رواية عشق خالي من الدسم الفصل الثامن وعشرون 28 بقلم فاطمة سلطان
الفصل الثامن والعشرون 28
بقلم فاطمة سلطان
اذكروا الله
_____
اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن دعاء لا يستجاب له يا رب العالمين. للّـهُمَّ لا تُؤاخِذْني فيهِ بِالْعَثَراتِ، وَاَقِلْني فيهِ مِنَ الْخَطايا وَالْهَفَواتِ، وَلا تَجْعَلْني فيهِ غَرَضاً لِلْبَلايا وَالاْفاتِ، بِعِزَّتِكَ يا عِزَّ الْمُسْلِمينَ .
________
بعيدان نحن ومهما افترقنا فما زال في راحيتك الأمان .. تغيبين عني وكم من قريب يغيب وإن كان ملء المكان .. فلا البعد يعني غياب الوجوه ولا الشوق يعرف قيد الزمان
فاروق جويدة
__
اغالب فيك الشوق والشوق أغلبُ .. وأطلب منك الوصل و النجم اقربُ , حياتي وموتي في يديك وانني .. اموت واحيا حين ترضى وتغضبُ
أبو الطيب المتنبي
__
أمام المقهي
كان عمر يجلس يضع قدم فوق الآخري ويشرب تلك الأرجيلة ويجلس أمامه علي الطاولة زوج شقيقته متولي ويلعبوا ( طاولة )
وضحكاتهم علي أخرها، فكان في أفضل أوقاته علي الأطلاق قد خرجت كريمة من الحبس دون أن يدفع جنية واحدًا
صرخ متولي بذعر ناهضًا من مكانه وارتعد الي الخلف حينما وجد عمر فجأة وجه مملوء بالدماء أمامه
ففي لحظة ما كان مروان قد جاء دون سابق أنذار واضعًا يده علي مؤخرة رأس عمر دافعًا أياها بأقصي قوة في تلك العلبة الخشبية الخاصة بلعبة الطاولة بأقصي قوة قد أتت له وقتها
ثم أمسك الأنبوب الزجاجي الخاص بالارجيلة التي كان يدخنها عمر ليكسرها علي رأسه تحت صراخات النسوة في الشارع يراقبوا ما يحدث، ولم يتحرك أحد الرجال ولم يحاول أحدهم الدفاع عنه، فصاح مروان بغضب
- جبت أخرها يا *****
نهض عمر مترنحًا ليحاول لمام شتات نفسه فلا يشعر بشيء سوي أن الدماء تسيل من وجه ورأسه ولكنه يريد أن يدافع عن نفسه ولكن ليس به قوة فهو علي وشك فقدانه الوعي ويري الرؤية غير واضحة تمامًا ومع ذلك يحاول
فهتف مروان بنبرة عالية وهو يخاطب الجميع الذي وقف لرؤية هذا الحشد من الرجال
- اللي شايف فيكم أن ده راجل .. يجي يدافع عنه البأف ده مد أيده علي مراتي ومش هعتقه
لم يقترب أحد حتي أن مروة جاءت فمنعها زوجها من الاقتراب وأقسم عليها بالطلاق أذا خرجت من صالون تجميلها وبالفعل توقفت عن المحاولة ودخلت مرة أخري
أمسكه مروان من ياقه قميصه دافعًا أياه ليسقط أرضًا والغريب أن حتي متولي لم يتدخل مما أثار حنق الناس
فمن سيدخل أذا كان زوج شقيقته لم يدافع عنه
فصاحت أحدي النسوة التي تتابع بترقب من بعيد
- هما مالهم مفيش حد من علي القهوة بيحوش عنه
لوت صديقتها فمها بتهكم فأجابت عليها
- ياختي ده راجل عرة وابن ***** ... ساجن مراته هو وأخته البجح وقاعد بيلعب طاولة صحيح الرجالة ماتوا في الحرب .. سبيه يطحن أيكش نخلص من قرفه هو واللي زيه
نعود مرة أخري لمروان الذي يشعر وكأنه يغضب للمرة الأولي في حياته، جلس فوق عمر المترنح أرضًا لا يقوي علي النهوض حتي
فهتف مروان صارخًا بعدما سدد له أكثر من لكمة
- قولتلك زعلي وحش وبلاش أحذرني ... ده أنا قولتلك لو مشيت تسنيم من شارع متمشيش فيه .. أنا فكرت في واحد في و***
دي يستاهل أقتله قولت لا .. وأنا مش هقبل أن راجل يعمل كده في مراتي يمكن لو مرة أقبلها .. علشان كده انا هحجبك يا عمر وهتوبك ولو هبات النهاردة في السجن وله العمر كله ما حد هيخلصك من تحت أيدي
قال تلك الكلمات وهو يسدد له الكثير من اللكمات فأصبح من الصعب تحديد ملامحه فلن يقبل أن يمسها أحدهم بسوء حتي ولو بكلمة ولكن تجرأ ليلمسها بل قام بشد حجابها!!!
الا يكفي ما فعله في الماضي؟!!!
فهذا وحده يدفعه لقتله
أخذ مروان الحجاب الملفوف حول عنقه كوشاح ليقوم بلفها بعشوائية علي وجهه قائلا
- ده انا هخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك يا أبن ***** .. تسنيم وأمها خط أحمر
نهض مروان من فوقه ممسكًا باحدي أرجله ساحبًا أياه أرضًا أمام الجميع وبالفعل لم يتجرأ أحدهم الدفاع عن شخص تطاول علي أمراة
فالاغلبية يروا شجاره مع زوجته في الشارع، وضربه لابنتها وهبوطها من بيتها حافية القدمين في أحدي الليالي منهم من حاول التدخل ومنهم من صمت، من سيدافع عن رجل قد تاجر في المخدرات والجميع يعرف زوجته العاهرة والتاجرة في نفس المجال
غالبًا قد سالت دماء عمر طابعة بقع علي الشارع ولم يعبأ مروان به فبداخله نيران لن تخمد، جاء من الخلف أمين ليراه مروان وهو يحاول أيقافه فهتف أمين بذعر الذي هبط من سيارة الأجرة
- سيبه يا أبني سيبه بقا خلاص طحنته هتروح في داهية أنتَ
بالفعل أنصاع مروان لكلمات أمين فهتف بحدة ومازال غضبه يأكل أحشاءه أسد جريح
- مستني المحضر يا عمر .. كفايا عليك كده كفايا أن كل الناس شيفاك كلب محدش عايز يدافع عنك
_____
كانت أشجان تقف في العيادة الخاصة بالطبيب الذي يخيط جروح عمر بعد أن (جبس) ذراعه، ومعها مروة وزوجها متولي فصاحت أشجان بهما
- يعني أيه ابن *** ميخليش حته سليمة في جوزي ومحدش فيكم يعمله محضر
فهتفت مروة قائلة بتهكم وسخرية وهي تعقد ساعديها
- ياختي أحنا خوفنا نعمل حاجة يجي يفشفشنا أحنا .. ده ضربه ومشي جاره في الشارع كله معلم بدمه .. وبعدين شوفي عمر خاف يعمله محضر
صاحت أشجان بسُخط شديد مُعقبة علي حديث مروة
- أيه بلطجي هيهزنا يعني
- بلطجي أيه ياختي.. ياريته بلطجي ده راجل مش هامه حد ولا بيخاف دكر كده .. وأسمع أنه مقتدر يعني مش بيهمه حاجة وبعدين عمر مرضيش يعمل خشي زعقي فيه هو بدل ما انتِ داخله فينا شمال كده
كانت مروة تتحدث بسخرية لاذعة أثارت حنق أشجان وغضبها، فمروة هي الآخري لديها من الكدمات ما يكفيها فمازال جسدها يؤلمها أثر شجارها مع تلك الشمطاء كما تسميها أبنه كريمة ثم هتفت مستكملة حديثها
- ويكون في علمك انا خت الفلوس وخلاص أم تسنيم خرجت
- بتتصرفي من دماغك يا مروة .. ابقي وعي مراتك يا متولي.. انا ماشية ولما الموكوس أخوكي اللي متشلفط يقوم يجيلي البيت علشان أعرفه ياخد قرارات من دماغه أزاي
قالت أشجان تلك الكلمات قبل أن تنطلق مغادرة المكان
____
في شقة مروان وتسنيم
- خلاص أهدي يا بنتي أكيد هيجي يعني
قالت كريمة تلك الكلمات ولأول مرة الندم يتملك منها لتلك الدرجة، تدمر حياتها مازالت مستمرة في ذلك شاءت أم أبت تَخَرَّبَ استقرارها، فمازالت لا تصدق أن تسنيم وزوجها السبب في اخراجها فكانت تظن أنها ستتركها دون أن يرف لها جفن ولا يمكن أن تلومها في ذلك فستكن محقة!!
"أقدر أحسسك بالتجاهل حتي لو روحي فيكي"
تذكرت كلماته
فهتفت تسنيم القابعة أمامها قائلة وهي تضع وجهها بين كفيها قائلة بنبرة متألمة ومتحشرجة
- مش هيجي أنا عارفة مش هيجي
فهتف أمين باستغراب من كلماتها وكأنها متيقنة من عدم أتيانه
- يا بنتي أنا روحت وشوفته وحوشته عن عمر ومسخره زي ما قولتلك بس أكيد هيجي ليه متأكدة كده يمكن بيهدي بس وجاي
- أنا عارفاه يا عمي مش هيجي النهاردة
قالت تلك الكلمات بوجع يجتاحها، وألم يفتك بقلبها العاشق له، ظلت تردد وبيقين شديد أنه لن يأتي، ذهب عمها حينما أتصلت زوجته به، وذهبت والدتها الي الغرفة
وقد تجاوز الوقت منتصف الليل وكانت تجلس علي الأريكة والغريب أنها لم تبكي وكأن دموعها وعيناها قد جفت رغم ألم قلبها لم تذرف ولو دمعه واحدة؛ والاغرب أنها تجلس في شقة الزوجية الكاذبة لا تدري لما مازال محتفظ بها، فهو كان يخبرها بأنه سيتركها
جاءت والدتها لترمقها بندم شديد من بعيد .. تراقبها وهي جالسة ضعيفة ومتخاذلة وكأنها لم تراها منذ سنوات، رغم أنها تعلم بأنها يجب أن تجد مأوي لها ولأولادها وأخذ متعلقاتها من منزل عمر حتي تتركها وشأنها لا تكن عبأ عليها؛ اقتربت منها قائلة وهي تجلس بجانبها
- يا بنتي طب خشي نامي
- مش جايلي نوم
قالت كلماتها بنبرة جامدة فهتفت كريمة بخجل شديد
- أنا اسفة مش عارفة أزاي كنت مغفلة كده بقا انتِ يا بنتي اللي تخرجيني وتعملي كل ده عشاني بعد اللي حصلك بسببي
رمقتها تسنيم بهدوء وملامح مبهمة لا يُمكنك تفسيرها، فهتفت بخفوت وحقيقة لا يمكن إنكارها
- لأني بنتك وانتِ أمي ودي حقيقة مش هتتغير مهما عملتي فيا .. استحالة أسيب حد ينهش فيكي ولا حد يذلك
قالت تسنيم الكلمات وهي عاقدة ساعديها بثبات تُحسد عليه، لتشعر كريمة بمدي صغرها أمامها فهتفت كريمة بنبرة هادئة
- مروان هيجي وأنا همشي وهبطل اخربلك حياتك يا بنتي
- مروان مش جاي مش هيجي النهاردة أنا عارفة وبعدين مش انتِ المشكلة .. اللي عملته هو اللي مشكلة
تنهدت ثم استكملت حديثها
- تعرفي الأغرب أيه .. أول مرة معيطش .. رغم أني أول مرة أتوجع وألوم نفسي كده .. دموعي خلصت .. شوفت كتير أوي لدرجة أني عارفة أنه لو سابني مش هموت وهكمل حياتي .. بس خسارته يعني أني اموت وأنا عايشة
قالت تسنيم تلك الكلمات بألم يختلج قلبها الذي يشعر بالحزن لبُعاد من قام بجعله يشعر علي قيد الحياة
كان بمثابة صدمات كهربائية لييقوم بإعادة خفقان قلبها، فهو من قام بأنعاشه .. كيف له أن يتركه مُهشم هكذا يضيق بين دوامات أفكاره ومتاهاته
____
بعد مرور أربعة أيام
بكاء وشهقات عالية رغمًا عنها خرجت منها وهي تجلس علي الفراش منكمشة علي نفسها، يقتلها ببعاده عنها وكأنه يعاقبها علي تصرفها بغيابه، والألعن يرسل لها احتياجات المنزل مع حارس البناية ليقوم بفعل واجباته عدا وجوده ليقتلها
هي تسنيم من قالت أنه لن يهزها بُعاد أحد وقسي قلبها ومهما حدث لم يؤثر غياب أحدهما عن حياتها ولكن لما هي واهنة ومتخاذلة وتشعر بالغضب من نفسها لمجرد غيابه، تحتاج لاحضانه الدافئة التي تبث بها الطمأنينة فليأتي ويعاتبها كيفما يشاء لا يختار تلك الطريقة أبدا معها تشعر بألم يحتل قلبها لغيابه
أنفاسها مضطربة قد أخذ كل شيء معه منها، لم تكن تصدق بتلك المقولة
بأن هناك شخص يعني لنا الحياة
فهو يعني لها الحياة مؤسف أنها تعترف بأنها لا تستطيع العيش بدونه لأول مرة تعترف هذا الإعتراف، تجلس في بيتها ومعها والدتها وأشقائها تصالحت مع أقاربها ومع عمها وبدأت عملها علي تلك الصفحة ولكن كل ذلك لا يعني لها شيء أمام فقدانه
طرقات علي الباب خافتة مسحت دموعها هاتفة بنبرة عالية
- أدخل
ولجت والدتها وهي تشعر بالاحراج الشديد فهي المتسببة في تعاستها حتي الآن
- مش هتأكلي يا بنتي
- كلوا انتم مليش نفس
دخلت كريمة وجلست علي طرف الفراش بجانبها قائلة بندم شديد
- يارتني كنت اتحبست ولا دريتي بيا كان أحسن من أنك تعرفي وتيجي وتتخانقي مع جوزك بسببي يا بنتي والله أنا ما عارفة هفضل عقبة في حياتك لغايت امته
- خلاص يا ماما أرجوكي مش وقته الكلام ده اللي حصل حصل
قالت تسنيم تلك الكلمات وهي تمسح دموعها وتحاول أن تتماسك بقدر الإمكان فحديث والدتها يؤلم نفسها أكثر
- طب اديني رقمه أي حاجة أكلمه أنا .. أنا هشوفلي مكان أقعد فيه وهكلمه الاول مياخدكيش بذنب الظروف اللي أنا حطيتك فيها .. سامحيني يا بنتي سامحيني أنا عمري ما كنت أم ليكي في يوم ولسه بدمر في حياتك
كانت كلماتها تزيد من حزن تسنيم فهي تذكرها بالماضي
فهتفت بخفوت
- ماما مش ..
قاطعتها كريمة
- عارفة أنك مش هتسامحيني بسهولة ولا أنا منتظرة ده بس أعرفي أن لاخر يوم في عمري هنتظرك تسامحيني يا بنتي أنا اسفة في حقك والله ما عارفة أقول أيه
قالت كريمة تلك الكلمات بصدق خطئها أكبر من الكلمات لتتحمله أمسكت يد تسنيم وكادت علي وشك تقبيلها لتبتعد تسنيم وهتفت بذعر
- بس يا ماما .. ارجوكي .. انتِ بتعملي أيه .. متعمليش كده تاني حرام عليكي.
_____
في صباح اليوم التالي
كانت تقف أمام المنزل الذي أرسلت لها ريهام عنوانه وقد أخذته من محمود الذي أكد بأنه يبقي عند خاله لأسباب لا يعرفها وتأكدت بأنه هنا لم يكذب قلبها، فكان يظن أنها باردة وحمقاء لا تكترث لحديثه ومزاحه ولكنه لا يعلم أنها منذ أول يوم رأته في بيت والده
تحفظ أحاديثه عن ظهر قلب، كانت تتصنع اللامبالاة رغم أنها تتوق لحديثه وتلمسها كلماته إلي الحد الذي لا يستطيع مخلوق تخيله، دقت الجرس ففتح لها مروان بنفس تلك النظرات التي كرهتها كونها ليست تلك النظرات الشغوفة والعاشقة .. هتف لها بجمود لم تتعهده منه وهي تعرف أنه لا يفعله لغرض المرح
- خشي
ولجت تسنيم بهدوء متأملة أياه؛ فكم تود أن يعانقها ويبثها بأحاديثه وأشواقه التي تشعرها بأنها علي قيد الحياة ولكن معشوقها غاضب وبشدة
أما هو أغلق الباب يطالعها بنظرات مبهمة كان يعلم بمجيئها من خال محمود الذي أخبره بأن ينتظر زوجته لعل الخلاف ينتهي، هتف مروان قائلا
- جاية ليه
قالها بجمود يعكس رغبته في اطفاء نيران أشواقه به، ولكن كانت نيران غضبه تفوق كل شيء، تلعثمت تسنيم وانزعجت من حديثه فهتفت قائلة
- مروان انتَ عايز تعمل أيه كده
- عايز أعمل أيه .. يااه تصدقي مش عارف عايز أعمل
قال كلماته بتهكم فهتفت تسنيم قائلة وهي تبتلع الغصة في حلقها
- مروان بالله عليك بلاش اللي بتعمله ده أنا هتجنن عليك .. وكنت مستنياك تيجي
اقترب منها وهو يرمقها بغضب قائلا
- اجي أعمل أيه
توترت من نظراته ولكنها تأمنه مهما غضب ومهما فعل، لم ينتظرها أن تعقب علي حديثه فهتف صارخًا بها
- اجيلك ساعتها علشان أمد أيدي عليكي يمكن يكون حقي ساعتها مدام انتِ اديتي الفرصة لي ***** علشان يلمسك ويقلعك الطرحة قدام الناس .. وله اجيلك أقولك معملتليش قيمة ولا اعتبار أني جوزك وتحكيلي ايه اللي حصل لا روحتي من نفسك وتتخانقي
وكأنها قد ابتلعت لسانها فلم تعقب بشيء من دهشتها من هجومه التي لأول مرة تراه، ورُبما هو لا يعطيها الفرصة فأستكمل حديثه بغضب جامح لأول مرة يصل في حياته لهذا الغضب
- أجي أقولك ايه .. اخدك في حضني وأقولك متزعليش ولا كأنك عملتي حاجة .. منتظرة أجي أقولك أيه لو فكرتي لثانية واحدة فيا قبل ما تعملي كده لو فكرتي فأنك متخصيش نفسك لوحدك .. لو فكرتي أني مش هسكت وممكن أروح ارتكب جناية ... لو خايفة عليا مكنتيش تعملي كده
كادت أن تبرر ولكن أشار لها بيده بألا تتحدث بكلمات من الممكن أن تزيد من غضبه
- ارجعي يا تسنيم البيت .. أنا متعصب لدرجة متتخيلهاش لدرجة تخليني أعمل أي حاجة ممكن متتوقعاش أنا لو مجتش كان علشان أحميكي من غضبي
كلماته حادة وغاضبة لا تقبل النقاش، كانت صراخاته من قلبه كيف لها أن تفعل به ذلك تسمح لذلك الرجل بأن يقوم بتلك الافعال بها، ذلك الرجل الذي تجرأ وحاول اغتصابها!!!!!
كيف له أن يشرح ألامه وستكن هي أول الضحايا سيقول الكثير من الكلمات التي ستجرحها وتجرح رجولته قبلها
أقتربت من الباب فاتحه أياه قائلة بهدوء دون أن تنظر له
- أنا ماشية يا مروان .. راجعة البيت لغايت ما تهدي .. لو معرفتش تهدي طلقني لو اللي عملته مش هتغفره صدقني أنا مفكرتش في كل ده ولو فكرت مكنتش عملت كده ..
خرجت فورًا بعد أن انتهت كلماتها لن تتنازل عن كرامتها ورُبما ذهبت قبل أن تنهار في البكاء أمامه فهو حاميها وحصنها المنيع كيف له أن يتمكن منه الغضب هكذا ولم تتحمل هي رؤية هذا الوجه منه وهي علي يقين بأنها اذا انتظرت ستسمع أكثر من ذلك
_______
شهر ونصف!!
مر شهر ونصف ولا يري أحدهما الآخر، تجلس مع والدتها في المنزل تنتظره ومنشغله في عملها فقد أرسلت لها كارمن الاشياء التي كانت تضعها في المنصورة فلم تسافر وقررت الاستقرار هنا وستعمل مع أحدي الشركات هنا بخبرتها، بدأت تسنيم في أن تشغل وقتها بتلك المشغولات اليدوية لعل أيامها بدونه تمر وأحيانا تأتي سلوي للجلوس معها وبالطبع معها أشقاءها ووالدتها التي تسعي بأن تقويها وتصبرها علي عودته فهو رجل جريح
فقد أخذت والدتها أشياءها من شقة عمر واضعة أياها في شقة عائلتها وعلي الاغلب ستستقر هناك ولكن تطمئن في البداية علي تسنيم، يرسل لها مروان أحتياجات المنزل مع حارس البناية كعادته الأسابيع الماضية غير مُدرك أنها تحتاجه هو وحده لا شخص أخر ولا شيء أخر لا تريد سواه لم تدرك صعوبة غضبه من قبل
اما هو كان منشغل بتجهيز الفرع الأخر بأموال والده والنصف الآخر بأموال محمود، تاركًا أياها تعلم خطأ فعلتها يموت شوقًا لها أدرك أنها لم تكن أعتياد وحب فقط بل تخطي الحدود في عشقها يظن أن العشق بينهما لم يكن كافيًا ولكنه يريد أن يعرفها بأن فعلتها لم تكن هينة أبدا عليه ويجب أن تنضج وتتحكم في تصرفاتها وتدرك أهمية رابطتها به هو زوجها يجب أن تحترم ذلك مثلما يُقدرها ويخشي علي خدشها بالماضي الذي مرت به يجب أن تخاف علي نفسها وتخاف عليه
خرج من موقع المطعم المليء بالعاملين علي أنهاءه في أقل من الشهر القادم وجد المطر يهطل وبشدة فجعلهم يذهبوا ويستكملوا غدا
أغلق المكان وكان يتمني لو أنه يعود لها وكأنه قد ينتظر شيء ما ... رُبما هو مثلها ينتظر أتصال منها تخبره بأنها تفتقده فقط أشتاق حتي لصوتها، سمع نداءات
- انتَ يا جبران
ظن مروان في البداية أن هناك شخص ينادي علي شخصًا أخر غيره، ولكنه ألتفت حينما وجد شخصًا ما يضع يده علي كتفه فالتفت له وحاول تذكر هويته ولكن هتف الراجل قائلا
- مش انتَ الراجل اللي جيت من كام شهر ساعة ما كنت جاي لشركة الشحن .. أنا البواب اللي كان هناك
تذكره مروان فهتف قائلا
- اه .. ازيك يا حج عامل أيه
- أنا الحمدلله .. انتَ عامل أيه هو انتَ اللي هتفتح مطعم باين هنا
هز مروان رأسه مؤيدًا حديث الرجل
- اه أنا يا حج
- أنا البواب الجديد للعمارة اللي قدامك علي فكرة
- نورت يا حج
- بنورك الا انتَ صحيح أسمك ايه
- مروان .. أسمي مروان
- الشوق والغيرة ، أصدق صفات الحب وأجمل طقوسه
من ساعتها مش ناسيها وكان نفسي أقابلك تاني ولسه كنت جاي في بالي النهاردة
هتف الرجل تلك الكلمات بصدق فأبتسم مروان قائلا بسخرية من حاله
- تاني مرة أقابلك فيها يا حج تقريبا في نفس الظروف
- كلنا علي نفس الحال مش بيتغير الحمدلله يا ابني المهم أننا نكون عايشين راضيين عن حالنا محدش عارف بكرا هنكون علي وش الدنيا وله فارقناها فنخلينا نعيش اليوم بيومه
______
في المساء
كانت تجلس علي الأريكة جفاها النوم حتى وقت متأخر من الليل كعادتها في الفترة الأخيرة فقد خلدت والدتها الي النوم مع اشقاءها منذ ساعتين تقريبًا
أرسل لها رسالة
" صاحية"
لم تصدق عيناها أنه راسلها، وما أن كادت تجيب وجدت صوت مفتاح ما يعبث في باب الشقة ليرفرف قلبها نهضت فورًا من مكانها لتقترب منه ولم يُخيب ظنها كان هو مروان والأصح درعها الحامي ومالك قلبها وجدت هيئته مبعثرة الي حد ما من الأمطار التي تهطل في الخارج
اقتربت منه وعانقته بشدة وكأنها تريد الاختباء في وطنها وأمانها عانقها مشددًا علي خصرها غالقًا باب الشقة الذي كان مازال مفتوحًا بعد
عانقته بقوة ويبادلها بشدة روحه متعطشه لها شهر كامل قد مر ولا يراها به أشتاق لها وإن كذب فيموت شوقًا، ابتعدت برأسها عن كتفه التي كانت تضع رأسها عليها فدس مروان يده في خصلات شعرها ممسكًا بمؤخرة رأسها بتملك واشتياق قائلا
- أنا تعبت منك .. انتِ جننتيني يا تسنيم أكتر ما كنت مجنون .. في كل مرة بحاول استعوب انتِ عملتي فيا ايه مش عارف .. هتخليني ارتكب جناية يا تسنيم
- وحشتني يا مروان .. وحشتني أوي ... حاسه أني هطلع بحلم وانتَ مش قصادي
قالت تلك الكلمات بوهن وضعف شديد، تحتاجه وبشدة مرر أصابعه علي شفتيها باشتياق ذابت روحه بها، هتفت مطوقه عنقه قائلة بنبرة صادقة وكأنها قد نست كل شيء وكأنه تركها البارحة
- هقولك حاجة ما قولتهاش لمخلوق
- لا عايزك تقوليها لمخلوق علشان أنا شيطانين بتنطط قصادي
قالها بنبرة مرحة وكأنها قد عادت له فهو تألم في بعادها أكثر منها وذلك الجليد الذي حاول وضعه علي قلبه قد ذاب
- أنا اللي عملته معايا واللي حسيته معاك بس الايام اللي فاتت يخليني أحطك في عيني العُمر كله وأدعيلك في كل سجده يا مروان انتَ ربنا بعتك تنورلي قلبي ودنيتي كلها أسفة أني زعلتك وعقابي ببعدك صعب عليا أوي.. حتي لو سب....
قاطعها بغضب عاشق وحنق ولكن بنبرة هامسة
- مفيش لو .. انتِ ليا .. هكون أحسن منك وهقولك اللي حسيته معاكي الفترة اللي فاتت كفيل يخليني أتمسك بيكي العمر كله حتي لو عصبتيني
هبط مُقبلا شفتيها بلهفة واشتياق غير عابئًا بأي شيء ساحبًا أياها الي غرفة النوم، كانت تبادله بلوعة وبكل المشاعر التي يمكن أن تشعرها به حتي أنها لم تتحدث او تبعده خوفًا من استيقاظ والدتها أو اشقائها نست كل الدنيا عند حضوره يتصرف قلبها تلقائيً دون حسبان أغلق الباب بالمفتاح فابتعدت عنه هامسة بخجل
- علي فكرة احنا مش لوحدنا ..
قاطعها بنبرة متلهفة وهو يمرر أصابعه علي عنقها
- مفيش كلام دلوقتي ...أنا عايز اتمتع بقُربك وحشتيني أوي المرة دي شوقي أكتر من غضبي
صمت قليلا وهو ينظر لها ويحدق بصره قائلًا
- منك لله يا تسنيم طيرتي أخر برج كنت عايش بيه ومتكل عليه خلاص دماغي طارت رسمي فهمي نظمي
- أنا مني لله
- هو ده اللي مسكتي فيه
قالها وهو يرسم بسمة علي ثغره
عانقها بعشق جارف وعاصف لارواحهما ليبدأ مروان في رحلته المحببة علي قلوبهما بأن يسرقوا بضعة لحظات يمكنهم اشباع روحهم المتعطشة للاقتراب وكأنهما يعزفوا أحدي المقطوعات المتناغمة والمنسجمة فكلا منهما نصف الآخر بقُربه فقط يكتمل
الغضب أقل بكثير من عشقهما فلقد ذاب جليد غضبهم ويتصرف كالعادة قلوبهم