اخر الروايات

رواية انا لها شمس الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم روز امين



وبينما كُنتُ غارقةً في يأسي وظننتُ أنها النهاية،أتاني الفرچُ من عِند الله لأتيقن أن ما ممرتُ به من أهوال، لم يكُن سوى بداية لنهاية ألامي. 

إنتبه الجميع والتفوا برأوسهم على صوت ذاك الهادر الذي ولج عليهم كالثور الهائج هاتفًا بغضبٍ حاد ظهر بَيِن بمقلتيه وهيأته الغاضبة وهو يقول باحثًا بعينيه بين الجميع: 
-فين مراتي؟ 

وقف عزيز ليتساءل وهو يرمق ذاك الدخيل بعينين يشتعلان غضبًا: 
-إنتَ مين يا جدع إنتَ وإزاي تدخل علينا زي الثور كدة؟! 

وقف عمرو وتساءل بجبينٍ مُقطب بعدما تذكر وجه ذاك الثائر الذي رأهُ منذُ أيام: 
-مش إنتَ وكيل النيابة اللي جيت تزور عمي غانم الله يرحمه في المستشفى؟!


رمقهُ بنظرة نارية ثم أحال عنه بنظره متجاهلاً سؤالهُ ليهتف موجهاً حديثه إلى عزيز: 
-هعرفك حالاً أنا أبقى مين، بس نمشي الناس الغريبة الأول علشان نتكلم براحتنا
ليستطرد بحديثهُ إلى المأذون: 
-وإنتَ، لم دفترك ده وقوم إتكل على الله بدل ما ألبسك قضية أخليك تقضي بسببها بقيت حياتك في السجن

-هتدخلني السجن بتهمة إيه يا باشا...نطقها الرجل بارتياب من مظهر الأخر الذي يوحي بالأهمية ولما استمعه من عمرو عن مركزه المرموق بالدولة ليهتف الأخر بإيضاح أدخل الجميع بحالة من الذهول: 

-بتهمة كتب كتاب واحد على واحدة متجوزة وعلى ذمة راجل تاني وبدون علمها يا شيخ السُلطان

-إنتَ بتقول ايه يا مجنون إنتَ؟!... جملة نطقها عزيز باستهجان ليتحرك عمرو مسرعًا إليه ليهتف متسائلاً بنبرة غاضبة: 
-هي مين دي اللي مرات مين يا روح أمك؟ 

هتف بصوتٍ جهوري مخيف أرعب الحضور من شدة ثباته وصرامته: 
-إحترم نفسك وإتكلم معايا بأدب بدل ما أخلي الست الوالدة تتحسر على شبابك 

نطقها بقوة وهو يشير بسبابته محذرًا إياه لتهتف إجلال بنبرة حادة غاضبة ترجع لغرورها الزائد وعدم تقبلها للإهانة من أي شخصٍ أيًا كان مركزهُ: 

-أم مين دي اللي تتحسر على شبابه يا اسمك إيه؟، إنتَ سامع نفسك بتقول إيه ولا عارف بتقوله لمين الكلام ده! 
لتستطرد بقوة وغرور كعادتها وهي ترمقهُ بنظراتٍ تقليلية: 
-قبل ما تفرح بنفسك قوي كدة يا وكيل النيابة روح إسأل على سيادة النايب نصر البنهاوي، وبعدها إبقى تعالى إتنفخ واتكلم

بابتسامة ساخرة تدعوا للريبة أجابها: 
-سائل وعارف كويس قوي إنتوا مين،إنتِ اللي محتاجة تسألي عن سيادة المستشار فؤاد إبن سيادة المستشار علام زين الدين اللي ساسة مصر وأكبر المناصب فيها بيعملوا له ألف حساب ويتمنوا رضاه
رفع قامتهُ لأعلى ليسترسل برأسٍ شامخ: 
-أما بقى بالنسبة لسؤال المحروس إبنك

وهنا حول بصره إلى ذاك الذي يغلي كفوهة بركانٍ أوشكت على الإنفجار ورمقهُ بتقليلٍ قبل أن يسترسل بإهانة: 
-فأنا هجاوبك علشان تحط لسانك جوة بوقك وتخرس وتاخد بعضك إنتَ والست الوالدة وتطلعوا من هنا حالاً


واسترسل برأسٍ مرفوع أظهر كم إفتخاره بانتسابها إليه: 
-إيثار تبقى مراتي بعقد رسمي وموثق عند محامي وشاهد عليه أيمن بيه الأباصيري والشاهد التاني سعادة المستشار "شريف الخولي"،والعقد تم بعلم وحضور عمي غانم الله يرحمه بذات نفسه. 

نزلت كلماته كالصاعقة على الجميع شلت جميع حواسهم لتجحظ أعينهم وتُفتح أفواههم ببلاهة ليهتف عمرو التي غلت الدماء بعروقه وصعدت لدماغه وكادت أن تفتك بحياته بأكملها من مجرد ذكر ذاك الرجل لنسب إمرأة حياته لهْ: 
-إنتَ كذاب
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمه ليهتف عزيز بسخطٍ: 
-إنتَ بتقول ايه يا ابن الـ...... إنتَ، هي مين دي اللي مراتك، إيثار أختي!، ده أنتَ وقعتك سودة وشكلك كده مش هتخرج من هنا سليم، بقى جاي تفتري على الراجل إكمنه مات ومش هيعرف يكذبك

هتف بقوة واتزان أربك الجميع: 
-إحترم نفسك ومتقولش كلام تتحاسب عليه، ولو مش مصدقني أنا عندي الشهود والإثباتات اللي توثق كلامي
أخرج هاتفهُ واجرى إتصالاً ليفعل خاصية مكبر الصوت كي يشارك الجميع المكالمة،كاد عمرو أن يتحدث لولا إشارة فؤاد التحذيرية له والتي جعلته يخرس ليستمع الجميع لصوت أيمن الذي تحدث بصوتٍ رزين: 
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار

-أهلاً بحضرتك يا أيمن بيه...نطقها بصوتٍ جاد ليسترسل على عُجالة: 
-أنا في بيت عمي غانم الله يرحمه وقولت لهم على اللي حصل كله،بس طبعاً مش مصدقيني، فياريت تحكي لهم اللي تعرفه، هما سامعينك


وقبل أن يتحدث قاطعه عزيز بصوتهِ الغاضب ليصيح مشككًا: 
-حيلك حيلك يا عم الشبح، هما خدوهم بالصوت ليغلبوكم ولا إيه؟،إحنا اصلاً منعرفكش علشان نعرف الأخ اللي بتكلمه ده، مش يمكن يكون أراجوز مأجره علشان يقول بوقين حمضانين يأكد بيهم الهبل اللي جاي تضحك علينا بيه ده؟ 

-إتعلم تتكلم باحترام مع الناس المحترمة ده أولاً، وبعدين إسمع وإنتَ ساكت لأنك متعرفنيش،أنا مش بتاع كلام، أنا رجُل أفعال...نطقها فؤاد بقوة ونظرات توحي لغضبه ليهتف أيهم الحافظ لصوت أيمن حيث قابله بالمشفى ومن قبل عدة مرات حينما كان يسكن مع شقيقته: 
-ده صوت أيمن بيه يا عزيز، لو ركزت فيه هتفتكره لما قابلنا في المستشفى
رمق شقيقه بحدة ليصدح صوت أيمن عبر مكبر الصوت بما أرعب الجميع: 
-لو فيه عندك مشاكل أنا ممكن أكلم لك قوة من الأمن تيجي تحميكم لحد ما تخرجوا من البيت بسلام يا فؤاد باشا

ارتعبت منيرة وعزيز وأيضًا وجدي الواقف بشرود ليهتف فؤاد بامتنان حاد وكلماتٍ مقصودة: 
-متشكر يا أيمن بيه،دي مهما كانت عيلة مراتي وأنا مش حابب أدخل الشُرطة بينا
واسترسل قائلاً: 
-ياريت حضرتك تقول اللي تعرفه علشان ما ناخدش من وقتك ونعطلك عن شُغلك
بدأ أيمن بقص ما لديه قائلاً بتفسير: 
-كلام فؤاد باشا كله صح،سيادة المستشار إتجوز إيثار بعد ما طلبها من بباها في أخر زيارة كانت ليه في القاهرة عند إيثار، والحاج غانم وإيثار كانوا خايفين علشان الوصاية بتاعة يوسف، فـ سيادة المستشار إقترح إن الجواز يكون بعقد موثق عند محامي وعليه شهود ومكتوب فيه المهر ومؤخر الصداق، والحاج غانم الله يرحمه وافق، وانا كنت واحد من اللي شهدوا على العقد وإمضتي وكل بياناتي موجودة عليه

واستطرد للتأكيد: 
-وأظن واحد بمنصب فؤاد علام ومنصب والده الكبير مش محتاج يألف قصة، لا ويجيب فيها شهود زيي وزي مستشار في الدولة علشان يغش ناس بسيطة زيكم

انتهى أيمن من قول شهادته التي وثقت حديث فؤاد وأثبتت صحته لتهتف الأم وهي تهز رأسها بتيهة وعدم تصديق: 
-أنا بنتي متعملش كدة أبدًا، إيثار متكسرش إخواتها الرجالة ولا تضيع إسم أبوها وتحط راسه في الطين

-وإيه اللي عملته إيثار يخجل، هي عاقلة ورشيدة واتجوزت بعقد موثق عند محامي،وبعدين بقول لحضرتك أبوها كان حاضر توثيق العقد،وبالأمارة الكلام ده حصل من أخر زيارة ليه للقاهرة لما قعد يومين في شقة إيثار،نفس تاريخ العقد هو هو نفس زيارته للقاهرة... كلمات نطقها وهو يُخرج العقد من جيب معطفه ليريه للمأذون الذي تحدث بعدما قرأه وقارن بين بيانات البطاقة الشخصية والبيانات المرفقة بالعقد تحت ترقب الجميع بحواسٍ مشدودة: 
-العقد صحيح وبيانات الزوجة هي نفسها اللي موجودة في البطاقة الشخصية

هتف طلعت بعينين تطلق شزرًا: 
-يعني إيه الكلام ده؟ 

اختطف أيهم العقد من يد المأذون ودقق النظر به تحت تحذيرات فؤاد من تمزيقه وإخباره بوجود نسخة أصلية أخرى لدى المحامي، ليتحدث الأخر بذهولٍ وهو ينظر لتوقيع شقيقته: 
-دي إمضت إيثار، أنا عارف خطها وامضتها كويس 

-إمضت مين يا عم أيهم ،هي هتهب منك إنتَ كمان ولا إيه؟، الكلام ده محصلش،إيثار بتاعتي ومفيش مخلوق هيقدر يلمسها غيري، ده انا أهد الدنيا وأخربها على دماغ الكل... هكذا تحدث عمرو بجنون الغيرة ليجذبهُ شقيقه الأكبر بعدما رأه يقترب من فؤاد وينتوي لكمه،ليتحدث بعقلانية بعدما وجد الاصوات تتعالى وتتداخل ببعضها ليتراشق الجميع بحرب الكلمات التهديدية: 
-إهدوا يا جماعة،اللي هيفصل في الموضوع ده هي إيثار نفسها، حد يطلع ينده لها وهي تقول لنا إذا كان العقد ده حقيقي ولا مزور 

هتفت إجلال بنبرة جادة: 
-عين العقل يا طلعت،إطلعي يا أم عزيز إندهي لبنتك علشان تفض المسخرة دي
هتف عزيز بثقة تامة وهو يرمق ذاك الغريب: 
-أنا متأكد إنك مزقوق علينا، بس ورحمة أبويا اللي دمه لسه مبردش في تربته ما هرحمك، ولاحاسبك على كل كلمة قولتها في حق أختي وشرفها

ليكمل عمه على حديثه: 
-شرف بنت اخويا والخوض في عرضها مش قليل يا افندي، ومهما كنت مين وابن مين لازم تتحاسب، بس الاول نتأكد من بنتنا إن كلامك كله افترى وبعديها ييجي وقت الحساب

ابتسم ساخرًا بهيأة تدعوا للتساؤل ليقول بثقة هائلة:
-الفيصل بينا كلام إيثار، وبعدين خوض في شرف إيه اللي بتتكلم عنه، بقول لك متجوزها بعلم أبوها
مال الرجل برأسه ليقول بحكمة: 
-أخويا الله يرحمه كان عاقل وانا بثق فيه، ولو إيثار أكدت على كلامك يبقى هو شاف فيك الراجل اللي هيحمي بنته وعمل الصح

هتف عزيز بحدة موجهًا حديثه إلى والدته الواقفة تنظر بأرضها بذهول لينهي تلك المهزلة بعد كلمات عمه التي أثارت حنقه:
-إنتِ لسه واقفة يا أما، إطلعي إندهي للهانم خلينا ننهي الليلة السودة دي

إرتبكت منيرة وصعدت إلى الغُرفة المحتجزة بها إبنتها لتجد نسرين تجلس فوق الفراش وهي تهز ساقيها وتتطلع على تلك الممددة أرضًا بشماتة والحقد يملؤ عينيها،تحدثت بصوتٍ خافت: 
-إطلعي بره واقفلي الباب وراكي يا نسرين

وقفت ترمق تلك الممدة باستسلام شزرًا قبل أن تخرج وتتركهما بمفرديهما لتقول الاخرى بصوتٍ مرتجف يتمنى نفيها لتلك القصة: 
-فيه راجل تحت معاه عقد جواز وبيقول إنه إتجوزك من شهرين بعلم أبوكِ

نزلت كلماتها على أسماع الاخرى لتشتت عقلها وباتت تسترجع الكلمات مرةً أخرى حتى استوعبها عقلها،لترفع رأسها تتطلع عليها بعدما كانت متحاشية النظر لها لتتساءل بجبينٍ مُقطب: 
-إنتِ بتكلميني أنا؟! 
-هو فيه حد غيرك معايا في الأوضة يا بنتي...جملة نطقتها باستهجان لتسألها الأخرى مستفهمة بعدما استندت على كفيها لتجلس:
-راجل مين ده؟! 

-واحد إسمه فؤاد، بيقول إنه وكيل نيابة...وما أن نطقت باسمه حتى ارتعب جسدها لتلتمع أعينها بوميض الأمل واللهفة بعدما سردت والدتها عليها ما حدث بالأسفل بمنتهى الغباء لتهب الأخرى واقفة ولم تنتظر حتى والدتها لتفتح الباب وهي تهرول إلى الدرج لتلحق بها منيرة بهلع ،نزلت من الدرج وهي تتلفت بعينيها باحثة عنه وما أن رأتهُ يقف كالأسد المغوار حتى تنفست كمن وجدت ضالتها بعد تيهة، نظر على حالتها المزرية بقلبٍ صارخ، عينيها المنتفخة وأنفها الذي تصبغ باللون الاحمر مما جعله يتيقن بكائها الشديد والمستمر لمدة طويلة،بقايا دموعها الجافة والعالقة بأهدابها مزقت كيانه،هتف بنبرة عالية كي ينبهها: 
-متخافيش يا إيثار، أنا جيت علشان أخدك ونروح بيتنا خلاص، أنا خلاص قولت لهم إنك مراتي ووريتهم عقد جوازنا اللي كتبناه من شهرين عند المحامي وكان شاهد عليه عمي غانم الله يرحمه

كانت تنظر إليه بعقلٍ مشتت وعدم استيعاب لما يحدث من حولها، هرول عليها ليمسكها من ذراعها ويُدخلها بأحضانه محتويًا إياها مما جعل الدماء تفور داخل عروق ذاك العمرو الذي هجم عليه ليسحبها باتجاهه متحدثًا: 
-شيل إيدك عنها لاكسرها لك

بحركة أجادها لوى ذراعهُ الذي تجرأ ولمسها به وبلحظة كان ظهره مواليًا له ليلف ذراعه الاخر حول عُنقه في حركة باغتتهُ وشلت حركتهُ،إقترب من أذنه وهمس بفحيح كالأفعى الغاضبة وهو يشدد من لويه ليد الآخر مما جعله يأنُ من شدة الألم: 
-أقسم بالله العظيم لو إيدك القذرة لمستها تاني لاكون دافنك مكانك
ليستطرد بقوة وغيرة اقتحمت جسده وحولته لكتلة من اللهب: 
-فلو حابب تحافظ على عُمرك وعلى اللي باقي لك من كرامتك تبعد خالص عن مراتي. 

تألم لشدة قبضة فؤاد فوق ذراعها الملتوية بقوة وأكثر ما أثار جنونهُ هو نسب حبيبتهُ لهْ ليهتف صارخًا: 
-سيب دراعي يا أبن الـ، بسُبابٍ نائي استطرد هاتفًا قاصدًا شقيقه: 
-إتصل بابوك ييجي يعرفه مقامه ابن الـ.... ده

اسرع شقيقاه إليه محاولين تخليص شقيقيهما من بين قبضة ذاك الغاضب ولكن هيهات، فقد كانت قبضته حديدية صعبت عليهما إنتشال ذاك الحانق ليهتف صارخًا وهو يتلوى يمينًا ويسارًا محاولاً التملُص منه: 
-إنتوا واقفين تتفرجوا عليه،إمسكوه وارموه في الجبل للديابة تاكل جتته

هتفت إجلال بقوة واشتعال بعدما رأت مدلل قلبها يتلوى صارخًا كـ الهِرة في قبضة الأسد: 
-ورحمة أبويا الحاج ناصف واللي عمري ماحلفت بيه باطل،لادفعك ثمن اللي بتعمله ده غالي قوي

اقترب عزيز واضعًا يده فوق قبضة فؤاد في محاولة منه بالمساعدة ليهتف حانقًا: 
-هو أنتَ محدش قادر يلمك، سيب الجدع إيده هتتكسر، إنتَ في بيت محترم يعني يا تقعد بأدبك يا تاخد نفسك وتفارقنا 

-وهو البيت المحترم يجبر مأذون بإنه يكتب كتاب راجل غريب على ست متجوزة... نطقها ساخرًا ليقرر أخيراً ترك ذاك التافة ليدفعهُ بعيدًا عنه ليتلقاه طلعت ساندًا إياه قبل سقوطه أرضًا وذلك بعدما رأى جسده مترنحًا أثر الدفعة القوية

أشار بسبابته متنقلاً بعيناه على الجميع ليستطرد مهددًا: 
-إسمع يا شاطر والكلام للكل، إيثار اللي كنتم بتستقووا عليها زمان غير إيثار اللي قدامكم

وضع ذراعه ليحيط كتفها برعاية وبرغم ارتعاشة جسدها من لمست غريبًا عنها إلا أنها ولأول مرة تشعر بالأمان وبالسند بعد وفاة والدها وبدون إدراكٍ منها تشبثت بثيابه كما الغريق المتعلقُ بقشة نجاته، ليستكمل هو برجولة: 
-من النهاردة اللي هيقرب من مراتي أو يوسف هيبقى كتب شهادة وفاته بإيده،وفؤاد علام مبيهددش،أنا بنفذ على طول

-طب مراتك وفهمناها،ده إذا كانت مراتك بجد ومش جاي عامل فيها سبع رجالة علشان تنقذ حبيبة القلب اللي دايرة معاك على حل شعرها في مصر وأهلها هنا نايمين على ودانهم...كلمات لازعة تفوه بها ذاك الـ "نصر" الذي ولج من الباب الرئيسي للتو ويتبعه جيشًا من رجاله المسلحين الذين يتبعوه أينما ذهب بعدما هاتفته إجلال وقصت عليه ما حدث وطلبت منه الحضور الفوري ليسترسل بقوة وشراسة صقر بعدما اخترق فؤاد بعينيه الغاضبتين: 
-لكن تجيب سيرة يوسف ليه؟، يوسف ده ليه أب وجد بتتهز له شنبات في مصر كلها، ومن الشنبات دي أسيادك اللي فوقيك وبيرأسوك في النيابة
ليسترسل بابتسامة ساخرة: 
-المصالح بقى يا.... صمت ليسترسل متهكمًا بما أخبرته به إجلال عبر الهاتف: 
-مش وكيل نيابة باين؟

نطق كلمتهُ الآخيرة مقللاً من شأن فؤاد ليهتف الاخر بثباتٍ: 
-أه وكيل نيابة وإتقابلنا قبل كده بس شكلك ناسي

نطقها قاصدًا واقعة محضر السُكر الخاصة بـ "عمرو" ليقطب الأخر جبينهُ وهو يعتصر ذاكرته للتذكر ليبتلع لعابه حينما تذكر بالفعل،باغته الاخر بذات مغزى وتهديدًا مُبطن:
-وقريب قوي هنتقابل في مكتبي، يا... يا سيادة النائب... نطقها بابتسامة ساخرة ليستطرد باستفزاز: 
-أه وبالمناسبة،مسمهاش المصالح، المسمى اللايق عليكم هو"حاميها حراميها"

نطقها وهو يُشير بأصابع كفيه بطريقة مسرحية لتشتعل عيناي نصر من وصفه "بالحرامي" أمام ذاك الجَمع الذي طالما إحترموه وهابوه والان وبكل بساطة يُنعت باللص أمامهم من ذاك الجريء،ليهتف بعينين غاضبتان: 
-إنتَ عارف إنتَ واقف قدام مين ومين اللي إنتَ بتقل أدبك عليه ده؟ 

-آه طبعاً عارف،نائب برلمان فاسد واخد من وظيفته اللي المفروض يحمي بيها مصالح الناس ويخدمهم، ستار لأعماله المشبوهة... نطقها بقوة ليبتسم الأخر مرددًا بذات مغزى: 
-مظبوط كلامك، وإنتَ بنفسك هتكون واحد من ضمن أعمالي المشبوهة
التفت لرجاله ليهتف صائحًا: 
-تعالى يا بقف منك ليه خدوه على الاستراحة بتاعة المواشي وارموه هناك على ما نخلص من كتب كتاب سيدكم عمرو وبعدها أفضى له

بلمح البصر كان يُجنب حلة بدلته ليظهر جراب الكتف ويسحب سلاحهُ منه ليشد أجزاءه وبسرعة البرق كان يصوب فوهتهُ باتجاه دماغ ذاك الـ نصر متحدثًا بتهديد مباشر:
-اللي هيقرب مننا خطوة واحدة هفجر له دماغه

هتفت بنبرة حادة لتنبيه ذاك المتجبر قبل أن يتهور أحدًا من الطرفين وتتحول لمجزرة: 
-قبل ما تتصرف بتهور لازم تعرف إن اللي واقف قدامك وبتهدده ده يبقى إبن سيادة المستشار "علام زين الدين" عضو هيئة المحكمة الدستورية العليا

ارتعب داخل نصر وانتفض قلبه حين استمع لإسم ذاك العَلم، الغني عن التعريف"علام زين الدين " ليوجه له الحديث بعدما ابتلع ريقه: 
-الكلام اللي بتقوله إيثار ده حقيقي؟! 

ابتسم ساخرًا ليسألهُ بمراوغة: 
-يفرق معاك؟ 

ارتجف جسد نصر وظهر الإرتعاب فوق ملامحهُ ليسترسل فؤاد بنبرة صارمة:
-خلى التيران اللي إنتَ مشغلهم دول يبعدوا عن طريقنا 

على الفور أشار لهم نصر ليسحبوا أسلحتهم لتتشبث به بقوة وهي تنطق بدموعها المتألمة وعينيها المتوسلة: 
-هات لي إبني منهم يا فؤاد،أخدوه مني ومشفتهوش من إمبارح
مالت برأسها تترجاه بعيناها لتتابع بشهقاتٍ متقطعة بفضل بكائها الحار: 
-خليهم يدهولي يا فؤاد

شعر بعجزٍ أمام دموعها التي نزلت على قلبهِ أشعلته،وشعورًا بالمرارة لم يتذوق لهُ مثيلاً من ذي قبل هاجمهُ،وعلى غرةٍ باغتهُ شعورًا بالغضب اقتحم جسده ولو خرج لحطم كل ما قابلهُ وحولهُ لجحيمًا،جذبها بقوة ليحتوي جسدها المنتفض رُعبٕا كي يحميها ولو باستطاعته شق صدرهُ كي يخبأها بداخله ليشعرها بالأمان لفعلها دون تردُد،تطلع عليها وبنبرة صوت تحمل أمان الدُنيا وحنانها نطق:
-متخافيش،مش هخرج من هنا غير بيكم إنتم الإتنين

هزت رأسها عدة مرات بارتعاب بعدما باغتها شعورًا عجيبًا بالامان برغم ما يدور حولهما من أجواءٍ تنذر بنشوب حربًا تنتظر على الأبواب،حول بصره إلى عزيز الواقف كالفرخ المبلول بعدما استمع وتعرف على شخص ذاك الغريب ليرمقهُ بنظراتٍ جحيمية لو خرجت لفتكت به وحولته لرمادًا في الحال ليصيح بحدة وازدراء: 
-إنتَ، هات الولد حالاً وبلاش تتحداني 

حول عزيز بصره إلى نصر فاسترسل فؤاد بنبرة صارمة: 
-إتقي شري ومتخلنيش احطك في دماغي، أنا لحد الوقت عامل إعتبار إنك اخو مراتي، لكن قسمًا بالله إن ما جبت الولد حالاً لاعيشك أسوء أيام حياتك

ارتعبت أوصالهُ وهتف بصوتٍ مرتبك لينأى بحاله من سخط ذاك المتجبر: 
-الولد عند جده نصر 

بصوتٍ صارم هتف فؤاد أمرًا نصر: 
-إبعت هات الولد

برغم رعبه من فؤاد إلا أنه تحدث بقوة ترجع لعشقه لحفيده: 
-الولد إبننا،وطالما أمه اتجوزت يبقى جدته منيرة أولى بيه،وخلي القانون يُحكم بينا يا باشا

نطق كلماته ليحول بصره إلى عزيز أمرًا إياه بالتحدث ليصيح الاخر بكامل صوته وهو يرمق شقيقته بنظراتٍ إحتقارية لارضاء نصر والحظي بوعودهُ السخية: 
-مش روحتي اتجوزتي من ورانا وجبتي لنا العار،من بكرة الصبح هاخد أمك والمحامي ونرفع قضية ضم حضانة

ارتعب جسدها وخرجت من إحتواء فؤاد ليجذبها ويُعيدها إليه من جديد بعدما شعر بترددها ليُصيح بكامل صوته وهو يدس كف يده بجيب معطفه بعدما جنب السلاح: 
-كويس إنك فكرتني
ليسترسل ساخرًا وهو يُخرج ورقة آخرى وكأن جيوبه اليوم تحتوى على الورق الرابح: 
-والله كنت ناسي

مد يده ليُلقى بالورقة في الهواء ليتابعها الجميع حتى استقرت على الارض وهو يقول: 
-بمناسبة المحامي، الحاج غانم الله يرحمه كتب البيت والأرض اللي حيلته لـ إيثار
وبات يرمق أشقائها الثلاثة ووالدتها بازدراء: 
-الله يرحمه كان عارف ندالتكم وحب يحميها من قلة أصلكم

اتسعت عينيها بتيهة،يا الله،كيف غفلت عن ورقة خلاصها التي تركها لها أبيها الغالي ولم تستعملها كسلاحًا يحميها من أولاءك الذئاب،يبدوا أن الله قد جعلها تغفل عنها خصيصًا كي يحميها من شر هؤلاء المحسوبين عليها أهلاً وما هم إلا بعصابة أرادوا بيعها في سوق النخاسة ليتربحوا من بيعتها،لو علموا أمرها لقبرها عزيز بأرضها وتخلص منها ليحصل على الأوراق،نظرت عليه بتشتُت متعجبة ليراودها سؤالاً باغت عقلها: 
-كيف حصل على تلك الأوراق ومن أين علم بأمرها من الاساس؟! 

في حين صرخ عزيز بعيناي تطلق سهامًا نارية من شدة غضبه: 
-إنتَ كده بقى لعبت في عداد عُمرك، وأنا لحد الارض والبيت ولا هيهمني منصبك ولا دياولوا، إن شالله تكون إبن رئيس الجمهورية نفسه ما انتاش خارج من هنا على رجليك

صاحت منيرة بقوة: 
-إنتَ راجل كداب، غانم لا يمكن يكتب اللي حيلته للبت ويسيب الرجالة من غير سند

مال وجدي على الورقة ليلتقطها وبدأ بقراءة محتواها لينطق فؤاد باستنكار: 
-للأسف،الحاج غانم كان عارفكم كويس قوى
هز وجدي رأسهُ ليقول بحيرة وعدم استيعاب: 
-أبويا لا يمكن يعمل كده،لا يمكن يخالف شرع ربنا ويكتب كل اللي حيلتنا لـ إيثار ويحرمنا من حقنا فيه
ليستطرد وهو يرمق فؤاد بتشكيك: 
-إنتَ بتكذب وكل ده محصلش

هتفت بنبرة قوية مؤكدة كل ما قِيل على لسان فارسها بعدما إطمأنت في وجوده: 
-لا مش بيكذب،بابا فعلاً كان شاهد على عقد جوازي من فؤاد،وقبل زيارته ليا كتب لي كل اللي حيلته بيع وشرا عند المحامي محمد عبدالسلام مسعود،واهو موجود في البلد وتقدروا تروحوا تسألوه وهو هيأكد لكم الكلام

شعر وكأن روحهُ تحومُ هائمة بسماء العشق بعد أن أكدت على حديثه ليتطلع أيهم إليها بشرودٍ تام وحيره من أمره، هو يعلم جيدًا أن الكذب ليس من طبع شقيقته ليهتف عزيز باشتعال روحه وهو يرى أحلامهُ تنهار حلمًا تلو الأخر: 
-والله لو حلفتوا لي من هنا للسنة الجاية ماهصدق إن أبويا كتب لها كل اللي حيلتنا وخد شقانا ورماه في حجرها 
واستطرد باستنكار: 
-ولا إنه جوزها بعقد عند محامي،ولو فعلاً جوزها لك زي ما بتقول،كان هيخبي علينا ليه؟! 

أجابهُ بمنطق: 
-لسبب بسيط جدًا، وهي حضانة يوسف اللي ممكن تروح منها لو إتجوزت بعقد رسمي عند مأذون

بنبرة حادة ووجهٍ ساخط نطقت إجلال بجبروت:
-وأهو اللي خباه إتعرف ويوسف مش هيخرج من بيت جده
حولت بصرها لترمق إيثار باحتقار وهي تتابع بعينين تطلقُ شزرًا:
-مش إختارتي راجل علشان تترمي في حُضنه أخر الليل من غير ما تعملي حساب لإبنك؟
لتسترسل بقسمٍ حاد: 
-ورحمة أبويا ولا يكون إسمي إجلال بنت الحاج ناصف ماهتشمي ريحة يوسف تاني طول ما فيا نفس يا بنت غانم

ارتجف جسدها ليميل عليها ويهمس بجانب أذنها لبث الأمان بداخلها:
-إهدي وإوعي تسمحي لاي حد منهم يوترك أو يهز ثقتك بنفسك،ووعد مني،مش هنخرج من هنا غير ويوسف جوة حُضنك
لم تدري من أين تأتيها كل تلك الثقة به ولا مصدر ذاك الشعور بالأمان الذي يتغلغلُ بكامل حواسها من مجرد الإقتراب منه والإستماع لنبرات صوتهِ الذي أصبح مصدرًا للأمن والأمان،ما كان منها سوى الإنصياع لكلماته وكأنها فرمان جعلها تلتزمُ الصمت وتجاورهُ وهي مازالت تتشبثُ بثيابه كطفلة صغيرة بـ ولي أمرها،إلتف ليطالعها بنظراتٍ كـ ذئبٍ خبيث: 
-مش هتخطي وجود جوزك زي ما إنتِ عملتي وهحترم وجوده ومش هرد على إهانتك لمراتي إحترامًا ليه
ليسترسل وهو ينظر إلى نصر بنبرة أمرة: 
-إبعت هات يوسف علشان يرجع معانا القاهرة يا سيادة النائب

بابتسامة ساخرة رد عليه: 
-أدهولك إزاي وإنتَ لسه قايلها بلسانك يا إبن الأصول، الحاج غانم جوزها لك في السِر زي الحرامية علشان حضانة يوسف متروحش منه

بنبرة قوية نطق بثباتٍ هائل:
- ومين قال لك إن حضانة يوسف هتروح من مامته،القانون بيقول إن بعد زواج الأم الحضانة تُنقل لأم الأم يا رجل القانون
ليستطرد ناظرًا لعزيز بتهديدٍ صريح: 
-وأم الأم مش هتطالب بضم الحضانة لأن ظروفها المادية غير مؤهلة لتربية الولد
واسترسل موضحًا بذات مغزى: 
-وهتربية فين ومنين وهي مجرد ما هترفع قضية الضم هاجي بنفسي مع قوة من الشرطة وأستلم البيت والأرض وأحط عليهم حراسة

وتابع مسترسلاً بتهكم: 
-لكن طول ما انتوا حلوين ومبتعملوش مشاكل تزعلوا بيها مراتي، البيت والأرض هيبقوا بتوعكم لحد ما الولد يتم السِن القانوني، وساعتها إيثار هتنقل ملكية كل حاجة وترجعها لكم تاني

-لا والله كتر خيرك وخيرها...نطقها عزيز وهو يرمق كلاهما بحقدٍ ونظراتٍ لو خرجت لأشعلت بهما النيران على الفور، لولا ارتعابه من منصب ذاك الغريب لفتك به وأنهى حياته وحياة تلك التي جلبت لهم العار على حد تفكيره بل ولم تكتفي عند هذا الحد،فقد استولت على كل ما ترك والده من ميراث عنوةً عن الجميع،شعورًا بالقهر أصابه ولأول مرة وما جعل الدماء تغلي بعروقه هو صمته وابتلاعه لحسرته ومرارة حلقه مجبرًا دون أن يطلق حتى صريخًا يعلن به عن قهرته

نطق نصر بكبرياء: 
-طب ده بالنسبة لنسايبك،لكن إحنا ملناش ماسكة يا باشا، إحنا ناس سُمعتنا زي الفل وحالتنا المادية تخلينا نعيشه ملك، الواد هيفضل في حُضن أبوه لحد ما المحكمة تحكم لنا بالحضانة

بابتسامة ساخرة أجابه متهكمًا: 
-هو أنتَ متعرفش قانون بلدك ولا إيه يا رجُل القانون،المفروض الولد يفضل مع أمه وسيادتك تقدم على طلب ضم حضانة براحتك وتستنى الحُكم

ثم ضيق عينيه مسترسلاً ليسألهُ بتخابث وتهكم: 
-هو مش أبوه بردوا كان معمول له محضر سُكر في النيابة من كام شهر؟
ليهز رأسهُ متأثرًا بتصنُع وهو يتابع بطريقة تمثيلية: 
-طب ده كلام يا سيادة النائب،أنهي محكمة دي اللي هتحكم بضم طفل لأب سُكري؟! 

نطقها لتتحول ملامح وجهه من ساخرة لحادة كالصقر وهو يهتف بحدة: 
-إيثار وإبنها في حمايتي ومش هخرج من هنا من غيرهم هما الإثنين، ولو مش عاوز شوشرة تبعت تجيب الولد حالاً وتسلمهولي
واسترسل مهددًا بنبرة صارمة وعينين حادتين كالصقر: 
-وإلا هخرج من هنا أنا ومراتي على مكتب النائب العام بذات نفسه، وهقدم بلاغ في عضو مجلس الشعب اللي خطف أنثى متزوجة وأجبر المأذون على عقد قرانها من راجل تاني،ولولا وصولي أنا جوزها في الوقت المناسب كان زمان الكتاب إنكتب

ابتلع نصر ريقه وسرت الرعشة بأوصاله ليتابع فؤاد بذات مغزى: 
-الإنتخابات على الأبواب يا نصر بيه،وإنتَ مش ناقص شوشرة في بلد يا ويل اللي بيفقد فيها منصبه،بعيد عنك،بيبقى ملطشة للي يسوى واللي ميسواش،ناهيك عن بتوع الاموال العامة اللي بيجبوه من قفاه ومن أين لك هذا؟ 

نكس رأسه وشعر بالمذلة وهو ينظر إلى إجلال التي رمقته باحتقار لضعفه أمام ذاك الذي نصر إبنة غانم عليها وهي التي منت حالها واستعدت لإذلالها من جديد والدعس على كرامتها لتنتقم منها بشأن واقعة زجها بمدلل أمه داخل السجن والتي لم تتخطاها إلى الآن

صمتٍ مُريب أصاب الجميع ليقطعه عمرو الذي اتجه صوب أحد الرجال المسلحين واختطف من يده السلاح موجهًا إياه صوب فؤاد بتهور بعدما فقد صوابه وهو يرى حبيبته تحتمى منه خلف ظهر أحدهم،مما جعل الاخر يسحب إيثار ليخبأها خلف ظهره لحمايتها أولاً وبسرعة البرق كان يوجه فوهة سلاحه باتجاه رأس عمرو،بدورها ثشبثت بثيابه محتمية به وقلبها ينتفض رُعبًا على فارسها الهمام الذي أتى لينقذها من بيت الأشرار،ليجن جنون عمرو الذي تحدث باشتعال بعدما رأى ذاك المشهد المدمي لقلبه: 

صمتٍ مُريب أصاب الجميع ليقطعه عمرو الذي اتجه صوب أحد الرجال المسلحين واختطف من يده السلاح موجهًا إياه صوب فؤاد بتهور بعدما فقد صوابه وهو يرى حبيبته تحتمى منه خلف ظهر أحدهم،مما جعل الأخر يسحب إيثار ليخبأها خلف ظهره لحمايتها أولاً وبسرعة البرق كان يوجه فوهة سلاحه باتجاه رأس عمرو،بدورها ثشبثت بثيابه محتمية به وقلبها ينتفض رُعبًا على فارسها الهمام الذي أتى لينقذها من بيت الأشرار،ليجن جنون عمرو الذي تحدث باشتعال بعدما رأى ذاك المشهد المدمي لقلبه: 
-مالك شايف نفسك كدة ليه يَلاَ،عمال تؤمر وتتأمر وكأنك في بيت أبوك،اسمع إنتَ بقى خلاصة الكلام ونهايته يا دكر،والله العظيم لو ما سيبت إيثار وخرجت من هنا لاكون قاتلك وراميك للكلاب تنـ.ـهش لحـ.ـمك،وابوك اللي جاي تتحامى في إسمه ده مهيعرف لك طريق جُرة
-عمروووو...نطقها نصر البنهاوي بحدة ليستطرد صارمًا: 
-إرمي الزفت اللي في إيدك ده وإبعد نفسك عن الموضوع ده خالص

-إسمع كلام أبوك يا شاطر وارمي السلاح ليعمل لك واوا في إيدك و روح استخبى في حُضن أمك...نطقها فؤاد متهكمًا مما جعل الأخر يجن ويشد أجزاء السلاح استعدادًا لاطلاق النار بعدما فقد اتزانه وهو يرى حبيبة عمره تحتمي بذراع ذاك الغريب منه،صرخت وخرجت من خلفه لتقف أمامهُ بانتظار إخراج الرصاصة من فوهة المسدس ليجذبها سريعًا ويُعيدها خلف ظهره من جديد ليهتف بصوتٍ صارم وهو يوجه السلاح باتجاه عمرو:
-خليكِ ورايا وإوعي تتحركي

ليسترسل بعينين تطلق شزرًا موجهًا حديثه إلى عمرو المشتعل:
-لأخر مرة هحذرك وهقول لك إرمي السلاح من إيدك قبل ما أفجر لك دماغك بطلقة تخلصنا منك وتحسر أمك عليك

بسرعة البرق وقف نصر أمام نجله ممسكًا بفوهة السلاح ليهتف حانقًا بعدما افقدهُ نجله الإمعة اتزانه: 
-إنتَ اتجننت،هات الزفت ده واقف زيك زي الكرسي

جذب السلاح من يده عنوةً عنه واسترسل وهو يناوله للرجل متوعدًا له: 
-حسابك معايا بعدين 
نكس الرجل رأسه ليستطرد وهو يتطلع إلى طلعت بصرامة: 
-هات يوسف من البيت وسلمه لسيادة المستشار يا طلعت خلينا نخلص

-إنتَ بتقول إيه يا نصر؟!... نطقت بها "إجلال"بتعجب وجنون لينظر لها بمعنى أن تصمت وبالفعل صمتت لتجبر فؤاد وتهديداته المباشرة لزوجها، كاد عمرو أن يهتف باعتراض لكنه ابتلع حديثه حينما رأى نظرات والده الحارقة قبل أن يقوم بصفعه بقوة ألمته وجعلته يشعر كم هو صغيرًا وقلل من مقامه أمام غريمه

هتف فؤاد بذكاء وهو يخطر طلعت قبل خروجه: 
-أحب أنبهك إن والدي سيادة المستشار عارف إني موجود هنا أنا ومراتي
ليسترسل بذات مغزى: 
-ده من باب العِلم بالشئ 

رمقه طلعت بنظراتٍ نارية ليتحدث نصر بعدما قرر بينه وبين حاله تجنب إثارة حنق ذاك القوي: 
-متخافش يا باشا،إحنا ضيوفنا بنشيلهم على راسنا من فوق، ولو جنابك زورتنا في ظروف غير دي كنت شفت كرم الضيافة على أصوله

ابتسم متهكمًا وهو ينطق ساخرًا: 
-لا ما أنا شفت بعيني يا سيادة النائب
ليسترسل بقوة وصرامة: 
-بس أحب اقول لك إن فؤاد علام مابيخافش غير من اللي خالقه

استقل طلعت سيارته وانطلق بها بسرعة فائقة ليجلب الصغير بينما كانت الاجواء مشحونة ليهتف عزيز موجهًا حديثه لتلك المختبأة خلف فؤاد: 
-كل ده يطلع منك،ولعتيها وزي عادتك خسرتينا كل حاجة، لعبتي على الراجل الغلبان وخلتيه كتب لك كل اللي حيلته؟ 

-أنا عمري ماطلبت من بابا أي حاجة،هو اللي عمل ده من نفسه علشان يحميني،كان عارف إن بمجرد موته هتتكاتروا عليا وتبعوني لنصر وإجلال علشان يذلوا فيا من جديد...كلمات نطقتها بنبرات صوتٍ تأنُ ألمًا لينشطر قلب فارسها عليها وهي تسترسل: 
-واللي حسبه هو لقيته أنا،حتى مدتونيش فرصة أحزن على ابويا

خرجت من خلفه لتجاوره الوقوف وبدأت تتطلع على أشقائها الثلاث وتلك التي من المفترض أنها والدتها،تألمت وهي تنظر بأعينهم المتهربة لتنطق: 
-من النهاردة مش عاوزة أشوف وش حد فيكم،مش بس وشوشكم اللي مش عاوزة اشوفها،أرقام تليفوناتكم هعمل لها بلوك،عقد البيت والارض هيفضلوا معايا لحد يوسف ما يكمل السِن القانوني زي ما فؤاد قال،وبعدها هرمي لكم عقودكم تشبعوا بيها
رفعت سبابتها لتُشير به في وجوههم جميعًا: 
-وأي دقة نقص منكم والله العظيم ما هعمل للدم اللي بينا حساب 

رمقتها منيرة باشمئزاز وهي تقول: 
-بقى واقفة بكل بجاحة تهددينا في قلب بيتنا وتتحامي في الغريب

-ده مش بيتك، ده بيتي أنا...نطقتها بحدة لتسترسل وهي تتشابك بأناملها لتلتف على أصابعه مما جعل قلبه ينتفضُ بقوة وهو يتطلع عليها منبهرًا بقوتها وأصالتها: 
-واللي بتقولي عليه غريب ده يبقى جوزي اللي حماني من شركم
رفع قامته للأعلى وشعر بأنهُ سيد رجال العالم وأقواهم،جاء دورهُ ليتحدث بقوة: 
-أنا هكتب على مراتي رسمي وعند مأذون علشان أحفظ لها حقوقها

قطع حديث الجميع دخول ذاك الصغير الذي هتف بسعادة وهو يهرول إلى والدته: 
-مامي
فتحت ذراعيها على مصراعيهما لاستقبال صغيرها الذي حُرمت منه يومًا كاملاً كنوعًا من الضغط عليها كي تستسلم وترضخ للعودة إلى ذاك للعمرو، حملت صغيرها واحتوته بذراعيها دافنة رأسهُ بصدرها،نظر الصغير إلى ذاك المجاور لوالدته ليهتف متعجبًا بجبينًا مقطب:
-شرشبيل؟!
إيه اللي جابك هنا؟!
ابتسم ليجيبهُ بهدوء:
-جيت علشان أخدك إنتَ ومامي

ضيق بين عينيه لتحتضنه إيثار باشتياق وهي تُقبل كل إنشٍ بوجهه،تنفس براحة لينظر للجميع وهو يقول بنبرة حذرة: 
-أنا هاخد إيثار ويوسف وهخرج،ياريت قبل ما أي حد فيكم يتهور ويتصرف بغباء يفكر في العواقب

-متقلقش يا سيادة المستشار،إنتَ في حمايتي،يعني محدش هيتعرض لكم، تقدر تاخد إيثار ويوسف وتطلع من هنا بأمان... قالها نصر بهدوء عكس ما بداخله من استشاطة ليسترسل بنبرة تنبيهية: 
-بس يكون في معلومك، إحنا هنرفع قضية نطلب فيها حضانة الولد، وأظن إن القانون كدة في صفنا، بما إن أمه اتجوزت فكدة الحضانة تسقط عنها، وإنتَ سيد العارفين بالقوانين

-حقك طبعاً، وحقي أنا كمان إني أقف في صف مراتي..نطقها بهدوء ما قبل العاصفة ليُشير بسبابته على الجميع بذات مغزى مسترسلاً بما جعل داخل نصر يرتعدُ خوفًا:
- وأحاول بكل قوتي إني أثبت إن أي حد منكم لا يصلح لاستلام حضانة يوسف، وبناءًا عليه الحضانة هترجع لـ إيثار 

حمل عنها الصغير وحاوطها بذراعه يحتويها وتحرك بهما إلى المأذون مشيرًا بكفه بحدة:
-هات البطاقة
ناولهُ إياها بيدٍ مرتعشة ليتناولها منه لتهتف هي بعدما تذكرت: 
-هاتي تليفوني من عزيز يا فؤاد

أشار بعينيه ليرتعد الاخر وبسرعة البرق كان يُخرج الهاتف من جيب جلبابه ويسلمهُ إياه ليتحرك الاخر سريعًا صوب الخارج محتويًا حبيبته وصغيرها تحت صرخات عمرو الذي هتف بجنون: 
-إنتَ هتسيبه ياخد مراتي وابني وتقف تتفرج عليه؟! 

العقل بيقول نطاطي للريح وبعد ما تهدى نفكر... نطقها بتعقل ليهتف عزيز برعونة: 
-والله العظيم لولا وجودك يا سيادة النائب لكونت طخيته وتاويت جتته في الجبل 

إخرص يا عزيز، مش كل الناس ينفع معاهم طريقتك... قالها بنبرة حادة لتهتف إجلال بنبرة غاضبة: 
-وده ينفع معاه أنهي طريقة بالصلاة على النبي؟! 
-الصبر حلو يا ستهم...نطقها بتوعد. 

هرول عمها خلفهما ليهتف بكامل صوته أمام المارة من أهل القرية: 
-يا أهل البلد، الحاضر يعلن الغايب،أخويا غانم الله يرحمه جوز إيثار قبل ما يموت بأيام لسعادة وكيل النيابة فؤاد بيه

وقفت لتنظر لعمها وبجوارها ذاك المحاوط لكتفها ليقترب الرجل ليجاوره مسترسللً بزيفٍ لحماية وحفظ سيرة أخيه الحسنة وعدم الخوض بشرف ابنته: 
-وانا كنت شاهد مع أخويا،أخويا جوزها علشان يطمن عليها قبل ما يموت وكان ناوي يقول للكل بس الموت كان أسرع، وبنت اخويا الوقت قاعدة في مصر في بيت جوزها وتحت حمايته

توقف المارة وباتوا يتطلعون على ذاك الرجل وهيأته الجذابة وسيارته الفارهة بأعين متسعة،لكنهم تعجبوا كيف تزوجت وكسرت قواعد وجبروت "نصر البنهاوي" ليقترب منهم الجميع مقدمين التهاني للعم والعروسان تحت ارتياح قلب فؤاد واستحسانه لتصرف العم الحكيم، اما هي فنظرت إلى عمها تشكره بامتنان ليقترب منها محتضنًا إياها وهو يقول بصوتٍ حنون: 
-خلي بالك من نفسك ومن ابنك، واسمعي كلام جوزك وصوني عشرته، واضح إنه إبن ناس وشاريكِ، اللي يقف في وش نصر وجبروته يبقى راجل بجد

-ربنا يخليك ليا يا عمي...نطقتها بدموعها التي انهمرت من فرط حنينها ليربط عليها الاخر،تنفس فؤاد ليشكر الرجل واتجه يفتح لها الباب الأمامي لتجلس ثم وضع الصغير فوق ساقيها لتحتضنه مقبلة إياه بجميع أنحاء وجهه بتلهف،اما نصر وعزيز وجميع الماكثين بالداخل فاشتعل جسدهم من تصرف العم الحانق سوى وجدي وأيهم ونوارة

تحرك واستقل مقعد القيادة لينطلق بسرعة فائقة خارجًا من تلك القرية الملعونة،نظرت إليه وبكل معاني الامتنان حدثته: 
-مهما اتكلمت وشكرتك قليل على اللي عملته معايا، معروفك هيفضل فوق دماغي ولو عيشت عمري كله أشكرك مش هقدر أوفيك حقك 

جميل إيه بس اللي بتتكلمي عنه يا إيثار...نطقها بابتسامة هادئة ليستطرد مازحًا بغمزة من عينه اليُمنى هزت كيانها: 
-وبعدين هو فيه شُكر بين الراجل ومراته

ابتسمت بعد أن اعتقدت أن البسمة قد فارقتها للأبد، لتسألهُ متعجبة غير منتبهة لذاك المسحور الذي انتفض قلبه أثر ابتسامتها وجلوسها بسيارته: 
-أنا مش فاهمة حاجة،إزاي وإمتى عملت كل ده؟! 
قطبت جبينها لتستطرد مستفسرة: 
-وعرفت منين إن إخواتي حابسيني هنا وهيجبروني على كتب الكتاب؟! 

تنهد بهدوء ونظر للصغير فوجده قد غفى يبدوا أنه منهك كـ والدته وكان يبكي أيضًا لبعده عنها لذا غفى بمجرد عودته لأحضانها وشعورهُ بالامان،فتح فاههُ ليقطع حديثهُ رنين هاتفه الذي صدح ليجيب في الحال وهو يقول بهدوء: 
-أيوا يا عزة
اتسعت عينيها ليكمل هو: 
-إطمني،هي راجعة معايا في العربية ومعانا يوسف
عزة؟!...قالتها بفاهٍ مفتوح بذهولٍ 

فلااااش باك
عودة للأمس
بعدما أغلقت الهاتف مع منيرة باتت تجوب المكان ذهابًا وإيابًا وقلبها يغلي من شدة رُعبها على ابنتها التي اعتبرتها عوضًا من الله عن العائلة التي لم تحظي بتكوينها،استمعت إلى صوت رنين هاتف المنزل لتهرول عليه وبعجالة كانت تُجيب: 
-مين معايا
نطق ذاك الجالس بغرفته ليقول بصوتٍ هامس: 
-أنا أيهم يا ست عزة

-إيثار عاملة إيه طمني عليها...نطقتها بتلهُف لينطق الاخر: 
-انا بكلمك بخصوصها،روحي لـ أيمن بيه خليه يلحقها، عزيز خلاص اتجنن ومحدش قادر عليه، زي ما يكون ماصدق إن ابويا مات علشان يفرد ضلوعه علينا ويتحكم في الكل

سألته بنبرة حادة: 
-طب وإنتَ واخوك فين من عمايله السودة دي، ما تقفوا له وتنقذوا الغلبانة اختكم من إيده

-مش هينفع يا ست عزة،عزيز كان هيضربني من شوية وانا بحوشها من إيده... نطقها بجُبن لتهتف بنبرة ساخطة: 
-خايف على نفسك ومش صعبان عليك أختك، والنبي إيثار مبلية بيكم كلكم، كتكم الهم إخوات بالإسم وبس

-روحي لـ أيمن واحكي له وخليه يتدخل بس قبل صلاة العشا بكرة...قالها بصوتٍ خجول متألم لتهتف بحدة:
-طب يا أخويا كتر خيرك،إقفل وانا هتصرف

اغلقت الهاتف لتقف لدقيقة تفكر لتهتف وهي تهرول باتجاه غرفة إيثار:
-أنا عرفت هعمل إيه وهروح لمين 
فتحت خزانة الثياب لتُخرج عقد المنزل والارض الذي منحه غانم لإبنته وكعادتها قصت لها ما دار بينها وبين أبيها واخبرتها بكل التفاصيل لتتنهد براحة، 

أما ذاك العاشق فقد حاول الإتصال بها مراتٍ عديدة وبكل مرة يجد بها الهاتف مغلقًا وبالأخير رجح غلقها للهاتف كي تريح عقلها وجسدها المنهك بسبب ما مرت به طيلة الثلاثةُ أيام المنصرمة

صباح اليوم التالي كانت تقف أمام مبنى النيابة العامة التابع لمنطقتهم والتي علمت عنوانه من إيثار حين تم استدعائها أثناء التحقيق بقضية محاولة إغتيال "أيمن الأباصيري"وايضًا بقضية تهجم عمرو،هرولت بداخل المبنى لتسأل رجل الامن قائلة باستفسار: 
-بقول لك إيه يا اخويا، أنا عاوزة اقابل وكيل النيابة فؤاد بيه ضروري

-قصدك فؤاد بيه علام؟...قالها بتساؤل لتنطق هي بعفوية: 
-معرفش إسم أبوه، بس اللي اعرفه ان ابوه راجل كبير قوي في البلد

-هو فؤاد بيه...نطقها بتأكيد لتسألهُ بلهفة: 
-طب دخلني عنده يسترك ربنا
نطق الرجل برفضٍ ليقول معللاً: 
-مينفعش يا ست،لازم يكون عندك استدعا من النيابة ومتحولة عليه،وبعدين فؤاد بيه ده تقيل قوي ومش أي قضية بتتحول له، وهو عنده قضية كبيرة جوة بيحقق فيها ومش فاضي
بعد مجادلات إستمرت لعدة دقائق رفض دخولها بشدة خرجت لتجاور رجل الأمن الخارجي الجلوس لتنتظر خروجه بعد أن طلبت منه أن يُشير لها على شخصه ويرجع ذلك لعدم معرفة شكله،انتهت ساعات العمل الرسمية وهي جالسة لمدة ست ساعات لم تكل من الانتظار لأجل ابنتها،بعد قليل أشار لها الرجل على ذاك الجذاب الذي يخرج بهيبة ويجاورهُ رجلاً يحمل عنه حقيبته لتهرول عليه وهي تقول:
-يا فؤاد بيه،إلحقني يا فؤاد بيه 

قطب جبينه ورفع نظارته الشمسية ليدقق النظر بها لتجيب تساؤل عينيه:
-أنا عزة،اللي بشتغل عند إيثار،اللي بربي لها يوسف
انتفض قلبه حين استمع لاسم حبيبته الغائبة منذ الأمس والتي حاول الإتصال بها لمراتٍ عديدة دون استجابة ليخمن بغلقها الهاتف ونومها نظرًا لما عانته من ألام وأحزان طيلة الأيام المنصرمة ليقرر أن يذهب لمنزلها للسؤال والإطمئنان عنها لكن عزة سبقته وأتت هي إليه،وقفت تقص عليه ما حدث لينتفض قلبهُ رُعبًا عليها ووقف يفكر فيما سيفعل وبعدها طلب منها العقد ليحتفظ به، هرول إلى سيارته وقام بفتح بابها الأمامي ليهتف قائلاً بعدما راودته فكرة سيقوم بتنفيذها لإنقاذها:
-إقعدي إستنيني في العربية على ما أدخل جوة هعمل حاجة واجي لك

-هتعمل إيه جوه يا اخويا،بقول لك البت اخواتها حابسينها وهيرجعوها للمنيل إبن إجلال غصب عنها،تقولي هتدخل جوه؟!...نطقت كلماتها بحدة لتسترسل متسائلة بتهكم وهي تحتوي فكها بكف يدها: 
-هو مش إنتَ بتحبها بردوا ولا كنت بتلعب بيها يا ابن الإصول؟! 

بعينين مشتعلتين نطق بسخطٍ: 
-بقول لك إيه، أنا أكتر حاجة بكرهها في حياتي هي الرغي والرغايين، يا تسمعي الكلام وتستنيني في العربية، يا تتفضلي ترجعي البيت وتستني مني خبر

ابتلعت لعابها من هيأته وعاد هو للمبني واتجه نحو الأرشيف ليخرج منه ملف قضية إغتيال أيمن ليحصل على ورقة بها إمضائها وبيانات البطاقة الشخصية الخاصة بها ليهرول سريعًا إلى الخارج ليتجه إلى أيمن بصحبة عزة بعدما أخبره بالهاتف،جلس واتفق معه على كتابة عقد موثق بتاريخًا قديم وطلب منه الشهادة وأخبره أنهُ قد تقدم لخطبة إيثار وبأنهما أضطرا لتأجيل الموضوع نظرًا لوفاة والدها،وافق أيمن على المشاركة في تلك القصة التي ستنجي تلك المسكينة وستخرجها من براثن هؤلاء الاشرار وذلك بعدما تيقن من نية فؤاد،أوصل عزة للمنزل ثم ذهب لمحامي صديقه وطلب منه كتابة عقد بصيغة قانونية قام بالتوقيع عليه أيمن وسيادة المستشار شريف صديقه

إنتهاء الفلاش باااااك

نظر لها وتابع قائلاً: 
-المحامي كان صديقي خليته يكتب العقد بصيغة قانونية وبتاريخ قديم،ومضى عليه الباشمهندس أيمن وسيادة المستشار شريف علشان العقد يبقى له قيمة قدام إخواتك

سألته باستغراب: 
-طب وإمضتي؟ 
تنهد ليجيبها بإيضاح: 
-بالنسبة لإمضتك المحامي جاب لي فنان تشكيلي يعرفه،رسم إمضتك بحيث اللي يشوفها لا يمكن يفرقها عن الحقيقية

-ومنين جبت إمضتي؟...سؤال وجيه وجهته له ليجيبها بابتسامة:
-من أقوالك في محضر حادثة محاولة إغتيال "أيمن الأباصيري " 
تحدثت بابتسامة واعجاب: 
-ده انتَ مسبتش أي حاجة للصدفة
-شغلي علمني تحري الدقة في أبسط الأمور...ثم
تنهد ليتحدث بجدية: 
-على فكرة يا إيثار، إحنا لازم نتجوز بجد وحالاً
اتسعت عينيها بدهشة ليسترسل مفسرًا قبل أن ترفض متعللة بوفاة والدها: 
-مش هيسبوكي في حالك، اللي اسمه نصر ده شكله مش سهل، هيحاربك بأقذر الطُرق علشان ياخد منك يوسف، علشان كده لازم نتجوز رسمي وفورًا، لأنه أكيد هيدور ورانا ولو عرف إننا مش متجوزين بجد هيستغل النقطة دي ضدك، ومش بعيد يخلي إخواتك يقدموا فيكي بلاغ ويبهدلوكِ، وساعتها للأسف مش هقدر أساعدك، لأن ببساطة مليش أي صفة

تحدثت بتيهة: 
-بس أنا لو سمعت كلامك واتجوزنا يبقى بسهل له مهمته وبقدم له حضانة إبني على طبق من دهب
واستطردت مذكرة إياه بتبريرهُ لطلبه المهين: 
-مش ده كان كلامك ليا؟ 
تنهد بثُقل حينما ذكرته بما حدث بينهما في الماضي ليتحدث بانكسار: 
-إنسي كل اللي قولتهولك قبل كدة وخلينا نفكر في اللي جاي

اتسعت عينيها لتسألهُ بعقلٍ مُشتت: 
-يعني إيه؟ إنتَ كنت بتكذب عليا لما قولت لي إن عمرو هياخد حضانة إبني بمجرد ما اتجوز رسمي؟ 
التف إليها لينطق سريعًا نافيًا إتهامها له: 
-لا طبعاً مكنتش بكذب، حتى إسألي أي محامي صغير هيأكد لك كلامي 
سألته مستفسرة بعدما فقدت تركيزها: 
-طب ولما هو كدة، إيه اللي خلاك تغير كلامك الوقت؟ 

أجابها وهو يتابع الطريق: 
-لأني ساعتها مكنتش أعرف ظروفك بالظبط
واسترسل قاصدًا قصته مع نجلا: 
-وفيه أسباب تانية هقولها لك بعدين،ده غير إن موضوع العقد اللي بباكي كتبه لك قوى موقفك وعززه،وقضية السُكر بتاعت طليقك نقطة قوى بالنسبة لك، زائد إن من النهاردة هبتدي أدور ورا نصر وأكيد هلاقي ثغرات تملكنا من رقبته وتخلينا نكسب القضية بسهولة
اكمل بإبانة: 
-من الاخر كده مش عاوزك تشيلي هم حضانة يوسف وإعتبري الموضوع منتهي، المهم الوقت إننا نعدي على أي مكتب مأذون شرعي ونكتب الكتاب

تعمقت بالنظر لمقلتيه وبرغم الألم التي تشعر به بسبب الهاجس الذي اقتحم مخيلتها بأنه كان يكذب عليها بشأن الحضانة ويرجع هذا لتشتتها لكل ما حدث لها اليوم وعدم تركيزها وتفكيرها بشكلٍ صحيح، إلا أنها استرسلت بامتنان: 
-جميلك هيفضل طوق في رقبتي مش هيحلني منه غير الموت 
لتسترسل رافضة: 
-بس أنا مش هقدر أتجوز واخسر إبني،أنا هعرف أحمي نفسي كويس منهم وكفاية إني هعيش مع إبني في سلام

تنهد بضيق وتحدث بدهاء بعدما استشف من حديثها إستحالة موافقتها،فالوقت ليس بصالحهما ولا يوجد رفاهية لديهما للجدال: 
-سيبك من أي كلام فرعي وفكري في مستقبل إبنك ومصلحته،نصر مش هيسيبك في حالك، وأظن إنتِ شوفتي بنفسك نفوذه وسطوته وتحكمه في اخواتك، ده أمرهم يحبسوكِ ويبعدوا ابنك عنك علشان يبتزوكِ وتوافقي مرغمه على جوازك من الحيوان الي اسمه عمرو، تخيلي بقى لو اخواتك عرفوا إن الراجل اللي إدعى إنه جوزك وإنتِ خرجتي معاه ورافقتيه في عربيته، واكتشفوا إن كل ده كذب، هيعملوا فيكي إيه؟

شردت بصحة حديثه ليستطرد مستغلاً تشتتها: 
-ده غير إن أنا الوحيد اللي في إيدي أساعدك وأخلى يوسف ميسبش حُضنك

-بجد هتساعدني في موضوع حضانة يوسف؟... سؤال وجهته له بتلهف ليجيبها بتأكيد بعدما استشف بداية مبشرة: 
-أكيد لما تبقي مراتي رسمي هحارب الدنيا كلها علشانك، ولو وصلت إني استخدم نفوذي وده اللي عمري ما عملته ولا أتبعته، لكن هستخدمها علشان أحافظ عليكِ إنتِ ويوسف

شعرت بصدق حديثه وارتجف جسدها حين استشفت العشق من شعاع عينيه مما جعلها تبتلع لعابها، سألها مجددًا بعدما شعر باستجابتها: 
-قولتي إيه يا إيثار، نعدي على مكتب مأذون شرعي نكتب الكتاب وتروحي معايا على بيتي وتبقى في حمايتي إنتِ وابنك
صف سيارته بجانب الرصيف ليستطرد بصوتٍ خفيض:
-ولا أوصلك لشقتك؟ 
ضمت صغيرها الغافي وقربته أكتر من صدرها بحماية وبدى على ملامحها التشتُت والضياع ليستطرد هو برجولة متفهمًا تخوفها: 
-أنا عارف إنتِ بتفكري في إيه ومش عاوزك تخافي، جوازي منك هيكون لغرض الحماية ده في الوقت الحالي لأني مراعي ظروف وفاة والدك وتشتتك من اللي حصل من إخواتك،ولو حصل واتجوزنا هتقعدي مع يوسف في أوضة مخصصة ليكم لحد ما تجي لي بنفسك
ثم تعمق بعينيها واسترسل بكلماتٍ خرجت منه مرغمًا: 
-ولو مش عاوزاني أقرب منك نهائي أنا هحترم ده، أنا أه بحبك وعاوزك بجنون، بس أكيد مش بالشكل ده

تحمحمت لتنطق بكلماتٍ بعيدة كُل البعد عن ما تشعر به الآن تجاهه من عِشقٍ لكنها مضطرة لقوله لحفظ كرامتها فقط: 
-لو طلبت منك إن الجواز يكون بمدة معينة لحد ما أظبط أموري وأعرف أأمن نفسي أنا ويوسف توافق؟

-موافق...أومأ برأسه وهو ينطقها بصوتٍ مختنق برغم تيقنه من شعورها تجاههُ وكشفه لما بداخلها عن طريق عينيها التي افصحت عما بقلبها من عشقٍ جارف له لتسأله هي من جديد: 
-وطول المدة دي مش هتلمسني، يعني العقد هيكون صوري

صرخ داخله مطالبًا إياها بالرحمة لقلبه المسكين، تلاشت نظراته العاشقة مبتعدة ببصرها لينطق بصوتٍ رجولي: 
-زي ما تحبي،وعاوزك تعرفي إن مش أنا الراجل اللي اتطفل وأجبر مراتي على معاشرتي، لو هي مش عوزاني أكتر ما أنا عاوزها يبقى متلزمنيش حتى لو كانت روحي فيها

ابتلعت لعابها واحتقرت حالها لنطقها لتلك الكلمات الجارحة لذاك الشهم لكنها معذورة،فلابد من تأكدها من جديته بقصة الزواج منها فبالاخير هي منذ قليل كانت ستباع بسوق النخاسة بأيادي أشقائها فمن أين ستأتي بالثقة الكاملة بالأخرين؟! 

نظر لها متعمقًا بعينيها بنظراتٍ تصرخ غرامًا علها تشعر بولهه لتبادلهُ إياها بخجلة وتسحب بصرها عنه باستحياء،قاد سيارته من جديد ليصفها عند أقرب مأذون شرعي جاء بطريقهما ونزلا وعقدا القران تحت سعادة قلب فؤاد الذي تنفس وشعر أخيرًا براحة اجتاحت كيانه بعدما اطمأنت روحه،استقلا السيارة من جديد لينظر إليها وينطق بعينين يملؤهما العشق والوله:
- مبروك يا حبيبي،عقبال ما ترضي عني وتدخليني جنتك
ابتلعت لعابها خجلاً وسحبت نظراتها بعيدًا عنه ولولا ظروف وفاة والدها الحبيب وخجلها لارتمت داخل أحضانه لتحتمي بداخلها وتُريح روحها المُتعبة،ابتسم لرؤية خجلها وتشتت عينيها ليتابع بصوتٍ سعيد مُبهج:
-خلينا نروح على القصر علشان نتعشى سوا،أنا ما أكلتش طول اليوم وأكيد إنتِ كمان ما أكلتيش

ابتسمت وهزت رأسها بخفوت ليقود سيارته متوجهًا صوب قصر والده الفخم لينطق بهدوء: 
-عزة هتجي لك بكرة علشان هتقعد معانا،أنا بلغتها تجمع لك حاجتك الضرورية إنتِ ويوسف وأي حاجة تحتاجوها أنا هجيبها لكم 

-متشكرة يا سيادة المستشار...نطقتها بصوتٍ رُغمًا عنها خرج مبتهجًا ليقاطعها بغمزة من عينيه: 
-إيه سيادة المستشار دي كمان،أنا جوزك، يعني تدلعيني وتقولي لي فؤادي
واستطرد مازحًا ليخرجها من كل التوتر التي عاشته بالايام الماضية والذي ترك أثرًا كبيرًا ظاهر بملامحها وصوتها الحزين: 
-ولا اقول لك، قولي لي شرشبيل
ضحكة سعيدة إنطلقت رغمًا عنها ليسعد قلبهُ لرؤيتها بهذا الشكل،قطع حديثهما وصولهما لباب القصر ليدلف بالسيارة بداخل الحديقة بعدما فتحت البوابة إلكترونيًا،باتت تنظر حولها بذهولٍ من شدة جمال تلك الحديقة ومساحتها الشاسعة وذاك البناء الشامخ،لمحت رجلان وأمراتان يجلسون حول حوض السباحة ويبدوا من هيأتهم أنهم عائلته

توقف بسيارته وترجل ليتجه للباب الاخر ويفتحه ليحمل عنها الصغير حيث مازال غافيًا ويضع رأسه على كتفه ثم بسط يده ليحتوي كفها بين خاصته وتحرك بها نحو أعين عائلته الذين قضبوا أجبانهم متعجبين ذاك المشهد الغريب، من تلك التي تُمسك بكف فؤاد ومن هذا الصبي الذي يحمله على كتفه،أقبل عليهم ليتحدث فؤاد موجهًا حديثه لتلك التي سيقتلها الخجل وهو يُشير إلى عائلته: 
-تعالي أما أعرفك على عيلتي، ده سعادة المستشار علام باشا زين الدين،ودي والدتي، الدكتورة عصمت الدويري
واسترسل مشيرًا لشقيقته بابتسامة حنون: 
-أما الاستاذة فدي فريال أختي الوحيدة، وده جوزها دكتور ماجد
أومأت برأسها بابتسامة خجلة كتحية منها ليقابلوها باستغراب وأعين تملؤها ألاف التساؤلات،ليقطع فؤاد شرودهم حين اقترب منها ليضمها إليه بعدما لف ذراعه حول كتفها باحتواء تحت ارتعاشة جسدها لينطق بعينين تشعُ سعادة وقامة مرتفعة: 
-ودي إيثار، مراتي.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close