رواية مذاق العشق المر الفصل الخامس عشر 15 بقلم سارة المصري
خرج يوسف من المرحاض بعد ان انتهى من تبديل ملابسه وأخذ حماما دافئا أزاح عنه كثيرا من ارهاقه .. وجدها لازالت على حالها تفرك يدها وهى تجلس على طرف الفراش دون أن تبدل ثيابها ، وقف أمامها قائلا وهو يجفف شعره بمنشفة :
" انتي لسة مغيرتيش ؟؟؟"
ردت وهي تنظر الى اللاشىء :
" ليه يا يوسف ؟؟؟"
تراجع خطوتين وهو يتوقف عما يفعله ليسألها في حيرة :
" هو ايه اللى ليه ؟؟"
نهضت وهي تمسك بفستانها هاتفة :
" ليه عزمتها ؟؟؟...بتعزم واحدة من صحباتك القدام على فرحنا يا يوسف ..وكمان الهانم بتسألني لو صداقتكو تنفع تستمر ولا لا "
بسط كفه فى دفاع :
" انا معزمتهاش يا ايلينا متجيبش الكلام من دماغك "
ابتسمت في سخرية :
" والله.. وهيا بقا من باريس عرفت المكان والزمان وكل حاجة وجاية تباركلنا صدفة ..قالت قدامي انك قولتلها انك اتجوزت انا سمعتها "
رد وهو يلوح بكفيه :
" ايوة قلتلها انى هتجوز من فترة عشان أقطع أي صلة بينا ..لكن لاعزمتها ولا كلمتها "
وضعت يدها في خصرها تصر على اتهامها له :
" أومال هيا عرفت منين ؟؟"
مسح وجهه وهو يحاول ان يهدأ ...لا يريد أن يضع شكها به من أول ليلة لهما سويا في باله:
" هوا خبر جوازنا سر؟؟؟... المفروض أنه منشور في كل الجرايد وكل الناس عارفة المكان والزمان "
أطرقت ارضا وهي تلوم نفسها على تسرعها واندفاعها وعدم قدرتها على ترويض غيرتها فاقترب منها قائلا في عتاب :
" أنا وعدتك اني عمري ما هجرحك ابدا ...بص واضح أن عمر ما هيبقا عندك ثقة فيا "
رفعت رأسها فى بطء وهمست في خجل :
" يوسف أنا .."
عضت على شفتها في غيظ حين عجز لسانها عن تكوين جملة تعتذر بها له عن اتهامها هذا وفى أول ليلة لهما سويا
ابتعد عنها وهو يخبرها في خيبة أمل :
" خدي راحتك وانا هنام برة "
وقبل أن تجد ردا كان يفتح باب الغرفة لينام فى ملحق خاص بالجناح الذي حجزه فى الفندق ، ضربت الأرض بقدمها في غيظ ..لامت نفسها بشدة على تسرعها وافسادها لليلة تمنتها هي أكثر منه ، عليها ان تثق به اكثر ..لقد وعدها وسيبر بوعده... لن يجرحها ولن يخنها هي واثقة تمام الثقة من عشقه لها ، أخذت تجىء وتذهب فى الغرفة وهي تفكر كيف تصلح ما افسدته ؟؟، ابتسمت في خجل عزمت على التخلص منه لتستطيع ان تنتزع مقاومته للصفح عنها ، ستستخدم اسلحتها الانثوية لأول مرة معه ..هي لاتعرف كيف ولكن ستدع لحبه كل التصرف فى ان يوجهها كما شاء ، خلعت فستانها وارتدت منامة قطنية قصيرة ومثيرة من اللون الوردي ...اطلقت العنان لشعرها الذى قامت بفرده وتمليسه بعد الحاح من صوفيا ليصل طوله الى نهاية ظهرها...نثرت قليلا من عطرها الباريسى المميز والمثير و كست شفتيها بطلاء من اللون الأحمر القاني..ألقت نظرة خجولة على نفسها بالمراة ولكنها تخلت عنها سريعا بأخرى واثقة ومتحدية.. ولنرى اذن الى اى حد سيقاوم ابن البدري ..
خطت فى هدوء خارج الغرفة الى الملحق لتجده قد استلقى على الأريكة ويده تتجول بشعره في شرود ، تنفست فى عمق وهي تقترب لتجلس على ركبتيها أمامه وتمسك بكفه قائلة:
" أنا اسفة حبيبى ...حقك عليا "
تمعن بها للحظات قبل أن يشيح بوجهه ليخفى نظرة الاعجاب التى لمعت بشدة فى عينيه ...
ادرات وجهه من جديد بكلتا يديها هامسة في أنوثة :
" متزعلش بقا ..بحبك وبغير عليك أعمل ايه ...كان نفسى أجبها من شعرها وأفضل أضرب فيها وأقولها ده حبيبي أنا وبس "
منع الابتسامة بصعوبة من الظهور على ثغره فقد بدأ يستمتع بمحاولاتها ودلالها هذا وفضوله يحثه على معرفة ما بقي فى جعبتها ، اقتربت لتقبل وجنته في بطء هامسة :
" كدة برضه لسة زعلان "
أشاح بوجهه وكأنه يوجه لها وجنته الأخرى فابتسمت وهي تقبلها في رضا :
" طب كدة برضه "
وهذه المرة التقطت ابتسامته الخبيثة فأرادت ان تشاكسه بدورها لتنهض قائلة :
" خلاص يا يوسف خد وقتك ..أنا داخلة أنام "
نهض بسرعة وجذبها من شعرها وهو يعتدل ليجلسها على ركبتيه قائلا :
" هوا أنا كام مرة قولتلك شعرك ده متجيش ناحيته أنا بحبه مموج "
كورت وجهها تتظاهر بالألم :
" سيبني يا يوسف مش انت زعلان مني ؟؟...خلاص خليك هنا وأنا هدخل انام جوة "
أسند جبينه على جبينها وهو يتنهد :
" ما تقومي هوا أنا منعتك ...لو عايزة اتفضلي "
لفت ذراعها حول عنقه وهي تقول في اغواء :
" دخلني انت ..مش قادرة أقوم شلني....اووووف"
مطت شفتيها في كلمتها الأخيرة فكانت تلك هي القشة التي قضمت ظهر مقاومته الى أشلاء ..ثمرتين من الفراولة الناضجة أمامه لن يمنعه أحد الان من تذوقهما واحتوائهما بين شفتيه ليذوبا تماما في لحظات لم يعرف كم طالت ..قبلتهما الأولى التي تاق كل منهما لها ومنعه ألف سبب ..لم يدفعها حيائها لتبعده بل دفعها عشقه لأن تبادله جنونه بهيام ...لفت ذراعيها حول عنقه تطلب منه أن يوثق حبه بقبلة ثانية وثالثة ورابعة ..لم يهتم أحدهما حتى بأن يتنفس ..وما الحاجة للهواء والحياة بأسرها بين ذراعي كل منهما ...بعد لحظات لم يعد لطلاء شفتيها وجود ولا لبقايا ارادته مكان ..ولا لمشاكستها موضع
ابتسم وهو يبتعد قليلا عن شفتيها يسمح لها أن تشاركه الهواء ذاته ..أشار برأسه الى غرفتهما يهمس وقد فقد جل تماسكه:
" لو دخلت جوة مش هخرج "
اشتعلت وجنتيها خجلا وهي تدفن رأسها في صدره تخبره بصوت متحشرج :
" وأنا مش عاوزاك تخرج ابدا "
تنهد وهو ينهض ليحملها بين ذراعيه فجأة هاتفا في انفعال:
" ولا أنا هسمحلك تبعدي اصلا "
واتجه بها الى غرفتهما ليعيشا ليلتهما الخاصة والتي حملت كثيرا من الحب والجنون ...حبا تعلمه كل منهما لأول مرة على يدي الاخر ...حبا يحمل مبادئهما وقواعدهما ويأخذ من صفاتهما الكثير ..
تحول شغفه بها الى ادمان ...
تحول عشقها له الى رابط تشبث به كيانها بقوة ..
لم تخمد نار شوقه بوصالها كما ظن بل اشتعلت أكثر وأخذت في طريقها ما تبقى من اعتقاده عن عجز أي أنثى عن التأثير به ...
مايشعر به ليس تأثير ..ليس رغبة ..ليس عشق ..بل كيان ينصهر تماما في كيان تلك المخلوقة ..
وهي ..
تذوب معه ..
تشعر أنها في محراب مقدس تحيطهما ملائكة الحب بأجنحتها الناعمة وتبارك عشقهما...
تلاشى خجلها لتشعر أن كل جزء فيها قد خلق لهذا الرجل ...تركت جسدها له يدمغه بعشقه ويوثق حقه به
لم تؤنبها كرامتها مطلقا وهي تهبه حق ملكيتها ...
هي ملك يده فقط ..له فقط ..تتجرع الحب بين ذراعيه بأسمى الطرق...لا خوف ..لا ألم ..لا فراق ..فقد منحها يوسف البدري صك الأمان وهو يهمس بعشقه في أذنها الاف المرات ..
واحتلت رأسها صدره بعد لقاء طويل بالروح قبل الجسد بحثت عن موضع قلبه لتريح وجنتها عليها تتلقى قبلاته على هيئة نبضات متسارعة تخبرها أن هذا موطنها وملاذها من اليوم فصاعدا..
**********************************
أسكت جرس هاتفه للمرة السادسة وهو يلقي به بعيدا حتى سمع صوت استلام رسالة ففتحها ليجدها منها كما توقع :
" والله لو مانزلت حالا لاطلعلك أنا وأنت عارف انى مجنونة واعملها "
لولا أنه يدرك جنونها بالفعل لما أطاعها وكان أمامها عند حوض الزهور الخاص به في الحديقة بعد أقل من دقيقة ، نهضت بسرعة حين رأته أمامها واقتربت تقول :
" زين ..والله أنت فاهم غلط ...أنا عارفة اني غلطانة بس عايزاك تسمعني "
تخطاها ليجلس على طرف الحوض فهو بالفعل يريد ان يسمع منها مايبرد نار غضبه وحنقه عليها :
" اتفضلي أنا سامعك وبسرعة عشان أنا مش عاوز مشاكل ..كفاية اللي حصل النهاردة "
ردت وهى تجلس فى المقابل:
" الفستان اللي كنت هحضر بيه الفرح اتحرق وأنا بكويه ومكنش فيه وقت اشتري غيره ولبست اللي كان عليا أعمل ايه ؟؟"
نهض في حنق من حجتها المستفزة ورد في صرامة :
" مكنش لازم تلبسي سواريه أصلا كنتي البسي أي حاجة وخلاص "
هزت رأسها في اعتراض :
" ده فرح ايلينا يازين يعني فرح أختي ..البس أي حاجة ازاي ؟؟...وبعدين أنا كنت مغطية نفسي بشال بس نسيته في الحمام ..ما انت عارفني دايما بأنسى حاجتي في كل حتة "
زفر في ضيق يسألها مجددا :
" واللي انتي كنتى واقفة تهزري معاه ؟؟"
اخفضت رأسها في خجل وهي تهمس تسترضيه :
" مش هتكرر تاني "
هز رأسه وهو ينظر للأعلى ويتنهد فى غيظ فاقتربت لتمسك كفه قائلة:
" خلاص بقا يازين قولتلك اسفة ومش هتتكرر تاني "
انتزع كفه من يدها قائلا في احباط:
" بابا لما شافك النهاردة مقدرتش أدافع عنك قدامه ..مكنتش قادر أنطق "
عقدت ساعديها تخبره في ملل :
" زين أنا اعتذرت عن اللي حصل هعمل ايه تاني ؟؟"
نظر لها وقد بلغ غضبه من استهتارها أقصاه فزمر شفتيه في يأس :
" ولا حاجة يا صوفيا ..تصبحي على خير "
وقبل أن يبتعد بخطواته الواسعة التفت لها فجاة ليضيف في سخرية :
" واه بالمناسبة شغل الجنان بتاع لو منزلتش هطلعلك أنا لو حصل تاني ..النتيجة هتكون أكبر من مجرد زعل بينا يا صوفيا "
اغمضت عينيها وهي تتابعه يذهب من أمامها بخطوات غاضبة ، ماذا كان بامكانها ان تفعل ؟؟هل تخبره ؟؟، لو علم بما تنوي فعله سيعترض بالتأكيد ولكنها ستفعل كل ذلك من أجله هو ، وعدته فى سرها انها ستكون المرة الاخيرة..ستكذب لاخر مرة من اجله فقط .
***********************************************
مرت أيام سافر فيها يوسف وايلينا لقضاء شهر العسل فى اسبانيا نزولا على رغبة الثانية فالأول كان يرغب في الذهاب الى سنغافورة وأمام اصرارها قبل باسبانيا حيث أرادت ان تصنع ذكريات خاصة معه فى أكثر بلد تحبه وتطلق عليه دوما الجنة المفقودة ..
أما الجنة الحقيقية بالنسبة اليه فوحدها من تمتلك مفتاحها وتعرف كيف تأخذه اليها..
لن تختلف اسبانيا عن سنغافورة أو حتى جناحهما المغلق في قصره بمصر فقد جاب العالم بأسره وتمنى لو عاد الزمن ليطوفه معها من جديد كي يزرع في كل وطن يذهبا اليه ذكرى مخلدة لعشقهما ..
عشقه لها قد وصل حد الهوس وكأنه أطلق العنان لكل ما حبسه بداخله لينطلق دفعة واحدة بحرية ودون حدود ، كان يحتجزها أحيانا فى الفندق لأيام.. فقط لتبقى بين ذراعيه يشتم رائحة شعرها المموج الذى اصبح ادمانه .
وفى الوقت ذاته سافر محمود مع سميرة الى الصعيد لعلة طارئة المت بأخيها لتصر على البقاء مع الأخير لعدة ايام فتركها الأول وعاد الى القصر ، اما زين فقد تحمل على كاهله اغلب العمل بعد غياب شقيقه وفي يوم بينما كان مشغولا بمراجعة بعض الأوراق الهامة على مكتبه تلقى اتصالا من ابيه جعله ينتفض واقفا في غضب ولولا أنه أبيه لارتكب جريمة بمن يتفوه بهذا الكلام ...
صورة أرسلها له كادت أن تطيح بما تبقى من عقله ، ترك مكتبه على الفور وكل ما يفكر فيه أن يثبت له سوء ظنه ، انطلق بسيارته الى حيث العنوان الذى اخبره به ، وقف امام باب الشقة ينظر الى الرقم ليتأكد ، استند بجبينه على الباب للحظات وهو يلهث بشدة ..
لا يمكن ان تكون صوفيا هكذا ابدا ، سيكون مدينا لها باعتذار عما سيفعله الان وللحظة فكر في التراجع ولكن اصراره أن يثبت لأبيه العكس لم يترك له فرصة التفكير من جديد ..أقسم ان لم يجدها فسيتزوجها رغما عن ابيه وعن كل عائلته ورغما عنها ان رفضت ...
مد يده في تردد الى جرس الباب وهو يغمض عينيه في قوة ...ضغط عليه دون ان يرفع اصبعه فهو يعرف انه ان رفعه لن يعد الى قرعه من جديد ، تعالت دقات قلبه وهو يشعر بالباب يفتح ، التقت عيناه بعينيه ، قطب حاجبيه ليتذكر هذا الوجه المألوف لعينه البغيض لقلبه ، وبالفعل تذكره... انه هو ..نفس الشاب الذي كانت تمازحه فى حفل الزفاف ..اقترب منه يسأله في دهشة :
" فيه حاجة ..انت مين ؟؟ "
لم يعد لزين أي ذرة عقل واحدة تحكمه وهو يزيحه من طريقه في عنف ليدخل الشقة ، تراجع خطوتين فى صدمة وهو يراها بالفعل .. صوفيا .. تجلس على الأريكة فى شقة أعزب وحدهما ..
انتفضت حين رأته وشهقت في خوف ...حاولت النطق فخرجت حروفها مبعثرة :
" زيي...زين ..انا ..."
قال الشاب من خلف زين وهو يضع يده فى خصره:
" هوا فى ايه بالظبط ؟..مين ده يا صوفيا ؟؟"
تعلقت عينا صوفيا بعينى زين اللائي اتسعتا في صدمة ودعت الله ان يحدث ما تنتظره بسرعة ، مرت لحظات قصيرة قبل أن تأتي ايتن لينتفض الشاب لحظتها ويهتف في فزع :
" ايتن "
التفت زين فى بطء ليجد شقيقته خلفه فوضعت يديها على ثغرها وهي تشهق :
" لا " ..
نظرت صوفيا الى ايتن والى زين الذى تخلص من ذهوله اخيرا ليجد الشاب قد استغل حالة الصدمة التى المت بالجميع وترك المكان ، اقتربت صوفيا وهى تضم كفيها الى بعضهما في رجاء :
" زين ...ارجوك تهدى عشان نعرف نتك.."
ولم تكمل جملتها اذ دفعها بعنف على الأريكة هاتفا :
" احنا مفيش بينا كلام ...روحي كملي قعدتك واستني البيه لما يرجع ..انتي انسانة مستهترة معندكيش لا اخلاق ولا دين ...وجهة نظرهم من الأول كانت صح مهما أحاول معاكي مش هتتغيري ...وجودك فى الفيلا من الأول أصلا غلط ...ازاي مفكرتش انك ممكن تأثرى على أختي وتجريها معاكي لقرفك ده "
حناجر قاسية اجاد تسديدها في جسدها بدقة ونفذت منه الى كرامتها وقلبها العاشق بحبه وكيانها الذي أصبح ينتمي بأكمله اليه ..
نظرت الى ايتن الغارقة في صدمتها التي انتشلها منها زين وهو يجذب خصلاتها بقوة و يصرخ بها :
" ايه اللى جابك هنا ..انطقي "
ونظر الى صوفيا باشمئزاز ليضيف :
" الهانم اللي عرفتك عليه مش كدة ؟؟"
وضعت صوفيا يدها على صدرها وهتفت في الم :
" كفاية بقا ..ايتن اتكلمي قوليله انا هنا ليه ...قوليله احنا هنا ليه "
ردت ايتن وكأنها فى عالم آخر :
" يعني هوا كان بيضحك عليا ؟؟؟...كان بيخدعني يا صوفيا "
ارتخت قبضته لتترك خصلاتها ...انقلبت الموازين في لحظة ولم يعد يفهم ماذا يحدث بالضبط ...أمسك كتفيها وهزها بعنف :
" انتي بتقولي ايه .. مين اللي بيخدعك ؟؟؟"
وقبل ان ترد سمع الاثنان صوت ارتطام جسد صوفيا بالأرض وهي تسقط مغشى عليها ، تسمر زين فى مكانه ..بينما تحركت ايتن بسرعة وأخذت تضرب على وجنتها في رفق وتناديها دون أي استجابة فنظرت الى زين وهتفت في هلع:
" زين بسرعة ..حاسة نبضها ضعيف ..لازم ننقلها المستشفى "
********************************
استند الى الحائط وهو يثنى ركبته ليرتكز بقدمه عليه بينما يعقد ذراعيه وهو ينظر الى ايتن في حنق قائلا :
" بطلي عياط وفهميني ايه اللى حصل بدل ما اعرف منك بطريقة تانية "
انتحبت وهي تحاول التماسك قائلة :
" حبيته يا زين ..حبيته وهوا كان بيخدعني "
يخدعها !!!، وصلت الكلمات الى أذنه فلم تحتمل سوى معنا واحد محته هي على الفور مسرعة :
" اطمن محصلش حاجة ...أنا بس اتجرحت "
هتف فى نفاذ صبر :
" اتكلمي بوضوح وقولي من الأول "
ردت وهي تمسح دموعها :
" أنا وسامح كنا بنحب بعض او اتهيئلي انه كان بيحبني ..حبيته لدرجة انه لما طلب مني اسيب حسام واهرب معاه واتجوزه كنت هطاوعه ..لولا صوفيا هيا اللي عرفتني حقيقته "
استلقت فى تهالك على مقعد قريب لينهار جالسا الى جوارها فى صدمة لا يصدق بالفعل ان اخته الصغيره التى يعدها طفلة يصدر منها كل هذا ، واصلت هي دون ان تنظر اليه:
" قالتلي أنه بالصدفة سمعت وعرفت أنه كداب وعاوز يخليني اهرب معاه عشان يبتز عيلتى بيا مش اكتر ..طبعا مصدقتش واتخانقت معاها وهيا قالتلي انها هتثبتلي انه مش بيجبني وكداب.. سمعتني تسجيل مكالمة ليهم سوا بيطلب منها تروحله شقة مفروشة عشان يتعرفو على بعض اكتر ..كان فاكر انها مجرد واحدة خواجاية سهلة ..برضه حبه كان عاميني ومصدقتهاش فقالتلي انها هتجازف عشان تثبتلي انى غلطانة ..فعلا قررت تروحله وانا كنت وراها بعربيتي طلعت موبايلها وفتحته بحيث اسمع كل حاجة بينهم وكانت مأمنه نفسها بجهاز وياها بحيث لو حاول يتهجم عليها...وفعلا صوفيا استدرجته فى الكلام وسمعت كل حاجة بوداني "
ظل ينظر لها لحظات وهو غارق في صدمته وانكاره لكل ما يحدث ...هو في كابوس لا شك ... اخته تفعل هذا !!!..
اخته تفكر فى الهروب ولا تضع لهم أي وزن او قيمة ، وصوفيا المتهورة الغبية تجازف بنفسها الى هذا الحد ، لما لم تبلغه بالأمر لينهي كل شىء بيديه حتى لو اضطر لقتل تلك الحمقاء ، حاول ان يهدىء من انفعاله بقدر المستطاع حتى لا يفتك بها امام الناس فى المشفى فقال بصوت متهدج :
" انتى يطلع منك ده كله ؟؟؟ ليه ؟؟؟؟...كنتي عاوزة تهربى وتفضحينا ؟؟؟...مش عاوزة حسام قولي اتمسكى برأيك ..ابوكى وعدك انه مش هيجوزك غصب عنك "
مدت اناملها الى كتفه فأبعدها فى عنف ونهض هاتفا:
" امشى من وشى دلوقتى بدل ماافقد اعصابى قدام الناس وحسابك معايا بعدين "
اخفضت رأسها وهمست فى حزن :
" حاضر همشى ..بس بلاش تظلم صوفيا ..انا اللى مكنتش مصدقة وهى اضطرت تعمل كدة عشانى ..او عشان انا اختك ..ارجوك متزعلش منها "
نظر اليها في غضب وكأنه لم يسمع حرف مما قالته وهتف بها وهو يكور قبضته ويلكم بها الحائط خلفها
" سمعتى انا قولت ايه ولا لا "
انتفضت في فزع وقبل ان ترد خرج الطبيب من غرفة صوفيا فاتجه اليه زين فى قلق لم يستطع مقاومة وجوده فهى حبيبته رفض او قبل لايهم :
" اخبارها ايه دلوقتى ؟؟"
نظر له الطبيب مطولا وقال:
" اتعرضت لانفعال شديد وده مخليها رافضة تفوق ..على كل حال احنا ادناها مهدئات وشوية وهتبقى كويسة ان شاء الله "
*************************************************
انتفضت ايلينا من نومها فجأة وهي تلهث بشدة وتضع يدها على صدرها تقاوم انقباضاته المؤلمة و تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، انتفض يوسف الى جوارها فى قلق ، احتضن وجهها بين كفيه ودفنه فى صدره وهو يمسح على شعرها فى حنان هامسا :
" بسم الله الرحمن الرحيم ..اهدى حبيبتى ...اهدى ..ده كابوس ..انا معاكى اهو "
حاول ان يتركها قائلا :
" هجيبلك مية "
تشبثت به اكثر وهى تهز رأسها فى قوة ،رفع وجهها واحتواه بين كفيه ...ازاح باصابعه خصلات شعرها التى التصقت بجبينها المتعرق وقبله قائلا :
" انا جنبك يا روحي متخافيش "
حاولت معادلة انفاسها المتسارعة لتقول:
" قلبى مقبوض اوى يا يوسف ..حاسة فيه حاجة غلط "
رد وهو يمسح على شعرها مجددا :
" اهدى بس ده مجرد حلم ..احنا كلمناهم قبل ما ننام وكانو كويسين "
واستلقى بها من جديد ليجعلها تتوسد صدره وهى تتشبث به تشبث غريق بطوق نجاة ، اخذ يمسح على رأسها حتى بدأت ترتخى فابتسم قائلا :
" حاولى يا ايلينا تنامى "
همست فى ضعف :
" مش عارفة "
-" غمضى عينيكى هتنامى "
ابتسمت من معاملته لها كطفلة فأحبت الدور وقالت :
" احكيلى حدوتة "
ضحك في صخب :
" حدوتة ؟؟؟...حدوته ايه بقا ؟؟"
رفعت رأسها قليلا لتنظر الى عينيه :
" حدوتى معاك ..قولى ازاى حبتنى وامتى "
اعاد رأسها الى صدره من جديد كأنه يخشى ضياعها وقال في شرود :
" مش عارف ازاى ولا امتى وصلت لحالتى دى وبقيتى انتى كل حاجة فى حياتى ..حتى وقت ماكنت ببعدك كنت بدعى ربنا متبعديش ابدا ..فجأة لقيتك ماليه اى وجود للست فى حياتى بقيتى امى واختى وحبيبتى ومراتى ..فجأة بقيتى بالنسبالى ادمان ...مش قادر اتخيل حياتى لحظة واحدة من غيرك ..على قد ما كنت خايف انه تيجى ست تسيطر على مشاعرى بالشكل ده ..على قد ما انا عايز اغرق اكتر واكتر فى حبك "
شعر بانفاسها المنتظمة تخبره باستغراقها فى النوم فتنهد بعد ان ضمها اليه بقوة وقبل رأسها بحنان:
" انا بعشقك يا ايلينا "
********************************
نهض لاستقبال والده الذى جاء رافعا رأسه فى شموخ غريب فزفر فى غيظ وهو يقول :
" جاي تطمن على نجاح خطتك مش كدة ؟؟"
قطب محمود حاجبيه هاتفا فى غضب :
" خطتى ؟؟؟...اتكلم بأدب يا ولد انت ...انا بس كشفتها قدامك مش اكتر ...كنت متأكد ان اكيد ليها علاقات فحطتها تحت المراقبة عشان اثبتلك انك غلطان ...ها يا سعادة البيه لسة عايز تتجوزها بعد كل اللى عرفته "
ابتسم فى سخرية وهو يرفع حاجبه :
" المرة دي انت اللى غلطان "
رد محمود فى عنف وهو يضرب كفيه ببعضهما ..
" يااااه للدرجادي ماليه دماغك ....اكيد وصلت بدرى ملحقتش تشوف بعينك كل حاجة "
اوقفه زين بكفه يمنعه من التمادي أكثر :
" كفاية ظلم بقا "
اتسعت حدقتا محمود فى انكار ...ماذا عليه أن يفعل أكثر من هذا ليثبت لولده انحطاطها ..هل عشقه لها ألغى كرامته كرجل :
" ظلم ؟؟....انت جايبها من شقة مفروشة يا استاذ ..عاوز ايه اكتر من كدة ...واكيد طبعا مش اول مرة ليها ..تلاقيها رافقت قبلك بدل الواحد عشرة وانت يا دوب واحد من ضمن "
كاد زين ان يصرخ لأبيه بالحقيقة كاملة ولكن هل هذا سيشفع لها؟؟...
سيتهمها انها استخدمت جسدها للايقاع برجل كأى ساقطة ، هذا تفكير ابيه الذى يحفظه ، تبا لها لما لم تخبره من البداية ؟؟..
ولكن اباه يجب ان يعرف بما فعلته ابنته...كلا ... الوقت والمكان غير مناسبين لاستقباله صدمة كتلك ..سيطمئن عليها أولا وبعدها يخبر أبيه بما فعلته ابنته المصون .. مسح على وجهه وقال في تعب :
" بابا انا متأكد انى اول واحد فى حياة صوفيا "
رد ابوه فى تهكم وهو يفرك كفيه باصرار غريب :
" ولو اثبتلك المرة دى بجد انك غلطان "
تأمله زين فى حيرة فمال محمود اليه مواصلا :
" هيا دلوقتى نايمة على حسب ماسمعت ومافاقتش ...يعنى لو خلينا اى دكتورة تكشف عليها هتعرف بسهولة اذا كنت حضرتك هتبقى اول واحد ولا لا "
شهق زين فى ذهول واتسعت عيناه لا يصدق ان من يتحدث هذا هو نفسه ابوه الذى رباه على الفضيلة والخلق ، كيف يفكر فى امتهان كرامة انسانة بهذه الطريقة .. هتف بانفعال متناسيا انه امام ابيه:
" اللى بتقوله ده مش هيحصل غير على جثتى فاهم "
رد محمود فى برود غريب :
" لما انت واثق فيها اوى كدة خايف ومرعوب ليه مادام هتطلع سليمة ..المفروض انت اللى تطلب كدة عشان تثبتلى انى غلطان "
رد وهو يضرب الحائط بقبضته :
" عشان لامن حقى ولا من حقك ننتهك جسم انسانة بالطريقة دى "
نظر له محمود نظرة طويلة...يعرف أنه يلعب على أضعف أوتار ولده كرجل ..كرامته ..
يعرف أن ولده ربما يراوده الشك أكثر منه بعد ما رأى منها بعينه ولكنه يكابر ...حسنا سيعطه عرضا ربما قبل المساومة عليه :
" هيا مش في وعيها دلوقتي ..يعني لا هتحس ولا هتعرف حاجة وأنا أوعدك بشرفي أنها لو طلعت بنت هجوزهالك فورا ..
+
السادس عشر من هنا