رواية سراج الثريا الفصل الثاني 2 بقلم سعاد محمد سلامة
﷽
#سراج_الثريا
السرج الثاني (حورية شيطانية)
❈-❈-❈
مع شروق الشمس مازالت تلك الزخات مُستمرة أثناء سير سراج، داعب شُعاع للشمس عيناه رفع بصره لأعلى ينظر نحو قُرص الشمس، لكن وقع بصرهُ على شئ آخر توقف للحظات يتأمل ذلك المنظر
لـ فتاة تقف فوق سطح أحد المنازل القريبة، كان الهواء الخفيف يُداعب خُصلات شعرها التى تحكمها بوشاح صغير بالكاد يُغطي مُقدمة رأسها يُخفي القليل من خُصلاتها،كآنها حورية يتغزل بها شُعاع إشراق الشمس، لوهله شعر بغِيرة كيف لها أن تقف هكذا، تجولت عيناه على الأسطُح القريبه كانت خاليه، كذالك شعر بضيق من إلتصاق ثيابها بجسدها تُفسره معالم الأنوثة رغم أنها شبه نحيفة، منظرها هكذا يُشبة الحوريات الملائكية بزيها ذو اللون البنفسجي… سار دون دراية منه نحو ذاك المنزل لكن للحظة توقف حين إختفت من أمامه نظر بتمعن بالتأكيد لم يكُن يتوهم بتلك الحورية ، ظل لثواني قبل أن ينفض رأسه يشعر كآنه كان مثل المسحور وفاق من ذلك يلوم ذاته، لأول مرة يشعر بذلك، فسر عقله، ربما هذا بسبب تلك السنوات العشر الأخيرة الذى قضاها بعيدًا لم تطأ قدميه البلدة، توهم بشئ أبعد ما يُفكر عقله به، حتى لا يُفكر برد فعل والده وأخواته حين يرونه أمامهم، ويخبرهم أنه ترك العمل بالجيش وسيمكث معهم يعود لمعقله لكن يتوقع إنبساط والده بذلك القرار هو لم يكُن راغبًا فى البدايه بآن يلتحق بالاكاديمية الحربية، كان يوده أن يرث عمل اسلافه السابقين، سواء “بتربية الخيول”، أو “مصانع الكتان” الخاصة بهم.
سار الى أن دخل الى إحد الشوارع الشبة ضيقة، كانت الارض ضحلة بسبب الامطار وطبيعة أرضية تلك الشوارع الترابية تجنب كى يتفادي إحد النُقرات الضحلة،لكن أثناء ذلك تفاجئ بسطل من المياة ينسكب عليه أغرقه تقريبًا،توقف لوهله أغمض عينيه بغيظ ثم فتحها ونظر أمامه الى تلك التي سكبت ذلك الدلو عليه ولم تهتم وعادت بظهرها تدلف الى داخل المنزل لحظات وعادت بدلو آخر وكادت تقذفه كما فعلت سابقًا لكن توقفت حين قال بحِده وإستهجان:
حاسبي ولا إنتِ مش شايفة قدامك العما صابك.
توقفت ونظرت نحوه حقًا لم تكُن تنتبة له فى المرة السابقة والآن لولا حديثه لما إنتبهت بسبب إنشغالها بنشل تلك المياة المُتراكمه ببهو منزلها تُلقيها بالشارع كي تتسرب نحو إحد بلاعات الصرف الكبيرة بالشارع ، لوهله أخفت بسمتها بصعوبه حين نظرت الى ثيابه المُبتلة، حتي وجهه عليه أثار المياة وشعر رأسه كذالك، لكن بسبب بقية حديثه شعرت بالضجر منه قائله:
لاء الحمد لله بشوف، بس إنت اللى ماشي تتسحب من تحت البيوت زي الحرامية، قدامك الطريق واسع ليه تتلزق جنب الحيطان.
نظر لها نظرة غضب وكاد يتحدث بفظاظه،بنفس الوقت سمع صوت من داخل منزلها يقول:
يا ثريا واجفه تتحدتي ويا مين مش وجته خلينا نخلص الماية هتدخل الدار.
حادت بنظرها عنه وذهبت بالدلو نحو مكان آخر آلقت ما به وعادت الى داخل منزلها بلا إهتمام به، لكن قبلها رمقته بنظرة إستخفاف من ما فعلته به، جعلته يستشيط أكثر وهو يشعر أنها تستخف به، عاود السير يشعر بغضب سحيق لما صمت ولم يرد على فظاظتها بالرد بدل من أن تعتذر على الاقل، ولما لم يصفعها أو أغرقها بماء ذلك الدلو الذى كان بيديها…. كذالك شعور آخر بالإحتقان من ثوبها الشبه مُلتصق بجسدها يوضح معالمه كذالك خُصلات شعرها الرطبة المُتدلية على ظهرها، لوهله تغضنت ملامحه أن ينظر لها أحد وهي هكذا،لكن كانت الشوارع شبه خاويه بل خاوية فالوقت مازال باكرًا كذالك هطول الأمطار سبب آخر لخلو الشوارع من الماره
بينما عادت ثريا الى داخل المنزل تشعر بضجر تهمس بسخريه قائله:
عمي يصيبك يا بعيد.
نظرت لها والدتها قائله:
عتبرطمي تجولي إيه يا ثريا.
أجابتها بإستياء وإرهاق:
بجول لو “ممدوح” كان سمع حديتي وعمل تسقيفة صاج للدار عالسلم كنا إرتاحنا من التعب ده ونشل المايه اللى بتنزل من على السلم،وياريته حتى عنده دم وقال اساعدكم،لكن نايم ومنفض عن راسه،أنا حيلي إتهد، قبل الشتا ما يچي لازمن نعمل تسقيفة صاج عالسلم.
نظرت والدتها بحنان قائله بتبرير تعلم أنه خاطئ:
أخوكِ هلكان فى الشغل ده راجع بعد نص الليل، وإن شاء الله قبل الشتا هقبض الجمعيه ونعمل التسقيفة تشيل الميه عن السلم.
نظرت لها وتهكمت بصوت خافت بسخرية، قائله بإستهزاء:
ان شاء الله،بس مترجعيش تدي له الفلوس ويروح يصرفها وإحنا نحتاس ونهلك فى نشل المايه من تحت السلم ومدخل الدار، وبعدين هو شغله فى القهوه بيهلكه فى ايه المية السخنه بتلسعه ولا النفخ على فحم حجر الشيشه.
بررت والدتها:
مش شغله يا بِتي وأنا معاكِ اها بساعدك، وخلاص الماية اللى فاضل مش كتير.
تهكمت بإستياء من تبريرات والدتها وإستسلمت تُكمل نشل بقية تلك المياة رغم إرهاقهن الإثنين، كذالك شعورها بالإستياء من ذاك الغريب الذي سبها بـ”العمى”.
بينما بعد وقت قليل
أمام مجموعة منازل كبيرة مُتحاوطة ببعضها يحدها سور متوسط يضم ويُظهر بذخ تلك المنازل من الخارج، هنالك بوابة حديديه دفعها ودخل الى ذلك الممشي الخاص بناحية أحد تلك المنازل الفخمة، توجه إليه مباشرةً قرع ذلك الجرس وتوقف للحظات حتى فُتح الباب، نفض عن رأسه ذلك الإستياء بسبب تلك الفتاة الزالفة اللسان الذي قابلها قبل قليل، ورسم بسمه حين نظرت له تلك الخادمة التي تقترب من منتصف الاربعينات،تنحت جانبًا بإحترام قائله:
سراج بيه!.
تبسم وهو يدخل الى المنزل، يسمع ترحيبها المُبالغ فيه، سألها كى يقطع وصلة الترحيب:
أبوي الحج عُمران صاحي ولا لساه نايم.
أجابته:
لاه الحج عُمران صاحي من بكير، وهو فى أوضة السفرة هو والست “زاكيه” كمان أستاذة إيمان ومعاهم آدم بيه وكمان الحجه”ولاء”.
تبسم قائلًا:
عمتي ولاء هنا كمان، تمام خدي إنتِ الشنطة دي طلعيها أوضتي، ولا حد خدها فى غيابي.
أجابته الخادمه:
لاه أوضة جنابك خاليه من وجت ما سافرت مصر عشان تدخل الكلية الحربية، وبنضفها ونهويها من فترة للتانية، وهي نضيفه هطلع أفتح البلكونه والشباك تتهوي، بس خلقات سيادتك مبلوله، إنت كنت ماشي تحت المطرة، لازمن تغيرهم صحيح الجو حر بس برد الصيف قاسي.
تبسم لها بود قائلًا:
لاءمتقلقيش أنا واخد على كده، هروح أشوف الجماعة.
لم تهتم وذهبت الى غرفته كي تقوم بتهويتها كذب وضع ثيابه بها… بينما هو ذهب الى غرفة السفره، راي ذلك التجمع تبسم قائلًا:
صباح الخير
متجمعين عند النبي.
نظروا نحوه، سُرعان ما إرتسمت على وجوههم المفاجأة والأستغراب ثم البسمه، نهض آدم مُرحبًا به، وذهب نحوه عانقه بأخوه.
إستقبله سراج بمودة
“آدم” يمتلك مكانه خاصة بقلبه، أكثر من أي شخص آخر ليس بمثابة أخ فقط كذالك رفيق داعم له، عاش معه مآساته القديمة الذى مازال أثرها واضح على سير قدميه كان داعمًا له رغم صِغر عمرهما وقت ذاك الحادث الذى كاد يتسبب له فى فُقدان إحد ساقيه لولا لُطفًا من الله.
عناق أخوي بينهم ثم سؤال من آدم:
غريبة من زمان منزلتش البلد،إيه الأجازة المره دي كام يوم، أوعي تقولى إنت هنا فى مهمه وقولت تفوت تسلم علينا قبل ما ترجع.
غص قلب سراج قائلًا:
لاء أنا قررت أسيب الخدمة فى الجيش، أو بمعني أصح سرحوني لأسباب هقولك عليها بعدين.
صدمة لـ عمران كذالك ولاء اللذان نهضا من خلف طاولة الفطور، وإقتربا من سراج بإستفهام سأل عمران:
جصدك إيه، أنا مش فاهم.
تنهد سراج بآسف حرين:
للآسف حصل مُشكله فى الكتيبه اللى كنت بخدم فيها فى سينا وللآسف الخطأ كله إترمى عليا، وحصل تحقيق وللآسف صدر قرار بوقفي عن ممارسة مهامي الحربيه فى الجيش،وكان ممكن يتم تسريحي من الخدمه بصراحه إضايقت وقدمت إستقالتي.
إستغربت ولاء سائله:
وإيه هي المشكله الكبيرة اللى وصلت بيك لكدا.
أجابها بآسف:
إنتهمت إنى بسهل للإرهابيين دخول السلاح لـ سينا من معبر رفح، ودي دسيسه عليا، بس التحقيقات فى البداية أثبت التهمه عليا، وبعدين ظهرت برائتى لما تم القبض على زميل ليا هو اللى كان وشي عني عشان يصرف النظر عنه، بس بصراحه الموضوع آثر فيا حسيت بعدم ثقة فيا حتى لو كان إتهام باطل بس مكنش لازم يتم التحقيق معايا وهما عارفيني كويس، قولت بلاش أعيش فى خطر دائم وفى الآخر تهمه باطله أتحول للتحقيق زي المجرمين، قدمت على إستقالة، بس لسه متوافقش عليها بس أكيد مش هتاخد وقت، فكرت أرجع لمكاني هنا…
توقف سراج ينظر الى ملامح عمران التي تغضنت بعصبيه كعادته وذمه بغضب قائلًا:
كيف يحققوا معاك ما بيعرفوا إنت وِلد مين، بس أجول إيه إنت اللى أختارت الكليه الحربية من الاول، ياما نصحتك إن مكانك إهنه تكون الكبير لعيلة “العوامري” والقدر بينادم على صاحبه، أهلًا برچوعك يا ولدي.
لمعت عين ولاء ببسمة خبيثه وربتت على كَتفة بمؤازة وتشجيع:
جيت فى وجتك يا سراج، العوامريه فى الفترة الأخيرة جلب رجالتها بجي ضعيف، ومحتاجين اللى يرجع هيبتهم من تاني.
توسعت نظرة عيناه بسؤال مُتكبر:
وومين اللى يقدر يمس هيبة العوامري.
نظر عمران الى ولاء بنظرة ان تؤجل إخباره لفيما بعد، تبسمت له ولاء قائله:
دلوك آرتاح وبعدين نتحدت، ومالها هدومك مبلوله إكده ليه، إنت مشيت تحت المطره.
زفر نفسه وهو يتذكر تلك الزالفة اللسان، ثم اومأ رأسه بموافقة لـ ولاء التى قالت له:
دلوك إطلع غير خلقاتك وعاود نتلم كلياتنا عالفطور.
وافق سراج وصعد نحو غرفته، بينما
نظرت ولاء الى عمران لمعت عين الإثنين ببسمة تمني، بعودة سراج أن تعود السيادة لهم
بينما آدم لمح نظراتهم لبعض بداخله تهكم على أمانيهم الذي لديه يقين أن سراج لن يتوافق معها، لكن لم يهتم حين صدح رنين هاتفه برساله، أخرج هاتفه من جيبه وفتحه قرأ الرساله سُرعان ما تبدلت ملامحه، نظر نحو عمران وولاء اللذان نظرا له، لكن لم يهتم قائلًا:
أنا مش هنتظر نزول سراج، عندي ميعاد مهم بعد ساعة ولازمن الحقه.
كاد عمران أن يسأله لكن جذبت ولاء يده بإشارة عين الا يهتم، هنالك الأهم الآن هو
السراج العائد.
لم يهتم آدم وخرح من المنزل غير مباليًا لطموحاتهم الواهية فى سراح.
❈-❈-❈
بمنزل السعداوي
قبل قليل
على طاولة الفطور
نظر مجدي نحو حنان وعاد بنظره لزوجته “جليلة” لوهله خفق قلبها تعلم فحوى تلك النظرة بالتأكيد سيبوح بما أخبرها به بالأمس رغم عدم رضائها لكن لا تمتلك قرار، تنحنح ونظر لـ حنان قائلًا ببسمة ذات معني:
فى عريس إتجدم لـ حنان.
من ذهول المفاجأة تشرقت(شرقت) حنان وسعلت بشدة، ناولها أخيها الجالس جوارها
كوب الماء، بيد مُرتعشة أخذته منه وإرتشفت عِدة مرات حتي هدأ السعال قليلًا، نظرت جليلة له بآسف، لكن لم يهتم وأكمل قوله:
مالك شرجتي إكده ليه.
بررت حنان وهى مازالت تسعل ببطئ:
مفيش يا أبوي، بس إتفاجئت حضرتك خابر إن مبفكرش فى الچواز دلوك قبل ما أخلص الدراسات العُليا وأخد الماستر وبعدها الماجيستير عالاقل.
نظر لها قائلًا:
سهل تكمليهم وإنتِ فى دار چوزك، وأنا هتفق مع “حفظي” على إكده وهو مش هيمانع.
جحظت عيني حنان بصدمة قائله بتعلثم:
قصدك حفظي مين
مستحيل!.
نظر لها وتبدلت نظرته الى غضب قائلًا:
حفظي إبن عمك عتمان، مستيحل ليه عيبه إيه شاب متعلم جامعي.
بررت بإستماته:
هو فعلًا متعلم وجامعي، بس أخلاقه الجاهل يفهم عنِه يا أبوي.
بإقتناع تحدث وجدي:
هو طايش إشوي، بس لما يتجوز هيعقل أنا خلاص هدي موافجه.
نهضت حنان واقفه تقول بحسم:
ده مستحيل أوافق عليه يا أبوي، الموت عندي أهون منيه.
نهض وجدي بتعسف قائلًا:
جصدك إيه، إياكِ تكوني حاطه عينك على حد بعينه.
تعلثمت قائله:
مش حاطه عينئ على حد يا أبوي،بس كمان مريداش حفظي،أنا بخاف منيه ومن معاملته القاسيه كيف هتجوزه.
سخر وجدي قائلًا:
حفظي واد أخوي وخابر أخلاقه زين،ومتوكد إن الجواز هيعدله،والجسوة دى جشرة والست تحدر تلين چوزها له بالطاعة.
-بس…
قاطع وجدي إعتراضها قائلًا بقرار محسوم:
الليله حفظي وعتمان جاين عشان نتفق… حهزوا حالكم، أنا نفسي إنسدت عالوكل، أشوفكم المسا.
غادر وجدي، نظرت حنان لـ جليلة ودموعها تسيل، أخفضت جليلة عينيها بآسف، هي لا تمتلك الإعتراض… لكن حسمت حنان قرارها لابد من قرار حاسم لن تخضع لقرار والداها التعسفي وتدمر حياتها مع شخص مُتجبر وأحمق مثل حفظي.
جففت دموعها بيديها وتركت المكان توجهت الى غرفتها جذبت هاتفها وقامت بإرسال رساله فحواها
“هستناك بعد ساعه فى قصر الثقافه بتاع المركز، فى أمر مهم”.
أغلقت هاتفها وجلست على الفراش تشعر بتوهان كذالك خوف، تعلم الثآر القديم بين العائلتين، حقًا هنالك تصالح، لكن هنالك إحتقان فى تعامل العائلتين معًا.
❈-❈-❈
بمنزل ثريا
بعد إرهاق شديد بسبب نشل تلك المياة، وضعت نجية ذلك الطعام فوق المنضدة الارضيه ونادت عليها بصوت خفيض خشيه من أن تُعلى صوتها ويصحوا ممدوح مُتذمرًا، جاءت ثريا بعد أن أبدلت ثيابها بأخري وجلست خلف تلك المنضدة تهكمت من همس والدتها حين سألتها:
لابسه إكده ورايحه فين؟.
نظرت ثريا الى ثيابها قائله:
أكيد مش هسرح الغيط بفستان زي ده،أنا رايحه المحكمه إمبارح جالي جضية نفقة وهروح مع الست تعملى توكيل لها فى المحكمه عشان انوب عنها.
تهكمت نجيه قائله:
بلاش جلبك الحنين معاها وفى الآخر تعطيها إنتِ فلوس،كفايه تتوكلي عنها ببلاش،إحنا مش أغني منيها.
اومأت ثريا لها قائله:
عندك حق إحنا محتاجين،يمكن أكتر منيها عالاقل هي خواتها عندهم نخوة وساعوها هي وعيالها فى دار أبوها مرموش لها الفتافيت وقالوا لها ده حقك،أنا شبعت هجوم عشان ألحق سرفيس،الصبح بيبقى زحمه.
فهمت نجيه تلميح ثريا،غص قلبها وسالت دمعة حسرة من عينيها على حظ ثريا البائس،كذالك حظ إبنها الإثنان كآن القدر يعاند أن يُعطي أحدهما السعادة،هي الوحيدة التى تعلم أن ممدوح ليس سيئًا ولا يهتم بغير نفسه هو كُسر منذ طفولته حتى حين أراد أن يكون له رأيًا ورفض زواج ثريا تحطم حين إتخذ خاله القرار…تنهدت بدموع على يتميان ضاعت لذة الحياة لديهما بسبب حظهما البائس بـ أم ضعيفة.
❈-❈-❈
بـ احد قصور الثقافه بـ أسيوط
بالمكتبة
كان هنا اللقاء قبل عامين تقريبًا، صدفة جمعت بينهم، تصادف الإثنين على إقتناء كتاب واحد من المكتبه، لكن اليوم ليس مثل اللقاء الاول
نظرت الأعين لبعصها بحديث لابد أن يسمعه الآخر
بعد لحظات، بأحد طاولات حديقة المكتبه
جلس الإثنين بالمقابل لبعضهما نظرت حنان حولها بترقُب ثم نهضت تسير نحو ذلك السياج الحديدي الفاصل بين النيل وحديقة المكتبة،زفرت نفسها ثم إستنشقت نفس آخر،توجه آدم نحوها وقف جوارها نظر لها بنفس الوقت نظرت له ثم عادت تنظر الى مجري النيل،من ملامحها إستشف آدم أن هنالك ما تود إخباره به،تنحنح سائلًا:
بعتي رساله إننا نتقابل خير.
تنهدت بآسف وخوف:
مش خير يا آدم،أبوي خبرني إن حفظي واد عمي طالب يتجوزني.
إرتجف قلبه وإحتقنت ملامحه بإستياء قائلًا:
سبق وقولتلك أنا مش خايف أتقدم ليكِ،إنتِ اللى بتماطلي.
نظرت له بدمعة عين قائله بتبرير:
إنت عارف إني مش بماطل، بس خايفه إنت عارف إن فى تار قديم بين العلتين، صحيح فى صُلح تم، بس فى رياح نار جايده تحت الرماد أنا وأنت عارفين إن الرياح دي ممكن….
-ممكن إيه؟
هكذا قاطعها آدم، ثم أكمل بجسارة:
لو فضل حُبنا فى السر هنكسب إيه، ممكن نخسر بعض ونضيع وسط الرياح لازم نجازف.
نظرت له بهلع قائله:
هنجازف بإيه، بالدم اللى ممكن يرجع تاني.
أجابها وهو يُعطي لها ظهره:
إنتِ كده بتختاري وأنا أتمني ليكِ السعادة…
شعرت بضياع وجذبت ذراعه كي ينظر لها قائله بدموع:
بالبساطة دي هتتخلي عن حبنا.
نظر لها قائلًا بتشجيع:
الحُب للأقوياء مش للضعفاء يا حنان هتجازفي معايا متأكد إننا هننجح مش هتجازفي معايا يبقى مالوش لازمه نوجع قلب بعض.
-إنت مش بتحبني.
-لاء بحبك وإنتِ عارفه كده كويس أوي، بس أنا مش بحب الضعف ولا قولت نحارب بالسلاح، الكلمه كمان سلاح، دلوقتي حفظي هيطلبك الليلة تفتكري هيحصل إيه والدك واضح أنه مُصر وموافق رغم أنه عارف عيوب حفظي كويس، بس عارفه السبب إيه
الطمع والخوف
الطمع…. طبعًا معروف ليه وده النقطة اللى ممكن ندخل له منها فى فرق كبير بيني وبين حفظي هتقوليلى التار القديم…
ده مكنون تحت الرماد زي ما قولتي وممكن والدك وقتها يستغل التار ده ويبين أنه هو اللى رد حق عيلة السعداوي بالنسب
الخوف….حفظي شراني وكلنا عارفين أنه بيتاجر فى أي شئ يجيب له فلوس وغير مؤتمن وإنه ممكن يقتل بسهوله عشان يوصل لهدفه ومعروف إن هو كان سبب التار اللى كان بين عيلتنا وعيلة السعداوي وعمك قبل بالصفح خوف إن التار هيتاخد منه هو
جبان يعني،وأنا مش جبان يا حنان وقدامك الحل سهل،إتمسكي برفض حفظي وأنا بوعدك أخلي والدك يوافق على جوازنا.
أومأت رأسها بموافقه رغم قلبها الذي يرتجف خوفً من ما قد يحدث لاحقًا،ليس فقط عودة إندلاع ثآر بل خوف على آدم الذي يرى الموضوع من زاوية شخص لا يهوا الدم ولا العنف يعتقد أن الكلمة أقوى سلاح.
❈-❈-❈
مساءً
مركز الشباب
قبل أن تدخل إيمان صالة تدريب الأطفال التى كانت تقوم بتدريبهم، سمعت أصوات جوهريه منهم تدل على أنهم يتدربون، تبسمت ظنًا منها أنهم يقومون بالتسخين إستعدادًا للتمرين، لكن تفاجئت حين دخلت بذالك الضخم الذى يُعطيها ظهره يسير أمام الفريق يشد من آذرهم بتشجيع… بتلقائيه من الأطفال توقفوا عن التمرين حين رأوا إيمان،لاحظ هو ذلك نظر لهم وكاد يسألهم لما توقفوا لكن نظر خلفه
وقع بصره على تلك صاحبة الملامح الناعمة ترتدي زي الكارتيه كذالك مُحجبة لوهلة صمت ينظر لها فقط…بينما هي تسألت بنبرة خشنة:
مين حضرتك وإزاي تدرب الفريق بتاعي.
قبل أن يرد عليها كان مدير مركز الشباب يقترب من هما وقال:
أعرفك يا كابتن إيمان ده كابتن
“جسار برهان” المدرب الجديد والمعتمد لفريق المركز.
نظرت له إيمان بتقييم للحق إعترفت أنه يبدوا رياضيًا مُخضرم، لكن العناد جعلها تنفض ذلك، حين قالت بثقة:
قصدك المدرب اللى الحكومه عينته هنا، عالعموم أنا المسؤوله عن تدريب الأشبال دي.
رغم جمالها لكن شعر ان بها نبرة تعالي،هنالك فرق بين الثقة والتعالي،هو فهمها جيدًا أراد مشاغبتها قائلًا:
إنتِ مُدرب الفريق ده،بصراحه الفريق محتاج يتشد شويه عشان ينشفوا شويه،الكارتيه رياضة ناشفة وهما شويه محتاجين…..
قاطعته بغضب بعد أن شعرت أنه يُلمح أن ربما سبب فى عدم إجادتهم أن مدربهم إمرأة،تحدثت بتسرُع:
الفريق بتاعي عضده ناشف…
تبسم بإعجاب وقاطعها بمشاغبة تروق له:
مش حكاية عضدهم ناشف، الرياضة عنيفة وطبيعي تنشف عضدهم، قصدي إنهم لازم يفهموا إن الرياضة أخلاق، وأنا شوفتهم قبل التمرين كانوا بيتباهوا مين أقوي من التاني بالتباهي بالقتال بعنف بينهم وبين بعض.
نظرت الى الفريق نظرة ضيق وقالت لهم:
أنا مش قايله أفعال الشوارعيه دي نبطلها وعشان كده هتتعاقبوا كلكم بعمل ألف تمرين ضغط وحالًا يلا إبتدوا
تذمر الأشبال وهم ينظرون نحو جسار الذي تبسم قائلًا:
مش شايفة ألف كتير عليهم كده بتجهدي الفريق،أعتقد العقاب لازم يبقى أخف شويه،زي مثلًا يلفوا حوالين تيراك النادي عشر مرات جري ده هيفيدهم أكتر ومش مُجهد.
أومأ الاطفال لذلك ظنًا أنه قد رحمهم،لكن بالحقيقه هذا إجهاد أكبر لكن ليس تعسفيًا مثلما قالت إيمان…علمت أنه يراوغ لمكسب ثقة هولاء الأشبال تعاملت بمرونه عكسيه:
تمام عاوزين تجروا إتفضلوا وأنا هقف فى الشباك اللى هناك ده اشوفكم وأنتم بتجروا واللى هيتخاذل هيتعاقب مره تانيه.
إنشرح الأشبال وهرولوا بالجري ظنًا أنها مجرد لعبه ليس عقاب.
لمعت عين جسار بإعجاب من مرونتها فى رد الفعل،بينما نظرت له إيمان بنظرة تحدي.
❈-❈-❈
بأحد المشافي
خلع إسماعيل قفاز يديه الطبي ونظر الى تلك المُمدة فوق طاولة التشريح بآسف قائلًا:
للآسف زي ما توقعت سبب الوفاة قبل ما أبدأ التشريح
للآسف تهتُك فى الاعضاء التناسليه لها مصحوب بنزيف أدي لوفاتها.
خرج من تلك الغرفه نظر الى ذلك الذي يبدوا كهلًا بالعقد الرابع من عمره شعر بآسف وهو يقترب منه قائلًا:
عاوز بِتي يا دكتور عاوز أكرمها وأدفنها.
نظر له بآسف قائلًا:
ومش عاوز تعرف سبب وفاة بنتك.
أخفض ذلك الكهل وجهه أرضًا… لم يُبالي إسماعيل بذلك وصدمه عل ضميرهُ يتعذب أكثر من قلبه يعلم الحقيقة لكن تعمد قائلًا:
بنتك السبب فى موتها الإغتصاب.
رفع الرجل وجهه ونظر الى إسماعيل قائلًا بتسرُع:
لاه يا دكتور، بِتي متحوزة وكانت دُخلتها إمبارح.
لم يتفاجئ إسماعيل بذلك وسأله:
بنتك عندها كم سنه.
أجابه الرجل يشعر بخزي:
تلاتشر ونص.
زفر إسماعيل نفسه قائلًا:
تلاتشر سنه ونص وجوزتها ذنبها فى رقابتك،أنا هكتب التقرير وهحوله للنيابه،إنت ساهمت فى قتل بنتك.
إنفزع الرجل قائلًا:
جتلتها كيف أنا كنت بسترها الجواز للبنات سُترة.
تهكم إسماعيل ساخرًا يقول بتكرار مُستهزءًا:
سُترة!
وفين جوزها ده اللى قِبل يتجوز طفله زي دي
وكانت راحت فين عشان تفكر تسترها،تصدق لو كنت سكتت لما قولت إنها إغتصبت يمكن كنت عذرتك كتبت تقرير وسمحت بدفنها،لكن أنا دلوقتي هزود مش بس عذاب ضميرك اللى متأكد أنه مش موجود أساسًا، وهكتب التقرير وهحوله للنيابه مباشرةً ومتأكد إن مفيش عقد جواز،يعني العريس إتمتع ببنتك وإتسبب فى موتها وفى الآخر إنت اللى مش بس قلبك هيوجعك كمان هتتحول للتحقيق بتهمة تزويج طفله تحت السن القانوني.
قال ذلك وغادر غير مُباليًا بتوسل ذلك الرجل الذي بنظره يستحق أقوي عذاب
ضحي بطفولة إبنته وئدها بزواج مُبكر لا ليس مُبكر بل زواج جائر لبراءة طفولتها.
❈-❈-❈
بمنزل ثريا
لاحظت والدتها وخالتها تتحدثن سويًا، لكن صمتن حين إقتربت منهن، نظرت لملامحهن المشدوهه لبعضهن لم تُبالي لذلك وقامت
بوضع تلك الصنيه أمام سعديه وجلست جوارها، نظرت لها تشعر بآسى، تنهدت بآسف قائله عن قصد:
سمعت إن سراج إبن عمران العوامري هنا فى البلد.
ضيقت ثريا عينيها بإستفسار قائله:
غريبه اللى أعرفه إن بقاله سنين منزلش البلد حتي محضرش فرح إبن عمته ولا إبن عم أبوه، إيه جابه دلوك لإهنه؟.
أجابتها سعديه:
يمكن أجازة وچاي يشوف أبوه وخواته.
تهكمت ثريا قائله:
ليهم ڤيلا فى مصر لو إتوحشهم كان طلب منيهم يدلوا لهناك.
نظرت سعديه لها بنظرة خوف فهمتها جيدًا، لم تُبالي بها. وتفوهت قائله بمغزي:
وإشمعنا دلوك هو إهنه بالكفر.
أومأت ثريا رأسها بعدم إهتمام
بينما عاودت سعديه الحديث بتلميح:
ده رتبة كبيرة فى الجيش.
تهكمت ثريا بإستبياع وفهمت مغزي تلميح سعديه وتفوهت بلا مبالاة:
رتبة على نفسه، أنا مش هخاف من حد، واللي له كف ياخده ألف بس مش مني،ده حقي أنا لو إتوقفت للنهايه كنت خدت فدادين مش ربع فدان، وميفرقش معايا أنا وخداه قصاد خلع عين العوامرية كلهم، متوكدة ان كان يتخلع لهم عين ولا إنى كنت خدت سهم واحد من أرضهم.
نظرت سعديه الى نجية بنظرة لوم أنها السبب فى الضغط على ثريا بتلك الزيجه التي قتلت بداخلها الروح جعلتها تستبيع، لكن تفوهت ثريا دفاعًا عن والدتها قائله:
بلاش ترمي اللوم كله على أمي أنا كمان فكرت إن كِنية مرات “غيث العوامري” هيبجي سند ليا لكن للآسف إطمعت فى سراب.
❈-❈-❈
بمنزل عمران العوامري
غرفة سراج
أنهي ذلك الحمام البارد وخرج من الحمام بسبب سماعه لرنين هاتفه،لف منشفه حول خصره وأخري فوق رأسه ، ذهب نحو هاتفه مباشرةً، قام بالرد الى أن إنتهت المُكالمة، وضع الهاتف بمكانه، وأزاح المنشفه عن رأسه وضعها حول عُنقه ثم جلس على فراشه يتنهد بشعور لا يعلم سببه ولا ما هو …
أحني رأسه قليلًا للأمام إنسابت بعض قطرات المياة التى مازالت عالقة بخصلات شعره فوق جبينه سالت الى نحو عينيه
أغمص عيناه لوهله…
دون أنذار عاد لخياله ذلك المنظر الذى رأه صباحًا لتلك الفتاة
تلك الحورية التى كانت فوق سطح المنزل كآن شُعاع الشمس أعطاها ضوي هاله خاصة تنهد وهو مازال يُغمض عيناه يشعر بشوق برؤية ذلك المنظر مره أخرى
حورية الشمس التي تتفتح مع آشعة الشمس…
سُرعان ما فتح عيناه يذم نفسه قائلًا:
دي مش حورية الشمس، دي حورية شيطانية.
يتبع…