رواية الشيخ والمراهقة الفصل الحادي عشر11 بقلم سارة علي
بعد مرور عدة ايام …
توقفت لمار بسيارتها أمام أحدى المستشفيات الموجوده في القرية … بدأت الذكريات السيئة تعود إليها … قبل عدة أعوام حينما جاءت الى هذه المستشفى محمولة بين احضانه … هنا فقدت جنينها وهنا كانت نهاية قصتها معه ….قصة هي اختارت نهايتها بنفسها …
مسحت بكفي يديها على وجهها محاولة السيطرة على تلك الدموع اللعينة التي تكونت في مقلتيها …
لا تريد ان تبكي الان… ولا تريد أن تضعف من جديد …لقد وعدت نفسها بأنها ستكون قوية … وسوف يظل الماضي طي النسيان … لن تفكر به من جديد …
هبطت من سيارتها واتجهت الى داخل المشفى … اتجهت الى موظفة الاستعلامات وعرفتها عن نفسها ثم سألتها عن مكان عملها فأخبرتها به …
اتجهت مباشرة الى مكان عملها … باشرت لمار عملها فورا ولم تفكر فيما ينتظرها هنا فهي اكتفت من التفكير والانشغال بنفس الموضوع…
كانت تعمل بجدية وهمه عالية حينما اقترب منها شاب يرتدي بالطو أبيض اللون وعرفها عن نفسه :
” مرحبا … انا ابراهيم …زميلك في العمل … وماذا عنك …؟!”
تطلعت لمار الى يده الممدودة بحرج فهي لا تسلم باليد ليفهم ابراهيم هذا على الفور فسيحب يده ويبتسم بإحراج …
منحته لمار إبتسامة متكلفة وقالت معرفة هي الاخرى عن نفسها :
” انا لمار ….لقد جئت الى هنا بتكلفة من وزارة الصحة … انا خريجة العام السابق …”
” هذا رائع …العمل هنا مريح كثيرا …”
تطلعت اليه لمار بنظرات غير مقتنعة ليهز رأسه ويؤكد ما قاله :
” صدقيني العمل هنا مريح وممتع ….سوف ترين هذا بنفسك …”
اطرقت لمار برأسها وقالت :
” اتمنى هذا …”
عاد ابراهيم وسألها :
” هل وجدتِ مكانا لتعيشين به هنا …اذا اردت انا بإمكاني مساعدتك…”
” وجدت …”
أجابته لمار بإقتضاب ليتوقف ابراهيم عن ما قاله ثم يستأذن منها ويتحرك خارج الغرفة التي تعمل بها …
…………….
كان فارس يتابع عمله في مكتبه الخاص في المصنع الذي يملكه …
فوجئ بنسرين تقتحم المكان وهي تحمل بيدها مجموعة ملفات …
اقتربت منه ووضعت الملفات امامه وقالت :
” هل بإمكانك أن تراجع هذه الملفات يا فارس …؟!”
” هل توجد بها مشكلة …؟!”
سألها فارس بنبرة قوية لتجيب نسرين :
” كلا ، ولكن أريد التأكد من كل ما فيها لأباشر العمل…”
اغلق فارس الملف الذي كان يعمل عليه ثم نهض من مكانه وقال :
” سوف أراجعها بالتأكيد …ولكن ليس الان … لقد حان موعد الغداء والسيدة صفية لن ترحمنا اذا تأخرنا عليها …”
ابتسمت نسرين وقالت :
” معك حق …لا يجب ان نتأخر عليها …”
حمل فارس الملفات وقال مشيرا لها :
” سوف أراجعها في المنزل …”
ثم سار متجها نحو سيارته تتبعه نسرين ….ركب الاثنان السيارة وبدأ فارس في قيادتها …
كانت نسرين متحدثة لبقة وأخذت تتحدث في مختلف المواضيع … قاطعها رنين هاتف فارس الذي حمله على الفور وأجاب :
” اهلا سيد عادل … كيف حالك …؟!”
اجابه عادل :
” بخير …انت كيف حالك …؟! وما اخبار حفيدي …؟!”
” جميعنا بخير…”
تنحنح عادل ثم قال :
” لمار تعمل الان في قريتك ….في مستشفى القرية …”
” ماذا …؟!”
قالها فارس بعدم تصديق قبل ان يسأله بغضب :
” ولما لم تخبرني من قبل …؟!”
رد عادل بسرعة :
” انها وصلت صباح اليوم الى القرية…”
زفر فارس أنفاسه بقوة ثم قال بغيظ :
” جيد … سأذهب لأراها وأطمئن عليها …”
” كما تريد ..”
قالها عادل بإختصار ثم أنهى المكالمة معه ليتطلع فارس الى هاتفه بشرود قبل ان يفيق من أفكاره على صوت نسرين تسأله:
” ماذا حدث …؟!”
” لدي عمل مهم … سوف أوصلك الى المنزل واذهب اليه …”
” ألن تتناول غدائك معنا …؟!”
” كلا …لا أستطيع …”
قالها وهو يستمر في قيادة سيارته متجها نحو منزله …
………………
كانت لمار تمارس عملها بنشاط حينما اقترب ابراهيم منها وهو يحمل كوبين من الشاي…
رفعت لمار رأسها نحوه وتطلعت اليه بإستغراب ليمد أحد الكوبين لها وهو يهتف بها :
” تفضلي…”
اخذت لمار كوب الشاي منه ومنحته إبتسامة لطيفة ثم قالت :
” أشكرك …”
بادلها ابراهيم ابتسامتها وأخذ يحاول فتح بعض المواضيع معها … شعرت لمار بالحرج منه كونها سبق وعاملته بإقتضاب وضيق فبدأت تبادله أحاديثه ووجدت ان صحبته لطيفة وليست سيئة عكس ما ظنت …
كان الاثنان يتحدثان بمرح بينما هناك شخص ما يراقبهما من بعيد …
شخص يرغب في خنق كليهما او ارتكاب أي جريمة بهما …
تقدم فارس بخطواته الواثقة والغضب يشع من عينيه نحويهما …
رفعت لمار رأسها نحوه لتتفاجئ به أمامها …
ارتجف جسدها بالكامل وهي تراه يقترب منها وهو يرسم على شفتيه ابتسامة ساخرة …
وجدته يقف أمامها ويمد يده نحوها قائلا :
” كيف حالك لمار …؟! الحمد لله على سلامتك …”
تطلعت لمار إليه بنظرات مصدومة … لم تصدق أن تراه أمامها هنا بعد كل هذه السنوات وبهذه السرعة …. من أخبره بوجودها هنا …؟! ولما جاء إليها …؟!
” مالذي جلبك الى هنا …؟!”
اخيرا خرجت تلك الكلمات المقتضبة من شفتيها… ليرد فارس ببرود :
” جئت لأخذك الى المنزل …”
” أي منزل …؟!”
سألته بعصبية تمكنت منها ليجيبها وهو ما زال محتفظا ببروده :
” منزلي ….ألم يخبرك والدك بأنك سوف تقضين فترة إقامتك هنا في منزلي …؟!”
انه يتعمد اثارة جنونها …. أي منزل الذي تسكن به …؟!
” يبدو أنك جننت … هل تظن بأنني سأسكن في منزلك …؟!”
قبض على ذراعها بقسوة وقال بتهديد خفي :
” انتبهي على طريقة حديثك …”
اقترب ابراهيم منه وصرخ به :
” ابتعد عنها …بأي حق تلمسها هكذا …؟!”
هدر فارس به :
” اخرس انت ولا تتدخل بيننا … نحن عائلة واحدة …. اخرج انت منها ….”
ثم التفت الى لمار قائلا بنبرة أمرة :
” تعالي معي ….”
” لن أاتي ..”
قالتها بعناد وهي تسحب ذراعها من قبضته ثم أكملت بتحذير :
” كف عن إفتعال الفضائح …”
وقف ابراهيم في وجهه وقال :
” اتركها فورا والا سأبلغ الحرس عنك …”
” ًتبلغ من …؟! يبدو أنك لا تعرفني …. انا فارس صفوان …شيخ هذه القرية التي تعمل انت بها … بكلمة واحدة مني أطردك ليس من القرية هذه فقط بل من البلد بأكملها لذا اخرس واسحب نفسك ….”
تراجع ابراهيم الى الخلف لا اراديا وأخذ يتطلع اليه بنظرات مترددة بينما التفت فارس نحو لمار وقال:
” انا لن أتحرك من هنا حتى تجلبي أغراضك وتسكني عندي …”
” هل تظن أنني ما زلت زوجتك لتتحكم بي …؟!”
شهق ابراهيم بصدمة مما سمعه بينما اكمل فارس بلا مبالاة :
” انتِ خالة ابني ومكانك في منزلي …. ليس من عاداتنا أن تبيت إمرأة تخصنا خارج منزلنا ….”
” انا لا أخصك أيها اللعين ….”
صرخت به بغضب منه ومن استبداده ليقول منهيا الموضوع :
” سوف نتحدث مع والدك وهو سيقرر ….”
ثم حمل هاتفه واتصل بوالدها الذي حدثها قائلا :
” لمار ابنتي اذهبي مع فارس … الاوضاع ليست أمان هناك …. وأنا لن ارتاح اذا بقيتي لوحدك ….”
” بابا ارجوك … سوف أستأجر بيت وأسكن به …”
” وهل يجوز هذا يا ابنتي …؟! تسكنين في منزل لوحدك …”
لمعت عينا لمار بالدموع وقالت :
” بابا ارجوك …”
الا ان الاب اصر على موقفه :
” ارجوكِ ابنتي…لا تثيري المشاكل … اذهبي مع فارس من فضلك …”
اعطت لمار الهاتف الى فارس بغضب ثم اشاحت بوجهها بعيدا عنه ليغلف فارس الخط مع عادل بعدما طمأنه بأنها في أمانته …
يتبع…