعنف والآخر مكبل ملقى على الأرضية..
قال بقسوة وغلظة:
-بتخوني يا عاصم.. بتخوني أنا وليه وعلشان مين طاهر؟
رفع “عاصم” وجهه إليه مستنكرًا ما قاله مكررًا حديثه باستغراب غير مدرك ما الذي يتحدث عنه ثم صاح به بقوة وعنف:
-أنا.. أنا أخونك، بقولك ايه كفاية بقى أنت عايز ايه من الآخر عايز تخلص مني.. أعملها وخلصنا
صاح “جبل” بصوت جهوري صارخ ينم عن قهره الشديد مما تعرض إليه على يد صديق عمره ومن وقف في ظهره مساندًا إياه كل تلك السنوات وعندما تأتي الضربة لا تكون إلا منه:
-أنا هندمك يا عاصم قبل ما أعملها.. أنت أكتر واحد عارف مين هو جبل وعارف إن الخاين مالوش ديه عندي بس أنت ليك عارف ليه.. علشان هخليك تتمنى الموت ومش هتطوله
اغتاظ من حديثه فنفى ما قاله بضيق شديد ولم يكن خائف على نفسه مما سيلاقيه على يده:
-بطل كدب وخداع لنفسك.. مرة اغتصـ ـبت أختك ومرة خونتك مع طاهر، أنت مش لاقي حد يلبسها غيري يا جبل
أكد أنه لا يخاف مما يريد فعله به مرحبًا بما هو قادم منه ناظرًا إليه بعتاب وخذلان لا نهاية له يكمل حديثه يشعره بالندم:
-بس ماشي أنا موافق ألبس اللي ألبسه منك يا صاحبي.. ولما تعذبني ولا تموتني هتندم لما تعرف إنك ظلمتني
استرسل في الحديث أكثر ناظرًا إليه بقوة بعدما محى نظرة العتاب والحزم من عيناه يؤكد بثقة إن ثبتت براءته سيذهب من هنا دون رجعة:
-لو عرفت دلوقتي وطلبت مني السماح أنا هسيبلك الجزيرة كلها تشبع بيها وبأختك وأسرارك.. مش أنا اللي أعمل كده وأنت عارف كويس أنا عاصم اللي ياما فديتك بعمري وجسمي يشهد
رفع “جبل” الهاتف أمام وجهه بعدما فتح الفيديو عليه وهو مع “طاهر” ينظر إليه متهكمًا:
-وده ايه.. كنت بتعمل مع طاهر ايه
تعمق في النظر إلى الفيديو فتذكر ذلك اليوم عندما خرج من الجزيرة وقابله ثم وقف معه يتحدث في أشياء ليس لها أساس أو معنى ولكن الآن فهم لما فعل ذلك:
-قابلني وأنا بره الجزيرة ياخي ووقف معايا كمان بس كان بيهرتل زي ما بيعمل.. طاهر مبيعرفش يعمل حاجه ولا عنده أحداث يرميها علينا كل اللي بيعمله كلام مابيتبلعش
أكمل متسائلًا بسخرية:
-وادينا لسه مسلمين سلاح ليه مبلغتوش
أشار إليه برأسه بمنتهى الثقة رافعًا رأسه للأعلى بشموخ على الرغم من أنه جالس على الأرضية مكبل:
-روح شوف مين خاين في رجالتك غيري يا جبل عاصم والخيانة ميجوش مع بعض
وضع “جبل” الهاتف في جيب بنطاله ينظر إليه بهدوء بعدما أخذ نفس عميق للغاية يبتعد ناظرًا في الفراغ يفكر في حديثه، نعم إنه أفداه بعمره أكثر من مرة ووقف أمام المدفع كثيرًا لأجله ووقف في ظهره يسانده لسنوات كثيرة ولم يخون يومًا ولم ينشب بينهم عراك.. هل هناك من يريد أن يخرب علاقتهم! أنه طاهر ولكن هل طاهر سيجعل شقيقته تفعل ذلك بنفس الوقت؟ مؤكد لأ
عاد يبصره من جديد وقال بخشونة تخفي بين طياتها الكثير من القسوة والشراسة التي تنتظره:
-أنا لسه باقي على اللي بينا يا عاصم بس الله وكيل لو كدبت عليا ما هرحمك
سأله مثبتًا عينيه عليه منتظر منه إجابة أخيرة:
-عملت كده في فرح ولا لأ.. سربت معلومات لطاهر ولا لأ
تخللت نبرته الحزن وهو يجيبه بخفوت ونظرة مقهورة على ما حدث بينهم:
-بعد ما الشك دخل بينا أنا اللي مبقتش باقي على اللي بينا يا جبل.. أختك أنا ملمستش منها شعرة ولا حتى لمستها بنظرة.. وطاهر عمري ما بيعتك ليه ولا خونتك عنده ولا عند غيره
أكمل بقوة غير خائفًا بل يشجعه على فعل ذلك ليندم الباقي من عمره ثم يكمل بغرور مدركًا قدر نفسه عند جبل:
-ومع ذلك أنا عايزك مترحمنيش علشان تعيش عمرك كله عارف إنك ظلمتني ونشوف أنت هتجيب حد غيري يشيلك منين يا ابن العامري..
ليصمت قليلًا ثم يكمل بنبرة حادة ذات مغزى:
-ويحمي أسرارك اللي مافيش مخلوق يعرفها غيري
نظر إليه جبل مطولاً ولم يفهم بعد ما الذي يحدث ثم أبتعد عنه خارجًا يذهب إلى القصر تاركه وحده ليصل إلى أي شيء يبرأه أمامه..
بينما ترك “عاصم” الذي اعتلى صدره الضيق الشديد والحزن الذي أبكاه صمتًا وألمًا وهو يرى صديق عمره وشقيقه الوحيد يكذبه ويعطي فرصة للشك يدلف بينهم أكثر مما هو.. نعم ربما عليه تصديق شقيقته وهو لا ولكن كيف له أن يصدق أن “عاصم” خائن!..
ألم قلبه لا يتوقف وحزن عيناه الدامعة لا تشفق عليه أو ترحمه بل كل شعور سيء يزداد داخله كلما فكر فيما حدث..
هو من كان يجلب البشر إلى هنا لينال كل منهما عقابه، الآن يجلس زليلًا تحت رحمة حراس كان هو كبيرهم، كم من شخص أتى به إلى هنا كان برئ مثله ولم يستمع إليه ونال عقابًا لم يكن يليق به ولم يكن يناسبه!.. الكثير؟
فكر قليلًا، لما لا يكون “جلال” هو الخائن بعد أن أكدت إسراء أنه هو الذي تزوج من “فرح”، وهو الذي ارهبها خلف القصر في محاولة منه لإيصال شيء معين وفي نفس الوقت كان علم “طاهر” بوجود “إسراء” وحبه لها! لما لا يكون هو الجاسوس الموجود بينهم داخل القصر!
في وسط عتمة الليل، ذلك الدجى الذي يحيط به من كل جانب حتى في شعوره تسلل النور إلى قلبه وهو يتذكرها.. بكائها، ارتجافها، ونظرتها الخائفة، وتعلق عينيها به وهو يذهب معهم، هي فقط من صدقته ووقفت جواره، ساندته وأخرجت الجرأة المكبوتة داخلها لأجله.. هي فقط دون الجميع وهي أقل شخص من بينهم على علم به..
تلك القطة الضعيفة التي تريد كل يوم من يحنو عليها، تنظر إلى الغرباء والأقارب بلين ورقة، تتحدث بخفوت ونعومة، لأول مرة على الإطلاق تقف أمام الجميع تصيح بهم تذكب كل ما تحدثوا به، فقط لأجله..
حبه الوحيد الذي لن يفرط به مهما حدث إن خرج من هنا سالمًا، وإن ذهب غدرًا وظلمًا يتمنى أن يلقاها في الجنة وهو يعلم أن رحمة ربه واسعة يطمع في أن يكون معها بها ليعيش ما لم يستطع عيشه هنا بين أحضان قلبها الرقيق.. آه يا “عاصم” أليس لك الحق في أخذ ما قدمته! آه على قلبك القاسي دومًا، وعلى حبك الغريب الذي لم تناله يومًا..
❈-❈-❈
وقفت “إسراء” أمام شقيقتها بملامح باهتة حزينة تبكي بغزارة جاعلة بريق عينيها الأزرق تشوبه الخيوط الحمراء من كثرة البكاء
نهضت “زينة” بعنف تصيح بضراوة:
-أنا عايزة أفهم حالًا كل حاجه بطلي بقى
طمست على وجهها ووقفت محاولة الثبات وقلبها يحترق على جمر مشتعل خائفة عليه وكل تركيزها وتفكيرها معه هو، أردفت بنبرة مهزوزة:
-اللي حصل.. أنا وعاصم في بينا كلام عادي والله العظيم يا زينة بس أنا اعتبرته صاحبي وهو كمان وده عادي أنتي عارفه
استنكرت حديثها تشير إليها بعصبية:
-عادي ايه؟ هو أنتي فاكرة نفسك فين إحنا هنا في جزيرة العامري مكان مش بتاعنا كل اللي فيه ناس…
قطعت جملتها التي كانت ستتفوه بها بكل شيء خاص بعملهم على الجزيرة والجميع يعلم وأكملت تحسها على المواصلة:
-كملي
تنفست شاهقة شاعرة بالمرارة بسببه وبسبب كثرة بكائها تقص عليها ما بدر من “جلال” معها:
-كنت تحت مرة بتمشى جلال اخدني ورا القصر غصب عني ورفع عليا مطوة وحاول يقرب مني بطريقة وحشه وبعدين سابني
صرخت بانفعال وعصبية تتقدم منها تجذبها من ذراعها شاعرة أن رأسها ستنفجر:
-وإزاي أنا معرفش.. افرضي حصلك حاجه
أكملت موضحة تزداد في البكاء فلا شيء بها يتحمل أن تصرخ عليها بل هشاشة قلبها الضعيف تتحول إلى فتات بسبب خوفها عليه:
-عاصم عرف.. بس والله معرفش هو عرف منين ولما سألني قولتله راح هو أخد حقي وخلى جلال لما يشوفني يبص بعيد
تنفست مرة أخرى زافره الهواء من رئتيها تنهمر الدمعات من عينيها بغزارة قائلة بخفوت وصدق:
-وامبارح أنا بجد سمعتهم والله وهما بيتفقوا وهي متجوزاه
تركتها “زينة” وثبتت نظرتها عليها بجدية شديدة ثم سألتها دون سابق إنذار تبعث إليها في نظرتها ألا تكذب:
-ايه اللي بينك وبين عاصم ومتقوليش صحاب
نظرت إلى الأرضية تتمسك يدها ببعضها البعض تضغط عليهم بقوة ثم رفعت عينيها عليها وتفوهت قائلة بخجل وخفوت:
-أنا بحبه وهو بيحبني
أصاب جسد زينة رجفة غريبة من نوعها وهي تنظر إليها باستغراب شديد وصدمة خالصة هبطت على رأسها من السماء.. شقيقتها البريئة الخجولة، صاحبة الصوت الرقيق والنظرة الناعمة، الفتاة التي لا تفقه شيء في الحياة تستند عليها في أي ممر تدلف إليه تنتظرها أن تأخذ بيدها أحبت قابض الأرواح!؟



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close