رواية في حي الزمالك الفصل الثاني 2 بقلم ايمان عادل
رواية في حي الزمالك الفصل الثاني 2 بقلم ايمان عادل
رواية في حي الزمالك الحلقة الثانية
شِجَارُ عَائِلِي 🦋✨
“بقى أنا تهزقني التهزيق ده كله قدامهم فوق يالا!!”
صاحت بغضب وهي تضربه في صدره بواسطة حقيبة الظهر خاصتها!
“أنتي ازاي تسمحي لنفسك تكلميني بالإسلوب ده؟! احترمي نفسك يا دكتورة.” تحدث بنبرة جديدة وهو ينظر حوله ليتأكد أن لا أحد قد سمع ما قالته.
“أنا احترم نفسي يا نوح؟ طب والله لأقول لخالتو بليل هاه! ” اردفت بحنق وبغضب طفولي وهي تحمل حقيبتها وترحل، وقد اتخدت قرار بإخبار خالتها بما فعله دون إنقاص حرفاً واحداً.
عادت أفنان إلى منزلها في حوالي الساعة الثالثة بعد انتهاء اليوم الأخير لهذا الإسبوع، واخيراً عطلة لمدة يومان.. وكما اعتادت أسرتها أمسية الخميس تقضيها برفقة خالتها ويوم الجمعة في منزل جدتها أم أبيها ويوم السبت للجلوس في المنزل والإستذكار.
توقفت سيارة الأجرى أمام منزل خالتها في حي ‘فيصل’ بمحافظة الجيزة، توجهوا نحو منزل خالتها بعد شراء بضع كيلوهات من الفاكهة المتنوعة قبل صعودهم.
“حبايب خالتو أخباركوا ايه؟” قامت بالترحيب بهم ومن ثم تقبيلهم وعناقهم ثم جاءت لحظة الشجار التي تتكرر أسبوعياً تقريباً
“مكنش في لزوم تجيبي حاجة كلفتي نفسك..” وهنا يبدأ الشجار، لذا تجاهلت أفنان الأمر وذهبت لتجلس على الأريكة وبجانبها شقيقتها.
“إلا قوليلي يا خالتو هو نوح مش هنا؟” سألت ميرال وهي تتجول بعيناها بالشقة بحثاً عنه.
“طب يا ستي اسألي عن مريم الأول.” قالت خالتها بمزاح لتتورد وجنتي ميرال، ثم تصيح بصوتاً مرتفع نظراً لبعد المسافة :
“نوح… واد يا نوح خالتك وبناتها هنا ورن على أختك استعجلها.” بعد دقيقة خرج نوح من غرفته وهو يرتدي بنطال ‘كاروهات’ و ‘بلوزة’ باللون الرمادي، بدى وسيماً بالإضافة إلى خصلات شعره المُبعثرة.
“أنا بقى جاية أشهدك يا خالتو بقى يرضيكي نوح يهزقني قدام السكن كله النهاردة؟”
“صحيح الكلام ده يا واد؟ دي هتبقى خطيبتك مستقبلاً تقوم تزعقلها قدام الناس.” وبخته والدتها بنبرة تجمع بين الجدية والمزاح، بينما ارتد الماء في حلق أفنان فور سماعها لما قالته خالتها وتسعل بقوة أما عن ميرال فقد تجهم وجهها.
“اسم الله عليكي.” قالت والدتها وهي تضربها بخفة على ظهرها لتُحاول طرد الماء، بعد أن تأكدو أن أفنان بخير لم يسلم نوح من نوبة توبيخ ليبرر أفعاله قائلاً :
“ما هو أنتي برضوا اتأخرتي وأنتي عارفة أني بكره عدم الإلتزام.”
“وهل ده مبرر أنك تفرج عليا المعمل كله النهاردة؟”
“قولتلك مية مرة يا أفنان أنا موقفي حساس في الكلية عشان أحنا قرايب وأنا محبش حد يقول أني سايبك بتدلعي عشان قريبتي.”
“سايبني بتدلع؟ ليه هو أنا كنت داخلة السكشن بشرب عصير وباكل مولتو ولا كنت دخلالك بسيجارة وصاحبي في ايدي؟!”
“لا داخلة متأخرة ربع ساعة ومش قافلة البالطو.”
اردف بنبرة استفزازية وهو يبستم لكن زاد ذلك من إمتعاض وجه أفنان التي قالت :
“أنا هدخل استنى مريم في أوضتها.”
“معلش يا نوح متزعلش تلاقيك رخمت عليها بزيادة شوية النهاردة.” تفوهت ميرال بنبرة هادئة ليصمت هو لثوانٍ وهو يحك ذقنه بإهامه ثم يقول :
“بس هي عندها حق.. أنا فعلاً زودتها حبتين، بس هي لازم تفهم إن موقفي حساس.”
“عندك حق.” علقت ميرال دفاعاً عن نوح ليبتسم لها بينما وقفت الآخرى في شرفة غرفة مريم تُحدق بالمارة بالشارع وفجاءة بدأ شجار بين ثلاثة شُبان بدون مقدمات وأخذو يسبون بعضهم البعض بألفاظ بذيئة ‘لا يليق أن تقرأها عزيزي القارئ’ وأحضر أحدهم آلة حادة من مكاناً ما وكان على وشك جرح الآخر بينما وقف شاب رابع في أحد الجوانب ويبدو عليه الذعر..
هو على الأغلب رفيقهم لكنه يخشى التورط بالرغم من أنه يبدو عليه القوة.. ذكرها ذلك بالشاب الذي قابلته لتضحك مُتذكرة منظره المُرتعب.. لا تذكر ملامحة كثيراً لكنها تذكر أهم ما يميز أي شاب..
‘ساعة يده.’
أجل التي كانت على وشك أن تُسرق لولا أن تدخلت هي..
أخذت تسترجع ما حدث وهي تضحك وحدها ببلاهة لتقتحم مريم الغرفة فتشهق الآخرى بفزع.
“حرام عليكي خضتيني.”
“كنتي بتضحكي على ايه لوحدك كده؟”
“مفيش.. كنت ببص عالخناقة.” أجابت وهي تشير برأسها نحو الشارع.
“أنتي لسه بتحبي تتفرجي عالخناقات؟”
“زي ما أنتي شايفة كده.”
“إلا أيه حوار أنك زعلانة من نوح ده؟”
“مفيش يا ستي البيه بيهزقني في وسط السكشن بس خلاص خالتو جابتلي حقي.”
“لا وأنتي يا حرام منكسرة ومبتعرفيش تاخدي حقك.” سخرت منها مريم لتبتسم أفنان وهي تقلب عيناها قبل أن يطرق نوح الباب طالباً الإذن للدخول.
“متزعليش مني يا أفنان.. أنتي عارفة أنا بعزك أد أيه.”
“خلاص مش زعلانة بس لو اتكررت هعمل في وشك لوحة بالمواد الكيميائة تمام؟” تحدثت بنبرة جادة.
“أنتي كنتي المفروض تبقي سفاحة مش دكتور ابداً، المهم عايزك تركزي كويس إمتحانات العملي فاضلها أسبوعين.”
“متقلقش أنا مذاكرة كويس.”
انتهي اليوم سريعاً بعودتهم إلى منزلهم، تستيقظ أفنان في صباح الجمعة على رائحة البخور الذي عقم الشقة كاملاً وصوت القرآن المُطمئن للنفس بصوت شيخ ذو صوتاً عذب يُريح كلاً من الأذن والقلب.
“يلا يا أفنان الفطار جاهز.” صاحت ميرال لتستقيم الآخرى من الفراش وهي تفرك عينيها وتتوجه نحو الخارج.
“صباح الفل يا ميمي، صباح الفل يا ماما.”
“صباح الخير يا حبيبتي، يلا أغسلي وشك وهاتي الحاجة مع أختك من المطبخ عقبال ما أبوكي ما يجي من الصلاة.”
نفذت أفنان ما قالته والدتها وتناولوا فطورهم بنهم شديد وسط جو أسري متماسك لكن أفنان كانت تعلم أن كل ذلك سيتحول إلى شجار عند عودتهم من منزل عمتهم، فهي لا تنفك تُلقي ببعض العبارات التي تجعل والدتها تشنعل غيظاً فيقف والدها حائراً لا يدري إلى أي طرف يجب عليه أن ينحاذ بالرغم من أنه لم يكن طرفاً في الحوار من الأصل!
بدلت أفنان ثيابها وانتظرت أسفل العمارة هي وشقيقتها في انتظار والدتهم ووالدهم الذي يُحضر سيارته طراز المئة ثمانية وعشرون، سيارة صغيرة لكنها لطيفة وتفي بالغرض.. سيذهبون إلى قلب حي الزمالك حيث تقطن عمتها في أحدى العمارات هناك.
“مش عايز خناق مع عمتكوا لو قالت حاجة خدوها على اد عقلها مش عايزين مشاكل، انتوا عارفين أن الخطة اتغيرت وبدل ما هنروح لماما هنروح شقة عمتكوا.” وافق جميعهم على تعليمات الأب ظاهرياً لكنه كان يعلم أن المشكلة الكبرى تكمن في أفنان فهي لن تقبل أن يُعلق أي شخص تعليقاً لا يروق لها وأنها سوف تعترض وتتشاجر.
وصلوا بالفعل إلى شقة عمتها وجلسوا جميعاً في ود حتى جاءت ابنة عمتهم لتجلس معهم.. ريماس!
الفتاة المدللة للعائلة والحفيدة المُفضلة كذلك.
“ريماس بنتي تعبانة أوي يا عيني في كلية الطب.”
قالت عمتها مُقتحمة الهدوء السائد في المكان.
“ربنا يكون في عونها.” قالت ميرال بلطف لتُضيف عمتها :
“لكن كله يهون طالما هتبقى دكتورة اد الدنيا ويبقى أبوها يفتحلها عيادة إن شاء الله، ممكن وقتها بردوا يا أفنان يبقى أبوكي يفتحلك صيدلية تحتها وأهو شغل عيادة ريماس ينّفعك.” وضعت أفنان كوب العصير بعصبية أعلى الطاولة أو كانت محاولة لكسره تقريباً، لا تدري ما الذي تحاول أن تصل إليه عمتها ‘سميرة’.
“إن شاء نفرح بيهم وبتخرجهم هما الإتنين الأول وبعدين نبقى نشوف حكاية الشغل دي.” تفوهت والدة أفنان بلطف.
“اه.. بس كده كده مستقبل ريماس مضمون ما هي هتبقى دكتورة لكن الدور والباقي بقى على الصيدلانية.. مش كنتي تدخلي طب أحسن يا أفنان؟”
“أنا مقتنعة بكليتي جداً يا عمتو وناجحة فيها الحمدلله وبعدين ما حضرتك عارفة يعني أني كنت جايبة مجموع طب بس أنا اللي حبيت أدرس صيدلة.”
“كده كده مصاريف طب كانت هتبقى غالية على أبوكي.” بنبرة غرور واستفزاز تحدثت عمتها وهي تُحرك يدها كي يلاحظوا الأساور الذهبية الجديدة التي ابتاعتها.
“والله يا عمتو مش حكاية مصاريف أنا بس بدرس اللي مناسب ليا وبحبه مش بدري أي حاجة وخلاص لمجرد أني معايا فلوس.” اردفت أفنان بإبتسامة صفراء وهي تقصد بحديثها ريماس التي استطاعت الإلتحاق بكلية الطب في جامعة خاصة لأن مُعدلها لم يسمح لها بدخولها دون أن تدفع الآلاف في جامعة خاصة، بالطبع أفنان لم تقصد التقليل من طلاب الجامعات الخاصة بشكل عام فأغلبهم طلاب جيدون ومجتهدين لكن ريماس ليست كذلك.
“أنتي تطولي اصلاً تدخلي جامعة زي اللي أنا فيها.” تحدثت ريماس بغرور لتنظر نحوها أفنان بإمتعاض وتشكل يدها على شكل قبضة.
“ده بركة أن أنا مش فيها والله عشان لو كنت معاكي فيها كنت هخلي اللي ما يشتري يتفرج عليكي يا ريمو يا حبيبة قلبي.” بنبرة مزاح مختلطة بالسخرية قالت أفنان لتشهق ريماس بصدمة مفتعلة ثم تقول:
“شايفة يا مامي بتتكلم معايا ازاي؟”
“مامي؟ لا بقولكوا ايه قولوا لبابا أني هنزل استناكوا تحت.. كفاية عليا لحد كده بدل ما ارتكب جناية.” تحدثت بعصبية وهي تأخذ حقيبتها وتغادر متجاهلة نداء والدتها وشقيقتها.. إن جلست برفقتهم لدقيقة آخرى ستقول ما لا يصح قوله.
تسير داخل الشوارع السكنية بحي الزمالك دون وجهه محدده، لم تبتعد كثيراً عن المنزل وقد كانت تهيئ نفسها لسماع محاضرة في الأدب والأخلاق من والدها عند عودتهم إلى المنزل.. لكنها لم تُخطئ من وجهه نظرها، فعمتها دائماً ما تتعمد إحراجهم بشكلاً أو بآخر ودماً ما تلقي تعليقات حول مستواهم المادي.
صدح صوت رنين هاتفها في الشارع الهادئ لتُخرجه من حقيبتها وقد علمت مسبقاً من هو المتصل.
“الأخبار لحقت توصلك؟”
“أنتي كويسة؟”
“الحمدلله مفيش خسائر في الأرواح.”
“بتكلم بجد يا أفنان.”
” اه يا نوح كويسة أنت فاكر أني هتأثر بالهبل اللي اتقال يعني؟!”
“كونك شخصية قوية وبتعرفي تجيبي حقك ميمنعش أنك ممكن تزعلي أو أن الكلام يجرحك.”
“مش مهم زعلي.. المهم كرامة أمي وأبويا وأن محدش يتجرأ يقول عليهم نص كلمة.”
“هي زعلتك أوي بالكلام؟”
“وهي يعني ميرال محكتش بالتفاصيل؟”
“ادتني نبذة وقالتلي كلم المجنونة اللي نزلت وسابتنا دي.”
“أجمل حاجة في العيلة دي أن كلها بتحترمني.” اردفت بسخرية ليقهقه كلاهما ثم تُردف هي بنبرة لطيفة ولكن جادة :
“ربنا يخليك ليا يا نوح.. أنت مش متصور وجودك جنبي في كل مواقف حياتي عمتاً بيفرق معايا ازاي.”
“ويخليكي يارب.. أنتي كمان وجودك بيفرق معايا وبتبسط لما بنقعد نتناقش ونتخانق كده.”
“حقيقي.. حقيقي أنت أحسن أخ في الدنيا.”
“نعم!!! بعد كل ده وتقولي أخوكي؟!!!”
قال بنبرة أشبه ‘بالردح’ ..
يتبع..