رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث عشر 13 بقلم تميمه نبيل
الفصل الثالث عشر (1)
كانت تشعر بأنفاسه الدافئة على وجهها .. تستنشق رائحته الرجولية الرائعة .. شعرت بلمسات أصابعه على وجنتيها ...وهو يقترب بوجهه من وجهها ببطء ثم ....
أيقظها صوت رنين هاتفها لتفتح عينيها بحنق و هى تلعن من ايقظها من هذا الحلم الرائع .... الا أنها ما أن رأت الإسم الفذ أمامها حتى هبت جالسة فى فراشها وهى تلتقط نفسا عميقا ... ثم أجابت بصوتٍ يكاد يسحر قلوب أعتى الرجال ببحته المميزة
اجابها بصوته العميق النبرات دون مقدمات
( أمامك عشر دقائق و سأكون تحت بنايتك لأقلك معى ........)
هتفت بجذل
(عشر دقائق ؟!!!...... أنت تمزح )
رد عليها بحزم
(عشر دقائق سابين ..... ثم أصعد لآخذك كما أنتِ .....)
ضحكت بإغراء وهى تقول
( وقتها ستثير فضيحة فى العمل ........فقد أكون لا أزال ملتفة بالمنشفة )
شعرت بالسعادة العابثة وهى تسمع صدى أنفاسه المتحشرجة و التى وصلت سخونتها اليها عبر الهاتف .....ثم رد عليها أخيرا بصوتٍ أجش
(عشر دقائق سابين....)
ثم أغلق الخط دون أى كلمةٍ أخرى ....فقفزت سابين من فراشها فى لحظةٍ واحدة لتتسابق مع الزمن ... بينما الابتسامة العابثة الواسعة تغطى شفتيها الجميلتين .......
بعد عشر دقائق تماما سمعت رنين هاتفها لينبئها عن وصوله فالتقطتت حقيبتها و حذائها و انطلقت تجرى .......
أخذ ينظر اليها و هى قادمة نحوه وهى تقفز على قدمٍ واحده بينما تعدل حذاءها العالى الكعب فى قدمها الأخرى .....ما أجمل رشاقتها ...وقوامها ...إن ساقيها تذكرانه بساقى البيانو الموجود فى بيته...... وابتسامتها ..... ها هى تنظر اليه الآن ...و تبتسم ابتسامة قد تسحر قديس من روعتها .....
اخذ يراقبها تقترب منه بعد ان اعتدلت و هى تسير بطريقة عارضات الازياء ... بل و افضل منهن ايضا .... ليس من العدل ان تمتلك امراءة واحدة كل هذا القدر من السحر .......من حقها اذن ان تكون بكل هذا القدر من الأذى ......
كتم أفكاره حين فتحت الباب و جلست برشاقة بجواره ...... التقت عيناها بعينيه حاملة معها كل قدر الإغواء الذى تستطيعه .....ابتسمت و هى تشعر ببدء اقترابه منها فأغلقت عينيها مترقبة و هى ترفع رأسها قليلا لأعلى .......
(لقد اشتقت اليكِ جدا ......)
انطلقت هذه الجملة من خلفها فا نتفضت سابين شاهقة بصدمة فى نفس اللحظة التى قفزت فيها تالا مظهرة نفسها بعد ان كانت مختبئة .....
رمشت سابين عدة مرات تستوعب وجود تالا معه ....بينما كان احمد يراقبها مبتسما باستفزاز ثم قال اخيرا حين لم ترد سابين على تالا
(لقد اصرت تالا على تمضية اليوم كله معكِ فى العمل .... انها متحمسة للغاية )
لحظة ... لحظة ... ماذا ؟!!!! .... من سيمضى اليوم مع من ؟!!!.......لا.... لا .... بالـتأكيد لن يحدث .... انها لا تتحمل ان تكمل كلمتين مع اى طفل فكيف بقضاء يومٍ كامل معه .... وفى العمل أيضا ؟!!!.......
ظلت سابين صامتة تحاول التظاهر بالابتسام .... بينما هى بداخلها تغلى غضبا منه ..... انه اول يوم بعد عقد قرانهما ... كيف يفكر ؟!!!!
ابتسم بخبث ثم ادار وجهه لينطلق بالسيارة ....... بينما هى تتميز غيظا ....... و شوقا ......
.................................................. .................................................. ..............
تنهدت سما بعمق .... مغمضة عينيها ,جاثية على ركبتيها بينما تمسح برأسها على حجر ايثار والتى اخذت تمسد شعر سما بنعومة ....تنهدت سما مرة أخرى ثم همست
(لقد اشتقت اليكِ يا أمى ..... اشتقت اليكِ جدا)
ابتسمت ايثار بسحرٍ رائع و هى تقول بدلال
(نعم اشتقتِ الي .... و الدليل انكِ منذ عدت ِ لم تأتي لزيارتي الا الآن وبعد ان طلبت انا منكِ )
اخذت سما تطبع قبلاتٍ حانية على ركبتي ايثار ... ثم همست بحزن
( انا آسفة ..... آسفة جدا أمى ..... كانت ظروفى .....صعبة قليلا )
قالت ايثار بصوتٍ اودعت به كل حزنها
( كنتِ دائما اكثر بناتى عطفا علي ..... الا انكِ تغيرتي منذ ان تزوجتِ من فارس )
ارتبكت سما ثم قالت وهى تهمس بحزنٍ عميق
(انتِ تعرفين ظروف فارس يا امى ..... انه يحتاج الى كل ما يمكننى من رعاية )
ثم تابعت بهمسٍ فيه ظل عتاب خجول
(لم تهاتفيني مرة واحدة أمى ..... كنت فى امس الحاجة اليكِ ... حاولت مكالمتك لكنك ....)
صمتت و قد اختنق صوتها بدموعها التى بدأت تترقرق فى عينيها ........ قالت ايثار بصوتٍ هامس
(هل كبرتِ يا سما و اصبحتِ تحاسبيننى ....)
اغمضت سما عينيها بعد ان سقطت منهما دمعة وحيدة على وجنتها ... وهى تحاول نسيان ايام كانت تظل ليلتها ساهرة تبكي من قسوة حبيبها عليها .... من وحدتها .... من غربتها .... و كانت وقتها فقط تهفو لكلمة من أمها .. او حتى ان تسمع صوتها حتى لا تشعر بمثل ما كانت تشعر به ...... لطالما كانت سابين هى القلب الذى تلجأ اليه دائما لكنها لم تستطع ابدا ان تستفيض فى اخبارها بما يحدث لها لمعرفتها بشدة سابين و بأنها لن تسكت على ما يصيبها فتبدأ باشعال الحرب على فارس ووالده الذى كان قادرا على سحق سابين لو عارضت مخططاته .... الوحيدة التى كانت تعلم هى امها .... وكانت تنتظرها يوما بعد يوم ليرق قلبها و تأتى اليها فى منفاها البعيد لتؤنس وحدتها .... كانت بحاجة اليها بشدة ...لكنها لم تأتِ ابدا ..... وقد كسر هذا قلبها كما كسره فارس مرارا ......
لكنها الآن ما أن ارتمت فى حضن أمها حتى شعرت بأنها قد نسيت كل آلامها و أحزانها ....
استمرت ايثار فى مداعبة شعر سما ثم قالت بصوتٍ خافت
(ان فارس يمنعك من رؤيتى اليس كذلك ؟....)
اسرعت سما بالنفى سريعا و هى لا تعلم انها لا تستطيع الكذب ابدا ..... فابتسمت ايثار برقة وهى تقول
(هل يعلم انكِ هنا الآن ؟.......)
رمشت سما بعينيها ..كما تفعل عندما تكذب دائما ....فابتسمت ايثار اكثر وقالت
(هذا ما كنت اظنه ......)
ارتبكت سما ثم قالت وهى تنظر الى ايثار
(انه لا يقصدك انتِ شخصيا .... لكنه لا يجعلنى اختلط بالناس كثيرا )
اتسعت ابتسامة ايثار و لمعت عيناها بشدة كالنجوم و هى تهمس بشرود
(يبدو انه متعلق بكِ بشدة ....)
لم ترد سما بينما شردت هى الاخرى بعيدا .... بعيدا عند حبيبها .... هل حقا هو متعلق بها بشدة .... هل باتت مهمة لديه ام انه مجرد امتلاك ...... هل يحتاجها هى ام يحتاج رعايتها .....
ظلت عيناها الجميلتان شاردتان بعيدا وهى لا ترى الابتسامة الظافرة لايثار التى تراقبها دون ان يفوتها اى تعبير خرج من قلب سما الصغيرة ....لطالما كنتِ المفضلة لدى يا سما .... لم اشعر ناحية حلا و سابين بما اشعر به ناحيتك ..... و بالتاكيد انتِ من ستنقذنى حبيبتى .....
ارتفع رنين هاتف سما لتنتفض من شرودها حين طالعها اسم فارس فارتجفت بشدة و هى تعلم عمق المصيبة التى ستلقى عليها ....ابتلعت ريقها ثم ردت عليه بهمسٍ
(ن...نعم فارس ...)
صرخ فيها من الجانب الآخر
(اين انت؟.....)
ارتجفت سما بشدة و قالت متلعثمة
(أ...أنا ....ك...كنت ....)
قاطعها صوت صراخه من جديد ليهز الهاتف فى يدها بذبذباته
(انتِ عندها اليس كذلك ؟...... اجيبينى عليكِ اللعنة .... ذهبتِ دون ان آذن لكِ ....خرجتِ دون ان اعلم ....حسابك سيكون عسيرا يا سما ...)
كانت دموعها قد بدأت فى رسم خطوطا بيضاء على وجهها و اخذت ترتعش بشدة و هى غافلة عن ايثار التى تراقبها بصمت هازىء
حاولت سما الكلام وهى تهمس
( فارس لم يحدث .....)
قاطعها كالمجنون دون ان يعطيها فرصة للكلام
(اصمتى ... دقائق و اجدك امامى ...هل تفهمين ....)
هدأت سما تماما و صمتت للحظاتٍ بينما جفت عيناها تماما ثم اخذت نفسا عميق و قد بدأت تحس باحساس غريب يسري فى عروقها ليبعث سخونة فى اعصابها .... دفعتها هذه السخونة الى القول بمنتهى الهدوء
( سأبقى ... فارس )
ساد صمتا قاتلا فى الجهه المقابلة و لم تسمع الا انفاسا هادرة تكاد تحرق اذنيها .... ثم بعد عدة لحظات سمعت صوته يأتى منذرا بهبوب عاصفة هوجاء
( ماذا قلتِ ؟......لم أسمعك جيدا ....)
ردت بمنتهى الهدوء
(قلت اننى سأبقى فارس .... أمى تحتاجنى الآن و سأعود بعد ان انتهى من مساعدتها )
ساد نفس الصمت القاتل للحظات ثم همس فجأة
(اذا لم تأتِ حالا فلا تزعجى نفسك و تأتِ ابدا .......)
صمتت هى و صمت هو ...... بعد ان القى قنبلته و التى اصابتها فى مقتل و لم تتحدث الا انفاسهما المصدومة
تمكنت اخيرا من النطق همسا
( حسنا اذن .... ان كان هذا هو قرارك )
لم يجبها .... لم يستطع .... لم يستطع ان يصدق انها سما التى تكلمت الآن ..... مالذى حدث ؟.... كيف استطاعت ان تنطقها ... ولما الآن ؟....
سنين وهو يجرحها و يدفعها دفعا لتركه ... الا انها كانت تقاتل بشراسة لتبقى بجواره مهما فعل .....فما الذى حدث الآن ؟؟.....من اول مرة ترى فيها ايثار .... تنقلب عليه لتتخلى عنه بمنتهى البساطة ....
نعم ... نعم .... ما كان يخاف منه قد حدث ... وها هى سما تتسرب من بين اصابعه .... بعد ان كانت تتشبث به كأمٍ تأبى التخلي عن طفلها .....
اغلق الهاتف دون ان ينطق بكلمة ثم اغمض عينيه و هو يشعر لأول مرة بألمٍ كاسر ينهش اعماقه .... الما فاق الالم الذى شعر به حين فقد بصره ... و الذى شعر به حين فقد حبيبته .... و اى الم شعر به يوما ما
فالتى فقدها الان هى..... سما .....
سقط الهاتف من يد سما وهى لا تشعر بنفسها الا وقد بدأت تشهق بعذابٍ لا يمكن وصفه .... اخذت تبكي وتبكي حتى سحبتها ايثار الى احضانها الناعمة و هى تمسد شعرها .... ثم همست فى اذنها
(لا تقلقى ...سيأتى اليكِ حبيبتى ... لن يستطيع الاستغناء عنكِ ..ومن ذا الذى يستطيع تركك ؟.....سيأتى بعد ان يكون عرف قيمتك فى حياته ......وحينها.......وحينها تستطيعين املاء شروطك )
الا ان سما لم تكن تسمع شىء الا صوت بكائها بعد ان انهارت فى احضان امها
.................................................. .................................................. ..................................
اخذت حلا تتسلل على اطراف اصابعها حتى وصلت الى السيدة اسراء و التى لم تشعر بوجودها بعد , الا حين شعرت بذراعين تلتفان حول اكتافها من الخلف و قبلة ناعمة انطبعت على وجنتها وصوت حلا الرقيق يهمس
(صباح الخير سيدة اسراء )
ابتسمت السيدة اسراء ابتسامة صارمة يتخللها بعض الحنان ثم قالت
(صباح الخير سيدتى ...)
ابتسمت حلا و هى تلف حولها لتواجهها ثم قالت بصوتها الرقيق
(لقد قلت لكِ سيدة اسراء الف مرة لا احب كلمة سيدتى هذه ابدا ......انا حلا ...حلا فقط )
عبست السيدة اسراء بعدم اقتناع و هى تقول
(هذا لا يليق ابدا سيدتى ....)
تنهدت حلا بيأس من هذه السيدة التى اختارها ادهم لحمايتها .... لا تعلم من ماذا تحديدا ... فهى الآن تشعر بأنها فى احسن حالة ...لا ينقصها شىء ابدا .... تستطيع النسيان ..... بل ستعمل جاهدة على ان تنسى......
لكن اولا يجب عليها ان تجد طريقة للتعامل مع السجن الذى فرضه عليها ادهم .... و اول اركانه هو السيدة اسراء التى تعمل على استمالتها اليها منذ عدة ايام لكن باستجابة ضئيلة جدا من السيدة اسراء التى لا تعرف التهاون ابدا ...... اذن سيكون عليها التحايل ... ابتسمت بحزنٍ بداخلها .....وهى تتذكر اياما بعيدة جدا ... جدا .... كان التحايل هو لعبتها المفضلة ..... حين كانت تتحايل على سابين و تجعلها تركض ورائها فى اروقة هذا القصر و هى تصرخ من شدة غيظها .... حتى يأتى هو ..... لينقذها من مخالب سابين المتوحشة ....كان يكلم سابين دائما بلهجةٍ جافة و هو يخبرها انها هى الاكبر سننا فيجب عليها الا تخيفها بهذا الشكل ......
تذكرت مرة حين انصرفت سابين من أمامه بغضبٍ تضرب الارض بقدميها و هى تشتم بلسانها السليط ., وما ان اختفت حتى حاولت حلا الجرى هاربة من الوحش الضخم الذى يرهبها بالرغم من دفاعه عنها دائما .... الا انها شعرت به يمسكها فجأة ليرفعها عاليا حتى اصبحت عيناها تواجه عينيه .... اصابها الرعب و اخذت تتلوى لتنزل الا انه امسكها باحكام و هو ينظر اليها عاقدا حاجبيه ثم قال بقسوةٍ
(الن تكفى عن مقالبك .....) ظلت صامته مرعوبة منه بينما تابع هو بنفس القسوة (انا اعلم انكِ عبثتِ باشيائى الخاصة امس)
لا تزال تتذكر كيف اصابها الرعب وقتها و هى تواجهه العينين الرماديتين القاسيتين ...... عادت الى لحظاتها الحالية الى نفس العينان الرماديتان التى لازالت ترهبها لكن...... لكن ..... لكنها رهبة مختلفة .....اصبحتا قادرتين على اشعال النار بداخلها لتسيل دمائها كحممٍ بركانية داخل عروقها .... احمر وجهها بشدة حين تذكرت ليلتهما السابقة معا ......
عادت الى السيدة اسراء نافضة سطوته الحديثة على عقلها ......ثم ابتسمت بسحرٍ و قالت برقة
(ماذا تفعلين سيدة اسراء؟ .....)
اجابتها بأدب
( اسجل ما نحتاج اليه , و احدد مهمات زينب و أمل وهدى لأوزعها عليهم .. بينما ارى ما لم يتم انجازه بالامس لاعيد اضافته الى اعمال اليوم ....)
كادت حلا ان تتثاءب الا انها منعت نفسها فى آخر لحظة و هى تحاول التظاهر بالاهتمام مومئة برأسها ....وحين انتهت السيدة اسراء من سردها الطويل ..... نظرت الى حلا من فوق نظارتها بتركيز ثم قالت بحزم
(انتِ لم تستمعى لأي شىء مما قلته اليس كذلك ؟.... حسنا سيدة حلا انتِ تردين قول شيئا ما فما هو ؟...)
ابتسمت حلا بدلالٍ مقصود وهى تحاول استرجاع سحرها القديم وهى تقول باحراج
(آآآ.... أريد النزول الى الحديقة قليلا ...)
أومأت السيدة اسراء برأسها وهى تقول بينما تجمع اوراقها
(حالا سيدتى ....)
قالت حلا بسرعة وهى تحاول السيطرة على نفسها
( لا داعى لأن تتركى ما بيدك سيدة اسراء .... لن يحدث ما يسيء ثانية ... أعدك ...)
لكن حين رأت علامات الرفض التى بدأت فى الظهور على وجه السيدة اسراء المتصلب قالت بسرعة و هى تجلس على الكرسي المقابل لها
( سيدة اسراء ... انا اعلم ان لديكِ ابنة متزوجة من سنى .... ماذا سيكون شعورك حين ترين ابنتك مسجونة مثلي بهذا الشكل ...)
تجهمت السيدة اسراء قليلا ثم قالت بتذمر بعد لحظات
(انتِ لستِ مسجونة .... السيد ادهم قلق عليكِ فحسب ...)
حاولت حلا الابتسام الا ان ابتسامتها جاءت مرتجفة بينما قلبها يصرخ عاليا من القلق وهى تقول بتلعثم
( هل ... اخبر...هل قال لكِ ...اى ...)
قاطعتها السيدة اسراء قبل ان تكمل
(لم يقل سوى انه يخاف عليكِ بشدة ...)
ابتسمت حلا بضعف و هى تفكر فى هذا الوحش الرقيق الذى يأبى ان يطلق سراحها .... اصبحت الآن فى الخامسة و العشرين و سيظل هو كظلها دائما .... حتى دون ان يكون موجودا ........
همست حلا اخيرا بضعفٍ يمس القلب
(انت لن تدعيننى اخرج وحدى ابدا اليس كذلك ؟......)
تنهدت السيدة اسراء ثم قالت باستسلام
(اسبقينى انتِ .... حتى اذهب لاحضار الافطار للسيد فارس ..و الاطمئنان عليه كما طلبت منى السيدة سما قبل ان تغادر..... فهو لم يتوقف عن ركل الجدران منذ الصباح الباكر )
ابتسمت حلا بسعادة مشرقة للمرة الاولى منذ ان عرفتها السيدة اسراء ...ثم قامت من مكانها بسرعة لتطبع قبلة ثانية على وجنتها و ابتعدت تكاد تجرى الى الحديقة بسعادة جعلت السيدة اسراء تعبس و هى تتسائل ... هل رفقتها مملة الى هذا الحد ......
لكن بعد لحظة من عودتها لاوراقها رفعت رأسها و هى تفكر ..... لماذا لا أشعر بالارتياح ...... اشعر ان اعصارا على وشكِ الهبوب مطيحا بالاخضر و اليابس .....وانا قلبى لم يخذلنى من قبل ابدا .....
الفصل الثالث عشر (2)
قتربت منه ببطءٍ و هى تكاد تضحك من منظره و هو يرقص نفس رقصته الغبية .... مغمضا عينيه واضعا السماعات باذنيه ,منعزلا عن العالم كله .... لكنها الآن وهى قربه انه لا يرقص فقط بل يغنى اغنية غربية ... بصوتٍ اقل ما يقال عنه ..... انه الصوت الاكثر نشازا من بين الاصوات ....
ظلت واقفة خلفه تضحك و هو يروى الجزء الذى يقف فيه بالخرطوم و هويراقصه فى نفس الوقت .... ثم فجأة دار دورة سريعة و هو لا يزال يرقص مغمضا عينيه فاغرقتها المياه الباردة جاعلة اياها تشهق بصدمة عالية من برودة الماء ....فقفزت يمينا و يسارا لتتفادى الماء وهى تصرخ به ان يتوقف الى علا صوتها عن صوت الانغام الصاخبة فى اذنيه ..ففتح عينيه و احتاج لحظة ليستوعب ما فعله ..فترك الخرطوم على الفور و ازاح السماعات عن اذنيه ... وظل واقفا امامها لحظة لا يدرى ماذا يقول .... حتى انفجرت ضاحكة فجأة و هى تمسح الماء عن عينيها ....ابتسم من ضحكتها الرائعة وظل لحظاتٍ قليلة مستمتعا بهذه الضحكة الناعمة .... ثم قال اخيرا
(صباح الخير يا حلا ....)
توقف عن الضحك ببطء و هى لاتزال تشهق ثم تمكنت اخيرا من القول بعبوسٍ زائف
(صباح الخير يا هلال .... على فكرة انت احمق !!)
اتسعت ابتسامته ثم قال بسعادة
( انا اعتذر حقا ... لم اشعر بوجودك )
ابتسمت برقة تذيب القلب ثم قالت بهدوء
(هلال ... اردت ان اخبرك بشىء منذ فترة طويلة ............ انت ترقص بشكلٍ فاشل )
ضحك بخفة وهو يقول (اعلم هذا ..... انا لست اعد نفسي لمسابقة رقص )
قالت تبتسم (اذن لماذا ترقص ؟......)
اجابها بهدوء (لاننى احب ذلك ....)
قالت حلا (وهل تفعل كل ما تحب دون ان تهتم باحد ؟.......)
اجابها بخفة (ولما اهتم باى احد ؟......المهم ان افعل ما يرضيني )
خفضت عينيها تشعر بقرب دموعٍ آ تيه من اعماقها ... الا انها هزت رأسها قليلا و هى تهمس بداخلها ....سأنسى ...سأنسى ... حياتى رائعة و مكتملة ..... سأنسى ....سأنسى
راقبها وهو يشعر بتصارع غريبٍ للانفعالت على وجهها البرىء الذى لا يخفى شيئا مما بداخلها .....و لا يدرى لماذا يشعر بشعورٍ غريب يتملكه ... يريد ان يستحثها لتصرخ .... فقط ان تصرخ بصوتٍ عالى ....يشعر انها ستكون بخير ان فعلت هذا ...... لا يعلم لما يخبره احساسه بهذا ......
ظل ينظر الى شعرها الطويل المتطاير حولها بهمجية متناثرا فى كل مكان ...... يا الهى ما اجمله انه يلمع كالذهب رائحته الناعمة تصل الى انفه لتداعب قلبه .....
قال لها فجاة دون مقدمات (ماهو لون عينيكِ حقا ؟.....عسليتان ام خضراوان)
ارتفعت عينيها المتسعتين بدهشة اليه و هى لا تعلم ان كان من المناسب ان يسال مثل هذا السؤال ..... الا انها شعرت بداخلها انه يبدو شخصا لطيفا لا ضرر منه .....ظلت صامتة مترددة ... فقال هو بعد لحظات
(انهما مزيجٍ غريب بين اللونين ... لكن يتغير تمازجهما بتغير ما تشعرين به )
ظلت تنظر اليه فاغرة فمها قليلا .. ثم رمشت بعينيها و هى تقول محاولة تغيير مجرى الحديث بينما هى ترتجف قليلا
( لقد اخبرتني ان بامكانى زراعة ورودي الخاصة ....)
لمعت عينيه لحظة ثم قال (بالتاكيد تستطيعين ........ لكن اولا اذهبي لتغيير ملابسك المبتلة ....لا نريد ان تصابي بنوبة رئوية )
نظرت الى نفسها فذعرت من منظر ملابسها الملتصقة بها فاستدارت بسرعة لتجري و هى تقول
( لحظاتٍ و اعود لن اتاخر ....)
و انطلقت عائدة الى القصر و هى تتسابق مع الوقت لتعود الى حوض الورود الذى يكون لها فيه وردة باسمها قريبا ....
كانت تنزل درجات السلم بسرعة لتعود الى الحديقة بعد ان بدلت ملابسها .... لكنها اصطدمت بالسيدة اسراء فى طريقها ....فحاولت الكلام الا ان السيدة اسراء سبقتها الى الكلام وملامح القلق تبدو عليها
(السيد فارس .... فى حالة فظيعة لقد حطم كل ما بغرفته ...انه يبدوعلى وشكِ ارتكاب عملا متهورا ....)
لم تكد تكمل كلامها حتى وصلت الى اسماعهما صوت لعناتٍ و صراخ ... رفعت حلا و السيدة اسراء انظارهما الى اعلى السلم ليجدا فارس يحاول نزول السلم وهو فى حالة من الهمجية و الوحشية مما جعل منظره مرعبا بملابسه المشعثة و لحيته النامية اكثر من المعتاد و عيناه الحمراوان المتسعتان بوحشية تطل منهما ... نزل عدة درجاتٍ بتعثر فسارعت السيدة اسراء الى الصعود مرة اخرى حتى وصلت اليه لتحاول مساعدته الا انه دفعها حتى اوشكت على الوقوع ..... بينما هو يصرخ
( سأذهب لآتى بها ..... حتى لو اضطررت لأن اجرها من شعرها )
تمكن من نزول درجات السلم مرورا بحلا التى ما ان اقترب منها و هو بحالته الشرسة حتى صرخت مبتعدة عن طريقه دون ان تحاول مساعدته ....
لكنها استطاعت القفز جريا الى غرفتها لتتناول هاتفها و طلبت ادهم باصابعٍ ترتجف و ما ان اجابها حتى استطاعت بالكاد النطق ببعض الكلمات المتعثرة و هى ترتجف بشدة من الرعب الذى حاق بها منذ لحظات و تحاول فى نفس الوقت التقاط انفاسها بصعوبة و هى تشعر بالدوار يحيط بها و يجمع سحابة سوداء على ادراكها .....لكنها استطاعت سماع صوته الصارم و هو يتخلل الضباب المحيط بها ..
( حلا .... حلا ....استمعى الي جيدا .. حاولى اخذ نفسا عميق حالا ... لا داعى للذعر حبيبتى ... انا تحركت منذ ان تكلمتِ لحظات و سأكون عندك .... فقط خذى نفسا عميقا ببطء ....و لاتتحركى من مكانك ...ابقى مكانك يا حلا هل تسمعيننى حبيبتى ...)
ظلت ترتجف بشدة و هى تهمس بغير وعى
(سيقتلها... ستقفز من النافذة ... لو ...)
وصل اليها صوت ادهم و قد بدأ يعلو محاولا اقتحام الحواجز التى تبنيها بسرعة على حواف ادراكها
( حلا ... لا تخافى حبيبتى انا هاتفت حارس المدخل الآن و سيمنعه من الخروج الى اى مكان ..... خذى نفسا آخر و ابقي معى على الخط حتى اصل اليكم ...)
استمرت المكالمة بينهما ... من طرف ادهم فقط الذى اخذ يبعث اليها بكل الكلمات المهدئة التى تعلمها يوما .... اطمئن قليلا الى ان صوت انفاسها اخذ يهدأ تدريجيا بالرغم من انها لم تتكلم ... المهم الا تقوم بعملٍ متهور ...اللعنة يا فارس متى ستتعقل ...حتى الاطفال لا يتصرفون مثلك ....
وصل ادهم الى بوابة القصر ....لكنه لم يرى اى مما توقعه من قتالٍ بين فارس و حارس المدخل ... بل كان الهدوء المقلق يسود المكان ...ما ان دخل بسيارته حتى استقبله الحارس ... فسأله ادهم عن فارس ... اشار الحارس برأسه بعلامة ذات مغزى الى باب القصر فوجد ادهم فارس جالسا على السلالم الرخامية للمدخل بينما اغرق رأسه بين كفيه ...... فما كان من ادهم الا ان دخل بسرعة وهو يعيد الهاتف الى اذنه و يقول بهدوء
(لقد وصلت يا حلا .... فارس لا يزال هنا و لقد هدأ تماما ... اغلقى الخط الآن حبيبتى ... دقائق فقط و أكون عندك ....)
لم يغلق حتى سمع صوت تنهد ناعم من حلا ثم سمع همستها اخيرا
( الحمد لله ..اخيرا)
بالرغم من كل قلقة على فارس و كل الضغوط التى يعانيها ... الا ان همستها كانت لها تأثيرها عليه اشد من تأثير كل كلام الغرام الذى سمعه يوما ... ولم يشعر ان ظل ابتسامة ظهرت على شفتيه .....
وصل الى فارس ... الذى لم يرفع رأسه ... فجلس ادهم بجواره على السلالم و ناداه بهدوء ... الا ان فارس لم يرد و لم يرفع رأسه .. فمد ادهم يده ليربت على كتف فارس و هو يناديه مرة اخرى .... ظل فارس صامتا عدة لحظات ثم قال اخيرا بصوتٍ مهزوم
( لم استطع الوصول الى بوابة القصر يا أدهم ..... ظللت ادور و ادور و لم استطع الوصول اليها ....)
شعر ادهم بتمزق قلبه و لم يستطع الرد على فارس و هو يراه بمثل هذا الانكسار .... لحظاتٍ وصرخ فارس فجأة
(لما ستبقى معى ؟......اخبرنى يا ادهم ما الذى سيجعلها تبقى معى... )
رد عليه ادهم بصوتٍ هادىء واثق
( ستبقى لأنها تحبك ....)
ارتسم الألم بكل صوره على وجه فارس الذى اغمض عينيه ... ثم قال بعذاب
( تحب رجلا ... ظلت طوال معرفتها به تقوده من مكان لآخر ......)
قال له ادهم بعنف ( لا تكن اعمى يا فارس .... الا تستطيع ان ترى حبها لك ... ان كنت لا تراه فانت فعلا اعمى ...)
ظل فارس صامتا يحاول تصديق ما يراه الجميع و يشعر به فى داخله ..... لكن ان كانت تحبه فلما ليست هنا الآن بجانبه ....قال اخيرا لأدهم بعنف
( لقد اختارت البقاء مع ايثار يا ادهم ..... من أول مرة تذهب اليها .. اختارت البقاء معها ...الحقيرة التى لم تأتى مرة لزيارتها )
اقشعر جسد ادهم و نبض الغضب برأسه حين سمع الاسم الملعون .... الاسم الذى دمر حبيبته شر تدمير لا يعلم كيف يصلحه الى الآن
قال له ادهم يصرخ بصوتٍ خافت حتى لا يفقد اعصابه
( وهل ستتركها لها .... هل ستتركها يا فارس ... اياك ... هل تسمعنى ... اياك ان تقع فى نفس الخطأ الذى وقعت انا به حين تركت حلا ..... هل ترى كيف اصبحت حلا .... هل تتخيل ما الذى ممكن ان تفعله بسما ... والتى ستكون املها الوحيد الآن فستفعل كل ما فى وسعها لتستطيع السيطرة عليها ....)
صمت ادهم قليلا يحاول التقاط انفاسه بعد الغضب الاعمى الذى اطاح بعقله ... ثم قال بهدوءٍ صارم
( لقد قامت سما برعايتك طوال الفترة السابقة يا فارس ..... لقد آن الآوان لأن ترعاها انت الآن ... )
هدر فارس و قد انتقل غضب ادهم و خوفه اليه على سما الصغيرة
( هذا ما كنت انويه يا دهم ... كنت اريد الذهاب لآتى بها .... ولو بالقوة ...)
تنهد ادهم بنفاذ صبر وهو يقول حانقا
( لا تكن احمقا .... الا تتعلم ابدا ....سما لن تأتى بالقوة ابدا ....تغلب على ايثار يا فارس .. لا عطها الفرصة ابدا ...)
ظل فارس صامتا للحظات ثم قال اخيرا بتصميم
( ادهم هل تقلنى اليها ؟....)
ابتسم ادهم برفق وهو يقول
( بالتاكيد ... لن ندع سما لها ولو لليلة واحدة ....)
صمت لحظة وهو ينظر لاعلى ثم قال
( سأصعد لأطمئن على حلا قبلا .... لقد اثرت رعبها .... فارس سأحطم اسنانك لو اخفت حلا مرة اخرى ....)
ابتسم فارس شبح ابتسامة و هو يقول
( ومن الذى يجرؤ على الاقتراب من زوجة وحش آل مهران .....)
ابتسم ادهم و هو يصعد بسرعة الى حبيبته ... وهو يفكر .. فليفكر اى احد من الاقتراب من زوجة الوحش لينتهى عمره .......
.................................................................
رن جرس الباب فى شقة سابين ... فذهبت سما بتعب الى الباب و هى تتسائل ان كانت سابين قد نسيت مفتاحها .... لكن ما ان فتحت الباب حتى تسمرت مكانها و فتحت عينيها المتورمتين من شدة البكاء و نسي قلبها ان يخفق عدة مرات و هى ترى عشقها الوحيد وسبب عذابها واقفا امامها شامخا كفارسٍ مغوار اتى ليخطفها على حصانه ... ما هذه الابتسامة التى تغمر وجهه ... هل جاء ليجرحها ... هل جاء ليلقي الكلمة القاتلة ليغتالها بها بعد مافعلته صباحا ....هل جاء ل.... كيف جاء اصلا ؟.... قاطع صوته الهامس الحازم افكارها اللاهثة و هو يقول
(ياسمينااا.....)
اصابها الاسم فى مقتل ليعيد تمزيق جروحها فصرخت و هى غير قادرة على التحمل اكثر
(انا لست ياسمينا يا فارس .... انا سما ... اسمى سماااا ... اذهب الى ياسمينتك.. هى ليست هنا )
انفجرت فى البكاء بعد انفجارها المجنون و الذى جعل عينيه تتسعان بدهشة من كلماتها المجنونة ثم تلمعان بشدة بينما انفاسه تتسابق للخروج من صدره فهمس اخيرا
( لكن انتِ هنا يا سما .... وانا لن اذهب بدونك ....)
توقفت عن البكاء تماما وهى ترى العزم على وجهه بينما عيناه تلمعان بشدة .. لكنها ابت ان تستسلم فقالت بهمس
( لكن انا مصممة على المجىء لمساعدة امى .....)
لم ينفعل لدهشتها و لم يظهر على وجهه اى تعبير حتى قال بهدوء
( لن امنعك عنها ... ستأتين لمساعدتها .... طالما ستعودين معى فى النهاية ...)
لم تصدق ما تسمعه ... ما الذى حدث له منذ الصباح الى الآن ... الا انها لم تستغرق سوى لحظة واحدة لتفكر فى الامر ثم قالت اخيرا
( دوما سأعود معك يا فارس .....)
تحرك الى الامام فى خطوة واحدة الى داخل الشقة دافعا سما للخلف بينما اغلق الباب خلفه ... ثم فى اللحظة التالية جذبها اليه مودعا كل انفعال هذا اليوم المجنون فى قبلته التى سحق بها شفتيها ......بينما طوق خصرها بذراعيه الحديديتين ليرفعها اليه قليلا ....... ارتفعت ذراعيها تلقائيا لتحاوطا عنقه بلهفة وهى تجاوب قبلته العنيفة بقبلاتها الناعمة حت كاد ان يفقد صوابه .....
(انا آسفة ..... انا آسفة ....) اخذت تهمسها بين شفتيه مرة بعد مرة حتى تأوه و هو يشدد من ضمها اليه ثم همس على بشرتها الناعمة
(هيا يا سما الآن حالا .... اريد ان اكون معكِ وحدنا ....)
(ما اجمل هذا .....) انطلقت هذه الجملة من خلفهما بصوتٍ مبحوح جعل ذراعى فارس تتصلبان حول سما فى حين تشنجت عضلاته وهو يرفع رأسه عن سما ببطء........
احمر وجه سما بشدة و حاولت التملص من بين ذراعى فارس الا انه كان كالقيد الحديدي حولها فأبى تركها مما ضاعف من احمرار وجهها فحاولت على قدر ما استطاعت ان تبتعد قليلا ثم قالت
( امى لقد جاء فارس ليأخذنى معه الآن ... لكننى سآتى اليكِ باستمرار )
قالت ايثار بصوتها الخافت الساحر
( اذن فقد رضى فارس عنى اخيرا ........رائع حبيبتى )
قال فارس لسما بهدوء محاولا عدم الانفعال
( اذهبى و جهزى نفسك يا سما لقد تأخرنا على ادهم هو ينتظرنا فى السيارة )
قالت سما بعد ان تركها فارس وهى قلقة من الجو المتوتر حولها
( فقط لحظة ... لن اتأخر ...)
وما ان اختفت حتى قالت ايثار بصوتها المخادع
(لقد مر وقت طويل منذ رأيتك آخر مرة يا فارس ....)
قال لها بسخرية ٍ حاقدة
(منذ يوم زواجنا انا و سما ....... كما لم تري سما من وقتها )
ردت عليه بهدوءٍ قاتل
( كنت مطمئنة من انها تحت رعايتك .....)
لم يفته تشديدها ال خفى على كلمة رعايتك .....الا ان ملامح وجهه المتصلبه لم تظهر اى شيء من حقده الدفين نحوها ثم قال اخيرا بهدوءٍ يماثل هدوءها
( على العموم ... سوف تجديننى امامك باستمرار .... فانا وسما لا نفترق طويلا ....)
ابتسمت ايثار ثم همست ( ان هذا يسعدنى بالتأكيد ......)
جاء صوت سما وهى تكاد تجرى من شدة لهفتها للعودة مع فارس ( انا جاهزة ..... )
مد فارس ذراعه فاتجهت سما اليه بتلقائية لتتعلق به و هى تقبل امها ثم ينطلقان معا ...... تاركين خلفهما عينين زرقاوين داكنتين تشتعلان نارا .....
.....................................................................
غمضت سابين عينيها و هى تحاول السيطرة على حنقها الشديد بينما تنقر بظهر قلمها على سطح مكتبها محاولة التركيز على الاوراق امامها .... الا ان صرخة اخرى من تالا جعلتها تزفر بغضب ثم قالت بحدة
( تالا .... كفى لا استطيع التركيز ابدا )
ضحكت تالا بمرح ثم قالت
(الن تكفى عن هذا العمل الممل ....لن يغضب منكِ ابي ...هو اراد منكِ ان تجالسيننى , قال ان هذا سيكون عملك الاهم ...)
رفعت سابين رأسها تحاول ان تستوعب ما سمعته ... ثم قامت من مكانها ببطء و اتجهت الكرسي المقابل لمكتبها و جلست امام تالا لتسألها ببطءٍ خادع
( اعيدي الي ماذا قال والدك ؟........)
قالت تالا ببراءة وهى تؤرجح ساقيها بسعادة
(قال ان هدفك الاول سيكون الاعتناء بي ........ولن يشغلك عملك عنى ابدا ....)
لم تتغير تعابير وجه سابين و لم ترمش حتى بعينيها ثم حاولت استدراج تالا اكثر وهى تقول
( وماذا قال والدك عنى غير ذلك ؟..........)
ابتسمت تالا بخبث و ترددت مماجعل اعصاب سابين تحترق اكثر ... ثم قالت تالا
( حين قلت له انكِ تبدين ..... اقصد انكِ لستِ كصورة امى ....)
استحثتها سابين اكثر بابتسامة تسحر اى طفل
( ماذا قال تالا ؟........ سيكون هذا سرنا الخاص )
اتسعت ابتسامة تالا بسعادة و قد وقعت فى الفخ بسهولة فقالت
(قال ...انه ليست هناك من هى مثل امى ابدا .....)
رجعت سابين الى ظهر الكرسي ببطء بينما شعرت فجاة ببركانا من الغضب طاف فى اعماقها ... مالذى يحدث لها ؟..... كيف ان كلمة ساذجة من طفلة سخيفة تقلب كيانها الى هذا الحد ..... انها كلمة طبيعية منه لطفلة يتيمة نسيت امها ..... لكن لماذا هذه النيران المشتعلة فى اعماقها .....هل حقا هذا ما يراه ....
قالت سابين بنعومة ( اخبريني يا تالا هل أمك جميلة ؟........)
ردت عليها تالا بحماس ( انها رائعة الجمال .........)
شعرت سابين بالتحفز اكثر و اكثر ..... ثم قالت مرة اخرى و هى غير قادرة على التوقف
(و هل والدك ........)
( ماذا به والد تالا ؟.............)
انبعث هذا الصوت العميق الذى اعتاد ان يرسل الذبذبات الى اعماقها من باب مكتبها ..... راقبته سابين و هى ترفع حاجبها الايسر قليلا من منظره الضخم الرائع و هو يدخل الى المكتب كبطلٍ من الابطال بينما عيناه تجريان عليها بشغفٍ اثارها فى الحال
وصل اليهما بينما قفزت تالا لتتعلق به ....ثم قالت سابين بصوتٍ كصوت القطط الناعمة
؛(لقد وصلت اخيرا .....)
ابتسم احمد بخبث و هو ينظر اليها بشغف ثم قال
(هل تأخرت عليكما ......)
ردت سابين بابتسامة ساحرة زائفة وهى تهمس
( لا ....ابدا .... فقط اليوم كله تقريبا .....)
اجابها احمد و هو ينظر الى تالا المشعة من السعادة و المرح
( هل سببت تالا لكِ اى ازعاج ؟........)
نظرت تالا الى سابين منتظرة اجابتها .... بينما ظلت سابين صامتة عدة لحظات ثم اجابت
( لم يكن هناك ازعاج على الاطلاق ...... فهذا هدفى الاول ....)
نظر احمد الى تالا بعتابٍ مازح ثم قال اليها
(حسنا ايتها الواشية الصغيرة ....... يمكنك النزول للعب فى قسمك المفضل حتى نأتى و نصطحبك ....)
انطلقت تالا تجرى الى الباب و هى تلوح لسابين قائلة ( لا تتأخرا .....)
لوحت سابين الى تالا بصمت ثم قامت من مكانها لتعود الى كرسي مكتبها وتقول بعملية
( امامك القليل من الوقت لتنجز اعمال اليوم معي .....)
عبس احمد و هولا يزال مبتسما ثم سار حتى وصل الي سابين التى تتظاهر بتجميع اوراق العمل بينما كل اعصابها تلتهب من وجود هذا الكائن المفرط فى الرجولة و الذى يطل عليها من علو .... ثم لم يلبث ان انحنى عليها و همس فى اذنها
( يبدو ان الجميلة غاضبة مني .....)
لم يظهر اى انفعال على وجه سابين وهى ترد عليه ببرود
(ولما اغضب سيد احمد ......)
ضحك احمد ضحكة مغوية تغلغلت الى اعماقها لتقلبها رأسا على عقب ثم استقام و هو يقول
( حسنا آنسة سابين احضرى الاوراق و تعالي الى مكتبي ........)
ثم سار مبتعدا الى مكتبه وما ان اختفى حتى ابتسمت سابين ابتسامة ساحرة بينما قلبها ينتفض ثم سارعت الى لملمت بعض الأوراق دون ان تأخذ حاسبها .... فالعمل ليس فى تفكيرها حاليا ......وهما بالتاكيد لن يضيعا وقتهما فى شىء ممل مثل العمل .....
سارت الى مكتبه و دخلت بهدوء لتراه جالسا على كرسيه ..... شعرت باحساسٍ غريبٍ عليها من حنان لم تشعر به سوى تجاه شخص واحد فى حياتها و هى تراه يسند رأسه الى كفيه و قد بان عليه التعب ......
سارت بهدوء هى تعلم انه يسمع نغمة كعبي حذائيها العاليين .... التفت حول مكتبه ووضعت الأوراق عليه بلا مبالاة .... ثم دارت حول كرسيه لتصبح خلفه وهى تضع يديها على كتفيه و تبدأ فى تدليكهما ..... شعرت في البداية بعضلاته تتشنج تحت اصابعها ثم استرخى تماما وهو يتأوه بصوتٍ خافت ..... ظلت دقائق طويلة تمسد عضلات كتفيه و تصعد اصابعها الى عنقه .......بينما شعرت بأن صوت انفاسه بدأ يعلو قليلا مما جعلها تبتسم .......الا ان الابتسامة لم تلبث الا ان اختفت و حلت محلها الصدمة حين سمعت سؤاله الفظ دون حتى ان يرفع رأسه
( هل كنت ِ تفعلين ذلك مع مازن ؟.......)
تركت اصابعها اكاتفه فى لحظة ٍ و كأن نارا احرقتها بينما تصاعد الغضب فى داخلها كالاعصار .......ثم لم تلبث ان ابتعدت تنوي الخروج الا انه لم يسمح لها سوى بالتحرك خطوة واحدة قبل ان يرفع رأسه و يمد يديه الحديديتين ليمسك بها من خصرها و يجذبها الى حجره رغم مقاومتها الواهية
صرخت سابين به وهى تتلوى (اتركني احمد ......)
رد عليها بصرامة وهو يحكم امساكها (ليس قبل ن تجيبينني .....)
كفت عن المقاومة و هى تنظر اليه بشراسة ثم قالت بعنفٍ كنمرة ( لقد اتفقنا الا نذكر اسم مازن بيننا ابدا ......)
رد عليها بنفس الشراسة وهو يشدد على خصرها بيديه ( اجيبيني سابين ......)
اخذا يتنفسان بسرعةٍ كمصارعان فى الحلبة و عيناهما لا تحيدان عن بعضهما البعض .... ثم قالت سابين اخيرا
(وهل ستصدقني ........)
اجابها بكل ثقة ( نعم سأصدقك ......) اصابتها كلمته البسيطة فى الاعماق فهى تقريبا لم تسمعها من غيره قبلا .....
ردت عليه بعد عدة لحظات بمنتهى الوضوح ( لم يلمسني مازن يوما و لم المسه انا ايضا ......)
ظل ينظر الى اعماق عينيها دون ان يظهر عليه انه سمعها .... ارادت ان تعيد ما قالته الا انه لم يمهلها فمد يده و سحب نظارتها من على عينيها ليرميها على سطح مكتبه بإهمال .....ثم يمد نفس اليد ليجذبها من ذقنها اليه و يلتهم شفتيها بشفتيه .......غابت عنهما الدنيا .... وغاب عنهما مازن كأنه اصبح شخصا وهميا ......
نزلت اصابعه بعد عدة لحظات من الجنون الى عنقها تلامسه برقة ثم تابعت نزولها .... وما ان شعرت به يحاول العبث بأول ازرار قميصها حتى ابعدته بسرعة و هى تلهث .....ثم قالت بصوتٍ مرتجف
( لقد نسينا اين نحن .........)
رد عليها بصوتٍ عميق بينما صدره يعلو و يهبط ( لقد انسيتني نفسي......)
ابتسمت برقةٍ بينما تشعر بداخلها بأعاصير السعادة .... احمد مهران بنفسه يطلق هذه الجملة ... شعرت فى هذه اللحظة بأنها مدت يدها و استطاعت لمس نجوم السماء ..........
.................................................. .................................................. ............................
كانت خرافية ..... اسطورة .... اسطورة اغريقية قديمة ..... ساحرة خرجت من كتب الاساطير ... لم يكن هناك عروسا وجدت اكثر منها جمالا وسحرا .... خطفت اليها الأنظار و سبت القلوب بروعتها ....و تعالى الهمس من حولهما و هو يراقصها و هى بفستان زفافها .......كان المكان مظلما نوعا ما ... لا يضيئه الا انوارا ضعيفة اظهرت روعة العروسان وهما يرقصان على انغامٍ ناعمة
همس و فمه يلامس اذنها ؛( لا أصدق اننى امسك شيئا بهذه الروعة بين ذراعي .......)
رفعت نفسها لتلامس فكه الصلبة بأنفها و هى تستنشق رائحه التى اسكرتها.......بينما اخذ هو يضمها اليه اكثر غير مبالي بنظرات مئات المدعوين فى هذا الزفاف الأسطوري ....
بعد لحظاتٍ لا تعلم ان كانت طويلة ام قصيرة شعرت به يتصلب بين ذراعيها و هو يرفع رأسه و ينظر خلفها .... لكن قبل ان تستدير سمعته يقول بصوتٍ اجش ...
(اذن فقد تمكنتِ من الحضور ؟..........)
التفتت سابين تنظر خلفها لترى امرأة مهيبة ... وقورة تبدو عليها العظمة وآثار جمالا قديم ابى ان يفارقها .......ثم سمعتها تجيب بصوتٍ مهيبٍ خلاب تتذبذب فيه رقةٍ تأسر الروح
( لم اكن لافوت زفاف ابني الوحيد ......)
صدمت سابين تماما حين وجدت نفسها امام والدة احمد مهران و عمة ادهم وفارس .... كان هناك لهذه السيدة روعة خفية تجعل من يقف امامها يفقد القدرة على النطق او التحرك فى محرابها .......ثم همست السيدة المذهلة
( كما اننى كنت اتحرق شوقا لرؤية عروسك الجميلة ......)
اقتربت اكثر من سابين .... ثم مدت اصابعها لتتلمس وجه سابين بنعومة ٍ افقدتها القدرة على النطق و هى ترى ملامح السيدة المأسورة بها .......و التى همست اخيرا
(قال الجميع انكِ نسخة من أمك ....... الا اننى الآن ارى صلابة والدك تنبعث من داخل عينيكِ ......)
اتسعت عينا سابين و هى تهمس (أبي.......)