اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل الثالث 3 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل الثالث 3 بقلم فاطمة احمد 

الفصل الثالث
________________
ملقي بجسد واهن على الأرضية الصلبة ، بعينين نصف مفتوحتين و أنفاس متقطعة تُلفظ بصعوبة كمن أُدحم وجهه داخل كيس فطفق يتوسل الهواء ...
يشعر بدمائه تغلي وبعروقه تتآكل كأن هناك شيء غير الخنجر ينخره ... خنجر ؟
نعم، نيجار طعنته، هذه حقيقة وليس كابوسا ظن أنه عاشه عندما استيقظ منذ دقائق ليجد نفسه في الغرفة التي جمعته بها ...
صدر من بين شفتيه المتصلبتين أنين خفيض تماهى حين لمح ألسنة من النار تتسلل تدريجيا وقد بدأت تحرق الشباك ! ثم تصاعد اللهب لينتقل إلى السقف فتراءت له من بين لفحاته صورتها ... وهي تبتسم له وتعانقه ... ثم أخرى وهي تخبره كم أنها تحبه ...
و أخيرا، صورتها وهي تغرز خنجرا في خاصرته، أو قلبه !!
حينها فقط أسدل يده إلى جانب خصره المدموم، و سكنت حدقتاه الخاليتان من الروح وهو يلفظ أنفاسه المتبقية ملونا همسته الأخيرة بمرارة :
- نيجار.
________________
قبل ساعات.
فور إنهاء مكالمته مع سيد عمله ورفيقه زفر بنزق ممتزج بالتوتر ثم خرج من غرفة العمل الملحقة بالسرايا وسار بخطوات مستعجلة مبرطما :
- انا مش عارف ايه اللي مخليه يحب بنت الشرقاوي ويتجنن عليها كده ! خايف يودي نفسه و يوديني معاه في داهية ربنا يستر.
توقف فجأة عندما كاد يصطدم بشكل عرضي بالجدة حكمت فتراجع للخلف فورا مدمدما باِعتذار لتطالعه الأخرى بنظرات حسابية ضاعفت إحساسه بالاِرتباك تلتها كلماتها :
- انت مروح ع ملى وشك كده فين يا فاروق.
تنحنح مفكرا بكذبة سريعة تنقذه منها الآن ثم أجابها :
- انا رايح اشوف الارض اللي هنبدأ نشتغل عليها لأن آدم بيه وصاني اطمن لو كان في حاجة ناقصة ولا لا.
- طيب حفيدي مش موجود دلوقتي تقدر ترتاح كام ساعة كده مش هتضر.
اكفهرت ملامح فاروق بذهول وكاد يعارضها متحججا إلا أنها حسمت النقاش عندما تحركت بصرامة وتجاوزته متجهة إلى المطبخ السفلي وهي تردد بنبرة غير قابلة للجدال :
- تعالى ورايا.
بعد لحظات كان يجلس على الطاولة أمامها يحدق في كل ركن بالمطبخ إلا بها هي ، بينما حدجته حكمت بجمود أحرق أعصابه أكثر حتى قالت موجهة حديثها للخادمة :
- جيبيله كوباية مياه يا أم محمود علشان يبل ريقه ويرجع لون وشه بعدين اطلعي برا.
نفذت الأخرى أمر سيدتها سريعا وخرجت فساد الصمت بينهما حتى تمتم فاروق بإرتباك :
- حضرتك ممكن تسمحيلي اروح لو مفيش حاجة مهمة ؟
- ليه انت عندك ايه تعمله انا بنفسي سمحتلك تاخد استراحة .. إلا لو عندك حاجة تانية ناوي تعملها علشان كده انت مستعجل.
تشدقت حكمت بدهاء معتاد منها ورشقته بنظرات تحذره من الكذب عليها، ثم اِستطردت :
- انا ملاحظة من فترة عليكم انت و آدم انكم مخططين تعملو حاجة من ورايا علشان كده مكنتوش بتسيبو بعض طول الاسبوعين اللي فاتو وامبارح سمعته بيكلمك وبيقولك تنجز المطلوب منك ومتخليش حد ياخد باله ... و على فكرة حكاية الارض اللي رايحلها دلوقتي انا عارفة انها كدبة ف يلا من غير كلام كتير قولي عايزين تعملو ايه.
تبكم فاروق وشعر بخلايا عقله تتوقف عن التفكير وهو يستمع إلى كلماتها بذهول غير مستوعب بأنها لاحظت كل ماكان يجري منذ مدة !
يبدو أن لا نفع للتهرب الآن لكنه لا يستطيع خيانة آدم والإفشاء بسره إذا ماذا سيفعل وكيف سيتصرف.
تنهد بيأس وهو يرطب شفته السفلى بلسانه ثم عقد يداه مبرطما :
- بعتذر منك بس انا مش هقدر اقول حاجة لحضرتك لأن الموضوع طلع من ايدي لما آدم بيه يرجع ااا...
قاطعته حكمت بضرب يدها على سطح الطاولة وتبعها هتافها بصوت غاضب :
- كفاية كده انا مش قاعدة بلعب معاك ! انت عارف كويس اني بعتبرك زي حفيدي وعمري ماشوفتك مجرد شغال عندي علشان كده متخيبش ظني فيك لان لو ادم اتضرر بسبب سكوتك مش عارفة ساعتها ايه اللي هعمله فيك !
_________________
بحلول الليل واِرتداء السماء الحلة السوداء
كانت قد توقفت السيارة عند بوابة سرايا الشرقاوي لينظر إلى تلك القابعة بجواره تضم ذراعيها وتسند رأسها على زجاج النافذة بشرود ثم يهتف بجدية :
- احنا وصلنا يا نيجار.
انتفضت بخفة محدقة به وهزت رأسها بعشوائية من دون أن تتكلم أو تتحرك فتنهد صفوان مردفا :
- انا عارف انك مضايقة وخايفة بس مش عايزك تعملي في نفسك كده وتندمي افتكري دايما انك عملتي الصح علشان عيلتك.
- بس مع ذلك مكنتش عايزة الأمور توصل لكده.
غمغمت بصوت بليد شابه بلادة قلبها الذي أصبحت تشعر به وكأنه حجر خاصة بعد فعلتها هذه، إلا أن صفوان أخذ نفسا عميقا وزفره بمهل هاتفا بمسايرة :
- محدش كان عايز ده يحصل احنا اتفقنا في البداية تقربي منه وتعرفي مكان السبايك عشان نقدر ناخدهم و ينزل من عيون العمدة بعدين تسبيه بس آدم كان حريص اوي ومجابش سيرتهم خالص علشان كده انتي اضطريتي تمثلي انك موافقة على عرض الجواز عشان نقدر نوصل للبيت بسهولة وناخد الذهب منه.
لولاكي انتي مكنش حد مننا قدر ياخدهم افضلي فاكرة ان ليكي الفضل في اننا استرجعنا كرامة عيلة الشرقاوي.
أنهى كلامه بطبطبة خفيفة على يدها وكأنه يؤكد مدى صدقه فكان من شأنه تخفيف الذنب من عليها وإقناعها بأن ما فعلته صحيح.
نعم لقد لعبت على آدم سلطان الصاوي ورسمت عليه الحب لكي تصل إلى مرادها وستفعلها مجددا إن عاد الزمن للوراء ، لكنها الآن خائفة منه وترتعب خشية أن يصل إليها وينتقم منها.
لذلك نظرت إلى إبن عمها و سألته بقلق :
- طيب انت قولتلي هتسفرني بعيد عن هنا قبل ما آدم يفوق هروح امتى لاني خايفة يقدر يوصلي ويؤذيني.
أشاح صفوان نظره عنها لثوان ثم عاد ونظر إليها مبتسما :
- متقلقيش انا هدبر الوضع ومحدش هيعرف يوصلك اهم شي تتعاملي عادي قدام أمي وسلمى ومتبينيش ان في حاجة حصلت اتفقنا.
عضت نيجار باطن شفتها السفلى وهي تشعر بالشحنات السلبية تؤثر عليها فتجعل وتيرة نبضها تنخفض ونفسها يضيق، ولسبب ما لم تسترح لكلامه إلا أنها لم تملك خيارا آخر سوى تصديقه وإقناع نفسها بأن كل شيء بخير فأخذت نفسا عميقا ثم زفرته على دفعات مهمهمة بكلمات مفادها بأنها موافقة على ما يقوله وغادرت ...
بينما بقي الآخر يراقب دخولها إلى منزلهم وفجأة اِعتلت إبتسامة مستهزئة شفتاه متمتما بتهكم خبيث :
- قال آدم هيوصلي ويأذيني مش عارفة انه مش هيفوق اصلا لانها خلصت عليه بنفسها وانا كملت عليه لما ولعت في البيت ومش هيلاقو غير آثار جثته المحروقة.
رن هاتفه فجأة وكان المتصل مراد ففتح الخط كي يبشره بما فعله غير أن الآخر غمغم بصوت آمر :
- تعالى للمكتب عندي فورا.
رفع صفوان حاجبه بتعجب منه خاصة عندما أغلق في وجهه لكنه ذهب إليه على أي حال وفور وصوله ودخوله إلى غرفة المكتب قال مهللا بملامح فخورة بإنجازه :
- مبروك علينا اخيرا خلصنا من ابن سلطان ولازم نحتف...
رافق كلمته الأخيرة صرخة متألمة صدرت عنه عندما اقترب مراد منه ولكمه بعنف على وجهه، اِرتد إلى الخلف قليلا وصاح بإستهجان غاضب :
- انت اتجننت !
لكن مراد الذي كان الغضب ينضح من عينيه بشكل مريب لم ينصت إليه وهو يهب ليجذبه من ياقة قميصه هادرا بعنف :
- انت عملت ايه يا غبي ازاي تتجرأ تبعت بنت عمك عشان تطعنه وتولع في البيت ؟
- ومالك متعصب كده ليه المفروض تفرح لأن خطتنا نجحت.
أجابه صفوان محاولا إزاحته عنه لكن الآخر لم يتزحزح وهو يصرخ :
- احنا متفقناش على ده انا اتعاونت معاك علشان نقدر ناخد سبايك الدهب ونحط آدم في موقف صعب قدام العمدة وسمعته تتشوه مقولتلكش روح اقتله وكمان تولع فيه مين قالك تعمل كده ومن غير ماترجعلي !
نجح في إبعاده ونظر إليه مستهجنا :
- انا قولتلك قبل كده اني هنتقم منه ع اللي عمله فيا قدام الناس ونفذت كلامي ولو على خوفك من اننا نتكشف ف متقلقش انا دبرت كل حاجة عشان يعتبروها عملية سطو من جماعة تانية ومحدش هيعرف ان لينا ايد في اللي حصله ... بس مش فاهم سبب غضبك للدرجة ديه اللي يشوفك وانت متعصب كده هيقول أنك زعلان عليه.
تجاهل مراد جملته الأخيرة حين اِستدار يوليه ظهره زافرا بقوة وقطرات العرق تتصبب من جبينه ثم اِلتف له مجددا مستدركا بسخط :
- بالنسبة للسبايك انا بعت عربيات النقل ودخلتهم للمستودع بتاعي وهنبقى نتفق نعمل فيهم ايه بعد ما الاوضاع تهدا ... ودلوقتي اطلع برا عندي شغل اعمله.
ضغط على يده بعصبية وكاد يحاسبه على وقاحته لكنه فكر بأنه لا يجدر به إفساد علاقتهما الآن لأنه لن يستطيع إنجاز المهمة بحذافيرها دون مساعدة مراد واِستعمال نفوذه فقرر السكوت حاليا إلى حين قضاء مصلحته.
لذلك هز رأسه بإيجاب وخرج بينما طفق مراد يلعنه ثم اِتصل بأحد رجاله وأمره بنبرة حاول جعلها ثابتة قدر الإمكان :
- روح شوف الأوضاع هناك وقولي ايه اللي بيحصل ... و اتأكد لو كانو لقو آدم ولا لا.
أنهى المكالمة واضعا هاتفه على سطح المكتب ووقف متسمرا مكانه وعقله شارد في أحداث كثيرة ...
________________
إنقضت الليلة وبزغت شمس يوم جديد على الجميع ... إلا عليها هي ...
كانت جالسة في غرفتها تمشط شعرها حين سمعت ضجة تصدر من البهو في الأسفل فخرجت تستطلع الأمور لتجد فردا من الحراس واقفا أمام سلمى وزوجة عمها التي كانت تسأله بإرتياب :
- انت متأكد من الكلام ده ؟
- ايوة يا ست هانم احنا سمعنا اللي حصل امبارح بليل وافتكرناها إشاعة بس من شويا واحد من رجالتنا شاف العمدة مروح لبيتهم و ع الاغلب هما مش عايزين الموضوع يتعرف دلوقتي على ما يتأكدو.
ضربت جميلة على فخذيها بجلل منتحبة :
- يالهوي لو كان صفوان ليه يد في اللي حصل محدش هيخلصه من إيد بيت الصاوي المرة ديه.
شعرت نيجار ببرودة قاسية تلفح بشرتها فجأة فاِرتعشت دون شعور منها وضغطت على فستانها تستمد منه طاقة وهمية كي تتمالك نفسها، ثم تكلمت ساعية لإخراج حروفها كاملة :
- في ايه ماله صفوان ؟
تركت سلمى والدتها تحدث الحارس ودنت منها هامسة بإرتياب :
- الدنيا قايمة قاعدة ده في بيت ولع ف الهضبة امبارح المسا وبيقولو ان البيت ده لعيلة الصاوي و آدم كان جواه وقت مسكت النار فيه ... ومات. الفصل الثالث
________________
ملقي بجسد واهن على الأرضية الصلبة ، بعينين نصف مفتوحتين و أنفاس متقطعة تُلفظ بصعوبة كمن أُدحم وجهه داخل كيس فطفق يتوسل الهواء ...
يشعر بدمائه تغلي وبعروقه تتآكل كأن هناك شيء غير الخنجر ينخره ... خنجر ؟
نعم، نيجار طعنته، هذه حقيقة وليس كابوسا ظن أنه عاشه عندما استيقظ منذ دقائق ليجد نفسه في الغرفة التي جمعته بها ...
صدر من بين شفتيه المتصلبتين أنين خفيض تماهى حين لمح ألسنة من النار تتسلل تدريجيا وقد بدأت تحرق الشباك ! ثم تصاعد اللهب لينتقل إلى السقف فتراءت له من بين لفحاته صورتها ... وهي تبتسم له وتعانقه ... ثم أخرى وهي تخبره كم أنها تحبه ...
و أخيرا، صورتها وهي تغرز خنجرا في خاصرته، أو قلبه !!
حينها فقط أسدل يده إلى جانب خصره المدموم، و سكنت حدقتاه الخاليتان من الروح وهو يلفظ أنفاسه المتبقية ملونا همسته الأخيرة بمرارة :
- نيجار.
________________
قبل ساعات.
فور إنهاء مكالمته مع سيد عمله ورفيقه زفر بنزق ممتزج بالتوتر ثم خرج من غرفة العمل الملحقة بالسرايا وسار بخطوات مستعجلة مبرطما :
- انا مش عارف ايه اللي مخليه يحب بنت الشرقاوي ويتجنن عليها كده ! خايف يودي نفسه و يوديني معاه في داهية ربنا يستر.
توقف فجأة عندما كاد يصطدم بشكل عرضي بالجدة حكمت فتراجع للخلف فورا مدمدما باِعتذار لتطالعه الأخرى بنظرات حسابية ضاعفت إحساسه بالاِرتباك تلتها كلماتها :
- انت مروح ع ملى وشك كده فين يا فاروق.
تنحنح مفكرا بكذبة سريعة تنقذه منها الآن ثم أجابها :
- انا رايح اشوف الارض اللي هنبدأ نشتغل عليها لأن آدم بيه وصاني اطمن لو كان في حاجة ناقصة ولا لا.
- طيب حفيدي مش موجود دلوقتي تقدر ترتاح كام ساعة كده مش هتضر.
اكفهرت ملامح فاروق بذهول وكاد يعارضها متحججا إلا أنها حسمت النقاش عندما تحركت بصرامة وتجاوزته متجهة إلى المطبخ السفلي وهي تردد بنبرة غير قابلة للجدال :
- تعالى ورايا.
بعد لحظات كان يجلس على الطاولة أمامها يحدق في كل ركن بالمطبخ إلا بها هي ، بينما حدجته حكمت بجمود أحرق أعصابه أكثر حتى قالت موجهة حديثها للخادمة :
- جيبيله كوباية مياه يا أم محمود علشان يبل ريقه ويرجع لون وشه بعدين اطلعي برا.
نفذت الأخرى أمر سيدتها سريعا وخرجت فساد الصمت بينهما حتى تمتم فاروق بإرتباك :
- حضرتك ممكن تسمحيلي اروح لو مفيش حاجة مهمة ؟
- ليه انت عندك ايه تعمله انا بنفسي سمحتلك تاخد استراحة .. إلا لو عندك حاجة تانية ناوي تعملها علشان كده انت مستعجل.
تشدقت حكمت بدهاء معتاد منها ورشقته بنظرات تحذره من الكذب عليها، ثم اِستطردت :
- انا ملاحظة من فترة عليكم انت و آدم انكم مخططين تعملو حاجة من ورايا علشان كده مكنتوش بتسيبو بعض طول الاسبوعين اللي فاتو وامبارح سمعته بيكلمك وبيقولك تنجز المطلوب منك ومتخليش حد ياخد باله ... و على فكرة حكاية الارض اللي رايحلها دلوقتي انا عارفة انها كدبة ف يلا من غير كلام كتير قولي عايزين تعملو ايه.
تبكم فاروق وشعر بخلايا عقله تتوقف عن التفكير وهو يستمع إلى كلماتها بذهول غير مستوعب بأنها لاحظت كل ماكان يجري منذ مدة !
يبدو أن لا نفع للتهرب الآن لكنه لا يستطيع خيانة آدم والإفشاء بسره إذا ماذا سيفعل وكيف سيتصرف.
تنهد بيأس وهو يرطب شفته السفلى بلسانه ثم عقد يداه مبرطما :
- بعتذر منك بس انا مش هقدر اقول حاجة لحضرتك لأن الموضوع طلع من ايدي لما آدم بيه يرجع ااا...
قاطعته حكمت بضرب يدها على سطح الطاولة وتبعها هتافها بصوت غاضب :
- كفاية كده انا مش قاعدة بلعب معاك ! انت عارف كويس اني بعتبرك زي حفيدي وعمري ماشوفتك مجرد شغال عندي علشان كده متخيبش ظني فيك لان لو ادم اتضرر بسبب سكوتك مش عارفة ساعتها ايه اللي هعمله فيك !
_________________
بحلول الليل واِرتداء السماء الحلة السوداء
كانت قد توقفت السيارة عند بوابة سرايا الشرقاوي لينظر إلى تلك القابعة بجواره تضم ذراعيها وتسند رأسها على زجاج النافذة بشرود ثم يهتف بجدية :
- احنا وصلنا يا نيجار.
انتفضت بخفة محدقة به وهزت رأسها بعشوائية من دون أن تتكلم أو تتحرك فتنهد صفوان مردفا :
- انا عارف انك مضايقة وخايفة بس مش عايزك تعملي في نفسك كده وتندمي افتكري دايما انك عملتي الصح علشان عيلتك.
- بس مع ذلك مكنتش عايزة الأمور توصل لكده.
غمغمت بصوت بليد شابه بلادة قلبها الذي أصبحت تشعر به وكأنه حجر خاصة بعد فعلتها هذه، إلا أن صفوان أخذ نفسا عميقا وزفره بمهل هاتفا بمسايرة :
- محدش كان عايز ده يحصل احنا اتفقنا في البداية تقربي منه وتعرفي مكان السبايك عشان نقدر ناخدهم و ينزل من عيون العمدة بعدين تسبيه بس آدم كان حريص اوي ومجابش سيرتهم خالص علشان كده انتي اضطريتي تمثلي انك موافقة على عرض الجواز عشان نقدر نوصل للبيت بسهولة وناخد الذهب منه.
لولاكي انتي مكنش حد مننا قدر ياخدهم افضلي فاكرة ان ليكي الفضل في اننا استرجعنا كرامة عيلة الشرقاوي.
أنهى كلامه بطبطبة خفيفة على يدها وكأنه يؤكد مدى صدقه فكان من شأنه تخفيف الذنب من عليها وإقناعها بأن ما فعلته صحيح.
نعم لقد لعبت على آدم سلطان الصاوي ورسمت عليه الحب لكي تصل إلى مرادها وستفعلها مجددا إن عاد الزمن للوراء ، لكنها الآن خائفة منه وترتعب خشية أن يصل إليها وينتقم منها.
لذلك نظرت إلى إبن عمها و سألته بقلق :
- طيب انت قولتلي هتسفرني بعيد عن هنا قبل ما آدم يفوق هروح امتى لاني خايفة يقدر يوصلي ويؤذيني.
أشاح صفوان نظره عنها لثوان ثم عاد ونظر إليها مبتسما :
- متقلقيش انا هدبر الوضع ومحدش هيعرف يوصلك اهم شي تتعاملي عادي قدام أمي وسلمى ومتبينيش ان في حاجة حصلت اتفقنا.
عضت نيجار باطن شفتها السفلى وهي تشعر بالشحنات السلبية تؤثر عليها فتجعل وتيرة نبضها تنخفض ونفسها يضيق، ولسبب ما لم تسترح لكلامه إلا أنها لم تملك خيارا آخر سوى تصديقه وإقناع نفسها بأن كل شيء بخير فأخذت نفسا عميقا ثم زفرته على دفعات مهمهمة بكلمات مفادها بأنها موافقة على ما يقوله وغادرت ...
بينما بقي الآخر يراقب دخولها إلى منزلهم وفجأة اِعتلت إبتسامة مستهزئة شفتاه متمتما بتهكم خبيث :
- قال آدم هيوصلي ويأذيني مش عارفة انه مش هيفوق اصلا لانها خلصت عليه بنفسها وانا كملت عليه لما ولعت في البيت ومش هيلاقو غير آثار جثته المحروقة.
رن هاتفه فجأة وكان المتصل مراد ففتح الخط كي يبشره بما فعله غير أن الآخر غمغم بصوت آمر :
- تعالى للمكتب عندي فورا.
رفع صفوان حاجبه بتعجب منه خاصة عندما أغلق في وجهه لكنه ذهب إليه على أي حال وفور وصوله ودخوله إلى غرفة المكتب قال مهللا بملامح فخورة بإنجازه :
- مبروك علينا اخيرا خلصنا من ابن سلطان ولازم نحتف...
رافق كلمته الأخيرة صرخة متألمة صدرت عنه عندما اقترب مراد منه ولكمه بعنف على وجهه، اِرتد إلى الخلف قليلا وصاح بإستهجان غاضب :
- انت اتجننت !
لكن مراد الذي كان الغضب ينضح من عينيه بشكل مريب لم ينصت إليه وهو يهب ليجذبه من ياقة قميصه هادرا بعنف :
- انت عملت ايه يا غبي ازاي تتجرأ تبعت بنت عمك عشان تطعنه وتولع في البيت ؟
- ومالك متعصب كده ليه المفروض تفرح لأن خطتنا نجحت.
أجابه صفوان محاولا إزاحته عنه لكن الآخر لم يتزحزح وهو يصرخ :
- احنا متفقناش على ده انا اتعاونت معاك علشان نقدر ناخد سبايك الدهب ونحط آدم في موقف صعب قدام العمدة وسمعته تتشوه مقولتلكش روح اقتله وكمان تولع فيه مين قالك تعمل كده ومن غير ماترجعلي !
نجح في إبعاده ونظر إليه مستهجنا :
- انا قولتلك قبل كده اني هنتقم منه ع اللي عمله فيا قدام الناس ونفذت كلامي ولو على خوفك من اننا نتكشف ف متقلقش انا دبرت كل حاجة عشان يعتبروها عملية سطو من جماعة تانية ومحدش هيعرف ان لينا ايد في اللي حصله ... بس مش فاهم سبب غضبك للدرجة ديه اللي يشوفك وانت متعصب كده هيقول أنك زعلان عليه.
تجاهل مراد جملته الأخيرة حين اِستدار يوليه ظهره زافرا بقوة وقطرات العرق تتصبب من جبينه ثم اِلتف له مجددا مستدركا بسخط :
- بالنسبة للسبايك انا بعت عربيات النقل ودخلتهم للمستودع بتاعي وهنبقى نتفق نعمل فيهم ايه بعد ما الاوضاع تهدا ... ودلوقتي اطلع برا عندي شغل اعمله.
ضغط على يده بعصبية وكاد يحاسبه على وقاحته لكنه فكر بأنه لا يجدر به إفساد علاقتهما الآن لأنه لن يستطيع إنجاز المهمة بحذافيرها دون مساعدة مراد واِستعمال نفوذه فقرر السكوت حاليا إلى حين قضاء مصلحته.
لذلك هز رأسه بإيجاب وخرج بينما طفق مراد يلعنه ثم اِتصل بأحد رجاله وأمره بنبرة حاول جعلها ثابتة قدر الإمكان :
- روح شوف الأوضاع هناك وقولي ايه اللي بيحصل ... و اتأكد لو كانو لقو آدم ولا لا.
أنهى المكالمة واضعا هاتفه على سطح المكتب ووقف متسمرا مكانه وعقله شارد في أحداث كثيرة ...
________________
إنقضت الليلة وبزغت شمس يوم جديد على الجميع ... إلا عليها هي ...
كانت جالسة في غرفتها تمشط شعرها حين سمعت ضجة تصدر من البهو في الأسفل فخرجت تستطلع الأمور لتجد فردا من الحراس واقفا أمام سلمى وزوجة عمها التي كانت تسأله بإرتياب :
- انت متأكد من الكلام ده ؟
- ايوة يا ست هانم احنا سمعنا اللي حصل امبارح بليل وافتكرناها إشاعة بس من شويا واحد من رجالتنا شاف العمدة مروح لبيتهم و ع الاغلب هما مش عايزين الموضوع يتعرف دلوقتي على ما يتأكدو.
ضربت جميلة على فخذيها بجلل منتحبة :
- يالهوي لو كان صفوان ليه يد في اللي حصل محدش هيخلصه من إيد بيت الصاوي المرة ديه.
شعرت نيجار ببرودة قاسية تلفح بشرتها فجأة فاِرتعشت دون شعور منها وضغطت على فستانها تستمد منه طاقة وهمية كي تتمالك نفسها، ثم تكلمت ساعية لإخراج حروفها كاملة :
- في ايه ماله صفوان ؟
تركت سلمى والدتها تحدث الحارس ودنت منها هامسة بإرتياب :
- الدنيا قايمة قاعدة ده في بيت ولع ف الهضبة امبارح المسا وبيقولو ان البيت ده لعيلة الصاوي و آدم كان جواه وقت مسكت النار فيه ... ومات.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close