رواية هوس من اول نظرة الجزء الثاني الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ياسمين
الفصل السادس و العشرون من رواية هوس من أول نظرة الجزء الثاني
+
بعد أسبوع كامل في غرفة صالح بالمستشفى ....
+
كان سيف يقف بجانب سرير صالح
يتأمله بأسف بالغ منتظرا تلك الدقائق القصيرة
التي يستيقظ فيها بعد أن ينتهي مفعول المهدئ
ليضطر الأطباء لحقنه مرة أخرى حتى يسيطروا
عليه بعد أن حاول أكثر من مرة إيذاء نفسه...
+
الجميع يجهل مالذي حدث له بالتفصيل و مالذي
أخبرته به هانيا قبل وفاتها بساعات قليلة
حتى تغير حاله هكذا..فصالح لم يكن ينبس
بأي كلمة كلما إستيقظ، فقط يستمر في الصراخ بأعلى صوته و كأنه مجنون أو يضرب رأسه على
حائط الغرفة حتى تنفجر دماءه و في آخر مرة
إستيقظ فيها حطم جميع الأجهزة الموجودة في
غرفته....
طرق الطبيب المسؤول عنه باب الغرفة ليأذن
ليه سيف بالدخول...حياه ثم توجه نحو
المحلول المعلق يتفقده بدقة قبل أن يتفحص
ساعته منذرا بقلق واضح :
-حضرتك صالح بيه هيفوق دلوقتي...أنا هجددله
جرعة المهدئ عشان يرجع.....
1
قاطعه سيف و هو يرفع يده موقفا إياه :
- متعملش أي حاجة و إطلع برا ".
نظر نحوه الطبيب بتردد قبل أن يهتف
مذكرا إياه : بس حضرتك إنت عارف
صالح بيه لما بيفوق بيبقى عامل إزاي و ممكن
يأذي نفسه او يأذيك إنت كمان".
+
لوى سيف شفتيه بانزعاج قبل أن يشير
نحو الباب معيدا كلامه بصيغة جديدة :
- بردو إطلع برا و أنا لو إحتجت مساعدة
هبقى أندهلك إتفضل".
+
إنسحب الطبيب بعد أن فشل في إقناعه
ليظل سيف في مكانه ينتظر بفارغ الصبر
إبن عمه حتى يفتح عينيه.....
مرت عدة دقائق أخرى ليبدأ صالح في
تحريك جفونه معلنا عن إستيقاظه..إبتسم
سيف له حالما وقعت عيون الاخر عليه
مبادرا بالكلام :
- حمد الله عالسلامة يا بطل".
+
ضغط صالح بيديه على مفرش السرير
تاركا العنان لدموعه التي فاضت و كأنها شلال
حالما رأى سيف أمامه فقد كان ينتظر قدومه
كل يوم حتى يبوح له بذلك السر الذي أنهك
قلبه....
تمتم من بين شهقاته التي لم يستطع السيطرة
عليها يلومه بحزن :
- إتأخرت عليا ليه؟ أنا استنيتك كثير ".
+
لمعت حدقتي سيف بدموع مكتومة و كاد أن
يفقد قوته هو الاخر لكنه إستطاع بصعوبة
الصمود في آخر لحظة و رغم ذلك خرج
صوته مرتعشا و هو يجيبه بابتسامة مزيفة :
- جتلك كذا مرة بس دايما بلاقيك نايم...ها قلي
أخبارك إيه دلوقتي أحسن ".
+
دون أي تفكير أو تردد صارحه الاخر بما يعتريه
و هو ينفجر باكيا بينما كانت إحدى يديه تتسلل
حتى توقفت موضع قلبه :
- موجوع أوي يا سيف...و في نار هنا بتحرقني
مخنوق و مش عارف أتنفس.......
+
نظراته المتوسلة و دموعه التي أغرقت
وجهه جعلت قلب سيف يتزعزع لينتفض من
مكانه حتى ينادي أحد الأطباء فرؤيته بهذا الحال
مؤلمة للغاية...
- أنا هندهلك الدكتور حالا.....
+
و من جديد أوقفه صوته الذي نطق بما لم
يكن يتوقعه حين قال :
- لا خدني الجامع أنا عاوز أصلي...هو اللي هيروح
الوجع مني هو بس اللي حاسس بيا... هو بس (يقصد ربنا) ".
+
أسرع نحوه ليسنده بعد أن رآه يحاول تحريك
جسده الضعيف نحو حافة الفراش...ثم أحضر
له ملابسه حتى يغير ثياب المستشفى، رؤيته
بهذا الحال مؤلمة و تمزق نياط القلب جعلت
كل الحصون التي بناها تنهار و دموعه تخذله
لتنزل مالحة مغرقة وجهه، مثبتا المتبقي
من تركيزه حتى لا يتخيل نفسه مكانه
مجرد التفكير في الامو فقط يجعله يجن
...مرر راحة يده بسرعة على وجهه
حتى يزيل تلك العبرات الخائنة ثم أسنده حتى
دلف به الحمام ليشير له صالح بالخروج
حتى يتوضأ و هو يتوسله :
- أرجوك يا سيف متسبنيش...متخليهمش
ينيموني ثاني أنا عاوز أصلي ".
+
أغلق الباب وراءه بعد أن طمئنه بوعده
أن لا يترك أحدا يقترب منه...يبدو أنها لعنة
الحب تنتقل بين أبناء عزالدين حتى تجعلهم
يذوقون طعم الذل و الهوان.. و بعد فريد اللي
كاد يفقد عقله بعد موت زوجته الأولى هاهو
صالح يعيد نفس السيناريو من جديد لكن
بتفاصيل مختلفة.....
رأى الباب يتحرك ليطل من وراءه صالح
بشعره المبلل يمد نحوه يده ليتلقفه كطفل
صغير قبل أن يقع جسده كان باردا يرتعش بشدة
و كأنه كان تحت كومة من الثلج يتمسك به
شهقاته التي لم يستطع كتمانها تصل
إلى مسامعه مع كل خطوة يخطوها...
قابلهم الطبيب و معه طاقم من الممرضين
يقفون أمام باب الغرفة منتظرين الدخول
في اللحظة المناسبة و حالما رآهم صالح
تراجع للوراء محتميا به... كان ينظر إليهم
بذعر و يحرك رأسه بنفي و كأنهم جلادون سيأخدونه إلى المشنقة..
+
لم يحتمل سيف نظراته المرتعبة فلا شيئ يدل
على أن هذا الواقف خلفه هو نفسه إبن عمه
سوى ما تبقى من ملامحه التي تغيرت هي
الأخرى...صرخ بهم على الفور كما كان سيفعل هو
لو كان بكامل قواه :
- مش عاوز أشوف حد قدامي... يلا كل واحد
يروح يشوف شغله ".
+
إنسحب الجميع و راقبهم صالح بارتياح
قبل أن يتقدم نحو الإمام من جديد متمتما
بصوت منتحب : كانوا... عاوزين ينيموني
من ثاني...مش عاوزيني أروح اصلي...
1
ضغط بيده على كف سيف التي كانت تسنده
مضيفا برجاء : أنا مش عايز ارجع على هنا...خذني معاك يا سيف... خدني لمراتي و إبني ".
+
طمأنه سيف و هو يحثه على السير :
- حاضر كل اللي إنت عايزه أنا هعملهولك
خلينا نروح نصلي الأول و بعدين نرجع
القصر".
+
اومأ له صالح الذي إرتسمت على شفتيه
إبتسامة سعيدة رغم الدموع التي كانت تملأ عينيه....
ليلتفت سيف للجهة الأخرى و يستنشق الهواء حتى
ملأ رئتيه ثم زفرها دفعة واحدة حتى بجلي
تلك الغصة التي أرهقت صدره....
+
ساعات مرت و سيف لازال يراقب صالح الذي كان يقبع في إحدى زوايا المسجد يحني رأسه للأسفل
ويضع يداه فوق ركبتيه...حركة جسده الذي كان
ينتفض تزامنا مع شهقاته، جذبت إنتباه بعض المصلين الذين إعتراهم الفضول لمعرفة اي ذنب إرتكبه هذا الرجل حتى يبكي بهذا الشكل.