رواية سليمة وابن الغولة كامله وحصريه
كان يا ما كان يا مستمعي الكلام، الذي يحب النبي يرمي عليه السلام . تاجر كبير، وله من العيال بنت واحدة إسمها سليمة رباها لما ماتت أمها. وكان يدللها ويحضر لها كل ما تشتهيه من لباس وحليّ ،وذات يوم أراد التاجر أن يحج لبيت الله ،وتردد لكنه في الأخير قال في نفسه لقد تقدمت في السن ولا آمن على نفسي من المرض أو العجز ،وكما يقولون خير البرّ عاجله، راح، وحضّر نفسه للسفر،فانزعجت البنت وقالت له كيف تتركني يا أبي وحيدة وأنا ليس لي غيرك ،ولا أهل ولا أقارب يأتون إلينا !!! أجابها التاجر: لقد فكّرت في هذا الأمر ،وملأت لك الدهليز بكل خير، وكلمت أيضا أصدقائي من التجار ليرسلوا لك بناتهم ،وكل يوم ستأتيك بعضهن، ليطبخن معك ،ويسلين وحدتك ، ما رأيك ؟ راقت الفكرة لسليمة ،وهي تعرف بعض هؤلاء البنات ،وكثيرا ما جئن مع آبائهن ،ولعبت معهنّ .
لمّا حان موعد السّفر ركب جمله وراح في سبيله مطمئنّ القلب ،فلقد وعده أصدقاءه من تجّار السّوق بالسهر على إبنته وإرسال بناتهم لتمضية اليوم معها ،أما هو فأخبرهم أنّه سيدعو لهم في الكعبة، ويحضر لهم بخور ولبان مكة . صارت البنات يجئن كل يوم في الصباح ،واحدة تلو الأخرى ويبقين حتى اليوم الموالي .وكان في طرف الغابة بيت غريب، يقال أن فيه غولة وأخوتها الثلاثة ،لكن أهل القرية لم يروا أحدا منهم ،ومع ذلك فلا أحد يجرأ على الإقتراب منه ،وفي أحد الأيام كان إبن الغولة يلعب في الغابة، فوجد كهفا يأدّي إلى سرداب طويل ،فأراد أن يعرف إلى أين يقود ،ومشى في الظلام وعينيه تتقدان كشعلة نار ،وفي النهاية وجد نفسه في بيت مؤونة عامر بالقمح والقديد والتين ،وكلّ ما تشتهيه العين ،فجلس، وكلّ مرة يفتح الجرار ويأكل ،وكان أجداد التاجر أبو سليمة قد حفروا ذلك السّرداب تحت الدار للهرب إذا حدث غزو،أو ساءت الأحوال ،لكن مضى زمن طويل ،ولم يستعمله أحد .
بينما البنات يجلسن وقد حلا الحديث والسمر ،طلبت إحداهن من سليمة النزول إىلى بيت المؤنة وإحضار لوز وشاي فأشعلت الفتاة شمعة ،ونزلت الدرج ثم أخذت ما تحتاجه من لوازم السهرة، وطلعت ،دون أن تحس بأن هناك من يراقبها في ذلك الظلام ،أما إبن الغولة فقال : سأقتلها الليلة وتصير عشائي ولما بدا لليل في النزول ،أصدر الغول صوتا مخيفا من بيت المؤونة وكسر الجرار ،فأصيبت البنات بالرعب ،وصارت كل واحدة منهن تجد عذرا لتخرج واحدة تقول أمي مريضة، والأخرى تقول أنّها يجب أن تطبخ عشاء إخوتها وتسللن وراء بعضهن ،وفي الأخير بقيت سليمة لوحدها ، وقالت في نفسها سأنزل وأرى من أين تأتي هذه الأصوات ،فلعل قط الجيران قد دخل ،وأغلقت عليه الباب دون أن أدري .
لكن ما أن إقتربت من بيت المؤونة حتى خرج الغول وعلى ظهره كيس قمح ،وقال : لقد غيّرت رأيي ،سأتركك تعيشين !!! والآن أريدك أن ترحين هذا القمح ،وأنا سأشعل النّار، ثم نطبخ، ونأكل معا ،لكن الفتاة عرفت أنّه لن يتركها تخرج من الدّار حيّة، ولذلك فكّرت في حيلة لكي تتخلص منه فقالت : لقد تعوّدت النسوة أن يغنّين لما ترحين القمح ،قال الغول هيا غنيّ لأرى هل صوتك جميل مثل وجهك أم لا ؟ كان للتاجر جار إسمه أبو خليل قوي البدن فبدأت تغني بصوت مرتفع :
أصغ يا أبا خليل
يا صاحب السيف الطويل
الطير حبيس في القفص
لم يعد سعيدا
حياته الليلة خوف
وقلبه عليل
لم يفهم الغول مقصدها ،وردّ بصوت أجشّ :
قولي لأبي خليل
سيتحرّك الحبّ في صدر الطير
ويغنّي له الليل
أشواقا وعشقا ومواويل
كان أبو خليل وامرأته ساهرين، وحين سمع الرجل غناء سليمة تعجّب ،وقال : كأنّ الفتاة بها شيئ !!! وما كاد الغول يفتح فمه حتى أخذ الجار سيفه ،ووثب من السّقف على إبن الغولة ،وأطاح برأسه ،وكان يرتدي ثوبا من الفراء الغالي فأعطاه أبو خليل لسليمة، وقال لها :هذا ثمن ما أكله إبن الغولة من بيت المؤونة، وما كسره من جرار ،ثم حملته الفتاة مع جارها، وأركباه على حمار، ووضعا الرأس في زنبيل والجسد في زنبيل آخر ، وسار الرّجل في الظلام ،وحين وصل إلى دار أمّه الغولة ألقى ما في الزنبيلين أمام الباب، وقال في نفسه : هذا عقاب ولدك الذي إنتهك حرمة جاري في غيابه ...