اخر الروايات

رواية ميراث الندم الفصل الثالث والثلاثون 33 الاخير بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل الثالث والثلاثون 33 الاخير بقلم أمل نصر


 فور ان حطت قدميها داخل المنزل، اطلقت من فمها صوت زغروطة عالية لتُنبئ الجميع بعودتها من سفرتها، مع زوجها والذي كان خلفها، يضحك على فعلها ، بعد ان قطع رحلته معها مضطرًا من أجل هذا الحدث الهام، لابن عمه وشقيق روحه روح.

– لولولولوي، لولولولوي، لولولولوي
– بس بس يا مجنونة، جلبتي البيت وصحيتي النايمين،
هتف بها غازي من وسط الدرج الذي كان يهبط منه، ليعقب زوجها بمشاكسة له:

– ما تسبيها تجلجك وتصحيك من نومك كمان، ولا احنا جاطعين شهر عسلنا ع الفاضي
– وه يا حنين، شهر الا كام يوم واخدهم في العسل، وكل ده مكفكش؟

تمتم بها غازي ردًا له، ليعقب عارف مكبرًا في وجهه بابتسامته المتوسعة:
– الله أكبر عليك، وبتنبر في وشي كمان؟ اشحال ان ما كنت محصلني على طول اها، كنت هتعمل ايه؟

– وانت دلوك اللي بتتكلم ع النبر؟!
تمتمتم بها غازي يدعي الأمتعاض، يرسم عبوسا زائفًا على ملامحه في استقباله، قبل ان يتلقف شقيقته بين ذراعيه، يضمها اليه باشتياق، وهي تهلل بالفرح؛

– يا حبيبي يا جلب اختك، فرحتلك بجد والله، دلوك بس اجول اتجوزت، اخيرًا هتطول القمر اللي يستاهل، اخيرًا هتتجوز حب عمرك؟

قطب يخرجها من حضنه، منتبهًا للعبارة التي تمتمت بها، فاسترسلت بعفويتها له:
– ايوة امال ايه؟ ما انا خلاص كشفت سرك وعرفت، بالعيلة ام ١٢ سنة اللي علجت الكبير في هواها، وربنا اخيرًا جبر بخاطره، وجابها لحد عنده عشان يجمعه بيها .

ضاق حاجبيه في النظر اليها باندهاش، حتى انتقل منها إلى الاَخر باستهجان وتوعد مع انتباهه، لهذه الابتسامات المستترة، يدافع عن نفسه ببرائة:
– معلش يا واد عمي، اختك زنانة وهي اللي فضلت تجرجر فيا لحد ما وجعتني بلساني، ما انت عارف بجى شغل الحريم.

عقب غازي بغيظ مكتوم:
– هو السبب زن حريم برضوا؟ ولا هي سهوكة رجالة؟
– لا بصراحة هي سهوكة رجالة.
اقر بها عارف سريعًا لينطلق بالضحك مرة أخرى، حتى استفز الاخر يدفع شقيقته عنه، ويهم ان يفتك به ولكنها اوقفته بقولها:

– بتلومه ليه؟ ما انت لو كنت جولتلي من زمان، كنت دليتك ع البنية من أولها، دا انا اللي مدخلاها الاسطبل بيدي .

أثارت بقولها اهتمامه، ليوجه سؤاله لها:
– بتجولي ايه انتي كمان؟ فسري .

زفرت تردف موضحة له:
– يا ناصح انا بفكرك بأول مرة شوفت فيها حبيبة الجلب، في اول سنوية لجمعة العيلة بعد وفاة ابويا الله يرحمه، انا فاكراها زي النهاردة، لما دخلت نادية الاسطبل وسيبتها تتفرج ع الخيل، بعد ما اتخنجت من زن الحريم فوج راسها وغلاستهم عليها، وساعتها انت جابلتها وشوفتها على حسب ما حكالي عارف، اهو انت بجى يا ناصح ، لو كنت ادتني فكرة في وجتها، والله ما كنت شيلتها من عجلي ابدا عشان تتجوزها وتبجى هي اول نصيبك يا غازي .

قالتها بنبرة جدية نابعة من فرط محبتها له، وشرد هو الاخر بأمنية داخله، فكم ود ان يكون، الرجل الاول والاخير في قلب محبوبته، ان تكبر أمام عينيه، يعرف طباعها وتتعرف عليه دون حواجز او أسوار صنعها القدر ، مع وجود العديد من العقبات التي تعترض طريقه الشاق في الوصول الى قلبها.

فقطع عارف درب الأماني المستحيلة بين الشقيقان بقوله:

– لا هو بإيدك ولا بإيده يا ست روح، دا في الاول والاخر اسمه النصيب، النصيب اللي جمعهم في الاخر بعد شتات، زي ما جمعني انا كمان في الاَخر بيكي يا ست البنات .

التفت اليه تهديه ابتسامة ممتنة، لتجاهله متعمدًا ذكر سبب شتاتها هي ايضًا عنه، يذهب لمقصده، وما يزعجه يمر عليه مرور الكرام، وكأنه قاصد طمس الماضي بكل ما فيه.

فعلق غازي متأففًا من الرسائل المبطنة التي يتبادلاها امامه بالتطلع ببعضها أمام عينيه، مع وجود ذبذبات رائقة، وفراشات ملونة تطير حوله في الأجواء، لعشق على وشك.

– انا جولت من الأول الواد ده اتعلم السهوكة، ما تتلم ياد، حتى البت علمتها البرود زيك .

❈-❈-❈

الملابس الجديدة بمختلف انواعها تملأ الفراش داخل
الحقائب الكبيرة التي وصلت خصيصًا منه منذ بداية اليوم، انواع للخروج وأخرى للاستقبال بالإضافة إلى تلك المريحة بجرأة قصاتها وخفة القماش المصنوعة منه، اما الحقيبة الخاصة بملابس النوم، فتلك لم تفتحها على الإطلاق من الأساس .

لم يحركها الفضول لفتحها، او حتى سمحت لوالدتها بذلك، يرفض رأسها اليابس حتى القاء نظرة ،
ومع ذلك لم تقوى على منعها من فتح الاشياء الأخرى
كالهدايا المتعددة والعطور بمختلف انواعها، او العلبة المخملية الكبيرة، والتي تحمل داخلها كم المصوغات من اساور وخواتم وعُقد كبير لم تحلم في مرة بارتدائه، رغم انه من العادات الموروثة بالعائلة والبلدة بأكملها، ولكنها ابدا لم تهتم، وقد اتي به بنفسه اليها ، يخبرها انه شبكتها، وكأنها عروس بالفعل، يحق لها ان تفرح وترى العالم من وجهة أخرى غير الوجهة التي اسست حياتها عليها منذ سنوات عديدة، رجل واحد ، ترى العالم بعينيه، مكتفيه به وبأسرتها الصغيرة عن الجميع، ثم بموته تموت هي بمشاعرها التي دفنتها معه، غير متقبلة ان تهبها لأحد غيره، راضية بانقضاء العمر، نصف ميتة بمشاعرها، والنصف الاَخر لأمرأة على قيد الحياة، تعيش من أجل صغيرها وفقط.

– انتي لسة واجفة مكانك يا نادية؟
هتفت جليلة وهي تدلف لداخل الغرفة، ساحبة بيدها معتز ببشرته الندية وشعر رأسه المبتل بعد أن حممته جدته، والتي تابعت بالسؤال مشاكسة لها:
– مالك يا بت ما بتروديش ليه؟ ليكون كمان سرحانة…… معلش بجى ليكي عذرك.

تجاهلت المغزى الذي قصدت به جليلة فك جمودها، واتجهت تفتح ذراعيها الاثنان لصغيرها، والذي تلقف الدعوة ليركض على الفور، يأخذ مكانه الطبيعي داخل حضنها الحنون، لتغمم:
– بلاش منه الكلام والتلميحات دي يا ام عزب، الواحد مفيهوش دماغ ليها من الاساس.

– امال دماغك راحة ف ايه كمان دلوك؟
عقبت بها جليلة ردًا لها وهي تجلس على طرف التخت المزدحم بأشياء العروس، والتي عبست تجيبها:

– اللي في دماغي، جوا حضني ياما، يعني مش محتاح ادور عليه.

– ربنا يخليه ويحفظه يارب
تمتمت بها جليلة كغمغمة، لتصمت بعدها، تاركة المجال لابنتها ان كانت تريد الحديث وذلك تقديرا لحالتها ، والتي شردت هي الأخرى متذكرة قول سليمة الفاصل في حوارها الأخير معها:

( – عايزاني اوافج؟ انتي اللي بتجولي الكلام ده ياما ؟
– ايوة انا اللي بجول الكلام ده، رغم انه مفيش اصعب منه عليا ، لكنك شايفة اها، جميع ما تروحي في حتة محدش سايبك في حالك، سوا رجعتي بيت ابوكي او جيتي بيتي، في كل الحالات مفيش سلام ولا امان.

– تاني برضوا هتجولي مفيش امان؟ حتى بعد الدنيا ما هديت وكل واحد راح لحاله
– مين اللي جالك ان الدنيا هديت؟
اجفلتها بالسؤال، قبل ان تسترسل لها:
– مفيش حد راح لحاله، طول ما في ورث الهم جاعد لازم تعرفي ان اللي جطع فرامل عربية جوزك عشان يخلص منه لساتوا عايش ومش هيستريح غير لما يوصل لنتيجة، دا جدك عبد المعطي جالهالي وهو على فرشة الموت .

– ايه هو اللي جالوهولك جدي عبد المعطي؟
سألتها بانتباه شديد، وجاء رد الاخرى سريعًا:
– خبرني ان الشخص نفسه اللي عمل العملة، زاره في المستشفي، بس للأسف مرديش يجولي الاسم

لم تكن شهقة تلك التي خرجت منها، بل بدت وكأنها صرخة إجفال، صاعقة مدوية لا تستطيع استيعابها:

– كيف ميجولش الاسم؟ ازاي جاله جلب يخبي عليكي حاجة زي دي؟

قابلت سليمة لهفتها بقلة حيلة ترد:
– اهو اللي حصل يا نادية، انا حاولت معاه بكل الطرق، لحد ما اترجيته، وانا نفسي اشرب من دم اللي جتل ولدي، لكن جدك متكلمش، اكتفى بإنه يوصيني على نفسي وعلى معتز وعليكي…….. عرفتي ليه بجى انا بحاول ابعدك بقدر الإمكان عني انتي وولدك؟

– عرفت ، بس دا معناه ان الخطر قائم عليكى انتي كمان وأكتر .
قالتها نادية بقلق زاد من خوفها أضعاف، ولكن كان رد سليمة بابتسامة واثقة:
– لا انا مش هيجرالي اكتر من اللي جرا، انا موتي مات مع موت ولدي، اللي جدامك دي واحدة تانية، لا خطر ولا أي شيء في الدنيا يهزني ولا يمنعني عن تحجيج هدفي، الاهم انتي بس تحافظي ع الامانة اللي في يدك، وعسى اللي بنتمناه يكون جريب )

❈-❈-❈

– منور يا ابو الصلح، منور البيت والبلد كلها.
هتف مرحبا به في منزله الجديد، بعدما ارسل اليه من يقله من محطة قطار المحافظة، حتى وصل به إلى هنا في البلدة ، وقد هييء له من الأشياء ما يجعله ينبهر بما يرى، والاخر لا يكف عن التعبير عن إعجابه.

– ايوة بقى، ما شاء الله، اللهم لا حسد، البيت وديكور البيت حاجة الاجة، فاخر من الاَخر يعني، برافو عليك يا عمر.

انبسط وجه الأخير، واتسعت ابتسامة الزهو على فمه برده عليه:
– دا بس من زوقك يا ابوصلاح، انت اللي عنيك حلوة زي ما بيجولوا، او نجول من بعض ما عندكم احسن.

ارتسمت على وجه المذكور ابتسامة ساخرة يردد معقبًا له:
– يااا راجل ، هو انت في حد قدك دلوقتي اصلا، ما شاء الله يعني، لاحسن تقول عليا بحسدك كمان.

– اه بس الفصل يرجع ليك.
قالها بغموض، ظاهرها امتنان، اما في باطنها شيء آخر لم يخفى عن صديقه، والذي عقب بمكر:

– يا عم الفضل لصاحب الفضل، احنا بس مجرد اسباب ، المهم بقى انا فرحنالك اوي دلوقتي، عشان ربنا كرمك اكتر من اي حد فينا، لأنك شاطر وعرفت تلقط الفرصة كويس اوي وتستغلها احسن استغلال، بجد انا مبهور بيك يا صديقي.

بادله عمر الابتسام ليرد مندمجًا معه بعد ذلك في احاديث شتى، عن العمل هناك، وما فعله هو هنا كبداية لتأسيس مشروع كبير يمكنه من رفع اسمه واسم عائلته لمكانة الوجهاء في البلدة، بل والمحافظة نفسها حتى تطرقا، لموضوع زواجه، ولكن عمر أنهى سريعًا، كي لا يغوص في تفاصيل لا يود بالبوح بها امامها لينهض متحججًا بالقاء نظرة على مأدبة الطعام التي تقام اليوم على شرفه، وذلك بإعداد من شقيقاته، يلقي عليهن تعليماته الأخيرة، من أجل التجهيز للضيف المهم، قبل الذهاب الى تلك الصغيرة في غرفتها .

– هدير، جهزتي زي ما جولتلك؟
هتف سائلًا فور ان دفع باب الغرفة يدلف اليها، ليجدها تقف واقفة امامه بزينتها الرقيقة كما شدد عليها، تلف رأسها بحجاب يليق على لون العباءة……..

– انتي طالعة بعباية يا هدير؟
تبسمت تجيبه بطبيعية:
– ايوة ما هي عباية استجبال وغالية ، امال هطلع اجابله بجيبة وبلوزة؟

تخصر يتقدم نحوها وهو يردد خلفها باستهجان:
– ومتطلعيش ليه بجيبة وبلوزة؟ انا مش منبه ان عايزك على سنجة عشرة، تلبسي باللي يليج لمستوى جوزك.

القت بنظرها تشير اليه على العباءة موضحة:
– ايوة انا فاهماك والله، بس دي عباية خليجي، يعني أغلى كمان من اي طجم خروج، انا بشوف ناس تطلع بيها.

عض على نواجزه بغيظ، يكبح غضبه بصعوبة عنها، ليستدير عنها نحو خزانة الملابس بخطواته السريعة مغمغمًا:
– حتى التجليد والحاجات الهبلة سمتوها خليجي، انا عارف ان كان لازم اشرف على كله من الأول،

فتح ضرفتي خزانتها ليبحث بنفسه بين الملابس حتى سألته باندهاش:
– انت بتدور على ايه في هدومي
– بدور على هدمة زينة، ما انا لازم انجي بنفسي.

قالها بغضب الجمها عن الرد، لتلتزم الصمت في انتظار اختياره، ولكنه أجفلها بغضبه، يمسك القطع المعلقة امام عينيها، واحدة تلو الأخرى بتأفف، ليلقيها خلفه على الأرض بازدراء متمتمًا:

– ايه ده؟ ايه ده؟ ايه الجرف والهدوم المعفنة دي، دا جميلة اختي المرة الكبيرة متلبسهاش، ايه اللي ماليا بيه الدلاب دا يا بت؟

ابتعلت بحزن تنظر إلى اشياءها العزيزة، لتجثوا على الأرض تتناولهم من خلفه باعتزاز عفوي منها:
– دي حاجتي اللي امي شايلهالي من وانا في ابتدائي، امال ، كلها هدوم غالية ونظيفة والله .

دنى منها بأعين حمراء أثارت في قلبها الرعب، يخاطبها بغيظ يفتك به:
– حاجة ايه يا غبية اللي انتي بتتكلمي عليها دي؟ بجى انا اديكي فلوس واوصيكي تشتري من المحلات، تجومي انتي تجيبي هدومك المركونة المعفنة.

اَلمتها الشتيمة منه على اشياء طالما احبتها وبنت عليها احلامها مع فارس الأحلام في مخيلتها الصغيرة ، فردت بنبرة اسفة:

– الله يسامحك ، بس انا والله اشتريت بكل فلوسك من المحلات زي ما جولت، لكن كمان مهانش عليا اسيب الحاجة الغالية دي مرمية،،واخواتي البنتة لساهم صغيرين ومطولين ع الجواز.

غبية، حمقاء، تضغط ببلاهتها على الجزء الكامن بداخله، والذي يكرهه ويكره من يذكره به، ولكنه مضطر ان بهادنها الاَن، زفر دفعة كثيفة من الهواء الساخن بصدره، ليساهم في تهدئته قليلًا، ليقترب منها يرفعها من ساعديها لتنهض وتقف مقابله، ملطفًا في مخاطبتها:

– اسمعيني زين يا هدير، انا عايزك تتعلمي يا حبيتي، انتي صغيرة ويجي منك، البني ادم اللي برا ده، ابن ناس زي اللي بتشوفيهم في التلفزيون، يعني محسوك واي هفوة بسيطة ينتقدها ويعيب عليها ، انا عايز افتخر باختياري ليكي جدامه، مش عايز يشوفني الصعيدي اللي اتجوز واحدة جاهلة معرفاش تلبس حتي بعد ربنا كرمه بالفلوس و أصبح غني….. فهمتي بجى انا ليه عايزك تلبسي وتباني زين جدامه؟

اومأت تهز برأسها تراضيه، رغم عدم فهمها لمعظم ما اردف به، لتجيبه بطاعة:
– فهمت خلاص هروح اغير بحاجة من اللي اخترتهم عمتي جميلة.
– شطورة ،
تمتم بها يخطف قبلة ذات صوت عالي من خدها، قبل ان يسحبها من ذراعها بعد ذلك مردفًا،:
– المرة دي انا اللي هنجيلك، وبعدها هطلع اشوف الراجل المتأخر عليه، ونأجل حكاية السلام دي بعد ما نتغدى احسن، حتى تكوني لبستي براحتك.

❈-❈-❈

دلفت بابتسامة متهكمة داخل غرفة الفتيات الصغار ، اثناء انشغال والدتها بتصفيف شعورهن، من أجل تجهزيهم للحدث المطلوب ، لتردف لها ضاحكة باستهزاء:

– بتأنتكي البنات وتلبسيهم عشان فرح ابوهم ياما؟ اما عجايب دي والله.

ردت رئيسة دون ان ترفع رأسها اليها:
– وعجيبة ليه؟ ابوهم باعتلهم يفرحوا معاه بعروسته الجديدة وجوازه، هنمنع احنا بجى، ونعترض عشان بتنا امهم هي اللي مطلجها ؟

– تجهم وجه فتنة تردد باستعلاء :
– لا طبعا متمنعهمش، ليفتكر ان احنا زعلانين، على الأجل خليهم يروحوا ويشوفوا جلة الأصل من الراجل ، اللي مستناش كام شهر على بعضهم وراح للمحروسة اللي كانت بتعلب عليه بحجة ولدها، خليها تشبع بيه .

امتقع وجه رئيسة بغضب متعاظم، لتصرف الفتيات بلطف، حتى يذهبوا مع الرجل الذي أرسله ابيهم ليصحبهم معه، ثم نهضت توجه تركيزها لها تخاطبها :

– ليكونش غيرانة انه هيتجوز جبلك يا فتنة، والله لو كان كدة لنجوزك في اجرب وجت، شاوري بس انتي على واحد من اللي طلبوا يدك واتجدموا لابوكي.

– داهية تاخدهم كلهم، مين دي اللي غيرانة اصلا؟ هو انا لو هتجوز هستني رأيك ، مين فيهم دول يملى عيني اصلا؟ انا مش هتجوز غير اللي يليج لي، ويكون سيد سيده، غير كدة ما يملاش عيني حد .

قالتها وتحركت للخروج تظهر شموخًا وكبرياء حتى في خطوتها امام تلك التي تسمرت تراقبها بصمت:.
– عن اذنك بجى يا ست الكل، اروح اطمن على اخويا اللي رجع يدوب من سهرة امبارح، اروح اشوف دا كمان ليكون مدايق ولا حاجة

خرج صوت رئيسة اخيرا تمتم في اثرها بتضرع:
– ربنا يهديكي يا بتي، ولا يسترها معاكي احسن

تجاهلت فتنة ما وصل لأسماعها من والدتها، لتواصل طريقها بعدم اكتراث، حتى دلفت لغرفة شقيقها ، لتجده واضعًا حقيبة السفر على الفراش يكدس بداخلها الملابس التي يتناولها بعجالة من خزانته، لتبادره بسؤالها:

– رايح فين يا ناجي؟ يكونش ناوي تسيب البلد وتهج يا واد ابوي، زعل ع المحروسة اللي طارت منك؟

عض على شفتيه يلقي قطعة الملابس من يده بغيظ شديد قبل أن يرد عليها:
– ربنا ياخدك ويريحني منك يا بعيدة، انتي مالك انتي اهج ولا اطلع على كيفي؟ مالك انت يا بت؟ انا مش محروج زيك يا ختي عشان احط غلبي في الناس، انا راجل مسافر ع الغردقة، همتع وادلع نفسي، ع الأجل استريح من وشك.

قابلت عاصفته بابتسامة خبيثة تقول:
– ويا ترى بجى هتسافر مع مين فيهم؟ جوليا ولا نادين ولا مريانا الروسية .

برقت عينيه بحنق شديد يلقي بنظره على الهاتف قبل ان يعود اليها متمتما بازدراء:
– برضك فتشتشي ولوشتي في التلفون بجلة أدبك، تصدجي بالله يا فتنة، انتي الطلاج جليل عليكي، الواد ده لو راجل كان دبحك وريحنا منك أحسن، جطر يفوت عليكي.

قالها ثم اغلق حقيبته بعنف ليسحبها مغادرا من أمامها، فعقبت في اثره بعد فترة من الوقت:
– بعد الشر عليا وعلى حواليا، جال جطر يفوت عليا جال،…. ماشي يا ناجي، رايح تدلع نفسك مع خواجبة تنسيك بت الفرطوس وجوازها من المحروس، انا كمان من بكرة هطلع واشوف الدنيا، مدام عدتي خلصت ، يبجى اعمل على كيفي عاد

❈-❈-❈

وقف يستقبله قي نفس المكان الذي استقبله فيه اول مرة، يرحب به بحفاوة في البداية ثم ما لبث ان يعبر عن استغرابه بالسؤال دون تكلف، فالصداقة التي توطدت بينهما على مر السنوات تسمح للتباسط والحديث العفوي دون حسابات:

– ايه اللي جابك يا عم؟ هو انت موظف عشان تتنططلي كل حبتين وتاخد أجازة من الشغل المتكوم.

– يا نهارك اسود، دا بدل ما تقدر ان جاي اوجب واعمل بأصلي، رغم انك مقولتليش تعالى ولا عبرتيني بكرت دعوة،

هتف بها يوسف مستهجنًا جلافة الاخر، ليضيف عليه عارف والذي تدخل في الحديث معهم:
– جلة زوج يا عم يوسف وعدم تجدير، اذا كنت انا واد عمه وهاين عليه يطردني من ساعة ما وصلت من السفر وجطعت شهر عسلي عشان خاطره ، باينه شايف نفسه علينا اكمنه عريس.

همس بالاخيرة غامزًا، ليرد على قوله غازي بغيظ:
– اهو انا مش غايظني من الصبح غير نبرك، ما تهمد ياد انت كمان وخلي الليلة تعدي على خير.

قالها وانطلقت ضحكات الاثنان ليعلق يوسف بمرح :
– دا باينه متوتر بجد والله مش تخمين زي ما انا شكيت ، ايه يا كبير؟ هي دي اول جوازة ليك ولا ايه يا عم ؟
– انت بتجول فيها؟ انا عن نفسي بعتبرها اول جوازة ليه والله .

قالها عارف ليزيد من تأفف الاخر ، ليدفعهم بخشونة من أمامهم؛
– شكلكم جاين بغرض تحفلوا عليا، مش تباركوا، امشي ياد انت وهو انجروا جدامي .

تلقا الاثنان الدفعة لينصاعا للأمر معبرين بالتفكه عن استسلامهم، لينساقا امامه بخنوع:
– يا ساتر يارب، شكلنا زعلاناه.
– ما انت برضوا يا عم عارف كان لازم تقدر برضوا، ان ابن عمك فعلا متوتر، بس يا ترى متوتر ليه؟… اااه

تأوه بالاخيرة تأثرا بقبضة قوية حطت على كتفه ذراعه من الخلف ليفمغم على اثرها ساخطًا وهو يدلك عليها:
– ايه يا عم انا جاي ابارك مش جاي انضرب والله

تابع غازي يزجره بابتسامة مستترة:
– يبجى تلتزم الأدب، وبلاش منها التلميحات اللي فاهمها دي، لتطير فيها رجبتك المرة الجاية

– لا يا عم العمر مش بعزفة .
تمتم بها يوسف يتحسس عنقه بتخوف اثار الضحك للاثنين، حتى مر على مجموعة من رجال الحراسة، لوح لهم بكفه، قبل يلقي التحية على كبيرهم:

– أزيك يا بسيوني عامل ايه؟ سلملي على زينهم وغلاوتي عندك يا شيخ

❈-❈-❈

– بارك الله لكما وجمع بينكم في خير.
ختم بها رجل الدين لتصدح اصوات الزغاريد من شقيقاته وبناتهن ، لتعج بالمكان وتملأه بالمرح والابتهاج، ترافقها المباركات والتهنئة للعريس من الحاضرين القلائل من وجهاء العائلة، وابناء عمومته والشباب الأصدقاء،

والذي كان يتلاقاها بابتسامات يجاهد الا تفضحها اللهفة، في التطلع نحو قمره الذي توسط الجلسة بالقرب منه في الناحية الأخرى بين النساء من أقاربها، وسليمة المرأة القوية التي تزيده يوميًا اعجابًا بها، يقسم ان يرد اليها أفضالها يوما ما ، وقد اتخذ هذا الأمر عهد عليه .

عانقه يوسف يقبله على وجنته يهمس بجوار اذنه بمشاكسة:
– الف مبروك لحبيبي اللي وشه نور بعد ما كتب الكتاب، يارب يكون التوتر خف

قالها وتلقي بقبضة قوية على خصره يناظره غازي بخطر:
– بطل جلة الحيا، واتعدل بدل ما اعدلك.

– خلاص يا عم، انت محدش يهزر معاك ابدًا.
قالها متوجعًا يخفي تأوهًا، لينزاح من أمامه باستسلام مغمغمًا:
– ربنا ع المفتري .
ضحك عارف المتابع لهما، قبل ان يأخذ دوره في معانقة صديق طفولته بفرحة تنبع من قلب ذاق لوعة العشق، ويعلم بحجم ما يكتنفه الاخر في هذه اللحظة

– حبيبي يا صاحبي، الف مليون مبروك، ان جلبك خلاص ارتاح .
– لا والله يا عارف لسة، ادعيلي انا يدوب في بداية الطريج ، حتى حطة جدمي مش على أرض ثابتة.

قالها بصدق شعر به الأخر، فرد على قوله مطنئمًا:
– بكرة تثبت وتوصل، انا واثق منها دي،
– يا سيدي ربنا يطمن جلبك.
غمغم بها بتمني من القلب، قبل ان يندمج في المباركات والتهنئة من الباقين

❈-❈-❈

والى جمع النساء الاَتي التفت حولها ليباركن ويهنئنها، واولهم كانت روح التي تعلقت بضمتها لها، يغمر قلبها شعور تعدى الفرح ، تعدى الابتهاج، تعدى كل المفاهيم التي قد توصف حتى حالتها الاَن:

– اقسم بالله ما جادرة اعبر ع اللي حاسة بيه دلوك ، جلبي بيرفرف جوا صدري، وحاسة نفسي عايزة اتنطنط كيف العيل الصغير، حبيبة جلبي اتجوزت اعز حاجة ليا في دنيتي ، اخويا وابويا وسندي، اخيرًا سره هيرتاح مع اللي اختراها جلبه

لم تفهم على مغزى عبارتها الأخيرة، لتفسرها في الأخير، ان التعبير المجازي من فرط فرحها، بزواج شقيقها، فخرج الرد منها بدبلوماسية:.
– الله يبارك فيكي يا روح، دا بس من جلبك الأببض ونفسك الصافية ، انتي ربك خصك بالجمال من جوا ومن برا

– وانت خصك بكل حاجة حلوة.
قالتها لتعود لضمها مرة أخرى، حتى اعترضت من الخلف شقيقتها الكبرى وجدان:

– ما كفاية بجى أحضان يا بت انتي واديها نفسها.
– او تدي فرصة لغيرك، انا بجالي ساعة كمان عايز ابارك لعروسة اخويا العسل

تمتمت بها نادرة الشقيقة الوسطى، أثارت بها الضحكات من البقية لتعقب فاطمة الجدة الكبرى، تدلي بدلوها هي الأخرى:
– وهي برطمان عسل عايزين تلحسوه؟ ما تسيبوا العسل لصاحبه، خبر ايه؟

قالتها بإشارة واضحة من كفها نحو المقصود ، لتعلوا اصوات الصخب من الجميع، وتتكفل وجدان بالرد هامسة بتحذير، امام العروس التي كتمت بكفها على فمها ، وقد اكتسحها خجل شديد، وسط الغمزات واللمزات الضاحكة من النساء وحياء الفتبات الصغيرات:

– ما تهدي شوية يا فاطنة، كسفتي العروسة والبنتة، يا مرة دا انا مردتيش اجيب ام ايمن مخصوص، عشان متفضحناش، تجومي انتي تاخدي دورها النهاردة.

اعترضت فاطمة بسجيتها :
– وه، وانا جولت ايه يا به؟ مش هو دا اللي هيحصل و لا هما هيخشوا و….
– بووو.
تمتمت نادرة تقاطعها مقهقهة، كي لا تستفيض بعفويتها،
فحسمت وجدان بندائها:
– طب احنا نفضها احسن بجى وننده على صاحب الشأن ، تعالي يا عريسنا ، تعالي لعروستك لبسها شبكتها يا كبير ناسك

❈-❈-❈

تقدمت بخطوات مترددة نحو الجلسة التي تجمع زوجها مع الضيف الغريب الهام، تحمل عدد من اصناف الحلوى على صنية فضية باهظة الثمن اخرجتها من نيشها الغالي من أجل عيون زوجها العزيز ، كي تشرفه امام ضيفه العزيز ، والذي بدا لها من الوهلة الاولى صدق الوصف، وذلك من ملابسه الغالية كزوجها، وحذائه الامع بشدة، كفيه الناعم بشدة لرجل لم يعرف معنى الشقاء في حياته، رغم تباسطه في الحديث مع زوجها، والذي انتبه لها الاَن ليقف يستقبلها بابتسامة ادهشتها

– تعالي يا هدير
تقدم نحوها، يتلقف الصنية منها ليضعها على الطاولة الزجاجية الصغيرة،،قبل ان يسحبها من كفها برقة يقدمها للأخر:

– تعالي يا حبيبتي اتعرفي على صاحب الغربة العزيز على جلبي، دي زوجتي العزيزة يا عم صلاح.

نهض المذكور ليصافحها بدماثة وأدب جم:

– يا اهلا يا اهلا يا مدام، اتشرفت بيكي.
– اهلا اهلا متشكرة حضرتك.
تمتمت بها بتوتر، لتتبادل معه ومع زوجها بعض الكلمات المقتضبة على عجالة، قبل ان تنصرف سريعًا من امامهم ، بعد ان انتهت اخيرا من المهمة الثقيلة على قلبها،

تترك زوجها يغمره شعور الزهو ، بعد ان نفذت تعليماته بدقة، وبدت بالشكل اللذي يليق به، حتى علق الاخر بما ضاعف من شعوره :

– برافو عليك يا عمر، عرفت تنقي بصحيح، انا كنت فاكرك اتخميت لما فاجأتني ان فضلتها عن اللي كانت شاغلة بالك .

– حمد لله ، ربنا بيعوضني بعد الشجا،
اضاف صلاح على اثناءه، ولكن بمغزى، غامزا بطرف عينه:
– لا وعيلة صغيرة كمان، تربيها على كيفك وتعوضك بقى عن…..
– صلاح.
قاطعه بحزم متابعًا بتحذيره
– انا جولت ان دا موضوع وانتهى، فترة واتمحت خلاص من حياتي

اومأ على الفور الأخير بابتسامة ماكرة:
– خلاص يا عم متزعلش اوي كدة ، انا بس كنت بناغشك.

– الكلام ده مفيهوش مناغشة، جولت خلصت، يبجى حتى السيرة ماتتجابش.
نهى بها بحزم اخرص الاخر، ولجمه عن المواصلة فى مشاكسته

❈-❈-❈

رفعت جليلة الصغير لتأخذه منها، بعد ان غفى بين يديها، لتنهرها ببعض اللطف والحزم:
– كفاية بجى يا نادية، سيبني امشي
– استني ياما…..
اعترضت تتشبث بها، ولكن جليلة، حزمت بصرامة هذه المرة لتتناوله منها وتنهض به:
– الواد نام وشبع نوم، عايزاه في ايه تاني؟ تكونيش عايزة تبيتيه معاكي ع السرير كمان؟

تهكمت جليلة بالاخيرة، ولكن ابنتها التقطتها حجة لتردف:
– طب وايه يعني؟ مش هو بيحب معتز ، ولا من أولها هيكشر فيه كمان؟
تبسمت جليلة وقد وصلها ما يكتنف ابنتها في هذا الوقت ، لترد على قولها بسخرية :
– من اول يوم، عايزاه ينام ما بينكم، يا بت اتعدلي وبطلي شغل العيال الصغيرة.
فالتها وتحركت للذهاب مغادرة الغرفة على الفور، تاركة ابنتها تفور من الغيظ لفعلها، لتغمغم متطلعة في الفراغ الذي تركته بتصميم:

– ماشي ياما، هو فعلا شغل عيال صغيرة، وانا بجى مش هخليه يجربلي الليلة دي خالص، لازم اصر عليه يسيبني براحتي، ان شالله حتى اطلع من هنا على اؤضة ولدي انام فيها، مش عاملي فيها حنين وراجل زين، يوريني بجى زينته دي،

كانت غارقة في افكارها والوعود التي تأخذها على نفسها ، حتي انتبهت على صوت حمحمة خشنة تعلم مصدرها جيدًا

فالتفت نحوه فور ان شعرت به يدفع باب الغرفة ويدلف اليها، يتقدم بخطواته الرتيبة البطيئة نحوها.

قلبها يضرب بسرعة جنونية وبذهنها تعيد في ترديد الكلمات التي تحفظها منذ الامس بضرورة تركه لها الليلة، ومزيد من الليالي القادمة حتى تعتاد عليه وعلى الوضع الجديد، قي كونها زوجة له،

انتظرت حتى اقترب ليجلس بجوارها على طرف التخت، وما همت ان تبادره بطلبها حتى سبقها هو:

– بسم الله ما شاء الله، تبارك الرحمن فيما خلق.
اخجلها بغزله المباغت لها، يرافق كلماته التطلع لها بهيام أذهلها، فقد كان كالتائه ما بين بحر ريمها الاسود وبين الملامح الصافية بجمال يأسر قلب عاشق يتلوى بأنين عشق يكويه.

كيف يصفها؟ لا يجد في قاموسه اللغوي الضعيف من الأساس ما يليق بوصفها؟ كيف يعبر عما يحدث بداخله الاَن؟ لقد وصل لمرحلة يرثى لها، ان يزيد الخفقان الوحشي بصدره حتى يخدر اطرافه، فيتمكن من رفع يده بصعوبة ليلمس على الشلال الحريري الاسود، يسترسل في شرح حالته الصعبة:

– تعرفي حلمنا واحنا عيال صغيرين يا نادية لما كنا نرفع راسنا للسما، وكل واحد فينا يبص للنجوم يفتكرهم جريبين، فيجدر يجمعهم أو يمسكهم بالوهم ما بين أطراف صوابعه؟

قطبت تطالعه بعلامة استفهام كبيرة ارتسمت على ملامحها، ف استطرد موضحًا:
– انك تختاري نجمة ما بينهم، وتشاوري عليها انها هي بتاعتك، وتفتكري نفسك هتجدري تطوليها لما تكبري، لكن مع الوجت تلاجيها كل يوم بتبعد أكتر ، لحد ما تتوه منك وتضيع وتكتشفي ساعتها انها مجرد حلم ويستحيل الوصول ليها……. اهو انتي بجى يا نادية كنت الحلم دا ليا، من وجت ما شوفتك وانتي عيلة اتناشر سنة وانا بدور ع النجمة المستحيلة بتاعتي…. فاكراه اليوم دا يا نادية لما كانت اول مرة اشوفك ولا اكلمك في اسطبل الخيل بتاع جدي؟

اعتلت المفاجأة تعابيرها، حتى توسعت عينيها بإجفال، لا تصدق ما يصل اسماعها منه، يذكرها بهذا اللقاء القصير الذي تم بينهما منذ سنوات لا تذكر عددها،
ما زال يحتفظ به بذاكرته، ويسألها عنه، هي بالفعل تذكره ولكن ليس بهذه الصورة التي يتحدث عنها.

-بسألك يا نادية، فاكراه اليوم ده؟
تحمحت تجلي حلقها، لتجيبه ببعض الضجر ، فهذا الوجه وهذا الكلمات الجديدة عليها من رجل مثله، تشعرها بالشتات، وهي تريد التركيز على ما تنتوي فعله:

– طبعا فاكراه… هو انا فاقدة الذاكرة يعني، بس دول كانوا كلمتين عادين، بل بالعكس دول كمان ، كانو اجرب للخناجة، يعني مفيهومش اي حاجة تستاهل…..

– دا بالنسبالك انتي..
تمتم بها، يتناول كفيها بين يديه ليعبر اخيرًا عن مكنون ما يحترق بين اضلعه:
– وانا مش هلومك انك مخدتيهاش زيي، ولا اتعذبتي في الشوج اللي هرس جلبي في الدوير والبحث ع البت الحلوة اللي شوفتها مرة واحدة وخدت جلبي معاها، كنت هموت عشان اعرف مكانك وانتي جاري ومن بنات عمي كمان….

زفر يقطع عن التذكير بزواجها الاول، ليردف وكفه تحط على جانب وجهها، بصوت بدا يخرج بصعوبة لفرط ما يشعر به:

– انا دلوك بس حاسس اني عايش….
قالها ثم ومن دون سابق انذار، دنى بوجهه اليها، يجفلها بشفتيه التي عانقت خاصتيها يتزوق رحيقها ، متجاهلا عن عمد صوت الاعتراض الذي صدر منها بعدما استفاقت من صدمتها، حتى اذا تركها تلتقط أنفاسها، تستدرك شتاتها، فتهم بالتعبير عن احتجاجها:

– بس انا عايزة اجولك…..
– اشش.
همس بعا يضع سبابته يصمتها برجاءه:
– حن عليكي ما تجولي اي حاجة تاني، بلاش تفوجيني من الحلم، وحياة اغلى ما عندك يا نادية…

ختم بالاخيرة، ليعود على الفور ينهل من عسل الشفاه، مشددًا عليها بين ذراعيه، يود أن يغرزها بين ضلوعه، يبتلع اعتراضها بلطف يقارب الحزم، يعلم انه ان تركها بالسنوات لن تعطيه الفرصة للتقرب وفتح باب قلبها إليه، تريد دفن نفسها مع من رحل، ولا تعلم انها تدفنه ايضًا معها.

لم تترك له الخيار، ليقتحم حصونها دون انتظار الاذن منها، يلفها كالإعصار في عالمه، ولا يترك لها الفرصة للكلام في دوامته أو الفرار، يسحبها في بحر عشقه الجارف، يرتشف من نهر عذبها ولا يرتوي ابدا،
حتى وان كان الطريق الي قلبها طويلًا، فهو لن يمل كي يصل إليه، ولن ييأس حتى تصير زوجته بقلبها قولا وفعلا .

يتبع…..



الجزء الثاني من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close