اخر الروايات

رواية تشابك ارواح الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمينة محمد الالفي

رواية تشابك ارواح الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمينة محمد الالفي 


الفصل الثالث عشر من -تشابك أرواح-
«اكتمل الزواج دون تمام»
أن يرميك شخصّ ما بالباطل ويضع على عاتقيك ما لم تفعله يومًا لظلم لن يُغتفر، ولو كان شخصًا
حديثه واقعي لدرجة أنه هبط على فؤادها كسره لأشلاء، فهدرت بما ستندم عليه بعد ذلك بضيقٍ:
"وأنت عايزني أقف قدامه عشان أخسره زي ما خسرت أمي بسببك!"
_"بسببــي؟"
سألها بدهشة يملؤها الصدمة من حديثها الذي وجهته له، الآن أصبح قاتلًا في نظرها وهو من تسبب في موت أمها، كان ينظر لها بصدمة لا يصدق أن من يقف أمامه هي نفسها من أحبها، كادت أن تتحدث فرفع إصبعه في وجهها بعصبية وخشونة في الحديث:
"متنطقيش، عـارفة لولا إني عارف حالتك وعارف إنك أحيانًا بتهب منك كان هيبقى ليا تصرف تاني معاكِ ياتسنيم، ياخسارة بجد مكنتش متوقعها منك أنتِ، خليكِ عايشة وسط الوسواس اللي أنتِ فيه ده وخليكِ مشيلة نفسك ذنب كل حاجة في الدنيا لحد ما كل حاجة تتقلب ضدك، حاربت عشانك وعشان أراضيكِ وأراضي قلبك وقابلتيني بإتهامك ليا إني قتلت أمك اللي ماتت موتة ربنا أصلًا، معدتش عايز أشوف وشك يا تسنيم وقت ما تشوفيني فـ أي حتة أمشي من أي شارع تاني، عشان أنا ده آخري معاكِ وواصلة معايا لنهاية صبري، اتوكلي على الله يابنت محسن!"
عماها الغضب هي الأخرى ليصبحا جمرتين مشتعلتين أمام بعضهما، لو أن النار ملموسة من الإنسان الغاضب لأحرقا بعضهما وأحرقا المكان حولهما، وصلا لمرحلة لا عودة منها نحو علاقة بينهما مجددًا.
أغضبته عندما اتهمته بموت أمها التي لم تمت سوى من ضغط عائلتها عليها ومن مرضها الذي كانت مُصابة به، لم ترى يومًا محاولاته لأجلها، ولا حتى معافرته لأجل الحصول عليها وكيف كان كالمجنون بحبها، لم ترى كم من مرةٍ أغضب والده بسببها، كان كالمحارب يقف بسيفه وحده أمام جيوش مُعارضة على علاقة مستحيلة رآها وحدة أكيدة، وتوقع أن ترآها أكيدة مثله ولكنها كانت على الجانب الآخر رفقتهم تحاربه، تفوه بحسرةٍ وأسفٍ:
"حاربت عشانك وكنت فاكرك بتحاربي عشاني بس للأسف طلعتِ واقفة في فريق عدوي وبتحاربيني!"
حاولت أن تُجمع قوتها لترد عليه، دموعها تُذرف وحدها على مجرى خديها في قهرٍ شديد، جسدها يرتجف بقوة وعقلها يدور به ألف شيء تود أن ترميه كقنبلةٍ في وجهه لتنفجر بهما، هدرت بصوتٍ مرتجف وعينين برغم الدموع التي تملأها كانتا حادتين:
"أقولك؟ أحسن برضو.. أنا أصلًا مبقتش عايزة أشوفك يا عبدالله، وآه أنا محاربتش عشانك خالص طالما أنت شايف كدا، وسيبني بالوسواس بتاعي زي ماغيرك كتير سابني، محدش أصلًا شايف أنا بحارب قد إيه بس أنا معنديش إستعداد أخسر بابا زي ماخسرت أمي، أمي ماتت من كتر الضغط اللي حصل بسبب موضوعنا وبابا كان هيروح فيها من كام يوم، إحنا فعلًا الأحسن منشوفش بعض تاني!"
ثم غادرت من أمامه بقوة دون أن تسمح له بإضافة كلمة أخرى، النفس فقدت رجاها والروح خسرت استقرارها، وتمكّن منها اليأس كما لم يفعل يومًا، والوسواس أصبح كثقبٍ أسود يبتلعها بين أحضانه، خائفة من الفقد ولديها رهبة تجاه إيذاء نفسها أو الآخرين، لديها أفكار عدوانية تجاه كل شيء حولها ولكنها تحاول السيطرة على نفسها.
وصلت وجهتها ودلفت بشكل اندفاعي نحو غرفتها والدموع تنهمر على خديها بغذارة، لا تود أن تتحدث مع شخصٍ ولا تود أن يراها أحدًا بذلك الشكل المجروح، لم تكن تتمنى أن تنتهي تلك العلاقة بذلك الشكل، ولا أن يدفن الدهر حبهما أسفل التراب كالأموات، غلبها مرضها وخوفها من الهلاوس التي تداهمها في كل وقتٍ وحتى في الأحلام، لا ترحمها ولا ترأف بها وأولهم أباها.
غطى صوت بكاءها العالي صوت الثانية بداخل الحجرة تتحدث عبر الهاتف لشخصٍ ما بصوتٍ خفيضٍ للغاية:
"يابني قولتلك مش هينفع أقابلك الفترة دي، وقولتلك ألف مرة مش بعتالك صور ليا بشعري مينفعش أصلًا ... بقولك إيه اقفل كدا فيه صوت حد جه!"
أغلقت الهاتف وخطت بقدميها نحو الخارج تتصنت على صوت البكاء والعويل الذي يزداد شيئًا فشيء، وعندما استنبطت أنها أختها ركضت نحوها بسرعة وجلست جوارها وهي تحاوطها بين ذراعيها في قلقٍ وذعر قائلة:
"مالك يا تسنيم، في إيه بتعيطي كدا ليه، أهدي ياحبيبتي وقوليلي مالك؟"
ظلت الثانية على حالتها تبكي بحرقة شديدة تنتحب بشكلٍ مروع بالنسبة لأختها، تلك النوبات التي تأتيها بين حينٍ وآخر في الأزمات لا يُمكن السيطرة عليها سوى بالنوم العميق الذي لا يعلمون إن كانت ستفيق منه بعد ذلك أم لا!
ضمتها «تارا» لأحضانها تمسد على ظهرها بحنانٍ ثم ساعدتها في إزالة حجابها الذي كان يسبب لها الاختناق الزائد فوق اختناقها وعدم قدرتها على التنفس بشكل جيد، ولولت «تارا» وهي ترى أختها بين احضانها تلفظ أنفاسها كأنها الأخيرة، وجهها تحول لونه للأحمرار ثم للشحوب فجأة، جسدها بأكمله يرتجف بشدة:
"يالهوي يالهوي يالهوي، الحــقني يابابا، يا تـامــر، حد يلحقني أختي بــتروح مــني!"
تربت على ظهرها بقوة في محاولةٍ لجعلها تتنفس، بدأت أوصالها ترتجف هي الأخرى وللأسف الشديد لا يوجد أي أحد معهم بالمنزل؛ فوالدهما غادر منذ قليل لذلك ذهبت «تسنيم»«لعبدالله»، وأخوهما بالعمل، الآن هما وحدهما؛ إما نجاة، أو موت للمسكينة.
وبعد محاولات من جعلها تتنفس وجعلها تحتسي بعض الماء والتربيت على ظهرها بقوة، بدأت تتنفس بصعوبة وتلتقط أنفاسها، لتعود الحياة لفؤادها وقلبها، وعاد لونها الطبيعي لوجهها الشاحب، أذنَ الله لها بعمر جديد بين يدي أختها الصغرى التي بكت بحرقة على حالتها، عناق قوي بينهما بينما نبست «تارا» من بين شهقاتها المتألمة على شقيقتها:
"حصلك إيه بس ياتسنيم ياحبيبتي، مالك؟"
كان حديثها متقطع مرتبك، بينما تستند بين أحضانها المسكينة «تسنيم» التي داهمتها حالتها، أعصابها جميعها تالفة، وجسدها مرتخي لحدٍ كبير، الآن هي فقط تحاول التقاط أنفاسها لا غير!
بعد وقتٍ قليلٍ همست بضعف تطلب من «تارا» المساعدة بصوتها المبحوح:
"دخليني الاوضة عاوزة أنام، مش عاوزة حد يصحيني إلا لما اصحى!"
صوتها متلعثـم بالكاد تخرج حروفها من فمها، ساعدتها أختها دون أي تدخل فهي تعلم تمام العلم أن الحديث لن يجدي نفعًا، ساعدتها في الاستلقاء ووضعت عليها الغطاء ثم جلست جوارها تربت على شعرها الناعم بحنانٍ بالغ، بينما «تسنيم» اغمضت عينيها وذهبت في سباتٍ عميق وسط الهالات السوداء التي أحاطتها من جميع النواحي.
تابعتها «تارا» بصمتٍ، فهي تعرف ما أصاب أختها جيدًا الآن وأن تلك النوبة متكررة بشكلٍ مبالغ في الآونة الأخيرة لدى «تسنيم»، بدأت لديها بعدما فقدت أمها ووضعوا اللوم عليها في ذلك اليوم وبعده، أخبروها أنه من الضغط الذي حاوط الأسرة البسيطة لأجل محاربتها للزواج من «عبدالله» مرضت أمهم وماتت، ولكن لم يكن كذلك بل ماتت بمرض القلب الذي كان لديها، ومن يومها والهلاوس تلاحقها، تخاف الفقد وتستمع لأي كلمة يقولها والدها خوفًا من أن يصيبه الضغط ويمت، أصبح لديها رهبة شديدة من فكرة إيذاء الآخرين بسببها؛ فهم رسخوا بعقلها أنها هي من قتلت أمها!
مسكينٌ الإنسان الضعيف، عندما يغلبه ضعفه ويتمكن منه،
مسكينٌ الإنسان الضعيف، عندما يصبح قوته هو ضعفه،
ها هي نهاية الإنسان في آخر المطاف؛ إن لم يكتسب قوته من ربه، لن يجدها بأي مخلوق.
__________
في المساء اجتمعت مع «الحاج إبراهيم» و«مروان» وأيضًا رفقتهم «عبدالله» و«فاطمة»، تجلس أمامهم تلعب بيدها بتوترٍ تُجهز لرمي تلك القنبلة في وجوههم، رفعت بصرها نحو «مروان» تستمد منه قوة مجهولة المصدر، ثُم نحو الحاج الذي بدأت ملامح الشك تتعالى على وجهه ممزوجة باستغراب كبير، و«لعبدالله» الذي زفر بقلة صبرٍ وصرخ بصوتٍ عالٍ نسبيًا في وجهها جعلها ترتجف في مكانها:
"ماتنجزي ياست الأخت، إحنا بقالنا عشر دقايق قاعدين ساكتين مستنينك تقولي كلمة مبتنطقيش، هو أنتِ مقعدانا تتأملي في جمال كل واحد فينا ولا إيه؟"
ربت «مروان» على يده يهدئه قائلًا بتنهيدة ثم وجه حديثه لها بقلةِ صبرٍ هو الآخر ولكن بنبرة أكثر هدوءًا:
"اتكلمي يا سيلين يلا، إيه اللي كُنتِ عايزة تقوليه؟"
سحبت نفسًا عميقًا وبدأت في التحدث بنبرة مخذولة من أبيها الذي لم يسأل ولم يعبأ بها:
"فيه حاجة أنا مينفعش أقولها لحد، الحاجة دي هتأذي بابا يمكن يعني I don't know، بس أنا حاسة إني محدش مهتم بيا، ومخذولة أوي من بابا ومن اللي عمله معايا وإزاي سابني هنا وسطكم من غير مايحاول ينقذني!"
تركت أنفاسها تخرج من أنفها ببطءٍ ثم أردفت دفعة واحدة تلقي حديثها بوجههم:
"بابا كان له محامي خاص بيه اسمه «أنس الشاذلي»، المحامي ده كان حصل بينه وبين بابا مشكلة من فترة كبيرة وأنا دخلت فيها بالغلط وكان رافع على بابا قضايا وحاجات كدا يعني في المحكمة وكنت فهمت إن بابا ظلمه في حاجات كتير بس مكنتش عارفة إيه هي!"
_"هو أنتِ جاية تحكيلنا مشاكل أبوكِ هنا مع الناس ولا إيه؟"
صاح بوجهها «عبدالله» الحانق والذي ردعه والده بنهرٍ غاضب:
"عبدالله في إيه؟ استهدى بالله واهدى كدا بلاش الهجوم والعصبية دي، كملي يابنتي!"
للمرة الثانية أفزعها بصوته وحدته فأكملت بصوتٍ أكثر ارتجافًا تخبرهم عن بقية القصة:
"هو أنس ده صاحبي أصلًا، يعني عارفين بعض من زمان وفي مرة هو قالي إنه مش هيسيب حقه بس بيجهزله كويس أوي عشان يقدر يعمل حاجة لبابا سليمة وميقعش هو، بس أنا وقتها يعني هددته إنه لو حاول يهدد بابا تاني هعرف بابا عنه، من وقتها هو مكلمنيش تاني، بس أنا لسه معايا رقمه لو تليفوني معاكوا، أنا قولتلكم القصة دي عشان لو حابين تكلموه وتعرضوا عليه مشكلتكم وتتحدوا سوا!"
كانت الأنظار معلقة عليها، بعضها معجبًا بفكرتها، وبعضها يستنكرها في شكٍ يلعب في أعماقه، خرج صوت «إبراهيم» القوي بحدة:
"اشمعنى دلوقتِ قررتِ تقوليلنا، مع إن مروان جالك قبل كدا ورفضتي تقولي حاجة؟"
كان يحاول استنباط نواياها فوجدها تتحدث بتنهيدة حارة ضعيفة، مع عينين متلألأتين بالدموع:
"أنا يا عمو زهقت، وتعبت أوي من الوضع اللي أنا فيه، وبابا مبيحاولش يعملي أي حاجة خالص ياعمو ولا يساعدني، ده سايبني هنا معاكم ولا كأني بين أهل ليا ولا فرق معاه ممكن تعملولي حاجة ولا لا"
أجابها بسخرٍ عند ذكر اعتقادها بأن هنالك رأفة تحتل قلب والدها:
"عشان هو عارف كويس إننا مش هنعملك حاجة فهو سايبك هنا وسطينا، عارف إننا عمومًا مش زيه، وأحنا فعلًا مش زيه وإلا مكنتش دخلتك بيتي وقعدتك وسط أهلي وكنت رديت الدين اللي عليه بقتلي ليكِ وارضاء لنفسي وقلبي المحروقين على بنتي اللي أبوكِ دبحها!"
أربعة قلوب تدمرت عند ذكر آخر جملة، قلب عاشق، قلب أخوي، قلب أموي، وقلب مقهور علما وصل أباها فعله في فتاة بريئة، أفاق ذلك الوحش الذي يقبع داخل «عبدالله» في غضبٍ عمى عينيه قائلًا بحدة:
"بس أنا أقدر اعملها من الصبح واخلص عليكِ وابعتك لأبوكِ الوسخ زي ما بعتلنا أختي، يعني لو الدنيا ضاقت أعملها أنا وعندي إستعداد اخد فيكِ إعدام عادي المهم أشفي غليلي"
نبرة مقهورة خرجت من فم أمه تُسكته بقولها:
"بس ياعبدالله، اسكت يابني متقولش كدا، أنا مش هسمح أبدًا إني أخسرك عشان وليد ولا ناسه، ربك هو العادل اللي هيجيب حق أختك ان شاء الله"
نظرت لها «سيلين» بأسفٍ شديد، وكأنها تطلب المسامحة منها على خطأ لم تقترفه هي، ولكن الآن هي التي من لحمه ودمه واللوم يقع عليها لأنها هي من أمامهم.
استقام «مروان» مكانه وهو يرمي حديثه عليهم قائلًا:
"أنا رايح شقتي اجيب تليفونها عشان نطلع رقم المحامي أنس ونقرر هنكلمه ولا لا!"
ولم ينظر ناحيتها أو حتى يعبأ بها، فهو الان لا يرى أمامه سوى مشهد واحد.
«عهد»، قبر، كفن!
______________________
في منزلٍ مجاور، سيتم عقد قِران ما بين اثنين لا يمكن العقد بينهما وهما على هذا الحال، سيتم الجمع بين الثلج والنار، الرقة والخشونة، وما بينهما لن يكون هينًا أبدًا.
تمضي بيدٍ أحبت وقلبٍ عشق، ويمضي بيدٍ مجبرة وقلبٍ يحب غيرها، بينما النظرات من امه معلقة عليهما، ومعهما خالهما أيضًا يشهد تلك الزيجة، وابنه العشريني «شهاب»، أعلن المأذون عن زواجهما بقوله في هدوءٍ:
"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"
لم ترفع بصرها قط بل ظل معلقًا في الأرض؛ فهي لا تقوى على النظر له أو حتى التحدث معه ابدًا، هي لا تقوى على مواجهته بعدما أصبحت زوجته الآن رسميًا وبرضاها، ذلك ماحلمت به ولكن ليس بتلك الطريقة؛ فهي أرادت في حلمها الوردي أن يكون المكان مُزينًا بالكامل، وتُزف له كأي عروسٍ مُقبلة على حياة جديدة.
أنهى المأذون مهمته وغادر رفقة «شهاب» يودعه عند بداية الحارة، بينما كان خالهما جالسًا يتابع ملامحهما الهادئة بشكلٍ مريب، أردف بصوتٍ خشنٍ:
"مالكم، أنتو مبوزين كدا ليه؟"
رفع «آسر» بصره نحو خاله ورسم ابتسامة صغيرة تزين ثغره، يحاول ادعاء اللامبالاة التي ستفتك قلبها، وأجابه بخفوتٍ:
"مافيش حاجة ياخالي، بس أنت عارف الوضع جديد وكدا!"
أومأ الثاني له بتفهم ثم ألقى كلماته كنصيحة لهما في بدء حياتهما وزيجتهما التي ستدوم إن أرادت هي:
"عارف عشان كدا عاوز أتكلم معاكم، الجواز مش لعب عيال ولا هو يومين هزار وخلاص وبعده نخنق بعض، بالذات في الحالة اللي أنتو فيها دي وكل واحد فيكم قابل ده، سواء كانت مرام قابلة تبقى زوجة تانية أو أنت حتى اتجوزت تاني، رنا ومرام طبيعي هيحصل بينهم تاتش وحوارات لأن بطبيعة الست بتغير على جوزها، ومينفعش يا آسر تقول الأحق لحد عن التاني، متظلمش حد منهم وكل حاجة منك تكون بالعدل بينهم هما الاتنين!"
سحب نفسًا عميقًا يفكر جديًا في تلك الخطوة التي تمت، لم يكن لديه مشكلة في الزواج من «مرام» ولا حتى من حياته معها، ولكنه يخاف أن يظلمها من تفضيله «لرنا» عليها، فهو عشق الأخرى ولا يتوقع من ذاته فعل ذلك ولكن سيغلبه كونها ابنة خالته التي تربت رفقته!
بعد قليلٍ من الوقت غادر خالها رفقة ابنه بينما هو نظر نحوها ثُم لأمه التي بادرت بالحديث برفقٍ تنهر ابنها بقولها:
"أنا استنيت أخويا يمشي علشان اتكلم معاكوا بيني وبينكم، آسر ابني ومرام بنتي اللي ربيتهم سوا، انتو الاتنين عندي معزتكم واحدة، مش هسمح إنك تأذي مرام ولا هسمح لمرام إنها تزعلك ويحصل مابينكم مشاكل تخسركم بعض ولا حد فيكم يزعل من التاني وياخد جنب، لو لا قدر الله أنا حصلي حاجة مش هطمن على مرام غير معاك يا آسر!"
قاطعها بتنهيدة قائلًا:
"بعد الشر عنك ياماما بتقولي إيه، مرام هتفضل في عيني مهما حصل ومش هيحصل أي مشاكل تخلينا نخسر نفسنا"
تنهدت «مرام» هي الأخرى وهي تنظر نحوهما في صمتٍ بالغ، لا تعرف ماذا تقول أو كيف تصيغ كلمات في هذا الوضع الجديد عليها وعلى قلبها.
أكملت أمه كلامها في هدوءٍ:
"أنا عارفة ده لأني اللي مربياكم وعارفة تربيتي عاملة إزاي وعارفة إن بينكم حب أخوي كبير، وان شاء الله هيبقى فيه حب زوجين بينكم وربنا يكرمكم يارب!"
_"ان شاء الله يا أمي ان شاء الله"
قالها هو مجيبًا على حديثها بينما وقفت «مرام» مكانها وهي تتهرب من أي حديث سيتم بينهما:
"أنا هطلع الشقة عشان الفستان ده مضايقني أوي، لما تخلص مع خالتو ابقى أطلع بقى أنت يا آسر!"
طالعها من أعلاها لأسفلها يتفحص ذلك الفستان الذي خطفت به أنظاره منذ أن أتت للمكان به، كان رقيقًا لونه سُكري، صاحب نقشات مميزة وطبقات شفافة تزيده جمالًا، وكان حجابها يُزين وجهها بشكلٍ ملفت مع بعض مساحيق التجميل البسيطة التي وضعتها، كانت كملاكٍ برقتها خطفت الأبصار، فأرادت أن تكون بشكلٍ مبهر حتى إن لم يكن يومًا كبيرًا كما حلمت، جعلته بسيطًا مميزًا بطريقتها.
غادرت نحو شقتها بينما وضعت «ابتسام» يدها على فخذ ابنها تربت عليه بحنية بالغة؛ فهي تعلم أنه يحمل الكثير من الشتات داخله، يحمل الألم والوجع والقهر على حاله الذي لا يعلم كيف سيحله، تحدثت بنبرة حنونة ولجت لقلبه:
"أنا عارفة إنك تايه وتعبان أوي من اللي بيحصلك، بس ربنا بكرا هيوجهك للطريق الصح، رنا النهاردة لما مشيت حسيتك تايه ومش عارف تعمل إيه، متخليش ده يأثر عليك ولا على أي حاجة، أنت هتتسأل قدام ربنا عن معاملتك لزوجاتك الاتنين فـ متظلمش حد يابني، ومرام قلبها طيب وهتراضيك ان شاء الله!"
كان تركيزه مصبوبًا مع أمه التي صدقت بكلامها عن «مرام»، تنهد بثقلٍ دون التحدث فلا حديث سيقال ولا شعور سيصف، أتخذ الصمت أسلوبًا في تلك الأوقات، استمع لكلماتها التي ألقتها ثانيةً:
"قوم يلا اطلع لمراتك، تصبح على خير!"
فأومأ لها بقوله بخفوتٍ واختصار:
"وأنتِ من أهل الخير"
وسحب نفسه متحركًا نحو الأعلى، يجر قدمًا ويؤخر الثانية، لا مشاعر لديه تجاه تلك الليلة التي من المفترض أنها ليلة عرسهما، لا شيء سوى الاشتياق «لرنا» التي غادرت اليوم لبيت أهلها حتى لا تشهد زيجته تلك وتتوجع!
طرق بخفوتٍ على الباب ففتحت له «مرام» ولكن هذه المرة بشعرها الذي أنساب على أكتافها وظهرها، شعرها الأسود الطويل الثقيل، كان يعطيها رونقًا مختلفًا غير الحجاب، شيء داخله يخبره أن يدخل، وشيء آخر يخبره أن يرحل، وشتان بينهما لم ينهي الصراع سوى تذكره للحلم وهيئة «مرام» به!
ولج للداخل وتابع ملابسها البيتية التي ارتدتها وشعرها الذي خطفه كما خطفه ظهورها اليوم بطلتها بعرسهما.
سبحان الله الذي حلل للرجل مثنى وثلاث ورباع، ووضع بقلبه قدرة على حب الأربعة سويًا وتميز كل واحدة عن الثانية بشيء، لكن المرأة تحب مرة واحدة في حياتها، فقد يختلط عليها الأمر وتعتقد أنها أحبت شخصًا ولكن فيما بعد قد يظهر رجلًا يجعلها تتيقن أنها لم تحب من قبل.
لسانهُ معقودٌ وجسدهُ متشنجٌ من الضغط الموضوع عليه، اقتربت هي الأخرى وجلست على الأريكة التي جلس عليها ليصبحا جوار بعضهما، هو يميل نحو الأمام بجسده يخبئ وجهه بين كفيه، وهي يداها متشابكة ببعضها وموضوعة فوق رجليها، صمت بالغ وهدوء شديد، أصوات الأنفاس المضطربة هي التي تملأ المكان فقط.
زفر ووقف في مكانه قائلًا بحدة:
"أنا تعبان ومش قادر، أنا هنزل شقتي أنام تصبحي على خير!"
رمى قنبلته في وجهها وغادر!
تركها في تلك الجلسة تتابع اختفائه من أمامها بترقب تحاول استيعاب ما قد حدث الآن؛ تُركت في ليلة زفافها الأولى هكذا وحدها وغادرها، كأنه يهجرها بشكلٍ يليق بمقامها.
كُسرت، قُهرت، وأكلها الغل والغضب.
__________________
واقفًا أمامها وهما أمام الشقة عند بداية الدرج، ينتظرها أن تُخرج رقم المحامي صديقها الذي أخبرتهم عنه، يطالع تحريك أصابعها على الهاتف في هدوءٍ وهو يفكر بكل كلمة قالتها، حرك فمه بسخرية:
"وهو صاحبك من امتى؟"
رفعت بصرها سريعًا نحوه تستوعب ماسألها به للتو، أردفت بشكلٍ عفوي:
"من زمان أوي، من أيام الجامعة يعني كان اكبر مني بـ ٣ سنين وكان هو بيدرس محاماة وأنا بدرس إعلام"
أومأ لها وهو يتناول منها الهاتف وأخرج هاتفه صاحب الإصدار الأقل منها يُدوّن رقم «أنس» عنده وسمعها تسأله بأدبٍ:
"هو أنا ممكن أخد التلفون، يعني أوعدك مش هعمل حاجة غدر بس أنا زهقت وعايزة حاجة تسليني!"
_"اممم!"
كان تركيزه في نقل الرقم فعادت تسأله مجددًا باستغراب:
"اممم إيه؟ يعني موافق؟"
رفع بصره نحوها وبأصبعه يغلق هاتفها تمامًا أمام عينيها وأجابها ببرودٍ تشكّل على وجهه:
"لأ، مافيش تلفونات، وأنتِ ماشية من هنا راجعة بيتك أبقي خُديه، هو فالحفظ والصون معايا مش هسرقه"
تنهدت بعمقٍ وهي تومئ برأسها فقط وتتابع حركة يده في قفل هاتفها ثم له وهمست بضعفٍ مخذول:
"عارف، لما فتحته توقعت ألاقي Lots of notifications من صحابي، و calls، بس محدش فيهم اتصل بيا ولا سألني اختفيت فين! تتوقع محسوش والدنيا لهتهم ولا أنا اللي مش مهمة!"
تابع حديثها الذي كان يحمل غصة، وتحدث بكلماتٍ دون قصدٍ منه خرجت من فمه بعفوية ساخرة:
"هو أنتِ كل الدنيا بايعاكِ كدا يعني؟"
للحظة تدارك حديثه عندما لمح اللمعة في عينيها الزرقاء، وهز كتفيها بجهلٍ تعبر عن ضياعها في تلك الأمور، هل من الممكن أن يكونوا أيضًا نسوها تمامًا كما لم تكن في حياتهم!
حاول تصحيح حديثه بقوله بتنهيدة:
"مش قصدي الكلام بالمعني الحرفي، بس ده يعلمك إنك تعرفي صاحبك وتعلمي عليه!"
لم تفهم مقصده فسألته بجهلٍ عما قاله في نهاية حديثه:
"أعلم عليه؟ يعني إيه؟"
دار بعينيه بالمكان ثم استقر عليها مجددًا يشرح لها مفهوم المثل الذي قاله:
"يعني اعرفي صاحبك بمعنى هل صاحبك ده صاحب فعلًا ولا مجرد حد كدا والسلام، وعلمي عليه يعني لو صاحبك ده كويس امسكي فيه بايدك وسنانك، لو وحش سيبيه وابعدي عنه عشان ميأذكيش!"
أومأت بتفهم وهي تبرز شفتيها بتفكيرٍ بتمعنٍ في حديثه، بينما هو أعتدل في وقفته ليغادر من أمامها:
"ادخلي يلا جوا ومتتعبيش الحاجة فاطمة معاكِ، سلام!"
_"سلام"
قالتها بتنهيدة ودلفت للمنزل بينما هو تحرك بالهاتف نحو الجموع ينتظرونه في المجلس ليتشاوروا فيما بينهم عما سيفعلونه في القادم!
وصل وجهته وجلس جوار «عبدالله»، وكان المتواجدين كبار الحارة؛ فـ «إبراهيم» قد طلب منهم جميعًا الإجتماع ليتفقوا على الخطوات القادمة ويخبرهم عن الجديد الذي وصله من المحامي، تحدث بهيبة خارجة من صوته:
"المحامي ثابت كلمني الصبح وقالي إن كل حاجة ماشية والقضايا اترفعت، بس وليد مش ساكت ورافع قضايا تانية ضدنا أولها خطف بنته وإن الأرض دي ملكه واشتراها مننا وطبعًا هو مزور ورق بيع وشراء، ونادر بيرتبله إزاي يبدأوا يبنوا المصنع عشان يبدأوا صفقات الأدوية اللي عايزين يعملوها هنا دي"
سأله «عبدالستار» بدهشة:
"إزاي مزور ورق إنه اشترى مننا الأرض؟ هو مكنش ورق إزالة من الحكومة الأول؟ مقدمش بيه للنيابة ليه!"
أجابه «إبراهيم» ببساطة:
"أكيد عشان هيتكشف بيه، فقال يزور ده، المحامي هيفهم الوضع ويبلغنا"
سحب نفسًا عميقًا يكمل كلامه قائلًا:
"فيه إقتراح جالنا من بنته، ادتنا رقم محامي المفروض أنه عدو أبوها في الوقت الحالي والمفروض أنه مستني تكة عشان يرفع قضايا ضد أبوها، فكنا عاوزين نتصل بيه نكلمه، هي قالت إنه بيكره أبوها لدرجة أنه عنده إستعداد يعمل أي حاجة ويتفق معانا!"
تحدث «محسن» بسخرية وهو يرمي كلامه تجاه «ابراهيم»:
"هو أنت صدقتها ولا إيه؟ ده أبوها إزاي يعني هتقولكم عن حاجة ضده زي دي، أنت بتتكلم في إيه يا حاج إبراهيم اعقل الكلام!"
أجابه «إبراهيم» بحدة يضعه عند حده:
"أنا عارف كويس جدًا بتكلم فـ إيه وعن إيه، وأكيد أنا مش هروح أكلم المحامي أقوله كل حاجة، إحنا هنشوفه ونختبره، والله كان معانا أهلًا، مكنش فداهية هو كمان، فتّح مخك أنت معايا بس يامحسن!"
سدد له الكلمات الحادة لتخرسه، فيما تحدث «عبدالستار» بهدوءٍ:
"حلو الكلام، دلوقتي حوار بنته المخطوفة دي ممكن فـ أي لحظة يطالب بتفتيش الحارة ويفتشوا المكان كله والبيوت هنا، وقتها هنخبيها فين داهية؟"
هنا أردف «مروان» مُجيبًا:
"مش من مصلحته يعمل كدا عشان عارف الدنيا هتقلب ضده، هو مقدم بمحضر الخطف ده زيادة وسط المحاضر مش أكتر، لأنه مش عايز يرجع بنته قد ماهو عايز ننشغل بيها وننسى اللي هو عايز يعمله، راجل زي ده خنزير مش فارق معاه بنته ولا مش بنته، ولا فارق معاه قتلناها ولا لأ"
كانت العقول شاردة، فهم يحاولون منذ سنين في إنهاء تلك الأزمة التي بينهم وبين «وليد الأنصاري» التي لا تنتهي بتاتًا، والآن الوضع أختلف وتأزم ويجب الثأر.
______________
تعويض دافئ كَـ يَدين تعانق الجسد في دفئ وتمد له الحنان، إنه هو.. وصفه تمامًا!
بعدما أتى من المجلس وراقب سيارته التي يتم إصلاحها بورشة «عبدالله»، جلس رفقتها هي وأمه يشرب الشاي الذي يعشقه، يشعر بنظراتها التي تراقبه بين حينٍ وآخر، وانفاسها اللاهثة في وضع غير منتظم تمامًا.
_"حمزة! عملت إيه فعربيتك يابني؟"
هز كتفيه بتنهيدة وهو يجيب أمه التي سألته بقلقٍ:
"بتتصلح عند عبدالله، تخلص ونشوف هنجيب أجهزة منين وهرجع الشغل تاني ياما"
أنهى كلماته وهو يراقب ردة فعلها الحزينة، ثم تبعها حديثها بمواساة:
"اوعدك بابا هيبقى تعويضه كبير أوي ليك بعد اللي عملته ليا، متشيلش نفسك هم فوق همك عشان متتعبش"
أومأ لها برأسه وارتشف من الشاي ثم قربه للطاولة أمامه وهو يجيبها:
"متقلقيش يا رزان، كله هيبقى تمام وشغلي هيرجع!"
أضافت أمه بتنهيدة هي الأخرى تواسي المجروحة جوارها:
"وأنتِ كمان يابنتي إن شاء الله هتبقي كويسة وربنا هينصرك عليه"
ابتسمت لها «رزان» بودٍ شاكرة إياها بقولها:
"تسلمي بجد ياطنط، أنا والله عمري ما هنسى فضلكم عليا ولا وقفتكم جنبي أنتِ وحمزة"
أبعدت بصرها بشرودٍ وأكملت وصلة حديثها بأسفٍ:
"أنا بس أخلص منه والهم الكبير اللي فوق قلبي هيتزاح، وبالنسبالي أهم حاجة يطلقني، يارب يرضى وننهي الموضوع بسهولة"
أخرج الآخر من علبة السجائر واحدة وأشعلها ونظره كان عليها ثم وجهه «لرزان»:
"وتستنيه يطلقك ليه، اخلصي منه!"
_"يعني إيه، إزاي؟"
قالتها باستغراب ليسحب نفسًا عميقًا من سجارته ثم ارتشف ببرودٍ من الشاي وقال ببساطة:
"اخلعيه"
اشتبكت النظرات بينهما لثوانٍ وهي تتابع حركاته وكلامه الذي ألقاه، ولم تُفكر سوى بشيء واحد ألا وهو سُمعة والدها، ودّت أن تتحدث ولكنه قاطعها مكملًا على حديثه:
"الخلع هو اللي هيكسره مش إنه يطلقك، هيبقى بالنسباله إزاي نادر المصري يتخلع بالشكل ده، وكمان منها أنتِ هتشفي غليلك ووجعك"
شردت تُفكر بكلامه ثم همست بصوتٍ بالكاد استمعوا له:
"بس سمعة بابا؟ يعني أنا خايفة يتقال كلام عن بابا إن بنته خلعت جوزها بالذات إن بابا ونادر ليهم اسم في البلد ومعروفين"
هز كتفه بلا مبالاة وأجابها بنزقٍ:
"طب وفيها إيه؟ هو إحنا هنمشي نراضي الناس ولا إيه! إحنا بنعمل اللي على مزاجنا مش مزاج الناس، ومهما عملتي مش هيعجب حد، انتقمي لنفسك بايدك عشان متلاقيش حقك بيتدفن تحت التراب، واللي نادر عمله ميتسكتش عليه دي جريمة أصلا"
أخرجت من أعماقها تنهيدة قوية عند ذِكر ما فعله، تُفكر به بجدية وبحديثه الذي اقترحه، انتهى بها الحال في هذه الليلة جوار أمه تُفكر في كل تلك الليالي القاسية الباردة التي مرت عليها رفقة «نادر».
ليالي باردة ككقلبه، تولج لقلبها الرعب والخوف
ليلة غريبة في غرفة حمراء، تجلس أمامه مقيدة اليدين والقدمين، مكممة الفم ومعصوبة العينين.
يمارس عليها كل أنواع العنف الذي يجعله منتشيًا لأقصى درجة، ثم يتركها مغشية عليها بين الرجفة والذعر والجسد المتألم.
____________
ثعابينٌ سامة قلوب جارحة عقول مريضة؛ البشر!
كانت ترتدي عبائتها السوداء وتسير بخطى بطيئة تداري وجهها وملامحها حتى لا يرها أحد من أهل الحارة، تتجه نحو بيته في ترقب حتى وصلته وطرقت الباب بخفوت ليَفتح لها ويبتسم ابتسامة واسعة ماكرة:
"ده يامساء الجمال، وحشتيني .. ادخلي!"
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close