اخر الروايات

رواية تشابك ارواح الفصل الرابع عشر 14 بقلم أمينة محمد الالفي

رواية تشابك ارواح الفصل الرابع عشر 14 بقلم أمينة محمد الالفي 


الفصل الرابع عشر من -تشابك أرواح-
«للغدر مذاقٌ آخر»
"ده يامساء الجمال، وحشتيني"
دلفت بخطواتٍ سريعة وهي تطالعه من أعلاه لأسفله قائلة بنزقٍ:
"ساعة عشان تفتح، خُفت حد يشوفني وأنا جاية"
اقترب يعانقها وهو يزيل عنها غطاء شعرها بعشوائية والابتسامة الماكرة تُزين ثغره:
"متخافيش يا ديحة، أنتِ برضو خبرة في الحاجات دي!"
دفعته بعيدًا عنها وقابلته بحديثها السام الحاد:
"تقصد إيه؟ أنا أصلًا مستحملة وساكتة على الورقتين اللي بينا دول يافتحي، أنا عايزة تيجي تتجوزني رسمي وتطلبني من أمي، هو أنت يعني هتلاقي زيي فين، دا أنا بفضيلك الجو عشان تنول اللي أنت عايزوا مع النسوان!"
سيطر على عقلها بكلماته المعسولة وهو يمسك يديها بين راحتيه بنبرة واهنة:
"ماهو عشان كدا بحبك ياديحة، أوعدك إننا خلاص قربنا وحالي بدأ يتظبط وهتجوزك رسمي يابت، هو أنا يعني بعمل اللي بعمله ده لمين؟ ليكِ عشان تبقي مرتاحة وأنتِ معايا، واعيشك ملكة!"
مررت إصبعها على خده بغنجٍ متحدثة بنبرة بها الدلال:
"اممممم، ماشي.. أنا قولت لأمي إني نازلة رايحة مشوار ساعتين للبنت رنا مرات آسر عشان أهون عليها إنه اتجوز عليها مرام"
سألها وهو قاطب حاجبيه معبرا عن نار الغيرة التي بداخله:
"ألا صحيح إيه حوار آسر ده مع أمك؟ أمي بتقولي أنها
عايزه تجوزهولك!"
زفرت بسخطٍ ثم أجابته بغنجٍ:
"ما أنت عارف إنها عايزاني أتجوزه علشان مهندس ومعاه فلوس وعربية، عايش عيشة كويسة، بس قولتلها هو بيحب رنا مراته بس لما اتجوز البنت مرام قالت يمكن في فرصة يتجوز تالت، فبتحاول تحوم حواليهم"
مد يده على شعرها وأمسكه يهددها بنبرة جافة:
"أنتِ طبعًا هترفضي صح! بلا آسر بلا بتاع أنتِ بتاعتي حتى لو لسه متجوزك عرفي، هتجوزك رسمي بس اتقلي عليا!"
حاوطت عنقه بذراعيها وأدرفت بدلالٍ:
"عارفة ياقلبي عارفة، وأنا استحالة أبعد عنك ولا اتجوز غيرك، إحنا لبعض لآخر العمر"
ابتسم برضا ساحبًا إياها نحو بقعة سوداء ستبتلعها قريبًا، الحياة تجعل الحقير من نصيب الحقير، والطيب من نصيب الطيب، والقاسي للقاسي، وفي بعض الحالات الشاذة يُدمج اثنين معًا من كل صفة؛ فينتهي بهما الحال منفصلين تمامًا.
__________
في صباحٍ جديد أشرقت شمسه لتنير قلوبهم المتعبة، المظلمة، تنير أرواحهم وأفئدتهم!
يجلس منزوي بين ركنه المميز ممسكًا في يده ورقة وقلم يدون عليها بتركيزٍ شديد بملامح يعتليها الأسى:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد لذكرياتي الأليمة التي تقسو عليّ يوميًا في واقعي وأحلامي، ما بين الأسف على حياةٍ أعيشُها وحيدًا، وبين القهر على أحبتي الذين يعانون في الحياة، وبين الحقد على اعداءٍ سلبوا مني أحبابي، الكوابيس التي تراودني لا ترحمني يوميًا، فأنا كُتب عليّ الوحدة؛ أنا التائه في سبيل الحياة باحثًا عن الأمان الذي سيداوي جراحي. <مروان عبدالمجيد>"
وضع القلم جانبًا ناظرًا نحو الرسالة بتمعنٍ ماررًا على ذكرياته كل الذين غادروه والموجودين في حياته حتى توقف عقله عند إحداهن؛«سيلين»، لا يعلم كيف لتلك ضائعة العيش في الحياة، يشفق عليها وعلى كونها في تلك الحالة، هي مجرد حالة بالنسبة له، يود أن يجعلها تنجو من زِحام الحياة المؤلمة.
وضع الورقة بين طيات الدفتر الخاص به عندما شعر باقتراب قدمين نحوه ولم تكن سوى خاصة «بعبدالله» الذي استيقظ للتو ليبدأ يومه الذي أذن الله له به:
"صباح الخير، أنت صاحي من بدري كالعادة؟"
اؤمأ برأسه فعاود «عبدالله» التحدث بسؤالٍ طرق لعقله:
"إحنا النهارده هنكلم المحامي ده ولا إيه؟"
ظهر التردد في عينيّ «مروان» بتنهيد عميقة قائلًا:
"عارف أنا متردد في الحوار ده، بس في نفس الوقت أنا حاسس إن الموضوع قرب خلاص وأننا هناخد حقنا قريب جدًا"
انعقد حاجباه مستغراب لتردد صديقه بين ليلة وضحاها:
"أنت إيه خلاك متردد كده أنت امبارح كنت موافق والموضوع بالنسبالك كان تمام!"
تنهيدة قوية خرجت من فمه وهو يتحرك من مكانه ليقف قبالة «عبدالله» قائلًا:
"خايف الموضوع يكبر، بس قولت لو فضلنا خايفين كدا حقنا مش هيجي أصلًا، هنتكل على الله مهما كانت النتيجه عشان أراضينا اللي اتسلبت وعشان حق عهد!"
_"حق عهد هيرجع من وليد غصب عن عينه حتى لو فيها تضحية مننا لنفسنا يا مروان!"
قالها بحدة معبرًا عن مدى كرهه «لوليد الأنصاري»، فأومأ له «مروان» مؤكدًا ذلك، واتجه نحو المطبخ يُعد لهما كوبان من الشاي رفقة الطعام البسيط -بعض الشطائر- ليفطرا سويًا، وعقله شارد في أشياءٍ عدة تخُص القادم المجهول بالنسبة لهم في تلك الصدمات التي تتلقاها قلوبهم كأنها رماحًا ترمي قلب ميت!
___________
تحركت بقلبٍ مكسورٍ وروحٍ مشتتة، بجسدٍ ثقيل أثر البكاء طيلة الليل على حظ عاثر اختارها هي دونًا عن غيرها في هذه الحياة، تُركت وحيدة في ليلة زفافها كما تُركت في يوم موت أبويها، توجهت بخطى ثقيلة نحو المرحاض تنعم بحمامٍ دافئ، يتساقط الماء على جسدها فيزيل معه هم كبير.
خرجت من المرحاض بفستانها القصير الخفيف على جسدها، وجلست امام المرآة تتابع انتفاخ عينيها التي تحولت للاحمرار ووجهها الشاحب المُتَعب، تتابع الانكسار البادي عليها وداخلها وكأنها متعرية الآن أمام نفسها وأمام إهانتها لحالها بتقبلها لتلك المعيشة التي فُرضت عليها، بين ليلة وضحاها أصبحت متزوجة ومِمَن أحبت طوال سنين مضت!
_"ماما أنا مش كويسة خالص، أنا محتاجة حُضنك وقلبك الطيب يحتاويني، ويحتوي قلبي وروحي، انا تعبانة وقلبي واجعني، وكأني بتعاقب على حاجة ماليش ذنب فيها ولا ليا يد فيها، هو اختارها وانا فضلت مختاراه وفي الآخر يتخلى عني بكل قسوة!"
أنهت حديثها بشهقة خارجة من أعماقها وانتحبت ببكائها على حظها العاثر، أي سحر ذلك تمكّن من قلبها ليجعلها تحبه بشكلٍ كبير، لدرجة لا وصف لها؛ فهي اختارت إهانة لقلبها للحصول عليه.
استمعت لصوت الجرس فتحركت نحو الباب تفتحه بعدما مسحت دموعها، وجدته يقف أمامها متابعًا هيئتها من أسفلها لأعلاها حتى استقرت عينيه على عينيها الخضراء المُتغيرة للإحمرار من شدة بكائها، نطق بغصة لحالتها تلك:
"صباح الخير"
قابلته بصمتها التام مطرقة رأسها بشكلها البائس، ليتحرك هو ناحيتها للداخل فتحركت للخلف حتى استقرا داخل الشقة وأغلق الباب خلفه، تفوه بنبرة معبرةً عن تأنيبه لنفسه:
"حقك عليا من اللي حصل، أنا مش قصدي اكسرك بالشكل ده والله!"
_"ليه بتقول كدا؟"
حاولت أن تستنبط منه غايته من ذلك الحديث، فأجابها بتنهيدة:
"اللي حصل امبارح في ليلة فرحنا، أنا عارف إنه صعب بس صدقيني هو صعب عليا أنا كمان، أنا بحاول بس اتأقلم على اللي بيحصل وإني بقى ليا زوجة تانية، عشان مقصرش في حق حد فيكم!"
سحب نفسًا عميقًا واقترب بتريث نحوها ووقف قبالتها تحديدًا ناظرًا لعينيها قائلًا بشتات داخلي:
"ألف مبروك يامرام!"
اكتفت بإيماءة بسيطة برأسها وهي تتابع حركات جسده التي تحمل الكثير وتوتره بذلك الشكل أمامها، تعرفه جيدًا وتحفظه هو وحركاته عن ظهر قلب، حتى أكثر من زوجته التي يهواها!
وآهٍ كبيرة من الهوى،
الهوى الذي كان سببًا في تحطيمها لأشلاء عندما علمت بأنه سيتزوج من غيرها،
الهوى؛ الذي كان سببًا لموافقتها على الزواج منه لتُنجب له فقط،
الهوى قاتل، وما ادراك من وجعٍ يسببه قبل قتله للإنسان، ولو كان من طرفٍ واحدٍ.
تفرقت شفتاه وهو يقترب خطوة تجاهها متمنيًا عدم الندم عليها:
"أنا عايز الجواز ده يبقى حقيقي، مش مجرد على ورق!"
توقفت غصتها بحلقها حتى كادت تخنقها من حديثه المفاجئ، وبدون وعي هزت رأسها بإيجاب له موافقة عما يقول.
بينما هو يتابع ذلك متذكرًا حديثه مع زوجته -«رنا»- صباحًا بأن يتحرك قدمًا نحو الحياة التي تمنى أن يحظي بها؛ وهي إنجاب طفل يحمل اسمه، متذكرًا حديثها بأنها لن تعود للبيت قبل أن يصبح ذلك الزواج رسميًا حتى تكون مرتاحة القلب تجاهه ولا تحمل نفسها أي تأنيب كونها لا تُنجب، مضحية الروح لأجله ولأجل طفلٍ لطالما أراده منها هي.
قبض بكفه على كفها وجذبها معه كدمية متحركة تاركة نفسها له ولأجله.
مُميت الشَّوق الذي نهايته هَجر،
مُميت التَّمسُّك بالوصال ونهايته غَدر،
مُميت من يُعطِي الأمل وهو مُصَاب بالجفاف.
___________
إن القرب من الله يغنيك عن العالم بأكمله، وعن البشر بأسرهم.
طرق الباب بخفوتٍ منتظرًا إجابة من الداخل واضعًا بفمه عود الثقاب، عقله شارد بعيدًا يفكر في ألف شيء، أولهم الحرب التي سيدخلونها رفقة «وليد الأنصاري» وثانيهم ابنته المتواجدة هنا وآخرهم حق حبيبته المقتولة، هو كمحاربٍ بسيفٍ واحد يقف في ساحة الحرب أمام وحوش لا يعلم متى سينتصر عليهم، ولكنه يحمل اليقين في قلبه بأن النصر قريب.
آفاقه فَتح الباب وظهورها أمامه بابتسامتها التي توسعت رويدًا رويدًا عندما لمحته بقولها:
"مروان؟ How are you?"
أومأ لها مبتسمًا بخفوتٍ وهو يتفوه بهدوءٍ، يحارب الرغبة التي داخله ولم تكن سوى ضجيجٍ يأكل فؤاده:
"فيه حصة عندي في البيت، الأطفال بيجوا أشرحلهم شوية في الدين، فلو حابة تحضري معاهم وتسمعي إحنا بنقعد في ركن ليا في شقتي، وأنتِ هتقعدي بعيد شوية عشان ميركزوش معاكِ في وسط الحصة"
انفرجت شفتيها بابتسامة عريضة لاقتراحه لها على تلك الجلسة التي بالتأكيد ستكون قريبة من قلبها، تسعى يوميًا بحثًا عن أمور عدة في الدين ويأتي هو لها كمنقذٍ يساعدها في معرفة ذلك؛ ينجيها من الغرق.
تفوهت بحماسة وبعينين لامعتين:
"أكيد موافقة، هتبقى أمتى، هقول لطنط فاطمة وآجي!"
ولم تتحرك لأن «فاطمة» أتت لترى من الطارق فوجدتهما ليقول هو مُفسرًا عن سبب تواجده:
"ازيك يامرات عمي، أنا عندي حصة دلوقتي وجيت أقولها لو عايزة تحضرها"
ثم وجه حديثه «لسيلين»
"حالًا الأطفال جاية دلوقتي تعالي ادخلي لحد ما يجوا"
أومأت لهما «فاطمة» بابتسامة خفيفة:
"وماله يابني، كتر ألف خيرك وربنا يجازيك خير!"
أومأ لها بابتسامة شاكرة وتحرك نحو شقته فتحركت دون تفكير خلفه للداخل، كانت تتفحصها بعينين فضوليتين، وجدت القطتين يهرولان نحوه فمال لهما يمسد عليهما بابتسامة، بيته يحمل الدفء الذي ولج لقلبها منذ دخولها له، وقعت عينيها على ذلك الركن الخاص به؛ يوجد به سجادة الصلاة السوداء والمصحف والكتب الدينية الموضوعة بشكلٍ مرتب.
انتبهت لصوته يقول وهو يشير لها نحو المجلس القريب لركنه المميز:
"أنتِ تعالي اقعدي هنا قريب من الركن ده، الأطفال هيجوا دلوقتي وهم عارفين هيقعدوا فين، هحط أكل القطط وآجي!"
أومأت له وانتبهت للقطة البيضاء التي تجلس أسفل قدميها، تموء بصوتٍ منخفض تحاول التعرف عليها وعلى رائحتها، انخفضت «سيلين» لمستواها وهي تقول بصوتٍ محبب:
"أزيك يا روح قلبي، يا روحي على الحلوة الكيوت"
تحرك هو غير عابئ بها ظاهريًا، لكن داخليًا ابتسم لنبرة الطفولة التي حملتها بصوتها ناحية القطة.
وضع لهما الطعام وتحرك نحو الركن جالسًا أمام جموع الأطفال الذين أجمعوا الآن، بينما هي جلست بالمكان الذي أخبرها عليه بعيدًا عن أنظارهم، رمى السلام بنبرة هادئة:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخباركم يا أولاد؟"
أجابوا بابتسامة واسعة بأنهم بخير، كانوا خليطًا مابين البنات والأولاد، وكانت أعمارهم متفاوتة وأكبرهم كان لديه اثنى عشرة عامًا، كان الاولاد يجلسون في الصفوف الأولى أمام «مروان» وخلفهم صفين من البنات.
بدأ يتحدث وجميعهم يستمعون له بما فيهم هي، كان صوته عذب وهبه الله به ليكون قريبًا للقلب على جميع البشر، يغمرها شعورًا لا تعرف له وصف حتى الآن سوى انها تشعر براحة تغمرها.
_" بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المُرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، النهاردة هنتكلم على حاجتين مترتبين على بعض زي ماقولتلكم الحصة اللي فاتت، والحاجتين دول لازم كل بنت وولد يكونوا عارفينها.. وهما غض البصر وفرض الحجاب!"
لم يكن حديثه اليوم عن الموضوعين مُرتبًا له سابقًا، ولكنه ترتيب من الله بأن يكون حضورها للمحاضرة التي سيلقيها عن شيئين لا تعرف عنهما أي معلومة.
_"أولًا غض البصر واجب على كل مؤمن ومؤمنة وعلى كل مسلم ومسلمة، يعني إيه غض البصر؟ يعني إن أنا لو شُوفت بنت ماشية في الشارع مفضلش مبلحق فيها وأعاكس فيها؛ ده حرام، يعني مشوفش بنت ماشية في الشارع فأفضل باصصلها ولا إني برضو أشوف ولد ماشي في الشارع أفضل ابصله، الاتنين حرام، طيب يا عم مروان ما هو في بنات بتبقى لابسة لبس ضيق ولبس مينفعش المسلمات تلبسه والكلام ده، برضو ده مش مبرر إن إحنا نبص للبنات وهي ماشية، هي ربنا هيحاسبها إنها مالبستش لبس شرعي، معملتش اللي ربنا أمرها بيه، ربنا سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}"
ابتسم بعدما سحب نفسًا عميقًا بعد تلاوته للآية الكريمة بصوتٍ عذب:
"وبرضو سبحانه وتعالى وجه كلام للمؤمنات بقوله {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}، يعني كده محدش فيكم له أي حِجة ربنا أمرنا إن إحنا نغض البصر، طب ليه أمرنا إن إحنا نغض البصر؟"
أكمل بحكمة:
"اولا لطاعة كلام الله، كل كلام الله بنقول عليه سمعًا وطاعة، وطبعًا ربنا قالنا في الآية إن ده خير لينا وربنا عالم بنفوس كل البشر وعارف إن ده الصح لعباده، ثانيًا لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيه حديث عن نبينا محمد بيقول [لا تتبع النظر النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة]، يعني إيه معنى الحديث الشريف؛ يعني إحنا لو عينينا جت على أي حد بغير قصد، فربنا غفور رحيم، ولكن لو جت عينينا على الشخص وإحنا قاصدين فـ ده عليه ذنب كبير جدًا، وكمان عشان قلوبنا متتأذيش، ربنا عايز قلب عبده قلب نضيف، خالي من الذنوب، وطبعًا غض البصر ده مش على إننا نبص على بعض وبس، لأ طبعًا .. ده كمان معناه إن إحنا منبصش للي في أيد غيرنا، وكمان إن إحنا منبصش لبيوت الناس ونشوف اللي ورا أبوابهم المقفولة، عشان البيوت دي بتبقى ستر عورات الناس، زي الهدوم بالظبط لما بتستر عورتنا وإحنا بره بيوتنا"
كانت تستمع لكل ما يقول وشريط حياتها بأكمله يُعرض أمامها كفيلمٍ عرض أول في أكبر سينما متواجدة، تتذكر كل مرة كانت تتلمس الرجال وتتراقص معهم، أمرنا الله بغض البصر عنهم إذًا ما وضعها في كم التلامس الذي فعلته في حياتها، تشعر برهبة شديدة من يوم الحساب، تشعر بخوفٍ وارتجاف، القلب منقبضٍ وكأنه مقيدًا بحبالٍ من الحديد.
أكمل حديثه مبتسمًا بخفة:
"كده هنيجي هنا لحته فرض الحجاب وده هيبقى متوجه للبنات، ربنا أمر البنات بلبس الحجاب في قوله تعالى موجه لكلامه للنبي وبقية البشر وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} معنى الآية الكريمة أي ان المرأه تلبس الحجاب، عشان ميطمعش في جمالها أي شخص وعشان تحفظ نفسها، وعشان كدا كل بنت وهي بتصلي بتلبس حجابها"
_"وكمان ربنا سبحانه وتعالى قال الحجاب فرض على مين، ويجوز إن البنت تشيله على مين في قوله تعالى في الآية الكريمة اللي كملت بعد غض البصر:
قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور/31}
كدا الست لازم تلبس الحجاب إلا على مين، الأب والأخ والزوج والخال والعم والجد وكشخص الأم رضعته معاكِ، يعني أخوكِ في الرضاعة، دول تقريبًا المعروفين والمهمين دلوقتي، يعني كدا الحجاب فرض مافيهوش أي نقاش، فيه سمعًا وطاعة لربنا فقط!"
أنهى حديثه بتنهيدة قوية وهو يسألهم بأبتسامة:
"حد منكم عنده أي سؤال؟"
هزوا رؤوسهم بنفي وتحدثوا رفقته قليلًا بينما الثانية في وادٍ آخر غرقت، ولا تشعر بأن النجاة ستكون لها في يومٍ من الأيام لتحميل نفسها ذنوبًا كبيرة، وآثامًا عدة.
بدأوا الأطفال يتحركون واحدًا تلو الآخر نحو الخارج وتحرك هو بعدهم وقبل أن يأتي ناحيتها أخرج صوتًا من حلقه يعبر عن قدومه وتنبيهها له، رفعت بصرها وهي جالسة تنظر له بعينين دامعتين، وبصوتٍ متحشرج:
"أنا عملت مصايب كتير أوي، هو أنا ربنا هيغفرلي؟"
كان ينظر نحوها بقلبٍ حزين، وبنبرة مواسية أومأ قائلًا:
"هو أنتِ كنتِ تعرفي عن الحاجات اللي قولتها دي كلها؟"
أومأت بنفي برأسها سريعًا وتفوهت بنبرة سريعة مؤكدة بأنها لم تكن تعلم:
"مكنتش أعرف والله، أنا عارفة إن البنت المفروض تلبس الطرحة بس كنت فاكرة إنه على حسب ما عايزة هي، تلبسها أو لا دي حرية شخصية، أنا خايفة أوي أوي، هو ربنا هيسامحني!"
وضع يديه بجيبي بنطاله وتحدث بتنهيدة عميقة خرجت من داخله وهو يطمئنها بنبرته:
"ربنا سبحانه وتعالى قال وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴿١٣٣ آل عمران﴾، يعني خدي بأيدك واعملي الصح عشان ربنا يغفرلك، ربنا غفور رحيم بعباده، إن تاب عبده غفر الله له، صلي صلاة توبة صادقة فهي تُكفر الذنوب ويمحو الله بها الخطايا.. ربنا وعد الذين آمنوا بالمغفرة بقوله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿٩ المائدة﴾، ومتنسيش إن ربنا شايفك وعارفك، في كل لحظة سواء مع حد أو لوحدك، اسعي دايمًا إنك ترضيه عشان يسامحك، وكل الذنوب ربنا قادر إنه يمحيها من كتابك، توبي لله توبة نصوحة يا«سيلين»"
وقفت في مكانها تحديدًا أمامه وسألته بتيهٍ:
"اصلي إزاي صلاة التوبة؟"
أجابها بابتسامة بسيطة:
"ركعتين تقرأي فيهم سورة الفاتحة وسور قصيرة، واقعدي ادعي الله إنه يسامحك وإنك هتبعدي عن الذنب ده ان شاء الله، وفيه حديث جميل عن النبي صلى الله عليه وسلم بيقول «ما من رجل يذنب ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر، فيحسن الطهور، ثم يستغفر الله عزَّ وجلّ إلا غفر له»، إن شاء الله ربنا يغفرلك ويغفرلنا ذنوبنا وخطيانا!"
سؤال غريب خرج من فمها معبرًا عن مدى جهلها، وبنبرة متعجبة سألته:
"هو أنت بتغلط أنت كمان؟ يعني عندك برضو أخطاء؟"
قطب حاجبيه وسألها بخفة:
"هو أنا ملاك؟ آه طبعًا بغلط سواء غلط عارف إنه غلط أو حاجة بتحصل بدون قصدي، الإنسان مننا بيقع في أخطاء وذنوب، بس منسكتش عليها ونقول عدت، لأ إحنا ندعي ربنا يغفرلنا ذنوبنا ما خُفي منها وما ظهر، وربك غفور رحيم كريم بعباده"
توجه من أمامها وهي تتابعه بعينيها بترقبٍ متوجهًا ناحية الكتب وأتى منها بورقة وتحدث بابتسامة:
"كنت كاتبهم عشان بحب اقرأهم كل فترة، دي عن شيخ كبير اسمه ابن تيمية كان لو ثقلت عليه أموره يقرأهم، واسمهم آيات السكينة، هقرأهملك عشان ودانك تسمعهم وتعرفي تقريهم صح!"
فتح الورقة وبدأ يتلو بصوتٍ عذبٍ تلك الآيات التي ولجت لقلبها فوضعت عليه السكينة والطمأنينة:
"الأولى : قوله تعالى
[ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ]
- البقرة/٢٤٨
الثانية : قوله تعالى
[ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ]
- التوبة/٢٦
الثالثة : قوله تعالى
[ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ]
- التوبة/٤٠
الرابعة : قوله تعالى
[ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ]
- الفتح/٤
الخامسة : قوله تعالى
[ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ]
- الفتح/١٨
السادسة : قوله تعالى
[ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ]
- الفتح/٢٦"
ثم طبق الورقة على بعضها ومدّها لها بابتسامة خافتة:
"اتفضلي!"
اخذتها بيدٍ مرتجفة لاحظها، وقربتها ناحية صدرها تضمها لها وكأنها تناجي ربها ليرضى عنها سبحانه وتعالى، شعر بما يدور بصدرها من أجيجٍ لا تقوى عليه وتفوه بصوتٍ خفيض يطمئنها:
"سيلين، الخوف ده مش هيساعدك تعملي حاجة، خافي من يوم الحساب لو مستعجلتيش في التوبة النصوحة، ربنا بيغفر وبيسامح وربنا شايف وعارف كل ظروفك وإزاي مكنتيش عارفة أي حاجة في الدين وعارف إنك دلوقتي عرفتِ وهيبدأ ربنا يسجلك كل صغيرة وكبيرة"
أومأت برأسها بإيجاب ثم بدأت تشرح له سبب جهلها بندمٍ وبنبرة حزينة تحاول التخفيف عن نفسها بحديثها بأن لا ذنب لها بما حدث:
"والله أنا البيت اللي كبرت واتربيت فيه كان سبب إني أكون كدا دلوقتي، حتى بابا وصحابي محدش فيهم كان بيحاول يشرحلي أي حاجة، وأنا مكنش في دماغي أعرف حاجة أصلًا، كنت بحب الـ fun وأشوف امتى مواعيد الـ party بتوع صحابي، وامتى هنروح رحلات، أنا دلوقتي حاسة كأني عشت عمري كله وفوقي صخرة تقيلة، يعني مش عارفة اوصفلك إزاي، بس أنا حاسة إني محتاجة اكسر الصخرة دي وأبعدها عني!"
ابتسم لها وتحدث برضا:
"طالما بتحاولي ترضي الله، ربنا هيراضيكِ، وشعور الصخرة ده هيروح كل ماتقربي من ربنا إن شاء الله"
_"إن شاء الله، شكرًا يامروان، مش عارفة أقولك ولا أعبرلك عن مدى شكري والله، بس شكرًا كتير أوي، أنا عارفة إنك ممكن متقدرش تتقبلني وتسامحني بس أنا اتمنى"
قالتها بترجي وعينين متلألأتين من الدمع الخارج من أعماقها لقهرتها، فتحدث هو بهدوءٍ:
"ربنا بيغفر ويسامح، مين إحنا عشان منسامحش، اتوكلي على الله وسيبي كل حاجة على ربنا!"
أومأت برأسها له وتحركت من أمامه نحو شقة «فاطمة» أمام ناظريه، بينما هو تحرك نحو عمله متنهدًا بعمقٍ لأجلها ولأجل حالتها التائه بتلك الطريقة.
________________
حياة بغيضة فُرضت عليها؛
فتقبلتها دون أي مقاومة تصدرها من نفسها مُحملة نفسها خطايا ليس لها يد بها.
مُنذ البارحة وهي صامتة لا تتحدث مع أي أحد في المنزل، حاول أخيها مواساتها وحاولت أختها أيضًا، ولكن لا نتيجة وكأنها جسدًا معهما وروحها عالقة بعيدًا في السماء.
دلف أبوها للغرفة ليجدها جالسة تنظر في اللاشيء، جوارها «تارا» تحاول أن تجعلها تأكل، ولج محملًا بكل الجمود وشحون الغضب، هدر بوجهها:
"لو فاكرة إن الشوية دول هيدخلوا عليا تبقي خايبة، متفكريش إني كدا همنع العريس أنه يجي، لأ هيجي وهتقعدي معاه وهتوافقي كمان، ده دكتور نحالته المادية كويسة"
رفعت بصرها نحوه وتركته معلقًا عليه لبعض الوقت، ثم ابتسمت بسخرية:
"لما يجي إن شاء الله هقعد معاه وهوافق، بس أنا مش مسامحاك دُنيا وآخره على وجع القلب اللي أنت سبب فيه، وتحميلي موت امي حبيبتي، يا ريتني مكانها!"
بسخرية مماثلة قابلها بحديثه بنزقٍ:
"ربك اللي بياخد يا أختي، بكرا تشكريني على إختياري للعريس ده وهتشوفي!"
حاولت «تارا» تلطيف الأجواء قائلة بحذرٍ:
"اهدوا ياجماعة وصلوا على النبي، إن شاء الله ربنا هيحل كل حاجة وكله هيعدي اهدا يا بابا عشان خاطري عشان هي تعبانة دلوقتي!"
ابتسم بسخرية معبرًا عن وضعهما ثم تحرك نحو الخارج وضمتها «تارا» لأحضانها تواسيها لأن الثانية بمجرد أن خرج والدها بدأت في نشيجٍ من البكاء المتواصل بقهرٍ داعية الله بسرها بأن يُصلح لها حالها.
_____
الظنون السيئة سيئة،
والاتهامات الباطلة باطلة،
وبين هذا وذاك سيفٌ سيوضع بالقلب ويسمه!
كان يجلس داخل المحل خاصته ممسكًا بيده المصحف يقرأ منه، ويجلس «حاتم» قرب الباب حتى إذا أتى زبونًا يقف معه.
وصله رساله تلو الأخرى على هاتفه ففتحه سريعًا يرى صاحبها ولم يكن سوى أجابة من «أنس» الذي راسله «مروان» صباحًا طالبًا رؤيته في قضية تخص الأرض التي رفعها على «وليد الأنصاري» وكان الرد متحمسًا من الآخر:
"نتقابل فين؟" "أنا جاهز ومعاك إن شاء الله!"
استنبط «مروان» تلك الحماسة من الرسائل التي وصلته، ابتسم بينه وبين نفسه وأجاب:
"إيه رأيك النهاردة الساعة 4 في الحارة هنا؟ وده عنوان الحارة ميتوهش يعني!"
ثم أرسل له العنوان بعد تلك الرسالة؛ ليرى السرعة التي رأى بها «أنس» رسائله غريبة، تؤكد له أن الثاني كأنه كان ينتظر ذلك على طبقٍ من ذهب.
_"تمام 4 هكون عندك!"
وضع هاتفه جانبًا بعدما رأى رسالته ولكنه سرعان ما أمسكه مجددًا على رنينه يعلن بقدوم رسالتين معًا، تصلبت ملامحه بصدمة واغمقت عيناه أكثر لتصبح ظلامًا دامسًا سينهال على الجميع الآن!
رسالة من رقمٍ مسجل بإسم «الخبث وليد الأنصاري»
_"عيال عبدالمجيد بيحاولوا يتشطروا عليا ورايحين يتفقوا مع عدوي عشان يخلصوا مني، بس أنا أشطر منكم ياشوية حثالة، أصل الحركات دي أنا أصلها!"
_"ربنا معاكم بس ابقى قول لأنس لما يجيلك إني بجهزله التقيل كله، واللي قالي حد من عندك، حد قريب مني جدًا، قولت أعمل فعل خير!"
هب واقفًا يحمل الشر داخله والحقد تجاهها، فلا يوجد غيرها ستخبر أباها تلك الأسرار؟ بالتأكيد أرادت إيقاعهم جميعًا بنفس الحفرة لتفر لأبيها، بعدما مثلّت عليه دور الشرف والندم تخون العهد وتغدر به!
_"شوية وجاي ياحاتم!"
تحرك قبل سماع كلمة بقدمين تدب أرضًا بغلٍ تجاهها، يفكر في كيفية وصولها لأبيها، ولم يأتي برأسه سوى هاتف «فاطمة» التي من الممكن أن تكون أخذته خفيةً.
وصل نحو الشقة وطرق البال بقوة لتفتح هي له، ونظرت لوجهه المحمر وعينيه المُشعة شرارًا كاد يحرقها:
"أنتِ اللي بعتي لأبوكِ أننا هنقابل المحامي أنس؟"
______
رائحة الغدر تملأ الإرجاء،
وإن كان من عزيزٍ لن يجعل عقلك يستوعب ذلك!
جالسًا ممسكًا هاتفه يعبث به، وبيده الأخرى سيجارة يخرج بها ضيقه المتزايد لجلوسه بالمنزل دون عمل، بحث وسأل أكثر من مرة أصدقائه عن عملٍ ليبدأ به حتى يُنهي صديقه تصليح سيارته وحتى يُجمّع نقودًا ليشتري بعض الأجهزة التي ستساعده في عمله!
وصله ردًا من صديق كان يسأله عن عملٍ فأخبره أن هنالك شركة تحتاج محاسبًا، انفرجت شفتاه بابتسامة أمل، أراد لو تحقق ليصبح المستحيل مُمكنًا.
أرسل له رسالة صوتية بصوتٍ جدي:
"فين الشركة ولا اسمها إيه؟"
دقائق وأجابه متزامنًا مع وصول رسالة أخرى جعلت عينيه تجحظ بصدمة
«رجالة نادر في الحارة ومعاهم نادر، وجاي وشكله متعصب وبيطلع نار، شكله عرف حاجة!"
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close