رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل العشرون 20 بقلم سهام احمد
حقائق غائبة.
عندما نخفي الحقائق يكون هناك سر اكبر من طاقة تحمل هؤلاء الاشخاص الذين نخفي عنهم، لا تخفي الحقائق سدى، دائما ما يكون هناك سبب لاخفائها، وربما يكون الضرر الذي يلحق بمعرفتها اكبر بكثير من الفائدة التي تكمن في معرفتها، لكن بالرغم من ذلك لا تخفي الحقائق مهما كان ما يختبئ خلفها.
جلس فارس وسارة وليلى، اخبرتهم ليلى بما حدث معها في الماضي وكيف اخذ فوزي فارس في صغره وتسبب بموت امها، واخبرتهم بكل ماحدث بينهم حتى انفصلوا عن بعضهم.
قال فارس بحزن:
-يااااه ازاي متقوليليش كل ده يا ماما وتفضلي كاتمة في قلبك؟!
-كنت خايفة عليك يا فارس، خايفة لما احكيلك اللي حصل بينا تكرهه، وخايفة كمان تبعد عني وتروحله.
-يعني فكرك اني صغير ومش واعي للدرجادي، انا ماليش في الدنيا غيرك انتي امي وابويا، انتي اللي ربتني وعشت معاها عمري كله، معقول اسيبك وامشي لواحد مفكرش يطمن عليا مرة من اكتر من عشرين سنة.
-لأ يا فارس يبني الحق يتقال ابوك كان بيطمن عليك دائما من خلال الدكتور خالد صاحبة، واللي كان جوزي في يوم من الايام، بس انا سبت خالد وهو اتجوز وسافر ومن وقتها منعرفش عنه حاجة غير من كام يوم، سمعت انه رجع بالصدفة هو وبنته.
-طب ليه مفكرش يجي يشوفني حتى، ليه مفكرش اني محتاج لحضن ابويا ووجوده جنبي؟
ربتت سارة على كتفه تواسيه وقالت:
-الكلام ده هو بس اللي يقدر يجاوبك عليه يا فارس، انت لازم تشوف بابا وتحكي معاه وتسأله عن كل اللي انت عايز تعرفه.
وقف فارس يرفض بشدة:
-لأ طبعا اشوف مين، انا مش عايز اشوفه يا سارة.
-ماتبقاش متسرع يا فارس، المفروض والصحه انك تسمع منه هو كمان زي ما سمعت من طنط وتفهم اسبابه، انا عشت مع بابا عمري كله يا فارس وعارفاه كويس؛ علشان كده بقولك لازم تشوفه.
رفضت ليلى ايضا بشدة وخوف:
-يشوفه فين؟ انتي عايزة ابني يبعد عني تاني يا سارة، فارس مش هايروح مكان ابدا، فارس انت هاتروحله فعلا؟
-اهدي يا ماما اهدي، ماما معاها حق يا سارة الدور على بابا دلوقتي هو عرف اني عرفتك وعرفت إنه لسه عايش وموجود، لو هو عايزني ويفرق معاه اني اعرف منه واسمعه اكيد هاييجي علشاني، اما لو مش فارق معاه غير وجودك هنا، تأكدي انك هاتفضلي اختي مهما حصل بيني وبينه.
قالت سارة مستسلمة:
-طيب يا فارس اوك اللي تشوفه، انا هنزل بقا علشان اجتماع اشرف بيه بالليل وانت كمان حضر نفسك على الموعد.
-تمام اوك خلي بالك من نفسك.
عندما كانت سارة تستعد للخروج امسكت بزراعها ليلى، اردفت تنظر إليها باستغراب، ثم قالت ليلى بلطف:
-سارة ارجعي البيت يا بنتي، ماينفعش تقعدي في فندق وبيت اخوكي الكبير موجود، ارجعي البيت.
نظرت إليها سارة مبتسمة بفرح وعادت النظر إلى فارس، اومأ برأسه إليها أن تقبل، ابتسمت وقالت:
-اكيد طبعاً متشكرة يا طنط.
ضمتهم إليها وخرجت إلى صالون التجميل للاستعداد للحفل.
~~~
في قصر السيد ضاهر رحمه الله، ينادي فوزي بغضب:
-روبا روبا؟
-نعم يا فوزي بيه.
-قولي لمصطفى يحضر العربية انا رايح المطار، بسرعة.
-حاضر حاضر يا بيه.
خرجت روبا مسرعة لتخبر مصطفى بطلبه فضربت زوجته سلمى دون قصد عند خروجها من غرفة مكتبه، اوقفتها سلمى تتسائل ما بها:
-على مهلك يا روبا في ايه؟
-بعتذر يا سلمى هانم انا اسفة، فوزي بيه طلب مني اقول لمصطفى يحضر العربية علشان رايح المطار.
-مطار؟! مقلكيش ليه؟
-لأ يا ست سلمى.
-طيب روحي انتي اعملي اللي قالك عليه.
طرقت سلمى بابا الغرفة ودخلت إليه:
-فوزي انت مسافر والا ايه في حاجة؟!
-عرفت يا سلمى عرفت.
-هي مين اللي عرفت مش فاهمة؟
-سارة عرفت بموضوع فارس اخوها.
-انت بتقول ايه سارة بنتي، طب هي كويسة فيها حاجة انا عايزة اروح لها يا فوزي ارجوك.
-سارة كويسة يا سلمى اطمني بس انا اللي مش كويس انا اللي خبيت عليهم كل ده وحرمتهم من بعض، حتى فارس مشفتوش بقال حوالي عشرين سنة، انا مش عارف هايقابلني ازاي بعد العمر ده كاه؟
-فوزي انت مالكش ذنب انت حاولت كتير توصله ومامته هي اللي متعتك منه.
-عارف يا سلمى بس ليلى كانت معذورة برضوا.
-انت بتبررلها يا فوزي، ايه عذرها في انها تحرم ابن من ابوه واخوات من بعض؟!
-انا مش يبرر يا سلمى ولا حاجة انا بقول الحقيقة، انا هسافر لازم تواجه فارس وسارة واتكلم معاهم.
-طب وليه انت تسافر ماتقوله يجي هنا وواجهه براحتك.
-لأ يا سلمى ماينفعش هو اللي يجي دلوقتي، انا اللي لازم ارحلة، إنما هو يجي بعد كدة وقت مايحب ييجي لكن لازم انا اروحله على الاقل اشوفه واملي عنيا منه شوية.
طرقت روبا الباب وقالت:
-فوزي بيه العربية جاهزة.
-تمام روبا شكرا ليكي.
بدأت سلمى تشعر بالغيرة من حديث فوزي عن ابنه، وبدأ يتكون داخلها خوف وغيرة على ابناءها من وجود فارس بينهم، او أنه سيأخذ املاكه ويتقاسم معهم كل شيء يملكه والده.
لكنها انتظرت أن ترى ما سيحدث اولا ولم تستبق الاحداث، وقررت أن تراقب من بعد.
سافر فوزي إلى مصر ونزل بنفس الفندق التي تقيم فيه ابنته، لكنه لم يجدها واخبره موظف الاستقبال انها غادرت الفندق اليوم برفقة اهلها.
علم انها غادرت مع فارس وليلى، فذهب إلى منزل ليلى ووقف أمام المنزل يتطلع إليه ويستعيد زكرياته معه، دخل وطرق الباب فقامت ليلى بفتحه، صدمت من رؤيته وقالت:
-فوزي؟!
-ازيك يا ليلى، لسه زي مانتي جميلة ماتغيرتيش.
وقف ينظر إليها وكأن روحه تسلب منه بالبطيء، فمازالت عشقه الاول والاخير، اما هي فكان عشقها الاول لكنه لم يظل الاخير بعد اقترابها من خالد لفترة من الزمن.
-ايه اللي جابك يا فوزي؟
-مش هاتقوليلي اتفضل طيب؟ والا خلاص مبقاش في حساب حتى للعشرة اللي كانت بينا.
-لأ طبعا ازاي اتفضل مهما كان البيت كان زي بيتك في يوم من الايام، وبيت ابني مفتوح لاي حد من طرفه.
دخل فوزي المنزل لكن سارة وفارس لم يكونوا هناك، استقبلته ليلى وجلس معها واخبرته كيف علمت ابنته بالامر وقالت له:
-ازاي جالك قلب انك تخبئ عليهم حاجة زي دي كل ده، ايه مستعر من ابنك ومش عايزه يعرف إن ليه اخوات، والا مش عايز ولاد الهانم يعرفوا ابن بنت النجار؟
-ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده يا ليلى، انا عمري ما فكرت كده، افتكري كام مرة حاولت اتواصل مع ابني وانتي ترفضين وتبعديني عنه، عذرتك بسبب الغلطة اللي حصلت مني زمان، وخفت اقسى عليكي علشانه تجرالك حاجة واكون انا السبب واعيش بالذنب طول عمري زي مانتي عيشتيني.
-عموما مالوش لازمة الكلام دلوقتي اللي حصل حصل، فارس وسارة مش هنا عندهم شغل برا وهايتأخرو، عندهم اجتماع مهم او حاجة كدة.
-ماشي يا ليلى انا همشي ولما تيجي سارة وفارس عرفيهم اني جيت وخليهم يكلموني، عايز اقعد معاهم.
-هاتروح فين دلوقتي تقدر تقعد تستناهم، احنا برضوا بنفهم في الاصول يا فوزي بيه، دي اوضة فارس وهنا قاعدة سارة، مكان ماتحب تقدر تقعد فيه.
-كتر خيرك يا ليلى شكرا، انا هستنى في اوضة فارس لو معندكيش مانع.
-لأ طبعا اتفضل، انا هحضر العشا، فارس وسارة هايتعشوا برا.
-لأ انا متشكر بس محتاج ارتاح شوية لحد مايرجعوا.
-زي ماتحب اتفضل.
دخل فوزي غرفة فارس والتي كانت غرفته سابقاً عندما كان يغضب من ليلى كان يرقد بها، استعاد تلك الزكريات الجميلة التي رغم مرور اعوام عليها الا انها مازالت تتخلل قلبه وعقله كأنها حدثت بالامس.
تجددت روح العاشق داخله عندما رأى ليلى، لكنه يعلم جيدا إنه خسرها للابد، لكن لا مانع من أن يظل قلبه معلق بها فهو قلبه، ولا سلطان لاحد عليه، حتى إنه لم يستطيع السيطرة عليه بعد كل هذه الاعوام، مازال يقفز فرحا من رؤيتها بالرغم من كلامها القاسي.
سهام احمد
سندريلا القلم