رواية سراج الثريا الفصل الثامن 8 بقلم سعاد محمد سلامة
﷽
السرج الثامن «أعشاب جافة»
#سراج_الثريا
❈-❈-❈
دفعها بعيد عنه كآنها وباءًا
وهو يترك لها الفراش ينظر لها بجمود ينفخ أوداجهُ يزفر أنفاسه غضبًا، تبدل حالها بعد أن كانت مازالت هائمة بلذة سكرة تلك اللحظات الذي غمرها فيها بالغرام، فاقت على تلك الدفعة القاسية، نظرت نحوه وهى تسحب دثار الفراش تبتلع ريقها الذى جف وهو يُعنفها بالقول بفظاظة:
سبق وأكدت عليكُ تاخدي وسيلة لمنع الحمل.
تعلثمت وهي تُبرر برجفة قلب:
أنا كنت باخد وسيلة ومعرفش حِبلت إزاي، بس الدكتورة جالتلي إن مفيش وسيلة مضمونة ميه فى الميه.
نظر لها بسخط قائلًا:
وسيلة الحمل اللى مش مضمونه ولا عقلك اللى مفكر إنك بالخلفه هتبجي ست الدار إهنه، فوجي يا إيناس، سبق وجولتلك بعد ما ولدتي من سنه ونص إنى مش عاوز ولاد تاني دلوك قبل خمس سنين… فجأة إكده الوسيلة مبجتش مضمونه.
نهضت من فوق الفراش شبه عارية توجهت نحوه بدلال تضع يديها على صدره تحاول إثارة مشاعره، ربما تستطيع إمتصاص غضبه وتحدثت بغنج مُبررة :
ورحمة أخوي “غيث” الدكتورة جالت إكده،وأنى بعشجك ونفسي فى عيال كتير منك.
ما كان عليها ذكر سيرة أخيها، الذي يبغضه رغم أنهما تشاركا الأخوة بالدم منذ طفولتهما بعد أن أنقذ أحدهما حياة الآخر، لكن هو خدعه وخطف من سقط بعشقها من أمامه كي يُجبر هو على الزواج بتلك الثقيلة على قلبه يتحمل إرتباطه بها بصعوبة بسبب وعد سخيف منذ الطفولة، لكن حين أصبح شابً سقط بهوى إمرأة أخري،إختُطفت من أمامه وليت غيث صانها بل على يقين أنه دمرها…
نظر لها بجحود وهو ينفض يديها عنه يبتعد عنها قائلًا بغلاظة:
وأنا سبق وجولتلك معاوزيش عيال تانى دلوك،
وتمام طالما الدكتورة جالت إن مفيش وسيلة مضمونة ميه بالميه، الحمل لساه فى أوله، شوفي طريجه تنزله، وأعتقد مش هتغلبي لو سألتي أمك أو خالتك اكيد عِندهم خبرة سابجه.
قال هذا وتركها تسقط أرضًا راكعة على يديها تضغط بهما على أرضية الغرفة تنظر فى آثره وهو يدخل الى المرحاض يرتج بابه بقوة، سالت دموعها قهرًا، لكن لا مانع من رجاء آخر أو وضعه بالأمر الواقع أمام العائلة، ربما يهدأ لاحقًا ويتقبل ذاك الحمل.
❈-❈-❈
بالبنك
شعر بالغيظ والغضب من طريقة ثريا الفجة فى الحديث أمام مدير البنك، الذي نهض يُرحب بها بحفاوة، بينما هو ظل كما كان جالسًا بل عن قصد منه وضع ساق فوق أخرى متعاليًا، رمقته بعينيها لوهله كآن الماضي أمامها وغيث هو من يجلس هكذا إرتجف قلبها، أغمضت عينيها لوهلة وحايدت النظر نحو سراج، بينما بعد ترحيب المدير بها عاد ناحية مكتبة، تجاهلت ثريا سراج عمدًا، وهي تقترب من مكتب المدير سائله بإستفسار:
حضرتك إتصلت عليا وجولت فى أمر مهم، خير، ياريت تجولي بسرعة، لآن وجتي محدود.
إستهزأ سراج بقولها، تُعطي لنفسها أهمية زائدة، بينما بإحترام تفوه المدير:
الموضوع بسيط مش هياخد وقت،إتفضلي إقعدي يا “مدام ثريا”.
” مدام ثريا”
شعرت بوجع غائر وعاصر فى قلبها من ذاك اللقب الذى إكتسبته من زيجتها بوغد دنيئ وحقير بالتأكيد ذلك الجالس أقل منه دناءة وحقارة…
كذلك وقع رنين تلك الجمله على عقل سراج شعر بشعور غريب ضيق وغضب، ولا يعلم سببًا لذلك ربما كان الأفضل أن قال لها مثلما قال قبل قليل”أستاذة ثريا”.
بمضض جلست ثريا بمقعد مقابل لمقعد سراج مازالت تُحايد النظر له، مما جعله يشعر بغيظ
بينما تحدث المدير:
حضرتك عارفة إن المرحوم غيث بيه، كان حط مبالغ مالية فى حسابك الخاص عندنا.
أجابته بتأكيد:
أيوه عندي علم بده، ياريت تدخل فى سبب إتصالك عليا مباشرةً، أنا مش بحب المُقدمات.
اومأ المدير قائلًا:
تمام، حضرتك مسحبتيش من المبلغ ده قبل كده، والبنك كنا بنعمل حصر بالعُملاء المُميزين اللى حساباتهم فيها مبالغ كبيرة وإتضح إننا للآسف سهو علينا نخطر حضرتك بالفوايد اللى إنضافت لحساب حضرتك، وعشان كده طلبت حضورك لهنا إعتذارًا عن خطأنا.
فتحت عينيها بإتساع مُستهزأ فهذا سبب واهي، بل سبب آبله لإستدعائها، كما أن وجود سراج يؤكد ذلك، نهضت واقفه تدعي البلاهه وانها صدقت ذاك العته، وقالت:
تمام، كان سهل تقولى كده عالموبايل، مكنش له لازمة إستدعائى وتعطيلي.
لثاني مره تُعطي لوقتها أهمية زائدة، ضعط سراج على شفتيه بقوة، نهض المدير مُسرعًا يعتذر:
آسف إن كنت عطلت وقتك،بس فى قسيمة إضافة الأرباح لمبلغ حضرتك لازم تمضي عليه،كمان إستخرجت لكِ بطاقة إئتمان بنكية عشان تقدري تصرفي بالمبلغ بتاع حضرتك بسهوله،ثواني هطلع أجيبهم من الموظف المسؤول.
إستغربت ثريا خروج مدير البنك،كان سهلًا أن يطلب ذلك من دون الخروج من الغرفة،لكن تيقنت ان سراج السبب فى ذلك بعد ان لاحظت إشارة منه لمدير البنك،تهكمت ساخرة
ثم نظرت الى سراج سائله بإستهزاء:
إنت كمان أكيد من كِبار عُملاء البنك،بس أعتقد إن عندك خبر بقيمة أرباحك،كمان عندك بطاقة إئتمان بنكية،بس أكيد فى سبب لوجودك هنا دلوك أكيد مش صدفة يا سراج.
مجرد نُطقها لإسم “سراج” بتلك النبرة التي يشعر بها تقليل منه… يُعصبه بشده ويجعله يتمنى لو يصفعها على لسانها… أو يقتلعه أفضل… لكن أخذ نفسًا طويلًا… حتى هذا لم يجعلها تصمت وهي تبتسم قائلة بإستهزاء وعينيها تنظر الى أحد جوانب الغرفة:
غريبة إنك مش قادر تتنفس مع إن المكتب فيه تكييف، عكس الحر اللى بره، يمكن وجودي هنا شفط الهوا…
نهض واقفًا بضجر وكاد يقبض على عضدها بعصبيه لكنها عادت للخلف بتحذير قائله:
أوعي تفكر تلمسني يا سراج، بسهوله وبكلمة مني أقول اللى كان عاوز يغتصبني هو إنت وتتبدل إشاعة من الشهامة لـ إشاعة الدناءة وهتك العِرض وصدجني البلد كلياتها هتصدجني لآن معروف إن أنا الوحيدة اللى قدرت تاخد من العوامريه……
قاطعها بغضب وهو يقبض على معصم يدها بقوة ينظر نحو أركان الغرفة رأي كاميرا بأحد زوايا الغرفه مثلما توقع، وهسهس يضغط على أسنانه بغضب:
فعلًا وجودي هنا مش صدفة يا ثريا، ومش هينفع نتكلم هنا.
لم يُمهل لها فرصة وسار نحو باب المكتب يجذبها للسير غصبًا سارت خلفه تحاول تخليص يدها من قبضته لكن كان يقبض عليها بقوة تنرفزت قائله بحِدة ووعيد:
سيب إيدى هصرخ و…
جذبها عليه لخطوة كادت تصتطدم بصدره، لكن إنتبهت وتوقفت، إبتسم رغم عصبيته قائلًا بتوعد وثقة:
صرخي وشوفي مين هيقرب، هتجي معايا من سُكات أفضل لينا إحنا الإتنين.
-سيب إيدي
مازالت تُعاند لكن تبسم ولم يهتم وعاد يسير قابضًا على يدها جعلها تمتثل عنوة، لكن لم تسير خلفه، بل اسرعت بخطواتها تُجاري خطواته وتسير لجواره تنفخ أنفاسها غضب وإرهاق من سرعة خطواته، تنظر حولها الى الموجودين بالبنك بالتأكيد لو صرخت لن يهتم أحد بمجرد معرفة هوية سراج لن يتدخل أحد لكن لن تستسلم لاحقًا، بينما هو
تبسم لذلك بزهوة نصر مؤقت.
❈-❈-❈
❈-❈-❈
بالمشفى
أنهي ذاك التقرير الطبي الخاص بأحد المُشتبة بسبب وفاته، كانت وفاته حقًا غير طبيعية بسبب نسبة سموم مُميته إبتلعها، هكذت دون التقرير، ثم ترك القلم، وإضجع بظهره على مسند المقعد، يزفر نفسه بزهق، أو شعور آخر هو الإشتياق، الى تلك الصيدلانية التى منذ أن رأها أول مرة شعر بخفقان فى قلبه الذي كان يعتقد أنه أصبح يابسًا بسبب عمله كطبيب شرعي، يرا الموتى فقط، لكن هي أحيت تلك القطعه مره أخري، لا يتلاعب بها حقًا أحبها ويتمنى الإرتباط بها، لكن أيضًا برأسه هدف آخر، لا يعلم قرارها هل هي مُستعدة لمرافقته إذا إتخذ القرار وسافر للخارج يُكمل أبحاثه الطبيه كطبيب يكتشف أسباب الموت ويحاول تجنبها أو تقليلها بإكتشافات طبية تكتشف أسباب المرض وربما تستطيع علاجه،
إرهاق يشعر به، وضع رأسه بين كفيه، بنفس الوقت سمع طرق على باب المكتب، سمح بدخول الطارق وأزاح يديه عن وجهه، سُرعان ما رفع ذاك التقرير قائلًا:
تقرير التشريح أهو وصله لإدارة المستشفى تتصرف فى التحقيق.
أخذ الآخر التقرير وغادر، بينما نفض إسماعيل ذاك الإرهاق ونهض واقفًا ذهب نحو شباك مكتبه، رأي تلك التى تُغادر تنهد بآسف على حاله وحيرته
فمنذ ذاك اليوم و وهو يراها من بعيد وهي تدخل أو تغادر المشفى، لا ترد على إتصالاته الهاتفيه ولا رسائله،ربما لو تحدث معها كان إتخذ قرار حاسم…
تنهد يشعر بحِيرة بين القلب والعقل
القلب عاشق لا يتسلى والا لما كان هذا الشعور يجعله حائر ومُشتاق
العقل
هنالك هدف آخر إنتظار فرصة قد تكون قريبه
فرصه من شآنها تعلية شآنه كطبيب ناجح.
زفر نفسه بضجر،وإتخذ قرار مغادرة المشفى عليه تصفية ذهنه من كل ذلك
الصراع بين العشق والطموح.
❈-❈-❈
بالاستطبل مساءً
كان آدم يتريض بالمضمار على إحد المُهرات، تشعر بالحريه رغم ذاك اللجام الموثوق بعُنقها، لكن تسير كما تشاء دون توجيه منه أو شد لجام، تهرول سريعًا وببطئ كآنها تفهم عليه…
لاحظ دخول سيارة الى الإستطبل عرف هوية صاحبها
إنه إسماعيل
لمعت عيناه ببسمة،وجود إسماعيل هنا خلفه سبب،لا يآتى بغير ذلك
ترجل من فوق المُهره،وربطها بإطار المضمار الخشبيّ،ذهب نحو إسماعيل الذي يقترب منه،يحل أزرار قميصه من فوق ساعديه ويشمر عنهما كذالك لمنتصف صدره،إستقبله ببسمه ومرح قائلًا:
دكتور التشريح إيه اللى جابنا على دماغك النهاردة
تبسم إسماعيل قائلًا:
كنت معدي قولت أكيد الروائي بتاعنا هنا قولت أجي أرفة عن نفسي شويه فى عالم الأحياء.
ضحك آدم قائلًا:
عيبك يا دكتور إنك مش بتعرف تكذب يمكن ده الحاجه اللى إتعلمتها من دراسة التشريح
“الموتي لا يكذبون”
تعالى تعالى هنادي عالسايس يجيبلك فرسه هاديه ونتسابق.
ضحك إسماعيل قائلًا:
فرسه هادية ونتسابق إزاي بقى،وإنت مُروض الخيول دي وأكيد عارف قُدرة كل واحد فيهم،عالعموم أنا موافق،بس لو غلبتك إحنا آخر الشهر والمرتب بخ… هتغديني على حسابك.
ضحك آدم قائلًا:
إبن عُمران العوامري،بيعتمد على مرتب الحكومة برضوا،عالعموم كده كده هغديگ متقلقش.
بعد قليل تسابقا سويًا كل منهما يتباري بإجادة لركوب الخيل،فهما منذ نعومة أظافرهم كانوا لا يهابون من الخيول.
توقف الإثنان بنهاية المضمار،ينظران لبعض حين رأوا سيارة أخري تدخل الى الإستطبل
سريعًا علم آدم هوية قائد السيارة فهي إحد سيارات الإستطبل بالأساس
تبسموا حين راوا سراج يترجل منها…
ضحك الإثنان،وهو يقترب منهما
حتى توقفا بالخيول
تبسم آدم قائلًا:
الفرسان التلاته فى الإستطبل،من زمان متحمعناش هنا.
وافقة إسماعيل:
من سنين،فاكر مين اللى كانت تقول علينا كده “الفرسان التلاته”.
ضحك سراج قائلًا:
خالتي رحيمة.
تبسموا وهم بترجلون من فوق الأحصنه، سار الثلاثه وجلسوا تحت إحد المظلات
فى البدايه تحدثوا بذكريات طفولتهم الذى شبه قضوها هنا لهوايتهم الثلاث فى حب الخيل،فهذا الإستطبل أُنشأ من أجلهم الثلاث
تجارة أخري إكتسحها عُمران العوامري
مع تجارة الكتان الشهيرة بها عائلة العوامري
لكن الفرسان لم يهوا غير الخيول.
وضع أحد العاملين أمامهم الطعام الذي إلتهموه،ثم نهضوا يتسابقون الثلاث،كان الأمهر فيهم كالعادة منذ الطفولة
سراج
توقف بالحصان الخاص به وإنتظرهم حتى أصبحوا لجواره ضحك إسماعيل وهو ينظر لـ آدم قائلًا:
كل قوي فى الأقوي منه
سراج كسبنا بكل سهوله، مُتمرس.
ضحك سراج، بينما آدم هو الآخر أثني على إجادة سراج قائلًا:
الحصان اللى مع سراج ده هو اللى روضه فى أيام، رغم إني بقالى شهور بروض فيه.
ضحك سراج بزهو، بينما تبسم إسماعيل قائلًا:
تعرف يا آدم بستغرب إنك إزاي لسه بتحب الخيول بعد ما كانت السبب إنك توصل لمرحلة الموت، وكمان….
شعر إسماعيل بالندم كيف يقول ذلك ويُذكر آدم بحادث الماضي الذي وصمه بكلمة
” الاعرج”
لكن آدم لم ينزعج من ذلك وربت على كتف إسماعيل قائلًا:
أنا بحب التحدي وبعاند دايمًا عكس التيار، لان لو إستسلمت هغرق، وده اللى حصل معايا
قاومت جبروت وقدرت أخرج منه حي الإعاقه مش مآثرة على عزيمتي.
خلونا يا شباب نقعد فى موضوع هام عاوز أتكلم فيه معاك يا سراج، وإنت يا دكتور من فضلك خباثة زمان لما كنت تحب تاخد فرصه على قفانا وتفتن لـ أبوي علينا
لسانك يتلم لحد ما أنا اللى أفاتح أبوي بالأمر اللى نويت عليه.
ضحك إسماعيل وهو يُشير بيده على فمه بآشارة انه سيصمت ولن يشي بذلك، كذالك سراج ضحك قائلًا:
أنا كمان فى قرار مصيري أخدته لازم تعرفوه.
نظر لهما إسماعيل قائلًا:
النهاردة يوم القرارات المصيريه لفرسان العوامري.
بعد قليل كانوا يجلسون أرضًا تحت ظلال إحد أشجار الصفصاف،كل منهم يحكي ما إنتوي عليه.
إندهش إسماعيل من ما قالوا انهم إنتوا الزواج،وكل منهم يقول الفتاة التى سيرتبط بها
إزدادت دهشته أكثر بمعرفة هوية تلك الفتاتان
أو بالأصح
فتاة وإمرأة تُعادي عائلة العوامري علانية
وآخري مازال هنالك بصيص نار تحت رماد الثآر…تهكم على نفسه هو صاحب الطريق الأسهل بينهم،فمن يهواها
فتاة بسيطة لا يوجد أي سور بينهم،السور موجود بعقله فقط لكن مازال لا يمتلك قرار حاسم مثلهما.
❈-❈-❈
بين المغرب والعشاء
بمحل البقاله
كانت تجلس رغد تنظر الى ذاك الكتاب الذي بيديها تقرأ بعض سطورة وتشعر بعدم الفهم تزفر نفسها بغضب تُحدث نفسها:
مش فاهمه حاجه،كآنها طلاسم مش كتاب جامعي.
أنهت قولها وألقت الكتاب بقسوة بدل من أن يستقر على تلك الطاوله أمامها إستقر على الارض أمام قد ذلك الذى توقف،ثم إنحني يجذب الكتاب،ثم نظر لـ رغد التى لمعت عينيها،ولم تهتم بشآن كتابها،تبسم قائلًا بمرح على غير عادته:
كده ترمي العلم فى الأرض، إيه اللى مضايجك أوى إكده.
خفق قلبها يضرب صدرها وهي تراه يبتسم هكذا كان وسيمًا للغاية ليته يظل هكذا مُبتسمًا
ظلت تنظر له للحظات تائه بتلك البسمة قبل أن تسمع نحنحة والدها الذي دلف الى المحل،تبسم لـ ممدوح قائلًا:
كيف يا ممدوح؟.
تبسم له ممدوح وأخبره:
أنا بخير يا عم “راضي”.
تبسم له راضي يربت على كتفه وهو ينظر الى ذاك الكتاب الذي بيد ممدوح، قائلًا:
برضوا مش فاهمه اللى فى الكتاب يا رغد، جولت ليك شوفي حد من المدرسين اللى كانوا فى مدرستك يفهمك اللى مش فهماه.
إرتبكت رغد وخجلت لولا نحنحة والدها لظلت هائمة بـ ممدوح
الذي قال:
وإيه اللى صعب فى الكتاب ده ومش فهماه.
رد راضي بدل عنها:
مش عارف مع إنها شاطرة بس كل المادة دي بتجول عليها صعبة.
قرأ ممدوح ما هو مدون بعنوان الكتاب ووافق رغد قائلًا:
فعلًا المادة دي فيها شوية دروس صعبة ومقعدو محتاجة فك تشفير، بس بسهوله ممكن تفهميها.
قال هذا وللصدفه العابثه قرأ إسم مدرس المادة على الكتاب، تهكم ببؤس، هذا كان زميله بالدفعه، وكان هو متفوقًا عليه، لكن هو تم تعينه مُعيدًا وأصبح أستاذًا، وهو….
هو ماذا… مجرد شريك فى مقهي صغير بالبلدة
يُقدم مشروبات باردة وساخنه،بدلًا من ان يُقدم العِلم…لمعت عينيه بحسرة قلب سُرعان ما نفضها يكفي….
بينما
نظرت رغد له وأومأت برأسها، ودت أن تُخبره الم تعرض مساعدتك علي منذ أيام هل تراجعت… أم نسيت.
هو فعلًا قد نسي، أو تناسي غصبًا ليس لمشاغل الحياة، بل كي لا يآسف على حاله أكثر، هو كان يستحق أن يكون أستاذًا جامعيًا
لكن لا يمتلك وساطه مثل ذاك الأستاذ،تنهد قائلًا:
جولي لى إيه اللى صعب جدامك وأنا هاخد الكتاب أقراها وبأذن الله بكره هكتبلك ملخص يبسط الاجزاء اللى مش فهماها.
إنشرح قلبها واخبرته بتلك الأجزاء التى تستصعب إستوعابها.
إبتسم وأخذ الكتاب منها قائلًا:
تمام إن شاء الله الليله هكتبلك الملخص وبكره هجيبه ليكِ.
تبسمت له بعيون سعيدة لاحظها راضي لكن لم ينتبة أنها غرامًا بـ ممدوح بل ظن أنها فقط مجرد إمتنان، بينما غادر ممدوح ترافقة نظرات رغد، لكن إنتبهت لوقفة والداها الذي قال:
ممدوح إبن حلال بس يا خسارة حظه سيئ
وافقت رغد قول والدها…
بينما أثناء سير ممدوح وبيده الكتاب تذكر أنه نسي أن يشتري السجائر من البقاله كما كان ذاهبًا، لكن نظر للكتاب، كم كان يهوا الكتب وقرائتها، وأمنية قديمه حين كان يقرأ كُتب زُملاؤه يُصحح لهم أخطائهم كآنه مُعلمًا
تنهد بآسف فالاماني تعصف بها الحقيقة.
❈-❈-❈
بـ دار عمران العوامري
عقل ولاء يكاد يشت،وهي تقول بذهول:
إنت بتتكلم جد،سراج جالك إكده،ركز يا أخوي.
نظر لها بغضب قائلًا:
يعني هكدب عليكِ،آياك،ولا مفكراني خرفت،بجولك هو جالى إكده
هيتجوز من بِت الحناوي.
نظرت له عينيها تقدح شررًا:
ده مستحيل يُحصل،وإنت جولت له إيه؟.
أجابها:
جولت له إكده،أنا مستحيل أوافج عالبت دي.
وقفت ولاء تدق يديها ببعضهما بغيظ وغضب جارف:
أكيد سراج مش فى وعيه وهو ببجولك إكده،بجي سراج اللى تتمناه بنات أكبر العائلات فى البلد يفكر فى الكلبة دي،اللى مستعنهاش تغسلي رچلي،طب جولنا غيث كان هوائي ومجدرناش نخليه يتراجع،والنتيجه أهى جدامنا عملت لنفسها سعر فى سوق الحريم بالارض اللى خدتها مننا غصب،جولت لـ عبد المقصود بلاش تضعف وتعطيها لها،جالى معاها حُكم محكمة بميراثها فى المرحوم غيث،ولو مسكتهاش بأي عضمة هتشنع بعيلة العوامري،لو كان وافجني كنت عرفتها مجامها…لكن لاه أوعاك توافج وتساير سراج فى الچنان اللى فى عقله ده،وسيبني انا اتحدت وياه هجنعه(هقنعه).
زفر عمران نفسه ببغض هو الآخر قائلًا:
ياريت تعرفي تجنعيه ده حتى مسمعش لرفضي وسابني وجال حداه مشوار مهم وهيتأخر عليه.
بقمة غضب ولاء
دلف الثلاثة أخوة الى المنزل،كان باب تلك الغرفة مفتوحًا وراتهم ولاء التى زفرت نفسها بغضب وخرجت نحوهم نظرت لهم بإستهجان قائله بغضب:
إنتم التلاته داخلين للدار مع بعض جدام الناس.
لم يستغرب أحدهم قول ولاء الذي يعلمون انها آفاقه،لكن تحدث سراج:
وفيها إيه لما ندخل سوا للدار.
-هتتحسدوا.
هكذا سبق عُمران واجابه:
أنتم زينة شباب والعين تحسدكم.
تهكم آدم قائلًا:
دي تخاريف يا أبوي…
قطاعته ولاء قائله:
لاه مش تخاريف يا واد أخوي
مذكور فى كتاب الله سيدنا يعقوب جال لولاده
“وادخلوا من أبواب متفرقة”…إحنا مش ناجصين كل كم سنه يفارق شاب من شباب العوامريه .
لم يُجادل أحدهم يعلم ان ولاء بالنهاية لابد أن يُنفذ ما تقوله، لكن للإختصار فى الحديث تفوه إسماعيل:
حاضر يا عمتي دي آخر مره.
نظرت له بسخط قائله:
مش كفايه النحس وعيون الناس اللى بتصيب شباب العيلة
فقدنا شابين فى اقل من سنتين سكنوا التُراب فى عِز شبابهم يا حسرة جلبي عليهم.
رد سراح بتأفف من رياء ولاء،فمنذ متى كان بقلبها الحنان لأحد،هل تعتقد أنه نسي أنها يومًا كانت مُعارضة لدراسته فى الكلية الحربية :
ده قدر،والعمر عند ربنا مكتوب،أنا….
قاطعته ولاء:
أنا عاوزه اتحدت وياك فى موضوع هام…
نظر سراج نحو والده لا يحتاج الى تخمين،بالتأكيد أخبرها بما قاله لها..لم يعترض قائلًا:
تمام.
نظر إسماعيل وآدم لبعضهما وإنسحبا بهدوء، بينما قالت ولاء:
خلونا نتحدت فى المندرة إهنه الخدامين رايحين جايين.
على مضص وافق سراج وذهب خلفها الى تلك الغرفه، التى ظلت واقفه الى ان دخل وأغلقت خلفه الباب تنظر له بإستهجان سائله:
إنت كنت بتحدت جد لما جولت لـ عمران عن رغبتك فى الجواز من بِت الحناوي.
أجابها ببرود وهو ينظر نحو والده الذي جلس غير مُبالي لتحكم ولاء:
أيوه بتحدت جد،دي حياتى وانا حر فى إختيار شريكة حياتي.
-شريكة حياتك
قالتها بتعقيب وإستهزاء ثم أكملت بفحيح:
إزاي عاوز تتچوز عازبه وإنت شاب ومسبجش لك الچواز،إنت راچل ودي أول فرحتك ولازمن تتجوز من بنت بِكر تليق بمقام “سراج العوامري”..وتحسسك برجولتك.
قالتها ولاء بنبرة نهي كآنها تتحدث عن وباءً لابد أن يبتعد عنه تُناشد رجولته.
فهمها سراج ونظر لها مُتهكم وتحدث بوقاحة:
مش نُقطتين الدم هما اللى هيفرحوني أو يضيعوا رجولتي ، أنا قولتها كلمة وإنتهيت.
إبتلعت تلك العصبيه وحاولت إثارة رجولته بنفس طريقة وقاحته قائله:
مش بس النقطتين الدم هما اللى يخلوك متتجوزش من عازبه، كمان إنك تكون الراجل التاني فى حياتها، هى سبق لها الجواز وعاشرت جوزها، أكيد كانت بتنام فى حضنه عِريانه، يد غيرك لمست چسمها.
نظر لها بسخط قائلًا بعناد:
قولتيها كان جوزها، يعني كان حلال، مش حرام، قولت الموضوع إنتهي، وجوازي من ثُريا يوم الجمعه الجاي.
-والفرح هيبقى شد الطرفين؟.
هكذا تهكمت ولاء بنبرة إستنكار:
هي عازبه،بس عينها قويه وبجحه ومش هتنكسف تجعد بين الحريم وتتحني كمان.
أجابها بحسم:
مش أنتم اللى عاوزين تفرحوا وأنا أهو بفرحكم.
إزداد غضبها قائله:
دي كآنها سحرالك ولا تكون عاشجها، زي جوزها الأولانى كان متمسك بها زيك إكده،ياريت فى الآخر صانت ذكراه، يادوب مر على موته سنه ونص وأهي هتتجوز تاني.
نظر لها عيناه بها شرر وقال بقطع:
كفايه يا عمتي وفرى مجهوده للتجهيز للفرح وكمان إستقبال العروسه.
ضغطت على آخر ذر فى عقله قائله:
إنت ناسي إنت كنت خاطب بنت مين.
تعصب قائلًا:
الموضوع ده إنتهي من فترة إحنا فى دلوك…
قاطعته:
لاه منتهاش إنت عارف إنها هى وأبوها يتمنوا إشاره منيِك، وعشان إكده بجولك إعقل وإتأني عشان مش بعد فترة تجول الموضوع مش على هواك، ثريا معندهاش أخلاق ولا أدب، كل هدفها تصيد راجل، أنا كنت مفكرة إنك فاهمها وعندك وعي أكتر من إكده، إنت تشيل الموضوع ده من راسك وأنا هتحدت ويا والد خطيبتك إنكم ترجعوا من تاني،وتتجوزوا فى أقرب وجت، هي خلاص عرفت غلطها ومش هتكرره تاني، كانوا شوية چلع(دلع) وطيش بنات.
زفر نفسه بتصميم قائلًا:
قولت الموضوع ده إنتهي من وجت إحنا فى دلوك…
قاطعته ولاء بيأس غاصبه بتهديد:
أنا مستحيل أروح دار المُحتالة دي وأطلبها لك.
زفر نفسه قائلًا:
إطمني وفرت عليكِ المشوار يا عمتي انا إتفقت على كل حاجه وزي ما قولت الفرح يوم الجمعه الجاية يعنى بعد أسبوع من دلوك…أنا مُرهق وطالع أنام ومحدش يصحيني عالعشا.
غادر سراج،وترك ولاء تكاد تحترق، تفوهت بغضب ساحق:
كانها سحرالهم،يتشعلجوا بها.
حاول عمران تهدئتها قائلًا:
بس سراج مش زي غيث هوائي.
زفرت بغضب نفسها مُلتهب يُشبه لهيب البركان الثائر تقول:
ده اللى مجنني
غيث كان هوائي ويمكن هي لعبت على مشاعر رچولته…لكن سراج لعبت عليه بالسهوكه،دلوك إتأكدت إن حكاية اللى كان هيغتصبها دي حكاية من تخطيطها عشان توقع سراج فيها
وتظهر جدامه إنها ضعيفة ومحتاجة لـ راجل يحميها.
كان سراج مازال جوار الغرفه وسمع فحيح ولاء وتهكم مُستهزءًا هو الذي يعلم تلك الحقيقه الكاذبة.
صعد الى غرفته،توجه الى المرخاص مباشرةً،أخذ حمامً باردًا ثم خرج،بنفس الوقت رأي إضاءة شاشة هاتفه التى ضوت،جذبه وتنفس بزهق من كثرة تلك الرسائل الذي أصبخ يتضايق منها،بالتأكيد حين تعلم أنه تزوج بأخري ستكف عن مُطاردته وتقطع أمالها، تعلم أنها كانت نزوة ماضي،
جلس على الفراش يُجفف شعره بتلك المنشفه ثم ألقاها وتمدد على الفراش بظهره ينظر الى شباك غرفتة المفتوح يُسرب ضوءًا للغرفة،كذالك نسمة هواء ساخنة، تلك النسمة الساخنه ذكرته بلقاؤه مع ثريا قبل ساعات
[بالعودة قبل ساعات]
أمام البنك توقف سراج أمام سيارته فتح ابوابها عبر جهاز تحكم بيده الاخري، ثم فتح باب السيارة وأرغم ثريا أن تصعد إليها عنوة، أو ربما إستجابت بمزاجها، أغلق التحكم بابواب السيارة الى أن إستدار للناحية الأخري، فتحه وسرعان ما صعد الى السيارة وإنطلق سريعًا، تهكمت ثريا قائله بإستهزاء وإستبياع وإستقلال من سراج:
إيه خطة النسوان بتاعة المرة اللى فاتت فشلت قررت تخطفني المرة دي بنفسك،بس يا ترا المره دي هتجيب لى مين يغتصبني يا حامل راية الشهامة.
شعر بغضب ونظر لها بعصبيه بأمر قائلًا:
إخرسي يا ثريا.
ضحكت ثريا بإستهزاء قائله:
مكنتش أعرف إن صوتي كمان بيضايقك،عالعموم أنا سكت أما أشوف إيه الجديد عندك المره دي
إغتصاب ولا هتجيب من الآخر ويبقى قتل.
ضغط على أسنانه بقوة
جعلت ثريا تضحك غصبًا
بعد قليل
بمكان صحراوي شاسع خلفه من بعيد هِضاب عالية…توقف سراج بالسيارة وترجل منها
ظلت ثريا بالسيارة قليلًا تنظر له وهو جالس على مُقدمة السيارة،فى البداية لم تهتم ولكن طال وقت وقوفه لاكثر من عشر دقائق…
بفضول منها ترجلت من السيارة وذهبت نحوه تقول بإستهزاء:
إيه اللى هينفذ المهمة المره دي إتأخر ولا يمكن تاه فى المكان.
بسبب نعومة الرمال وعدم إنتباة ثريا كادت تتعرقل،لكن قبض سراج على ساعد يدها سريعًا حتى إستقامت واقفه،سحبت يدها سريعًا سائله:
عاوز مني إيه، عاوز الفلوس اللى فى البنك خدها متلزمنيش ، لكن مش هتنازل عن الأرض يا سراج.
ضحك ساخرًا:
الفلوس متهمنيش، وبعدين هو فى راجل عنده نخوة بياخد فلوس من مراته يا ثريا.
لم تفهم حديثه فى نفس الوقت كانت نسمة هواء قويه رغم سخونتها،جعلت ثياب ثريا تنحصر بضيق تلتصق بجسدها وأظهرت أنوثة جسدها للحظات…إشمئزت من نظرة عين سراج،رغم أنه لم ينظر لها بوقاحة،تحدثت بعصبيه:
إبعد عني يا سراج وكفاية بلاش….
قاطعها بحسم:
إحنا هنتجوز يا ثريا… وإعتبري المبلغ اللى فى رصيدك مهرك مني.
فهمت معني قوله،لوهله ظلت مشدوهه قبل أن تنفجر ضاحكة وهي تنظر أمامها الى تلك الصحراء
ربما لا يعلم ذاك الوغد المُتعالي
أنها بلا روح مثل تلك الصحراء الجرداء التي تمتد أمامه لو توغل لن يجد بها شئ نافع سوا بعض الأعشاب، حتي تلك الأعشاب لن تنفعه فهي
“أعشاب جافة”
يتبع….