رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل الثاني 2 بقلم سهام احمد
عروس مصر.... الفصل الثاني
فراق.
وقفت ليلى أمامه وهي متعجبة، ليس مما اخفاه عنها لكنها تعجبت من مدى حبه لها وخوفه عليها، وكان فوزي يعتقد العكس في نفس الوقت، ظن أن ليلى علمت ماطلبه منه والده، لكن الرساله الثانيه فاجأت فوزي وخيبت ظن ليلى في أنه يخفي عنها شيئاً ما.
قالت ليلى وهي تقترب منه تزرف عيناها دمعاً، بعدما اسقطت قلب فوزي بين اقدامه ككرة صغيرة تقفز دون توقف:
-انت ازاي تعمل كده؟
-ليلى أناااا كنت هقولك والله.
-تقولي بايه وامتى؟! انت ازاي اصلا تفكر اني هسمح بحاجة زي دي تحصل؟
-ليلى اهدي من فضلك، بليز خلينا نقعد ونحكي.
-احكي ايه بس احكي إيه.
اقبلت عليه تضمه بين احضانها بشدة، تعجب فوزي من رد فعلها وكأنه تجمد جراء سقوط ماء مثلج على رأسه، إلى أن تحدثت ليلى قائله وهي بين يديه:
-انت ازاي تفكر اني ممكن امنعك تشوف باباك التعبان؟ ازاي فكرت اني هكون قاسية للدرجة دي؟ ليه خبيت عليا إن باباك تعبان بقاله تلات شهور، وبعتلك قبل كده وانت مارديتيش عليه طب ليه؟
تعجب فوزي مما تقوله، نظر إليها بشرود ثم عاد من شروده مسرعاً بعدما أدرك أن تلك الرسالة ليست كما كان يعتقد، التقط أنفاسه مطمئناً ثم قال بهدوء:
-بعتذر منك حياتي والله مش قصدي اني اخبي عليكي شيء، انا ماكنتش عايزك تشغلي بالك.
امسكت بيديه تجالسه جوارها على الأريكة بينما كانت تجلس والدتها على الكرسي المجاور:
-فوزي انا عمري ما همنعك من انك تشوف والدك وتطمن عليه، روحله يا فوزي باباك تعبان ومالوش غيرك اكيد هو محتاجلك دلوقتي اكتر من اي وقت فات، وبعدين يمكن لما يعرف أنه بقا عندك ولد صغير يغير رأيه وترجع المياه لمجاريها والا ايه يا ماما.
تحدثت والدتها وهي تجالس فارس الصغير على قدميها:
-طبعا يابني المسامح كريم واللي مالوش خير في أهله مالوش خير في حد، روح يابني لابوك واطمن عليه، وربنا يهديكم لبعض.
زفر بضيق يحاول إخفاءه، ابتسم بزيف وهو يربت على كتفها:
-حبيبتي شكراً ليكي على الكلام الحلو ده بجد ريحني جدا، بس انا ما قدرش اسيبك انتي وفارس هنا لوحدكم، مش هكون مطمن وانا بعيد عنكم، علشان كده ماحبيتش ارد عليه.
نظرت إليه والدتها بعتاب وهي تقول:
-لا يا فوزي يابني مالكش حق تقول الكلام ده لوحدهم ازاي بس وانا وعمك فارس معاهم، ماتشغلش بالك عليهم سافر وانت مطمئن دول في عنيا.
-ربنا يخليكم ليا ومايحرمني منكم ابدا، يلا حياتي ارتاحي دلوقتي وبعدين نتكلم في الموضوع ده.
بعد مرور اسبوع من الزمن قرر فوزي الرحيل الى لبنان؛ للاطمئنان على والده، وذلك بعد إصرار من ليلى، بالطبع فهي لم تكن تعلم أن إصرارها على رحيله سيكون سبباً في خسارتها إياه.
سافر فوزي إلى والده وكان بالفعل مريض، مستلقي على الفراش يمضي بعض الاوراق الخاصة بالعمل، عندما رأى فوزي كأن الحياة عادت إليه من جديد وكأنه لم يكن مريض، انتفض من فراشه كالطفل الصغير بابتسامة عريضة وفرحة عارمة ودموع فرح وحب بالرغم من حدة طباعه إلا أن هناك قلب لا يعرف القسوة وهو قلب الاب او او الام مهما كانت افعالهم تظهر العكس.
احتضن فوزي اباه:
-شوي شوي بابا على مهلك انت كويس.
-ابني حبيبي اشتقتلك، كنت مفكر اني مش هشوفك مرة تاني قبل ما اقابل رب الكريم، كنت بعرف انك هاتيجي وانو عقلك هيرجع لك ابني.
بتر كلامه فوزي بصورة اخرجها من جيبه وهو يقول:
-بابا بترجاك مالوش لزوم الكلام ده دلوقتي، بص كده هنا شوف، ده ابني فارس الصغير، الوضع دلوقتي بقا مختلف بابا انا بقا في عندي ابن.
نظر إلى صورة الطفل واللهفة تخرج من ملامحه شوقاً لضمه بين يديه، ابتسم وهو يبكي قائلاً:
-بسم الله ماشاء الله على الوش الحلو، اد ايه بيشبهك الواد ده يا فوزي، وبيشبهني انا كمان مش كده؟ بس ليه ماجبتوش معاك يا فوزي مع مين سايبه هناك؟
-مع امه يا بابا مع ليلى، ماقدرش اجيبه هنا انا جيت علشان اطمن عليك وهارجع تاني عندهم مصر.
بدأت ملامح وجهه تتغير وبدأ يتملكه الغضب اكثر فاكثر بداية بالتعجب إلى الإنفعال الغير مسبوق، جلس والد فوزي على فراشه وهو متعجب:
-ايه؟! انت بتقول ايه؟ ازاي يعني ماتقدرش تجيبوا هنا وانك هاترجع تاني عندهم هنا ازاي يعني؟!
-بابا انااااا.
بتر كلامه بصوت مرتفع يصرخ في وجهه:
-انا مش قلتلك تسيب البنت دي يا فوزي، مش قلتلك الكلام ده قبل ماتيجي هنا، مفكر انك كده بتلوي دراعي دلوقتي، انت مفهمتش انا قلتلك ايه.
-بابا انا ماقدرش اسيل ليلى يا بابا ولا اقدر اسيبك ابني، لو انت عايزني اكون معك فانا هروح اجيب ابني ومرتي معايا هنا، ولو انت مش عايز كده فأنا همشي ومش هارجع هنا تاني يا بابا ولا حتى هنشوف وشي تاني بعد كده.
بدأ يتأثر الضاهر بيك سلبا جراء انفعاله، امسك صدره وهو يتألم حتى فقد وعيه على الفراش، ازدادت ضربات قلب فوزي ظن إنه قد فارق الحياة بسببه، ركض عليه مسرعا يمسكه من رأسه يحاول افاقته، ثم صرخ ينادي على خدام القصر:
-بابا؟ بابا؟ بترجاك رد عليا يا بابا؟ يا روبا يا مصطفي تعالوا بسرعة هنا بسرعه.
دخلت الخادمة "روبا" وهي التي تعتني بكل مايخص القصر من طعام وشراب وغيره، والتي تعد تقريبا تربت وكبرت في هذا القصر مع والدها الذي كان يعمل به، ومن بعدها دخل "مصطفى" وهو سائقه الخاص والذي يعد كأبن له ايضا؛ لأنه في سن ابنه وترعرع معه في القصر إلى أن غادره:
-في ايه يا فوزي بيه؟ ايه إللي حصل؟
-روبا اتصلي بالاسعاف فوراً وكلمي دكتور بابا بليز بسرعه، مصطفى شيله معايا بليز.
وصل الطبيب وبعد فحصه له اخبر فوزي أن والده لا يحتمل التوتر والانفعال، وأن قلبه اصبح ضعيفا للغاية؛ لذلك عليه بمجاراته وعدم مجادلته والا سيفقدونه عما قريب.
شكر فوزي الطبيب وخرج معه مصطفى إلى باب القصر ثم عاد إلى فوزي وجده جالساً بجوار والده وهو يبكي، امسك مصطفى بكتفه وقال:
-فوزي بيه تعالى ممكن نحكي شوية، سيبه يرتاح دلوقتي بعدين بتشوفه وتتكلموا مع بعض على رواق، تعالى معايا يلا.
خرج فوزي معه إلى حديقة القصر وجلس على الكرسي وجلس جواره مصطفي قائلاً:
-انا هتكلم معاك بصفتي اخوك إللي اتربيت معاه مش بصفتي خادم في القصر، ممكن تقولي انت ازاي عايش انت ومراتك وابنك؟ ازاي مكفي نفسك يا اخي؟ انت هنا بتعمل كل اللي انت عايزه والتصرف اد مانت عايز من غير ماحدش يحاسبك، ازاي عايش هناك؟! ممكن تقولي ازاي هاتربي ابنك في الوضع ده ، هاتقولوا لما يحتاج حاجة وانت مش معاك تجبهاله؟ بترجاك يا أخويا فكر بكلام ضاهر بيك.
نظر إليه باستغراب:
-انت بتقول ايه يا مصطفى؟! انت عايزني اسيب ليلى؟! عايزني اعمل اللي هو عايزه وانت عارف أنه غلط، دي ليلى يا مصطفى انت عارف يعني ايه ليلى، يعني حب حياتي وعمري كله، دلوقتي كمان بقا في فارس الصغير ابننا اللي بقا عندي بالدنيا وما فيها، ازاي عايزني اسيبهم؟!
-انا ماقلتش كده بس على الاقل لازم تفكر بمستقبل ابنك هنا هيكون ازاي وهناك هيكون ازاي يا بيه، ممكن تتكلم مع اختي ليلى وتشرحلها الوضع، وممكن اجيبها معاك وتعيش بمكان تاني بعيد عن ضاهر بيه، وكده تبقا رضيت كل الأطراف وضمنت مستقبل ابنك ومستقبلك لحد ماتهدى الأمور بينكم، ماينفعش تخاطر بكل حاجة مهمة لحياتك بس علشان حاجة واحدة وهي ليلى يا أخويا، بالطريقة دي هاتخسر ابوك وثروتك ومستقبل ابنك كمان، فكر كويس في كلامي قبل ماتاخد قرار ترجع تندم عليه بعدين يا فوزي بيه، انا هسيبك ترتاح دلوقتي، لو احتجت حاجة انا موجود.
جلس فوزي شاردا لأكثر من ساعة، يفكر فيما قاله مصطفى وحالة والده وفي عشقه الاول والاخير ليلى وابنه الصغير، ثم قام متجهاً إلى غرفته ليرتاح، عندما دخل الغرفة عادت إليه زكرياته مع والدته ووالده عندما كان صغيراً، وعندما كان شاباً وهو يدرس، وعندما ترك تلك الغرفة آخر مرة، جلس على مكتبه وأمسك بقلمه وكتب رسالة لوالده وغادر إلى غرفة والده، نظر إليه من بعيد ثم وضع الرسالة بجواره وغادر القصر دون أن يراه أحد، ثم اتجه إلى المطار عائدا إلى مصر.
عاد والده إلى وعيه وهو ينادي باسمه ويبحث عنه:
-فوزي؟ فوزي؟ ابني ماتسيبنيش ماتمشيش بترجاك، فوزي.
تحدثت إليه روبا وهي تنظم الغرفة:
-السيد فوزي مش هنا يا ضاهر بيك، بترجاك ارتاح قال الدكتور انك لازم ترتاح كويس.
-روبا فين فوزي يا بنتي؟
-هو مشي من غير ما يقول حاجة لحد بس ساب الرسالة دي هنا لحضرتك.
أعطته روبا الرسالة وهي تدعي من قلبها الا تكون تلك الرسالة سبباً في فقدانه، ومن ثم تعجبت لتلك الابتسامة التي ملأت وجهه ثم قال بفرح:
-كنت عارف إن ابني مش هايسيبني يا روبا، حفيدي هيجي هنا عندي.
تعجبت روبا من حديثه ثم قالت بلطف:
-ان شاءالله خير يا بيه الف مبروك، حضرتك بتؤمر بتجهيزات لاستقبال حفيدك ؟ اللي حضرتك تؤمر بيه هايكون جاهز يا بيه.
اعتدل من نومه قليلاً رافعاً رأسه، ساعدته روبا بوضع وسادة خلف رأسه، التقط أنفاسه مطمئناً وهو يقول:
-يا الله يا روبا من اد ايه وانا باستنى اللحظة دي، وأخيراً بقا عندي حفيد وهايجي يعيش معايا هنا واربيه باديا دول الحمد لله يارب ،انا عايزكم تحضروا احلى شيء وكل شيء بيطلع باديكم لاستقبال ابني وحفيدي بقصرهم، مش عايز حاجة تنقصهم ولا يحتاجوا اي حاجة، اه وكمان جهزوا لحفيدى احلى اوضة في القصر كله علشان يكون مبصوت.
-بامرك يا بيه، في شيء تاني حضرتك عايزه؟
-اه يا روبا اتصلي بمهندسين الديكور لغرف الاطفال وكمان تجهيزات الغرفة والاثاث بتاعها، وكل شيء عايز كل شيء يكون جاهز في خلال اسبوع من دلوقتي، حفيدي هيوصل بعد اسبوع من دلوقتي.
-تحت امرك يا بيه حضرتك بتؤمر أمر، من بعد اذنك هروح اشوف التحضيرات.
أشار إليها بيده للخروج وخلد للنوم وهو يمسك بصورة فارس الصغير، بعد مرور ثلاثة أيام وبعدما عاد فوزي إلى مصر، لم تكن لديه الجرأة ليخبر ليلى بما حدث معه، فقط أخبرها أنه اطمئن على والده وأنه يريد رؤية فارس الصغير، فرحت ليلى بذلك وظنت انها ستغادر معهم إلى هناك فبدأت بالتجهيزات والتحضيرات للسفر.
تعجب فوزي من كل تلك التجهيزات التي تقوم بها ليلى، فأقبل على سؤالها اعتقاداً منه انها بالغت في ذلك؛ لأنه سيغادر هو وابنه فقط، بينما هي تتصرف على عكس ذلك؛ لأنها متيقنة من أنها ستغادر معهم، وهنا كانت اللحظة التي لعب فيها القدر دورا غريبا لم يكن في الحسبان لكل منهما:
-حياتي مش كتير كل الحجات دي لفارس وليا؟ يعني كلهم كام يوم بس.
تعجبت ليلى ثم قالت:
-حبيبي هو ايه ده اللي كتير؟ ده يا دوب كام غيار ليا وليك ولفارس لحد مانستقر هناك ونجيب هدوم، وبعدين كام يوم إيه مدام ربنا هدالك ابوك خلاص يا فوزي ماينفعش تسيبه وهو تعبان كده.
-لحظه لحظة انتي بتقولي ايه يا ليلى، انتي حضرتي حجات ليكي ليه؟ انا هسافر انا وفارس يا حبيبتي، با عايز يشوف فارس وانتي عارفه موقفه من نحيتك ايه.
تركت ما بيدها من ملابس بصدمة، تقف وتنظر إليه:
-مش فاهمه يعني ايه عايز يشوف فارس وانت هاتسافر مع فارس لوحدك، طب وانا ايه؟مش فاهمة.
-ليلى حبيبتي….
بترت حديثه بانفعال:
-اااااه طبعا باباك لسه معترض على وجودي مش كده؟ وعلشان كده طلب انك تروح انت وفارس بس، وقالك ايه كمان ها قالك ايه عليا، انا مش عارفة هو بيكرهني ليه انا عملتله ايه علشان يكرهني كده.
أقبل عليها يمسكها من كتفيها يهدئها:
-حياتي ممكن تهدي نفسك شوية بليز.
واذا بها تدفع يداه عنها وتبعده قائلة بانفعال وتهديد:
-اسمع يا فوزي انا ابني مش هايخرج من بيتي ولا هايروح مكان، عايز تسافر انت سافر لوحدك، إنما ابني لا.
-انتي بتقولي ايه يا ليلى؟! احنا مش اتكلمنا ف الموضوع ده، ايه اللي حصل دلوقتي، انا مش قلتلك اني هاخد فارس لبابا علشان يشوفه، ماقلتش يا ليلى انك هاتكوني معانا والا ايه، وبعدين هما كلهم كام يوم يا حبيبتي وهانرجع هنا فيها ايه دي بقا؟
-وانا مش مرتاحه للسفرية دي يا فوزي ابني صغير وبيرضع ومايقدرش يقعد من غيري ولا ساعة، وقلتلك يا فوزي إن ابني مش هايخرج بره البيت من غيري فهمت والا لا؟ باباك عايز يشوفه يجي يشوفه هنا وهو ف حضني وف بيتي، والا كتير علينا إن البيه يشرفنا بحضوره، طبعا ماحنا مش اد المقام.
-ليلى بليز بلاش الكلام اللي ملوش طعم ده دلوقتي، قلت اني هاخد فارس عند البابا وماعنديش نقاش تاني في الموضوع ده من فضلك، فهمتي والا لسه هانحكي تاني؟ بعديلي كده لو سمحتي.
خرج فوزي غاضباً من غرفته إلى خارج المنزل، جلست ليلى على فراشها وهي تصرخ عند خروجه:
-مش هاتقدر تاخد ابني مني يا فوزي ولا انت ولا اي حد ف الدنيا دي كلها سامعني، ابني مش هايخرج من بيتي مش هايخرج.
انهارت ليلى من البكاء جراء ماحدث بينها وبين فوزي، دخلت والدتها ووالدها يحاولان تهدئتها، كانت تلك هي المرة الأولى التي يتشاجران فيها، وكانت ايضاً الأخيرة
فراق.
وقفت ليلى أمامه وهي متعجبة، ليس مما اخفاه عنها لكنها تعجبت من مدى حبه لها وخوفه عليها، وكان فوزي يعتقد العكس في نفس الوقت، ظن أن ليلى علمت ماطلبه منه والده، لكن الرساله الثانيه فاجأت فوزي وخيبت ظن ليلى في أنه يخفي عنها شيئاً ما.
قالت ليلى وهي تقترب منه تزرف عيناها دمعاً، بعدما اسقطت قلب فوزي بين اقدامه ككرة صغيرة تقفز دون توقف:
-انت ازاي تعمل كده؟
-ليلى أناااا كنت هقولك والله.
-تقولي بايه وامتى؟! انت ازاي اصلا تفكر اني هسمح بحاجة زي دي تحصل؟
-ليلى اهدي من فضلك، بليز خلينا نقعد ونحكي.
-احكي ايه بس احكي إيه.
اقبلت عليه تضمه بين احضانها بشدة، تعجب فوزي من رد فعلها وكأنه تجمد جراء سقوط ماء مثلج على رأسه، إلى أن تحدثت ليلى قائله وهي بين يديه:
-انت ازاي تفكر اني ممكن امنعك تشوف باباك التعبان؟ ازاي فكرت اني هكون قاسية للدرجة دي؟ ليه خبيت عليا إن باباك تعبان بقاله تلات شهور، وبعتلك قبل كده وانت مارديتيش عليه طب ليه؟
تعجب فوزي مما تقوله، نظر إليها بشرود ثم عاد من شروده مسرعاً بعدما أدرك أن تلك الرسالة ليست كما كان يعتقد، التقط أنفاسه مطمئناً ثم قال بهدوء:
-بعتذر منك حياتي والله مش قصدي اني اخبي عليكي شيء، انا ماكنتش عايزك تشغلي بالك.
امسكت بيديه تجالسه جوارها على الأريكة بينما كانت تجلس والدتها على الكرسي المجاور:
-فوزي انا عمري ما همنعك من انك تشوف والدك وتطمن عليه، روحله يا فوزي باباك تعبان ومالوش غيرك اكيد هو محتاجلك دلوقتي اكتر من اي وقت فات، وبعدين يمكن لما يعرف أنه بقا عندك ولد صغير يغير رأيه وترجع المياه لمجاريها والا ايه يا ماما.
تحدثت والدتها وهي تجالس فارس الصغير على قدميها:
-طبعا يابني المسامح كريم واللي مالوش خير في أهله مالوش خير في حد، روح يابني لابوك واطمن عليه، وربنا يهديكم لبعض.
زفر بضيق يحاول إخفاءه، ابتسم بزيف وهو يربت على كتفها:
-حبيبتي شكراً ليكي على الكلام الحلو ده بجد ريحني جدا، بس انا ما قدرش اسيبك انتي وفارس هنا لوحدكم، مش هكون مطمن وانا بعيد عنكم، علشان كده ماحبيتش ارد عليه.
نظرت إليه والدتها بعتاب وهي تقول:
-لا يا فوزي يابني مالكش حق تقول الكلام ده لوحدهم ازاي بس وانا وعمك فارس معاهم، ماتشغلش بالك عليهم سافر وانت مطمئن دول في عنيا.
-ربنا يخليكم ليا ومايحرمني منكم ابدا، يلا حياتي ارتاحي دلوقتي وبعدين نتكلم في الموضوع ده.
بعد مرور اسبوع من الزمن قرر فوزي الرحيل الى لبنان؛ للاطمئنان على والده، وذلك بعد إصرار من ليلى، بالطبع فهي لم تكن تعلم أن إصرارها على رحيله سيكون سبباً في خسارتها إياه.
سافر فوزي إلى والده وكان بالفعل مريض، مستلقي على الفراش يمضي بعض الاوراق الخاصة بالعمل، عندما رأى فوزي كأن الحياة عادت إليه من جديد وكأنه لم يكن مريض، انتفض من فراشه كالطفل الصغير بابتسامة عريضة وفرحة عارمة ودموع فرح وحب بالرغم من حدة طباعه إلا أن هناك قلب لا يعرف القسوة وهو قلب الاب او او الام مهما كانت افعالهم تظهر العكس.
احتضن فوزي اباه:
-شوي شوي بابا على مهلك انت كويس.
-ابني حبيبي اشتقتلك، كنت مفكر اني مش هشوفك مرة تاني قبل ما اقابل رب الكريم، كنت بعرف انك هاتيجي وانو عقلك هيرجع لك ابني.
بتر كلامه فوزي بصورة اخرجها من جيبه وهو يقول:
-بابا بترجاك مالوش لزوم الكلام ده دلوقتي، بص كده هنا شوف، ده ابني فارس الصغير، الوضع دلوقتي بقا مختلف بابا انا بقا في عندي ابن.
نظر إلى صورة الطفل واللهفة تخرج من ملامحه شوقاً لضمه بين يديه، ابتسم وهو يبكي قائلاً:
-بسم الله ماشاء الله على الوش الحلو، اد ايه بيشبهك الواد ده يا فوزي، وبيشبهني انا كمان مش كده؟ بس ليه ماجبتوش معاك يا فوزي مع مين سايبه هناك؟
-مع امه يا بابا مع ليلى، ماقدرش اجيبه هنا انا جيت علشان اطمن عليك وهارجع تاني عندهم مصر.
بدأت ملامح وجهه تتغير وبدأ يتملكه الغضب اكثر فاكثر بداية بالتعجب إلى الإنفعال الغير مسبوق، جلس والد فوزي على فراشه وهو متعجب:
-ايه؟! انت بتقول ايه؟ ازاي يعني ماتقدرش تجيبوا هنا وانك هاترجع تاني عندهم هنا ازاي يعني؟!
-بابا انااااا.
بتر كلامه بصوت مرتفع يصرخ في وجهه:
-انا مش قلتلك تسيب البنت دي يا فوزي، مش قلتلك الكلام ده قبل ماتيجي هنا، مفكر انك كده بتلوي دراعي دلوقتي، انت مفهمتش انا قلتلك ايه.
-بابا انا ماقدرش اسيل ليلى يا بابا ولا اقدر اسيبك ابني، لو انت عايزني اكون معك فانا هروح اجيب ابني ومرتي معايا هنا، ولو انت مش عايز كده فأنا همشي ومش هارجع هنا تاني يا بابا ولا حتى هنشوف وشي تاني بعد كده.
بدأ يتأثر الضاهر بيك سلبا جراء انفعاله، امسك صدره وهو يتألم حتى فقد وعيه على الفراش، ازدادت ضربات قلب فوزي ظن إنه قد فارق الحياة بسببه، ركض عليه مسرعا يمسكه من رأسه يحاول افاقته، ثم صرخ ينادي على خدام القصر:
-بابا؟ بابا؟ بترجاك رد عليا يا بابا؟ يا روبا يا مصطفي تعالوا بسرعة هنا بسرعه.
دخلت الخادمة "روبا" وهي التي تعتني بكل مايخص القصر من طعام وشراب وغيره، والتي تعد تقريبا تربت وكبرت في هذا القصر مع والدها الذي كان يعمل به، ومن بعدها دخل "مصطفى" وهو سائقه الخاص والذي يعد كأبن له ايضا؛ لأنه في سن ابنه وترعرع معه في القصر إلى أن غادره:
-في ايه يا فوزي بيه؟ ايه إللي حصل؟
-روبا اتصلي بالاسعاف فوراً وكلمي دكتور بابا بليز بسرعه، مصطفى شيله معايا بليز.
وصل الطبيب وبعد فحصه له اخبر فوزي أن والده لا يحتمل التوتر والانفعال، وأن قلبه اصبح ضعيفا للغاية؛ لذلك عليه بمجاراته وعدم مجادلته والا سيفقدونه عما قريب.
شكر فوزي الطبيب وخرج معه مصطفى إلى باب القصر ثم عاد إلى فوزي وجده جالساً بجوار والده وهو يبكي، امسك مصطفى بكتفه وقال:
-فوزي بيه تعالى ممكن نحكي شوية، سيبه يرتاح دلوقتي بعدين بتشوفه وتتكلموا مع بعض على رواق، تعالى معايا يلا.
خرج فوزي معه إلى حديقة القصر وجلس على الكرسي وجلس جواره مصطفي قائلاً:
-انا هتكلم معاك بصفتي اخوك إللي اتربيت معاه مش بصفتي خادم في القصر، ممكن تقولي انت ازاي عايش انت ومراتك وابنك؟ ازاي مكفي نفسك يا اخي؟ انت هنا بتعمل كل اللي انت عايزه والتصرف اد مانت عايز من غير ماحدش يحاسبك، ازاي عايش هناك؟! ممكن تقولي ازاي هاتربي ابنك في الوضع ده ، هاتقولوا لما يحتاج حاجة وانت مش معاك تجبهاله؟ بترجاك يا أخويا فكر بكلام ضاهر بيك.
نظر إليه باستغراب:
-انت بتقول ايه يا مصطفى؟! انت عايزني اسيب ليلى؟! عايزني اعمل اللي هو عايزه وانت عارف أنه غلط، دي ليلى يا مصطفى انت عارف يعني ايه ليلى، يعني حب حياتي وعمري كله، دلوقتي كمان بقا في فارس الصغير ابننا اللي بقا عندي بالدنيا وما فيها، ازاي عايزني اسيبهم؟!
-انا ماقلتش كده بس على الاقل لازم تفكر بمستقبل ابنك هنا هيكون ازاي وهناك هيكون ازاي يا بيه، ممكن تتكلم مع اختي ليلى وتشرحلها الوضع، وممكن اجيبها معاك وتعيش بمكان تاني بعيد عن ضاهر بيه، وكده تبقا رضيت كل الأطراف وضمنت مستقبل ابنك ومستقبلك لحد ماتهدى الأمور بينكم، ماينفعش تخاطر بكل حاجة مهمة لحياتك بس علشان حاجة واحدة وهي ليلى يا أخويا، بالطريقة دي هاتخسر ابوك وثروتك ومستقبل ابنك كمان، فكر كويس في كلامي قبل ماتاخد قرار ترجع تندم عليه بعدين يا فوزي بيه، انا هسيبك ترتاح دلوقتي، لو احتجت حاجة انا موجود.
جلس فوزي شاردا لأكثر من ساعة، يفكر فيما قاله مصطفى وحالة والده وفي عشقه الاول والاخير ليلى وابنه الصغير، ثم قام متجهاً إلى غرفته ليرتاح، عندما دخل الغرفة عادت إليه زكرياته مع والدته ووالده عندما كان صغيراً، وعندما كان شاباً وهو يدرس، وعندما ترك تلك الغرفة آخر مرة، جلس على مكتبه وأمسك بقلمه وكتب رسالة لوالده وغادر إلى غرفة والده، نظر إليه من بعيد ثم وضع الرسالة بجواره وغادر القصر دون أن يراه أحد، ثم اتجه إلى المطار عائدا إلى مصر.
عاد والده إلى وعيه وهو ينادي باسمه ويبحث عنه:
-فوزي؟ فوزي؟ ابني ماتسيبنيش ماتمشيش بترجاك، فوزي.
تحدثت إليه روبا وهي تنظم الغرفة:
-السيد فوزي مش هنا يا ضاهر بيك، بترجاك ارتاح قال الدكتور انك لازم ترتاح كويس.
-روبا فين فوزي يا بنتي؟
-هو مشي من غير ما يقول حاجة لحد بس ساب الرسالة دي هنا لحضرتك.
أعطته روبا الرسالة وهي تدعي من قلبها الا تكون تلك الرسالة سبباً في فقدانه، ومن ثم تعجبت لتلك الابتسامة التي ملأت وجهه ثم قال بفرح:
-كنت عارف إن ابني مش هايسيبني يا روبا، حفيدي هيجي هنا عندي.
تعجبت روبا من حديثه ثم قالت بلطف:
-ان شاءالله خير يا بيه الف مبروك، حضرتك بتؤمر بتجهيزات لاستقبال حفيدك ؟ اللي حضرتك تؤمر بيه هايكون جاهز يا بيه.
اعتدل من نومه قليلاً رافعاً رأسه، ساعدته روبا بوضع وسادة خلف رأسه، التقط أنفاسه مطمئناً وهو يقول:
-يا الله يا روبا من اد ايه وانا باستنى اللحظة دي، وأخيراً بقا عندي حفيد وهايجي يعيش معايا هنا واربيه باديا دول الحمد لله يارب ،انا عايزكم تحضروا احلى شيء وكل شيء بيطلع باديكم لاستقبال ابني وحفيدي بقصرهم، مش عايز حاجة تنقصهم ولا يحتاجوا اي حاجة، اه وكمان جهزوا لحفيدى احلى اوضة في القصر كله علشان يكون مبصوت.
-بامرك يا بيه، في شيء تاني حضرتك عايزه؟
-اه يا روبا اتصلي بمهندسين الديكور لغرف الاطفال وكمان تجهيزات الغرفة والاثاث بتاعها، وكل شيء عايز كل شيء يكون جاهز في خلال اسبوع من دلوقتي، حفيدي هيوصل بعد اسبوع من دلوقتي.
-تحت امرك يا بيه حضرتك بتؤمر أمر، من بعد اذنك هروح اشوف التحضيرات.
أشار إليها بيده للخروج وخلد للنوم وهو يمسك بصورة فارس الصغير، بعد مرور ثلاثة أيام وبعدما عاد فوزي إلى مصر، لم تكن لديه الجرأة ليخبر ليلى بما حدث معه، فقط أخبرها أنه اطمئن على والده وأنه يريد رؤية فارس الصغير، فرحت ليلى بذلك وظنت انها ستغادر معهم إلى هناك فبدأت بالتجهيزات والتحضيرات للسفر.
تعجب فوزي من كل تلك التجهيزات التي تقوم بها ليلى، فأقبل على سؤالها اعتقاداً منه انها بالغت في ذلك؛ لأنه سيغادر هو وابنه فقط، بينما هي تتصرف على عكس ذلك؛ لأنها متيقنة من أنها ستغادر معهم، وهنا كانت اللحظة التي لعب فيها القدر دورا غريبا لم يكن في الحسبان لكل منهما:
-حياتي مش كتير كل الحجات دي لفارس وليا؟ يعني كلهم كام يوم بس.
تعجبت ليلى ثم قالت:
-حبيبي هو ايه ده اللي كتير؟ ده يا دوب كام غيار ليا وليك ولفارس لحد مانستقر هناك ونجيب هدوم، وبعدين كام يوم إيه مدام ربنا هدالك ابوك خلاص يا فوزي ماينفعش تسيبه وهو تعبان كده.
-لحظه لحظة انتي بتقولي ايه يا ليلى، انتي حضرتي حجات ليكي ليه؟ انا هسافر انا وفارس يا حبيبتي، با عايز يشوف فارس وانتي عارفه موقفه من نحيتك ايه.
تركت ما بيدها من ملابس بصدمة، تقف وتنظر إليه:
-مش فاهمه يعني ايه عايز يشوف فارس وانت هاتسافر مع فارس لوحدك، طب وانا ايه؟مش فاهمة.
-ليلى حبيبتي….
بترت حديثه بانفعال:
-اااااه طبعا باباك لسه معترض على وجودي مش كده؟ وعلشان كده طلب انك تروح انت وفارس بس، وقالك ايه كمان ها قالك ايه عليا، انا مش عارفة هو بيكرهني ليه انا عملتله ايه علشان يكرهني كده.
أقبل عليها يمسكها من كتفيها يهدئها:
-حياتي ممكن تهدي نفسك شوية بليز.
واذا بها تدفع يداه عنها وتبعده قائلة بانفعال وتهديد:
-اسمع يا فوزي انا ابني مش هايخرج من بيتي ولا هايروح مكان، عايز تسافر انت سافر لوحدك، إنما ابني لا.
-انتي بتقولي ايه يا ليلى؟! احنا مش اتكلمنا ف الموضوع ده، ايه اللي حصل دلوقتي، انا مش قلتلك اني هاخد فارس لبابا علشان يشوفه، ماقلتش يا ليلى انك هاتكوني معانا والا ايه، وبعدين هما كلهم كام يوم يا حبيبتي وهانرجع هنا فيها ايه دي بقا؟
-وانا مش مرتاحه للسفرية دي يا فوزي ابني صغير وبيرضع ومايقدرش يقعد من غيري ولا ساعة، وقلتلك يا فوزي إن ابني مش هايخرج بره البيت من غيري فهمت والا لا؟ باباك عايز يشوفه يجي يشوفه هنا وهو ف حضني وف بيتي، والا كتير علينا إن البيه يشرفنا بحضوره، طبعا ماحنا مش اد المقام.
-ليلى بليز بلاش الكلام اللي ملوش طعم ده دلوقتي، قلت اني هاخد فارس عند البابا وماعنديش نقاش تاني في الموضوع ده من فضلك، فهمتي والا لسه هانحكي تاني؟ بعديلي كده لو سمحتي.
خرج فوزي غاضباً من غرفته إلى خارج المنزل، جلست ليلى على فراشها وهي تصرخ عند خروجه:
-مش هاتقدر تاخد ابني مني يا فوزي ولا انت ولا اي حد ف الدنيا دي كلها سامعني، ابني مش هايخرج من بيتي مش هايخرج.
انهارت ليلى من البكاء جراء ماحدث بينها وبين فوزي، دخلت والدتها ووالدها يحاولان تهدئتها، كانت تلك هي المرة الأولى التي يتشاجران فيها، وكانت ايضاً الأخيرة